البحث العلمي و أنواعه
جودت شاكر محمود - الحوار المتمدن - العدد: 2307 - 2008 / 6 / 9 :
المقدمة:
أن الحياة بالنسبة للجنس البشري ما هي إلا سلسلة متواصلة من البحث الدائم، والمحاولة الدقيقة والهادفة للوصول إلى حلول مناسبة لما يصادف من صعوبات ومشكلات، وما تثيره فيه من تساؤلات تؤرقه وتحيره، هذا الموقف قديم قدم الحياة نفسها، والإنسان يمارسه سواء كان مدركا لما يقوم به، أو انه يتم بعفوية خالصة، وبدون قصد، ويؤدي أحيانا إلى نتائج باهرة تتجسد في طلب الحقيقة وتقصيها وإذاعتها بين الناس.هدفه محاولة الوصول إلى إجابات عن الأسئلة التي تعترض سبيل هذا الإنسان وتسيطر على تفكيره، والتي تتمثل في: ما سبب حدوث هذا الشيء؟ ما سبب هذه الواقعة؟ وتحت أي من الظروف يمكن لهذا الشيء أن يحدث؟ وكيف يحدث؟ ولماذا يحدث؟ ومتى يحدث؟ .
لذا سار الإنسان في طريق الكشف عن الحقيقة متسلحا بطائفة من القواعد التي تهيمن على سير العقل وتحديد عملياته كي يصل إلى النتائج التي يرغب بها، والذي يتميز بنشاط عقلي هادف مرن يتصرف بشكل منتظم، في محاولة لحل المشكلات، ودراسة وتفسير الظواهر المختلفة والتنبؤ بها والحكم عليها باستخدام منهج معين يتناولها بالملاحظة الدقيقة والتحليل وقد يخضعها للتجريب في محاولة للتوصل إلى قوانين ونظريات، هذا النشاط هو التفكير العلمي (النجدي وآخرون – 2002).
أن المهارات العقلية التي يتضمنها التفكير العلمي، والتي هي طرائق العلم أو عمليات العلم, والتي تعرف بالطريقة أو المنهج العلمي وتعرف بأنها مجموعة العمليات اللازمة لتطبيق طرق العلم والتفكير العلمي ,هي جانبا أساسيا لطبيعة العلم وتعكس مدى اختلاف العلم عن صيغ المعرفة الأخرى، كما أنها معيارا أساسيا في تحديد مدى علمية المعرفة الإنسانية.
هذه العمليات هي ما يعرف بالمنهج العلمي والذي من خلاله يتوصل الإنسان إلى المعرفة العلمية، بأساليب فكرية وعملية خاصة، تتميز بالبعد عن الأهواء والعواطف وتتجنب التحيز والأحكام المسبقة، وتعتمد على التفكير المنطقي, واستخدام أدق الوسائل الممكنة للملاحظة والتجريب والقياس والضبط. هذه الأساليب والطرق التي يصنع بها العلم والتي هي جزءا أساسي منه (عميرة والديب – 1982). عندما توضع موضع التطبيق في محاولة لحل مشكلة ما أو الوصول إلى إجابة لسؤال ما, تسمى بالبحث Research. والذي يشتمل على معنيين الأول معنوي هو السؤال عن الشيء والثاني مادي وهو طلب الشيء والتفتيش عنه, هذين المعنيين (المادي، والمعنوي) تجسدا بأسلوب للتفكير المنظم الذي يعتمد على الملاحظة العلمية والحقائق والأرقام في دراسة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية دراسة موضوعية بعيدة عن المؤثرات الشخصية والاتجاهات التي تمليها المصالح الذاتية (عيسى – 1963). هذا الأسلوب نطلق عليه مصطلح مناهج البحث (Research Method).
أذن يشير مصطلح مناهج البحث إلى أمرين هما: (المنهج Method) و(البحث Research).
منهج أو منهاج هي مفردة لمصطلح مناهج, وهو الطريق الواضح, واستنهج الطريق : صار نهجا, فالمنهج هو:الخطة المرسومة. والمنهج والمنهاج هو: النظام والخطة المرسومة للشيء. أما الأساليب فهي جمع أسلوب وهو في اللغة: الطريق, ويقال: سلكت أسلوب فلان في كذا: أي طريقته ومذهبه. فالمناهج: هي النظم والخطط, والأساليب: هي الكيفيات وطرق التطبيق لتلك النظم والخطط.
فالمنهج هو الوعي أو الاكتشاف, الذي يتم عن طريق المعرفة العقلية المباشرة، والذي يعني اكتشاف ما في العقل من حقائق. ويعني بكلمة أخرى المنهج هو مجموعة الإجراءات الذهنية التي يتمثلها الباحث مقدما لعملية المعرفة التي سيقبل عليها من أجل التوصل إلى حقيقة مادة ما.هذه المجموعة من الإجراءات الذهنية هي ما يطلق عليها عمليات العلم أو مهارات التفكير العلمي. بينما تعني كلمة البحث Research مجموعة الإجراءات الذهنية حين توضع موضع الفعل متجهة إلى المادة المستهدفة أو الموضوع المستهدف، وهي الإجراءات العملية التي يمارسها الباحث للوصول إلى المعرفة العلمية.فالإجراءات المنهجية تقع بأسرها في عالم الذهن، بينما إجراءات البحث والتي هي تلك الإجراءات المنهجية وقد وضعت موضع العمل في اتصالها بالمادة المستهدفة في عالم الواقع (الحسي ).
فالمنهج إذا يتكون من جملة القواعد والعمليات المرتبطة منطقيا، والتي تكون أسلوبا للعمل في أطار نظام من المبادئ، هذا النظام يتحدد وفق أنظمة من العمليات التي تنطلق وفق شروط معينه لتصل إلى هدف معين. وهو معرفة الحقيقة الموضوعية أو لتغير الحقيقة الموضوعية، فهو يهدف أما إلى أنتاج معرفة أو تغيير من حقيقة معرفة من المعارف. وان الوصول إلى تحقيق هدف ما، لا يتم من خلال عملية واحدة بل من خلال العديد من العمليات أو بالتحديد من خلال نظام من الإجراءات والعمليات (الزواوي – 2000).
وهنا لابد من التسليم بحقيقة مطلقة هي إن العقل الإنساني لا يستطيع أن يفكر وأن يستدل بدون أن يكون له منهج معين يقوم عليه فكره وحركته، والمنهج تعبير اصطلاحي عن الخطوات التي نتبعها عندما نتطرق منطقيا لأية مشكلة,من المشكلات (هيوستن وبرادي – 1990). أي أنه في أبسط تعريفاته وأشملها هو طريق يصل به الإنسان إلى الحقيقة، أو هو الطريق للبحث عن الحقيقة في أي علم من العلوم ,أو في أي مجال من مجالات المعرفة الإنسانية. فالإنسان قد أكتشف المنهج مبكراً ولكنه كان ساذجا وفرديا, ثم تقدم في التطور كلما تراكمت التجارب والخبرات، هذا الطريق يعتمده الفيلسوف والرياضي والمؤرخ وعالم الاجتماع وعالم النفس. علما بأنه يتكيف وفقا لموضوع البحث أو الهدف الذي يتوخاه الباحث من أجراء ذلك البحث، وهو ليس مجموعة من الوصفات المجربة أو الجاهزة والمستقرة، ولا هو لائحة بالقواعد التي يتوجب على الباحث الالتزام بها في كل عصر وعند كل موضوع، وإنما هو مجموعة من السمات والشروط العامة التي ينبغي إن تصدق على إجراءاته التي تتضمن القدرة على الملاءمة والتوسع (قنصوه – 1987).
ولكن هل كل منهج يصل بنا إلى الحقيقة التي نبحث عنها؟ والإجابة طبعا لا. إن التفكير العلمي هو المنهج الذي يتم بمقتضاه تفسير أية ظاهرة والكشف عن الأسباب التي أدت إلى حدوثها على هذا النحو أو ذلك.
ولكن هذا لا يتم إلا من خلال القيام بدراسة تجريبية تاريخية للظاهرة, على أن يتم الكشف عما هو أساسي وجوهري يقوم بدور المسبب، وذلك من خلال عملية التفكير العلمي والتي يغلب عليها الملاحظة والاستقراء والاستنتاج. إن كثيرا ما يتوقف حكمنا على أي بحث بالصحة، وسلامه النتائج، على مدى صحة وسلامة المنهج الذي اتبع في البحث.
فالمنهج العلمي هو مجموعة الإجراءات التي ينبغي اتخاذها بترتيب معين لبلوغ هدف معين، على ألا نفهم من أن المنهج العلمي مجموعة من الصفات المجربة، الجاهزة والمستقرة، أو لائحة بالقواعد التي يتوجب الالتزام بها في كل عصر وعند كل موضوع، فالمنهج العلمي متطور نام. فهو مجموعة السمات والشروط العامة التي ينبغي أن تصدق على إجراءاته, والتي ينبغي أن تكون لها القدرة على الملاءمة والتوسع، وتتوقف طبيعة هذه الإجراءات وتفاصيلها على الغاية منها، وتتنوع بتنوع العلوم، وتختلف في العلم الواحد، ومن عالم إلى عالم، ومن عصر إلى عصر. والمنهج لا يختص بجيل دون جيل، أو فرد دون فرد، بل يكاد يكون لكل فرد من الأفراد منهج يسير وفقا له.
أما البحث والذي هو في أبسط تعريفاته وأشملها الطريق الذي يصل به الإنسان إلى الحقيقة، والذي يتمثل بمجموعة الخطوات العلمية والعملية التي يسلكها الباحث للوصول إلى حقيقة معينة، والتي تتمثل هذه الخطوات العملية في الممارسة المنظمة التي يقوم بها الباحث، والتي تشمل جمع وتحليل البيانات عن طريق الدراسة العلمية الدقيقة والمنظمة لظاهرة معينة باستخدام المنهج العلمي للوصول إلى الحقائق التي يمكن نقلها إلى الآخرين، والاستفادة منها والتحقق من صحتها.
فالبحث كما أشارت (ملحس – 1987) هو " محاولة لاكتشاف المعرفة والتنقيب عنها، وتنميتها وفحصها وتحقيقها، بتقصي دقيق، ونقد عميق، ثم عرضها عرضا مكتملا بذكاء، وأدراك ".
ويعرفه (فان دالين – 1997) بأنه " المحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل إلى حلول للمشكلات، التي تؤرق البشرية وتحيرها".
أما البحث العلمي فقد عرفه (ملحم – 2000) بتلك " العملية المنظمة التي تهدف إلى التوصل إلى حلول لمشكلات محددة, أو إجابة عن تساؤلات معينة، باستخدام أساليب علمية محددة، يمكن إن تؤدي إلى معرفة علمية جديدة".
في حين يحدده (النعيمي – 1998) بأنه "مجموعة النشاطات التي تعتمد المعارف والخبرات والأفكار والمداخلات، تحكمها منهجيات وأساليب وبرتوكولات، تستخدم وسائط تنفيذية متنوعة، فيكون نتاجها معرفة جديدة، أو توسيع معرفة, أو ثقافة, أو تطوير منتج ,أو نظام متداول, أو اكتشافا جديدا، أو مجموعة من هذه المخرجات".
وتنظيم تلك المحاولات والعمليات والأنشطة في مناهج بحثيه تشكل مفصلا مهما في البناء السليم لنمو العلم والمعرفة العلمية، ويقاس تقدم البحث العلمي في أي بلد بمدى النجاح الذي أحرزه هذا البلد في تطوير مناهج ووسائل البحث العلمي. وهو المعبر عن روح الحضارة لأي أمه من الأمم، فحيث توجد حضارة يوجد منهج بحث كما يقول (أندريه لالاند ).
مهارات البحث العلمي:
إن مهارات البحث العلمي تمثل احد الجوانب الأساسية المكملة للمعرفة العلمية، حيث أنها تمثل تلك العمليات التي تتضمن مهارات عقلية ومعلومات يستخدمها الطالب أو الباحث للوصول إلى حل للمشكلة موضع الدراسة.
وأن تلك المهارات العقلية التي تتضمنها عملية البحث والاستقصاء والتي يقوم بها الفرد، لجمع البيانات والمعلومات وتصنيفها وتنظيمها وبناء العلاقات وتفسير البيانات والتنبؤ بالأحداث من خلال هذه البيانات، وذلك من أجل تفسير أو حل مشكلة معينة ,تُشكل بمحتواها مهارات البحث العلمي.
أي أن مهارات البحث العلمي تعبر عن الجوانب السلوكية لعملية التفكير العلمي، فالشخص الذي يمارس التفكير العلمي هو في الواقع يمارس سلوكا هادفا، وموجها بطريقة موضوعية نحو دراسة الموقف بكل أبعاده وحقائقه بقصد الوصول إلى تفسيرات يتضح فيها العلاقات التي يتضمنها الموقف.
ولغرض فهم هذه المهارات لابد لنا من تحديدها وهي كما يلي :
1- القدرة على اكتشاف المشكلة وتحديدها في الموقف الجديد.
2- القدرة على صياغة الفروض، وتحديد مدى ملاءمتها للاختبار.
3- القدرة على تحديد أي البيانات يجب البحث عنها، وتصميم التجارب المناسبة للحصول عليها.
4- القدرة على تفسير البيانات.
5- القدرة على صياغة الاستنتاجات التجريبية في صورة معلومات جديدة.
6- القدرة على التعرف على طبيعة وعمل العلماء.
7- القدرة على ممارسة التفكير الموضوعي والتجرد من التحيزات الذاتية والعقائدية والاجتماعية.
تصنيف مناهج البحث :
يعتبر منهج البحث خطة معقولة لمعالجة مشكلة ما ومحاولة حلها، عن طريق استخدام قواعد علمية تتميز بالموضوعية والإدراك السليم، وليس على التخمين والبداهة، أو الصدفة والتجربة العابرة، أو لمجرد استخدام المنطق.
أن هذه المناهج لا تستخدم باعتبارها هدف بحد ذاته، وإنما هي مجرد وسيلة لتحقيق الأهداف التي يرغب الباحث بالوصول إليها، لذا فان استخدام منهج من المناهج دون غيره له علاقة مرتبطة بنوع المشكلة التي يرغب الباحث ببحثها، وبطبيعة المعلومات والبيانات التي يرغب بالحصول عليها.
وفي ضوء ذلك فقد اختلف الباحثون في تصنيفهم للبحوث مستندين إلى أسس واعتبارات في تصنيف تلك البحوث، فهناك من يصنفها حسب طابعها النظري أو العملي الذي يغلب عليها، أو تصنيفها حسب الظاهرة والموضوعات التي تتناولها بالبحث، كذلك يتم التصنيف وفقا للمجالات أو الميادين التي تنتمي إليها تلك المشكلات والظواهر، وهناك من يصنفها إلى مناهج رئيسية يمكن اعتبارها نموذجية وأخرى مناهج جزئية متفرعة عن المناهج الأساسية أو الرئيسية. لذا يمكن للبحث الواحد أن يصنف بأكثر من طريقة ويندرج تحت أكثر من نوع من أنواع البحث، فعند استخدام معيار معين كإطار للتصنيف فأننا في الواقع نستخدم منهجا خاصا في التفكير، لذلك فليس هناك تفضيل لطريقة على غيرها، كما انه ليس هناك تناقض بين الطرق المختلفة في تصنيف البحوث بل تتداخل هذه الطرق وتتكامل فيما بينها لتعطي مزيدا من الوصف التفصيلي للبحث، فضلا عن إن الفصل بين هذه البحوث هو فصل اصطناعي لان تلك البحوث ما هي إلا صور تجريدية لشيء واحد هو العلم.
فقد صنفها (فوزي غرابيه – 1977) إلى:
1- بحوث أساسية. 2- بحوث تطبيقية.
بينما يصنفها (عمر الشيباني – 1971) إلى:
1- البحوث الطبيعية. 2- البحوث الحيوية.
3- البحوث الاجتماعية. 4- البحوث الحيوية والاجتماعية.
أما (الزوبعي والغنام – 1981) فقد قسمها إلى:
1- البحث الوصفي. 2- البحث التجريبي.
3- البحث التاريخي.
كذلك صنفها (محمد طلعت عيسى – 1963) إلى:
1- منهج دراسة الحالة. 2- المنهج التاريخي.
3- المنهج التجريبي. 4- منهج المسح الاجتماعي.
5- المنهج الإحصائي. 6- المنهج المقارن.
أما (عبد الباسط محمد حسن – 1971) فقد صنف المناهج إلى:
1- المنهج المسحي. 2- منهج دراسة الحالة.
3- المنهج التاريخي. 4- المنهج التجريبي.
وصنفها (احمد بدر – 1978) إلى:
1- البحث الوثائقي. 2- البحث التجريبي.
3- منهج المسح. 4- منهج دراسة الحالة.
5- المنهج الإحصائي.
ويصنفها (الكبيسي والجنابي – 1987) فصنفها إلى:
1- البحث الوصفي ويشمل: (المسح المدرسي، تحليل المحتوى، تحليل العمل، مسح الرأي العام، الدراسة المقارنة، الدراسات الإرتباطيه، دراسة الاتجاهات، ودراسات النمو، الدراسة التتبعية).
2- البحث التجريبي. 3- البحث التاريخي.
4- البحث السوسيومتري.
أما (أبو علام – 1998) فقد صنفها إلى:
1- البحوث الوصفيه وتشمل: البحوث السببية المقارنة، والبحوث الإرتباطيه، البحوث التنبؤيه، والبحوث المسحية.
2- البحوث الكيفية والتحليلية وتشمل: البحوث الاثنوجرافيه، البحوث التاريخية، بحوث التحليل البعدي.
3- البحوث التجريبية. 4- بحوث التقويم.
أما (بركات – 1993) فقد صنفها إلى:
1- البحوث التجريبية. 2- بحوث التخطيط التربوي.
3- بحوث التقويم. 4- بحث الحالة.
5- طرق تحليل المحتوى.
كذلك صنفها عبيدات وآخرون1988 إلى:
1- الأسلوب التاريخي. 2- الأسلوب الوصفي.
3- الأسلوب التجريبي. 4- أسلوب النظم.
5- البحث الإجرائي.
وصنف (فان دالين – 1997) مناهج البحث إلى:
1- البحث الوصفي ويشمل: البحوث السببية، البحوث الإرتباطيه، الدراسات التطورية.
2- البحث التجريبي. 3- البحث التاريخي.
إما Good and Scates – (1954) فقد صنفها إلى:
1- المنهج التاريخي. 2- المنهج الوصفي.
3- المنهج التجريبي. 4- منهج المسح الوصفي.
5- منهج دراسة الحالة.
كذلك Marquis - (1950) فقد صنفها إلى:
1- المنهج الانثروبولوجي. 2- المنهج الفلسفي.
3- المنهج التاريخي. 4- منهج المسح.
5- المنهج التجريبي. 6- منهج دراسة الحالة.
إما Whitney - (1950) فقد صنفها إلى:
1- المنهج الوصفي ويشمل: المسحي، دراسة الحالة، تحليل العمل، البحث المكتبي.
2- المنهج التاريخي. 3- المنهج التجريبي.
4- منهج البحث الفلسفي. 5- البحث التنبؤي.
6- البحث الاجتماعي. 7- البحث الإبداعي.
إما هنا فقد تبنى الباحث نموذجا قد يختلف في بعض جوانبه مع ما ورد سابقا، وقد يتشابه في جوانب أخرى معها. ولكن تم تصنيفها في ضوء اختلاف كل نوع من حيث الأهداف التي يسعى الباحث إلى تحقيقها, وفي الوسائل التي يستخدمها في تحقيق تلك الأهداف، وفي نوعية المشكلات التي يتناولها بالبحث,إضافة للأفراد الذين يستهدفون بالبحث,والوسائل الإحصائية المستخدمة فيها, مع مدى الاستفادة من النتائج التي يتم التوصل إليها من خلال تلك البحوث. وبذلك فقد صنفت البحوث إلى أربع نماذج من البحوث الرئيسية والتي تضم كلا منها عدد من المناهج البحثية وهذه البحوث الرئيسية الأربعة هي :
1- البحوث الأساسية (النظرية) Pure Researches.
2- البحوث الوصفية (العملية) Descriptive Researches.
3- البحوث التجريبية Experimental Researches.
4- البحوث التطبيقية Applied Researches .
ويندرج تحت هذه الأنواع الأربعة الرئيسية من البحوث مجموعة من مناهج البحث والتي تستخدم في إجراء البحوث ضمن العلوم السلوكية ومن هذه المناهج البحثية ما يأتي:
1- منهج البحث الفلسفي Philosophical Research Method.
2- منهج البحث التاريخي Historical Research Method.
3- منهج تحليل المحتوى Content Analysis Method.
4- منهج دراسة الحالة Case Study Method.
5- مناهج بحوث التطور Development Research Method.
6- مناهج البحوث المسحية Survey Research Method.
7- المنهج الإرتباطي Correlation Method.
8- منهج البحث التنبؤي Predictive Research Method.
9- منهج البحث السببي المقارن Research Method Causal- Comparative.
10- منهج البحث التجريبي Experimental Research Method.
11- مناهج بحوث التقويم Method Evaluation Research.
البحوث الأساسية :
هو البحث النظري بمعناه الكلاسيكي، أو ما يسمى بالبحث للبحث، ويهدف إلى البحث عن الحقائق والمعارف لذاتها، والتي يمكن أن تضيف إلى هيكل العلم ودراساته وتراثه ونتائجه الموضوعية والتحليلية الفائدة غير المباشرة بغض النظر عن تطبيقاتها في الحياة. هدفها الكشف عن الحقائق والمعارف النظرية الجديدة لذاتها وزيادة الرصيد المعرفي العام والتي تؤدي إلى التقدم والاستقصاء العلمي، وتطوير مناهج البحث والمعرفة العلمية للقوانين الأساسية والمبادئ العامة التي يمكن إن تضاف لهيكل العلم.
هذه البحوث تهتم إما بفحص صحة أو عدم صحة الفرضيات والقوانين العلمية والسعي إلى اكتشاف حقائق جديدة، والتوصل إلى النظريات والقوانين والفرضيات العلمية الجديدة، أو إعاده النظر في القديمة منها، فهي تسعى لاختبار النظريات ودراسة العلاقات بين الظواهر وتفسيرها أو دراسة نظرية ما كي نتمكن من فهمها دون تفكير كبير في تطبيق النتائج التي يتم الحصول عليها في مشكلات عملية.
لذا فهي بحوث علمية لا تساهم في معالجة مشكلات المجتمع وسلبياته بصورة مباشرة، ولكنها يمكن أن تطبق على دراسة وفهم واستيعاب جانب من جوانب المجتمع والطبيعة، كما أنها لا تسعى لا يجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والإنسانية، أو اتخاذ القرارات وتنفيذ عمليات معينة. والباحث في إعداده للبحث الأساسي لا يكون مهتما إطلاقا بالتطبيقات العملية اليومية، بل ينصب اهتمامه على المعرفة الحقيقية، وإضافة كل ما هو جديد إلى التراث الإنساني، وعليه فإن ما يقوم به الباحث هو الإحاطة فقط بالحقيقة العلمية وتحصيلها دون النظر إلى التطبيقات العلمية لها. فهو يستهدف الوصول إلى المعرفة من اجل المعرفة لذاتها دون أن يكون هناك هدف تطبيقي مقصود، كما لا يشترط فيه إن يذكر المضامين العملية المتوقعة لما توصل إليه وهو غير مطالب بذلك.
كما أنه يسعى للوصول إلى تعميمات أوسع، والبحث عن الحقيقة سواء أن تمخض عن هذا البحث تحقيق فائدة وقت إجرائه أم لا، إذ إن ما تقدمه من مكتشفات قد لا يكون لها تطبيقا مباشرا, ولا يؤدي إلى نتائج عملية، إلا بعد مضي عدة سنوات. فمن الصعب على الباحثين أن يقوموا بتطبيق نتائج البحوث الأساسية بشكل مباشر، إذ إن أثاره ونتائجه المقصودة لا يمكن الشعور بها إلا على مدى فترات طويلة من الزمن فهو عام غير مقيد بتطبيق نتائجه في المجال العلمي والاستفادة منها في الوقت الحالي على الأقل، كما أن نتائجه باهظة التكاليف في بدايتها.
فالبحوث الأساسية هي أبحاث نظرية أكثر منها عملية، تعتمد على التحليل والدراسة النظرية (القحطاني وآخرون – 2000). وتهدف إلى اختبار فروض ممثلة لنظرية ذات طبيعة عامة، وتبحث عن الحقائق والمعلومات وتزودنا بحلول تزيد من رصيدنا المعرفي، ولا يشترط فيها إن تدور حول مشكلة معينة أو تسعى وراء حل لها.
ومن أهم مقومات البحوث الأساسية، الأصالة، وتتبلور هذه الأصالة في جدية الإسهامات العديدة في ميادين المعارف الإنسانية، وفي استقلالية الأفكار التي يبني عليها البحث. فالبحث الأصيل يستند إلى أفكار جديدة مبتكرة وأراء حديثة تضيف معارف جديدة، وليس مجرد سرد أراء أو أفكار الباحثين الآخرين في قوالب جديدة أو تلخيصها، فيجب أن لا تكون منقولة أو تقليدا أو ترجمة أو تكرارا لما سبق من بحوث، ولكن يجوز للباحث أن يستند إلى أراء وأفكار وملخصات الآخرين والدراسات والاستنتاجات التي توصلوا لها، في تكوين الأفكار الخاصة وصياغة الافتراضات العلمية الجديدة والإتيان بالبراهين والأدلة والبيانات التي تدعم أفكاره. علما بان نتائج البحوث الأساسية ترتبط بالبحوث السابقة وبالمعرفة داخل العلم، كما أن إسهامات البحث العلمي الأساسي يطال عادة المواد والموضوعات والأفكار العلمية والأدبية والاجتماعية والفلسفية وكل العلوم التي يطلق عليها العلوم الإنسانية.
لذا يسجل البحث الأساسي واتجاهاته وما يرتبط به من دراسات ذاك الأثر الكبير والفاعل في نمو وتطوير المعرفة، وان هذا الأثر عام ومجرد وليس محدودا ومحسوسا، وهو يتطلب مهارة عالية ويستنفذ الكثير من الوقت وهو مكلف، لذا لا يلقى رواجا بين رجال التربية.
باستثناء استخدامه في وصف وتفسير الخبرات الشخصية للسلوك الاجتماعي للفرد، أو لعرض المبادئ والمعتقدات، وللكشف عن وقائع حياة الأفراد منذ ميلادهم وحتى الوقت الحالي، أو دراسة إنتاجهم الفكري والأدبي والفني من خلال تحليل محتوى تلك ألإنتاجات الثقافية والعلمية، أو لوصف وتحليل الأحداث الماضية وخبرات الآخرين من خلال القيام بقراءات تحليلية لتلك الأحداث أو للأفراد الذين يقفون وراءها.
البحوث الوصفيه (العملية):
تعتبر البحوث الوصفيه من أكثر البحوث استخداما وانتشارا في مجال العلوم السلوكية، وهو الأسلوب الوحيد الممكن في نظر العديد من الباحثين لدراسة الكثير من المجالات الإنسانية، وذلك نتيجة لصعوبة استخدام الأساليب الأخرى في تلك العلوم، ويعود ذلك لاعتبارات عديدة لعل من بينها أخلاقية وإنسانية، أو لتعقد السلوك الإنساني وصعوبة تحديد وضبط العوامل والمتغيرات التي تحدث ذلك السلوك أو الظاهرة.
وتسعى تلك البحوث للتعرف على وجود علاقة بين متغيرين أو أكثر من عدمها ونوع تلك العلاقة, كما تستخدم لوصف تطور وتغير المتغيرات عبر فترات زمنية معينة, أو لكشف وتشخيص موقفا ما أو ظاهرة ما.
وبشكل عام فأن الغاية الأساسية لهذه البحوث هو تحديد الوضع الحالي لظاهرة معينة، ومن ثم العمل على وصفها في ضوء ما تم جمعه من معلومات, وبالتالي فهو يركن إلى دراسة الحدث أو دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع الحالي، وتهتم بوصفها وصفا دقيقا، لكنه لا يقتصر على مجرد جمع البيانات أو الوصف فقط بل يذهب إلى أكثر من ذلك، إذ يقوم بالمقارنة بين تلك البيانات والمعلومات والقيام بتفسيرها كي يحيط بالظاهرة المدروسة محاولا التعرف عليها وعلى الأسباب المؤدية إليها وكيفية حدوثها.
يلخص هويتني Whitney 1950 مضمون الدراسة الوصفيه بدراسة الحقائق الراهنة المتعلقة بطبيعة الظاهرة، أو موقف أو مجموعة من الناس، أو مجموعة من الأحداث، أو مجموعة من الأوضاع، أما. (ملحم – 2000) فقد أشار إلى أنها أحد أشكال التحليل والتفسير العلمي المنظم، لوصف ظاهرة أو مشكلة، وتصنيفها وتحليلها وإخضاعها للدراسة الدقيقة.
فالبحث الوصفي أو العملي يهدف إلى تحديد الوضع القائم، علما بأن الباحث ليس له السيطرة على الظاهرة، والمتغيرات التي أدت إليها، مما يعني عدم قدرة الباحث على تغيير وضع الظاهرة أو تبديلها، أي لا ينشأ الباحث خلالها أي ظروف جديدة، وإنما يلتزم عند قيامه بالبحث بالظروف القائمة فعلا، في الوقت ذاته لا تستخدم النتائج التي تم التوصل إليها إلا على مجتمع البحث ذاته فقط، إذ إن البحوث الوصفيه تهدف للوصول إلى معرفة خاصة، ضمن نطاق خاص، والتي تتعلق بمشكلة معينة تهدف إلى إيجاد حل لها، ولا يقتصر على مجرد وصف الظواهر فقط.
لذا يمكن أن تلخص أهداف البحوث الوصفيه بما يلي :
1- جمع بيانات حقيقية ومفصلة لظاهرة أو مشكلة موجودة فعلا لدى مجتمع معين، ومحاولة تتبعها عبر تطورها زمانيا.
2- تحديد المشكلات الموجودة، وتقديم معلومات وحقائق عن واقع الظاهرة الحالي ومدى انتشارها.
3- التعرف على الأسباب والعوامل التي أدت لظهور تلك المشكلات.
4- أجراء مقارنات لبعض الظواهر أو المشكلات وتقويمها، وإيجاد العلاقات بين تلك الظواهر المختلفة, وعلاقتها بالظاهرة ذاتها ,مع تحديد نوع تلك العلاقات.
5- تحديد ما يفعله الأفراد في مشكلة أو ظاهرة ما، والاستفادة من آرائهم وخبراتهم في وضع تصور وخطط مستقبلية، واتخاذ القرارات المناسبة لمواقف متشابهة مستقبلا.
6- تساعد في التنبؤ بمستقبل الظاهرة وما سوف تكون عليه صورة المتغيرات المتضمنة فيها مستقبلا.
أن البحوث الوصفيه تسعى إلى استقصاء ظاهرة من الظواهر النفسية، كما هي قائمة في الوقت الحاضر، بقصد تشخيصها وكشف جوانبها، وتحديد العلاقات بين عناصرها أو بينها وبين ظواهر نفسية أو اجتماعية أخرى.
البحوث التطبيقية:
هو البحث الموجه نحو تطبيق المعرفة الجديدة، في حل مشكلات الحياة اليومية، والذي يهدف الوصول إلى المعرفة ليس فقط بالمعنى المجرد لها ولأجلها،. وإنما تحقيقا وابتكارا لحل معين للقضايا والمشكلات التي تهم المجتمع ويعاني منها علما بأن حل تلك المشكلات سوف يسهم في تحقيق أهداف المجتمع وتحسين ظروف معيشته فضلا عن تحقيق التقدم الإنساني.
والبحث العلمي كنوع خاص للإنتاج لم ينشأ إلا في مرحلة متأخرة نسبيا من تطور المجتمع، حين صار من غير الممكن للإنتاج أن يتطور دون تطبيق المعارف النظرية حول الخصائص الفيزيائية والكيميائية وسواها من خصائص موضوعات الطبيعة، ثم انتقالها من دراسة القوى المادية إلى الاهتمام بدراسة الأفراد العاملين في تلك الحقول الإنتاجية, إضافة إلى دراسة النظم والقوانين التي تسير تلك العمليات الإنتاجية، وبذلك ظهرت البحوث التطبيقية في مجال المعرفة من اجل الإسهام في تطوير عمليات الإنتاج من خلال العمل على إيجاد أفضل الطرق والوسائل والمواد لتطوير القدرات الإنتاجية وزيادتها وفي كافة مجالات الحياة.
و يعرف (القحطاني وآخرون – 2000) البحوث التطبيقية, بأنها أبحاث علمية يسعى الباحث فيها إلى تطبيق معرفة جديدة، لحل المشكلات اليومية، أو تطوير وضع قائم لتحسين الواقع العملي, وحل المشكلات الفعلية. وبعبارة أخرى يستهدف البحث العلمي التطبيقي تسخير المكتشفات والمبتكرات العلمية الحديثة، والتي يتمخض عنها البحث العلمي المتطور في مضاعفة الإنتاج وتحسين أدواته باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، مما يؤدي بالتالي إلى مضاعفة الأرباح والتقدم العلمي المنشود. وغالبا ما ترتبط البحوث التطبيقية بالمجالات المهنية، كما أنها تهتم بتطبيق وتطوير نتائج البحوث الأساسية والوصفية(العملية) والتجريبية في هذه المجالات، وتستخدم المعرفة العلمية التي أوجدتها تلك البحوث، ولكن ليس للمعرفة في حد ذاتها، وإنما توجه نحو التطبيقات العلمية لتلك المعرفة.
ففي مجال العلوم التربوية والنفسية تحظى هذه البحوث بانتشار واسع يشمل العديد من بحوث التقويم وعمليات الأثر، والتي تغطي جميع جوانب العملية التربوية، والخدمات التي ترافقها من نفسية وصحية، بمعنى أن الدراسات التطبيقية تركز على مشكلات البحث الشائعة في ميدان معين، وهي مجردة وعامة، شأنها شأن البحوث الأساسية، كما أن قابلية التعميم فيها قاصرة فقط على مجال العلم التطبيقي.
وعليه نجد أن البحث التطبيقي يبحث في مسائل عملية ويحاول المساعدة في إيجاد حلول لمشكلات عملية محددة في الحياة، فهي تدرس مزايا وقيمة عمل ما في موقع معين أو بواقع محدد. كما أن الدافع لإجرائه يتجسد بمشكلة تتطلب حلا أو اتخاذ إجراء معين إزاءها، فضلا عن المعلومات التي يمدنا بها هذا البحث والتي يمكن استخدمها مباشرة لتطوير العمل وتحسينه، وهذا النوع من البحوث لا يحقق فوائده المرجوة، إلا إذا أستند إلى البحث العلمي في مجالات البحوث الأخرى والتلاحم والترابط فيما بينها.
فالبحوث التطبيقية تختبر النظريات العلمية في مجال تطبيقي، وتبحث في العلاقات العلمية المشتركة في مجال معين، وتهتم بتقديم مقترحات لتغير أو تعديل الممارسات في موقع معين، وذلك من خلال الفائدة العملية المباشرة من النتائج التي يتم التوصل إليها، كما أنها تهتم بالاحتياجات المباشرة للأفراد الموجودين في الموقع الذي يجرى فيه البحث.
كما أن القائمين بهذه البحوث يستخدمون مناهج البحث بنوعيها التجريبية وغير التجريبية (الوصفيه) فضلا عن استخدامهم لأدوات القياس ذاتها، والتحليل الإحصائي ذاته لاختبار صحة الفروض التي يضعونها لتلك البحوث، وبذلك يختلف البحث التطبيقي عن البحوث الأساسية في الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها وفي الوسائل التي يستخدمها في تحقيق تلك الأهداف، وفي نوعية المشكلات التي يتناولها بالبحث مع مدى الاستفادة من النتائج التي يتم التوصل إليها.
البحث التجريبي:
الحياة ما هي إلا سيل من التجارب، يجرب فيها الأفراد أساليب مختلفة من السلوك وبصورة مستمرة، والتجارب هي الطريقة الوحيدة لإثبات وجود علاقات من نوع السبب Cause والأثر (النتيجة Effect)، لذا يعتبر المنهج التجريبي أقرب مناهج البحث لحل المشكلات بالطريقة العلمية كما انه المنهج الذي له الأثر الواضح والجلي في تقدم مناهج البحث العلمي، مما أدى إلى إن تخطوا العلوم الطبيعية والإنسانية خطوات واسعة وسريعة إلى الأمام، وتمكن الإنسان من خلال هذا المنهج إلى اكتشاف أو التعرف على الكثير من العوامل والأسباب الكامنة خلف الكثير من الظواهر. حيث إن البحث التجريبي يعرض لنا الظواهر على إنها سياق متواصل من السبب والنتيجة، فليس هناك من حدث يحدث مهما كان نوعه دون ما سبب كامن من ورائه، سواء أدركنا ذلك السبب أم لم ندركه، كما إن الحدث الجديد هذا يصبح سببا في وقوع حدث آخر وهكذا دواليك.
التجريب هو الوسيلة والطريقة العلمية في استخدام التجربة لاختبار الفروض واستكشاف العلاقات الجديدة بين المتغيرات وجوهره يتضمن قدرتنا على تغيير الظروف كيفما نشاء. فالتجريب هو تغير متعمد ومضبوط للشروط المحددة لحدث ما وملاحظة التغيرات الناتجة في الحدث ذاته وتفسيرها (فان دالين – 1997). يقوم على المعالجة الدقيقة المتعمدة أو المقصودة للمتغير أو المتغيرات موضوع الدراسة, والتي تتباين من حيث النوع والمستوى بهدف تحديد العلاقات السببية للوصول إلى نتائج دقيقة وبشكل كمي محدد.
والتجريب سواء في قاعة الدراسة أم في أي مجال آخر هو محاولة للتحكم في جميع المتغيرات والعوامل الأساسية باستثناء متغير واحد، حيث يقوم الباحث بتطويقه أو تغييره بهدف تحديده وقياس تأثيره على المتغير الآخر، فقد أشار (بركات – 1993) إلى إن التجريب " هو وضع فكرة معينة موضع التطبيق العملي في ظروف مصطنعة، ودراسة العوامل المختلفة المؤثرة في هذا التطبيق، ومحاولة التحكم في بعض هذه العوامل وتغيير بعضها وتثبيت البعض الآخر، للوقوف على نتائج هذا التغيير ".
إما (ملحم – 2000) فيعرفه " على انه تغيير عمدي ومضبوط للشروط المحددة لحدث ما، مع ملاحظة التغيرات الواقعة في ذات الحدث وتفسيرها".
فالتجريب هو إدخال شرط ما أو عدة شروط محددةُ في موقف معين، أو حذف هذه الشروط بهدف معرفة ما ينتج من هذا التدخل أو الحذف.فهذه التجارب تبدأ بفرض، وابسط الفروض هو إن حدثا ما ويطلق عليه متغير ينتجه حدث آخر، وبالتالي يعتمد عليه. ففي هذا المنهج يختار الباحث موقفا من المواقف أو يصنع هذا الموقف، ثم يحاول ضبط كل الشروط فيما عدا المتغير المستقل (السببCause) الذي يستخدمه أو يتيح له فرصة العمل، أو يحول دون أدائه، ثم يلاحظ ما يحدث للمتغير التابع (النتيجة (Effectمن تغيرات، وذلك نتيجة لتعرضه للمتغير المستقل أو كف هذا المتغير عنه. إن الباحث يتحكم عادة في واحد أو أكثر من المتغيرات المستقلة, ويعمل على ضبط تأثير المتغيرات الأخرى ذات الصلة ليرى أثر ذلك على المتغير التابع. والتجارب مهما بلغت بساطتها أو شدة تعقيدها تتكون من ثلاث عناصر رئيسية هي:
1- المتغير المستقل Independent Variable هو العامل الذي يستخدم عن قصد في الموقف، ويضعه الباحث تحت الملاحظة للتأكد من علاقته بالمتغير التابع وتأثيره فيه. فالمتغير المستقل عبارة عن الشروط أو التنبيهات التي يعالجها الباحث، أو يضعها تحت سيطرته. ويمكن أن يظهر هذا المتغير في واحدة من الصور التالية:
أ - وجود المتغير المستقل، مقابل عدم وجوده.
ب- وجود المتغير المستقل بدرجات متفاوتة.
ج- وجود حالتين من المتغير المستقل.
2- المتغير التابع Dependent Variable هو الظاهرة التي توجد أو تختفي أو تتغير حينما يطبق الباحث المتغير المستقل أو يبعده أو يغير فيه، كما انه ذلك الجانب من سلوك الفرد الذي يقاس بعد تقديم المعالجة التجريبية. ويتم اختيار المتغير التابع وفق معايير محدده منها:
أ - يجب إن يكون المتغير قابلا للملاحظة بسهولة في الحالة التجريبية.
ب- يمكن أن يجمع بأقل ما يمكن من الأذى للأفراد، ودون التجاوز على حقوقهم الشخصية.
ج- أن يكون المتغير التابع حساسا بدرجة كافية لتأثيرات المتغير التجريبي.
د- أن يكون ممكنا اقتصاديا. (نيل وليبرت – 1982).
3- المتغيرات الدخيلة (الخارجية): وهي المتغيرات التي يؤثر وجودها على نتائج البحث، والتي لا يهتم الباحث لوجودها، لكونها غير معروفة لديه، ولكن عندما ينتبه لها ويأخذها في الاعتبار عند تصميمه لمنهجه التجريبي يطلق عليها المتغيرات الضابطة Control Variables.فالمتغيرات الضابطة هي متغيرات مستقلة لا تدخل ضمن المعالجة التجريبية، ولكنها تكون جزءاً من التصميم التجريبي للبحث، ويتم السيطرة على هذه المتغيرات وضبطها من خلال:
1- ضم المتغير الضابط إلى تصميم البحث.
2- دراسة مستوى واحد من المتغير الضابط.
3- إبعاد اثر المتغير الضابط إحصائيا، ويتم ذلك من خلال التغاير والارتباط الجزئي Partial Correlation. (أبو علام – 1998).
خصائص المنهج التجريبي :
من الخصائص والمميزات التي يتصف بها المنهج التجريبي ما يلي:
1- تتجسد فيه معالم الطريقة العلمية في التفكير.
2- يكشف عن العوامل والأسباب التي تؤثر في الظاهرة وتتحكم بها من خلال التغيير عن قصد وتعمد وبصورة منظمة بالمتغير المستقل، لمعرفة أثره على المتغير التابع مع ضبط اثر كل المتغيرات الأخرى.
3- سمح باختبار الفروض التي يكونها الباحث.
4- إمكانية إعادة إجراء البحث من قبل باحثين آخرين، لأكثر من مرة، وفي أوضاع وظروف متباينة، أو تحت ذات الشروط والظروف، كما يستطيع الباحث إن يغير التجربة ليرى الآثار المترتبة على الظروف المتغيرة.
5- تحقيق أهداف البحث العلمي الأساسية وهي التنبؤ والفهم والتحكم.
6- له القدرة على التوقع أو التنبؤ بمستقبل الظاهرة، مما يؤدي إلى إحداث إصلاح أو تغيير فيها, تغيراً علاجياً أو وقائياً. كما انه يستطيع تحديد الوقت الذي تحدث فيه الظاهرة.
7- يتميز بوجود درجة مرتفعة من الثقة بنتائجه أكثر بكثير من الثقة بنتائج البحوث الأخرى.
8- يتميز هذا المنهج بالمرونة والتكيف لحالات كثيرة ومتنوعة.
9- له القدرة على التحكم في متغيرات وأوضاع التجربة, وذلك لاستخدام الأسلوب العشوائي في التحكم (الضبط) أي ضبط المتغيرات الخارجية (الدخيلة).
10- استخدام مجموعتين أو أكثر من الأفراد أحداهما تسمى المجموعة التجريبية والأخرى المجموعة الضابطة.
11- له قدرة عالية من سلامة الصدق الداخلي والخارجي للتجربة التي يجريها الباحث، من خلال التحكم في كل المتغيرات الدخيلة التي تؤثر على الظاهرة المراد دراستها.
12- له القدرة على استخدام أكثر من متغير مستقل، وفي اختيار أكثر من مجموعة تجريبية.
13- استخدام أساليب ووسائل إحصائية أكثر تقدما (الإحصاء الاستدلالي).
خطوات إجراء البحث التجريبي:
إن خطوات بناء منهج البحث التجريبي تختلف باختلاف التصميمات التي يطبقها الباحث، فقد تقل أو تكثر تلك الخطوات من تصميم إلى آخر، ولكن بوجه عام فان الخطوات الواجب إتباعها في أي نوع من أنواع البحوث التجريبية هي:
1- تحديد المشكلة, وصياغة الفروض, وتحديد أهمية البحث وأهدافه، والمصطلحات والمتغيرات الأساسية، والتعرف على الدراسات والأبحاث السابقة، التي لها علاقة مباشرة بالدراسة، وكما تم توضيحها في مواضيع سابقة.
2- وضع خطة وتصميم للبحث.
3- اختيار التصميم التجريبي المناسب لدراسة المتغيرات التي تم تحديدها في المشكلة والفروض.
4- تحديد المتغيرات الدخيلة، والتي تؤثر على الدراسة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لضبطها.
5- اختيار العينة المطلوبة بعد التعرف على مجتمع الدراسة والطرق المناسبة لذلك.
6- اختيار أدوات القياس اللازمة.
7- التأكد من سلامة الأدوات من حيث صدقها وثباتها.
8- اختبار العينة اختبارا قبليا.
9- توزيع العينة إلى مجموعتين أو أكثر توزيعا عشوائيا.
10- اختيار أحدى المجموعات كمجموعة تجريبية والأخرى مجموعة ضابطة عشوائيا.
11- أجراء عملية تكافؤ(تكميم) للمتغيرات الأخرى بهدف تحديد أثرها في التجربة.
12- تحديد الأساليب الإحصائية الواجب استخدامها في تحليل نتائج البحث.
13- تطبيق التجربة.
14- اختبار المجموعتين التجريبية والضابطة اختباراً بعدياً.
15- تحليل المعلومات والبيانات التي تم التوصل لها.
16- تفسير المعلومات.
17- تحديد الاستنتاجات والتوصيات والمقترحات.
18- تنظيم قائمة بالمراجع والمصادر التي تم الاعتماد عليها.
19- كتابة ملخص للبحث.
ويتميز المنهج التجريبي بميزتين هما:
أولا: الضبط (التحكم) Control.
يعتبر الضبط Control من أهم خصائص المنهج التجريبي، إذ يجب أن يكون هذا العمل عملا مضبوطا ومتحكم به. ويقصد بكل ذلك منع أو تثبيت تأثير العوامل الداخلة على التغير الحادث في المتغير التابع نتيجة تعرضه للمتغير المستقل، أي حصر المتغيرات ذات الأثر على التجربة عدا المتغير المستقل، وذلك من خلال عزلها كي يتم منع أثرها على النتيجة، أو تحديدها حتى يتم التأكد من وجودها لدى جميع أفراد المجموعات التجريبية والضابطة على حد سواء.
والضبط ليس بالأمر البسيط واليسير، وهو من أكثر الملامح المميزة للتجربة العلمية، والتي تتمثل في محاولة الباحث ضبط جميع العوامل المتنوعة، والتي قد تمنعه من اختبار إمكانية تأثير المتغير المستقل على المتغير التابع، ومحاولة الضبط هذه لا تتمثل في مجرد إن يتحكم الباحث في احد المتغيرات ليرى أثره على المتغير الآخر، وإنما يتمثل في التعرف والسيطرة على المتغيرات الأخرى، والتي قد تؤثر في المتغير التابع. وفي الملاحظة المضبوطة والتي تتمثل في الموقف التجريبي من الإجراءات والأساليب، أو ما يتصل منها بخصائص أفراد التجربة، أو الظروف المنتظمة أو المحيطة بالتجربة والتي منها تأثير المجرب.
والضبط هو الأسلوب الذي يمكن من خلاله تقليل الخطأ وسوء التفسير عن طريق الإبقاء على المتغيرات الثابتة والتعامل مع المتغيرات المختارة، ومعالجتها لدى المفحوصين بأسلوب منهجي منظم.ومن اكبر الأخطاء التي يمكن إن يقع فيها الباحث هو الاندفاع إلى وضع تصميم تجريبي ومحاولة ضبطه قبل أن تتوفر لديه معرفة كافية بالعوامل الدخيلة التي يجب عليه ضبطها، والتي يعتقد بأنها تؤثر على المتغير التابع.
ومن وسائل الضبط التجريبي:
• طرق اختيار العينة وتوزيعها. ويشمل: الأسلوب العشوائي، أسلوب المطابقة (التكافؤ)، أسلوب المزاوجة.
• الأساليب الإحصائية والإختبارية.
• الضبط المعملي.
ثانيا: سلامة التصميم التجريبي :
إن ما يميز المنهج التجريبي هو قدرة الباحث في هذا النوع من البحوث على السيطرة والتحكم في المتغيرات التي تحدث داخل التجربة، أو التي تحيط بها وتأثر عليها. مع فسح المجال للمتغير المستقل كي تظهر تأثيراته على المتغير التابع، كي يتسنى للباحث تعميم النتائج التي توصل إليها على حالات خارج حدود هذه التجربة وبذلك نقول إن التجربة أو البحث أو الدراسة تتمتع بالسلامة الداخلية والخارجية معا, فما هي السلامة الداخلية والخارجية؟ وما هي العوامل التي تؤثر على استجابات أفراد التجربة.
ويشير مفهوم السلامة الداخلية أو الصدق الداخليInternal Validity إلى ضرورة توفر الظروف أو الشروط التي تجعل الفروق في المتغير التابع، هي نتيجة مباشرة لعمليات التحكم التي تجرى على المتغير المستقل، وبذلك يكون للنتائج تفسيراً واحداً فقط هو تأثير المتغير المستقل (عدس- 1992).
وبعبارة أخرى فإن مجموعة حقائق الموقف التجريبي، والتي تمكن الباحث من السيطرة على العوامل الدخيلة في التجربة. بحيث يمكننا إن نعزو التغيرات التي حدثت على المتغير التابع، أو إن الفروق بين المجموعة الضابطة والمجموعة التجريبية، جاءت نتيجة لتدخل الباحث في ضوء التغير الذي أحدثه في المتغير المستقل وليس إلى متغيرات أو عوامل دخيلة كانت قد أثرت قبل التجربة أو أثنائها على المتغير التابع, بغض النظر عن مصدر هذه العوامل. وعليه إذا تمكنا من عزو التغير إلى تأثير المتغير المستقل لوحده وبكل ثقة نكون قد حققنا السلامة الداخلية للتجربة, وقطعنا بصدقها الداخلي Internal Validity. ونظرا لحساسية هذا الموضوع وأهميته بالنسبة للبحوث التجريبية تبرز عدد من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في السلامة الداخلية (الصدق الداخلي). نذكر منها : التاريخ، النضج، القياس(موقف الاختبار)، الأدوات، الانحدار الإحصائي، اختيار العينة، الاندثار (الفاقد) في أفراد العينة، التفاعل بين اختيار العينة وعوامل أخرى.
أما مفهوم السلامة الخارجية فهو مجموع خصائص الموقف التجريبي، والتي تتمثل في قدرة الباحث على تعميم نتائج بحثه إلى مواقف وعينات مماثلة لعينة الدراسة، بمعنى إلى أي مدى بالإمكان تعميم النتائج التي تم التوصل إليها. إن السلامة الخارجية (الصدق الخارجيExternal Validity) في تجربة ما تتحقق إذا أمكن تعميم نتائجها على أشخاص لم تطبق عليهم، غير أنهم يشبهون تماما أعضاءها في جميع المتغيرات التي تم ضبطها. وبشكل عام لا يتحقق ذلك إلا من خلال اختيار أفراد التجربة بطريقة تجعلها ممثلة للمجموعة الكبيرة التي ينتمون إليها، أي إن تكون العينة المسحوبة ممثلة للمجتمع، فضلا عن مدى إمكانية تعميم نتائج التجربة على بيئات ومجموعات أخرى وفي أوقات أخرى أيضا، بشرط تشابه أوضاعها مع الأوضاع التي تمت فيها تلك التجربة. لذا على القائم بالتجربة إن يسأل نفسه إلى أي حد يمكن إن تصدق النتائج التي حصل عليها من تطبيق المتغير المستقل في التجربة على موقف خارج حدود تلك التجربة. وعلى أي الأفراد والظروف والمتغيرات يمكن إن تطبق هذه النتائج. وكثيرا ما تتعرض السلامة الخارجية للتهديد بفعل عدد من العوامل والعوائق التي تحول دون تحقيقها وهي:
• أثر الاختبار القبلي على مستوى الاستجابة للمتغير المستقل.
• أثر تفاعل اختيار عينه التجربة مع المتغير المستقل.
• التفاعل مع الظروف التجريبية.
• تداخل أثر المتغيرات المستقلة.
وهناك العديد من التصميمات التجريبية، يمكن حصرها من خلال تصنيفها إلى أربعه أصناف وهي:
1- التصميمات التمهيدية.
2- التصميمات التجريبية.
3- التصميمات شبه التجريبية.
4- التصميمات العامليه.
ويندرج تحت كل تصنيف العديد من التصميمات التجريبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق