الصفحات

الثلاثاء، 24 مايو 2016

ظاهرة النينو وتأثيراتها البيئية والحياتية العامة - أ.د. عبد الحسن مدفون أبو رحيل ...


ظاهرة النينو وتأثيراتها البيئية 

والحياتية العامة 

 الأستاذ الدكتور

عبد الحسن مدفون أبو رحيل 

كلية الآداب- جامعة الكوفة

 المقدمة :

   يعد المناخ من الظواهر المهمة التي لها دور كبير في تشكيل معالم الحياة على سطح الأرض,ومن ثم اختلافها من منطقة إلى أخرى,وينشأ هذا الاختلاف نتيجة للتباين الحاصل في كمية الرطوبة وبأشكالها المختلفة بين أقاليم الأرض والذي يكون الغلاف الجوي هوالمسؤول عن توزيعها وبنسب مختلفة,حيث يعطي بعض الأقاليم وبسخاء,ويحرم الأخرى إلى الحد الذي لا تنشأ معها أي صورة من صور الحياة, ويعتقد البعض أن ظاهرة النينو هي محاولة من الغلاف الغازي لإعادة التوازن والذي لم يحدث لحد الآن من خلال توزيع كميات المياه على سطح الأرض , حيث ستغم الأمطار وبغزارة على بعض الأقاليم الجافة وتنقطع الأمطار الموسمية في أقاليم أخرى ,خاصة في المناطق الآسيوية,وتحدث الفيضانات في أمريكا اللاتينية في شيلي وبيرو والأكوادور,وعلى الرغم من قدم هذه الظاهرة ألا آن الاهتمام بها كظاهرة لها تأثيرات مناخية وحياتية عامه ظهر في القرن الماضي, حيث تطورت البحوث التي تحاول الربط بينها وبين مظاهر مناخية أخرى في أماكن قريبة أولا وبعيده ثانياً, وبحوث أخرى درست أسبابها وأوقات حدوثها وتكراراتها ومحاولة التنبؤ بها . ومن ثم تأثيراتها المختلفة ,ألا أنه لا يوجد إلى الآن إجماع حول أسباب حدوث هذه الظاهرة وتأثيراتها البعيدة عن موقع حدوثها , وعليه فأن البحوث العلمية لا زالت تتواصل للبحث فيها ,محاولة سبر أغوارها لتعم ألمعرفه العلمية بها خاصة في الأوساط الأكاديمية العلمية , وقد جاء هذا البحث كمحاولة بسيطة  لتحقيق هذا الهدف . لذا فقد قسم البحث إلى ثلاثة مباحث  , تناول المبحث الأول توضيح مفهوم الظاهرة وكيفية حدوثها , وأختص الثاني بالنظريات الني تفسر أسباب حدوثها, أما الثالث فقد ركز على التأثيرات البيئية والحياتية ألعامه لظاهرة النينو.

  
المبحث الأول  : مفهوم النينو وكيفية حدوثه:
   تعني كلمة النينو (EL-Nino) بالأسبانية أبن المسيح وهو الاسم البيروني لظاهرة مائية مألوفة لدى صيادي السمك على طول سواحل الأكوادور وبيرو, وسمي بهذا الاسم من قبل سكان هذه المناطق لتزامن حدوثه مع أعياد الميلاد , (7ص71) كما يسميها بعضهم باسم الطفل المسيح (Chris Child) لنفس السبب أعلاه ويطلق عليها أيضا أسم الطفل المذكر تميزاً لها عن الوجه الآخر للنينو الذي يدعى الطفل المؤنث  (النينا)(El-Nina) كما يطلق عليها أيضاً أسم الولد الشقي لكثرة ما يسببهُ من كوارث وتدمير في أنحاء العالم (5ص4).
   تعد ظاهرة النينو ظاهره قديمه قدم الأرض بيابسها ومائها وحركات هوائها , ومنهم من يذكر بان الدراسات قد دلت على أنها موجودة منذ آلاف السنين حيث أمكن التأكد من أن أحداث النينو تعود في تأريخها ألي أكثر من 1500سنة مضت من ملاحظة الغطاء آت الجليدية وطبقاتها فوق جبال الانديز ومن اتساع المستعمرات ونمو المرجان في البحار الدافئة,وأن أول تسجيل موثق لها تم في القرن الخامس عشر في بداية اكتشاف المستعمرين الأسبان لأمريكا الجنوبية من قبل المستكشف (جيرونيموبنزوتي)خلال ألمده الواقعة بين سنة(1547-1550) وكذلك في بحث عنوانه ( ثلاثة عناصر) كتبهُ توماس لوييز ميديل سنة 1559.(,4ص6), ويصادف حدوث النينو مع الفصل الذي تكون فيه الرياح التجارية ضعيفة وتقل التيارات البحرية الصاعدة في صيف النصف الجنوبي , ويقل السمك في مدة الدفء ,لذا يأخذ صيادو السمك أجازه يستغلونها لتصليح المعدات والبقاء مع عوائلهم , وفي بعض الأحيان يستمر الدفء حتى أيار أو حزيران لذا عُرف النينو في بداية الأمر على انهُ (تيار محلي دافئ ناتج من استبدال تيار همبلت أو بيرو البارد الذي يجري جنوباً على طول سواحل الإكوادور وبيرو في شرق المحيط الهادي خلال أعياد الميلاد من كانون الثاني وحتى نيسان ) (6ص251). ويصل تأثير هذا التيار إلى خط الاستواء حيث تعمل المياه الدافئة له على قطع تصاعد الماء البارد  من الأسفل(Up Welling) ويحل محل شريط المياه الباردة الساحلية الناتجة من تصاعد الماء البارد من الأعماق والغنية بالمواد الغذائية والعوالق (البلاتكتون) مياه دافئة متحركة من الشمال والغرب ذات محتوى قليل من المواد الغذائية , تؤثر سلباً على الحياة السمكية وعلى الطيور التي تعيش عليها (71ص45) ويساعد هذا التغير في مياه المحيط إلى سقوط أمطار غزيرة على سواحل الاكوادور وبيرو وشمال شيلي الجاف نتيجة تحرك الجهة الاستوائية إلى الجنوب لتجعل الصحراء أرض تزهو بالأزهار(2ص46) أما الآن فأن هذه التسمية لم تعد تستخدم للتعبير عن هذه التغيرات الموسمية الطفيفة فقط بل تستعمل لوصف ظاهره أكبر تعمل على تسخين شرق المحيط الهادي الاستوائي بعد خط طول 180 ليصل إلى دائرة عرض 15 جنوباً أي تغطي ربع محيط الكرة الأرضية ويستعمل للتعبير عن التغير المتواصل في جو المحيط الهادي وذلك باقترانه بما يدعى التذبذب الجنوبي (Southern Osillation) (SO) ,فأصبح يطلق عليه النينو\ التذبذب الجنوبي(   El-Nino Southern Osillation) (ENSO)                                            
     كان أول من توصل إلى طرف الخيط في تفسير هذه الظاهرة (ENSO) التي طالما حيرت العلماء هو العالم الانكليزي جيلبرت ووكر (Gilbert Walker) عندما كان في الهند في الوقت الذي كان العلماء مشغولين بتسجيل آثار النينو , حيث لاحظ أن هناك ارتباطاً بين قراءة البارومتر (جهاز قياس الضغط الجوي) في بعض المناطق في الشرق ومثيلاتها في الغرب , فعندما يرتفع الضغط في الشرق ينخفض في الغرب والعكس صحيح وأطلق عليها التذبذب الجنوبي (Southern Osillation)  وقد لاحظ أيضاً وجود علاقة ثلاثيه الأطراف تربط بين هبوب الرياح الموسمية (Monsoon) في آسيا وحدوث جفاف بكل من أستراليا , أندونيسيا , الهند , وبعض المناطق في أفريقيا , ودفء الشتاء نسبياً في غرب كندا .(5ص2-3) وقد هوجم (Walker) كثيراً لربطه بين هذه الظواهر التي تحدث في شتى بقاع الأرض, وعلى مسافات شاسعة من بعضها البعض , وفي عام 1966 جاء العالم النرويجي (جاكوب بيركنز ( Jacob Bjerknes) ليثبت وجود هذه العلاقة بتلك التغيرات الجوية وأطلق عليها جملة (ENSO) ومن خلال دراسة وولكر لظروف الضغط في عدد من المحطات غرب أمريكا الجنوبية, شمال أستراليا , وأند ونسيا وعبر المحيط الهندي إلى شرق أفريقيا وجنوباً إلى دوربان , وجد إن اختلاف الضغط ينتج عنه دوره عرضيه للرياح في المنطقة الاستوائية ذات اتجاه شرقي غربي على آثرها وضع فرضيته التي تقول (أن الاختلاف في الضغط عبر خط الاستواء في منطقة المحيط الهادي تُنتج دوره ذات اتجاه شرقي غربي , تتحرك فيها الرياح من الضغط شبه المداري لشرق الهادي إلى الضغط الواطئ الأندنوسي على شكل تيارات من الهواء الصاعد فوق المياه الدافئة في غرب المحيط الهادي (شرق آسيا) ليهبط فوق المياه الباردة غرب أمريكا وتتجمع الرياح فوق شرق الهادي شمال خط الاستواء مباشرةً على طول منطقة التجمع الاستوائية (ITCZ) لتستقر بسبب الماء البارد عند هذه السواحل فلا يستطيع الهواء الارتفاع ومشاركة دوران هادلي الاعتيادي , لذا سينساب غرباً مشكلاً رياح تجاريه جنوبيه شرقيه تهب من الشرق في أمريكا الجنوبية عبر جنوب الهادي باتجاه أتدونيسيا فتدفع المياه السطحية الدافئة باتجاه الغرب دافعة مستوى المياه قرب أندونسيا بزيادة حوالي 40 سم , وباستمرار هبوب الرياح التجارية ستعمل على تراكم المياه الدافئة عند سواحل غرب (أستراليا وأندونسيا ) مسببه تكون تيار داخلي من المياه الباردة متجهاً إلى الشرق ورافعاً إلى السطح بتيار مندفع من الأعماق إلى الأعلى مسبب ظهور حاله تفرق(divergance) عند سواحل أمريكا الجنوبية فتسبب ظهور التيارات الصاعدة (Upwelling) تساعدها الرياح  الساحلية في  إزاحة الماء قرب السواحل لتسمح لها بالصعود من الأعماق كما في سواحل أفريقيا الغربية وكاليفورنيا وبيرو.( 2ص48) حيث أن هبوب الرياح مع خط الساحل يولد حالة تفرق نتيجة اختلاف الاحتكاك , فالهواء الجنوبي الموازي للساحل في هبوبه سيهب قسم منه فوق الماء , والقسم الأخر فوق اليابس أبطأ من الرياح فوق الماء , ولوجود قوه الانحراف فأن الرياح فوق الماء سوف تنحرف غرباً (ألي يسار اتجاهها) في نصف الكره الجنوبي, مما يساعد على إزاحة الطبقة السطحية للماء بواسطة الهواء ليرتفع مكانه ماء بارد من الأعماق يعمل على خفض درجة حرارة المياه عند هذه السواحل بحوالي (10م) عن المياه الاستوائية , فمثلاً في شهر آب تكون درجة حرارة المحيط الهادي قرب بيرو (17م) بينما تصل إلى (27م) قرب اندونيسيا , وتفصل بين المياه الساحلية الدافئة والمياه العميقة الباردة طبقه حرارية حديه (Thermocline) يصل عمقها عند سواحل أندونيسا (200متر) نتيجة لتراكم المياه عندها في حين يكون عمقها (50متر) عند سواحل أمريكا الجنوبية نتيجة لدفع الرياح التجارية للمياه الدافئة غرباً فيسمح ضحالة عمقه للتيارات الباردة بالصعود من الأعماق حاملة معها المواد الغذائية التي تتغذى عليها الأسماك في المياه الضحلة لذا يظهر مستوى الطبقة الحدية مائلاً (2ص48).
       يحدث النينو نتيجة استمرار هبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية وتراكم المياه قرب اندونيسيا والإمساك بهذه المياه الزائدة وإبقائها في مكانها , لذا فإن تجمع المياه بكثرة يجعل أي تغير بسيط في الدورة المناخية يؤدي إلى أضعاف الرياح لمدة كافيه تسبب اندفاع المياه شرقاً عبر المحيط  الهادي فترتفع بذلك حرارة سطح المحيط قرب أمريكا الجنوبية ويؤدي ذلك أضعاف نظام الضغط العالي فتقل سرعة الرياح التجارية ثم تختفي أخيراً لينعكس اتجاهها وتبدأ بالاندفاع من الغرب لتنعكس مناسيبها في الغرب بالميلان باتجاه الشرق , عاكسه بذلك اتجاه التيارات السطحية , ورافعه مستوى المياه ودرجة الحرارة السطحية عند سواحل أمريكا الجنوبية قرب ساحل بيرو على بعد (4كم) دافعه الطبقة الحدية إلى الأسفل وقاطعه امتدادات المياه بالغذاء من قاع المحيط إلى السطح مسببة عودة سطح البحر نحو اتجاه أفقي مولدة موجة كلفن التي تتكون في الغرب , وسط الهادي لتتحرك شرقا على طول خط الاستواء بسرعة عدة أمتار بالثانية فتصل ساحل أمريكا الجنوبية بعد عدة أسابيع مرتبطة بركود الطبقة الحدية واختفاء التيارات الصاعدة في شرق الهادي مؤديه لظهور النينو.
   والنينو لا يوقف جماحها شيء إلا نفسها , حيث تنتهي دورتها ويرجع كل شيء إلى ما كان عليه ,وهي في هذا تعتمد على نوعين من الأمواج هما موجه روسبي (Rossby Wave) وموجة كلفن (Kelvin Wave) وهما يختلفان عن الأمواج التي نراها على الشاطئ فموجة ال(Rossby) تشبه إلى حد ما أمواج المد , والفرق هو أن أمواج المد سريعة جداً , وتوجه المياه في اتجاه واحد , لكن موجة (Rossby) توجه الجزء الأعلى من المحيط  حوالي المائة متر السطحية في اتجاه , والجزء الأسفل ما بعد المائة متر في الاتجاه المعاكس , وبعد فتره تتغير اتجاهاتهم , ويحدث هذا ببطء شديد لذا فلا تتم ملاحظة أي شيء من على السطح , ولشدة بطء هذه الأشياء فهي تأخذ شهوراً أو سنين حتى تجتاز المحيط , أما موجة كلفن فلها بعض خصائص موجة روسبي , لكنها أسرع , وتوجد فقط بالقرب من خط الاستواء , وعندما تصبح في وسط المحيط الهادي أو الجزء الشرقي منه تكون موجة روسبي التي تسيطر ببطء قد وصلت لجنوب شرق آسيا , ولأن هذه الأمواج تؤثر بشده في درجة حرارة المحيط الداخلية , وهذا بدوره يلغي التغيرات الأصلية التي أحدثت النينو , فيتوقف النينو,وتنتهي بمجرد وصول الأمواج إلى هذه المرحلة (---ص2-3)
       يمكن أن تعد ظاهرة النينا (EL-Nina) (كلمه أسبانية معناها الحرفي الطفلة الصغيرة ) معاكسه للنينو على أساس أن النينو تمثل شذوذاً سلبياً في درجة حرارة سطح المحيط بالنسبة للأحوال العادية المألوفة , غير أن هذا الشذوذ ليس كبيرأ وغير ملحوظ بشكل واضح , ذلك أن انخفاض الحرارة يتراوح بين (1-2درجه مئوية عن المعدل العام , مع تركيز هذا الانخفاض في الجزئين الشرقي والأوسط للهادي المداري , وإذا كان ينظر إلى النينو والنينا على أنهما فترتان متعاكستان من دورة الأينسو (Enso) ومكملتان لها فأن ظاهرة النينو تمثل الفترة الحارة من هذه الدورة بينما تمثل النينا الفترة الباردة منها , غير أن البعض يقسم دورة الأنيسو إلى ثلاث فترات : فتره حارة وهي النينو , وفترة باردة تعقبها وهي النينا , ثم عوده إلى الأحوال الطبيعية ولكن إذا كانت ظاهرة النينو تحدث بصوره دوريه تقريباً , فأن هناك عوامل خارجية لا تؤدي في بعض دورات الأينسو إلى حدوث بروده في سطح المحيط (النينا) وهذا ما حدث خلال الفترة (83-1988) وكانت ظاهرة النينو قبل الثمانينات ترتبط بسنين حرارتها أعلى من المعدل (ولا سيما قرب خط الاستواء ) بينما ارتبطت ظاهرة النينا بالسنين الباردة (3ص 438) . 
    أظهرت نتائج إحدى الدراسات التي درست تكرار حدوث هاتين الظاهرتين للفترة من (1900-2000م) عدم وجود دورية ثابتة لهما , وأتما كانتا تحدثان بشكل عشوائي , وقد شكل تكرار حدوث ظاهرة النينو كل سنتان وكل خمس سنوات أعلى نسبه بين تكرارت حدوثها إذ كانت النسبة بحدود (22%) لكل منهما , وكل أربع سنوات شكلت نسبه بحدود (18,5%) وكل ثلاث سنوات شكلت نسبه بحدود (11%) وكل ستة سنوات شكلت نسبة بحدود (7,4%) وكل سبع سنوات شكلت نسبة بحدود (3,7) أما ظاهرة النينا فقد شكل تكرار حدوثها كل (2) سنه أعلى نسبه بين تكرارات حدوث هذه الظاهرة وهي (22%) وكل (5,1) سنه (16,6%) لكل منهما وكل سبع سنوات (11%) وكل (13,12,10,8,6,4,3) سنه (5,5%) لكل منهما (5ص3) كما أظهرت دراسة أخرى بأن تكرار ظاهرة النينو بلغ من الربع الثاني للقرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن العشرين كان هناك (41سنة) حدثت فيها ظاهرة النينو ,والباقي (59سنة) كانت من سنوات عدم حدوث ظاهرة النينو, وهي سنوات عاديه حدثت فيها ظاهرة النينا (3ص443-453).
   كانت العديد من أحداث النينو تمتد لتغطي النصف الثاني من السنة الميلادية والنصف الأول من السنه التي تليها, وتمتد بعض الأحداث الكبرى إلى أكثر من 12 شهر , بحيث تمتد على أواخر سنة, وسنة تاليه, وأوائل سنة لاحقه , كما في حادثة نينو (1845 , 1888 , 1940 ) , وإن من الثابت أن معظم أحداث النينو تستمر ما لا يقل عن عشرة شهور موزعه على سنتين , بحيث تكون على أشدها عند بداية السنة الميلادية , وهذا ما يتضح من أحداث النينو في القرن العشرين المتداخلة في سنتين , أما الشديدة منها ربما نجدها متداخلة في ثلاث سنوات كما في حادثة ( 1939 , 1940 , 1941 ) ومن أعنف حوادث النينو في القرن العشرين أحداث أعوام (1925 , 1972 , 1982 , 1983) وأخيرا عامي ( 97-1998)وتجلى ذلك بالآثار التي تركتها تلك الأحداث على مناخ كوكب الأرض .(3ص443-452). 

المبحث الثاني : النظريات التي تفسر أسباب حدوث الظاهرة

   لازال الباحثون مختلفون حول أسباب حدوث هذه الظاهرة , فبعد حدوثها عام(1972) تطورت البحوث التي تحاول معرفة أسبابها لتعميق المعرفة بها ومحاولة التنيؤ بحدوثها , إلا أن هذه الخطوة لم تتقدم كثيراً فظهرت على أثرها نظريات تحاول تفسير أصل الظاهرة وأسباب نشوئها , ومنها:

1- نظرية التراخي أو خمول الرياح التجارية : بحسب هذه النظرية فأن النينو يحدث بسبب ضعف الضغط العالي لجنوب المحيط الهادي وضعف الرياح التجارية الجنوبية على طول ساحل أمريكا الجنوبية , لذلك يضعف تصاعد الماء من الأعماق أو يتوقف , مما يؤدي إلى تسخين مستمر في الموقع وزيادة رفع درجة حرارة الماء  ( 1ص140).

    أن ظاهرة التسخين تصل جنوباً إلى دائرة عرض (14درجه جنوباً) , خلال فترة ضعف التجاريات , لذا فإن انتقال الحرارة المحسوسة والكامنة من المحيط إلى الهواء تصبح دون معدلها , لذلك يختزن المحيط طاقه أكثر من المعدل مما يؤدي إلى رفع درجة حرارة الماء , كما أن ضعف التجاريات ينتج عنه تأثير أعظم على  رفع درجة الحرارة , وبالتالي فإن انطلاق النينو يبدو كأس تجابه حركيه من المحيط الهادي إلى قوى الغلاف الغازي , حيث أنه خلال مدة هبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية بقوه لأكثر من سنة تزداد دورة وولكر نشاطاً حول الضغط العالي لجنوب الهادي ولا سيما للتيار الاستوائي الجنوبي مسببه تكدس الماء في غرب المحيط الهادي الاستوائي , لذلك سيبدو هناك انحدار في مستوى الماء من الغرب إلى الشرق , وحالما تضعف التجاريات الجنوبية الشرقية فإن الماء المتكدس في غرب المحيط الهادي سيبدأ بالحركة شرقاً , مما يؤدي إلى وصول كميات كبيره من الماء الدافئ إلى سواحل الأكوادور وبيرو , وبذلك يبدأ النينو,بسبب ضعف الضغط العالي لجنوب الهادي وضعف التجاريات في كلا النصفين مع إزاحة موقع المنخفض الاستوائي إلى جنوب موقعه في الصيف الجنوبي فيزيح الرياح التجارية الجنوبية الاعتيادية التي ينتج عنها تصاعد الماء البارد من الأعماق فينقطع تصاعدها(2ص55). 
     تعددت الآراء حول أسباب تراخي الرياح التجارية حيث ترى بعض الآراء أن هناك عوامل تحفز هذا التراخي ومنها دورة وولكر والتذبذب الجنوبي , وهي الدورة الدائرية للبحر والغلاف الغازي مسببه ارتفاع الضغط عند سواحل أمريكا الجنوبية وانخفاضها عبر الهادي عند اندونيسيا مؤديه إلى هبوب رياح من اليابس إلى الماء تدفع المياه الدافئة إلى غرب الهادي بفعل الرياح التجارية الشديدة ومنتجه تصاعد ماء بارد من الأعماق , تنعكس هذه الدورة نتيجة اختلاف ضغط الهواء بين جزيرة أيستر ومنظومة دارون في أستراليا فتنتج النينو من هذه الاختلافات التي تحدث عبر معظم الهادي إذ يؤدي ارتفاع الضغط في دارون وانخفاضه في تاهيتي في منتصف الهادي إلى ضعف الرياح التجارية فيضعف انحباس المياه الدافئة شرقا فينعكس حركة التيار الاستوائي لينتج عنه دورة وولكر ضعيفة لكنها معاكسه لحركتها الاعتيادية (التذبذب الجنوبي ) مما يؤدي إلى تحسن دورة هادلي , وإن هذا التنشيط لدورة هادلي سوف ينشط الرياح التجارية السطحية قرب سواحل أمريكا الجنوبية والتي بدورها تعمل على منع تدفق استمرار المياه الدافئة عبر الهادي وهذا يعني انتهاء ظاهرة النينو , وعندما يعاد نشاط المياه الباردة في شرق الهادي , فإن دورة هادلي تضعف ويصبح الوضع جاهزاً لعودة تيار المياه الدافئة (1,ص141-142).
    هناك رأي آخر يؤكد على أن من نتائج ظاهرة النينو في العروض المدارية تنشيطها للحركة الجوية ومن ثم زيادة فاعلية الرياح التجارية في تحريك المياه ودفعها غرباً في فترة اللانينو التي تشكل مرحله فاصله مابين حادثتي نينو , يلي ذلك تراكم فاعل للمياه في غرب المحيط الهادي , ومن ثم نشأة النواة الأولى لبداية نينو فيما يشبه الدورة الذاتية التي يحركها النينو نفسه التي يشار إليها بما اصطلح عليه تسمية التغذية الاسترجاعية (3ص453-454) . ويرى هذا الرأي أيضا أن تراخي الرياح التجارية ينشط  أمواج تحت سطحيه تسمى أمواج كلفن تزيد من انخفاض الميل الحراري قبالة سواحل أمريكا الجنوبيه , وعلى الرغم من أن الرياح التجارية الجنوبية الشرقية التي تهب على امتداد ساحل أمريكا الجنوبية لا تهدأ بل تستمر بدفع المياه المتجمعة لتحل محلها مياه دافئة فقيرة بالمواد العضوية ونتيجةً لذلك فأن التيار المتجه غرباً بعيدا عن ساحل أمريكا الجنوبية الاستوائية لا يضعف بفعل أمواج كلفن المندفعة نحو الشرق فحسب بل سيكون أكثر دفئاً عما كان علية سابقا وبامتداده نحو الغرب سيعمل على تدفئة المحيط الهادي الأوسط لذا فان الهواء سيرتفع إلى الأعلى فوق الماء الساخن جاذبا الفرع الصاعد في تجويف دوران هادلي باتجاه الشرق تتبعه الرياح الغربية التي تقوي أمواج كلفن وتولد المزيد منها محدثة أمطار غزيرة فوق المناطق الجافة , تطلق الحرارة الكامنة التي اكتسبتها عند التبخر من سطح البحر لتنتقل إلى الغرب من طبقة التروبوسفير العليا بدل من تدفقها نحو الشرق ,فتعمل دورة هادلي على نقل هذه الطاقة إلى التيارات النفاثة الغربية لتدفع نظام العواصف الكبير بعيد عن خط الاستواء ليعود الهواء فيهبط فوق اندونيسيا جافا مسببا طقسا جافا (2ص56-57) .
    هناك رأي آخر ثالث يرى أن استمرار هبوب الرياح التجارية سيعمل على تراكم المياه قرب اندونيسيا والإمساك بهذه المياه الزائدة وإبقائها مكانها طالما قوة دفع الرياح أقوى من القوه الطاردة إلا أن تجمع هذه المياه عند السواحل الشرقية بكثرة يضعف من قوة الرياح الدافعه والرياح الساحلية فتعمل جزر المحيط الهادي القوسية الشكل عند النطاق الغربي العريض للهادي ,عمل العدسة المقعرة من خلال دفع المياه المتجمعة عند سواحلها بقوة معادله لقوة الريح الدافعة معاكسة لها بالاتجاه , وتجمع المياه عند المركز الذي يتساوى فيه قوة (الفعل للرياح) مع قوة رد الفعل (للتيار البحري المنعكس) لتعيد التوازن إذ أن المحيط الهادي خال من الرفاف والمنحدرات القارية في الوسط وذو أرضيه بعيدة الأعماق متجانسة ومستقره , وهو حوض شبه مغلق لا تفصله عن القارات التي تمتد حوله سوى معابر بحريه ضحلة , لذا لن يتعرض سير التيار المرتد الذي سيعمل على تعميق الحرارة , وبما أن حرارة الأعماق متعادلة مع درجة حرارة سطح البحر من خلال انطلاق الحرارة الكامنة إلى الجو , فأن الارتفاع في درجة حرارة الأعماق سيسبب زيادة في درجة حرارة سطح البحر في وسط المحيط الهادي مما يؤدي إلى زيادة الدفء في الجو , مكونا غيوماً محمله بالأمطار فيتحرك نظام الضغط الواطئ شرقاً من فوق اندونيسيا إلى وسط الهادي مما يؤدي إلى أضعاف التجاريات الجنوبية الشرقية , ثم عكس اتجاهها شرقا عاكسا بذلك اتجاه التيار البحري السطحي مولدةً موجة كلفن التي تعمل على تجمع المياه عند السواحل الشرقية للمحيط الهادي دافعه مستوى الحد الحراري إلى أعماق كبيره مما يؤدي إلى قطع إمدادات المياه بالغذاء عن قاع المحيط إلى السطح (2,ص58).

2- نظرية إزاحة موقع الضغط العالي في النصف الشمالي جنوب موقعه: ترى هذه النظرية وجود ارتباط بين مظاهر الغلاف الغازي ,وأن الشذوذ في حرارة البحار المدارية له تأثير في تغير موقع الجبهة الاستوائية (ITCZ) التي يكون موقعها الاعتيادي شمال خط الاستواء ونتيجة لتقدم الضغط العالي شبه المداري في النصف الشمالي جنوب موقعه سوف يسبب تقلص في نطاق الرياح الجنوبية المسؤولة عن تصاعد الماء البارد (upwelling) عند السواحل الغربية وبذلك تستطيع الرياح التجارية الشمالية الشرقية أن تعبر خط الاستواء ليصبح موقع (ITCZ) جنوب خط الاستواء,مما يسمح للمياه الدافئة في شمال خط الاستواء من العبور إلى النصف الجنوبي مانعة استمرار التيار البارد قاطعة المياه الباردة ليصل تأثيرها أحيانا إلى دائرة عرض 15جنوبا (2,ص59)

3- نظرية اختلاف موازنة الطاقة المحلية بسبب تقدم اضطرابات من النصف الشمالي : هي نظرية تركز على مفهوم الطاقة الإقليمية والحركية وهي ذات رأي مضاد لنظرية تكون النينو من تغير نظام المحيط –الغلاف الغازي فوق منطقة المحيط الهادي الاستوائي وما جاوره حيث يقترح ليتو أصل إقليمي للظاهرة لها علاقة باختلاف توازن الطاقة من هجرة موضعية للاضطرابات في الدورة الشتوية شمال خط الاستواء ينتج منها تساقط مطري في المنطقة الجافة جنوب الأكوادور وشمال بيرو,عند دائرتي عرض 4-5 شمالا وبالرغم من عدم استمرارها لمده طويلة لأن رطوبة التربة الناتجة من الإمطار تستمر حتى تتبخر ,فإن الطاقة الإشعاعية المخصصة للتواصل الجاف تقل كما يقل المدى الحراري اليومي , وهذا يؤدي إضعاف ضغط الرياح على الساحل مسبباً ضعف تصاعد الماء البارد من الأعماق , ومع اختفاء تصاعده فأن الماء الدافئ يغزو المنطقة جنوب خط الاستواء من الشمال , مؤديا إلى زيادة التبخر وبالتالي زيادة سقوط الأمطار , وبالنتيجة زيادة محدودة من الرطوبة مصدرها خارج المنطقة تعمل كبداية لانطلاق عمليه تؤدي إلى استمرار التساقط من رطوبةً محليه تستمر لفترة طويلة بعد أن تختفي الاضطرابات الأصلية (1ص145) .

4- نظرية دورة البقع الشمسية: هي إحدى النظريات التي تحاول تفسير نشؤ النينو فتربطه باختلاف كمية الإشعاع الشمسي الواصل من خارج الغلاف الجوي الذي تكون نسبته ثابتة مقدارها (1,99سعره\سم2\دقيقه) وتسمى هذه الكميه من الأشعة الواصلة إلى الأرض بالثابت الشمسي الذي قد يختلف لمدةً قصيرة نتيجة لظهور البقع الشمسية في مواسم دوريه تبلغ أحدى عشر سنه بأحجام كبيره وصغيرة تعيش مابين عدة ساعات وعدة أشهر , وهي عبارة عن أعاصير جبارة على هيئة سحب كثيفة داكنة بأشكال وهيئات مختلفة نتيجة لتفجيرات غير اعتيادية تحدث في الشمس تؤدي إلى حدوث تغيرات في الظواهر الجوية للمناخ على سطح الأرض , وبالتالي هذه النظرية تحاول تفسير عدم انتظام حدوث النينو (2ص6).

  المبحث الثالث : التأثيرات البيئية و الحياتية لظاهرة النينو

1- التأثير المناخية:
       إن ظاهرة النينو ظاهره مائية لكن حدوثها يؤدي إلى ظهور تأثيرات مناخية كبيرة ربما يتعدى الحدود الإقليمية إلى التأثير  على المناخ العالمي برمته,حيث لا يمكن عزل التغيرات التي تحصل في مياه المحيطات عن الجو المحيط بها,وبما أن المنطقة المدارية بيابسها ومائها وبما تمتلك من فائض طاقه وبخاصة البحار والمحيطات,هي المحرك الرئيسي للجو الأرضي فأن أي تغيرات في المخزون الحراري المحيطي وفي درجة حرارة سطح الماء بمساحات كبرى سيترك أثاره في تغيرات المناخ الواسعة  فيها,ولا يقتصر تأثير النينو في حركة الجو في ألمنطقه ألمداريه فقط بل يتعداها إلى العروض الوسطى,كما أن لظاهرة النينو أثار واضحة في تركيز ثاني وكسيد الكربون ونشأة العواصف والأعاصير وقلة الأمطار في منطقة ووفرتها في أخرى وارتفاع الحرارة في منطقة وانخفاضها في أخرى,وعموما ًيمكن أجمال التأثيرات المناخية لظاهرة النينو بما يلي:
1-    التغير في درجة الحرارة والضغط الجوي والرياح.
2-    التفاوت الكبير في كميات التساقط.
3-    تغير نسبة غاز ثاني وكسيد الكربون وغاز الأوزون.
4-    التغير في تكرار ومسارات العواصف المدارية (الهيريكن).
5-    التأثيرات على امتدادات وحركات الأمواج العليا للغلاف الغازي.
    إن هذه التأثيرات المشار إليها تعمل متداخلة مع بعضها ويؤثر بعضها على البعض الآخر حيث أن النينو يحدث كما أشرنا في البحث نتيجة استمرار هبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية وتراكمها قرب اندونيسيا,وان تجمع هذه المياه بكثرة يجعل أي تغير بسيط في الدورة المناخية يؤدي إلى إضعاف الرياح لمده كافية تسبب اندفاع المياه شرقاً عبر الهادي فترتفع حرارة سطح المحيط قرب أمريكا الجنوبية وتؤدي إلى إضعاف نظام الضغط العالي فتقل سرعة الرياح التجارية ثم تختفي أخيرا لينعكس اتجاهها وتبدأ بالاندفاع من الغرب لتعكس مناسيبها في الغرب بالميلان باتجاه الشرق رافعه مستوى  المياه ودرجة الحرارة السطحية عند سواحل أمريكا الجنوبية , فمثلا أدى حدوث ظاهرة النينو في عام 1997-1998الى شذوذ ايجابي في درجة حرارة سطح المياه عبر الهادي الأوسط والشرقي تجاوز(2-5مْ)فوق المعدل , بل إنها تجاوزت أكثر من 5م قرب جزر جالاباجيوس وعلى طول سواحل بيرو الشمالية,ولقد ارتفعت درجة حرارة سطح المياه إلى أكثر من( 28مْ)في الأجزاء الوسطى والوسطى الشرقية من المحيط الهادي منذ بداية شهر مايو 1997 (3,ص457-458)
     إن الارتفاع في درجة حرارة الماء يرفع من حرارة الهواء حيث لوحظ ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض للسنة التي تعقب النينو حيث ارتفعت درجة الحرارة لسنة 1988(ألسنه التي أعقبت النينو 1986-1987)بمعدل (32/0مْ) عن المعدل العام  للأعوام 51-1980 كما لوحظ ارتفاع معدل درجة الحرارة لسنة 1991 بمعدل ( 39/0مْ) وعام (1995)(38\0) وعام (1998) (44\0) وبشكل عام لوحظ ارتفاع مقاييس الحرارة في كلا نصفي الكره الأرضية زيادة مقدارها 5/1م (2,ص66)
    إن ارتفاع درجة  حرارة  سطح الماء ومن ثم رفع درجة حرارة الهواء يؤدي بالنتيجة إلى زيادة كميه الأمطار الساقطة فمثلا في شيلي سجلت درجات حرارة (30-40مِْ) في الأشهر من أيار إلى تشرين الأول عام 1997 مما جعلها تسجل تساقط مطري (300-400 ملم) في الشمال إلى (900-1000ملم) في الجنوب,لذا سجل المعدل أكثر من الطبيعي فوق كل شيلي بحوالي 100-300ملم وتسلمت سانتيا في منتصف 1997 بنحو ما يقارب 700 ملم وهي أعلى درجه من المعدل الذي هو 250 ملم,وكان معدل التساقط في كالي الجنوبية والنصف الجنوبي لكينيا 400 ملم فوق المعدل لنفس العام,وكذلك الحال في شمال شرق بوليفيا,شمال بيرو والأكوادور,وكولومبيا,بنما,كوستاريكا,نيكاراكوا,حيث تسبب زيادة الأمطار بحدوث فيضانات مدمره وانزلاقات أرضيه , أما في نصف الكره الشمالي فقد سبب النينو تساقطاً قليلا فوق أمريكا الشمالية وفوق الهند حيث قلت الأمطار الموسمية الصيفية شمال غرب الهند في حين سجلت هونكوك هطول مطري زاد عن المعدل بــ(700 ملم) وخلال حزيران وتموز وآب من نفس العام تجاوزت الأمطار (2400 ملم) نتيجة لاستجابة جنوب شرق آسيا لخمس أعاصير استوائيه أثرت في الصين بالقرب من هونكوك فسببت إحداث فيضانات على السواحل الجنوبية الشرقية للصين(2,ص64-65)
   كما أشارة البحوث الحديثه لمركز مناخ الغرب الأوسط في الولايات المتحدة إلى أن الارتفاع في درجة الحرارة التي رافقت التكرارات العنيفة لظاهرة النينو ترتب عليها انخفاض في التساقط الإجمالي للثلوج من(10-20أنج) في المناطق الواقعة شمال الينوي وأنديانا,وعلى طول الجوانب الغربية لولاية مشيكان,وفي الأجزاء العليا من شبه جزيرة مشيكان,وغرب مركز منيسوتا,وجنوب شرق وشمال داكوتا,والحافات الشرقية لبحيرتي أيري وآنتاريو,آما الأجزاء الباقية من الغرب الأوسط فيظهر فيها انخفاض بمقدار(1-10انج) وتنتشر ظاهرة الجفاف في جنوب أفريقيا,وجنوب الهند,سريلانكا,الفلبين,اندونيسيا,تايلاند,أستراليا,جنوب بيرو,غرب بوليفيا,المكسيك,وسط الولايات المتحدة الأمريكية, ويترتب على ذلك حدوث حرائق في جنوب شرق آسيا وتعقيد مشكلة المجاعة في جنوب أفريقا التي تعاني من مشكله الفقر ,(5,ص8)
      كما يرى الباحثون أن ظاهرة النينو تعد سببا يحد من تطور العواصف المدارية والهريكين في المحيط الأطلسي,ولكن أعداد العواصف المدارية تتزايد فوق المحيط الهادي الشرقي والأوسط,غير أن ظاهرة النينا (مرحلة البرودة) في المحيط الهادي الاستوائي تكون ملائمة لنشأة الأعاصير المدارية الهريكين وتطورها.(3,ص454)
     يعتقد أن تأثير ظاهرة النينو لا يقتصر على حركة الجو بين المدارين ,وإنما يتعدى ذلك إلى العروض الوسطى عند المستويات العلوية والسطحية,وإن هذا الاعتقاد يعود إلى فكرة الارتباط عن بعد (Teleconnection),وهذه النظرية تشير إلى وجود علاقة ارتباط بين مظاهر الغلاف الغازي .فعندما يحدث تغير في جزء من إحدى خلايا الدورة ألعامه للرياح ,فإن هذا التأثير سوف ينتقل بعد فتره إلى أجزاء الخلية الأخرى .فمثلا لو حدث تحرك أو تغير في موقع الجبهة الاستوائية ITCZ فوق مكان ما ,فإن هذا التغير سينتقل ليؤثر على المواقع الأخرى للجبهة,وهناك من يعتقد أن خلايا الدورة العامه للرياح تتبادل بعض مؤثراتها,وإن هناك نقاط ارتباط بينها ,لذلك فإن أي تغير في موقع خليه من الخلايا الثلاث , سيؤثر على موقع الخلية الثانية وربما الثالثة (1,ص146-147) إذ تتصل خلية هادلي بالعروض الوسطى في منطقتين الأولى منطقة التلاقي (Convergence) الواقعة عند الحافة العليا لخلية هادلي والثانية منطقه الافتراق (Divergence) على السطح لذلك فإن المناخ الناتج في خلية هادلي سينتقل إلى مناخ العروض الوسطى ,حيث يتزايد انتقال الهواء والطاقة في المستوى العلوي من طبقة التروبوسفير إلى حزام الضغط المرتفع شبه المداري(دائرة عرض 30 ْ) مؤديا ذلك إلى تعاظمه في المستويات العليا والدنيا, مترتبا عليه تدرج كبير في الضغط باتجاه القطبين و بالتالي ازدياد في سرعة الرياح الغربية العلوية وفي حركتها النطاقية,  فينعكس ذلك على طبيعة الحركة الموجية العليا , من حيث سعة الموجات وطولها , والمعروفة بأمواج روسبي المصاحبة للتيار النفاث القطبي , بما لها من دور في توجيه المنخفضات الجوية السطحية ,وفي تشكيلها ,مما تظهر آثاره واضحة في تقلبات الطقس في العروض الوسطى ,كاستجابة مباشره أو غير مباشره لظاهرة النينو ,وتتمثل عموما بشدة الاضطرابات الجوية في العروض بين 40-60 درجه شمالا وجنوبا ,وباضطرابات اقل في العروض شبه المدارية ,التي يزداد في أجوائها العليا  حركة التيار النفاث شبه المداري مع فترة ظاهرة النينو.
     كما يعتقد أيضا أن تدفق ثاني وكسيد الكربون من المحيط إلى الجو ينقص كثيرا في فترة النينو ,إلا أن هذا الأمر وحده لا يكفي لتفسير التذبذبات الملحوظة في مستويات ثاني وكسيد الكربون الجوية الأرضية أو الإقليمية .كما أن اختلافات co2 خلال أحداث النينو من حيث الزمان والمكان ,لا يمكن عزلها عن مصادره الأساسية من الغلاف الحيوي والصخري .وقد أشار بعض العلماء ,إلى أن الزيادة الرئيسية في co2 الجوي عند نهاية فترة النينو مصدرها الغلاف الحيوي الأرضي ,وسببها الجفاف والحرائق في آسيا الجنوبية الشرقية المصاحبة مع فشل الموسميات ,وهذا ما يعاكس الشذوذ السلبي في فتره النينو بفعل تدني نسبة التدفق المحيطي والحيوي (3,ص453-454)
     كما يعتقد أيضا أن غاز الأوزون يميل نحو النضوب في نصف الكره الشمالي عند دوائر العرض القطبية ,وبدا هذا الميل واضحا في عام 1997 وجاء بدرجة أقوى من عامي 1982-1983 مما جعل موقع غاز الأوزون خلال ربيع القطب الجنوبي مشابه في حجمه ومقداره لتلك السنوات الأخيرة .(2,ص63),ولعل أغرب التأثيرات التي أحدثتها ظاهرة النينو في 1982-1983 هو ما اكتشفه فريق العلماء في جامعة كامبريديج بولاية ماساشوستس من تغير لزاوية عزم الأرض وزيادة طول اليوم بمقدار 2/0ملي ثانيه(5 ص3).

2-التأثيرات المادية والبشرية:- تشير حوادث النينو إلى تسببها في حدوث كوارث مادية وبشرية كبيرة ناتجة عن الجفاف و الأمطار الغزيرة والحرائق , فقد قدرت الخسائر الناتجة عن ظاهرة النينو في 82-1983 بحوالي 13 مليون دولار وقتل حوالي 1300-2000 شخص (5,ص3)
      تؤدي ظاهرة النينو إلى هلاك أعداد كبيره جدا من أسماك الأنشوفة والتي يعتمد عليها صيادو الأسماك في البيرو والأكوادور وما يتبعها من صناعات سمكيه وبشكل عام فقد تأثرت الحياة البحرية في المحيط الهادي بهذه الظاهرة فقد هربت اسماك القرش من أنواع (أبو مطرقة) والذي يفضل المياه الباردة بينما مات المرجان وأوز البرنقيل وتعاني  الأجوانة وهي نوع من الزواحف من مشكلة الغذاء بعد أن فقدت الطحالب التي كانت تتغذى عليها ,وماتت أيضا طيور الأطيش ذات الأقدام الزرقاء (5,ص4) .كما أدت هذه الظاهرة إلى تناقض كبير جداً في صناعة المخصبات العضوية , التي تأتي عن طريق الطيور البحرية والتي تقتات على سمك الأنشوفة .ويؤدي هلاك أعداد كبيره جدا من الأحياء البحرية تنتج في مياه البحر كميات كبيره من سلفات الهيدروجين وهذه المادة تلون جسم السفن باللون الأبيض ,ويطلق البحارة على هذه الحالة (دهان كالاو) , كما تؤدي هذه الظاهرة إلى أضرار كبيره بالزراعة وإتلاف ألاف الهكتارات من المحاصيل ,واضرار بليغة بالطرقات ,والمدارس والمنازل ,وجميع البنى التحتية نتيجة الفيضانات والرياح والانزلاق الأرضية وجرف التربة .كما تتكاثر الحشرات على شكل موجات فتؤثر في الإنتاج الزراعي وتتفشى الأمراض الناتجة عنها. وبرغم الأثار السلبية الناتجة من هذه الظاهرة إلا أن أثار ايجابيه كثيرة تنتج عنها منها مثلا ملئ الخزانات المائية من خلال الأمطار الغزيرة .في الأقاليم الجافة ونمو كبير للمراعي وتضاعف أعداد قطعان الحيوانات وإمكانية زراعة محاصيل لم تكن تزرع في الظروف الاعتيادية مثل القطن .

3- التأثيرات الصحية:- نتيجة للتغيرات الشديدة على المناخ والتي تحدثها ظاهرة النينو, قد تنتشر العديد من الفطريات  والبكتريا والفيروسات ,وبالتالي تنتعش الأمراض المعدية ,مثل التهاب الكبد الوبائي ,والتيفوئيد,والكوليرا,والملاريا ,والالتهاب الدماغي الذي انتشر  بشده في الساحل الشرقي للولايات المتحدة بعد حادثة النينو عام 1982-1983 وانتشار البعوض والفئران والثعابين وحتى أسماك القرش التي تكرر هجومها على ساحل أورغونOregon بالولايات المتحدة ,كما تكثر الآفات الزراعية مثل القوارض والحشرات .

4- التأثيرات الحضارية :- يرى بعض العلماء أن هذه الظاهرة كانت سببا في تدمير العديد من الحضارات  لمدة تقدر بخمسة ألاف سنة ,بينما يرى البعض الآخر أنها لم تكن على الإطلاق السبب الوحيد لانهيار أي حضارة من الحضارات ,ويعتقدون أن هذه الظاهرة قامت بدور القشة التي قصمت ظهر البعير بعد توافر العوامل الأخرى للانهيار ,وقد أشار بعض العلماء إلى أن حدوث هذه الظاهرة أدى إلى سقوط حضارة  (الموسن) في بيرو القديمة ,فعلى الرغم من أن تلك الحضارة استطاعت تفادي أخطار هذه الظاهرة عدة مرات ,إلا أن المرة الأخيرة أدت إلى تدمير نظام الري الناجح الذي أقامه أبناء هذه الحضارة فكانت هي الضربة القاضية ,وفيما يتعلق بحضارة المايا ,فإن الدراسات التاريخية ,تشير إلى أن انهيار تلك الحضارة جاء متزامناً مع التقلص الشديد في دورة الأمطار ,والبعض الآخر يرى أن النينو ليس لها علاقة بانهيار الحضارات المختلفة ,حيث أنه لم تظهر دلائل ملموسة تشير إلى وجود نقص في المياه أدى إلى انهيار تلك الحضارة. 

                              الخلاصة والاستنتاجات

   كان هدف البحث هو دراسة ظاهرة النينو .أسبابها وتأثيراتها البيئية والحياتية العامه ,حيث أن هذه الظاهرة قديمه ,فبعض الدراسات دلت على أنها موجودة منذ ألاف السنين ,إلا أن أول تسجيل موثق لها كان في القرن الخامس عشر ويصادف حدوث النينو مع الفصل الذي تكون فيه الرياح التجارية ضعيفة وتقل التيارات البحرية الصاعدة في صيف النصف الجنوبي ,وكان يعتقد في بداية الأمر أن النينو تيار محلي دافئ ناتج من استبدال تيار همبلت أو بيرو البارد الذي يجري جنوبا على طول سواحل الأكوادور وبيرو ,في شرق المحيط الهادي خلال أعياد الميلاد من كانون الثاني وحتى نيسان ,ويصل تأثير هذا التيار إلى خط الاستواء حيث تعمل المياه الدافئة له على قطع تصاعد الماء البارد  من الأسفل ,ويحل محل شريط المياه الساحلية الباردة الناتجة من تصاعد الماء البارد من الأعماق والغنية بالمواد العضوية, ويساعد هذا التغير إلى سقوط أمطار غزيرة على سواحل الأكوادور وبيرو وشمال شيلي الجاف نتيجة تحرك الجبهة الاستوائية إلى الجنوب ,أما الآن فإن النينو يستعمل لوصف ظاهرة أكبر تعمل على تسخين شرق المحيط الهادي الاستوائي بعد خط طول 180 ْ ليصل إلى دائرة عرض15 جنوبا أي يغطي ربع الكره الأرضية .
      تعددت الآراء حول أسباب حدوث هذه الظاهرة إلا أن أغلب الآراء ترجح علاقة حدوث النينو بهبوب الرياح التجارية الجنوبية الشرقية حيث أن هبوبها بقوه لأكثر من سنه يسبب تكدس الماء في غرب المحيط الهادي الاستوائي ,لذلك سيبدو هنالك انحدار في مستوى الماء من الغرب إلى الشرق ,وحالما تضعف هذه الرياح فإن الماء المتكدس في غرب المحيط الهادي ,سيبدأ بالحركة شرقا مما يؤدي إلى وصول كميات كبيره من الماء الدافئ إلى سواحل الاكوادور وبيرو , وبذلك يبدأ النينو .وقد يرجح البعض من أن ضعف الرياح التجارية الجنوبية الشرقية سببه إزاحة موقع الضغط العالي في النصف الشمالي جنوب موقعه خلال الصيف الجنوبي ,أما فيما يتعلق بتأثيرات النينو فإن لهذه الظاهرة تأثيرات مناخية كبيرة ربما نتعدى الحدود الإقليمية إلى التأثيرات على المناخ العالمي برمته .حيث يمكن إجمال التأثيرات المناخية لهذه الظاهرة بما يلي ,التغير في درجة الحرارة والضغط الجوي والرياح ,التفاوت الكبير في كميات التساقط ,تغير نسبة غاز co2 وغاز الأوزون ,التغير في تكرار ومسارات العواصف المدارية (الهيريكين), التأثير على امتدادات وحركات الأمواج العليا للغلاف الغازي ,أما التأثيرات المادية والبشرية فأنها كبيره أيضا فمثلا قتل حوالي 2000 شخص في نينو 1982-1983 وقدرت خسائره بــــ13مليون دولار ,وتأتي هذه الخسائر من خلال الحرائق والفيضانات والأمطار الغزيرة التي تدمر الزراعه والطرق والمنازل والبنى التحتية ,كما يؤدي النينو إلى أضرار صحية نتيجة تغير المناخ فقد تنتشر العديد من الفطريات والبكتريا والفيروسات  وتنتعش الأمراض المعدية. كما يعتقد البعض أن هذه الظاهرة أحد أسباب القضاء على الحضارات القديمة في بعض دول أمريكا الجنوبية كحضارة (الموسن) في بيرو القديمة من خلال تدمير نظام الري الناجح في هذه الحضارة في إحدى مرات حدوث هذه الظاهرة.

المصادر
ـــــــــــــــــــ
1-  قصي عبد الحميد السامرائي,ظاهرة النينو المناخية,مجلة الآداب ,جامعة بغداد,كلية الآداب,العدد 45, 1999.
2-  رشا ماهر محمود الحيالي ,ظاهرة النينو وأثرها في درجة حرارة العراق وأمطاره,رسالة ماجستير غير منشوره,كلية الآداب جامعة بغداد ,2000.
3-  فتحي عبد العزيز أبو راضي ,الأصول ألعامه في الجغرافية المناخية والنباتية,دار المعرفة الجامعية للطباعة ,الإسكندرية ,2003.
4-    سحر شفيق ,ظاهرة النينو المناخية وتأثيراتها,مجلة علوم ,العدد97, 1998.
5-  سعد عجيل مبارك الدراجي ,تكرار ظاهرتي النينو  وللانينا المناخيتين خلال القرن العشرين  وأثارهما البيئية ,رئيس قسم البيئة والموارد المائية ,المركز العالي للمهن الشاملة الشعبية مزدة ليبيا .
6-  ج.ي,كندرو,مناخ القارات ,ترجمة حسن طه النجم وآخرون ,الجزء الثاني  جامعة بغداد ,مطبعة جامعة بغداد ,1967.

Ali abdel kader Elnino event and Rainfall variation in the sahale region of Africa balletion of egyption geographical society vol 70 no. 514 .1997 . 








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق