الصفحات

الأحد، 10 أغسطس 2014

الآثار في المملكة مورد من موارد السياحة الثقافية ...

 الآثار في المملكة مورد من موارد السياحة الثقافية

أ.د.عبدالرحمن الطيب الأنصاري

   أكدت الاكتشافات والتنقيبات الأثرية على أن استقرار الإنسان في المملكة العربية السعودية يرجع إلى نحو  مليون سنة كما دلت على ذلك آثار العصر الحجري القديم المكتشفة في الشويحطية بمنطقة الجوف، أما العصر الحجري الوسيط الذي يؤرخ بنحو 50.000 سنة قبل الميلاد فتوجد آثاره في جبة بمنطقة حائل، وآبار حمى بمنطقة نجران، وعثر على آثار تعود إلى العصر الحجري الحديث الذي يؤرخ بنحو 10.000 قبل الميلاد في المنطقة الشرقية، ومنطقتي الجوف وحائل، وتوجد في المملكة مواقع أثرية تعود إلى حضارة العُبيد التي ترجع إلى الفترة من 5.000 إلى 3.500 سنة قبل الميلاد.

    توجد في المملكة العربية السعودية العديد من المواقع الأثرية التي ترجع لعهد الممالك العربية القديمة والوسيطة، إذ كانت عواصم بعض تلك الممالك في المملكة مثل: قرية (الفاو)، ودادان (العلا)، والحجر (مدائن صالح)، و دومة الجندل (أدوماتو)، وتيماء، وبعد الإسلام حققت الدولة الإسلامية وحدة شاملة لكافة أرجاء الجزيرة العربية التي صارت مركز الدعوة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الراشدين، وانطلقت منها حركة الفتوح الإسلامية ناشرة الإسلام والعروبة في شتى بقاع الأرض، واستمرت الجزيرة العربية مركزًا للثقل السياسي حتى خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي قام بنقل مركز الخلافة الإسلامية من المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى إلى الكوفة سنة 36هـ/656م.

    ثم اتخذ الأمويون دمشق عاصمة للخلافة الإسلامية، ثم انتقلت العاصمة إلى بغداد في العصر العباسي، ورغم انتقال مركز الخلافة الإسلامية من الجزيرة العربية إلا أنها شهدت ازدهارًا حضاريًا في العهدين الأموي والعباسي، وفي خلال عهود الدول الأخرى. إذ خضعت أجزاء الجزيرة العربية لحكم العديد من الدول التابعة للخلافة العباسية مثل: الدولة الأيوبية وغيرها، كما خضعت أجزاء منها لحكم بعض الدول الخارجة على الخلافة العباسية مثل الدولة الفاطمية وغيرها، وبعد سقوط الخلافة العباسية سنة 656هـ/1258م آلت تبعية الجزيرة العربية وخاصة منطقة الحجاز إلى الدولة المملوكية حتى سنة 923هـ/1517م عندما سقطت الدولة المملوكية على يد العثمانيين الذين عرفت الجزيرة العربية في أواخر عهدهم اضمحلالاً حضاريًا، وتمزقًا سياسيًا استمر حتى منتصف القرن الحادي عشر الهجري عندما ظهرت في أواسط الجزيرة العربية الدولة السعودية بفترتي حكمها الأولى والثانية فتوحدت تحت راياتها أغلب أجزاء الجزيرة العربية، وفي أوائل القرن الرابع عشر الهجري قام الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بتوحيد أقاليم المملكة العربية السعودية مؤسسًا بذلك الدولة السعودية الثالثة.

وتزخر المملكة بالعديد من المواقع الأثرية التي من الممكن تأهيلها لتصبح من موارد السياحة الثقافية ففي شمال المملكة وشمالها الغربي يأتي في مقدمة هذه المواقع الحجر (مدائن صالح) التي تقع على بعد 22كيلاً إلى الشمال من العلا، وكانت الحجر قد تحولت إلى عاصمة ثانية لمملكة الأنباط (168 ق.م – 106 م) بعد الرقيم (البتراء)خاصة منذ عهد الملك حارثة الرابع (9 ق.م – 40م).
ومن أبرز آثار الحجر المقابر النبطية التي تتميز عن غيرها في منطقة الشرق الأدنى بالاهتمام الواضح والملموس بالزخرفة المعمارية للواجهات التي صممت في تناسق فني بديع. وينبع هذا الاهتمام بالواجهات من كونها تمثل المستوى الاجتماعي والمادي لصاحب المقبرة. ويلاحظ الاختلاف والتنوع في مكونات واجهات المقابر من مقبرة لأخرى، واستطاع الأنباط أن يمزجوا بين العناصر الفنية المختلفة للحضارات السابقة والمعاصرة ويكوّنوا منها واجهات رائعة لا ينافسهم في جمالها منافس. ولا شك أن الأنباط استفادوا من تقنيات النحت التي كانت متوافرة لدى شعوب المنطقة والمناطق المجاورة لهم.
وتنفرد مقابر الحجر بنقوشها المؤرخة وهو الأمر التي تتفقده مقابر الرقيم (البتراء)، وتنقسم المقابر النبطية إلى مجموعات منها: ، مقابر قصر البنت، مقابر الخريمات، مقبرة الصانع، مقبرة القصر الفريد ويوجد في الحجرآثار تعود إلى العصور الإسلامية مثل قلعة الحجر التي شيدت في العصر العباسي وأجريت عليها تعديلات وإضافات في العصور التالية، ومحطة سكة حديد الحجازالتي كانت من المحطات الرئيسة على هذا الطريق الذي يبدأ من دمشق ليصل إلى المدينة المنورة. (الأنصاري 1984:  17-46  ؛ الأنصاري وأبوالحسن 2002: 50-85) وبالقرب من الحجر (مدائن صالح) تقع العلا (دادان) وهي من المراكز الحضارية المهمة في الجزيرة العربية فقد كانت عاصمة لمملكة دادان - لحيان (540 – 250 ق.م)، وتتركز آثار مملكة دادان ولحيان في الخريبة التي تمثل جزءًا من "دادان" عاصمة المملكة. ويضم الموقع عددًا من المقابر المنحوتة على السفوح الغربية لسلسلة الجبال الشرقية على ارتفاعات متفاوتة، وعلى بعضها نقوش لحيانية ومعينية، وتتميز هذه المقابر بصور الأسود المنحوتة على جانبيها، وتضم الخريبة الحوض الدائري المنحوت في الصخر والذي يعرف محليًا بمحلب الناقة (الحلوية)، وكان هذا الحوض جزءاً من معبد لحياني، ويضم جبل عكمةالذي يقع  إلى الشمال من العلا مكتبة مفتوحة من النقوش تتحدث عن جزء من تاريخ  مملكة دادان - لحيان وحضارتها أما البلدة القديمة في العلا فتمثل نموذجًا فريدًا للمدينة الإسلامية، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، وشيدت بيوتها من حجارة جلبت من الخريبة وبعضها عبارة عن نقوش لحيانية ومعينية، وزخارف نباتية وحيوانية، وبعضها الآخر عبارة عن مجامر ومذابح منحوتة، ولا تزال هذه البلدة قائمة إلى الآن. (الأنصاري 1984:  7-16  ؛ الأنصاري وأبوالحسن 2002: 12-27).
وتعد البدع من المواقع الأثرية التي ترتبطت حضاريًا بالحجر، وتضم المقابر النبطية التي  تشبه مثيلاتها في الرقيم (البتراء)، والحجر (مدائن صالح)، ويظن البعض خطأ أن هذه المقابر تخص قوم نبي الله شعيب عليه السلام فأطلقوا عليها اسم مقابر شعيب على اعتبار أن البدع تقع ضمن أرض مدين، ولكن الأدلة الأثرية والتاريخية تؤكد أن هذه المقابر تعود لعصر مملكة الأنباط. (الأنصاري 2002 "البدع": 34-36 ).
وبعد الحجر تأتي تيماء التي تمثل نقطة لقاء بين بلاد الرافدين، والممالك العربية، ومصر، وخاصة بعد أن اتخذها آخر ملوك بابل الملك نابونيد (555 – 539 ق. م) عاصمة له في السنوات العشر الأخيرة من حكمه، ومن المواقع الأثرية في تيماء السور الذي يبلغ طوله حوالي 12 كيلاً تقريباً، وشيد في عهد الملك البابلي نابونيد، ومن آثار تيماء الأخرى: قصر الحمراء، وقصر الرضم، وقصر الأبلق، وبئر هداج، و رجوم صعصع. (الأنصاري؛ وأبوالحسن 2007: 41-54).
    وفي شمال المملكة تقع جبة في وسط صحراء النفود وهي بمثابة متحف مفتوح للرسوم الصخرية إذ أنها تعد أكبر موقع للرسوم الصخرية في الجزيرة العربية، وكانت جبة مركزًا للتبادل الثقافي والاجتماعي في عصور ما قبل التاريخ وفجره يدل على ذلك الرسوم والنقوش الموجودة بها والتي تؤكد بأن هذا الموقع كان مركزًا يتجمع فيه السكان وتجري فيه مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية والدينية، وترجع هذه الرسوم إلى العصر الحجري الحديث الأول (7000-5000 ق. م)، والعصر الحجري الحديث المتأخر (5000-3000 ق.م)، والعصر الحجري النحاسي (3500-2000 ق. م) (الأنصاري؛ ويوسف 2005: 46-49).
ومن جبة يمكن الانتقال بسهولة ويسر عبر صحراء النفود إلى دومة الجندل (أدوماتو) التي تضم آثارًا يأتي في مقدمتها أعمدة الرجاجيل وهي عبارة عن أعمدة حجرية يتراوح طولها ما بين مترين وثلاثة أمتار وضعت بشكل عمودي كل أربعة أو أكثر في مجموعة كشواهد إما لأضرحة أو ما له صلة بالكواكب أو أماكن العبادة، ومن المرجح أنها تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد،وفي دومة الجندل قلعة مارد التي تقع على مرتفع صخري يطل على البلدة القديمة من جهة الجنوب والشكل الخارجي للقلعة يأخذ مسقطًا شبه بيضاوي تحيط به أربعة أبراج مستديرة، وإلى الشمال من قلعة مارد وعلى مسافة قصيرة منها يقف مسجد عمر الذي يعد من أهم الآثار الأسلامية الباقية بشمال المملكة، ويحيط بالمسجد من الجهتين الغربية والشمالية حي الدرع بمنازله المتراصة ذات المخططات المتقاربة والعناصر المعمارية المميزة مثل العقود الحجرية، ويمثل هذا الحي صورة مصغرة لما كانت عليه دومة الجندل خلال العصور الإسلامية.
ومن الآثار الإسلامية التي يمكن استغلالها سياحيًا في شمال المملكة قلاع طريقي الحج المصري والشامي، ومنها قلعة الأزنم التي تقع على بعد 45 كيلاً جنوب مدينة ضباء، وقلعة ذات الحاج التي تقع على بعد 84 كيلاً إلى الشمال من تبوك، وقلعة المعظم التي تقع على بعد 140 كيلاً جنوب شرق تبوك، وقلعة الزريب بالوجه، ومحطات سكة حديد الحجاز من المدورة إلى المدينة المنورة، والذي يمكن إعادة استخدام بعض أجزائه أو كلها وسيكون من عوامل الجذب السياحي لمروره بمواقع أثرية متنوعة.
وتمثل طرق الحج المارة بالمملكةعملاً حضاريًا تفاخر به المملكة المنشآت الرومانية في بلاد الشام، ولدينا طرق الحج القادمة من الشام، ومصر، والعراق، واليمن، ويكفى أن نقف أما طريق الحج القادم من الكوفة إلى مكة المكرمة يعد هذا الطريق من أهم طرق الحج والتجارة خلال العصر الإسلامي، وقد اشتهر باسم "درب زبيدة" نسبة إلى السيدة زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد، التي أسهمت في عمارته فخلد ذكرها. وهو نفسه طريق التجارة الذي كانت تسير عليه قوافل التجارة قبل الإسلام  من مكة المكرمة إلى الحيرة وعرف باسم (درب الحيرة)، وبعد الإسلام وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة أصبح طريق قوافل قريش المتجهة إلى بلاد الشام مهددًا بوجود المسلمين في المدينة المنورة؛ لذا فقد سلكت قوافل قريش هذا الطريق حتى لا تمر بالمدينة المنورة، ثم سلكته الجيوش الإسلامية التي خرجت في عهد الخليفة أبي بكر الصديق (11-13هـ/ 632-634م) لقتال المرتدين.
ثم ظل الطريق مستخدمًا خلال عهد الخلفاء الراشدين، وفي العهد الأموي، واهتم الخلفاء العباسيون بهذا الطريق وزودوه بالمنافع والمرافق المتعددة، مثل: أحواض المياه، والآبار، والبرك، والمنارات وغير ذلك، كما عملوا على توسيع الطريق حتى يكون صالحًا للاستخدام من قبل الحجاج والمسافرين ودوابهم. وقد عين الخلفاء ولاة يشرفون على الطريق ويتعهدونه بالصيانة والإعمار أولاً بأول. (الراشد 1993: 43)
وفي جنوب المملكة تقف قرية (الفاو) شاهدة على حضارة مملكة كندة الأولى التي أمتدت ما بين القرن الرابع قبل الميلاد إلى القرن الرابع الميلادي، ومن أهم آثارها السوق وهو مبنى كبير يحيط به سور ضخم مكون من ثلاثة أجزاء متلاصقة. ويتكون من ثلاثة طوابق وله سبعة أبراج، ومدخله الوحيد يقع في النصف الجنوبي من الضلع الغربي وهو عبارة عن باب صغير يؤدي إلى ساحة في صدرها بئر عميقة مطوية بالحجر.
أما مقابر قرية (الفاو) فتتنوع أشكالها مما يعكس الفترات الحضارية المختلفة التي مرت بها، وتعد المنطقة السكنية من أهم معالم قرية (الفاو) فهي تضم عناصر هامة في حياة مجتمع مملكة كندة كما تمثل صورة كاملة للمدينة العربية قبل الإسلامية. وقد مرت بثلاثة فترات زمنية متعاقبة، ويوجد بها ثلاثة معابد. (الأنصاري 1982: 18-22) ،وإلى الجنوب من قرية (الفاو) تقع مدينة نجران القديمة (الأخدود) التي ترجع آثارها إلى حوالي عام 535ق.م، والمدينة حالياً عبارة عن قلعة بنيت من الحجارة وتنتشر حولها المدافن والسوق التجاري الذي وجد به معصرة للسمسم ورحى ضخمة وكسر فخارية وكذلك العديد من النقوش بخط المسند الجنوبي، كما يوجد ما يبدو وكأنه سور حول المدينة، وبوابة من الجهة الغربية بالإضافة إلى آثار لسد يروي المدينة وبعض المدافن الإسلامية كما عثر مؤخراً على آثار لمسجد.
يمكن الربط سياحيًا بين قرية (الفاو)، ومدينة نجران القديمة في برامج موحدة مع آبار حمى، وتثليث، وهما موقعان يرتبطان تاريخيًا وحضاريًا بقرية ونجران القديمة، وكما يمكن الربط بينهما سياحيًا بواسطة الربع الخالي ومحمية الأمير سلطان بن عبدالعزيز (عروق بني معارض).
وفي وسط المملكة تبرز الدرعية بتاريخها السياسي والثقافي والحضاري الذي بدأ مع تسلم الأمير محمد بن سعود بن محمد بن مقرن الحكم سنة 1139هـ/1726م، ولا تزال أطلال الدرعية وبقايا أسوارها وأبراجها وقصورها وحصونها ومساجدها شاهدة على ماضيها العريق، ومن أبرز المعالم الأثرية البارزة بها: حي غصيبة، وحي الطريف، وقصر سعد، وقصر سلوى، وقصر عمر بن سعود، ومسجد سعد، ومسجد حي الطريف، ومعظم أجزاء السور، وعدد من الأبراج والحصون القديمة ومنها حصن الدريشة، وحصن الوسيطي، وبرج القرين، وبرج سمحة وغيرها.
وفي شرق المملكة تتعدد المواقع الأثرية التي يمكن استغلالها سياحيًا ومنها موقع تاروت الذي يرجع إلى فترة العُبيد (الألف الخامس قبل الميلاد)، كما عثر به على آثار تعود لحضارتي أم النار (2750-2400ق. م)، ودلمون (2400-1750ق.م)، وبالموقع قلعة شيدها البرتغاليون على أنقاض الموقع القديم واستخدمت في العهد العثماني، وبعد تاروت تأتي ثاج التي تعود إلى  الألف الأول قبل الميلاد، وكانت من أهم المواضع التي كانت تمر بها القوافل التجارية في العصور القديمة. وتوجد في ثاج تلال أثرية عديدة إلى جانب مبان مثل: القصور، والأبراج، والمعابد بالإضافة إلى سور يحيط بالمدينة يبلغ طول أضلاعه تسعمائة متر. (الحسين 2003: 85-89)
ومن ثاج إلى جواثى  التي تقع أطلالها على مسافة ثمانية عشر كيلاً عن مدينة الهفوف. وهي إحدى المدن المعروفة قبل ظهور الإسلام وقد برز دورها خلال فجر الدعوة الإسلامية بفضل سبق أهلها إلى الإسلام في زمن مبكر من ظهوره، وبها أول مسجد صليت به الجمعة بعد مسجد النبي محمد صلى الله عليه وسلم والمعروف تاريخيًا بمسجد بني عبد القيس. (الحسين 2003: 85-89).
وتشكل العمارة التقليدية موردًا من موارد السياحة الثقافية في المملكة، ولما كانت العمارة التقليدية تتأثر بالمناخ السائد من منطقة إلى أخرى فإنها في المناطق الداخلية (الرياض - القصيم - حائل - الجوف) تتميز بجدران سميكة ونوافذ صغيرة لتتوافق مع المناخ القاري الذي يترواح ما بين الحرارة المرتفعة في الصيف والبرودة القارصة في الشتاء.
بينما توائم في المناطق الساحلية بين المناخ والتقاليد الاجتماعية ففي حين يفرض المناخ ترتيب الفراغات في شكل يتوافق مع الرطوبة والحرارة المرتفعتين تفرض التقاليد الاجتماعية ترتيب المساحات الداخلية للمنازل بما يفصل بين الحياة العامة والخاصة لأهل المنزل. فقد وجدوا حلاً لتحريك الهواء داخل المنازل مما يودي إلى تلطيف درجات الحرارة العالية، وتم لهم ذلك عن طريق الملاقف، ونوعية المواد المستخدمة في البناء، واستخدام أماكن مختلفة في المنزل حسب درجات الحرارة ففي الصباح تستخدم الغرف والصالات، وفي الليل تستخدم الأسطح للنوم، ولذا كانت الأسطح تقسم بفواصل جدارية.(النويصر 1999: 21-22).
وتتشابه العناصر المعمارية في العمارة التقليدية بالمناطق الداخلية في المباني الحربية، والدينية، والمدنية، والمادة المستخدمة في البناء هي الطين (اللبن) الذي يتم تقويته أحياناً بعوارض خشبية، ويتم طلاء المباني غالباً بطبقة من الطين، وترتكز المباني على أساسات من الحجر الجيري أو أي نوع من الحجر متوفر في البيئة المحلية، وتكون الأساسات عبارة عن أربعة إلى خمسة مداميك والمباني الصغيرة قد تشيد على الأرض مباشرة بدون أساسات.
وتتكون أسقف مباني العمارة التقليدية من جذوع أشجار الأثل أو جذوع النخيل ثم تفرش عليها حصائر من سعف النخيل ويتم تغطيتها بطبقة من الطين، وترتكز الأسقف على أعمدة خشبية في المباني السكنية وغيرها من المباني الصغيرة، أما المباني الكبيرة مثل القصور والمنازل الأسرية الكبيرة والمساجد فتحمل الأسقف أعمدة أسطوانية أو مربعة من الحجر تغطي بطبقة من الملاط أو الجص، وكانت المباني تزخرف في الداخل بزخارف جصية فيتم طلاء الجدران بطبقة من الجص مزخرفة بزخارف نباتية وهندسية، وكانت الزخارف تنفذ على طبقة من الملاط الطيني في المباني التي لا يستطيع أصحابها استخدام الجص، والى جانب الزخارف المنقوشة على الجص والطين كانت تستخدم أصباغ ذات ألوان متعددة مثل الأصفر والأحمر والأزرق بدرجاتها المختلفة، ويصف أمين الريحاني الزخارف الجصية التي شاهدها في القصر الملكي بالرياض بما يلي: (يكسى الجدار بطبقة أولية من الجص ثم يكسى بطبقة أخرى تحفر فيها النقوش، وديوان الاستقبال في القصر مثال ممتاز لهذا الفن فجدرانه تم تزيينها بزنانير وأشكال هندسية منتظمة من الأرض إلى السقف والطلاء الأبيض الذي يعلو طبقة الطلاء الأعفر يبدو وكأنه مغطى بشبكة من التطريزات).(فيسي 1999: 393).
وترتكز العمارة التقليدية في المناطق الداخلية على موروث حضاري يعود إلى قرون موغلة في القدم، إذ كانت بيوت قرية (الفاو) تعلوها شرفات مثل الشرفات الموجودة في المباني المشيدة من الطين في منطقة الرياض وغيرها من المناطق الداخلية، كما يوجد تشابه كبير في تخطيط بيوت منطقة الرياض وبيوت قرية (الفاو)، ومن العناصر المعمارية البارزة التي تأثرت بها العمارة التقليدية مستمدة إياها مما كان موجوداً في قرية (الفاو) الملاقف التي ظهرت في بيوت قرية (الفاو) واستمر هذا العنصر المعماري بعد الإسلام خاصة وانه يناسب التعاليم الإسلامية التي تحرص على حرمة البيوت، وعدم كشف عورة ساكينها، ويعزى أسلوب تهوية البيوت من الداخل إلى أن الإنسان العربي لا يهمه المظهر الخارجي بقدر ما يهمه الجوهر.
تعد المنازل من أكثر مباني العمارة التقليدية، ولكنها تتعرض للتغيير المستمر وللاضمحلال السريع جيلاً بعد جيل لذا فإن النماذج الباقية منها تعد نادرة جداً إلى حد كبير، وقد أندثرت أسوار كثير من المدن وأبراجها وتحصيناتها الدفاعية الأخرى نتيجة لتمدد المدن خارج الأسوار القديمة مع انتفاء الحاجة إليها.
ومن آثار العمارة التقليدية التي يمكن استغلالها سياحيًا بالمناطق الداخلية في المملكة الأبراج والأسوار مثل أبراج سدوس، وبرجا برزان في مدينة حائل، وهما من بقايا قصر برزان الذي شيده الأمير محمد بن عبدالله بن رشيد (1289-1315هـ/1873-1897م)، وبرج الشنانة، وقد شيد البرج سنه 1111هـ /1699م.
ومن القلاع  والقصور قلعة أعيرف وقصر القشلة في حائل، و قصر كاف في الجوف، وقصور الملك عبدالعزيز في الخرج، ووادي الدواسر، وقرية العليا، وقصور الأحساء (قصر إبراهيم، وقصر خزام، وقصر محيرس، وقصر الوزية)، وقصر ابن ماض في نجران، وقلاع أبها وقصورها (قصر بنو رزام، وقصر عبدالوهاب، وقصر شدا؛ وقلاع: شمسان، وشعار، والدقل)، وقصر شبرا بالطائف، وقصور المدين ةالمنورة مثل قصر سعيد بن العاص الموجود في قصر الإمارة بالمدينة ويرجع إلى العصر الأموي، وقصر مارد عين بن فهيد بالقصيم، وهو يعود إلى العصر العباسي.
أما العمارة التقليدية في المناطق الساحلية فعادة ما يأتي تخطيط المدن الواقعة على الساحل على هيئة شارع متوسطة العرض ومستقيمة أحياناً ومتعرجة أحيانا أخرى، وغالباً ما تفضي هذه الشوارع إلى ساحات أو ميادين ويكون مركز المدينة المسجد الجامع والسوق والميناء، وتشيد منازل المدن الساحلية من عدة طوابق تتراوح ما بين طابقين إلى خمسة، أما المباني العامة فإنها غالباً ما تتكون من طابقين أو ثلاثة طوابق، ويتكون تخطيط المنازل في المدن الساحلية من عدة عناصر من أهمها: المبيت، والخارجة، والفناء (الحوش)، والأسقف، والمداخل، والرواشن (غبان 1993: 2/291)، ويمكن الاستفادة من العمائر التقليدية في ضباء، والوجه، ينبع، وجدة، وجزيرة فرسان، والعقير، يمكن البدء بجدة القديمة (البلد)، وما تضم من منازل ومساجد، كما يمكن الاستفادة من مباني العقير (الخان، والجمرك، ومستودع البضائع، بالإضافة إلى شاطئ العقير).
هناك الكثير من التعريفات المختلفة للسياحة ولعلها تبدأ من الحاجة إلى الراحة والتغيير والرغبة في الاحساس بالبهجة والمتعة عن طريق الإقامة في مناطق ذات مواصفات طبيعية خاصة، أو ترتكز على إرث حضاري ما، وجاء التقدم في السياحة حول العالم مع سهولة المواصلات والاتصالات بين دول العالم ومقدرة الجماعات البشرية على التحرك حول العالم بسهولة ويسر.
وبلغ حجم السياحة الدولية في سنة 1415هـ/1995م بنحو 534 مليون سائح (القحطاني 1997: 26)، ومن عوامل الجذب السياحي المهمة الدوافع الثقافية التي تتوافق مع رغبة السائح في التعرف على بعض الأماكن التي كانت مسرحًا لحضارات عريقة خلفت انجازات لا تزال ماثلة، ويثير ذلك رغبة السائح في التعرف على هذه الإنجازات الحضارية عن قرب والإلمام بمعلومات عن كيفية حياة الإنسان الذي خلف هذه الانجازات الحضارية، وعادة ما تكون في هذه الأماكن متاحف تحكى عن التطور الحضاري الذي شهدته تلك الأماكن، وبذلك تكون هذه المتاحف من عوامل الجذب السياحي.
ولكي تكون الآثار في المملكة موردًا من موارد السياحة الثقافية يجب تحديد أهداف التنمية السياحية المعتمدة على هذه الآثار بدقة على أساس الواقع والإمكانات المتاحة، مع حصر الأضرار التي قد تقع على المواقع الأثرية نتيجة لفتحها أمام السياحة وكيفية الحد من هذه الأضرار، لذلك يجب الإطلاع على أحدث الوسائل الخاصة بتأهيل المواقع الأثرية واعدادها للسياحة مع تطبيق أقصى درجات العناية الممكنة للمحافظة على الآثار من الأخطار الناتجة عن الزيارات المتكررة من قبل السياح عن طريق إدارة المواقع السياحية.
 كما يجب العمل على تيسير الوصول إلى المواقع الأثرية بواسطة شبكة المطارات، والطرق، والسكك الحديدية، والموانئ والمرافئ، واستخدام الطائرات العامودية في التنقل ما بين بعض المواقع الأثرية وأماكن إقامة السياح في الفنادق والمنتجعات السياحية.
وتقوم الهيئة العليا للسياحة بالتخطيط لتنمية السياحة في المملكة من خلال (مشروع تنمية السياحة الوطنية) التي تم إعداده لتنمية السياحة الوطنية وتطويرها مع مراعاة التواقيت والقيم الإسلامية، وقيم المجتمع وعاداته وتقاليده.
فقبل إنشاء الهيئة العليا للسياحة سنة 1421هـ/2000م لم يكن هناك تخطيط منظم لتنمية سياحية في المملكة، لذلك جاء (مشروع تنمية السياحة الوطنية) الذي أعدته الهيئة العليا ليضع الأسس للتنمية السياحية في المملكة واستغلال المقومات والامكانات المتوفرة ومنه الآثار بوصفها موردًا من موارد السياحة، مما يسهم في زيادة الدخل القومي، وتنويع مصادر الانتاج، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وربط المجتمع بتراثه وحضارته بما يعزز الانتماء إلى الوطن.
وإذا كانت بعض البلاد العربية مثل مصر ولبنان، وتونس، وسورية، والأردن قد قطعت شوطاً كبيراً في تأمين الأجواء المناسبة للسياحة الداخلية والخارجية معتمدة  في ذلك على الآثار بوصفها إحدى أهم عوامل الجذب السياحي، فإنه يمكن للمملكة أن تقوم بإعداد برامج سياحية مع الدول المجاورة وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي التي يمكن ربط أي منها مع المواقع الأثرية في المنطقة الشرقية، كما يمكن ربط المواقع الأثرية في جنوب المملكة وخاصة موقعي مدينة نجران القديمة (الأخدود)، وقرية الفاو مع البرامج السياحية في اليمن.
كما يمكن ربط المواقع الأثرية في شمال المملكة وشمالها الغربي مع البرامج السياحية في الأردن، ومن المرجح أن يكون هذا النوع من السياحة البينية مع الدول المجاورة سهلاً وميسوراً نظراً للتشابه الحضاري بين المواقع الأثرية في المملكة والدول المجاورة فعلى سبيل المثال يمكن وضع الحجر (مدائن صالح)، والبدع في المملكة ضمن برنامج واحد مع الرقيم (البتراء) في الأردن لأن كل هذه المواقع تمثل آثار مملكة الأنباط، وكذلك الحال هناك ارتباط حضاري بين مدينة نجران القديمة (الأخدود)، وقرية (الفاو) مع ممالك معين، وحضرموت، وسبأ، وحمير في اليمن.
ويمكن ربط مواقع الآثار في شرق المملكة مع النشاط السياحي في البحرين وعُمان ومن هنا نستبدل حركة الأسواق العربية القديمة بحركة سياحية منتظمة خلال ونستفيد من خبرات من سبقونا من هذا المجال وستصبح المواقع الأثرية في المملكة بتنوعها بين الطبيعة والآثار وطرق الحج واستخدامها الأمثل محجًا للسائحين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق