الصفحات

الخميس، 26 يونيو 2014

استعمالات الأراضي والمياه في مصر من منظور التغيرات المناخية والتصحر ...


استعمالات الأراضي والمياه في مصر من منظور
 التغيرات المناخية والتصحر
  
دكتور صلاح أحمد طاحون
جامعة الزقازيق

مؤتمر التغييرات المناخية وآثارها على مصر
القاهرة - 02-03  نوفمبر 2009



المحتويات



الترتيبات الدولية لتغير المناخ والتصحر
مقدمة
مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية
مؤتمر البيئة والتنمية والأجندة 21
الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ
آلية التنمية النظيفة
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر

التغيرات المناخية في الماضي والحاضر
علم المناخ القديم
التطورات الجيولوجية/ المناخية لنهر النيل

واقع تغير المناخ والتصحر في مصر
تهديدات ومخاطر تغير المناخ
مشروعات التخفيف والتكيف لتغير المناخ
تصحر الأراضي في مصر   

فرص وتحديات استعمالات الأراضي والمياه
        الموارد الأرضية والمائية في مصر
تحديث مفهوم كفاءة استعمال المياه
سنيرجيات منخفض القطارة

ظواهر ومسببات الجفاف في مصر
الجفاف المفترض
الجفاف الديموغرافي
الجفاف الطبيعي

المناخ ومياه النيل
الإيراد المائي للنيل
التنبؤات المناخية للإيراد المائي
احتمالات الإنتاج الزراعي

إجراءات احترازية إقليمية لتغير المناخ
مبادرة حوض النيل
مشروع سورجل    
منظومية للإنذار المبكر وإجراءات الطوارئ
المـراجـع



الترتيبات الدولية لتغير المناخ والتصحر

مقدمة   
     نشأت وازدهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية معارف جديدة ، بعد تراكم هائل لفيض بحوث علمية متنامية  الوتيرة أجريت في دول العالم المتقدم . وأدى ذلك إلى تسارع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمعدلات غير مسبوقة تاريخيا ، وارتفع عدد السكان في جميع دول العالم ، وتنوعت المنتجات في كافة القطاعات ، وتحولت كماليات الطبقة الوسطى في مجتمع الأمس القريب إلى أساسيات حياتية . ومع تعدد ظهور مجتمعات الوفرة/الترف affluent societies   ، تشكل لدى بعض رجال الصناعة والاقتصاد في الدول الرأسمالية اقتناع بأنه لا مستحيل على سطح كوكب الأرض . ويذكر طاحون (2010) أن هذا الاقتناع قد تعمق في الأذهان بتوالي ظهور إبداعات تسويقية ، تضخ سلعا وخدمات في أسواق لا تتشبع ، تلبي رغبات مستهلكين ، تستثيرهم دعاية ملحة  تدفعهم لطلب المزيد في دوامة استهلاكية محمومة.
ومع بداية ستينات القرن العشرين بدأ عقلاء ومفكرون يدركون أن نظم الإنتاج السائدة تسببت بالرغم من كل إيجابياتها في بزوغ ثلاث ظواهر غاية في الخطورة تستوجب دق كل نواقيس الخطر . الظاهرة الأولى هي استنزاف الموارد الطبيعية بمعدلات غير مسبوقة ، والثانية هي تراكم الملوثات في الأراضي والمياه والهواء ، والثالثة هي انقراض آلاف الأنواع والسلالات النباتية والحيوانية بتراكيبها الوراثية مما يهدد الاتزان البيولوجي على سطح كوكب الأرض . ويذكر طاحون (2010) أن إشكاليات الإدارة البيئية حينئذ كانت عسيرة الفهم لمعظم واضعي السياسات ومتخذي القرار بالنظر لمجموعتين من الأسباب المتراكبة . فقد بدا لهم صعوبة التوفيق بين متطلبات التنمية الشاملة ومتطلبات المحافظة على البيئة من حيث استخدام رشيد للموارد، ثم أن العواقب البيئية لسوء إدارة الموارد لا تظهر إلا بعد استفحالها فتستعصي على الحل.

مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية

توالت موجات فكرية في ستينيات القرن العشرين تنادي بضرورة تقييم عواقب استعمال الموارد في منظومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وضرورة دراسة أثر وقعها على النظام البيئي المحلي والعالمي .  ومن هنا أصبحت قضايا البيئة من قضايا الرأي العام ، خاصة  بعد نشر عدة تقارير علمية موثقة . فقد أكد تقرير للمجلس الدولي للاتحادات العلمية ظهور بوادر تناقص قدرة النظم الايكولوجية إنتاجيا في كافة بقاع العالم ، وأكد تقرير لمنظمة اليونسكو تزايد التأثير الأنثروبولوجي السالب على الموارد الطبيعية وتزايد معدلات تلوث الأراضي والمياه والهواء في معظم أنحاء العالم ، وتوصل أعضاء نادي روما وهم مجموعة من كبار المثقفين العالميين إلى سيناريوهات مزعجة للعلاقة بين السكان والموارد على كوكب الأرض ، كما أكد تقرير سويدي أن الأمطار الحامضية المدمرة على غابات شمال غرب أوروبا تستعصي على الجهود المحلية التي تقوم بها كل دولة على انفراد وتحتاج تضافر خطط إقليمية ودولية للتغلب عليها .  
وتوافقت آراء النخب الثقافية على ضرورة انعقاد مؤتمر دولي لبحث قضايا البيئة، ودعمت عدة حكومات ذلك الاتجاه في شكل مذكرات ووثائق رفعتها للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تبنتها في توصية ملزمة أدبيا في عام 1969. وتشكلت لجنة تحضيرية دولية استمرت في عمل دءوب لمدة ثلاث سنوات لينعقد في نهايتها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية في الخامس من يونيو عام 1972 في استوكهلم بالسويد . وكان من الموضوعات التي التفت إليها المؤتمر موضوع الجفاف الشديد الذي أصاب منطقة الساحل الأفريقي الممتدة من الصومال وأثيوبيا شرقا حتى السنغال غربا في الفترة الطويلة بين أعوام 1968 إلى 1973 ، وما أعقبه من تصحر كاسح اجتاح مناطق شاسعة أودى بحياة مئات الآلاف من البشر وملايين الحيوانات .
ويذكر Tolba (1983)  أنه بعد مداولات مطولة على مدى أسبوعين توصل المؤتمر إلى عدة قرارات للمحافظة على البيئة للأجيال القادمة ، كما قرر إنشاء آلية دولية جديدة لتناول الأمور البيئية هي برنامج الأمم المتحدة للبيئة (اليونيب) ومقرها نيروبي في كينيا .  وأنيط باليونيب تنفيذ عدة برامج تستهدف التوعية بالمعضلات البيئية الملحة ، وبناء سياسات بديلة لاستعمال الموارد الطبيعية لتقليل تأثير الاتجاهات البيئية المعاكسة ، وإضافة تحسينات على البيئة البشرية لتحسين نوعية حياة للبشر في الحاضر والمستقبل .
    
مؤتمر البيئة والتنمية والأجندة 21

على الرغم ممن الجهود والمشروعات الكبيرة التي تكفل بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، وغيره من المنظمات الدولية ، مؤسسيا وبحثيا وحقليا ، فقد استمر تدهور البيئة على نطاق واسع خاصة في الدول النامية دون بارقة أمل طوال عقدين من الزمان بعد انعقاد مؤتمر استوكهلم ، حتى بدأ الحديث عن مؤتمر تحت مظلة الأمم المتحدة يتناول قضايا التنمية والبيئة علي كوكب الأرض. وعقد المؤتمر فعلا في مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل باسم  مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية  United Nations Conference on Environment and Development واختصاره الشهير  UNCED في الخامس من يونيو 1992 بعد عشرين عاما من مؤتمر استوكهلم .  وشارك في أعمال المؤتمر نحو مائة من رؤساء دول وحكومات العالم ولذلك سمي بقمة الأرض Earth Summit . واستمرت أعمال المؤتمر أسبوعين حافلين أنتج في نهايتهما عدة وثائق هامة هي أجندة القرن الحادي والعشرين ، وإعلان ريو ، وهيكل عام لتنمية الغابات وصيانتها ، واتفاقية إطاريه لتغير المناخ ، واتفاقية دولية للتنوع البيولوجي ، وقرار تشكيل لجنة حكومية دولية لإعداد اتفاقية دولية للتصحر .
وقد تبين للمؤتمر أن ظاهرة التغيرات المناخية المعاصرة تتميز عن معظم المشكلات البيئية الأخرى بأنها عالمية الطابع ، حيث أنها تتعدى تأثيراتها حدود الدول فرديا  لتشكل خطورة على العالم أجمع.  ولوحظ أن هناك ارتفاع مطرد في درجات حرارة الهواء السطحي على الكرة الأرضية ككل ،  حيث تدل القياسات على ارتفاع  المتوسط العالمي بمعدل يتراوح بين 3,0 حتى 6,0 من الدرجة خلال المائة سنة الماضية . ويذكر كل من الناصر (2008) و(Collins et al. (2007  و Koskela et al. (2000) أن مصطلح التغير المناخي ظهر بإلحاح  علي جدول الأعمال السياسي في منتصف ثمانينيات القرن العشرين ، مع دلائل علمية متزايدة للتأثير البشري على النظام المناخي العالمي.   
 وأشارت دراسات متعددة أجريت بقياسات مدققة إلى أن الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجة الحرارة سوف يتسبب في نشوء تهديدات خطيرة ، كارتفاع مستوى سطح البحر بما يؤدي إلى احتمالية غرق بعض المناطق في العالم، وكذلك التأثير على الموارد المائية والإنتاج المحصولي، بالإضافة إلى انتشار أمراض خطيرة مناطق لم تعرفها من قبل. وعلى الرغم من جدية هذه التهديدات فقد تعذر على متخذي القرار رسم سياسات محددة لتضارب تفسير الظواهر من جهة ، وزيادة مساحة عدم اليقين في تفسير نتائج القياسات ذات الصلة من جهة أخرى .

الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ

يذكر الناصر ( 2008 ) والتل )2008) وغيرهم كثيرون بالنشر العلمي عربيا وانجليزيا منهم Collins et al. (2007),  Koskela et al. (2000)  أن الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ Intergovernmental Panel on Climate Change      واختصارها   IPCC قد تشكلت في عام 1988 ، بالتعاون بين برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بهدف تقييم أفضل ما هو متاح عالميا عن تغير المناخ وتوفير معلومات علمية وفنية واجتماعية واقتصادية بصورة شاملة وموضوعية.    وتضم الهيئة ثلاثة فرق عمل معنية بالقوائم الوطنية لحصر  غازات الاحتباس الحراري ، وتقييم الجوانب العلمية للنظام المناخي وتغير المناخ، وسرعة تأثر النظم الاجتماعية والاقتصادية والطبيعية بهذه التغيرات.
وأنيط بالهيئة  علاوة علي ذلك تقييم خيارات الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتحقق بأعلى درجات الدقة العلمية الممكنة من حدة تغير المناخ. وقد نشرت الهيئة تقريرها الأول عام 1990 الذي أكد أن التراكم المتوالي لغازات الاحتباس الحراري greenhouse gases (GHGs) نتيجة لأنشطة بشرية قد يعزز تأثير الصوبة الزجاجية greenhouse effect، بما يؤدي لارتفاع درجة حرارة  سطح الأرض ما لم تتخذ إجراءات تحد من انبعاثات وتراكم هذه الغازات ، كما قدمت الهيئة خلال ست سنوات نحو 2500 دراسة نوعية تناولت موضوعات متنوعة.
ومع صدور التقرير الأول للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ عام 1990 وما تبعه من تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، بدأ   تراكم الأدلة على تأثير التغيرات المناخية على الزراعة ومعدل سقوط الأمطار وتحرك المناطق المناخية مئات الكيلومترات.   غير أن تفصيلات التأثيرات الإقليمية والوطنية والمحلية للتغيرات المناخية تحتاج جهدا إضافيا لتقليل درجة عدم اليقين عند تطبيق النماذج الرياضية العالمية ، وكذلك وضع سياسات رشيدة للتعامل مع أخطار وجودية في بعض المناطق منها الدول الجزرية المنخفضة مثل فيجي في المحيط الهندي.
ويقتبس العجمي (2008) وسابقيه ممن تناولوا هذا الموضوع مثل Koskela  et al (2000) Agrawala et al.(2004)،  Collins et al.  (2007) في هذا السياق ، عن تقارير الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ ، أن ارتفاع درجات الحرارة في العالم سيؤدي إلي التعجيل بارتفاع سطح البحرلذوبان جليد القطبين وتمدد حجم المياه ، كما سيؤدي إلي تغيرات ملموسة في دورة المحيطات، والنظم الإيكولوجية البحرية ، وسوف تهدد الفيضانات المناطق الساحلية المنخفضة ، كما ستلوث المياه العذبة وتغير من خطوط السواحل. وقد تؤدي الفيضانات الناجمة وارتفاع سطح البحر والعواصف العاتية إلي تكبد خسائر اقتصادية جسمية ووقوع اضطرابات اجتماعية في بنجلاديش والصين. وفى ظل هذه الظروف يحتمل أن تعجز نظم بيئية عن توفير سلع وخدمات تتطلبها التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل مستدام. وينطبق ذلك علي المياه النظيفة والغذاء والهواء والطاقة والمسكن والصحة العامة.
ويذكر  Collins et al. (2007) أن الهيئة الحكومية لتغير المناخ IPCC ، تمكنت مؤخرا بعد تراكم بيانات محسنة ، من إخراج تقريرها الرابع عام 2007 ، ليتضمن تقييما شاملا ودقيقا للتغير المناخي أفضل من أي من تقاريرها السابقة    b)  a, (IPCC, 2007 . وقد جاء فيه أن 11 سنة من الـ 12 سنة الماضية كانت الأكثر دفئا منذ عام 1850 وحتى الوقت الحاضر.  والتغيرات الثلاثة معبرا عنها بقياسات درجة الحرارة، وارتفاع منسوب سطح البحر، والغطاء الجليدي في نصف الكرة الشمالي تؤكد كلها تزايد الدفء العالمي مع بعض الاختلاف في التفاصيل. وقد قدرت التقارير السابقة للجنة ارتفاع الحرارة بـ 0.6± 0.2°م للفترة من 1901 حثي 2000، ولكن التقدير الحالي وصل إلى 0.74±  0.18 °م للفترة من 1906 حتى 2005، ويرتبط بذلك الارتفاع ظواهر مناخية أخرى تتضمن نقص تكرارية الأيام شديدة البرودة وتزايد تكرارية الأيام شديدة الحرارة.

اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ

1.       محتويات الاتفاقية

يذكر تقرير للمجالس القومية المتخصصة بعنوان "ملخص اتفاقيات ريو" (1999) ، وكذلك كل من الناصر ( 2008 ) والتل )2008) والعجمي (2008) أن التقرير الأول للهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ ، قد أكد أن تغير مناخ العالم يتطلب إعداد اتفاقية دولية لمعالجة المشاكل الكامنة، وتوجه بالرجاء للجمعية للأمم المتحدة لاتخاذ ما يلزم.  وقد استجابت الجمعية العامة لهذا الرجاء بالإعلان رسميا عن مفاوضات حول اتفاقية إطارية وتأسيس "لجنة تفاوض حكومية دولية" لتطوير الاتفاقية. وبدأ التفاوض في عام 1991، وأسفر عن التوافق على أسس مقبولة للاتفاقية  في مايو 1992 أجيزت بعد ذلك في مؤتمر قمة الأرض تحت اسم عن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ United (UNFCCC) Nations Framework Convention on Climate Change.
ووضعت الاتفاقية للتوقيع أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو بالبرازيل في يونيو  1992. وتوالى تصديق الدول عليها حتى دخلت حيز التنفيذ في مارس 1994. وكان الهدف الكبير للاتفاقية هو تثبيت تركيز غازات الاحتباس الحراري عند مستويات آمنة . ولإحراز هذا الهدف ترتب علي جميع الدول التزام عام بمعالجة التغير المناخي، والتواؤم مع آثاره، وتقديم تقارير بالإجراءات التي تتخذ لتنفيذ الاتفاقية . وتقسم الاتفاقية الدول إلي مجموعتين أولهما دول الملحق الأول والدول الصناعية التي أسهمت في إحداث التغير المناخي وعليها أن تأخذ بزمام المبادرة وتخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري إلي مستويات عام 1990 بحلول عام 2000.  وخارج دول المرفق الأول هناك الدول النامية. وتتطلب مبادئ "التساوي" المسؤوليات المشتركة لكنها متباينة في الاتفاقية من دول المرفق الأول.
وتستند الاتفاقية في مجمل مبرراتها إلي تغير مناخ الأرض بسبب تزايد تركيزات غازات الاحتباس الحراري من جراء الأنشطة الطبيعية والبشرية ، كما انتهت إليه دراسات قامت بها الدول المتقدمة في هذا الشأن. وتستهدف الاتفاقية حماية المناخ العالمي لمنفعة الأجيال الحاضرة والمقبلة . غير أن بعض الحقائق العلمية حول هذا الموضوع، مازال يكتنفها بعض الشكوك وعدم اليقين ولاسيما فيما يتعلق بتوقيته، ومداه، وأنماطه، الإقليمية وتأثيراته البيئية، كما أن العديد من الدول النامية لا تتوفر علي عناصر تمكنها من لمس جوانب هذا الموضوع. 
وتتضمن الاتفاقية ست وعشرين مادة تبدأ بتعريفات توضح مصطلحات الاتفاقية ، وتوضح المواد الأخرى الهدف من الاتفاقية، والمبادئ التي تحكمها، والالتزامات المترتبة عنها، وشئون البحث والرصد المنتظم لعناصرها، والنواحي التنظيمية بما في ذلك التعليم والتدريب والتوعية العامة وآليات المتابعة، والهيئة المشرفة علي التنفيذ ، وإجراءات تعديل الاتفاقية والتصديق والانضمام أو أبداء  التحفظات والانسحاب، وحجية النصوص.
وتستهدف الاتفاقية إيجاد إطار قانوني معتمد علي الصعيد الدولي يسعي لتثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري  في الغلاف الجوي خلال فترة زمنية كافية، بما يسمح للنظم البيئية أن تتكيف بصورة طبيعية مع تغير المناخ، ودون تعرض إنتاج الغذاء للخطر، والمضي في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. وقد اعتمدت الاتفاقية مجموعة مبادئ تتعلق بالاعتبارات الفنية لتغيرات المناخ، وضرورة حماية النظام المناخي علي أسس من الشراكة والإنصاف والمسئولية المشتركة، وإن كانت تتباين حسب قدرة كل بلد، مع إعطاء الاعتبار التام للاحتياجات وظروف البلدان النامية خاصة المعرضة أكثر من  غيرها لتداعيات هذا التغير المناخي.
وتؤكد الاتفاقية على اتخاذ تدابير وقائية لتقليل آثار التغيرات المناخية، وإلي أنه لا ينبغي تأجيل اتخاذ هذه التدابير لعدم الوصول إلي نتائج علمية يقينية قاطعة حول أسباب تغير المناخ. وتسعي الاتفاقية إلي التزام الدول بهذه التدابير في إطار المصلحة العامة العالمية دون إغفال اعتبارات السياسات الاجتماعية والاقتصادية لديها، مع التأكيد علي شمولية هذه التدابير وضرورة اتخاذها في إطار تعاون دولي بين الأطراف المعنية، دون إغفال لبرامج التنمية الوطنية.
وهكذا تتبني الاتفاقية وضع إطار بمثابة نظام اقتصادي عالمي يستهدف تحقيق تنمية مستدامة في مختلف البلدان ولاسيما النامية منها، بما في ذلك عدم الالتجاء إلي وضع قيود جديدة في وجه التجارة العالمية استنادا إلي مبررات تمييزية تعسفية ناجمة عن هذه الاتفاقية.

2.       التزامات الاتفاقية

يترتب على تنفيذ  الاتفاقية علي الصعيد الوطني والدولي أنشطة وبرامج والتزامات متعددة، منها ما هو إيجابي كالتعاون في إعداد البحوث العلمية والتقنية والفنية والاقتصادية والاجتماعية وتبادل المعلومات والنتائج، وتعزيز التعليم والتدريب والتوعية العامة في موضوع تغير المناخ وتكثيف الجهود الحكومية والشعبية للحفاظ عليه, وتطوير وتعزيز القدرات التقنية للبلدان النامية، بما في ذلك تيسير نقل التقنية السليمة بيئيا، مع التركيز بصفة خاصة علي البلدان الجزرية الصغيرة والمناطق الساحلية المنخفضة والقاحلة والمعرضة للكوارث الطبيعية أو الجفاف والتصحر.    
إلا إن بعض الالتزامات الأخرى قد ترتب علي بعض الدول قيودا قد يصعب تقييم أثارها وأبعادها لأن ذلك مرهون بمدي القدرة العلمية علي التعامل مع هذا الموضوع ، وما ستسفر عنه نتائج المفاوضات القادمة التي ستجريها الأطراف. وعلي سبيل المثال تشير فقرات القسم الثاني من المادة الرابعة إلي اعتماد سياسات وطنية للتخفيف من تغير المناخ بالحد من انبعاثات بعض الغازات وسبل تصريفها ، للوصول إلي المستويات السابقة التي لا يحكمها بروتوكول مونتريال مع حلول نهاية القرن العشرين (وهو ما لم يتحقق على وجه اليقين) ، كما تحدد آجالا زمنية لتحقيق هذا الهدف.
وطبقا لما جاء في تقرير للمجالس القومية المتخصصة بعنوان "ملخص اتفاقيات ريو" (1999) ، وكذلك كل من الناصر (2008) والتل )2008) ، فإن الاتفاقية تنص علي جوانب تنظيمية وبحثية ، كما أنها استحدثت مؤتمر الأطراف بوصفه الهيئة العليا للاتفاقية لتنفيذ موادها ومتابعة التزامات الأطراف، وغير ذلك من الجوانب المرتبطة بها، مع إمكانية إنشاء هيئات فرعية لتنفيذ الاتفاقية ووضع نظام داخلي ولوائح مالية لها. ولعل أهم هذه الهيئات الفرعية هي الهيئة الفرعية للمشورة العلمية والتكنولوجية لتزويد مؤتمر الأطراف بالمشورة العلمية والفنية المتصلة بالاتفاقية، ويكون باب الاشتراك فيها مفتوحا لجميع الأطراف.

آلية التنمية النظيفة

تعقد أطراف الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ مؤتمرات دورية تعرف دوليا  بمؤتمرات  الأطراف   (COPs) .  وقد وافق مؤتمر الأطراف الأول للاتفاقية الذي عقد في برلين بألمانيا على تقرير التزامات ما بعد عام 2000 تلزم أطراف المرفق الأول فقط. وخلال مؤتمر الأطراف الثالث  في كيوتو باليابان تكونت مجموعة من الالتزامات المقيدة قانونا لعدد 38 دولة صناعية وعدد 11 دولة في وسط وشرق أوروبا، لتقلل انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري بمتوسط 2.5 % أقل من مستوياتها لعام 1990 خلال الفترة إلى عام 2012 . وجاء ذلك فيما سمي ببروتوكول كيوتو للاتفاقية الإطارية .
وتغطي أهداف بروتوكول كيوتو عدة غازات رئيسية مسببة لظاهرة التغير المناخي ، أهمها  ثاني أكسيد الكربون ، والميثان ، ومركبات الهيدروفلوروكربون  ، وأكاسيد النيتروجين.  ويتيح البروتوكول للدول خيار إقرار أي من هذه الغازات يشكل جزءا من استراتيجيتها القومية لتقليص الانبعاثات وبعض الأنشطة في قطاع استخدام الأراضي والتغير في استخدام الأراضي والغابات  Land Use, Land Use Change and Forestry (LULUCF).  واستمر التفاوض بعد كيوتو لإقرار التفصيلات التنفيذية للبروتوكول حتى الوقت الحاضر .
وتعد آلية التنمية النظيفة التي تنص عليها المادة 12 من بروتوكول كيوتو واحدة من آليات الحد من تأثير انبعاثات غازات الاحتباس الحراري . ويذكر الناصر (2008)  نقلا عن  IPCC (2000) الذي يتناول موضوع LULCF  ، أن بعض الدول المتقدمة قد تواجه صعوبة في تخفيض نسبة انبعاثات مصانعها لأسباب منها ارتفاع التكلفة اللازمة ،  وهنا تسمح آلية التنمية النظيفة بأحداث نوع من التعامل مع الدول النامية التي ليست عليها التزامات في البروتوكول، ولا تسبب في صناعاتها انبعاثات غازية بكميات معنوية ، وبالتالي فلها نسبة من الانبعاثات تمثل  رصيدا لها .
ويجري التعامل مع هذا الرصيد كأي سلعة، فعندما تعجز دولة متقدمة عن تخفيف حدة انبعاثاتها ، وتعجز عن تحقيق نسبة التخفيض الملزمة لها، تعمد للاستثمار في دولة نامية من خلال صناعات لا تؤدي إلي هذه الانبعاثات، وهنا فإن المقدار الذي يوفر من الانبعاثات، والذي ما كانت الدولة المتقدمة ستحققه في مصانعها، يعد رصيدا معنويا تشتريه من الدولة النامية التي استثمرت فيها، أو تشتري ما استطاعت الدول النامية من تحقيقه في نسبة تخفيف الانبعباثات، مما يحدث نوعا من التوازن . والنسبة التي جري تخفيفها أو توفيرها من الانبعاثات في الدول النامية تسمي رصيد الكربون Carbon Credit  وهي تخضع للعرض والطلب وفقا لآليات السوق.
وهناك مشروعات ومجالات وقطاعات محددة في آليات التنمية النظيفة يمكن الاستثمار فيها، ومن ضمن هذه المشاريع استخدام الطاقة المتجددة، وزيادة كفاءة الطاقة، وتطوير حزام الغابات، والتشجير، والصناعات الكيميائية والمعدنية، وقطاع النقل والمواصلات. كما تمكن الاستفادة من مشروعات ، مثل مدافن النفايات الصلبة حيث يجمع غاز الميثان الناتج عن هذه المدافن بدلا من حرقه، واستخدامه بعد المعالجة كغاز طبيعي لتوليد الطاقة، وبالتالي تنخفض كمية انبعاثات غاز الاحتباس الحراري. وهناك مجالات أخري تمكن الاستفادة منها مثل تطور مصافي النفط والتكرير، والانتقال من الأساليب التقليدية إلي الحديثة.
ويذكر الناصر (2008)  كما جاء بالتفصيل في تقرير IPCC (2000) أن تقييم تأثير التنمية المستدامة في أحد مشروعات  آلية التنمية النظيفة يقع علي عاتق الدولة المضيفة ، كي تحدد وتتخير توجهات معينة للتنمية المستدامة، والأغراض المرتبطة بها في الحاضر والمستقبل باستعمال بعض معايير التنمية المستدامة المتعارف عليها دوليا داخا إطار مفهوم ثلاثي الأبعاد يتضمن البعد الاجتماعي، والبعد الاقتصادي، والبعد البيئي. وفى الأدبيات النظرية للتنمية المستدامة يتركز التحليل بصفة رئيسية علي الموارد البيئية، والحفاظ علي أرصدة أو مخزنات الموارد ، وبنية أو تركيب أرصدة أو مخزنات هذه الموارد أو الثروات الإنسانية، والمشيدة، والاجتماعية، والبيئية علي مدي المستقبل المنظور .  
ولا تسلم آلية التنمية النظيفة من الانتقادات ، حيث يؤكد بعض المفكرين أن ما يثار حاليا عما يعرف بسوق الكربون العالمي في آلية التنمية النظيفة يتجاهل الجوانب السياسية والبيولوجية للمسببات الحقيقية للتغير المناخي ، ومن هنا فإن آلية التنمية النظيفة تتيح لأغنياء دول الشمال الاستمرار في تلويث الهواء بترخيص من فقراء دول الجنوب ، وهو ما يعبرون عنه باستعمار الكربون carbon imperialism    كما جاء بشيء من التفصيل فيما ذكره Koskela et al. (2000)  .
           
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر

1.       مقدمات الاتفاقية

تؤدي عوامل طبيعية وبشرية يتراوح كل منها بين المحلي والإقليمي والعالمي إلى خفض الكفاءة الإنتاجية للأراضي الزراعية وما تحمله من موارد المياه والنبات والحيوان  . وتعرف هذه الظاهرة في عمومها بتدهور الأراضي  land degradation  . ويذكر طاحون (2010)  أن المشتغلين بعلوم إدارة الموارد قد توافقوا على تسمية تدهور أراضي مناطق العالم الجافة بالتصحر desertification ، وهي التسمية التي صكها القصاص للمرة الأولى في الأدبيات البيئية في بدايات سبعينيات القرن العشرين.
ويضيف طاحون (2010) أن الحديث عن التصحر هو حديث قديم لكنه أصبح أكثر شيوعا في العصر الحاضر لثلاثة أسباب رئيسية. الأول هو تزايد عدد سكان العالم زيادة زاعقة في العصر الحديث، حيث ارتفع عدد السكان من 2.5 بليون نسمة في عام 1950 إلى   5 بليون عام 1987،  وينتظر أن يصل إلى 7.2  بليون نسمة في عام 2015 يتواجد ثلاثة أرباعهم  طبقا  لسيناريوهات  عالية اليقين في الدول النامية حيث يعتمد  كثير من الناس في معيشتهم على الزراعة والرعي .  وتستلزم زيادة السكان  توفير كميات متكافئة من الغذاء . ويتطلب ذلك موارد أرضية ومائية قد لا تكون متوافرة ، كما قد يدفع لاستغلال موارد متاحة  بشكل غير رشيد يتجاوز قدرتها على الحمل  carrying capacity  ، فتقل إنتاجيتها في تناسب طردي مع سوء الاستخدام .
والسبب الثاني هو تحسن وسائل الاتصال وتدفق المعلومات في القرية الكونية البازغة، فما يحدث في معظم أماكن العالم يتم حصره وإعلانه وإدخاله سجل الإحصائيات فيستعصي على النسيان والتجاهل. والسبب الثالث هو تعدد الدول الفقيرة المعرضة للتصحر وما يرتبط بذلك من مجاعات وهجرات جماعية تتحدى مشاعر الإنسانية النبيلة لمواطني مجتمعات دول غنية تستغرقهم رفاهية وفرة غذاء ومتع معيشية ليست لها سوابق تاريخية .

2. خسائر التصحر

يذكر القصاص (1999) وطاحون (2010) أن  التصحر يتسبب في فقد مساحات شاسعة من أراضي زراعية خصبة فتخرج من منظومة الإنتاج، وتقل القدرة المحلية لإنتاج غذاء وكساء تحتاجه أعداد متزايدة من البشر، خاصة في الدول النامية فيبدأ الجوع في الانتشار بين الناس . والجوع هو أحد أهم المظاهر الرئيسية للفقر ، وهو بالتزامن أهم مسببات الفقر ومشتقاته التي تتضمن تدني القدرة البدنية علي العمل فينخفض الدخل ، وتتدهور القدرة الذهنية للأطفال فتنخفض قدرتهم علي التعلم واكتساب المهارات فتقل فرص العمل .
ويذكر كل من    Parry et al. (1988)و   Parry (1990) و  Williams and Balling  Jr. (1996) و Lal (2004)  أن التصحر يعمل على تدهور البيئة عالميا  لتسببه في تغير مناخي معاكس نتيجة لاستنفاد دبال الأراضي وزيادة انبعاث ثاني أكسيد الكربون ، وانخفاض الكمية المثبتة في الكربون لتدهور الغطاء النباتي فتختل الدورة الجيوكيمائية للكربون . كما يعمل التصحر على تدهور البيئة محليا إذ يؤدي  تدهور الغطاء النباتي إلى زيادة تركيز حبيبات التراب العالقة فيتلوث الهواء الجوى من جهة  ، ويزداد  ألبيدو السطح (نسبة أشعة الشمس المنعكسة) وما يصاحبه من اختلال توازنات الطاقة بين سطح الأرض وطبقة الهواء الملامسة لها من جهة أخرى .
ويذكر الشهاوي (1998) أن الأجزاء النباتية الخضراء تمتص جزءا من الطاقة الشمسية الساقطة عليها لتحوله مع ثاني أكسيد الكربون والماء إلي مادة جافة ينتفع بها النبات في شتى الأغراض، كما يستنفد جزء من الطاقة الشمسية في عمليات النتح البخاري evapotranspiration  ، نظرا لأن تحويل جرام واجد من الماء السائل إلي الحالة البخارية يستهلك طاقة قدرها 580 سعرا حراريا ، يتم استخلاصها من الجو المحيط ، مما يساعد علي خفض درجة الحرارة .
وتتراوح نسبة الأشعة الشمسية المنعكسة من أسطح  النباتات نحو 14% ، بينما تبلغ هذه النسبة 35% في حالة الأراضي الجرداء. ولذلك فإن إزالة الغطاء النباتي من مساحات كبيرة من الأراضي يؤدي إلي اختلال إجمالي الأشعة المنعكسة ، وتنشأ ظاهرة الألبيدو ، مما يؤثر في دورة الهواء المحلية لتحدث إزاحات الأحزمة المطرية .
وتشير تقديرات لمنظمة الأغذية والزراعة أن الإمكانيات الكامنة للأراضي المنزرعة علي مستوي العالم يمكن أن تؤدي إلي تثبيت كمية تتراوح بين 450 إلي 610 مليون طن من الكربون سنويا. وعلي مستوي الولايات المتحدة فإن تحسين طرق الزراعة وخاصة تقليل عمليات الحرث والتقليب وترجيع بقايا المزروعات يمكن أن تسهم في تثبيت 140 مليون طن من الكربون سنويا وهو ما يعادل 10% من انبعاثات الكربون في الولايات المتحدة. وهناك اختلافات في تقديرات كمية بقايا المزروعات التي تعود للأرض بعد الزراعة، حيث تتراوح بين 25-50 % من البقايا النباتية تعود إلي الأرض كمواد عضوية نصفها من الكربون. وبناء علي هذه الافتراضات فإن مجمل ما يعود إلي الأرض يتراوح بين 960 إلي 1910 مليون طن كربون سنويا.
ويذكر تقرير  Millennium Ecosystem Assessment (2004)  أن التصحر يتسبب أيضا في تدهور البيئة عالميا ومحليا  نتيجة لخفض التنوع البيولوجي  للمناطق المتأثرة . ويتعاظم تأثير الانخفاض في مناطق الموائل الأصلية كما هو الحال في  منطقة شرقي حوض البحر المتوسط التي هي موطن أنواع نباتية اقتصادية هامة منها القمح والشعير والفول والحمص والعدس والبسلة . وهناك أيضا عدد من أنواع البقوليات والحشائش التي تنمو في المراعي أو تزرع كعلف مثل البرسيم . ويضاف لتلك الأنواع العديد من الأنواع النباتية التي تستعمل في التداوي بالأعشاب أو تستعمل كمواد خام لاستخراج العقاقير الطبية . وتقوم بعض شركات الأدوية في الفترة الأخيرة بعمليات حصر وتصنيف وإعداد خرط تواجد النباتات الطبية في موائلها الأصلية بالمناطق الجافة ، وكذلك دراسة عادات وتقاليد السكان المحليين في استعمالهم للنباتات الطبية .
ويضاعف من حدة التصحر أحداث مناخية حادة بتكرارية موجات برد قارص وحر شديد ، وأمطار فيضانية وجفاف مهلك ، وتحرك أحزمة مطرية ولذلك تتضمن الإجراءات الوطنية للتعامل مع التصحر شقا خاصا بالتغيرات المناخية وبالأخص تلك التي تتعلق بالمارد  المائية ، ولذلك تسعى الدول ، خاصة في المناطق الجافة ، للتوصل لنماذج رياضية يمكن بمقتضاها التنبؤ بدرجة معقولة من الدقة الحسابية بحجم هذه الموارد بامتداد فترة زمنية قد تصل إلى خمس سنوات.
ويذكر القصاص (1999) وطاحون (2010) أن الإحصائيات الحديثة الصادرة عن سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر ، تشير إلى أن  التصحر يؤثر سلبيا على حوالي ألف مليون نسمة يعيشون في 100 دولة في الشمال والجنوب يتكبدون خسائر سنوية تقدر بحوالي 42 بليون دولار،  تبلغ خسارة أفريقيا فيها نحو 9 بليون دولار . وتبلغ جملة مساحة الأراضي المستغلة في أرجاء العالم نحو 5170  مليون هكتار (الهكتار 10000 متر مربع أي حوالي 2.4 فدان) تدهور منها بدرجات مختلفة نحو  3600 مليون هكتار بنسبة 70%  ، منها نحو 75 مليون هكتار زراعة مروية ، 225 مليون هكتار زراعة مطرية ، 3300 مليون هكتار مراعى .
وفي قراءة أخرى يذكر تقرير للجنة الإقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ، أنه علي الرغم من خطورة مشكلة التصحر، فلازالت هناك بعض المجاهيل العلمية، خاصة تلك التي تتعلق بمسببات تدهور الأراضي ومنها إزالة الغابات، وسوء استخدامات الأراضي ، والإدارة  غير الرشيدة للموارد المائية ، والفقر ، والتلوث، وتغير المناخ. وعلي مستوي العالم فإن فاقد الأراضي المروية يتراوح حول 250 دولار للهكتار سنويا. وتقدر خسائر التصحر الكلية علي مستوي العالم بمبلغ 11 بليون دولار للأراضي المروية، 8 بليون دولار للأراضي المطرية، 23 بليون دولار لأراضي المراعي.

 3. محتويات الاتفاقية

بناء على إحصائيات ومعطيات اتفقت عليها دول الشمال والجنوب ، استجابت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1992 لنداء مؤتمر البيئة والتنمية ، وأصدرت قرارا بتشكيل لجنة تفاوض حكومية أنيط بها إعداد اتفاقية دولية عن التصحر بتركيز على أفريقيا بوجه خاص .  وأتيح للجنة أن تعقد دورات متعاقبة حتى انتهت إلى الصيغة النهائية للاتفاقية في يونيو 1994 . وعرضت بعدئذ على الدول للتوقيع والتصديق لتصبح ملزمة دوليا.
وربما كان أقوى ما في الاتفاقية هو التأكيد على عالمية ظاهرتي التصحر والجفاف كأخطار  بيئية مؤكدة ، وارتفاع الوعي البيئي بهذه الأخطار ودعم سبل ووسائل مقاومة آثارها الضارة ، كما تبين للجميع أهمية أن تكون مكافحة التصحر والجفاف متكاملة مع عمليات التنمية  الاقتصادية والاجتماعية التي تقوم بها كل دولة على حدة ، وضرورة التعاون بين الدول تحت إقليميا (دول شمال أفريقيا مثلا) وإقليميا (دول القارة الإفريقية مثلا) وعالميا .  وتوضح القراءة الرشيدة للاتفاقية أن بنائها الرئيسي يقوم على أربعة أركان تميزها عن غيرها من الاتفاقيات الدولية. وهذه الأركان الأربعة هي المشاركة الجماعية، وسياسات استعمال الأراضي، والعلم والتكنولوجيا، والتعاون الدولي.
واتفقت الدول الموقعة على التنسيق بين مشروعاتها الوطنية فيما يخص تدعيم الجهود المشتركة للوقاية من أخطار التصحر،  وتحسين المراعي وتنمية الثروة الحيوانية، والتشجير وتوسيع رقعة الغابات، وتنمية المجتمعات الريفية والصحراوية،  وزيادة إنتاج الغذاء. 

التغيرات المناخية في الماضي والحاضر

علم المناخ القديم

1. انجازات المدرسة السوفيتية

تشكلت مع بدايات الربع الأخير للقرن العشرين سياقات ومعطيات علم جديد هو علم المناخ القديم  paleoclimatology   ، دعم تطوره مستجدات في علوم فيزياء المناخ والجيولوجيا التاريخية والإحصاء وكيمياء النظائر. وكان الدافع الأكبر لتوليد العلم الجديد هو استعمال مبادئه في استقراء تطورات مناخية مستقبلية من واقع تحليل مظاهر ومسببات وعواقب التغيرات المناخية القديمة.
ويذكر تقرير لمنظمة اليونسكو أعده Sanderson  في عام 1990 أن علماء الاتحاد السوفيتي (السابق)  يستحقون الإشادة الواجبة لريادتهم العلمية في هذا المجال ، حيث تشكلت  في أواخر ستينيات القرن العشرين ، لجنة تابعة لأكاديمية العلوم في ليننجراد ، بقيادة عالم فيزياء المناخ  Budyko . ويعتبر الكتاب الذي كتبه Budyko باللغة الروسية في عام 1956 بعنوان"الميزان الحراري لسطح الكرة الأرضية" نقطة تحول في انتقال علم المناخ من علم وصفي إلي علم كمي منضبط ، يمكن من خلاله حساب تفاصل مفردات الطاقة علي الكرة الأرضية.  قد ترجم الكتاب فيما بعد مع إضافات بالانجليزية ونشر في عام  1974. 
وأصدرت لجنة ليننجراد في عام 1972 أول نشرة علمية متماسكة للتنبؤ بالتغيرات المناخية، وأعادت للأذهان وللمرة الأولى في القرن العشرين اصطلاح ظاهرة تأثير غازات الصوبة الذي سبق وأن اقترحه عالم الرياضيات الفرنسي الأشهر  Jean Fourrier   في عام 1822 ، لتوصيف نقل واحتجاز الأشعة الحرارية في طبقات الجو العليا. وقد تنبأت اللجنة السوفيتية أن استمرار حرق الوقود الحفري وتزايد تركيز ثاني أكسيد الكربون سيتبعه ارتفاع مؤكد لدرجة حرارة سطح الأرض، وسوف يؤدي ذلك الارتفاع إلى اختلال نظم تساقط الأمطار في عدة مناطق علي مستوي العالم.
ويذكر تقرير اليونسكو أن هناك ثلاثة مبادئ مستقرة في علم المناخ القديم. أول المبادئ هو وجود نظام طبيعي للمناخ ترتبط مكوناته بعلاقات وثيقة وديناميكية ، والثاني هو التعاقب الزمني الذي يسمح بملاحظة التغير بمرور الدهور والأحقاب والفترات الزمنية ، والمبدأ الثالث هو ثوابت طبيعية يمكن من خلالها قياس معدلات التغير.

2. دورات التبريد العالمي

من الجدير بالذكر أن التغيرات الجيولوجية، مثل تلك التي تقيم الجبال وتنشئ الأخاديد وترفع منسوب قاع البحر وتكون مناطق الجليد، تسير بوتيرة شديدة البطء تستغرق آلاف إن لم يكن ملايين السنين لإتمامها. وتواريخ حدوث معظم هذه التغيرات ليست مطلقة ، ولكنها تنسب لوقائع تاريخية معروفة بدرجة عالية من اليقين، كما يحدث في قياسات نسب نظائر الأكسجين في المياه ورواسب الكربونات وكذلك نظائر الكربون في الرواسب الكربونية.
وتشير نتائج الدراسات المتوافرة حاليا في علم المناخ القديم إلى حدوث نوع من التبريد العالمي للغلاف الجوي للأرض منذ ما يقرب من 70 مليون سنة علي وجه التقريب، مع نهاية الدهر المتوسط وبداية العصر الحديث.  وتفاوت مدى التبريد بالموقع الجغرافي، حيث بلغ 5-6 درجات مئوية حول خطوط العرض العليا في أقصى المناطق الشمالية والجنوبية ، علي حين بلغ 2 –3 درجات فقط في المناطق الاستوائية. وتدل الشواهد على أن التبريد ارتبط ارتباطا وثيقا بانخفاض محسوس لتركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي، ربما لتزايد كثافة الغطاء النباتي وبالتالي تزايد معدل التمثيل الضوئي بأشجار الغابات البازغة.
وبعد نحو عشرين مليون سنة ارتفعت  حرارة الأرض مرة أخري مصحوبة بارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون . ويشهد على ذلك وجود بقايا لشعب مرجانية في رواسب بحرية بمناطق تقع علي خط عرض 50° شمالا، وصاحب ذلك أن وجود حفريات نباتية غنية بمخلقات النخيل والفيكس في أوروبا ، التي تتواجد عادة في المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية. وبعد عدة ملايين أخرى من السنين ، انخفضت حرارة الأرض تدريجيا مرة أخرى ، واستمر الانخفاض حتي وصلت درجة حرارة المياه العميقة للمحيطات إلى  5°م ، مقارنة بما كانت عليه وهو 10-15°م. ومرة أخرى، كان انخفاض درجة الحرارة ملازما لانخفاض تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي.
وكان تحول المناخ العالمي من الطراز اللاجليدي إلي الجليدي تدريجيا وبطيئا ومترددا حتي استقر بصورته الحالية منذ نحو مليون سنة قبل الوقت الحاضر. ومع سيادة الطراز الجليدي ظهرت الصحاري والمناطق الجافة للوجود خاصة في أفريقيا وآسيا واستراليا. وظهرت لأول مرة جبال جليدية في أقصي البقاع الشمالية لنصف الكرة الشمالي تحتل ما يعرف اليوم بألاسكا في أمريكا الشمالية ،  وظهرت لأول مرة أيضا أنواع نباتية تنتمي للتندرا  في شمال أمريكا وآسيا. ومع بداية العصر الرباعي من 2.1 إلي 0.8 مليون سنة وكذلك البليستوسين منذ 800.000 إلي 10.000 سنة، كانت هناك فترات امتد فيها التبريد إلي كافة بقاع الأرض، تحولت فيها إلى كتلة جليدية واحدة خلال سلسلة دورات متعاقبة من التجميد والانصهار بلغت 17 دورة.
ويوضح تحليل البيانات الهيدرولوجية القديمة توالي دورات الدفء والتجمد مع بداية الهولوسين منذ نحو 10.000 سنة، وظهور تباين كبير لمنسوب مياه البحيرات تبعا لخطوط عرض مواقعها الجغرافية. وفى جميع هذه الحالات ارتبط التبريد العالمي بتناقص سقوط الأمطار على المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية وما استتبعه من انخفاض منسوب مياه بحيرات هذه المناطق، بينما تزايدت الأمطار وفاضت بحيرات مناطق خطوط العرض المتوسطة كبحيرة جنيف وبحر قزوين والبحيرات العظمي في أمريكا الشمالية.
وقد أظهرت نتائج تحليل فقاعات هواء داخل كتل جليدية عميقة بالقطب الشمالي فكره واضحة عن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون منذ تراجع الحد الأقصى للفترة الجليدية الأخيرة. وكان التركيز حينئذ نحو 200 جزء في المليون، ثم تزايد إلي 250 جزء في المليون منذ نحو 8000 سنة قبل الحاضر. ثم تزايد بنحو 25 جزء في المليون علي مدي السبعة آلاف الأخيرة. وخلال الألفية الأخيرة وفيما قبل الثورة الصناعية تراوح التركيز بين 275 إلي 285 جزء في المليون وقد حدثت جمع هذه التغيرات ببطء وتدريجيا. ثم حدث وقفز التركيز إلي 366 جزء في المليون عام 1998، مع ملاحظة أن التغير كل عشر سنوات كان مثابرا وسريعا بمعدلات أكثر مما سبق تاريخيا خلال آلاف السنين الأخيرة. وقد فسرت تلك الظاهرة يتزايد انبعاث الغاز من استهلاكات متزايدة للوقود الحفري. وبقدر أنه فيما بعد عام 1850 وعام 1998 تم أطلاق 270 ± 30 بليون طن كربون من الوقود الحفري وصناعة الأسمنت تراكم في الهواء الجوي منها 176 ± 10 بليون طن.
ومن الجدير بالذكر أن متوسط درجة الحرارة سطح الأرض يتراوح حول 15°م ، وتبقي الحرارة حول هذا المتوسط بالنظر لتأثير غلافها الجوي أو الصوبة الطبيعية ، الذي لولاه لانخفضت درجة حرارة الأرض إلي حوالي عشرين درجة تحت الصفر . وهناك بعض المخاوف من أن يؤدي تزايد تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون وبعض الغازات الأخرى في الهواء الجوي إلي رفع درجة حرارة سطح الأرض. ويجب أن تميز بين تأثير الصوب الذي يحفظ درجة حرارة سطح الأرض عند درجة حرارة ثابتة تقريبا وبين تأثير متسارع للصوبة يؤدي لرفع درجة دفء الأرض أكثر مما ينبغي.
     
التطورات الجيولوجية/ المناخية لنهر النيل

يؤكد كل من محمد ( 1962 ) وسعيد (1993) والقاضي وآخرون  (1990) أن نهر النيل قد تطور إلى شكله الحالي ، كنهر مركب من اتصال عدة أنهار مستقلة ، بعد سلسلة من الأحداث المحلية والإقليمية استغرقت نحو ستة ملايين سنه.  ويتبين صدق ذلك بالنظر للمقطع الطولي للنهر الحالي ، حيث يظهر كامتدادات تربط بسطات فيكتوريا وكيوجا وألبرت في الهضبة الاستوائية  منحدرة باتجاه  الشمال نحو إقليم السد ، الذي ينحدر شمالا بطول 1800 كيلومترا ، نحو النيل النوبي السريع الذي يصله إلي جنوب مصر. 
وتميزت ملايين السنين التي تشكل فيها النيل بتطورات جيولوجية تضمنت تحركات أرضية هائلة ونشاط بركاني كبير ، وتغيرات مناخية كبرى أثرت على النيل كما أثرت على العالم أجمع . فقد تحركت المناطق الجليدية عدة دورات امتدادا وتراجعا وتغيرت درجة الحرارة وكمية الأمطار وتوزيعها وكذلك منسوب سطح البحر.  
وإضافة إلي ذلك شهدت هذه الفترة التصاق أفريقيا بأوروبا في منطقة ما يعرف اليوم بمضيق جبل طارق ، فجف البحر المتوسط وتحول إلى حوض جاف .  وصاحب تبخر مياه البحر تكون سحب ركامية أسقطت أمطارا غزيرة على جبال البحر الأحمر فتكونت مجاري مائية اتحدت مع بعضها لتكون ما يطلق علية محمد ( 1962 ) بأصل النيل وما سماه سعيد (1993) الايونيل Eonile. وعندما عاود البحر المتوسط الامتلاء منذ نحو خمسة ملايين وأربعمائة ألف سنة ، تكون خليج بحري لأكثر من مليوني سنة  ألقى بعدها فيه نهر هائل هو الباليونيل Paleonile بكميات بالغة الضخامة من الرواسب في الخليج لنحو أربعة ملايين سنة . ويبدو أن كلا النهرين الأيونيل والباليونيل كانا ينبعان محليا من جبال مصر في البحر الأحمر والنوبة ولم يكن لهما اتصال بأفريقيا.
ومرت فترة طويلة قبل أن يقيم  النهر المصري اتصالا بأفريقيا الاستوائية ، فمنذ نحو 800 ألف سنة جاء النهر الذي وصل من أفريقيا، الذي يسميه سعيد (1993) البرينايل Prenile ،  وكان عالي التصرف حملت مياهه إلي مصر كميات هائلة من الرمل والحصى التي رسبها في سهله الفيضي ودلتاه اللتين يفوقان كثيرا مساحة سهل النيل الحديث ودلتاه. وبعد أن توقف البرينيل منذ نحو أربعمائة ألف سنة، وصل إلي مصر نهر أقل قدرة هو النيل الحديث أو النيونيل Neonile  الذي تولد منه النيل الحالي بوصول المياه من مصدرين هما المرتفعات الأثيوبية وهضبة البحيرات .
ويذكر الشهاوي  (1998) أنه في نهايات العصر الجليدي وبدايات الدفء الجوي عادت الأمطار للزيادة علي الهضبة الاستوائية فعادت الأشجار للظهور وتكونت الغابات مرة أخري ، وفاضت مياه بحيرتي البرت وفيكتوريا فاندفعت إلي المناطق المنخفضة عبر الصخور والعقبات ووصلت مرة أخري للأراضي المصرية وأصبحت مصدرا مستديما يساهم بنحو 16% من أيراد النيل. وامتدت فترة الفيضانات العالية آنذاك لمدة خمسمائة عام متصلة فيما بين 12500 حتى 12000 عام قبل الميلاد.
ويذكر كل من محمد ( 1962 ) وسعيد (1993) والقاضي وآخرون  (1990) والشهاوي  (1998) ، أن الظروف المناخية السائدة منذ نحو عشرة آلاف سنة ،  أدت إلي زيادة الأمطار علي الهضبة الأثيوبية منذ حوالي عشرة آلاف عام، وظلت هذه الظروف سائدة طيلة نحو 4500 ، وتمكنت المياه حينذاك من اجتياح الجنادل والعقبات التي كانت تعترض مجري نهر النيل. كما تمكنت هذه المياه المنسابة أيضا من تعميق مجري النهر خاصة وأن مستوي سطح البحر في تلك الأوقات كان شديد الانخفاض بينما كان مستوي مياه النهر مرتفعا مما أدي غلي اندفاع المياه بشدة وعنف بين دفتي النحر وأصبح مجري النهر عميقا. وارتفع منسوب النهر وبدأ في ترسيب الرواسب التي كان يحملها في واديه ودلتاه منذ ما بين ثمانية آلاف وسبعة آلاف سنة، فتكونت بذلك ارض مصر الخصبة.

واقع تغير المناخ والتصحر في مصر
 
تهديدات ومخاطر تغير المناخ

يذكر الموقع الالكتروني لوزارة شئون البيئة     http://www.eeaa.gov.eg  أنه على الرغم من أن كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مصر في عام ٢٠٠٥- ٢٠٠6 بلغت 150 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون ، بما تمثل  57,0 % من إجمالي انبعاثات العالم،  إلا أن مصر تعتبر من أكثر دول العالم تضررًا  من آثار التغيرات المناخية. ويتضح  بدراسة التقرير التجميعي الثالث الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية IPCC   عام ٢٠٠١،  أن من ضمن التهديدات التي تواجه مصر نتيجة تغير المناخ هي ارتفاع مستوى سطح البحر.  وقد قدرت الدراسات التي أشرفت عليها وحدة التغيرات المناخية بجهاز شئون البيئة أن ذلك سوف يعرض مساحات متفاوتة من الدلتا المصرية لاحتمالات الغرق ، مما يهدد بفقدان أراضي زراعية خصبة مأهولة بالسكان ، واحتمال نقص موارد مياه النيل بدرجة قد تصل إلى الخطورة الشديدة نتيجة لاختلال توزيع أحزمة المطر كميا ومكانيا، واحتمال حدوث انخفاض ملحوظ في الناتج القومي للحبوب كما  تشير به سيناريوهات مختلفة (راجع تقارير الدكتور حلمي عيد ومجموعته على شبكة المعلومات الدولية).
وتطالب مصر  الدول الصناعية بضرورة الوفاء بالتزاماتها الواردة في الاتفاقية خاصة ما يتعلق منها بمساعدة الدول النامية من خلال نقل التكنولوجيا وبناء القدرات وتمويل التأمين اللازم للحد من أضرار التغيرات المناخية ، وتوفير الدعم المالي والفني اللازم لتنمية القدرات المؤسسية والبحثية في مجال تغير المناخ، وتقييم الآثار البيئية والاقتصادية التي تنجم عن التغيرات المناخية ، والمساهمة في تنفيذ إجراءات التكيف مع تلك الآثار ، ودعم تنفيذ مشروعات بحثية مشتركة مع الدول المانحة لمجابهة التغيرات المناخية والحد من آثارها.

مشروعات التخفيف والتكيف لتغير المناخ

انتهت منذ يضع سنوات المرحلة الأولى لتنفيذ مشروع تقرير الإبلاغ الوطني لمصر بمشاركة عدد كبير من قطاعات الدولة تشمل الطاقة، الزراعة، والمواصلات، والصحة، والموارد المائية، والمناطق الساحلية، والصناعة. كما تم  استكمال تنفيذ المرحلة الأولي من مشروع الاستفادة من الطاقة الشمسية في المنتجعات السياحية وقرى الاستصلاح الجديدة ، واستكمال مشروع تنمية القدرات لآلية التنمية النظيفة بإعداد مشروعات يتم تقديمها إلى الدول بهدف شراء حصتها من غازات الاحتباس الحراري ، واستكمال تنفيذ مشروع تحسين كفاءة الطاقة وتخفيض غازات الاحتباس الحراري بهدف تقليل فاقد الكهرباء في مراحل الإنتاج والتوزيع والنقل ، وكذلك وضع معايير لقياس ترشيد استهلاك ، وإعداد قواعد البناء للمباني التي ترشد استهلاك الطاقة، مع وضع الأسس للتعريفات التي تشجع على الإنتاج المشترك في تحقيق خفض تام لغازات  الاحتباس الحراري من خلال تبني سياسات تتناول إدارة الطلب على هذه الغازات وأنشطة الحفاظ على الطاقة وإيجاد بيئة ملائمة لاستخدام معدات وأساليب ترشيد الطاقة.
وفيما يخص آلية التنمية النظيفة فقد  صدقت مصر على بروتوكول كيوتو في ٢٠٠٥ ، وتم تشكيل  اللجنة الوطنية لآلية التنمية النظيفة ،  والموافقة واعتماد المشروعات التي تحقق شروط التنمية المستدامة في مصر بالتنسيق مع الجهات المعنية ، وبناء القدرات الوطنية في هذا المجال، بالإضافة إلى التنسيق مع المستثمرين. وتم اعتماد إجمالي استثماراتها ٧٥٠ مليون دولار، من المتوقع أن تحقق خفضا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يصل إلى 5,3 مليون طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون . ويأتي ذلك الخفض في  مجالات توليد الكهرباء من طاقة الرياح، وخفض انبعاثات أكاسيد النيتروجين من صناعات الأسمدة، وتوليد الكهرباء من المساقط المائية.
وتستهدف الخطة المستقبلية إعداد تقارير الإبلاغ الوطني للاتفاقية ، حيث يتم حصر غازات الاحتباس الحراري من مختلف القطاعات ، وتقييم تطورات التغيرات المناخية سواء من حيث تأثيراتها على مختلف القطاعات أو الأبحاث العلمية التي أجريت في مصر عليها،  بالإضافة إلى تحديد كيفية التعامل معها والتأقلم معها  ، وكذلك تنمية القدرات ودمج خطة العمل الخاصة بالأنشطة المذكورة في الخطة العامة للدولة. كما تستهدف وضع نموذج إقليمي لمحاكاة التغيرات المناخية لمنطقة حوض نهر النيل للتنبؤ بالوضع المستقبلي لتوفر الموارد المائية .
وتستهدف الخطة أيضا تنفيذ مشروعات للتأقلم مع التغيرات المناخية ، وتنفيذ مشروعات استرشادية للتخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تهدف إلى نشر استخدام تكنولوجيا الطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية والوقود الحيوي ، والترويج لمشروعات الآلية لتحقيق التنمية المستدامة ، وتفعيل دور اللجنة الوطنية للتغيرات المناخية بتقديم مقترحات لتمويل الصناديق المختلفة مثل صندوق تمويل مشروعات التأقلم، وصندوق مشروعات التغيرات المناخية، ودعم أنشطة آلية التنمية النظيفة داخل استخدام الأراضي والتغير في استخدام الأراضي والغابات (LULUCF) أنشطة التشجير الحالية في مصر، وفتح فرص عمل للعمالة .
ويتعين تطوير معايير تتسم بالكفاءة والشفافية والقوة وكذلك تطوير مؤسسات لتسويق مشروعات آلية التنمية النظيفة.  وتعكس خطة العمل المقترحة أفكارا عامة،  دون الدخول في  تفاصيل تترك للمسئولين في الجهات التنفيذية .  وتتضمن الخطة المقترحة حاليا سبعة مشروعات مرتبة تنازليا من مشروعات توليد الطاقة بالغاز وطاقة الرياح وتحليل المخلفات العضوية وأخيرا زراعة غابات وأحزمة حول مدينة العاشر من رمضان و تشجير جزء من الطريق السريع القاهرة أسوان.

تصحر الأراضي في مصر    
  
1. عوامل ومسببات التصحر

يذكر طاحون (2010)  أن بعض أراضي الزراعة المروية في الوادي والدلتا والواحات تعاني من آثار جانبية للري دون وجود نظام فعال للصرف ، تتمثل في ارتفاع المياه الجوفية وتراكم الأملاح والصودية بما يقلل من إنتاجيتها  . ويزيد من مشكلات تراكم المياه والأملاح في الأراضي عوامل أخرى منها انخفاض منسوب أراضي المنطقة بالنسبة للأراضي المجاورة ، وارتفاع تركيز الأملاح  في مياه الري أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية إلى الحد الحرج ، كما يزيد بانخفاض نفاذية الأرض للمياه بما يعوق الحركة الطبيعة الحرة للمياه الزائدة خارج مجال انتشار الجذور . ويتزايد التصحر بالملوحة والصودية في مناطق الأطراف الشمالية للدلتا لانخفاض منسوبها من جهة وانخفاض نوعية مياه الري من جهة أخرى ، كما ينتشر هذا التصحر في واحات الصحراء الغربية خاصة واحة سيوه ، نظرا للإسراف الشديد في الري دون وجود نظم للصرف .
وتتصحر أراضي الواحات والمناطق الغربية من شمال سيناء والمنيا وأسيوط والشاطئ الغربي من بحيرة ناصر أيضا نتيجة لغزو الكثبان الرملية  . وهناك مخاطر تصحر أخرى على الأراضي المروية منها استنزاف رصيد عناصر غذاء النبات بها لتوالي زراعتها بمحاصيل مجهدة ، وتضاغط طبقاتها بتأثير الآلات الزراعية الثقيلة بما يقلل من نفاذيتها ، وتجريفها لصناعة الطوب ، وتلوثها ببقايا المبيدات ومخلفات المصانع والصرف الصحي . ويرى البعض أن  التوسع العمراني العشوائي على الأراضي الزراعية يدخل ضمن هذه المخاطر ، ولكن الأجدى به أن يوضع تحت بند سوء الاستعمال .
وتتواجد أراضي الزراعة المطرية في التخوم الشمالية الموازية للبحر المتوسط، في شريط يتراوح عرضه بين عشرة وعشرين كيلومترا. وتبلغ مساحة أراضي الزراعة المطرية نحو مليون ونصف المليون فدان. والمزروعات الشائعة هي القمح والشعير في مناطق المنحدرات والوديان الي تتحصل على قدر  أكبر من مياه الأمطار بطريق السريان السطحي من المرتفعات . وتستعمل إنشاءات صناعية أو تكوينات جيومورفولوجية كمصايد لتخزين واستعمال المياه في وقت لاحق لري أشجار الزيتون والتين التي تنتشر بساتينها في المنطقة .
وتتعرض الأراضي  للتصحر بتكرار دورات الجفاف حيث تقل كمية الأمطار في بعض السنوات عن معدلاتها الطبيعية أو تسقط بمعدلات كبيرة في غير الأوقات المناسبة للمزروعات . ومن جهة أخرى فقد أدى التعمير العشوائي للمنطقة الساحلية دون أن يصاحبه دراسة للتأثير البيئي المحتمل إلى إزالة الغطاء النباتي الطبيعي لمساحات شاسعة وبالتالي زيادة احتمالات تعرضها للتصحر بالانجراف .  ومن عوامل التصحر البشرية المشهورة في منطقة العلمين والطرف الغربي لمنخفض القطارة الألغام التي زرعتها الأطراف المتحاربة باتساع نصف مليون فدان أثناء الحرب العالمية الثانية . ومن المحزن أن نوعية الأرض الجيدة واعتدال المناخ والقرب من مراكز التسويق في الإسكندرية ومرسي مطروح والقرى الساحلية بطول الساحل الشمالي كلها مؤهلات لمنطقة إنتاجية متميزة، ولكنه تميز مع إيقاف التنفيذ بسبب ألغام ليست من صنع أيدي المصريين.
وليس هناك سجلات رسمية في الهيئات الحكومية عن أراضي المراعي في مصر ، التي تحتل جغرافيا شريط الشمال الساحلي من غرب الإسكندرية عبر سيدي براني ومرسى مطروح إلى السلوم بعمق يتراوح بين 25-50 كيلومترا مع امتدادات إلى شمالي وادي النطرون  . ورغم صغر مساحة المنطقة التي تقدر بنحو خمسة ملايين فدان مقارنة مع إجمالي مساحة مصر ، إلا أنها توازي نصف مساحتها  الرعوية ،  كما أنها غنية بأنواع نباتية تستطيع بعد تطويرها توفير أكثر من 500 مليون وحدة علفية أي ما يوازي نصف مليون طن من الشعير . وهناك أيضا عدة مناطق غير محددة المساحة للرعي في شرق الصحراء الشرقية وفي سيناء. وينتشر نظام الرعي المتجول في مناطق الرعي المصرية حيث يتم تحريك قطعان الحيوانات موسميا في دائرة متسعة داخل نطاق جغرافي،  وكلما زاد الجفاف كلما سادت بالقطعان الحيوانات المقاومة للعطش وأكثرها الجمال يليها الماعز والأغنام وأقلها الأبقار.
وتبدو ظواهر تدهور أراضي المراعي إضافة إلى انخفاض ثروتها الحيوانية في عدة صور منها تدهور كمية ونوعية واستمرارية النباتات الرعوية الطبيعية  الذي قد يصاحبه ارتفاع عدد الأنواع ذات القيمة الرعوية المنخفضة ، وتغير تركيب الغطاء النباتي فتقل الأشجار والشجيرات نسبة للعشبيات ، وزحف الكثبان الرملية . ويعتبر الرعي الجائر مع شح المطر من أهم محركات تصحر أراضي المراعي، عندما تتجاوز الكثافة العددية لحيوانات المراعي قدرة النظام البيئي على الحمل فتستهلك الحيوانات الغطاء النباتي بمعدل أكبر من تجدده الذاتي.

2. التقدير الكمي لخسائر التصحر

يشير تقرير للمجالس القومية المتخصصة بعنوان "صيانة الأراضي الزراعية وحمايتها من التدهور" (1988) أنه اتضحت الآثار السلبية المدمرة أنشطة بشرية أدت لتدمير الغطاء النباتي لبعض لأراضي الساحل الشمالي ، وبالتالي تعرضها للانجراف بفعل السيول والرياح. ثم تطورت واتسعت النظرة إلى عوامل تدهور الأرض وإهدارها مع التوسع في استعمالاتها، وكذلك مع الزحف العمراني الذي صاحب الضغط السكاني في غيبة تخطيط سليم لاستعمالات الأرض. ولذلك أصبحت صيانة الأرض تشمل جميع الجوانب المؤثرة والمتأثرة بالاستخدامات غير الرشيدة.
وإذا كانت هناك تقارير تضح تحسنا في خواص الأراضي الزراعية في بعض المناطق نتيجة لتنفيذ مشروعات الخدمة والصرف، فهناك كثير من التقارير والشواهد تشير لتدهور في مساحات أخرى. ويزيد التباين في أرقام المساحات المتدهورة وطبيعة التدهور ودرجته ومدى انتشاره من عدم اليقين ، ولهذا كان من الضروري إعادة جرد الرصيد المتاح من هذه الأراضي وإجراء توصيف دقيق لتقييم حالتها ،ووضع وتنفيذ وبرامج قصيرة ومتوسطة المدى لصيانة هذا المورد الطبيعي الهام ولتوفير مقومات استثماره بأعلى كفاءة ممكنة في الإنتاج الزراعي.
وقد رتبت مشاكل تدهور وإهدار الأرض الزراعية في مصر من حيث أهميتها حجما وأثرها تنازليا ، وتتضمن التوسع العمراني بالتعدي على الأراضي الزراعية القديمة ، وارتفاع منسوب الماء الأرضي وما يرتبط بذلك من مشكلات الملوحة والقلوية ، وتدهور خصوبة الأراضي , وزحف الصحراء على الأراضي الزراعية في تخوم الوادي والدلتا ، وانجراف وتجريف الأرض ، وتلوث الأرض ببقايا المبيدات ومخلفات المصانع والصرف الصحي.
ويقدم الجدول التالي مساحة الأراضي الزراعية  الفاقدة بتأثير عوامل التدهور ، مأخوذة من تقرير للمجالس القومية المتخصصة بعنوان "صيانة الأراضي الزراعية وحمايتها من التدهور" (1988)

نوع التدهور
المساحة المتأثرة (مليون فدان)
نسبة نقص الإنتاج الزراعي %
المساحة الموازية للتدهور (مليون فدان)
التوسع العمراني
سوء الصرف والملوحة والقلوية
انخفاض خصوبة الأرض
زحف الرمال
1.00
3.00
6.00
1.7
80
20
10
20
0.800
 0.600
0.600
0.350


     ويستدل من الجدول السابق أن إجمالي المساحة الفاقدة نتيجة لتدهور الأراضي في مصر يبلغ 2.35 مليون فدان ، تمثل نحو  20% من إجمالي مساحة الأراضي الزراعية . والتوازي مع ذلك فإن  فاقد الناتج الزراعي القومي نتيجة لذلك التدهور يبلغ أيضا 20 %. 

3. البرنامج الوطني لمكافحة التصحر

عرضت وثيقة البرنامج الوطني لمكافحة التصحر في يونيو  2005 ، وتم العرض في احتفالية كبرى أقامها مركز بحوث الصحراء شارك فيها وزراء الزراعة واستصلاح الأراضي ، والموارد المائية والري ، والدولة لشئون البيئة ، ورؤساء بعض المؤسسات العلمية منها مركز البحوث الزراعية ورئيس أكاديمية البحث العلمي ورئيس الهيئة القومية للاستشعار من بعد . وتؤكد الوثيقة التي يمكن الاطلاع علي نسختها الإلكترونية من خلال موقع سكرتارية الاتفاقية  www.unccd.int على شبكة المعلومات الدولية ،  أن نسختها الحالية قد أخذت في الاعتبار كافة المداخلات والأسئلة والانتقادات التي أثيرت حول نسختها الأولى التي عرضت في بداية الاحتفالية .  ويمثل الجزء الفعال من وثيقة البرنامج المصري مجهودا علميا ضخما يقع في ثلاثة أجزاء .
يتضمن الجزء الأول من التقرير بابين ، يتناول أولهما الوضع الفسيوجرافي لمصر من حيث الموقع والمناخ والنظم الايكوزراعية والموارد المائية والنباتية والغطاء النباتي والمراعي والحياة البرية والثروة السمكية والطاقة المتجددة والموارد البشرية ،  ويتناول الباب الثاني نظم استعمالات الأراضي والإنتاج الزراعي النباتي والحيواني والداجني والسمكي . ويشمل الجزء الثاني من التقرير الوطني خمسة أبواب تبدأ بالباب الثالث الذي يتناول أسباب وعمليات التصحر وتضم  التوسع العمراني العشوائي وتملح الأراضي واستنفاد خصوبة الأرض وانجرافها بالرياح والمياه وغزو الكثبان الرملية . ويتناول الباب الرابع جهود مكافحة التصحر في الساحل الشمالي الشرقي والغربي والوادي والدلتا بإجراءات قانونية وتنفيذية فيما يخص تحسين الأراضي وصيانتها وتحسين المصارف والتشجير ، وكذلك في سيناء الداخلية والصحراء الشرقية والصحراء الغربية والواحات .
ويتناول الباب الخامس الدروس المستفادة من جهود سابقة يأتي في أولها تصميم المشروعات المستقبلية لتواجه الاحتياجات الغذائية للسكان إضافة إلى تهيأة فرص العمل والدخل وتحسين ظروف المعيشة ورفع السعة الإنتاجية للموارد الطبيعية دون إخلال بالنظم الاجتماعية السائدة في الريف أو الإضرار بالبيئة وتلوثها . والدرس الثاني المستفاد هو دعم مرونة نظم الإنتاج لتستطيع مواجهة ظروف طارئة ، وإدارة الأراضي الزراعية إدارة مستدامة تحافظ على إنتاجيتها ايكولوجيا واقتصاديا   وتحسين قدرتها على التنوع البيولوجي . والدرس المستفاد الثالث هو ضبط إيقاع عوامل ومسببات التصحر الطبيعية والبشرية . والدرس الأخير هو حل مشكلة تدهور الأراضي في ارتباط مع احتياجات الناس في المحليات واعتبار مشروعات مكافحة التصحر مشروعات المدى الطويل التي تحتاج إلى مالا يقل عن عشر سنوات لتظهر نتائجها . وفي هذا السياق من الضروري توفير برامج تدريب وموارد مالية لازمة بصفة منتظمة مبرمجة في إطار من تكامل العمل على كافة مستويات الدولة.
ويتناول الباب السادس مقترحات تقييم ودلائل رصد التصحر ، ويشير إلى أهمية استعمال تكنولوجيا المعلومات المتاحة وتشمل الاستشعار من بعد ونظم المعلومات الجغرافية لإنتاج خرائط موضوعية تشمل موضوعات بيولوجية / طبيعية  تخص المتغيرات المناخية وموارد الأراضي والمياه والغطاء النباتي والتنوع الحيوي وقطعان الحيوانات ، وخرائط اجتماعية/ اقتصادية تخص تطور المستوطنات البشرية وهجرة العشائر البدوية في الصحراء والحدود الإدارية ، وخرائط التداخل بين العوامل البيولوجية / الطبيعية والعوامل الاجتماعية/ الاقتصادية وتتضمن نظم الملكية والبنية التحتية .
ويتحتم في عمليات الرصد تسجيل البيانات والتأكيد على مصادر المياه والأراضي المتدهورة والغطاء النباتي والمياه الجوفية والكثبان الرملية . وهناك ثلاث مجموعات من دلائل التصحر أولها طبيعة تهتم بالمناخ والأراضي والمياه ، والثانية بيولوجية تهتم بالنبات والحيوان ، والثالثة اجتماعية تهتم بديناميكا السكان والحالة الاقتصادية واستعمالات الأراضي .
ويتناول الباب السابع والأخير مجموعة المحددات التي تعوق أو تبطئ وتيرة تنفيذ البرنامج الوطني . ويأتي في مقدمتها  ضعف القدرات المؤسسية ، وعدم وضوح نظم حيازة الأراضي ، وغياب سياسة عامة لاستعمالات الأراضي ، وغياب بناء مؤسسي ، وعدم توافر قاعدة بيانات على درجة عالية من الدقة ، وغياب وعي كاف بحالة مناطق الرعي ، وأخيراً عدم وجود علاقة بين البرنامج المصري والبرنامج تحت الإقليمي للشمال الأفريقي وكذلك البرنامج الإقليمي لأفريقيا.
ويضم الجزء الثالث من وثيقة البرنامج الوطني المصري تدخلات مؤسسية وحقلية مقترحة كمشروعات لمكافحة التصحر في مصر. ولكل من مشروعات البرنامج خلفية علمية للمشروع ، وأهداف عامة ومتخصصة ، وخطة عمل وتنفيذ ، ومكان مفضل للمشروع المقترح ، ومدة تنفيذ للمشروع ، وميزانية تقديرية ، ونتائج وفوائد متوقعة للمشروع .
ويضم البرنامج مشروعات موضوعية أولها مشروع تقييم ومراقبة التصحر ينفذ في خمس سنوات بتكاليف تقديرية تبلغ 15 مليون دولار، ومشروع بناء القدرات في مناطق زراعة مطرية والرعي وتثبيت الكثبان الرملية وينفذ في خمس سنوات والميزانية أيضا 15 مليون دولار.       والمشروعات الحقلية متعددة الأوجه منها ما يخص مناطق الزراعة المروية وتضم تحسين الري والصرف  وينفذ في خمس سنوات بتكاليف 300 مليون دولار ، وإدارة متكاملة للري في خمس سنوات بتكاليف 350 مليون دولار ، وتحسين الأراضي في خمس سنوات بتكاليف 50 مليون دولار ، وضبط تلوث الأراضي والمياه فى خمس سنوات بتكاليف 8 مليون دولار ، والتلوث البيئي في منخفض وادي الريان في خمس سنوات بتكاليف خمسة مليون دولار ، والاستعمال الآمن لمياه الصرف الصحي  في زراعة غابات أشجار خشبية في خمس سنوات بتكاليف 20 مليون دولار.
وتغطي مناطق المراعي عدة مشروعات منها مشروع إعادة تأهيل المراعي المتدهورة  وينفذ في خمس سنوات بتكاليف 15 مليون دولار، ومشروع صيانة المصادر الرعوية وينفذ في خمس سنوات بتكاليف 20 مليون دولار، ومشروع إدارة الرعي لمدة خمس سنوات بتكاليف 5 مليون دولار.
وتخص مناطق الزراعة المطرية عدة مشروعات تضم مشروع تخطيط استعمالات الأراضي فى منطقة الحمام بالساحل الشمالي الغربي وينفذ فى خمس سنوات بتكاليف 10 مليون دولار ، والاستمطار لمدة ثلاث سنوات بتكاليف 20 مليون دولار ، وتحسين قطعان الحيوانات في خمس سنوات بتكاليف 2.5 مليون دولار ، وتحسين مجترات شمال سيناء في خمس سنوات بتكاليف 2.5 مليون دولار ، ومشروع ضبط انجراف الأراضي في خمس سنوات بتكاليف 15 مليون دولار.
والمجموعة الأخيرة من المشروعات هي تثبيت كثبان رملية أولها في منطقة بحيرة ناصر على مدى خمس سنوات بتكاليف 25 مليون دولار ، والثاني في واحة سيوة لمدة خمس سنوات بتكاليف 15 مليون دولار ، والثالث في شمال سيناء لمدة خمس سنوات بتكاليف 20 مليون دولار.
وينتهي الجزء الثالث من وثيقة البرنامج بعدة توصيات منها أهمية تحديد مسببات وعمليات التصحر في كل النظم الايكوزراعية وإعداد الخرائط بمقياس الرسم المناسب لتحديد النقط الساخنة التي تحتاج تدخلا عاجلا. ويعطي الإجراءات الوقائية أولوية مستحقة ، وأهمية تحديد نظم وسياسات إدارة الموارد المائية بتحديث دراسات وإنشاء قواعد بيانات وتعظيم عوائد المياه واستعمال التكنولوجيا الحديثة واستعمال موارد مائية غير تقليدية ، وتقييم نظم استعمالات الأراضي الحالية وبالأخص التركيب المحصولي ، وتقييم وصيانة موارد ومصادر الثروة النباتية وخصوصيات منطقة الساحل الشمالي ، وتحسين قطعان الحيوانات بالتغذية المناسبة والاهتمام بالرعاية الصحية ، والاستفادة الكاملة من نتائج البحوث السابقة والحالية ومختلف الوزارات والهيئات والجمعيات غير الحكومية والقطاع الخاص ، والاهتمام بدور المرأة والشباب في العمل الريفي والرعوي لتنمية المجتمعات ، وحل مشكلات ومعضلات نظم الملكية ، وأخيرا الاهتمام بالمناطق الرعوية .

فرص وتحديات استعمالات الأراضي والمياه
   
الموارد الأرضية والمائية في مصر

يذكر عبد الغفار والعطار (1997) أن الخطة الرئيسية للموارد الأرضية في مصر الصادرة في 1986، تشير إلى أن مساحة الأراضي التي يمكن زراعتها بالري تبلغ نحو 13 مليون فدان، تتضمن 6.4 مليون فدان في الوادي والدلتا، 4.1 مليون فدان في تخوم الوادي والدلتا، 0.9 مليون فدان على الساحل الشمالي الغربي، 0.9 مليون فدان في الواحات،  0.7 مليون فدان في سيناء. وقدر حينئذ أن المتاح للتوسع الزراعي الأفقي هو 2.9 مليون فدان مقسمة إلى 1.3 مليون فدان حول الوادي والدلتا ، 0.4 مليون فدان في سيناء، 0.3 مليون فدان على الساحل الشمالي الغربي ، 0.9 مليون فدان تحتياج رفع مياه الري لأكثر من 60 مترا.    وضيف عبد الغفار والعطار (1997) إلى ذلك إمكان استصلاح مليون فدان في جنوب غرب مصر منها 150 ألف فدان في الوادي الجديد ، 300 ألف فدان في شرق العوينات ، 500 ألف فدان في منطقة  توشكى.
ولكن ندرة المياه هو العامل الأول المحدد للتوسع الزراعي في مصر كما يجمع على  ذلك كثيرون منهم  محمد ( 1962 ) وسعيد (1993) والقاضي وآخرون  (1990)   وحفني (1995) عبد الغفار والعطار (1997) وطاحون (2010) . ويتفق الجميع أنه يمكن استزراع مساحات إضافية من الأراضي إذا توافرت موارد مائية جديدة ،  أو إذا أمكن إعادة استعمال جزء من المياه في الزراعة بعد اتخاذ إجراءات تنقية ضرورية .
وتتضمن موارد المياه السطحية في مصر 55.5 بليون متر مكعب سنويا هي نصيب مصر الحالي من مياه النيل ، يمكن زيادته إلى 62 بليون متر مكعب بتدبير موارد جديدة من أعالي حوض النيل ومن أبرزها إنشاء قناة جونجلى. تخزن مياه النيل في  بحيرة ناصر أمام السد العالي ، وتنقل من خلال شبكة ري مترابطة يصل مجموع أطوال فروعها إلى 40 ألف كيلو متر إلى حقول في الوادي والدلتا تبلغ مساحتها 8.1 مليون فدان . ونظرا لاعتدال المناخ طوال العام فإنه يمكن زراعة الأرض بأكثر من محصول في العام الواحد لتصل المساحة المحصولية إلى 15 مليون فدان .
ويشير حفني (1995) وعبد الغفار والعطار (1997) إلى مناطق الساحل الشمالي والصحراء الشرقية على البحر الأحمر وجنوب سيناء ، حيث تتساقط أمطار فلاشية في ظاهرة تسيل بعدها المياه في مجاري الوديان . ويقدر أن كمية المياه التي يمكن حصادها سنويا من هذه المياه بنحو بليون ونصف بليون متر مكعب. 
وتتواجد  مياه جوفية في الوادي والدلتا نتيجة رشح مياه النيل والترع والمصارف تقدر بنحة 400 بليون متر مكعب وهى مياه غير عميقة (100 م أو أقل) ، يتم السحب منها للشرب والزراعة والصناعة في حدود 4 بليون متر مكعب / عام . والمياه ذات جودة عالية في الوادي وجنوب الدلتا ، غير أن تقدم جبهة المياه المالح  في شمال الدلتا يقلل من صلاحيتها للشرب والزراعة، وإن كان يمكن استخدامها للتبريد في الصناعة .  وتوجد أيضا مياه جوفية غير عميقة تحت أراضي الساحل الشمالي وسيناء والصحراء الشرقية ، هى حصاد تجمع مياه امطار وسيول لم يتم حصرها  تفصيليا.

إمكانيات المياه الجوفية السنوية في مصر بالمليون متر مكعب في السنة
المنطقة الجغرافية
السحب الحالي
الإمكانيات الكلية
    حوض النيل والدلتا
الحواف الغربية
الحواف الشرقية
حوض النيل بالوادي
الحواف
1.811
760
461
1.155
249
2.902
902
521
2.358
837
 إجمالي حوض النيل والحواف
4.437
7.540
    الصحراء الغربية
سيوه
الفرافرة
البحرية
    الخارجة
   الداخلة
   شرق العوينات
   ساحل البحر المتوسط

30
100
40
120
280
-
1

160
460
250
240
760
1.500
31
إجمالي الصحراء الغربية
571
3.401
 الصحراء الشرقية
 ساحل البحر الأحمر
الوديان
 سيناء
5
-
-
جاري الدراسة
15
190
200
إجمالي الصحراء الشرقية
5
405
إجمالي الصحاري المصرية
576
3.806
إجمالي الجمهورية
5.013
11.346

أما المياه الجوفية العميقة فهي قديمة بطيئة التجدد ذات أحجام ضخمة ولكن يصعب السحب منها لأسباب هيدروجيولوجية .  ويجب حساب كمية السحب الآمن بما لا يؤدى إلى نضوب الخزانات الجوفية نتيجة السحب الزائد. وتوجد أحواض تخزين المياه الجوفية العميقة في الحجر الرملي النوبي الذي ينتشر على أعماق مختلفة . وقد أمكن حصر عدة أحواض في الواحات الجنوبية ، وشرق العوينات، وسيوه ، والساحل الشمالي الغربي ، وسيناء ، والصحراء الشرقية .  ويوضح الجدول الموفق كمية السحب السنوي والممكن من خزانات المياه الجوفية الموزعة في المناطق المختلفة من مصر مأخوذة بتصرف من حفني (1995).
ويصل عمق المياه الجوفية إلى 1400 مترا في الداخلة وإلى 2000 متر في البحرية. ويقدر حجم المخزون الجوفي في حوض الداخلة بحوالي 200 ألف بليون متر مكعب ، إلا أن السحب السنوي الآمن منه يمكن أن يتراوح حول بليون متر مكعب بعد إجراء دراسات مدققة. ويقدر عمر المخزون الجوفي بين 20 إلى 30 ألف عام ، وأنه يتجدد سنويا في حدود 8 مليون متر مكعب في المناطق الجنوبية  ونحو 40 مليون متر مكعب في الغرب  . وتوضح بعض الدراسات أن مخزون المياه الجوفية في شرق العوينات يبلغ نحو  50 ألف بليون متر مكعب وسحبه السنوي الآمن نحو 1.2 بليون متر مكعب ، وهى مياه أقل عمقا على 300 – 600 متر،  وأكثر جودة من مياه حوض الداخلة.
ويذكر حفني (1995) أن دراسات معهد بحوث المياه الجوفية تدل علي أن التوافر الكمي للمياه الجوفية في الصحراء الغربية ليس هو المشكلة المحورية  في تنمية المناطق الصحراوية في مصر، بقدر ما تكون تكاليف رفعها وأسس استخدامها في القطاعات الإنتاجية المختلفة. وتتوجه الإستراتيجية الحالية إلى التحول من نظام زراعة مساحات شاسعة في الصحراء الغربية إلي نظام مزارع محدودة المساحة تتراوح بين 2000 إلى 5000 فدان، تتباعد عن بعضها أكبر التباعد. وستقلل هذه الإستراتيجية المشاكل الهيدرولوجية وتحافظ علي الخزانات الجوفية لفترات طويلة، مع الأخذ في الاعتبار المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات الصغيرة المتناثرة وتوفير الخدمات التعليمية والصحية ونقل وتسويق المحاصيل وغيرها.

تحديث مفهوم كفاءة استعمال المياه

تحتم الأوضاع المائية الراهنة فحص وتقييم وتحديث مفهوم كفاءة استعمال المياه على المستوى القومي لاتخاذ إجراءات هيكلية تصحيحية . ومن الناحية التاريخية تركز الاهتمام في مصر الزراعية على إنتاجية الأرض فقيست كفاءتها بكمية المحصول الناتج من وحدة المساحة ، ثم بقيمته النقدية في السوق المحلية ، ثم بقيمته التصديرية . ومع العولمة وسهولة النقل والاتصال بين أرجاء القرية الكونية ،  والتنافسية والمزايا النسبية لمراكز الإنتاج ، استجدت مفاهيم جديدة في أدبيات اقتصاديات المياه . ومن هذه المفاهيم ما ذكره طاحون (2010) عما عرف في السنوات الأخيرة في دوائر البنك الدولي بالمياه الافتراضية  virtual water، وهي كمية المياه اللازمة حقليا لإنتاج وحدة السلع كطن من القمح أو الأرز أو اللحوم .
وعلى سبيل التوضيح إذا صدرت إحدى الدول طنا واحدا من الأرز مياهه الافتراضية 1500 متر مكعب مقابل استيرادها لطن واحد من القمح مياهه الافتراضية 1100 متر مكعب ، فالواجب أن يؤخذ في حساب التبادل بين السلعتين سعر فرق المياه المتبادلة وهو 400 متر مكعب للطن .  ومن المفاهيم الجديدة لكفاءة استعمال المياه أيضا قياسها إما اقتصاديا بقيمة الناتج الزراعي منسوبا لإجمالي المياه المستخدمة ، أو اجتماعيا بحساب عدد فرص العمل منسوبا لإجمالي المياه المستخدمة .  ويتطرف بعض خبراء البنك الدولي في هذا المجال إلى الحدود القصوى بحساب كفاءة استعمال المياه بقسمة الناتج القومي الإجمالي على كميتها المستعملة . وتشير الإحصائيات الدولية إلى أن مصر تتصدر المراتب الأولى لقوائم الجدارة العالمية لإنتاجية وحدة الأراضي لعدد من المحاصيل الحقلية ، ولكنها لا تحظى بنفس المرتبة  فيما يخص استعمال المياه اقتصاديا أو اجتماعيا . 

سنيرجيات منخفض القطارة
     
أصبح مصطلح "سنيرجي"    synergy   من المصطلحات المستعملة بكثرة في السنوات الأخيرة في أدبيات علوم البيئة وإدارة الموارد للتنمية المستدامة ومقابلة الالتزامات الوطنية قبل الاتفاقيات الدولية . ويقصد بالمصطلح على سبيل التوضيح أن مشروعا أقيم لتنمية قطاع معين فتتجاوز فوائده بشكل تلقائي ذلك القطاع دون جهد أو تكلفة إضافية لتفيد قطاعات أخرى .
ومن الأمثلة الكلاسيكية للسنيرجي  أنه في سياق تنفيذ اتفاقية مكافحة التصحر وغيرها من الاتفاقيات البيئية التغير الناخي قد تتم إقامة غابة أشجار خشبية على أرض شديدة التدهور لا تصلح للزراعة ، أو لحماية منطقة مأهولة متاخمة للصحراء من أخطار كثبان رملية ، أو للتخلص الآمن من مياه منخفضة الصلاحية. فإذا بالغابة بعد أن حققت غرضها الرئيسي المحدد تعمل على تثبيت بعض ثاني أكسيد الكربون الجوي فتساهم في تقليل حدة التغيرات المناخية ، وتعمل  على تهيئة ظروف حياتية ملائمة لعشرات الآلاف من أنواع وأصناف نباتية وحيوانية فتساهم في  تحسين التنوع الحيوي ، وتتيح مصدرا لدخل عرضي لبعض السكان فتساهم في تحسين البيئة الاقتصادية للسكان في المنطقة . ويأتي ذلك مشابها لما عرف عن العرب الأقدمين بقول ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد . ويمكن تقديم عدة أمثلة تتضمن سنيرجيات متعددة الأطراف قوميا ودوليا في إدارة موارد أقاليم الخريطة الجديدة ، نكتفي منها بمثالين لواقع  محافظة غرب الدلتا الجديدة .
والمثال الحقلي  لسنيرجيات مكافحة التصحر وتخفيف حدة تغير المناخ يمكن أن يتواجد في منطقة العلمين والطرف الغربي لمنخفض القطارة .  وتقدم هذه المنطقة نموذجا حيا لعوامل التصحر البشرية المشهورة في العالم بما تحتويه من ألغام زرعتها الأطراف المتحاربة أثناء الحرب العالمية الثانية باتساع نصف مليون فدان. ويقدر البعض عدد الألغام بنحو عشرين مليون لغم تتكلف عمليات إزالة كل واحد منها مائة وخمسين دولارا ، بتكلفة إجمالية  تقضي تماما على الجدوى الاقتصادية لأي مشروع تنموي في المنطقة . ومن المحزن أن نوعية الأرض الجيدة واعتدال المناخ والقرب من مراكز التسويق في الاسكندرية ومرسي مطروح والقرى الساحلية بطول الساحل الشمالي كلها مؤهلات لمنطقة انتاجية متميزة ، ولكنه تميز مع إيقاف التنفيذ بسبب ألغام ليست من صنع أيدي المصريين .
ويشهد التاريخ أن هذه الألغام تخص دولا صناعية كبرى تتمتع كل منها حاليا باقتصاد متخم بالترف .  وتقر تلك الدول داخل  الغرف المغلقة وبلا سجلات كتابية بملكيتها للألغام ، فتقدم  لمصر فتات من دعم لدراسات محدودة تجريها بعض الهيئات حول حواشي الموضوع .  ولكنها تتهرب من تحمل كامل مسئوليتها الأخلاقية لتطهير المنطقة، بحجة أنها لا تريد ارتكاب سابقة قانونية تأخذها عليها دول نامية أخرى فتطالبها بتعويضات مستحقة ! غير أن هذه الدول تتهرب بهذه المقولة من استحقاقات واجبة تفرضها عليها نصوص وأعراف القوانين الدولية تحت بند "المسئول عن التلوث يتحمل نفقات إزالته" المعروف انجليزيا بمبدأ polluters pay principle  .
ويجوز حل هذا الوضع المستحيل بين مصر والدول صاحبة الألغام من خلال المادة الثانية عشر من بروتوكول كيوتو في إطار آلية التنمية النظيفة clean development mechanism  ، التي تسمح لدولة صناعية كبرى بالتوسع في صناعة تضخ كمية محددة من ثاني أكسيد الكربون إلى الهواء الجوي ، بشرط أن تتفق مع دولة نامية لتقيم على أراضيها غابة تعمل أشجارها على تثبيت كمية مكافئة من ثاني أكسيد الكربون ، في سنيرجية دولية مطبقة فعلا منذ عدة سنوات . 
والحال هكذا فليس صعبا تصور وضع مخطط لتعمير منطقة القطارة في إطار تنمية متكاملة للمنطقة ، بالتعاون في عمليات سنيرجية مع الدول الصناعية ذات الصلة . وتتضمن عناصر المخطط تنفيذ إجراءات بعضها متزامن وبعضها متداخل وبعضها متوالي . ويتم بمقتضى هذه الإجراءات إزالة الألغام ، وتوليد الكهرباء بتربينات هيدروليكية واستغلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، وتحلية مياه البحر ، وإنشاء غابة أشجار خشبية بمساحة نحو مليون فدان تقوم عليها صناعات خشبية وصناعة الورق والمشاتل لإنتاج البذور والشتلات الموثقة  ، وإقامة منشآت للسياحة الشاطئية وأخرى للسياحة الصحراوية ، ومستقرات بشرية بمواصفات بيئية تسع مئات الألوف من المواطنين .   

ظواهر ومسببات الجفاف في مصر

الجفاف المفترض

يذكر طاحون (2010) أن الجفاف المفترضvirtual drought   يقوم حيث تتوافر المياه ولكن في وجود موانع تعوق استعمالها كتلوثها بأملاح أو مركبات ضارة أو تواجدها في أعماق سحيقة تحت سطح الأرض. ومن أمثلة الجفاف المفترض ما قد يقال عن بعض المجاري المائية  والخزانات الجوفية السطحية في المناطق الشمالية للدلتا، حيث المياه موجودة بكميات كبيرة. غير أن النظم الإيكولوجية السائدة وسياسات استعمالات الأراضي والتوزيع الديموجرافي للسكان والطبيعة المغلقة لنهر النيل وفروعه تسببت في تلوث المياه بمزيج متفاوت التركيب من عناصر ثقيلة وكيماويات زراعية وصناعية وكائنات دقيقة بتركيزات ربما تجاوزت حدود المسموح به عالميا . ومياه هذا حالها لا تصلح لمعظم الاستعمالات الاقتصادية المعروفة للمياه العذبة.     
ومن أمثلة الجفاف المفترض أيضا ما قد يقال عن بعض مناطق الصحراء الغربية وسيناء ، حيث تتواجد خزانات مياه الحجر الرملي النوبي. فالمياه موجودة بكميات وفيرة ، ولكنها ترقد في أعماق سحيقة تتطلب قدرا كبيرا من الطاقة لاستخراجها بما قد يخل باقتصاديات المشروعات إذا اعتمدت على صور الطاقة الحفرية التقليدية . ومن هنا بدأ علماء إدارة الموارد الطببيعية التعامل مع موارد الأراضي والمياه والطاقة كمفردات متكاملة في منظومة واحدة .




الجفاف الديموغرافي

تشير كل الدلائل والإحصائيات إلى تناقص تيسر المياه على المستوى الفردي  في مصر خلال العقود الأخيرة للقرن العشرين بمعدل متسارع ، بالنظر إلى ما يقارب ثبات كمية الموارد الطبيعية من المياه المتاحة بالتزامن مع زيادات كبرى في عدد السكان . فقد بلغ نصيب الفرد من المياه النيلية 2128  مترا مكعبا  في عام 1959 ، انخفض إلى 938 متر مكعب في عام 1996 ، واستمر في الانخفاض ليصل  إلى 750 متر مكعب في عام 2006 .  
ويزيد من حدة المشكلة الوضع الديموغرافي لدول أعالي النيل  وخاصة أثيوبيا . ويردد بعض الخبراء المصريين أن الوضع مع أثيوبيا مستقر ومطمئن لثلاثة لأسباب . السبب الأول هو أن التركيب الطبوغرافي للهضبة الأثيوبية لا يسمح بإقامة مشروعات تخزين عظمى ببناء سدود من طراز السد العالي ، والسبب الثاني أن الجهان الدولية المانحة قد تعهدت يعدم تمويل مشروعات عل النيل إلا بعد موافقة مصر ، والسبب الثالث هو أن الاتفاقيات والأعراف الدولية تضمن حقوق مصر التاريخية في مياه النيل.
ولكن نظرة فاحصة للأمور الحية على أرض الواقع لا تبعث على الارتياح لسببين . يأتي السبب الأول في ثنايا الجدول التالي خاصا بعدد سكان دول حوض النيل .

عدد السكان المقدر والمنتظر في دول حوض النيل مأخوذا عن (Brauch (2006

الوطن
عدد السكان بالمليون
1950
2000
2025
2050
بوروندي
3
6
14
23
الكونغو الديمقراطية
12
51
108
183
مصر
22
68
101
126
اريتريا
1
4
7
10
اثيوبيا
18
63
118
170
كينيا
6
31
49
64
رواندا
2
8
13
17
السودان
9
31
61
84
تنزانيا
3
35
53
71
أوغندا
5
23
56
131


ويتضح من الجدول أن جميع دول حوض النيل بلا استثناء شهدت وتشهد انفجارات سكانية مدوية  . غير أن دولتين من هذه الدول أولى بالتمعن . الدولة الأولى هي أوغندا حيث يصل عدد سكانها المتوقع بحلول عام 2050 إلى نحو 131 مليون نسمة ، والدولة الثانية هي أثيوبيا حيث سيصل العدد إلى 170 مليون نسمة ، أي أن سكان كل من هاتين الدولتين سيكون أكبر كثيرا من عدد سكان مصر حينذاك عند 126 مليون نسمة . ولا يخفى على لبيب أن زيادة عدد السكان تولد ضغوطا بشرية تقتضي توفير موارد ، أولها المياه . ومن هنا فقد تكون هذه الضغوط حجة منطقية لمتخذي القرار في هذه الدول للتحلل من التزاماتها تجاه احترام الحقوق التاريخية لمصر في مياه النيل .
       والسبب الثاني يأتي مع ما  ذكره Waterbury and Whittington (1998)   ، فقد بدأت أثيوبيا منذ عدة عقود في الإعداد لممشروعات زراعة مطرية ، تقوم في معظمها على إقامة سدود قزمية على أقصى الأحباس العليا لأنهارها ، لا يحجز كل منها سوى بضع عشرات أو ربما مئات ألوف الأمتار المكعبة من المياه . وهناك خطط لإقامة خمسمائة سد في وللاية تيجري لا يتكلف كل منها إلا أقل القليل من الموارد المالية والفنية .  وفي هذا السياق يذكر Tafesse ( 2003) أن بعض المكاتب الهندسية الهولندية قد شاركت فنيا في تعميم هذه السدود في كافة أنحاء أثيبيا .

الجفاف الطبيعي

تتعرض جميع مناطق العالم للجفاف الطبيعي ، حيث ينخفض معدل سقوط الأمطار عن متوسطه المعتاد ، ويستمر هذا الانخفاض عدة أسابيع أو عدة شهور وربما عدة سنوات . ومن المؤسف أن يصل وقع تأثير الجفاف الممتد إلى حد الكارثة ، ومن المحزن أن الكارثة شديدة الوطأة علي سكان المناطق المهمشة في الدول النامية ، كما هو الحال في مناطق الزراعة المطرية والرعي في مصر. ويذكر القصاص (1999) وطاحون (2010) أن  أهالي الشريط الساحلي للبحر المتوسط من رفح شرقا حتى السلوم غربا ، وكذلك سكان وديان سيناء والبحر الأحمر يعتمدون على المطر في نظم معيشية تقوم على زراعة مطرية خفيفة المدخلات بالاضافة للرعي . وتتعرض هذه المناطق أحيانا لموجات من الجفاف التي يترتب عليها هلاك الزرع ونفوق أعداد كبيرة من قطعان الغنم والماعز. ويستحق أهالي هذه المناطق بصفتهم مصريين أولا وبصفتهم معمرين لمناطق نائية في مصر ثانيا معاملة واجبة لتخفيف حدة الكوارث التي قد تحيق بهم من جراء الجفاف الطبيعي.
ويمكن التعبير عن ذلك بخطوات عملية منها تعريف المسئولين ومتخذي القرار وعامة الناس بأبعاد الجفاف وما  يترتب عليه من كوارث اجتماعية واقتصادية وتحديات للأمن القومي ، وإنشاء نظام للمعلومات يجمع بين كافة المؤسسات الوطنية ذات الصلة له نافذة على أنظمة المعلومات الدولية المناظرة ، وتجهيز نماذج رياضية تتعامل مع تغيرات معدل سقوط الأمطار ومواعيدها من خلال مدخلات إقليمية للحصول على مخرجات ذات درجة عالية من اليقين ، وإجراء دراسات تهتم بمعامل التكلفة/المنفعة للتعامل مع الجفاف المناخي في نظم الزراعة المطرية في مصر ، إنشاء نظام للإنذار المبكر للتنبؤ باحتمالات الجفاف وبناء آليات للوقاية  وتجهيز الترتيبات الاجتماعية والاقتصادية والفنية اللازمة لحشد الإمكانيات والطاقات للتخفيف من الآثار المحتملة لكوارث الجفاف .

المناخ ومياه النيل

الإيراد المائي للنيل

يشهد جميع العارفين في داخل مصر وخارجها على كفاءة وجدارة وتطور الإدارة القومية للموارد المائية في مصر ، ربما منذ فجر التاريخ.  وتتسم الإدارة المعاصرة بعدة توجهات، لعل أهمها هو التوجه المؤسسي للتعامل من المواقف الصعبة في كل من حالتي الإيرادات المائية الشحيحة والإيرادات المائية فائقة الوفرة. وتتضمن هذه الجوانب إعداد هيكل خطة للتعامل مع الأزمات علي المدى القصير، إضافة إلي إعداد تقييم استراتيجي لاستعمالات المياه استجابة لتغير كمية الموارد المتاحة. ويذكر  Agrawala et al. (2004)  أن وفرة المياه في مصر قد مكنتها خلال تسعينات القرن العشرين من التوسع في مشروعات استصلاح الأراضي بنظام الزراعة المروية، في إطار سياسات اقتصادية تستهدف قطاعات عريضة من الفئات الاجتماعية المهددة والضعيفة. غير أن التوسع في مشروعات استصلاح الأراضي جعل مصر أكثر عرضة لتهديدات تغير المناخ،  التي تتضمن في أخطر جوانبها إنخاض الإيراد المائي لنهر النيل ، نتيجة تغير معدل سقوط الأمطار علي المرتفعات الأثيوبية في العقود الزمنية المقبلة للقرن الحادي والعشرين.
ويذكر كل من   Conway (2005)  و    Riehl et al. (1979) أن تحليل الحمل المائي لمعظم أنهار العالم في القرن العشرين يظهر وجود تفاوت حجمي كبير فيما بين السنوات المتتالية، وكذلك فيما بين العقود المتتالية. ولهذا التباين عواقب كبيرة علي المستويات المحلية والإقليمية والدولية . وينطبق ذلك على نهر النيل شاملا  مجموعة دول المنبع الثمانية كما ينطبق علي دولتي المصب وهما مصر والسودان. ويجمع الخبراء علي أن تأثير التغيرات المناخية علي المياه في حوض النيل يمكن وضعها تحت عدة بنود أهمها احتمال تغير أنساق الأحزمة المطرية مما يؤدي إلي خفض اتساع وتواصل المصايد المائية  للنهر في أقصي أحباسه العليا. والبند الثاني ما سيؤدي إليه ارتفاع درجة الحرارة من زيادة الفاقد المائي بالتبخير  وبالتالي تزايد الاحتياجات المائية لقطاعي الزراعة والصناعة.

التنبؤات المناخية للإيراد المائي

استفاض كثير من علماء العالم في دراسات للتنبؤ بالايراد المائي للنيل بتطبيق نماذج الدوران العالمي global circulation models. ويرجع الحافز الرئيسي لذلك هو توفر سجل بقراءات تاريخية عن الحمل السنوي لمياه النيل ، وهو سجل ربما ليس له نظير لمعظم أنهار العالم شرقا وغربا . ومن العلماء المبرزين في هذا المجال أحد علماء  الهيدرولوجي الأمريكيين بجامعة كلورادو بالولايات المتحدة الأمريكية  ،  ونشر بحوثا متعددة  منها.  Strzepek et al.  (2001)     
وتظهر نتائج هذه البحوث التي أجريت بافتراض تضاعف تركيز ثاني أكسيد الكربون بالنسبة للتركيزات القياسية اتجاهات  شديدة التباين ،   يحمل كل منها درجة معتبرة من عدم اليقين . السيناريو الأول متفائل المخرجات يتضح منه أن إيراد نهر النيل سوف يتزايد في نهايات القرن الحادي والعشرين لتزايد معدل سقوط أمطار وفيرة على الشرق الأفريقي متضمنا أثيوبيا ، من 84 بليون متر مكعب سنويا إلى 109 بليون متر مكعب  . والسيناريو الثاني محايد المخرجات ، لا يتوقع تغيرا محسوسا في معدل سقوط الأمطار على شرق أفريقيا وبالتالي ليس هناك تغير معنوي في إيراد النهر ، حيث ينخفض الإيراد قليلا إلى74 بليون متر مكعب . والسناريو الثالث وإن كان أقل قبولا من الناحية العلمية غير أن يدعو للتشاؤم حيث يتنبأ في مخرجاته بأن معدل سقوط الأمطار على الهضبة الأثيوبية سيقل إلى حد كبير ، وأن إيراد النهر يمكن أن يقل  إلي مستوى كارثي  يتراوح بين 30 إلى 19 بليون متر مكعب سنويا .
ومن حسن الطالع أن الدراسات الأكثر معاصرة ترجح سيناريو تزايد الايراد المائي للنيل ،  غير إنه يتبقى في جميع الحالات تقييم أثر ارتفاع درجة الحرارة على الايراد المائي للنهر بالبخر من المسطحات المائية المكشوفة من جهة ، والفقد بالنتح البخاري المصاحب للإنتاج النباتي في الحقول من جهة أخرى . علما بأن  نحو 80% من موارد مصر المائية تستعمل في الزراعة .

احتمالات الانتاج الزراعي

من الثابت أن ارتفاع درجة الحرارة مع تزايد معدلات تكرارية الإحداث القصوى سوف يقلل إنتاجية المحاصيل بدرجات مختلفة تبعا لشدة التغيرات وتوقيت حدوثها ونوعية المحصول وتطبيق أو غياب إجراءات وقائية لخدمة المحصول. وعلى النطاق الجغرافي سوف تؤدي التغيرات في متوسطات درجة الحرارة إلي تحرك المناطق النباتية المتناسبة مع المحاصيل المختلفة، وما يستتبع ذلك من مشاكل اقتصادية واجتماعية. ويرتبط ذلك بأن تغيرات درجة الحرارة سوف تؤثر في درجة تيسر المياه وما ستتبع ذلك من ضرورة تغيير التركيب المحصولي ، وما يصاحب ذلك من عواقب وملابسات اقتصادية واجتماعية.
وقد أظهرت نتائج الدراسة التي قام بها  Agrawala et al. (2004)  بعد تحليل التوجهات المناخية في مصر ، أن هناك اتجاها حراريا تصاعديا للعقود القليلة القادمة ، يتراوح بين 1.4 إلي 2.5 درجة مئوية خلال الفترة الممتدة من 2050 إلي 2100. ويمكن لهذا الارتفاع وما يترتب عليه من زيادة في معدل فقد المياه بالبخر أن يتسبب في تقليل تيسر المياه.
ويعلق  Eriksen (2001)  على شدة تباين نتائج دراسات نماذج الدوران العالمية بأن تقييم التأثير المحتمل لارتفاع متوسط درجة حرارة العالم علي المستوي المحلي والإقليمي شديد التنوع ، ويشوبه قدر كبير من عدم اليقين. ويرجع ذلك لفعل التيارات الهوائية والمائية بالإضافة إلي تغير متوسط  المفردات المناخية، وتكرارية المواسم غير المنتظمة ، والأحداث المناخية القصوى، التي تشمل الأعاصير والجفاف والفيضانات ، قد تزايد في أماكن وتناقص في أخري.
وقد استخدمت المرصفاوي وعودة (2006) نموذجين رياضيين لتقييم تأثر إنتاج المزرعة بارتفاع درجة الحرارة  بـ 1.5 درجة مئوية والنموذج الثاني 3.6 درجة مئوية . وتوضح النتائج انخفاض قيمة الناتج المزرعي بمقدار 1453 دولار للهكتار في النموذج الأول ، 3488 دولار للهكتار في النموذج الثاني . غير أن تطبيق بعض إجراءات التكيف مع الظروف المستجدة كان إيجابيا في معظم الأحوال بدرجة كبيرة . ومن إجراءات التكيف المقترحة استعمال الآلات وزيادة كمية مياه الري حيث ثبت أنه يمكن زيادة الإنتاج بمقدار 39 دولار للهكتار في النموذج الأول و 94 دولار للثاني. وتوضح الحسابات أن خسائر المزرعة تزايدتبعد أخذ الإنتاج الحيواني في الاعتبار ، وهو يمثل 32% من مجمل الإنتاج الزراعي.
وتتعارض هذه النتيجة الأخيرة مع ما قرره Seo et al. (2009) بالنسبة لوقع التغيرات المناخية علي الإنتاج المزرعي في بعض النظم الايكولوجية الأفريقية، حيث لوحظ أن خسارة الإنتاج النباتي للمزرعة نتيجة للتغيرات المناخية تتحول إلي ربح صافي لو أضيف الإنتاج الحيواني للإنتاج النباتي للمزرعة. ولوحظ أيضا أن المدى الذي يصل إليه التعويض يختلف فيما بين نموذجين رياضيين ستعملا في الدراسة . 
وقد استنتج الباحثون أن الزراعة الأفريقية أكثر تحملا للتغيرات المناخية عما كان يعتقد في دراسات سابقة. ويختم الباحثون بالقول أنه التنبؤ بأثر التغيرات المناخية علي الزراعة من واقع ارتفاع درجة الحرارة فقط لا يمثل دراسة مستوفاة . ويجب أن تؤخذ في الاعتبار عدة جوانب أولها تأثير مضاعفة تركيز ثاني أكسيد الكربون  حيث أن زيادة تركيز هذا الغاز لها فعل إيجابي علي إنتاج بعض المحاصيل، وثانيها ما جري عليه العرف بتثبيت أسعار المحاصيل الزراعية والمداخل الزراعية وهذا ليس صحيحا بالضرورة، وثالثها ضرورة أن يؤخذ في الاعتبار تكاليف التعديلات في عمليات التكيف، وأخيرا فإن معظم التحليلات لا تأخذ في اعتبارها التغير في سياسات إدارة القطاع الزراعي التي قد تساعد أو تضعف من تأثير إجراءات التكيف للتغيرات المناخية.
وفي دراسة لاحقة ، أكدت المرصفاوي (2009) أن التغيرات المناخية سوف تقلل انتاجية معظم المحاصيل الحقلية باستثناء القطن (البذور؟) . وسوف تتزايد الاحتياجات المائية للمحاصيل . وقد أثبتت بعض إجراءات التكيف جدواها للتغلب على المشكلة . ومن هذه الإجراءات زراعة سلالات عالية الانتاج ، وزراعة الصنف النباي المناسب في المنطقة المناخية المناسبة ، وخدمة المزروعات جيدا بتقديم ما تحتاجه من موعد زراعة مناسب وجرعة سمادية مناسبة ، مع ري المزروعات بما تحتاجه من مياه طبقا للإحتياجات الفعلية .
وتتطلب الاستجابة لتشابكات العلاقات المائية مع إجراءات التكيف للزراعة للتغير المناخي فصلها إلي عدة مستويات معلوماتية بما يشبه المتبع في دراشات نظم المعلومات الجغرافية . يتضمن المستوى الأول التكيف مع التغيرات المناخية في حوض النيل من خلال تقييم التأثير المتبادل لعمليات الدورة الهيدرولوجية وما يرتبط بها من أخطار هيدرولوجية ، ووضع نظم لإدارة مصادر المياه الجوفية ، وتحليل التداخل بين التغيرات العالمية للمناخ والتقلبات المناخية المحلية  ، ووتقرير سياسات مائية تزايد عدد السكان وبالتالي زيادة الطلب والتنافس فيما بين القطاعات المختلفة كالزراعة والصناعة والسياحة والبيئة والبلديات علي المياه . والمستوى الثاني  يتعلق بحوكمة المياه للتنمية المستدامة ببناء أسس ثقافية ومجتمعية وعلمية للاستجابة للازمات ، والاهتمام ببناء القدرات لتحسين الاداء الحكومي ، وإصدار  تشريعات لصون وخدمة الموارد المائية ، ووضع إستراتيجية للحوكمة تتضمن توافر لموارد مالية ومشاركة الأهالي ، واعتبار إدارة المياه مسئولية مشتركة للجميع جغرافيا  واجتماعيا ، والتخلص من نقط الاختناق في إدارة المياه. ويتعامل المستوى الثالث مع المياه بمنظور النظم الايكولوجية للاستدامة من خلال اتخاذ إجراءات ايكوهيدرولوجية لحماية وعلاج عمليات حصاد مياه الأمطار والسيول ، وتحسين نوعية النظام البيئي بإدماج الحلول الهيكلية مع التكنولوجية  والمعارف المتوارثة ، وإقامة نظام للتعامل مع المخاطر ، وإقامة نظام ايكولوجي يشمل رصد وتقييم ومراجعة فرص وتحديات استخدام المياه الجوفية. ويؤكد المستوى الرابع على دور الزراعة في مصر كسبيل لاكتساب الرزق لنحو ثلث عدد المصريين ، لضان استمرار عجلة انتاجية تاريخية من جهة ، والعمل على تخفيف حدة الفقر في القطاع الريفي ضمانا للسلام الاجتماعي من جهة أخرى .
      


إجراءات احترازية إقليمية لتغير المناخ

    مبادرة حوض النيل – نموذج المحافظة على حصة مصر من المياه النيلية

تضمن الاتفاقيات والأعراف الدولية حقوق مصر التاريخية في مياه النيل ، لتحصل على 5,55 بليون متر مكعب سنويا. وحيث السياسة هي فن الممكن لدرء المخاطر وجلب المكاسب ، فقد كان على مصر أن تحاول قدر المستطاع توطيد علاقاتها السياسية مع الدول المشاطئة لنهر النيل ، ومن هنا جاءت مبادرة حوض النيل .
وقد أعلنت المبادرة رسميا في فبراير 1999 في اجتماع لوزراء الموارد المائية للدول العشر المشاطئة للنيل وهي بوروندي ،  والكونغو الديمقراطية ، ومصر  ، وإثيوبيا ، وإريتريا ، وكينيا ، ورواندا ، والسودان ، وتنزانيا ، وأوغندا.
http://www.mfa.gov.eg/MFA_Portal/TreeIcons/Styles/MFATreeCtrl/hr_l.gif  

وتقوم المبادرة على عدد من المبادئ العامة تنص على  أن المياه حق لكل دول الحوض، وعدم قيام أي دولة بتنفيذ مشروع يضر بمصالح الدول الأخرى ، وأن تعم الاستفادة من أي مشروع يقام على ما يتجاوز دولة المشروع ، واستبعاد فكرة الصراع على المياه.       وتستهدف المبادرة إعداد إطار للتعاون بين دول الحوض في الإدارة المتكاملة لمصادر المياه ، وتحديد أنصبة كل دولة في استخدام مياه النيل ، وتحسين أساليب الاستخدام لتحقيق الفائدة الاقتصادية والاجتماعية لكافة شعوب الحوض .
وللمبادرة لجنة استشارية تضم ممثلي الدول الأعضاء وممثلين عن برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والبنك الدولي، والهيئة الكندية للتنمية الدولية. وتتضمن مهام اللجنة صياغة رؤية مشتركة للتنمية المستدامة من خلال الاستخدام المتكافئ للموارد المائية المشتركة، وآلية للتنسيق ، وتبادل الخبرات، وبناء القدرات بما يكفل أساساً قوياً للتعاون الإقليمي.
وهناك برامج عمل فرعية منها برنامج للنيل الشرقي يضم مصر والسودان وإثيوبيا، بهدف ضمان الاستخدام الأمثل للمياه، ومواجهة قضايا الفقر. وقد بدأ البرنامج بسبعة مشروعات فرعية هي نموذج تخطيط النيل الشرقـي ، وتنمية صادرات المياه متعددة الأغــراض ، والإنذار المبكر من الفيضانات ، و تطوير وسائل الاتصال بين السودان وإثيوبيا ، واستثمار وتجارة الطاقة ،  والري والصرف ، وإدارة مصادر المياه .
وهناك أيضا برنامج فرعي لبحيرات النيل الاستوائية الدول الأعضاء به هي بوروندي، ورواندا، والكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وأوغندا، وكينيا، والسودان، ومصر، والهدف منه هو الحد من الفقر، والارتقاء بالنمو الاقتصادي، ووقف التدهور البيئي. وتصنف مشروعات هذا البرنامج تحت ثلاثة أقسام رئيسية تضم برامج استثمارية للاستخدام الفعال للمياه في الزراعة وتنمية الطاقة وتجارتها ، وبرامج إدارة الموارد الطبيعية ومنها مصايد بحيرتي ألبرت وإدوارد وإزالة ورد النيل من حوض نهر كاجيرا ، ويرنامج إدارة الموارد المائية وتنميتها .
ويبدي بعض الخبراء أسفهم لأن مبادرة حول النيل لا تتناول في متنها موضوعات غاية فى الأهمية مثل التصحر والتغير المناخي ، كما لا تتضمن آليات لتأكيد جوانب أساسية وتطبيقية وثيقة الصلة بفيزياء المناخ. ولعله يأتي يوم قريب تتوسع فيه اهتمامات المبادرة لتضمن رصد البيانات الجوية، والتأثيرات العالمية والاقليمية والمحلية على تحرك الأحزمة المطرية ، ووضع نماذج إقليمية للتنبؤ طويل المدى بكمية وموعد تساقط الأمطار ، وخطط وتنفيذ إجراءات التكيف مع فترات الجفاف .

مشروع سورجل– نموذج المحافظة على مناطق مصر الشمالية  من الغرق

1. المشروعات فائقة الضخامة 

بعد تواتر الحديث عن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات كأحد ظواهر التغيرات المناخية الراهنة ، تحسب صناع السياسات ومتخذو القرار في كافة بقاع العالم لأخطار ماثلة قد تتعرض لها المناطق الساحلية في دولهم ، خصوصا تلك المناطق التي لها وضع ديموغرافي وحضاري وتاريخي شديد الخصوصية . والمثال الأشهر في هذا المجال هو مدينة البندقية الإيطالية التي يتهددها الغرق تحت  البحر الإدرياتيكي من كل جانب. ومن هنا بدأ أهالي المدينة ومحبوها يطالبون  بتنفيذ مشروع يتم بمقتضاه إقامة مجموعة من السدود الكبرى حولها ، حتى لو تخطت التكاليف كل الحدود الاقتصادية لتتجاوز أربعة بلايين (بالباء) يورو. ويسترجع مشروع البندقية فكريا مجموعة السدود الضخمة التي أقامها الهولنديون  لوقاية بلدهم من طغيان بحر الشمال ، بالنظر إلى أن معظم أراضي هولنده تقع فعلا تحت منسوب سطح البحر. ومن الجدير بالذكر أن القيمة السوقية الحالية لهذه السدود تبلغ نحو 1.5 تريليون (بالتاء) يورو.
وتأتي تلك المشروعات ضمن ما أصطلح على تسميته مؤخرا بالمشروعات فائقة الضخامة mega projects ، التي صارت حديث الصباح والمساء في منتديات المهندسين والاقتصاديين ، كما ذكر (1964)  Willy Ley  في كتابه المثير المعنون "أحلام مهندس".
وتتضمن قائمة المشروعات فائقة الضخامة التي تم تداولها مؤخرا مشروعا اقترحه أحد كبار خبراء الجيولوجيا الهندسية الهولنديين وهوR.D. Schuiling  ، لإقامة سد على مضيق باب المندب ،  يمنع تدفق مياه خليج عدن إلى البحر الأحمر ، فيجف بعد عدة مئات من السنين. ويمكن استغلال فارق المنسوب بين مسطح الخليج ومسطح البحر المتهابط لتوليد طاقة كهربائية هيدروليكية نظيفة، تتعاظم كميا كلما زاد فارق المنسوب. غير أنه تبين أن المشروع يستتبعه قطع أحد أهم الطرق الحيوية للتجارة الدولية عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وإغلاق بعض المواني الكبرى بطول البحر الأحمر دون مقتضى .
وعلى ضوء هذه المعطيات توارى الحديث عن سد باب المندب ، ولكنه أعاد للأذهان أفكارا سبق وطرحها المهندس الألماني هيرمان سورجل Herman Sorgel ، منذ أواخر عشرينات القرن العشرين وحتى وفاته في عام 1952 ، لإقامة سد أعظم على مضيق جبل طارق ، يستهدف في مرحلته النهائية تجفيف البحر المتوسط .  غير أن سورجل لم يستطع بالرغم من دأبه تكوين رأي عام يرى رؤيته ، فدخل بمشروعه غياهب النسيان لأكثر من نصف قرن . 

2. مواصفات مشروع سورجل

تشير المعارف الجيولوجية المتاحة إلى أن مضيق جبل طارق يعتبر بمقاييس البحار والمحيطات ممرا مائيا ضحلا لا يزيد عمقه عن 320 مترا، وضيقا يبلغ عرضه عند أدناه نحو 13 كيلو مترا . كما تشيرالمعارف الهيدرولوجية إلى كون البحر المتوسط نظاما بحريا شبه مغلق يستقبل مسطحه سنويا 1000 بليون متر مكعب مياه أمطار ، 500 بليون متر مكعب مياه أنهار تقع في معظمها إلى الشمال ، 300 بليون متر مكعب من مياه البحر الأسود عبر مضيق الدردنيل . ويفقد البحر بالتبخير 3600 بليون متر مكعب من مياهه ، وعليه فإتزانه المائي شديد السالبية بنحو 1800 بليون متر مكعب سنويا. ويصحح المحيط الأطلنطي اختلال الاتزان بتدفق 1800 بليون متر مكعب سنويا إلى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق. والخلاصة المفيدة لهذه الحسابات تضع المحيط الأطلنطي مصدرا رئيسيا لإمداد البحر بالمياه،  فإذا انقطع الإمداد جف البحر.
ويذكر كل من Petrosky  (1997) ،  Cathcart (2008)  أن الإطار العام  لمشروع سورجل كان جزءا من تصور إقامة "قارة" كبري نتاجا لاتحاد أوروبا بريا مع أفريقيا بعد تجفيف البحر المتوسط ، تعرف باسم أتلانتروبا Atlantropa . وتجفيف البحر المتوسط له سابقة جيولوجية تاريخية منذ نحو 5.3 مليون سنة ، عندما التحمت الكتل الأرضية المقابلة حاليا لجنوب أسبانيا مع الكتل الأرضية المقابلة حاليا لشمال المغرب عدة ملايين من السنين ، تبخرت فيها مياه البحر ، وتحولت أرجاء حوضه إلى صحراء ملحية صخرية بعمق عدة كيلومترات.
وقد اعتقد سورجل وأيده عدد من معاصريه الأوروبيين أن  أوروبا الكبرى التي تمتد بريا من القطب الشمالي حتى الجنوب الأفريقي تستطيع بمواردها الوفيرة منافسة  الولايات المتحدة الأمريكية ، التي بدأت تتشكل في ذلك الوقت كقوة عظمي. ومن المؤسف أن سورجل ومؤيدوه عايشوا وتشبعوا بفكر عصر الاستعمار القديم واستعلاء الجنس الأبيض ، فلم يأبهوا بسكان  أفريقيا باعتبارهم كما بشريا مهملا، وربما كان نظام الفصل العنصري طبقا لما جرى تنفيذه في جنوب أفريقيا هو نموذجهم البشري الجاهز للتطبيق على هؤلاء السكان .

3. مشروع سورجل في ثوب جديد

يعلن المؤيدون الحاليون لمشروع سد سورجل  في عصر العولمة تبرأهم المطلق من نزعاته الاستعمارية والعنصرية . وإمعانا في إظهار براءتهم فإنهم يركزون على اعتبارات جيوسياسية وجيواقتصادية  لدول المغرب العربي . فالثابت تاريخيا هو أن ظروفا سياسية واجتماعية متعددة أتاحت في أعقاب الحرب العالمية الثانية لملايين البشر من دول المغرب العربي أسباب الهجرة والاستقرار في فرنسا وأسبانيا وإيطاليا. ومع ارتفاع خصوبة المهاجرين الجدد وانخفاضها لدي الأوروبيين ، فقد يأتي عام 2050 ليجد ربع سكان جنوب أوروبا وأكثر من ثلث قواها العاملة من ذوي الأصول المغاربية. ويمكن لهذه الكتلة السكانية الكبيرة حينئذ أن تشكل رأيا عاما يؤيد تخصيص الموارد المالية والفنية لإقامة سد جبل طارق تمهيدا لتجفيف البحر المتوسط ، باعتباره عائقا أمام التنقل البري المرن عبر  الشمال والجنوب.
ويبرز المؤيدون جدارة المشروع هندسيا في عدة جوانب إضافية. الجانب الأول هو استغلال فارق منسوب المياه على جانبي السد بين سطح مياه المحيط الثابت وسطح مياه البحر المتهابط ، لتوليد طاقة كهربائية تصل إلي 50 جيجا وات عندما يصل فارق المنسوب إلى 50 مترا .  وتلك قدرة هائلة قياسا بأكبر محطات توليد الكهرباء في الولايات المتحدة التي تعطي 3.6 جيجا وات، وطاقة محطة توربينات السد العالي في مصر التي تبلغ 2.1 جيجا وات.
ويبشر الجانب الثاني لجدارة المشروع بالرصيف القاري للبحر الذي سوف يتكشف مصاحبا للمراحل الأولى للتجفيف ، وهي مساحة أرضية شاطئية هائلة تبلغ نحو 30 % من مساحة البحر ، زاخرة بثروات معدنية متنوعة بكميات ضخمة .  وتصلح معظم هذه الأراضي لإقامة مدن ومنشآت إنتاجية وخدمية تستوعب أنشطة اقتصادية واجتماعية كبرى لملايين البشر. 
ويتعلق الجانب الثالث  بصون المناطق الساحلية على امتداد شواطئ البحر المتوسط لنحو 13 ألف كيلومتر من أخطار ارتفاع منسوب المياه ، في أعقاب تأثير تغيرات مناخية متوقعة . وفيما لو صح افتراض أن سطح البحر المتوسط سيرتفع بمعدل متر واحد خلال القرن الحادي والعشرين، فإن إقامة سدود وقائية بطول شواطئه تتطلب توفير مليون دولار للكيلومتر الطولي ، بإجمالي 13 تريليون دولار وهو مبلغ يتعدى بضخامنه حدود الاستحالة الاقتصادية . وهنا يأتي تنفيذ مشروع سد سورجل كبديل معقول يمكن أن يجد تأييدا من الرأي العام ، خاصة وأن تكلفته المبدئية تصل إلي 100 بليون دولار بأسعار أواخر القرن العشرين.
والجانب الرابع لجدارة المشروع في ثوبه الجديد يقوم على اعتبارات بيئية صرفة . فالطاقة الكهربائية المولدة من المشروع في مرحلة نضجه ستوفر كمية من البترول تعادل 0.78 بليون برميل سنويا، بما يعني تجنب انبعاث كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون. وبافتراض أن سعر برميل البترول هو 50 دولار فإن النفقات الموفرة تبلغ 39 بليون دولار، بما يظهر أحد إيجابيات المشروع بحسابات التكلفة والمنفعة. وعلى الجوانب البيئية الإيجابية أيضا يذكر Porter  (2005) أن البحر المتوسط سيتحول بعد عدة سنوات من إقامة السد إلي ما يشبه الاكواريم المتسع ، بما يمكن العلماء من رصد تغيراته البيئية بشبكة مجسات الكترونية والحصول على كنز من المعلومات العلمية الثمينة. ومن جهة أخري سيقدم السد دروسا مستفادة فيما يخص عمليات بناء السدود وتطوير المواني وإقامة المدن الجديدة ، إضافة إلي إجراءات الصيانة مع التأكيد علي مخاطر الزلازل.
ويضاف للجوانب البيئية أن بعض عيون المياه العذبة التي تقع حاليا تحت سطح البحر سوف تتكشف مع الأراضي البازغة، حيث يمكن استعمال مياهها في الزراعة والسياحة والأغراض المنزلية.  وتقدم هذه المنظومة المائية نموذجا لما يطلق عليه الواحات الساحلية coastal oasis. ومن الجدير بالذكر أن فرنسا أنفقت أربعة ملايين يورو في عام 2003 لتصميم وإنشاء شبكة مائية تستقطب مياه أحد عيون المياه العذبة المغمورة علي عمق 36 مترا تحت سطح البحر المتوسط ، في المنطقة الواقعة علي الحدود الفرنسية الإيطالية. ويعتقد جيولوجيون بناء على أدلة علمية موثقة أن 5 % من المياه العذبة التي تصب في بحار العالم تصلها من خلال عيون تحت سطحها. 
ومع كل هذه الجوانب المضيئة ، فمن المؤكد أن العواقب السلبية لمشروع سورجل على مضيق جبل طارق هائلة ومزعجة اقتصاديا واجتماعيا ومناخيا وبيئيا . ولعل أكثر العواقب وضوحا هو تشريك عدد كبير من المواني العظمى إلى خارج الخدمة ، وخفض معدل سقوط الأمطار على شمال شرق أوروبا بالتوازي مع انخفاض معدل تبخير مياه البحر المتوسط بعد قرب نفاده . ويضاف إلى ذلك أن إتمام المشروع سوف يستغرق نحو نصف قرن ، فلا يستطيع سرعة مجابهة تأثير تغيرات مناخية ملحة نظير انبعاثات متزايدة من ثاني أكسيد الكربون.

منظومية للإنذار المبكر وإجراءات الطوارئ

تستحق عواقب تغير المناخ ، وما تتضمنه من احتمالات نقص الموارد المائية وغرق أجزاء من شمال الدلتا ، أن تلقى اهتماما خاصا من كافة المستويات حكوميا وشعبيا ، باعتبارها تحديا وجوديا فائق الخطورة . وفي هذا السياق يذكر القصاص ( 2009) أن الدلتا تتعرض لعمليات جيولوجية كبرى منها تراجع شواطئها  بفعل النحر المائي .  وقد زاد معدل النحر خلال النصف قرن الأخير بسبب غياب طمي النيل. وتقوم هيئة حماية الشواطئ بوزارة الموارد المائية حاليا بإنشاء حواجز مائية فى أكثر الأماكن تعرضا للنحر. وتتعرض الدلتا أيضا بصفتها رسوبيات رخوة  كما هو الحال فى جميع الدلتاوات ، لعمليات تهابط بمرور الزمن. ويختلف العلماء فيما بينهم حول معدل التهابط ، وإن اتفقوا على أن تهابط المناطق الساحلية الشمالية الشرقية حول بورسعيد أكبر مما  فى المناطق الشمالية الغربية حول الإسكندرية.
ومن جهة أخرى سوف يتسبب الارتفاع المتزايد لحرارة الأرض فى إنصهار ثلوج القطبين الشمالي والجنوبي، وكذلك فى تمدد حجم الماء ليرتفع منسوب سطح البحر المتوسط. وتتباين نتائج الدراسات الخاصة بمدي ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط طبقا لسيناريوهات الدراسة . فهناك تنبؤات بارتفاع المياه 60سم ، وهناك تنبؤات أخري تصل بالارتفاع إلي أكثر من 90سم. ومن المنتظر في مثل هذه الحالات أن تتعرض أراضي المناطق الشمالية ذات المنسوب المنخفض ، وبعضها يقع فعلا تحت منسوب سطح البحر ، لأخطار الغمر بالمياه المالحة.
ويؤكد القصاص (2009) علي اتجاهين . الأول هو ضرورة أن تتوجه وتتكامل الأبحاث الخاصة بارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط ، والثاني هو إمعان النظر فى المشروع الذي سبق وتقدم به المهندس الألماني Herman Sorgel   فى عام 1929 ، لإقامة سد أعظم علي مدخل البحر المتوسط واصلا للمحيط الأطلنطي قاطعا مضيق جبل طارق.
ويقترح طلبه (2009) للتعامل مع هذه المضلات بإنشاء مجلس وزاري برئاسة رئيس الوزراء وعضوية وزراء الزراعة والموارد المائية والبترول والكهرباء والصناعة والسياحة والبيئة والتنمية الاقتصادية. ويعاون المجلس هيئة علمية من كبار المتخصصين فى المجالات المرتبطة بتغير المناخ . وتقوم الهيئة بتحليل المعارف الحالية واستشراف اتجاهات وتاثيرات المستقبل،  وتستعرض ما تم إنجازه في هذا المجال ، ثم تعد خطة وطنية داخل إطار سياسات التنمية المستدامة للدولة. وتطرح الخطة للنقاش العام حتى يتوافق  كافة الأطراف عليها ، ثم توضع موضع التنفيذ. ويستمر عمل الهيئة الوطنية لتحسين الأداء طبقا للخبرات والدروس المستفادة.
و في هذا السياق يمكن النظر لتأتي الهيئة المقترحة ضمن إطار وطني تحت مقومات منظومة للإنذار المبكر. كما يمكن النظر في اقتراح تبنى الهيئة العلمية عددا من التوجهات العريضة كأجندة لأعمالها. التوجه الأول هو تعريف المسئولين ومتخذي القرار وعامة الناس بأبعاد تغير المناخ  وما قد يترتب عليه من كوارث اجتماعية واقتصادية وتحديات للأمن القومي . والتوجه الثاني هو وضع أسس نظام للمعلومات يجمع بين كافة المؤسسات الوطنية ذات الصلة، وله نافذة على أنظمة المعلومات الدولية المناظرة. والتوجه الثالث هو تجهيز دراسات نماذج رياضية تتعامل مع تغيرات إيراد نهر النيل من خلال مدخلات إقليمية للحصول على مخرجات ذات درجة عالية من اليقين . والتوجه الرابع هو إجراء دراسات تهتم بمعامل التكلفة/المنفعة للتعامل مع الجفاف في قطاعات الإنتاج والخدمات في مصر والتعامل بأقصى درجات الجدية والحزم مع تلوث المياه كيماويا وبيولوجيا .   والتوجه الأخير هو بحث مقومات إنشاء نظام للإنذار المبكر للتنبؤ باحتمالات الجفاف وغرق شمال الدلتا ، وبناء آليات للوقاية ، وتجهيز الترتيبات الاجتماعية والاقتصادية والفنية للتغلب على الأزمات وتخفيف الآثار المحتملة للكوارث .
ومن الجدير بالذكر أنه قد أقيمت في مصر خلال السنوات الأخيرة عدة مراكز علمية حكومية للتعامل أكاديميا بالندوات والبحوت مع الأزمات والكوارث. ويذكر الموقع الالكتروني لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار http://www.idsc.gov.eg بمجلس الوزراء ، أنه تمشياً مع توصيات ونتائج الاتفاقيات الدولية لإدارة الأزمات والكوارث والحدّ من أخطارها ، وضمن إطار عمل ميثاق هيوجو لبناء القدرات ، تشكلت لجنة وطنية لإدارة الأزمات والكوارث تضم ممثلي الوزارات والجهات المعنية لسرعة الاتصال والتنسيق مع الجهات الحكومية المختلفة، ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة الأزمات فور وقوعها. كما تم إنشاء إدارة للأزمات بالوزارات والجهات المعنية، مُزوَّدة بالإمكانيات الضرورية، والمعلومات والبيانات، والخرائط الخاصة بالمواقع الهامة التابعة للجهة، ومواقع تمركز الإمكانيات المتاحة، وأسلوب الاتصال الفوري بالقائمين على التشغيل والاستخدام. كما بادر المركز بإنشاء لجنة علمية استشارية لتقديم الدعم الفني في هذا المجال. وقد قامت اللجنة بتطوير نظام معلوماتي لقواعد بيانات ، وإعداد نماذج لإعداد خطط متخصصة لكافة القطاعات .
ومن أوجب الواجبات أن تقوم الهيئة العلمية في منظومة الإنذار المبكر بمراجعة نتائج مشروعات التعاون الدولي التي تناولت المناطق الساحلية في مصر خلال السنوات الأخيرة . ويمكن ان يؤخذ مشروع التنمية الساحلية المتكاملة لبورسعيد ، الذي نفذته جامعة الزقازيق مؤخرا بتمويل من الاتحاد الأوروبي نموذجا لهذه المشروعات . فقد نفذ المشروع في إطار مجموعة ممتدة من ذوي المصلحة محليا وقوميا دراسات حقلية نصف تطبيقية على موضوعات الأراضي والمياه والأسماك والبيئة والسمات الاجتماعية والاقتصادية وكذلك الأطر التشريعية . واستهدف المشروع تحديد أسس ومؤشرات التنمية المستدامة بناء على فرص وتحديات قائمة  ومحتملة كارتفاع منسوب سطح البحر. وقد رسخت استراتيجية المشروع عدة توجهات منها تهدئة التنافس القطاعي على الأراضي والمياه من خلال مقومات محددة تأخذ في اعتبارها عوامل رغبة الناس والحمل البيئي والتكلفة/المنفعة وكذلك الحاضر/المستقبل ، وتعميم ثقافة نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار من بعد وآليات لاتخاذ القرار . وإعداد بيانات معرفية عن الموارد وتحديد القيم الحرجة وأولويات التدخل والتفاعل بين المحلي والقومي لتعظيم التنمية المستدامة .
وقد انتهت توصيات المشروع إلى تبني  ثلاثة سيناريوهات متكاملة للتنمية الساحلية لبورسعيد . السيناريو الأول يتناول بورسعيد باعتبارها منظومة كبري للمجمعات الزراعية الصناعية ، تشمل إدخال نظم متطورة من الإنتاج الزراعي النظيف ، الذي يتم التعامل معه قبل وبعد الزراعة بعمليات زراعية تعطي منتجات نظيفة ، يتم تصنيعها بتكنولوجيات مناسبة ، وفرزها وتغليفها وتخزينها بطرق ترفع من القيمة المضافة مع كل عملية. ويتناول السيناريو الثاني بورسعيد باعتبارها مزرعة سمكية كبري ، تنتج الأسماك البحرية وأسماك البحيرات ، من خلال عمليات متكاملة تتضمن اختيار وإنتاج زريعة الأسماك والتغذية والإدارة والحصاد ، ثم عمليات الفرز والتصنيع. ويتم كل ذلك باستنباط وتبني تكنولوجيات مناسبة للبيئة يتقبلها الأهالي للحصول علي إنتاج نظيف منافس وآمن للتسويق المحلي والتصدير. ويتناول السيناريو الثالث بورسعيد من خلال منظومة بيئية متشابكة، تركز علي نظافة البيئة من جهة وترشيد استخدام الموارد من جهة أخري. والهدف النهائي في هذا السيناريو هو تجهيز بورسعيد لتصبح مدينة سياحية منافسة علي نطاقي السياحة الداخلية والسياحة الخارجية.


المراجـع

أحمد صبري عبد الغفار ، حاتم عبد الوهاب العطار (1997) . توشكى وآفاق التنمية الزراعية – رؤية شاملة. ندوة توشكى وآفاق التنمية الزراعية في مصر رؤية شاملة. جامعة الإسكندرية.
جمال حمدان (1986) . شخصية مصر: دراسة في عبقرية المكان – الجزء الثالث . عالم المعرفة ، القاهرة.
رشدي سعيد  (1993) . نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل . دار الهلال . القاهرة.
رشدي سعيد  (2004)  .   مصر المستقبل: المياه والطاقة والصحراء. دار الهلال . القاهرة.
سفيان التل )2008) . الاحتباس الحراري. عالم الفكر. العدد 2 المجلد 37 : 47- 98 .
ضاري ناصر العجمي  )2008). التغيرات المناخية وأثرها في البيئة .  عالم الفكر. العدد 2 المجلد 37: 157- 241 . 
عبد المنعم بلبع، ماهر نسيم جورجي  (1990). تصحر الأراضي في الوطن العربي. منشأة دار المعارف.  الإسكندرية.
عبده البسيوني (2007) . مشروع منخفض القطارة  . المكتبة الأكاديمية. القاهرة.
كمال حفني . (1995) . موارد المياه الجوفية في مصر وإستراتيجيتها مع بداية القرن الحادي والعشرين . بحوث ندوة المياه في الوطن العربي. الجمعية الجغرافية المصرية المجلد الأول: 143-160.
محمد أحمد الشهاوي  (1998) . تغيرات المناخ ومستقبل الأرض. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
محمد عبد الفتاح القصاص  (1999) . التصحر: تدهور الأراضي في المناطق الجافة . عالم المعرفة . المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب. الكويت .
محمد عبد الفتاح القصاص  (2009) . التنمية المستديمة . المكتبة الأكاديمية. القاهرة.
محمد عوض محمد  (1962) . نهر النيل . مكتبة النهضة المصرية. القاهرة .
مصطفى القاضي وآخرون  (1990) . النيل وتاريخ الري في مصر.  مطبوعات وزارة الأشغال العامة والموارد المائية . القاهرة.
وهيب عيسى الناصر (2008). آلية التنمية النظيفة ودورها في تحقيق بيئة نظيفة واقتصاد ناجح وتعاون دولي مثمر في دول مجلس التعاون الخليجي .  عالم الفكر. العدد 2 المجلد 37: 185- 241

Agrawala, S., A. Moehner, M. El Raey, D. Conway, M. van Aalst, M. Hagenstad, and J. Smith. 2004. Development and climate change in Egypt: focus on coastal resources and the Nile. COM/ENV/EPOC/DCD/DAC(2004)1/Final, Organisation for Economic Co-operation and Development.
Brauch, H.G. 2006.  Desertification and climate change: challenges, impacts and policy responses in the 21st century for North African, Sahelian, Horn and Nile Basin Countries. <http://www.afes-press.de/html/download_hgb.html>
Budyko, M.I. 1974. Climate and Life. Academic Press. London.
Cathcart,R.B..Daviddarling.inf/encyclopedia/G/Gibraltar_Strait_Dam_Macroprojects_cathcart.html
Collins, W., et al. 2007. Climate change. Scientific Am. 64: 65-73.
Coutellier, V., and D.J. Stanley. 1987. Late Quaternary strategraphy and paleogeography of the eastern Nile Delta, Egypt. Marine Geology.27: 257 – 275.
El-Kassas, M. A. Impact of climate change on agricultural crops and water resources in Egypt. Pp 23-25 in Impact of Climate Change on Egypt and Other Arab Countries. The Association of International Civil Servants, AFICS, Egypt.
El-Marsafawy, S. M. 2009. Vulnerability and adaptation of climate change on the Agricultural sector in Egypt. Pp 76-83 in Impact of Climate Change on Egypt and Other Arab Countries. The Association of International Civil Servants, AFICS, Egypt.
ESCWA, (Economic and Social Commission for Western Asia). 2007. Promoting regional corporation in reversing land degradation in the ESCWA region: A working paper.
Hoffert, Mary. 2007. Energy for space: the case of R&D. Presented at Washington Roundtable on Science and Public Policy, Capitol Club, Washington, DC. www.marshal.org/pdf/materials/550.pdf
Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC). 2000. Land use, Land-use change, and forestry. Cambridge University Press, Cambridge, UK.
Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC). 2007a. The physical science basis. Fourth Assessment Report, Cambridge University Press, Cambridge, UK.
Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC). 2007b. Impacts, adaptations, and vulnerability. Fourth Assessment Report, Cambridge University Press, Cambridge, UK.
Intergovernmental Panel on Climate Change (IPCC). 2007c. Synthesis report. Fourth Assessment Report, Cambridge University Press, Cambridge, UK.
Johnson. R. G.  1997. Climate control requires a dam at the Strait of Gibraltar. EOS: Proc. Am. Geophy. Union. 78: 280-281.
Koskela, J, P Nygren, F. Berninger, and O. Luukkanen. 2000. Implication of the Kyoto Protocol for tropical forest management and land use: prospects and pitfalls. Tropical Forestry Reports 22. University of Helsinki Finland.
Lal, R. 2004. Soil carbon sequestration impacts on global climate change and food security. Sci. 304: 1623-1627.
Ley, Willy. 1964. Engineer’s Dreams, revised edition. Viking Press, New York.
Millennium Ecosystem Assessment (MEA). 2005. Ecosystems and Human Well-Being: Global Change. Cambridge University Press, Cambridge.
Parry, M. 1990. Climate Change and World Agriculture.  Earthscan Publications, London.
Parry, M. T. R. Carter, and N. T. Konijin (eds.). 1988. The Impact of Climate Variations on Agriculture. Kluwer Academic, Boston.
Petroski, H.  1997. Engineer dreams. Am. Scientist. 85: 310-313.
Porter, J. 2005. Wireless sensor networks for ecology. BioScience 55: 561-572.
Riel, H., M. El-Bakry, and I. Martin. 1979. Nile river discharge. Am. Meteorological Soc. 107: 1546-1553.
Sanderson, M. (editor). 1990 . UNESCO sourcebook in Climatology. United Notions Educational, Scientific, and Cultural Organization. Paris.
Schuiling, R. D., R. Cathcart, and V. Badesu. 200?. Aims, obstacles, and potential stakeholder of macroprojects. Intl. J. Glob. Environ. Issues 8: 207 – 223.
Seo, S. N., R. Mendelsohn, A. Dinar, R. Hassan, and P. Kurukulasuriya. 2009. A Ricardian analysis of the distribution of climate change impacts on agriculture across agro-ecological zones in AfricaEnviron Resource Econ. 43:313–332
Sestini, G. 1989. Nile Delta: a review of depositional environments and geological history. Geol. Soc. Special Publication. 41: 99-127.
Sestini, G. 1992. Implications of climatic changes for the Nile Delta. Pp 535-601 in Climatic Change in the Mediterranean. L. Teftic, J. D. Milliman, and G. Sestini (eds.). Edward Arnold, London
Strzep ek, K. M. and D. N. Yates. 2000. Responses and thresholds of the     Egyptian economy to climate change impacts on the water resources of the Nile River. Climatic Change 46: 339–356.
Strzepek,  K. M., D. N. Yates, and  Dia El Din El Quosy. 1996. Vulnerability assessment of water resources in Egypt to climatic change in the Nile Basin. Climate Res. 6: 89-95.
Strzepek, K., D. Yates, G. Yohe, R. Tol, and N. Mader. 2001. Constructing “not implausible” climate and economic scenarios for Egypt. Integrated Assessment 2: 139–157.
Strzepek, K., D. Yates, G. Yohe, R. Tol, and N. Mader. 2001. Constructing “not implausible” climate and economic scenarios for Egypt. Integrated Assessment 2: 139–157.
Tafesse, M. 2003. Small-Scale Irrigation for Food Security in Sub-Saharan Africa. Summary Report and Recommendations of a CTA Study Visit. Ethiopia, 20-29 January 2003. CTA Working Document Number 8031. Technical Centre for Agricultural and Rural Cooperation, Wageningen.
Tolba, M. K. 2009. The issue of climate change. Pp 19-22 in Impact of Climate Change on Egypt and Other Arab Countries. The Association of International Civil Servants, AFICS, Egypt.
Tolba, M. K. 1983. Earth Matters. UNEP, Nairobi.
Waterbury J. and D. Whittington. 1998. Playing chicken on the Nile? The implications of microdam development in the Ethiopian highlands and Egypt's New Valley Project.  22: 155-163.
Williams, M. A., and R. C. Balling, Jr. 1996. Interaction of Desertification and Climate. Arlond, London.
Yates, D. N., and K. M. Strzepek. 1996. Modeling economy-wide climate change impacts on Egypt: A case for an integrated approach. Environ. Modeling and Assessment I: 119-135. 119.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق