يساعد في معالجة الازدحامات في الشوارع
"أمانة الرياض" تعد دليل هندسي لتقدير أحجام حركة المرور
الأمير عبدالعزيز بن عياف
أكدت الأوضاع الحالية التي تشهدها مدن العالم انه لم يعد تخطيط النقل داخل المدن وأطرافها مجرد اجتهادات، وانما هو علم بذاته يعتمد على المعلومات الدقيقة اساسا في بناء نماذج رياضية واحصائية تهدف إلى تقدير اعداد الرحلات الداخلية والخارجية من المنشآت بمختلف أنواعها تجارية أو سكنية او صناعية، ويعتبر تقدير الرحلات المتولدة عن المنشآت أساسا مهما في تقصي أحجام الحركة المرورية واستشرافها بغية التصدي لمشكلات الازدحام والاختناقات المرورية، قد يكون في الترخيص لمنشأة معينة اثر سلبي على الحركة المرورية المحيطة بالمنشأة بعد انشائها وافتتاحها.
لذا يعتمد مخطط النقل ومهندس المرور الى تقدير عدد الرحلات اليومية (أو خلال ساعة الذروة سواء الداخلة إلى المنشأة المتولدة من مناطق متفرقة متجهة اليها) أو الخارجة منها (المتولدة عنها متجهة الى مناطق متفرقة) وكيفية توزيع تلك الرحلات على الشوارع والطرق المحيطة، وبالتالي التوصل إلى قرار موضوعي تجاه الترخيص للمنشأة أو إجراء تعديلات وقائية على الطرق والتوقعات المحيطة من تحسين التحكم في حركة المرور واتجاهاتها وتوزيعاتها، وعلاقة ذلك بتحدي مداخل المنشأة ومخارجها.
لذلك فإن من أهم متطلبات التخطيط، استشراف أحجام الحركة المرورية المرتبطة بموقع المنشأة وذلك باستخدام نماذج رياضية احصائية متطورة بناءً على معلومات حقيقية، من المعتاد أن تجمع مثل هذه النماذج في مرجع يعرف بدليل تولد الرحلات، يرجع اليه المخططون عند تحديد استخدامات اي مخطط جديد، كما على الطرق داخل المدينة.
ولهذا السبب قامت أمانة منطقة الرياض بتطوير مثل هذا الدليل ودراسة النتائج المتوقعة من استخدامه سواء على مستوى مدينة الرياض أو المستوى الوطني عموماً.
أول دليل متكامل من نوعه :
وقد حرصت أمانة منطقة الرياض ممثلة في وحدة هندسة المرور على إعداد دليل هندسي شامل لتقدير توليد الرحلات (Trip Generation Manual) لمساعدة مهندسي الأمانة ومشاريع النقل والمرور التي تشرف عليها الأمانة أو أي جهات أخرى في تقدير عدد من الرحلات اليومية أو الساعية المتولدة عن أي نوع من المنشأة ذات الطابع التجاري أو السكني أو الحكومي، ويعتبر هذا الدليل الأول من نوعه في المملكة بصيغته الشاملة، حيث يعتبر مرجعا مهما وضروريا في دراسات النقل والمرور ويعد مصدرا رئيسيا لنماذج احصائية متعددة قادرة على تقدير أحجام الحركة المرورية المتولدة عن المنشأة المختلفة واستشراف كمياتها المستقبلية لأغراض التخطيط الاستراتيجي وقريب المدى، وهذا الاصدار من الدليل يعتبر "النسخة الأولى" اذ ان طبيعة مثل هذا الدليل تقتضي تحديثا مستمرا كل بضع سنوات، وذلك لمواكبة المتغيرات في الحركة المرورية واستخدامات الأراضي المجاورة للطرق.
الدليل يحاكي الظروف المحلية المرورية لمدينة الرياض :
لقد أخذت الدولة الصناعية المتقدمة على عاتقها مسؤولية اعداد أدلة خاصة بها التنبؤ بالحركة المرورية المستقبلية للمنشأة الجديدة في المناطق الحضرية، بعد أن تفاقمت المشكلات المرورية، خصوصا الازدحامات وبروز بؤر الاختناقات المرورية نتيجة التوسع الحضري في المنشآت التجارية والحكومية والسكنية وتفاعل النشاطات المختلفة لاستخدامات الأراضي على امتداد الطرق، ويعتبر دليل مهندسي النقل الامريكي (ITE) الدليل العالمي الأكثر انتشارا، ورغم فائدته كمرجع موثوق.. الا انه يحاكي البيئة الأمريكية ذات الخصائص المختلفة عن بيئات أخرى، خصوصا بيئتنا المحلية.
لذا فإن اصدار الأمانة دليلا محليا يعكس بيئة مدينة الرياض سوف يحل هذا الدليل محل الدليل الامريكي وغيره من الأدلة التي اعتمدت في مشاريع منطقة الرياض سواء المشرفة عليها الأمانة أو الجهات الأخرى، كونه يعكس واقع المدينة ويشكل مرآة لقراءة الفاعل بين استخدامات الأراضي وحركة المرور على الطرق داخل الحدود الحضرية لمدينة الرياض ذات التوسع الأفقي الشاسع وأحجام الحركة المرورية الضخمة والتطور المطرد لعدد سكانها الذي يتجه الى خمسة ملايين.
دليل توليد الرحلات.. اضافة استشراف الحركة المرورية :
ثمة اسلوب تقليدي استخدم بشكل لافت في معظم الدراسات المرورية يعتمد مؤشر النمو المروري في مدينة الرياض اساسا في التقدير المستقبلي، وقد تصل قيمة المؤشر الى نحو 7% أو أكبر، الا ان هذا المؤشر مع مرور الوقت أثبت ضعفه في استشراف المستقبل بدقة مرضية، وعلى نحو مغاير فان هذا الدليل لا يعتمد مؤشر النمو بجموده، وانما يستخدم نماذج احصائية مبنية على معلومات وبيانات واقعية لديها القدرة بمصداقية علمية مقبولة على تقدير الحركة المتولدة من المنشآت في أوقات مختلفة مراعية نوع المنشأة وحجمها وموقعها، وعليه فإن هذا الدليل يشكل مرجعا ذا مصداقية في استشراف المستقبل المروري المتعلق بالمنشآت الجديدة التي يتم بناؤها بين حين وآخر في مواقع داخل المدينة، حتى لا تبنى التنبؤات المستقبلية على تقديرات خاطئة تفاقم من مشكلات الازدحام المروري، وما تلحقه من اضرار بيئية وسلبيات على مستويات السلامة المرورية.
أكثر من ألف نموذج ومسوحات لآلاف البيانات :
قام هذا العمل اشراف مكتب استشاري محلي بالتضامن مع مكتب استشاري عالمي متخصص في تطوير مثل هذه الأدلة، وقد استغرقت الدراسة ما يقارب السنتين بحيث تم الاعداد والتجهيز للدراسة ما مدته ستة أشهر، في حين تم جمع البيانات اللازمة لاستخراج الدليل ما يقارب 21شهرا، وقد تم جمع البيانات من خلال اعداد نموذج يصف اعداد الرحلات الداخلة والخارجة كل ربع ساعة خلال فترة الحصر، والتي قد تمتد لبعض الاستخدامات ل 42ساعة، لكافة المنشآت الحضرية كالحكومية، التجارية، الدينية، وغيرها من المنشآت ذات الطبيعة الخاصة التي قد لا تتوفر في مجتمعات أخرى مثل قصور الأفراح، مدن الملاهي، المنتزهات، كما انه وخلال ستة أشهر تم استخراج معدلات تولد الرحلات وتلخيص نتائجه في ما يقارب ألف نموذج تم تلخيصهم وتدوينهم في هذا الدليل.
وفي هذا الدليل، يستطيع المستخدم من تقدير اعداد الرحلات الداخلة والخارجة لأية منشأة متى ما تم معرفة بعض الخصائص التي تصف تلك المنشأة، فعلى سبيل المثال، يمكن تقدير اعداد الرحلات الداخلة والخارجة لأي مدرسة ثانوية حكومية او أهلية اذا تم معرفة عدد طلابها أو مدرسيها او مساحتها او عدد فصوليها، وهذا التقدير قد يكون لفترة عمل يوم كامل (من الساعة السادسة صباحا وحتى الثانية ظهرا) أو فترة الذروة الصباحية للمدرسة (وقت دخول الطلاب للمدارس) او الفترة المسائية (وقت خروج الطلاب من المدارس) ومثال آخر، يمكن للمستخدم، تقدير اعداد الرحلات الداخلة والخارجة من مستشفى ما خلال فترة ما بمعلومية عدد الأطباء أو عدد أسرة المرضى او غيرها من الخصائص التي قد تصف المستشفى.
الجوامع تستقطب رحلات :
لاعتبارات دينية فإن المسجد ليست مصنفة في الأدلة العالمية، ولأن المساجد خصوصا الكبيرة منها (الجوامع) تعتبر أماكن رئيسية في التخطيط الحضري لمدن المملكة والرياض إحداها فإن أمانة منطقة الرياض أبرزت الجوامع كأحد المنشآت التي تتميز باستقطاب واضح الرحلات والمولدة لها وانها موقع تأثير في الحركة المرورية، نظرا لما يتسم به مجتمعنا من محافظة دينية تظهر بشكل لافت في الالتزام بأداء الصلوات في المساجد، لذا تم مسح عدد كبير من الجوامع على مختلف أحجامه وما اذا كان يؤدي بها صلاة جنازة، بحيث يتمكن مستخدم الدليل من تقدير الرحلات المتولدة من الجامع في الدراسات المرورية ذات العلاقة بالجوامع، وتعتبر هذه ميزة في هذا الدليل ومرجعاً لن يقتصر الاستفادة منه على المستوى المحلي، وانما في الدول الإسلامية التي تتشابه خصائصها المرورية مع المملكة.
المهندس فهد بن عبدالله البيشي المشرف على وحدة هندسة المرور بأمانة منطقة الرياض..
أوضح أن توجه الأمانة منذ انشاء وحدة هندسة المرور قبل نحو أربع سنوات، تمثل في إنشاء بنية معلوماتية وفنية لكافة أعمال هندسة المرور، كونها قاعدة أساسية مطلوبة في أي مشروع مروري تقوم به الأمانة، لا سيما في شأن توحيد مصدر المعلومة والإجراء في الدراسات، بصرف النظر عن المكتب الاستشاري الذي يقوم بالدراسة، فكان أن بدأت أمانة منطقة الرياض وبتوجيه من سمو الدكتور عبدالعزيز بن محمد بن عياف ال مقرن أول باكورة الأدلة المتخصصة في هندسة المرور هو "دليل المعايير الفنية" الذي يضع الارشادات والمعايير والمقاييس الهندسية لكافة أعمال الطرق من لافتات مرورية وعلامات أرضية واشارات ضوئية ومواصفات للمقاطع العرضية والتشجير والإنارة وممرات المشاة وغيرها، ويعتبر دليل قياس معدل تولد الرحلات الدليل لهذا الإصدار، وتسعى الأمانة جاهدة في أن يكون هناك مرجعية موحدة لأعمال هندسة المرور في المدينة وتطبيق منسجم في أعمال التصميم والصيانة والتشغيل، وسوف تتوالى الدراسات البحثية المتخصصة لإصدار أدلة أخرى.
وأضاف انه رغم ان الأمانة هدفت لتطوير هذا الدليل لمساعدة مهندسيها في استشراف مستقبل الحركة المرورية المتولدة من المنشآت المزمع انشائها داخل مدينة الرياض، الا ان هذا الدليل سوف يكون مرجعا رئيسيا للمكاتب الاستشارية الهندسية المختلفة عند إجراء دراسات مرورية سواء لمصلحة الأمانة أو غيرها من الجهات الهندسية الأخرى مثل الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض، ووزارة النقل، وأمانات المدن المختلفة، كما يتوقع أن يكون الدليل مرجعا علميا للباحثين والدارسين في الجامعات ومراكز البحوث، وفوق ذلك فان ثمة فائدة وطنية في غاية الأهمية لهذا الدليل كونه يضع اللبنة الأولى التي تؤسس لدليل توليد الرحلات على المستوى الوطني، حيث يشكل الاصدار الأول انطلاقة للنسخة الأولى التي يفترض ان يتبعها نسخة محدثة كل خمس سنوات، وبالتالي فإن الانطلاقة للنسخة الأولى تعني تحمل الأمانة والجهات الهندسية الأخرى مسؤولية تحديث المعلومات الخاصة بتولد الرحلات والحرص على تتابع سلسلة اصدار نسخ محدثة للدليل، وهذا بحد ذاته يعد فائدة عظمى للحاجة الوطنية لتكريس استخدام المعلومة والبناء عليها في مشاريع النقل والمرور في كافة مدن المملكة وبالطبع فان اصدار أمانة منطقة الرياض سوف يجد مكانة في التطبيق في سائر مناطق المملكة، نظرا لتشابه الظروف وأنماط التطور الحضري فيما بينها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق