الصفحات

الخميس، 10 أكتوبر 2013

تلوث البيئة فى منطقة حلوان: المعضلة والحل ...

تلوث البيئة فى منطقة حلوان: المعضلة والحل

د . حمدي هاشم :
تمهيد :

   لاشك أن سكان منطقة حلوان قد تمتعوا لوقت طويل بما يفتقدوه اليوم من 'قيمة طيب العيش'، في مكان قد صحت قواعده الجغرافية لاستقرار العمران البشري، وذلك بعد انهيار اقتصاديات الاستثمار العقاري والسياحي نتيجة طغيان نشاط الصناعة على المكان بعد توطنها وانتشار ملوثاتها الضارة في المحيط الحيوي. هؤلاء الشهود على التغير البيئي في المكان بما لديهم من صور ذهنية ترصد الوضع العمراني بين الماضي والحاضر، أي قبل وبعد دخول الصناعة. الأمر الذي يحدد أشكال الاختلاف والتباين بين وضعين، يدل صافي الفرق بينهما على مدى إشكالية وأحادية التوطن الصناعي، الذي لا يراعى الاعتبارات البيئية سعياً وراء تعظيم التدفقات المالية من الصناعة. أضف إلى ذلك خروج المكان عن فطرته الأولى، حيث كانت البيئة قادرة (بدرجة كبيرة) على التوازن بين المدخلات والمخرجات فبرئت مما يلوثها حتى وقت قريب. ويعد تلوث بيئة حلوان انعكاساً حتمياً ورد فعل مباشر لتغير اقتصاديات استغلال المكان، الذي كان يفترض معها تنمية المجتمع والارتقاء بنوعية البيئة وصحتها. ومن البديهي تبعاً لظروف المعيشة الحاكمة في بلدان العالم الثالث أن تتخلى سياساتها في مراحل التصنيع الأولية عن رفاهية التفكير في صون البيئة، بل تلقي جنباً مبدأ المحافظة على البيئة من التلوث. وبذلك يتعثر تحقيق هذه المعادلة الصعبة في ظل الظروف الاقتصادية بتلك الدول الفقيرة (الآخذة بأهداف التصنيع)، ولكن لابد من تأكيد أن هذين الهدفين عظيمان ومتلازمان معاً من أجل تعميق فكرة الاستغلال الأنظف واستدامة موارد البيئة ولاسيما في بدايات التصنيع. ومن ناحية أخرى فكلاهما نتيجة وسبب (المكان والإنسان) لما بينهما من علاقات دائمة ومتنوعة، دع عنك حجم تكلفة صيانة البيئة، تلك التكلفة الاقتصادية المحدودة عند بدء النشاط الصناعي، التي تجني الصناعة ثمارها أضعافاً في مراحل لاحقة.


توطن الصناعة في قلب إقليم القاهرة :

   إن اختيار مواقع الصناعة بدون أخذ الاعتبارات البيئية، كبعد هام ومؤثر في المحيط الحيوي بما في ذلك الصناعة ذاتها، يأتي بنتائج وخيمة ومشاكل اقتصادية حادة تنعكس في أنظمة المكان الأربعة: اليابس والغلاف المائي والغازي والحيوي الطبيعي؛ مما يجعل العيش فيه صعباً بل مخاطرة بصحة الإنسان وممتلكاته. حينئذ يفقد مجموع السكان قيمة الاستمتاع بطيب العيش في ذلك المكان، وهي قيمة اجتماعية اقتصادية غالية وصعبة القياس أو التقدير. وترى منطقة شبرا الخيمة وقد أجهزت على رئة العاصمة بالتلوث الصناعي المستمر، بل كادت تختنق مدينة القاهرة وسكانها بما تستقبله من ملوثات غازية ضارة تحملها الرياح السائدة. ومن ناحية أخرى وبصورة مختلفة، ظهرت مصانع جنوبي القاهرة وكأن منطقة حلوان قد حققت بذلك نمطاً للتوطن الصناعي الصحيح والمخطط. وحقيقة الأمر أن تحول منطقة حلوان إلى قاعـدة صنـاعية وعمالية كبرى، قد أفقدها قيمة مضافة بيئية (خالية من تكلفة التلوث الصناعي)، نتيجة الاستغلال الأنسب لاقتصاديات المكان كمنتجع صحي وترفيهي عالمي ومحلى. وبالنظر إلى مركز الثقل الصناعي في كل من محافظتي القليوبية والقاهرة، يظهر في كليهما جنوبياً وفي أقصى الحدود الإدارية، ولكن في حالة القليوبية كان لا يزال عظيم الأثر في أضراره البيئية التي تعاني منها القاهرة، تلك المدينة التي تتنفس تلوث مصانع شبرا الخيمة. بينما في حالة القاهرة وإن ظهر صحيحاً، تمشياً مع قاعدة التوطن الصناعي في جنوب وجنوب شرق المدن المصرية، فلم يحالفه الصواب من ناحية التنظيم المكاني؛ ودليل ذلك إقامة مناطق سكنية داخل ذلك النطاق كثيف التلوث بحلوان. وبذلك تكون مدينة القاهرة قد ابتعدت كثيراً عن معيار 'نقاء البيئة مما يلوثها'، ففقدت درجات كثيرة قللت من شأن موقفها الحضاري تجاه قضية التلوث البيئي. فهي إذن مدينة مقهورة وليست القاهرة، بموقعها بين هاتين المنطقتين الصناعيتين الرئيستين في شمالها وجنوبها ، فضلاً عن مخلفاتها من الأنشطة الاقتصادية الأخرى.

إلى أي فروع العلم تنتمي / الهدف والمنهج :

   تعد مشكلات التلوث الصناعي بالمناطق الحضرية من المردود السلبي لعملية التنمية، وتدخل ضمن الجانب التطبيقي لفرع الجغرافيا الاقتصادية بوجه عام وجغرافية الصناعة بوجه خاص، ويعد الاهتمام بالجانب البيئي في المكان أحد عاملين يدفعان الجغرافيا الاقتصادية للجانب التطبيقي النفعي للمجتمع، أي دراسة الآثار البيئية للمشروعات الاقتصادية من الناحتين الطبيعية والبشرية خلال مراحل التنمية. ومع تطور علم الجغرافيا في ضوء المتغيرات العالمية المعاصرة، ظهرت في نهاية القرن العشرين ' الجغرافيا البيئية Environmental Geography' كفرع متخصص في دراسة مشكلات البيئة، يقوم برصد وربط وتحليل تلك التفاعلات المتبادلة بين الإنسان ومحيطه البيئي، لقياس مردود ذلك النشاط البشرى وأثره الضار على مختلف عناصر البيئة، نتيجة توطن المشروع الاقتصادي، وذلك وصولاً إلى حماية البيئة من التلوث. وقد تزامن ظهور فرع الجغرافيا الجديد مع ما استقرت عليه المؤسسات الدولية، كالأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، ضمن إجراءات الحفاظ على البيئة من التلوث، من ضرورة الأخذ بدراسات التخطيط البيئي وتقييم الأثر البيئي والمراجعة البيئية للمشروعات. ولما كان هذا المقال في صلب الجغرافيا التطبيقية وينتمي للجغرافيا البيئية بوجه خاص، فقد اعتمد على منهج التقييم البيئي الشامل في علم الجغرافيا، لدراسة وتحليل وتقييم التفاعل البيئي بين النشاط الصناعي والمحيط الحيوي، ورصد الوضع البيئي للمنطقة حسب البيانات المتاحة لسنة 2001، ومن ثم التوصل إلى ثلاثة بدائل استراتيجية لحل معضلة التلوث البيئي بمنطقة حلوان تأسست على القواعد الجغرافية للتنظيم المكاني.

عصر الازدهار البيئي :
    كان صدور الأمر الملكي من الخديوي إسماعيل، إبان مدة حكمه لمصر، بإنشاء مدينة حلوان الحمامات (في سنة 1871م)،
(1) وراء تنافس أمراء ووجهاء مصر المحروسة على بناء القصور والاستراحات والفيلات بحلوان سعياً وراء اقتناء موقع صحي للإقامة الشتوية، بينما كان يتوافد على حلوان جموع غفيرة من شتى أنحاء العالم، هرباً من تلك الظروف القاسية والمتقلبة لموسم الشتاء في بلادهم، لطلب الراحة والترفيه وسط بيئة الصحراء ذات المناخ الصحي، الذي لا يضاهيه مناخ آخر بين المنتجعات الأوروبية الشهيرة في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا. حيث جذبت حلوان فنادق الدرجة الأولى ( مثل جراند أوتيل) التي تعادل مثيلاتها في القاهرة وفى كثير من المدن العالمية الكبرى، مع الاعتدال في أسعارها، علاوة على ذلك القطار السريع الذي يربطها بالمركز التجاري للعاصمة (24 رحلة في اليوم)، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر. وكان يقصد هؤلاء السائحين حلوان لذاتها في رحلات مباشرة ومستمرة من بلادهم، كما يقصدون اليوم مدينة الغردقة على ساحل البحر الأحمر، ففي حلوان تتلاقى ثقافة الألوان والفن التلقائي للطبيعة، بين تلال المقطم والصحراء الشرقية المترامية الحدود، وتلك الأضواء والظلال المتناسقة مع مرتفعات الرمال من جهة وصفحـة وادي النيل المنبسط من جهة أخرى، الساطعة مع أشرعة جريان المراكب في النهر، والمتعانقة مع الخضرة المترامية وسط الأراضي الزراعية، حيث تشكلت بيئة خلابة ذات جو بديع، اتفقت عناصرها على التناغم والهدوء والغبطة، مما يجعل محبو الطبيعة يستمتعون بسحر الشرق في أبهى صوره. ناهيك عن مشاهد الحياة الفطرية، والجمال الصامت لبساتين النخيـل بقرى العرب، وقوافل الإبل التي تخترق دروب الصحراء، بخلاف هذا المنظر التاريخي المشهود حينما ترتمي الأنظـار من جهة حلوان تجاه جانب وادي النيل الغربي، حيث تشاهد بوضوح أهرامات الجيزة وسقارة ودهشور، تلك البانورامـا البيئيـة الفريـدة من نوعها في المعمور العالمي.

مصنع أسمنت طره شمالي منطقة حلوان

الغزو المبكر لصناعة الأسمنت :

  كانت بيئة حلوان الفريدة وسط الصحراء والمتميزة بمناخها الصحي وبعزلتها البرية التي أعطت الفرصة للحياة الفطرية أن تنمو وتزدهر، وراء ازدهار مدينة حلوان حتى أصبحت قبلة الشرق والغرب. إلا أن سياسة الاستثمار في السياحة الصحية والترفيهية وسياحة الصحراء لم يستمر طويلاً، فقد اختارت شركة الأسمنت المصرية، ومقرها بروكسل وقتئذ، حلوان لإنشاء أول مصنع (في سنة 1900) باستثمارات القطاع الخاص لإنتاج الأسمنت البورتلاندى بمصر، وذلك بموقع في شرقي المعصرة بجبل حوف، للاستفادة من توفر الحجر الجيري والقرب من العاصمة. وإن كان ذلك المصنع حالف الصواب (حينذاك) في توطنه بجنوب شرقي ضاحية المعادى في منصرف الرياح، إلا أنه قد خالف الصواب بتوطنه شمالي ملاعب الجولف بحلوان، تلك الملاعب ذات الشهرة العالمية التي كانت تفترش مسطحاً يزيد عن كيلو متر مربع، على مسافة خمسة كيلومترات من ذلك المصنع، فوق تلك الأراضي المتاخمة لصحراء مدينة حلوان. وكانت الحكومة المصرية (في سنة 1925) قد قررت تخصيص منطقة صناعية للقاهرة، تجمع المصانع ومساكن العمال في منطقة واحدة، بشرط آلا يلوث موقعها المناطق المحيطة بها. وبالفعل وقع الاختيار على منطقة المعصرة شمالي حلوان، إلا أن الفكرة قد لاقت معارضة قوية، لأن المعصرة لا تملك الشروط الكافية لإقامة تلك المنطقة الصناعية المطلوبة، علاوة على الخسائر البيئية المتوقعة، في هدم المزايا الصحية لمنتجع وعيون حلوان، بما ستحمله الرياح باتجاه حلوان من ملوثات المنطقة الصناعية المقترحة. ولم تلبث أن تأسست شركتا طره وحلوان للأسمنت خلال عامي 1927، 1929 على التوالي، فتوطن المصنع الأول بطره شمالي المنطقة، بينما توطن الثاني وسط المنطقة بكفر العلو.

البعد الإستراتيجي وتأكيد الوظيفة الصناعية :

   بعد ثلاثين عاماً من توطن صناعة الأسمنت بموقعي طره وكفر العلو، أنشأت الشركة القومية للأسمنت مصنعها بالتبين (في سنة 1958)، وذلك حسب السياسة الحكومية بعد قيام ثورة يوليو 1952التى حفزت قيام الصناعة على حساب اختفاء سياحة الصحراء، وعجلت ملء الفراغ العمراني بالمصانع والعمال لتأمين القاهرة حال وقوع هجوم عسكري أجنبي عليها، فأصبحت منطقة حلوان قلعة الصناعات الثقيلة ولا سيما الحربية والاستراتيجية منها. إلا أن ذلك التحول الوظيفي قد تم بدون دعم حكومي لذلك القرار، فتوطنت الصناعة بالمنطقة بلا تخطيط حكـومي لتوجيه حركة التصنيع وبدون تدبير للاستثمارات اللازمة لتنفيذ مقومات البنية التحتية للتعمير، الأمر الذي كان وراء تدهور بيئة حلوان وتحرر قيود المصانع في تخلصها من مخلفاتها السامة (الغازية والسائلة والصلبة) في الهواء والماء والتربة. وهكذا تأزمت مشكلات البيئة بمنطقة حلوان نتيجة عشوائية النمو الحضري وتداخل استخدام الأرض المفرط. وبذلك يكون توطن الصناعة بهذه الصورة وغياب حق السكان في بيئة نظيفة قد شكلت نوعاً من عدم الاكتراث العام تجاه المحافظة على البيئة من التلوث، ولم يغير من ذلك صدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 بما يقتضيه من توفيق لأوضاع المصانع القائمة وفقاً لأحكامه، وما تزامن معه نتيجة قيام الحكومة بتنفيذ برنامج الخصخصة للإصلاح الاقتصادي، بغرض توسيع قاعدة الملكية باتجاه اقتصاد السوق الحر. أي أنه قد اجتمعت ثلاثية، صدور قانون البيئـة ودعم الولايات المتحدة الأمريكية للقطاع الخاص وخصخصة الحكومة لمصانع القطاع العام على ترحيل الأعباء البيئية إلى هؤلاء المستثمرين الجدد، مما قد يعود على الصناعة نفسها بأضرار اقتصادية باهظة التكاليف، عند تنفيذ برامج التحكم في التلوث من المصدر في حالة الأخذ بالمسئولية الاجتماعية للمشروع الاقتصادي.

الميزات النسبية للموقع والتطور الإداري :

   لا شك أن العوامل الجغرافية قد تلاقت بموقع حلوان فجسدت بتكاملها البيئي مزايا نسبية لشخصية المكان ومنها تميز الموقع بالنقاء، تلك العوامل التي أعطت بسخاء مبرراً لوجود مدينة حلوان كمنطقة خدمات رئيسة في إقليم مدينة القاهرة. وقد كانت بذلك هبة البيئة النقية التي أضفت على حلتها نشاطاً اقتصادياً مناسباً وقيماً فيما تقدمه من خدمة للمدينة الأم في خارجها. فتأكدت بذلك الوظيفـة الترويحيـة للمكان منذ عهد الخديوي إسماعيل، أي منذ ما يزيد عن قرن وربع القرن من الزمان،(2) وظلت بيئة حلوان هكذا خالية مما يلوثها حتى قررت حكومة الثورة (1952) أن تصبح منطقة حلوان قلعة مصر للصناعات الثقيلة. ولما اتسعت حلوان الحمامات في الماضي وكثر سكانها، الذين هم من أهالي القاهرة وكل أعمالهم ومصالحهم مرتبطة بها، أصدر وزير الداخلية (في 26 فبراير 1906) قراراً بإنشاء قسماً إداريا يتبع محافظة مصر ومقره مدينة حلوان الحمامات. وكانت المحلات العمرانية في طره، المعصرة، حلوان البلد، حلوان الحمامات، كفر العلو والتبين، تابعة لمحافظة الجيزة خلال التعدادات السكانية من 1882-1947، حتى نقلت لملاك محافظة القاهرة منذ تعداد (1960)، بينما أضيفت في تعداد (1986) 'مدينة 15 مايو' وهي من أحدث مراكز العمران بإقليم القاهرة بعد 'مدينة حلوان الحمامات'،(3) أما المحلات العمرانية الأخرى فهي من القرى القديمة، بل إن 'حلوان البلد' تعد من أقدم القرى التي أنشأها العرب في مصر، بل كان يوجد بها قرب النهر موقع 'بر حابى وقياسه النيلي' في عصر قدماء المصريين.

تغير استخدام الأرض والمركب الاقتصادي للسكان :

   توطنت الصناعة في حلوان فتغير المركب الاقتصادي للسكان، حيث شهدت العمالة بقطاع الصناعات التحويلية واستغلال المحاجر، في تعداد 1996، تزايداً ملحوظاً بما يعادل سبع عشرة مرة على حساب تناقص العمالة الزراعية بالمنطقة، وكذلك تزايدت العمالة بقطاع التشييد والبناء بما يعادل سبع وعشرون مرة قدر ما كانت عليه العمالة الصناعية في تعداد 1947. أضف إلى ذلك معيار ما توفره الصناعة لقطاع الخدمات من فرص العمل حيث كانت ثماني فرص خلال تعداد 1947 في مقابل فرصة واحدة في تعداد 1996. ومن ناحية العلاقات المكانية، تجاورت مواقع الإسكان العشوائي مع نظيرتها التي توطنت فيها المصانع، حيث نمت نصف عشوائيات المنطقة فوق أرض السهل الفيضي، بينما نما النصف المتبقي فوق الأرض الصحراوية بجوار المصانع. أما استخدام الأرض(4) فيفوق نصيب الصناعة فيه السكن، التي استحوذت على 12.3% ونحو 24.9% من جملة مساحة المنطقة والمساحة المأهولة بها على التوالي. وبصورة أخرى انتشرت الصناعة فوق مساحة 23 كيلومتراً مربعاً، بما يزيد عن مساحة ما يشغله السكن بنحو 3.5 كيلو مترات مربعة. وبذلك تمثل مساحة الاستخدام الصناعي ما يقرب من ثلاث مرات ما تحتفظ به الزراعة من الأرض ونحو خمس مرات قدر ما تشغله الاستخدامات العسكرية بالمنطقة. وهكذا تظل المصانع كبيرة الحجم(5) مسئولة عن التلويث المستمر للمحيط الحيوي، رغم تساوى عددها مع المصانع القزمية، فقد استقطب كل منهما خمس جملة مصانع المنطقة، ولكنهما بين طرفي النقيض من حيث حجم العمالة ورأس المال المستثمر وقيمة الإنتاج. أما المصانع صغيرة ومتوسطة الحجم فتشكلان معاً نحو نصف العدد، غير أنهما لم تستوعبا من حجم العمالة ورأس المال المستثمر سوى مقدار العشر، بل لم تصل قيمة إنتاجهما الصناعي إلى نسبة الواحد الصحيح من جملة الإنتاج بالمنطقة. وتكمن المشكلة فيما تشغله المصانع الكبيرة من مساحة الأرض، إلى جانب ما يتولد عنها بكميات ضخمة من مخلفات سائلة وغازية وصلبة، فتكون بذلك المسئولة عن تلويث بيئة حلوان والمناطق المحيطة بها.

موقف الشركات الصناعية :

   تظل المصانع كبيرة الحجم بالمنطقة، رغم مركزها النسبي على مستوى الدولة، عاجزة عن الوفاء بمتطلبات الالتزام البيئي وتوفيق الأوضاع حسب قانون البيئة. وقد رصدت اثنتان وعشرون شركة بمنطقة حلوان تستوعب مصانعها نحو 82500 عامل، باستثمارات قد بلغت نحو 18 مليار جنيه مصري، وتمتلك من الأصول الثابتة ما يصل قيمته إلى 8 مليارات جنيه مصري، وبلغت قيمة ما تنتجه حوالي 6 مليارات جنيه مصري. بينما لم تحقق تلك الشركات من الأرباح سوى 705 ملايين جنيه مصري (العام المالي 1998/ 1999) بنسبة 4% من حجم رأس المال المستـثمر بالمنطقة، وما يقرب من ثلاثة أخماس حجم الفائض القابل للتوزيع بجميع مصانع الدولة كبيرة الحجم، وذلك رغم أن عدد مصانع المنطقة لا يشكل أكثر من مقدار السدس، إلا أن حجم ما يستثمر فيها يزيد عن خمسي حجم رأس المال المستـثمر بالدولة. ناهيك عما حققته تلك الشركات من عجز مرحل بلغ 1.3 مليار جنيه مصري، بنسبة 7.4% من حجم رأس المال المستثمر بالمنطقة، وبما يزيد عن خمس حجم العجز المرحل بكافة المصانع المناظرة بالدولة. أضف إلى ذلك نحو مليار جنيه مصري تمثل مجموع الخسائر بما يزيد (أيضا) عن خمس حجم الخسائر المجمعة على مستوى الدولة. وذلك الوضع الاقتصادي ـ المالي لا يتوفر معه تمويل ذاتي لتوفيق أوضاع تلك المصانع حسب معايير قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994.

التلوث الجوى والأزمة البيئية :

   أكدت دراسة حالة البيئة بالمنطقة، أن ظاهرة التلوث الجوى وراء ظهور وتفاقم الأزمة البيئية في حلوان، ونذكر أن من أسباب تزايد التدهور البيئي داخل وخارج المنطقة، ما يلي: 

• ضيق الوادي عند مدخل حلوان، مما يحفز سرعة الرياح فتزيد من التشتت النسبي لحمل التلوث الجوى بالمنطقة، وذلك حسب الحالة المناخية السائدة.
• كان الانتشار المكثف للصناعة وشدة التداخل بينها وبين الاستخدامات السكنية بمنطقة حلوان، وراء إخفاق قدرة الأنظمة البيئية في استمرار خاصية التنقية الذاتية، نتيجة تزايد أحمال التلوث الصناعي.
• لم تتمركز الصناعات بجنوبى حلوان، بل انتشرت بامتداد المنطقة من الشمال إلى الجنوب، فكان ذلك وراء تفاقم مشكلة التلوث الجوى وحدوث الأزمة البيئية بالمنطقة.
• طبيعة الاستقرار الجوي، في أكثر أوقات السنة، الأمر الذي يساعد على تراكم الملوثات قرب سطح الأرض بالمنطقة.
• ضعف نصيب المنطقة من الإشعاع الشمسي، نتيجة تركز ملوثات المصانع قرب سطح الأرض وفي العمود الرأسي الصاعد إلى الطبقات العليا بالغلاف الجوي. حيث يساعد سكون الرياح على زيادة زمن بقاء الملوثات العالقة بالهواء، فتمنع وصول كميات كبيرة من الإشعاع الشمسي. وبذلك تزداد أوقات بقاء الضباب الدخاني فوق المنطقة، في أوقات كثيرة من السنة.
• قلة هطول المطر وفصيلته الشديدة، وراء عدم حدوث غسل لكمية الملوثات العالقة بهواء منطقة حلوان، الأمر الذي ينعكس على طبيعة ونوعية الهواء.
• زيادة نسبة الرطوبة بالهواء تساعد بقدر كبير في حدوث التحولات الكيميائية شديدة الضرر بالبيئة الحيوية والحضرية ولاسيما في القطاع الجنوبي من منطقة حلوان.
التصنيف البيئي لقطاعات المنطقة(6).
يصنف جهاز شئون البيئة المشروعات الاقتصادية بين ثلاث قوائم، البيضاء والرمادية والسوداء، من حيث درجة خطورتها وأثرها البيئي في المحيط الحيوي، وبالتطبيق على مصانع منطقة حلوان حسب تركزها المكاني جاءت النسب على النحو التالي: 39.7%، 34.9%، 25.4%، بالقطاع الأوسط والجنوبي والشمالي على التوالي. حيث توطنت المصانع بالقطاع الأوسط (المساكن الاقتصادية، حلوان البحرية والبلد والشرقية والغربية والقبلية، الشياخة الأولى من 15 مايو) من القائمة السوداء والرمادية والبيضاء بنسبة 44.8%، 36.7%، 25% على التوالي. أما مصانع القطاع الجنوبي (كفر العلو، التبين البحرية والقبلية، حكر التبين، مدينة الصلب، مساكن التبين الشعبية، الشياخة الثانية والثالثة من 15 مايو) فتوطنت بنسبة 37.9%،26.6%، 75% من القائمة السوداء والرمادية والبيضاء على التوالي، بينما حقق القطاع الشمالي (طره الحجارة والبلد والحيط والأسمنت، منشية المصري، الزهراء، المعصرة البلد والمحطة، منشأة ناصر) نسبة 36.7%، 17.2%، من مصانع القائمتين الرمادية والسوداء على التوالي. وبذلك تندرج مصانع القطاع الأوسط تحت القائمة السوداء، والرمادية في القطاع الشمالي، وبين الرمادية والسوداء بالقطاع الجنوبي، أي أن القطاع الأوسط بمنطقة حلوان يظل الأكثر تلوثاً بحكم أن أغلب مصانعه من أنشطة القائمة السوداء. ومن المفارقات بالمنطقة،عشوائية التوطن الصناعي خلال السنوات المعاصرة لصدور قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، فقد توطن مصنع من القائمة البيضاء يعمل في مجال صناعة المواد الغذائية، وسط ذلك التجمع الصناعي الكبير شديد التلوث بالقطاع الجنوبي، حيث يتعارض اختيار ذلك الموقع مع طبيعة نشاط طحن الغلال، الذي سيتأثر بصورة أو بأخرى بملوثات المصانع المجاورة. وعلى صعيد آخر، فقد توطن مصنع يعمل في مجال إنتاج وتعبئة المياه (في عبوات بلاستيكية كمياه للشرب)، معتمداً على تنقية مياه النهر التي لا تخلو من التلوث الصناعي، ولاسيما اختلاطها بالمخلفات الصناعية المنصرفة من مخر سيل التبين، وخطورة ذلك على الصحة العامة لمستهلكي تلك المياه، حيث لا توجد تكنولوجيا فائقة تختزل وتحيد تلك الملوثات الخطرة العالقة والذائبة في مياه النهر.

تلوث البيئة المائية :
   خرجت منطقة حلوان من دائرة العمران البيئي فانتشرت مخلفات المصانع بامتداد أراضيها في بيئة الهواء والماء والتربة. وكان عدم اكتمال مشروع الصرف الصحي بحلوان وخلو أغلب المصانع من محطات معالجة مياه الصرف الصناعي وراء تفاقم تدهور بيئة المكان. حيث ترى أهالي عرب غنيم بشياخة حلوان البلد وقد تعايشوا مع ظاهرة التدفق السطحي لمياه صرف المصانع المدنية والحربية المتوطنة بشياخة حلوان الشرقية، وذلك عبر شبكة الصرف الصحي غير المكتملة. ولما كان تدفق مياه الصرف الصناعي من باطن الأرض بصورة دائمة ومستمرة، أطلق عليها الأهالي 'العين' لجريانها وسط مساكنهم العشوائية حتى تصب بمجرى ترعة الخشاب ومنها إلى التربة الزراعية والمياه الجوفية ومياه نهر النيل، بل قد تصل كميات كبيرة منها إلى مروقات محطة تنقية الصرف الصحي بجنوب حلوان. وتقوم المحطة بصرف مياهها في ترعة الصف الجديدة، والتي لا تخلو من المعادن الثقيلة والمواد شديدة الخطورة على البيئة، وتروى منها الأراضي المستصلحة بمركز الصف. ودليل خطورة تلك المياه، رواية أحد قدامى العاملين بمصنع الحديد والصلب، أن عامل أراد السباحة أثناء وقت راحته بين الورديات، فلم يجد سوى بركة المياه الصناعية المكشوفة بالمصنع، وما لبث أن دخل برأسه فيها حتى خرج منها جثة هامدة، بسبب تركز الكيماويات الخطرة وفساد المكون الحيوي للمياه. وفى الواقع لم تحترم المصانع بالمنطقة البيئات المحظورة للتخلص من مياه صرفها الصناعي غير المعالجة، التي تقدر بنحو 80.1 مليوناً من الأمتار المكعبة في السنة، والتي تم التخلص منها عبر مختلف البيئات المستقبلة على النحو التالي:

• ترعة الخشاب: استقبلت من تلك المياه حوالي 31 مليونا من الأمتار المكعبة، منها 22 مليوناً من الأمتار المكعبة يصرفها مصنع الحديد والصلب بمفرده.
• باطن الأرض: قدرت كمية مياه الصرف الجوفي بنحو 21 مليوناً من الأمتار المكعبة، منها 13 مليوناً من الأمتار المكعبة يصرفها مصنع الحديد والصلب، تمثل أكثر من ثلاثة أضعاف ما يتخلف من المصانع الحربية.
• مخرات السيول: استقبلت مخرات السيول الثلاثة (التبين/كفر العلو/المعصرة) نحو 18.3 مليوناً من الأمتار المكعبة من المخلفات الصناعية السائلة، التي تصب في نهر النيل فتلوث مياهه بأحمال التلوث العضوي والمعادن الثقيلة والمواد السامة.
• ترعة حلوان البلد: تستقبل نحو 4.7 ملايين من الأمتار المكعبة، من مخلفات قطاع الغزل والنسيج والملابس، التي غالباً ما تحتوى على ملوثات المعادن الثقيلة.
• نهر النيل: استوعب نحو 4.2 ملايين من الأمتار المكعبة، من مياه الصرف الصناعي المباشر، إلا أن النهر يستقبل (قسراً) أحمال مخرات السيول ومصرف حلوان الزراعي شديدة الخطورة بالبيئة. وبذلك يزيد نصيب النهر إلى أكثر من ربع حجم مياه الصرف الصناعي المتخلفة من كافة المصانع بالمنطقة.
• محطة التنقية بجنوب حلوان: استقبلت نحو 1.4 مليون متر مكعب من مياه صرف المصانع.
• مصرف حلوان الزراعي: يستقبل نحو 20 ألفاً من الأمتار المكعبة، من المخلفات السائلة بالقطاع الأوسط ويلقى بها داخل نهر النيل.

ترعة الصف الجديدة

هجرة الملوثات السائلة والآثار البيئية :

   تم تنفيذ مشروع ترعة الصف الجديدة لاستيعاب مياه محطة معالجة الصرف الصحي بجنوب حلوان (منذ 1990)، لتقليل حدة التلوث في حالة صرفها على مياه النهر أو تركها في البرك والمستنقعات والسبخات، وذلك بتحويلها إلى ري 40 ألف فدان من الأراضي المستصلحة خارج حدود منطقة حلوان بامتداد الصف - غمازة - الديسمي، للاستفادة بما تحتويه مياه عملية المعالجة من العناصر المغذية للمحاصيل، ولا سيما المواد العضوية والنتروجين والفسفور والبوتاسيوم، في زيادة الإنتاج وتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية . وذلك لا يأتي بدون تلوث التربة والمزروعات والمياه الجوفية، وكذلك تأثر المزارعين والثروة الحيوانية بالحقول. حيث تتخلص المصانع من مياه الصرف الصناعي في شبكة المجارى العامة بدون الالتزام بمعايير الصرف، علاوة على أن محطة جنوب حلوان ليست مؤهلة لمعالجة صرف المصانع، مما يؤكد خطورة محتوى مياه عملية المعالجة. فقد تتراكم الأملاح الضارة والمواد السامة ولا سيما المعادن الثقيلة بالتربة الزراعية والمزروعات من الخضراوات أو الفاكهة أو النباتات التي تؤكل نيئة، والتي يحظر بحكم القانون أن تروى بمياه الصرف الصحي. ومن ناحية أخرى، تتراكم المخلفات العالقة والذائبة بتلك المياه داخل طبقات التربة وقد تلوث مكامن المياه الجوفية بالمنطقة. بينما تتعرض الماشية المدرة للألبان والمنتجة للحوم لكثير من الملوثات الضارة التي تؤثر في مسلسلة غذاء الإنسان. ناهيك عن ضرورة استخدام المزارعين بتلك الحقول الأحذية الخاصة والقفازات الواقية من الملوثات أثناء عملية الري. وبهذا ساعدت ترعة الصف على هجرة الملوثات السائلة إلى خارج منطقة حلوان، وعلى العكس من ذلك حينما عارض جهاز شئون البيئة قيام مصنع شركة السكر والصناعات التكاملية بالحوامدية صرف مياه الصناعة في نهر النيل، فتم نقلها إلى صحراء مدينة مايو بواسطة سيارات نقل السوائل من موقع المصنع بغرب النيل، حيث تعرضت عدة مواقع للغرق بكميات ضخمة من مادة الفيناس (ناتج مياه الصرف الصناعي لمصنع شركة السكر)، ولم تفلت مخرات السيول وكثير من الطرق في جنوبي حلوان، ناهيك عن انبعاث الروائح شديدة العفونة مع تكاثر البعوض والذباب.

نوعية وجودة مياه نهر النيل :
    أجرى جهاز شئون البيئة دراسة مشتركة مع خبراء من اليابان لرصد نوعية وجودة مياه نهر النيل، من التبين جنوب القاهرة وحتى مدينة القناطر الخيرية بمحافظة القليوبية، والتى أكدت عدم خلو مواقع القياس من أثر التلوث الصناعي، حيث ارتفعت نسبة التلوث بأملاح الفوسفات عند محطة كهرباء جنوب القاهرة، بما يزيد عن ثلاثين مرة قدر الحد المسموح به (0.005 ملليجرام/لتر) حسب المعايير البيئية، بينما تجاوزت نسبة الكربون العضوي الكلي TOC القدر المسموح به (0.5 ملليجرام/لتر)، حيث سجلت مواقع القياس بالمنطقة تجاوزاً يترواح بين 27-36 مرة، وكذلك تجاوزت نسبة النتروجين الكلي TN عند مصنعي أسمنت طره وحلوان 110 مرات قدر الحد الأقصى المسموح به (0.005 ملليجرام/لتر)، في حين بلغت 114 مرة عند التبين. وقد جاءت نسبة كل من المواد الصلبة TS والمواد الذائبة TDS بين 31، 23 مرة على التوالي قدر الحد الأقصى المسموح به (10 ملليجرام/لتر)، وذلك عند مصنع أسمنت طره شمالي المنطقة. أما نسبة المواد الصلبة العالقة TSS فقد ارتفعت عند مصنع أسمنت حلوان بالقطاع الجنوبي إلى نحو 51 مرة، والتي لا يجب أن تزيد عن (1 ملليجرام/لتر)، ووجدت كذلك عند مصنع أسمنت طره، الأمر الذي يؤدى إلى زيادة معامل العكارة بصورة واضحة قبالة المواقع الصناعية بالمنطقة ولاسيما عند مصانع الأسمنت. ويلاحظ كذلك ارتفاع نسبة كل من الألومنيوم والحديد بالتبين قرب مصنعي الحديد والصلب والعامة للمعادن، بينما ارتفعت نسبة النحاس عند مصنع أسمنت طره، أما نسبة المنجنيز فكانت مرتفعة بأغلب مواقع القياس. وذلك لقيام كثير من مصانع المنطقة بالتخلص من ملوثاتها السائلة مما يضر ببيئة النهر ويضعف من كفاءة محطات إنتاج مياه الشرب لتحقيق المعايير القياسية التي يفترض خلوها من بقايا تلك الملوثات الصناعية الضارة.

تراكم مخلفات المصانع وأتربة الأسمنت :

    بلغ حجم مخلفات المصانع بمنطقة حلوان أكثر من 2.2 مليوني طن، كان النصيب الأكبر منها للقطاع الجنوبي (82.9%)، بينما لا يتعدى نصيب القطاعين الأوسط والشمالي نسبة 9%، 8.1% على التوالي. ومن ناحية طريقة التخلص منها، وجد أن 34.1% من المخلفات الصلبة يتم بيعها لتجار الخردة ولمصانع وورش أخرى داخل وخارج المنطقة، بينما لا تتعدى نسبة ما يعاد استخدامه وتدويره منها داخل تلك المصانع نحو 7.8%، في حين يتم التخلص من الجزء الأكبر 58.1% بمواقع المخلفات الصلبة المنتشرة قرب المصانع والمساكن على حد سواء. أما أتربة الممرات الجانبية (الباى باص) فقد بلغ التراكم السنوي منها ما يقرب من ثلاثة أرباع المليون من الأطنان من مصانع الأسمنت الثلاثة بالمنطقة، وهى تعادل كمية خبث الأفران العالية المتخلفة من مصنع الحديد والصلب بمفرده، إلا أن الثاني يقوم بتهيئة أكثر من90% من ذلك الخبث على شكل حبات، لتشتريه شركات الأسمنت التي تستخدمه في تصنيع الأسمنت الحديدي، في حين تتخلص مصانع الأسمنت بالكامل من أتربة الأفران حولها وبمحاجر المنطقة التي توقفت عن استخراج الخام، بل انتشرت فوق مساحات كبيرة من الصحراء المكشوفة، مما قد يشارك سكان المنطقة الأراضي القابلة للتوسع العمراني. هذا ويقدر حجم أتربة أفران الأسمنت بالشركات الثلاثة، بما يزيد عن خمسة عشر مليوناً من الأطنان، منذ دخلت مصر تكنولوجيا الطريقة الجافة لصناعة الأسمنت في الثمانينيات من القرن العشرين.

أتربة مخلفات مصانع الأسمنت بصحراء 15 مايو

الأثر التراكمي للتفجيرات بمحاجر المنطقة :

     استهلكت شركات الأسمنت الثلاثة (منذ دخول الطريقة الجافة وحتى عام 2001) ما يجاوز ثلاثة عشر مليوناً من الكيلوجرامات من مادة الديناميت، استخدمت في تفتيت الصخور الجيرية بالمحاجر. وقد استخرجت الشركة القومية للأسمنت، من محاجرها بوادي جراوى جنوبي حلوان، نحو خمسة ملايين طن من الحجر الجيري (من يوليه 1997- يونيه 1999)، استهلكت حوالي 1.5 مليون كيلوجرام من المادة المتفجرة بمتوسط خمسة أطنان في اليوم. وتتمثل مخاطر تلك التفجيرات المستمرة بالمحاجر في أثرها التراكمي على البيئة المحيطة، حيث قد تعرضت مباني مدينة 15 مايو لكثير من الأضرار الجسيمة، وكذلك لم تنجو منها كهوف وادي حوف الاستراتيجية والتي استخدمت منذ العصر الفرعوني كمخازن جبلية هامة. وتخضع المحاجر الحكومية لتعليمات الجهات الأمنية المنظمة لعمليات التفجير، وإن كان الأمر لا يخلو من بعض التجاوزات، إلا أن المشكلة في تلك التفجيرات المستمرة وغير المنتظمة ذات القوة الكبيرة بمحاجر القطاع الخاص، بعيداً عن رقابة الجهات المسئولة، مما يزيد من أضرار الأثر السيزمى بالتربة والمباني. وتكشف طبيعة المنطقة كثرة الصدوع في الطبقة السفلية لمدينة 15 مايو، المقترنة من حيث الاتجاه بمفاصل الحجر الجيري، التي تميل في الوقت الحاضر من ناحية النشاط والحركة إلى الاستقرار، إلا أن هناك ما يثير الشك في استمرار ذلك، حيث إن عمليات سحب الحجر الجيري المستمرة، عند مواضع محددة بالقشرة الأرضية، قد تتسبب في حدوث فوضى في التوازن السطحي، نتيجة استخراج ملايين الأطنان (سنوياً) من مخزون السطح الصخري باستخدام التفجيرات داخل المنطقة. وقد تتكون مواضع ضعف بالقشرة الأرضية بمواقع التصنيع، بفعل الاهتزازات الناتجة من التشغيل، حيث تصل أوزان خط الإنتاج الواحد بمصانع الأسمنت إلى نحو نصف مليون طن من المعدات والخرسانة المسلحة، مما يزيد من قيم الإجهاد نتيجة اختلاف توزيع الكتل فوق سطح الأرض، الأمر الذي يفضي إلى حدوث تغيرات بيئية بالقشرة الأرضية، قد تؤدى إلى نشوء حركة الصدوع الموجودة بالمنطقة.

الأتربة المتساقطة :

    ما زال تلوث هواء حلوان يقف وراء إشكالية الأزمة البيئية، التي فاقت حدودها كل المعايير والكثافة بين المناطق الصناعية في العالم. وقد أظهرت قياسات الأتربة المتساقطة فوق منطقة حلوان، (خلال المدة من 1995ـ1999)، قمتين: تمركزت القمة الأولى بمصنع أسمنت طره بالقطاع الشمالي (582 جراماً/متر مربع/شهر)، فوق شياختي المعصرة المحطة والمعصرة البلد وكذلك شياختي طره الأسمنت وطره الحيط حتى حدود شياخة الزهراء والشياخة الأولى من 15 مايو قبالة المعصرة المحطة. بينما تمركزت القمة الثانية بمصنع أسمنت حلوان جنوبي القطاع الأوسط (517 جراماً/متر مربع/شهر) فوق شياختي حلوان البلد وحلوان القبلية وشياختي كفر العلو وحكر التبين حتى مشارف الشياخة الثانية من 15 مايو بالقطاع الجنوبي، بل وصلت مدينة الحوامدية خارج حدود المنطقة. وبذلك تكون الأتربة المتساقطة قد تحسن وضعها، من أربع قمم (خلال المدة من 1966-1967) إلى قمتين في القياسات الحديثة. ولم تفلت مدينة 15 مايو من تصيد غبار الأسمنت المتطاير نحوها من مصنعي حلوان والقومية، من الاتجاهين الغربي والجنوبي الغربي، حيث تستقبل أكثر من ضعف ما يتساقط في شمالي المنطقة بما يكافئ ضعف الحد الأقصى المسموح به بالنسبة للأحياء السكنية (59.5 جراماً/متر مربع/شهر، كمتوسط من الأتربة الخاملة بمعايير ألمانيا الغربية). وتعتبر مدينة 15 مايو أوفر حظاً من كفر العلو التي تستقبل ما يقرب من خمسة أضعاف ما يتساقط من الأتربة فوق طره البلد، حيث تقع كفر العلو في غربي المنطقة تحت تأثير أتربة مصنع أسمنت حلوان مع هبوب الرياح الشمالية الشرقية. وبوجه عام، فقد تساقطت الأتربة فوق المناطق السكنية (خلال المدة من 1995-1999) بما يفوق الحد الأقصى المسموح به ما بين 2 - 2/1 3 مرات وأن أكثف المواقع حكرى التبين القبلي والبحري بالقطاع الجنوبي، وحدائق حلوان ووسط المعصرة بالقطاع الشمالي ثم حلوان البلد بالقطاع الأوسط، بينما استقبل مرصد حلوان قدر الحد الأقصى المسموح به.

التوزيع الجغرافي للأتربة المتساقطة :

    يظهر التوزيع الجغرافى للأتربة المتساقطـة، أن مواقع السكن بالقطاع الشمالي أقل تلوثاً في أغلب شهور السنة، ولا يوجد بالقطاعـين الأوسط والجنوبي سوى موقعين بشرقي المنطقة (مرصد حلوان/مدينة 15مايو) قد انخفض فيهما تساقط الأتربة بشكل ملحوظ. أما خارج حدود المنطقة في الشمال والغرب والجنوب الغربي (ثكنات المعادى/حدائق المعادى/المرازيق/الحوامدية)، فقد حققت ثلاثة من أربعة مواقع منها معدلات تساقط منخفضة في بعض شهورالسنة، وبذلك تكون المواقع السكنية شمال وجنوب غرب المنطقة أقل تأثراً بالأتربة المتساقطة، بينما يظل موقع الحوامدية غرب المنطقة متأثراً بها طوال شهور السنة (أقل معدل 32.2 جراماً/متر مربع/شهر)، وتتأثر الحوامدية بأتربة حلوان من ناحية وبملوثات منطقتها الصناعية من ناحية أخرى. أما من ناحية التوزيع الفصلى، فيوجد هناك تسعة عشر موقعاً تتساقط فوقها الأتربة بنسبة تزيد خلال فصل الشتاء عن بقية فصول السنة، في مقابل ثمانية مواقع أخرى تأتي على العكس من ذلك، نتيجة لاختلافات على مستوى الموقع والمجال بالنسبة لمصادر التلوث الجوي وحركة الرياح بالمنطقة. ومن ناحية المحتوى، فقد استقبلت طره البلد أعلى نسبة (23.44%) من المواد القابلة للذوبان يالأتربة المتساقطة (كالسيوم/ كلورين/ كبريتات)، وكذلك وسط المعصرة وشمالي المعصرة البلد ووادي حوف وطره الحيط بنسب متفاوتة، وقد سجل مرصد حلوان أعلى نسبة (25.07%)، بينما سجلت حدائق حلوان أقل نسبة (10%)، متساوية بذلك مع موقع أسمنت طره، مما قد يشكل خطورة بيئية داخل شياخة حدائق حلوان، نتيجة الأثر التراكمى لتلك الأتربة غير القابلة للذوبان (ألومنيوم/ كادميوم/ كالسيوم/ كروميوم/ حديد/ رصاص/ فانديوم). وعموما يقل ذلك النوع من الأتربة فوق المواقع السكنية كلما اتجهنا جنوباً، عدا موقعي حكر التبين البحري ومساكن التبين، اللذين قد سجلا أعلى نسبة (21%) من المحتوى غير القابل للذوبان بالقطاع الجنوبي.

الأتربة العالقة بالهواء الجوى :
    من مقارنة تركيز الأتربة الكلية العالقة بالهواء خلال المدتين (1995ـ 1999)، (1966ـ 1967)، جاءت النسبة العددية 1 : 435 وذلك بموقع مصنع القومية للأسمنت شرقي شياخة كفر العلو (بمتوسط 1340 ميكروجرام/ م3). ورغم ذلك الانخفاض المؤثر فما زالت الأتربة العالقة بهواء القطاع الجنوبي تفوق بنحو 15 مرة الحد الأقصى السنوي المسموح به (90 ميكروجرام/م3). ومن ناحية التوزيع الجغرافي، يصل تركيز تلك الأتربة (بمتوسط 1110 ميكروجرام/م3) بالهواء شمالي المعصرة البلد (مدرسة سوزان مبارك) بما يقرب من 2/1 12 مرة قدر الحد المسموح به، بينما قد تجاوز نحو 10 مرات بهواء المواقع شمالي غرب شياخة حكر التبين وطره الحيط (بمتوسط 880 ميكروجرام/م3). وبما يقابل 8 مرات قدر المسموح به بهواء مساكن التبين الشعبية (معهد التبين)، بينما سجل أقل تركيز على مستوى مواقع القياس جنوبي حلوان الشرقية، بما يزيد قليلاً عن 6 مرات قدر الحد الأقصى المسموح به. أما من ناحية التوزيع الفصلي، فقد سجل الموقع شرقي القومية للأسمنت خلال فصل الربيع أعلى تركيز للمجموع الكلي من الأتربة العالقة بهواء المنطقة (بمتوسط 2140 ميكروجرام/م3)، بينما وجد أعلى تركيز شمالي المعصرة البلد (بمتوسط 1600 ميكروجرام/م3) الذي يعد من أكثف المواقع السكنية تعرضاً للتلوث الجوى. أما في الخريف، كان أعلى تركيز (بمتوسط 644 ميكروجرام/م3) بجنوبي حلوان الشرقية (مدرسة المسلم الصغير)، ذلك الموقع الذي سجل كذلك أدنى تركيز خلال الشتاء (بمتوسط 320 ميكروجرام/م3). ولا يزال موقع القومية للأسمنت الأكثف تلوثاً بين المواقع الصناعية (حسب قياسات 2001) وأن المواقع السكنية بالقطاع الشمالي (المعصرة البلد/طره الحيط) تعد الأشد تلوثاً بالأتربة العالقة الكلية، عن مثيلتها بالقطاع الجنوبي (مساكن حكر التبين/معهد التبين)، بينما يعد القطاع الأوسط الأقل تلوثاً بين مواقع القياس. والفرق في التأثير البيئي لكل من الأتربة المتساقطة ومثيلاتها من الأتربة العالقة، أن الثانية أكثر ضرراً وتأثيراً في الصحة العامة للإنسان والبيئة.

مدرسة سوزان مبارك جنوب مصنع أسمنت طره

تأثير التلوث الجوى :

   فى ظل عشوائية التوطن الصناعي بالمنطقة والتداخل المفرط فى استخدام الأرض وعدم تطبيق اللائحة التنفيذية لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994، فقد تجاوزت الشكوى الدائمة من التلوث الجوى سكان المنطقة إلى المصانع، التي يشكو من بعضها البعض، حيث تعرضت شركة المعصرة للصناعات الهندسية في شمالي المنطقة، لأضرار مادية بالمعدات والأجهزة الإلكترونية لتأثرها بالتلوث الجوى من مصانع الأسمنت، وما يتلازم مع ذلك من خفض الكفاءة ودرجة الدقة المطلوبة للمنتج النهائي بعد المعايرة. وكذلك تأثرت كثير من وحدات الدهان والطلاء والدوكو بمختلف مصانع المنطقة، بالملوثات الجوية التي تؤدي إلى خسائر مادية وتؤثر في جودة المنتج. ونتيجة لذلك أنشأت مصانع الطائرات مستودعات كبيرة مكيفة لدرء مخاطر تأثر منتجاتها بالتلوث الجوي. ومن ناحية أخرى تعاني محطة كهرباء وادي حوف الغازية، من خسائر وأعطال نتيجة التلوث الجوي المستمر بأتربة الأسمنت، حيث يعتمد نظام تشغيلها على الهواء النقي من الجو، لذلك تعاني بحكم موقعها بالمنطقة من هبوط القدرة الكهربية بوحدات التوليد، وما يتبع ذلك من انخفاض في كفاءة المحطة وزيادة تكاليف الصيانة اللازمة لتلك الوحدات. أضف إلى ذلك انخفاض العمر الافتراضي للوحدات نتيجة تأثر التوربينات والضواغط بالملوثات الجوية المتربة. وعلى صعيد آخر فقد هاجرت ملوثات المنطقة إلى خارج محيطها البيئي والإداري، حيث تشاهد تأثر كثير من المواقع في غرب النيل، بالملوثات الجوية القادمة باتجاهها من منطقة حلوان، ولا سيما الحوامدية والعزيزية والبدرشين والطرفاية والشوبك الغربي والمرازيق. بينما تأثرت من ناحية الجنوب أجواء الشوبك الشرقي والمنيا والعطيات والشرفا وغمازة الكبرى بمركز الصف.

تبوير الأرض الزراعية جنوب منطقة التبين الصناعية

الأوزان التقديرية لنواتج احتراق وقود المازوت :

   خرجت منطقة حلوان من دائرة العمران البيئي لشدة تلوثها الجوى، ومن يشاهد الأفلام المصرية قبل ثورة يوليو يجد كثيراً من مواقف الصحة والاستشفاء والراحة التي تؤكد نقاء بيئة حلوان مما يلوثها. ويكفى التعرف على نواتج الاحتراق من مختلف أنواع الوقود التي استهلكتها بعض مصانع حلوان (خلال سنة 2001) والتي بلغت نحو مليون طن من وقود المازوت ومجموع 125 ألف طن من الفحم والسولار والجازولين والديزل والكيروسين، بالإضافة إلى 800 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. وبحساب الأوزان التقديرية للملوثات الجوية المنبعثة نتيجة احتراق هذه الكمية المستهلكة من وقود المازوت (باستخدام معامل التحويل ومعاملات الانبعاث)(7)، وجد أن بيئة الهواء بحلوان قد استقبلت نحو 9200 طن من الملوثات، التي يتألف خليطها مما يلي: (84.7%) ثاني أكسيد كبريت، (10.8%) أكاسيد نتروجين، (2.7%) جسيمات صلبة، (1.1%) ثالث أكسيد كبريت، (0.3%) هيدروكربونات، (0.2%) ألدهيدات، (0.2%) أول أكسيد كربون. وعند مقارنة الوزن الكلى لملوثات احتراق الوقود بمساحة الاستخدام الصناعي، وجد أن كل متر مربع من الصناعة يضخ نحو 4 أطنان من ملوثات الهواء، وأن متوسط نصيب الفرد من وزن ثاني أكسيد الكبريت يدور حول مقدار الطن الواحد خلال السنة (بحسـاب عدد سكان 80000 نسمة)، أي ما يقدر بحوالي 2.7 كيلو جرام في اليوم. ومن ناحية التوزيع المكاني للانبعاثات، يأتي في المرتبة الأولى القطاع الجنوبي بنصيب 273.4 كيلوجراماً للفرد من مختلف الملوثات على مدار السنة، يليه القطاع الشمالي بنصيب 118 كيلوجراماً /نسمة، ثم القطاع الأوسط بنصيب 77.5 كيلو جراماً/نسمة. ولما كان متوسط نصيب الفرد بالمنطقة يدور حول 125.5 كيلوجراماً، فإن هناك احتمال لوصول نسبة ولو ضئيلة من كل 14 جراماً من مختلف .نواتج احتراق وقود المازوت إلى رئة كل نسمة بالمنطقة في كل ساعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق