الصفحات

الاثنين، 16 مايو 2016

المعالم الجغرافية بين التصانيف القديمة والخرائط الحديثة ...


المعالم الجغرافية بين التصانيف القديمة والخرائط الحديثة

شبكة الألوكة - 27/5/2010 ميلادي - 13/6/1431 هجري: 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

  فإن المطالع للإرث العلمي الزاخر الذي خَلَّفه لنا أسلافنا الأماجد، يمر بناظريه في بطونه العديد من المعالم الجغرافية التي لا يستطيع تحديد موضعها من الخارطة، وتكثر هذه المعالم وتزداد إذا كانت المطالعة في كتب التواريخ والسِّيَر؛ لاكتظاظها بأسماء المدن، والقرى، والأقاليم، والبحار، والأنهار، والجبال.

  ولا يجد الناظر في تلك الكتب بُدّاً من الرجوع إلى ما خَطَّته أيمان فُحول الأجداد من تصانيف في علم البلدان، وهي لعمر الله بحور زاخرة، وكنوز ينوء كاهِل الحاذق الماهر عن حيازة دُررها وتحصيل لآلئها؛ ففيها ما لا يُحصى من الفوائد التاريخية، والنوادر الأدبية، وعلوم الأنساب والأجناس، ومعرفة طبائع الشعوب، ولغات الأمم ولهجاتها، وأنواع الحيوانات والطيور، إلى غير ذلك مما يَصْعُب حَصْرُه، ويضيق عن الوصف بيانُه وشَرْحُه.

  ومن الأهمية بمكان، والأمانة العلمية بمنزلة: أن نشير إلى تضمن تلك المصادر لبعض مبالغات في الأوصاف، وخرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة، وإن كان هذا لا يؤثر على القيمة العلمية الإجمالية لها، اللهم إلا أن يكثر في الكتاب حتى يُعد مَجْمَعًا للغرائب، ومُلتقى للعجائب، وليس كل غريب وعجيب مُجافٍ للعقل، أو مُباين للإنصاف والاعتدال في التوصيف.

   ولكن الإشكالية الكبرى التي تواجه المُتَصَفِّح لتلك الكتب بحثاً عن موضع مدينة، أو سعياً للتعريف بإقليم تتمثل في تَعَسُّر تحديد موضعه الحالي على الخارطة، أو تَعَذُّره، ومرجع ذلك لأمور عدة، يمكن استقراؤها من مداومة النظر في كتب التواريخ، وتصانيف البلدان، مع بذل الجهد لإسقاط ما فيها على الخرائط الحديثة، والاستفادة من بعض الدراسات الحديثة التي عُنيت بالحديث عن التطور التاريخي لشعب بعينه، أو بلد بذاتها.

ومن أهم الأسباب المثيرة للإشكالية المذكورة:

1- قابلية الأقاليم والمدن للتوسع والتَقَلُّص والانقسام؛ جراء التنازع عليها بين الممالك المتجاورة.

2- تباين الجغرافية السكانية بين عصر وآخر؛ بفعل قيام الممالك وسقوطها، وهجرات الشعوب وتمازجها.

3- انطماس بعض المدن والولايات القديمة.

4- تضخم حجم بعض المدن والولايات القديمة أو تَقَلُّصه.

5- تغير أسماء بعض المدن والأقاليم القديمة.

6- مغايرة الموازين المعاصرة في معرفة تبعية الأقاليم والشعوب للموازين القديمة، ولا يخفى ما لمفهوم الحدود المعاصر من أثر في دمج شعوب وأعراق متباينة مع بعضها في دولة واحدة يحملون جنسيتها، وينسبون إليها، وتمزيق شعوب وأعراق أخرى بين دولتين أو أكثر.

والأمثلة على ما قدمناه كثيرة يطول المقام بضربها، ويتشعب الحديث بذكرها.

أطروحة تطوير المعاجم الجغرافية القديمة:

  ومما يمكن اقتراحه لحل الإشكالية آنفة الذكر: أن يُجْعَل ترتيب تلك المصنفات الجغرافية وفقًا للتقسيمات الجغرافية الحديثة – لا اعتدادًا بحدود مصطنعة من قِبَل الساعين للسيطرة على الأمم والشعوب من خلال إدارة الأزمات الواقعة بين الدول والشعوب على مستوى الكرة الأرضية، دون حلها – ولكن مراعاة لآلية التيسير المقترحة؛ إذ يجعل الترتيب المذكور في مقدورنا وضع خارطة لكل بلد من البلاد وفقًا للتقسيمات الجغرافية الحديثة في صفحة كبيرة مستقلة، مع وضع المعلومات الواردة في المعاجم القديمة بشأن المعالم الجغرافية لذلك البلد حول الخارطة أو أسفلها، وتعيين المواضع القديمة على الخارطة الحديثة.

   وقد كانت بعض المعاجم الجغرافية القديمة تنحو في التقسيم منحى إقليمياً – مع تباين معايير تلك التقسيمات الإقليمية بين مصنف وآخر واختلافها في الجملة عن التقسيمات المعاصرة -ككتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم للمقدسي، وكتاب البلدان لليعقوبي، وكتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي، وكتاب آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني، في حين رُتب البعض الآخر وفقًا للترتيب الألف بائي، كمعجم البلدان لياقوت الحموي – وهو من أغزرها مادة – والروض المعطار للحميري.

  وأحسب أن من نافلة القول: أن نلفت انتباه القراء الكرام إلى أن الأطروحة المذكورة تحتاج إلى تضافر للجهود، وتعاضد بين الكفاءات العلمية المختلفة، ولا تصلح الجهود الفردية في تحويلها من عالم الأمنية إلى واقع ملموس، إلا أن يخرج بصورة مشوهة لا تفي بالأهداف المرجوة، وتكون أقرب إلى العمل التجاري منها إلى البحث العلمي، كما هو شأن كثير من الأطروحات التي أَوْهَت ركاكة تطبيقها من رسوخ فكرتها، وأذهبت سذاجة صياغتها ما تحمله من تميز وإبداع وأصالة أدراج الرياح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق