الصفحات

السبت، 27 أغسطس 2016

علم الإجرام والعقاب ...


علم الإجرام والعقاب 

مقدمة

 عُرفت الجريمة كظاهرة اجتماعية منذ قديم الأزل ومنذ بدء الخليقة، حين قتل قابيل أخيه هابيل، ولك أن تتخيل تطور شيء منذ قديم الأزل إلى عصرنا الحالي، تطور كبير وشاسع بالفعل. فكما أن كل شيء من حولنا قد تطور أيضاً الجريمة تتطور. إن المجرم الحالي يدرس علم الإجرام ويسرق باستخدام الكمبيوتر ويبحث عن كل جديد من الوسائل التي تتيح له ارتكاب جريمته مع أقل ضرر ممكن بالنسبة له ومع تقليل فرصة القبض عليه.

  بكل اختصار هل تريد أن تعرف أهمية وقيمة القانون في مواجهه الجريمة؟ تخيل العكس، نعم تخيل الحياة من حولك بدون قانون، بدون عقوبة، تخيل أنك تعيش ضمن قوانين الغاب، حيث القوي يبطش بالضعيف، تخيل أن يأتي أحداً ويسطو على ممتلكاتك فماذا ستفعل؟ هل ستلجأ الى أساليب الهمجية والدمار؟
  لذا كان من بين أهم الوسائل اللازمة لمكافحة الظاهرة الإجرامية هو دراستها دراسة علمية وتحديد خصائصها وعناصرها وصولاً إلى تحديد الخصائص المشتركة بين جميع الظواهر الإجرامية، مما يسهل عملية تشخيص الظاهرة الإجرامية من قبل المختصين ورجال الشرطة وملاحقة مرتكبيها والقاء القبض عليهم لينالوا جزاءهم العادل على يد القضاء على ما ارتكبوه من جرائم بحق أبناء مجتمعهم أو الاسرة الدولية عموماً.
 وفي هذا الكتاب نتناول دراسة علم الإجرام والعقاب في فصلين، نتناول في الأول: علم الإجرام والنظريات المختلفة في تحليل دواعي الجريمة والدوافع لارتكابها، ثم في الفصل الثاني: العقاب على ارتكاب الجرائم، ومؤسساته العقابية، وكل ذلك مقارناً بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء.
 نسأل أن يلهمنا التوفيق وأن يجنبنا الزلل والخطأ، وأن ينفع به الطالب والقارئ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
دراسة تمهيدية
  تعتبر الجريمة ظاهرة اجتماعية لازمت الإنسان منذ القدم فلا ينقك مجتمع من المجتمعات من وجود من يقع في الجريمة، وطالما وقعت الجريمة فلا بد من عقاب مقترفها، أو اتخاذ التدابير الأمنية، أو الإصلاحية، أو العلاجية بشأنه.
 والجريمة عمل مضاد للنظام الاجتماعي الذي ارتضاه الناس، ونص الشارع على جزاء جنائي لذلك العمل بسبب ما أحدثه من اضطراب لذلك النظام.
ما يختص به علم الإجرام:
 يختص علم الإجرام بدراسة الجريمة كظاهرة ذات أثر ضار بالمجتمع؛ فيبحث في العوامل المسببة لها، سواء كانت فسيولوجية عضوية(1)، أو ظروف بيئية، أو اجتماعية، أو نفسانية، ويرشد هذا العلم إلى الوسائل التي تؤدي إلى تقليل الجريمة، ويعتبر هذا العلم من العلوم المساعدة لتطبيق قانون العقوبات، ويعرف أحياناً بعلم الاجتماع الجنائي.
ما يختص به علم النفس الجنائي:
 يتعلق علم النفس الجنائي بدراسة النفسية التي تصدر عن صاحبها جريمة في جق غيره(2)، وفائدة هذه الدراسة هو تحديد أسلوب المعاملة اليت تكفل الوقاية من هذه الظاهرة الإجرامية، وطرق علاجها، ويعتبر علم النفس الجنائي شعبة من علم طبائع المجرم ويكون مع علم الاجتماع الجنائي _ علم الإجرام(3).
____________________
(1)   Physiology: study of the way in which a living body (e.g. a man) work.
(2)   علم النفس القضائي، د. رمسيس بنهام، منشأة المعارف – الإسكندرية (96 – 1979م)، ص7.
(3)   المرجع السابق، ص9.

ما يختص به علم النفس القضائي:
  يتعلق بمعرفة ودراسة نفسيات كل من يؤدي دوراً في الإجراءات الجنائية من شرطة، ونيابة، وقضاء، ومحامين، وشهود، وخبراء، وكذلك المتهم في مجال سعيهم لتحقيق العدالة ومظهرها وحسن سيرها، فيكون انحرافاً عن تنفيذ وسير العدالة، كأن يقبض شرطي شخصاً غير المطلوب القبض عليه، وقول غير الحق من شاهد بحسن نية، وسوء فهم البينات وتقدير العقوبة من جانب القاضي بحسن نية لقلة الخبرة، وكذلك الاتهام.
ما يختص به علم العقاب:
   يختص علم العقاب بالبحث في وظيفة العقوبة وما تحدثه من أثر على معدل الإجرام والغرض منها، وأنواع العقوبات خاصة السالبة منها للحرية، وكيفية تطبيقها، ومعاملة المجرمين أو المسجونين بعد تصنيفهم.
   ويعتبر علم الإجرام والعقاب من العلوم الحديثة التي بدأت الدراسة العلمية فيها حديثاً، غير أن هنالك دراسات ونظريات فلسفية سابقة تتعلق بالعقاب وتنادي بتخفيض العقوبة، وعدم توقيع عقوبة قاسية تفوق ما يكفي لردع الجنائي.
   إن الشريعة الإسلامية بينت ما يدفع الإنسان إلى المعاصي والإجرام، وحتى يتجنب ذلك تدعو إلى التكافل الاجتماعي والتربية الإسلامية الصحيحة، ومعالجة، ومعالجة الأمراض، ومنع تفكك الأسر، والعناية بالشباب، وإصلاح المجرمين وقبول توبتهم.
  أما في مجال العقوبة فقد وضعت عقوبات ولا ترفض عقوبة السجن أو غيرها من العقوبات التي تصلح من حال المحكوم عليه والمجتمع.


الفصل الأول
علـــــم الإجــــــــــــرام
المبحث الأول
مفهوم المجرم والجريمة وعلم الإجرام

المطلب الأول: مفهوم الجريمة:
أولاً: المفهوم القانوني للجريمة:
 بأنها هي كل سلوك أو امتناع عن سلوك يخالف قاعدة شرعية أو نظامية وضعت لتنظيم سلوك الإنسان في مجتمعه.
 إن فكرة الجريمة لا تتغير في جوهرها بل تتغير صورها وتتعدد بحسب المصدر الذي وضع الأوامر والأنظمة. فإذا كان المصدر الذي وضع القاعدة دينياً كانت الجريمة دينية وإذا كان المصدر أخلاقياً كانت الجريمة أخلاقية، أما إذا كانت القيم الاجتماعية هي مصدر القاعدة كانت الجريمة اجتماعية، وأخيراً تكون الجريمة قانونية إذا كانت مخلة بقواعد القانون(1).
ثانياً: المفهوم الشرعي للجريمة:
  تطلق كلمة جريمة على ارتكاب كل فعل يخالف الحق والعدل. واشتقت من هذه الكلمة كلمة إجرام وأجرموا مصداقا لقوله تعالى في محكم التنزيل: “إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون(2) “.
  أن الجريمة هي فعل الأمر الذي لا يستحسن ويستهجن. لذلك يعتبر عصيان الله وارتكاب ما نهى عنه جريمة. أن الجريمة هي عصيان ما أمر الله. أو هي إتيان فعل محرم معاقب على فعله، أو ترك فعل واجب معاقب على تركه.
­­­­­______________________
(1)   مبادئ علم الإجرام، د/ محمد خلف، الدار الجماهرية للنشر، ط4، 1986، ص17.
(2)   الآية (29) من سورة المطففين.
ثالثاً: المفهوم الاجتماعي للجريمة:
 لقد أجمع الكثير من الفقهاء المختصين بعلم الاجتماع على أن الجريمة” ظاهرة اجتماعية“، وأن ما أعتبر جريمة ناتج عن تشريع الجماعة لبعض أفعال وأعمال أفرادها، سواء عاقب عليه القانون أم لم يعاقب. أي أن المعيار إلى الاستقامة أو عدمها راجع إلى معيار اجتماعي لا معيار قانوني.
كذلك قيل إن الجريمة هي ” كل فعل يخالف الشعور العام للجماعة“، أو” كل فعل يتعارض مع الأفكار والمبادئ السائدة في المجتمع“.
المطلب الثاني: مفهوم المجرم:
أولاً: المجرم في القانون الجنائي:
   هو كل شخص ارتكب فعلا يعتبر في نظر القانون جريمة. كما أن لفظ مجرم لا يطلق على الفرد الا إذا صدر بحقه إدانة من المحكمة بالحكم بشرط أن يكون هذا الحكم غير قابل للطعن فيه. (1)
ثانياً: المجرم في نظر علم الاجتماع:
   هو الشخص الذي يرتكب فعلا يرى المجتمع أنه جريمة. ومن واقع هذا التعريف لا يعد كل من ارتكب جريمة يعاقب عليها القانون مجرما.
ثالثاً: المجرم في نظر علم الإجرام:
   هو كل شخص اتهم بارتكاب الجريمة، سواء أدين أم لم يدن، وسواء قبض عليه أم لم يقبض عليه.
_______________
(1)   الجريمة والعقوبات ونظام السجون في السودان، د/ سعيد محمد أحمد المهدي، دار الطباعة والنشر، جامعة الخرطوم، ط1، 1970م، ص13.
(2)   المرجع السابق، ص14.

المطلب الثالث: مفهوم علم الإجرام:
 عرفت البشرية الجريمة منذ أقدم عصورها وتحولت الجريمة إلى ظاهرة اجتماعية شاذة
في حياة التجمعات البشرية منذ القدم، وأصبحت الجريمة تمثل مشكلة على مر الأزمنة وباختلاف المجتمعات الإنسانية. وظهرت العديد من الآراء في محاولة لتفسير هذه الظاهرة لبحث دوافعها ولمحاولة السيطرة عليها.
 واتخذت هذه الآراء في البداية طابعاً غير علمي في تفسير الظاهرة الإجرامية؛ حيث كان الفلاسفة يرجعون ارتكاب الجريمة إلى أن الأرواح الشريرة تتقمص جسد المجرم وتدفعه لإغضاب الآلهة وارتكاب جريمته، أو يرجعونها إلى لعنة الآلهة وغضبها التي تنزل بالمجرم فتؤدي به إلى ارتكاب الجريمة، ولذلك كانوا يرون أن الوسيلة الوحيدة لمعالجة المجرم هي في تعذيبه حتى يتم طرد هذه الأرواح الشريرة من جسده أو يتم إرضاء الآلهة.
  وفي تطور لاحق وتحت تأثير الأفكار المسيحية كان ينظر إلى الجريمة على أنها خطيئة دينية؛ فالمجرم قد خالف التعاليم الدينية واتبع الشيطان وتوافرت لديه إرادة متجهة إلى الشر.
وهذه المحاولات أو الآراء التي قيل بها لتفسير ارتكاب الجريمة لا تتسم بالطابع العلمي وبالتالي لا يمكن القول بأن هذه المحاولات قد عرفت علم الإجرام بالمفهوم العلمي الحديث. وظهرت بعد ذلك وفي القرن الثامن عشر الإرهاصات الأولى لمحاولة إيجاد تفسير علمي للجريمة، وكانت هذه المحاولات تركز فقط على المجرم دون الظاهرة الإجرامية، وانصبت هذه الدراسات على الربط بين الجريمة وبين وجود عيوب خلقية ظاهرة في الجمجمة والوجه وكذلك بينها وبين وجود خلل عقلي أصاب المجرم فدفعه إلى ارتكابها.
علم الإجرام : هو تفسير الظاهرة الإجرامية أي الأسباب التي تؤدي إلى الجريمة والأسباب تجمع على عاملين العوامل الداخلية و العوامل الخارجية بمعنى أدق وجود فكرة تعدد الأسباب، فالبعض يبني تصوراته على سبب واحد فيفسر الجريمة بأنها ثمرة عامل واحد بينما البعض الآخر يرى بأن تتعدد الأسباب هو المؤدي إلى تفسير الجريمة إذن " لا يمكن الاعتراف بعامل واحد في كل جريمة، سواء كان ذلك السبب فرديا أو اجتماعيا، إذ أن الجريمة في نظرهم تكون دائما بجمع من عوامل داخلية أو خارجية و كل عامل منها يكون له تأثيره النسبي و دوره الذي يساهم به مع غيره من العوامل في وقوع الجريمة أو دفع المجرم إلى ارتكابها "العوامل الإجرامية تنقسم إلى: نوعين رئيسيين: داخلية و خارجية(1). 

____________
(1)   مبادئ علم الإجرام، د/ محمد خلف، مرجع سابق، ص11.

المبحث الثاني
العوامل الإجرامية الداخلية لعلم الإجرام  

 وهي التي يقصد بها العوامل التي تدفع شخص بذاته إلى ارتكاب جريمة معينة ويشتهر بدراسة هذه الأسباب علم الأنثروبولوجيا الجنائية "علم طبائع المجرم " ويلجأ الباحث في هذا الفرع من علم الإجرام إلى إحدى وسيلتين: الأولى: دراسة المجرم من ناحية عضوية أي دراسة أشكال أعضائه الخارجية وأجهزته الداخلية أو وظيفة الجهاز الداخلي، والوسيلة الثانية: هي دراسة المجرم من ناحية نفسية أي البحث عن غرائزه وميوله ورغباته وعواطفه ودرجة ذكائه.
  والبحث في هذه العوامل هو مجال أو نطاق واسع من دراسة الأشخاص سواء كانوا راشدين أو غير راشدين "جنوح الأحداث " وتنقسم العوامل الداخلية إلى عوامل أصلية وعوامل مكتسبة ومثال عليها: (الضعف والخلل العقلي والسلالة البشرية الوراثية والتكوين العضوي). 


المطلب الأول
العوامل الداخلية الأصلية
v               مفهوم العوامل الداخلية الأصلية: وهي عبارة عن الصفات والخصائص التي تتوفر في الشخص منذ ولادته وهذه العوامل ترتبط في الوراثة، والتكوين العضوي للمجرم والسلالة البشرية والجنس والخلل العقلي.
وفيما يلي بحث كل من هذه العوامل:
الفرع الأول: الوراثة وتأثيرها على الإجرام:
  مفهوم الوراثة: يقصد بالوراثة انتقال خصائص معينة من السلف إلى الخلف عن طريق التناسل. أو هي انتقال خصائص الأصل إلى الفرع منذ اللحظات الأولى لتكوين الجنين.
   إن انتقال بعض الأمراض أو انتقال بعض العوامل المتهيئة للإصابة من الأصل إلى الفرع لا يثير مشكلة من الناحية الطبية، إلا أن الأمر ليس بنفس الصورة من ناحية علم الإجرام. فالمشكلة التي تثار في مجال البحث في علم الإجرام تنحصر فيما إذا كان الإجرام أو الاستعداد لارتكاب الجريمة يمكن أن ينتقل من الأصل إلى الفرع؟ وإذا كان الوضع يختلف من حالة إلى أخرى، فما هو المعيار الذي يمكن على أساسه معرفة ما إذا كان الاستعداد الإجرامي قد انتقل بالوراثة؟ وقبل البحث في علاقة الوراثة بالإجرام، يتعين الإشارة إلى أن المقصود ليس وراثة الجريمة ذاتها ولكن المقصود هو وراثة بعض الإمكانيات أو الاتجاهات التي تعتبر متهيئة لارتكاب الجريمة إذا ما صادفتها ظروف معينة(1).
  وقد اختلف العلماء القدامى إلى اتجاهين، الاتجاه الأول يرى أن ميراث خصائص إجرامية
_________________
(1)   المدخل العلمي لعلم الإجرام والعقاب، د/ هشام أبو الفتوح، ط1985م، وحدة الطبع والتصوير، جامعة القاهرة – فرع الخرطوم، ج1 ص21.
معينة بدنية أو عقلية أو نفسية هو الذي يقود حتماً إلى ارتكاب الجريمة وذلك هو فحوى نظرية لمبروز عن المجرم بالميلاد الذي يولد حاملاً خصائص تجعله حتماً مجرماً. وفي مقابل هذا الاتجاه ذهب اتجاه آخر إلى إنكار دور الوراثة في ارتكاب الجريمة، مؤكداً على أن ارتكاب الجريمة يرجع إلى بعض العوامل البيئية المحيطة بالفرد.
  وقد شاب كلاً من الاتجاهين السابقين التطرف في الرأي، فمن الصعب إغفال دور البيئة المحيطة بالفرد في تكوين شخصيته الإجرامية، كما أن ما ينتقل بالوراثة ليس خصائص إجرامية معينة وإنما مجرد إمكانيات أو اتجاهات قد تولد لدى الفرد – وهذا ليس يقينياً – الميل أو الاستعداد لارتكاب الجريمة.
  وترتيباً على ذلك يرجع العلماء المعاصرون ارتكاب الجريمة إلى مجموعة من العوامل من بينها وراثة بعض الإمكانيات التي قد تولد لدى الفرد الاستعداد لارتكاب الجريمة، مع ملاحظة أن تأثير هذه الإمكانيات ليس حتمياً وإنما تنحصر أهميتها في أنها تشكل أحد العوامل الإجرامية.  
 وفي دراستهم للعلاقة بين الوراثة والظاهرة الإجرامية يلجأ الباحثون إلى أحد أساليب ثلاثة:
1.    دراسة شجرة العائلة.
2.    الدراسة الإحصائية لأسر المجرمين.
3.     دراسة التوائم.
أولاً: طريقة دراسة شجرة العائلة:
  مفهوم الدراسة: هذا الأسلوب يستند إلى دراسة عائلة معينة لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أفرادها ولتحديد مدى إمكانية انتقاله من الأصول إلى الفروع في هذه العائلة.
  وكانت أولى هذه الدراسات وأهمها في هذا المجال تلك الدراسة التي أجريت على عائلة "جوك الأمريكية والتي قام بها "دوجدال، حيث لاحظ أثناء زيارته لسجون ولاية نيويورك ارتفاع معدل الجريمة بين مجموعة من الأفراد المنحدرين من أصل واحد. وأوضحت الدراسة التي أجريت حول هؤلاء الأفراد أن أصلهم المشترك كان مدمناً على الخمر وكانت زوجته مشتهرة بارتكاب جرائم السرقة. وأوضحت الدراسة أن ذرية هذه العائلة على مدى سبعة أجيال متعاقبة ضمت (709) شخصاً، كان بينهم عدد كبير من القتلة والسارقين والداعرات ومدمني الخمر والمتشردين وعدد آخر من المتسولين والمصابين بأمراض عقلية.
  ومن الأبحاث التطبيقية التي أجريت في مجال هذه الدراسة تلك التي أجريت على تاريخ عائلة كاليكاك والتي قـام بها العالم الأمريكي "جودارد وقد تبين للباحث أن الجد الأكبر لهذه العائلة قد أنجب ابناً من امرأة سيئة السمعة وأن هذا الابن قد أنجب بعد ذلك ذرية من 480 فرداً كان بينهم عدد كبير من المنحرفين والمجرمين ومدمني الخمور والبغايا والمصابين بمرض عقلي. في حين أثبتت الدراسة أن الجد الأكبر كان قد تزوج من امرأة أخرى طيبة السمعة وأنجب ذرية مختلفة أثبتت الدراسة أنه لم يكن لديها نفس الانحرافات السابقة، الأمر الذي دعا إلى التأكيد على دور الوراثة في مجال الإجرام.
v   تقييم دراسة شجرة العائلة:
  إن من أهم ما يؤخذ على هذا الأسلوب في دراسة تفسير السلوك الإجرامي أنه أغفل تماماً دور البيئة في ارتكاب الجريمة. فإذا كان الأب أو الجد مجرماً فإن إجرام الأبناء أو الأحفاد قد يرجع للتأثير السيئ للبيئة التي يعيشون فيها وهي بلا شك بيئة متهيئة في الأغلب لارتكاب السلوك الإجرامي. ثم أنه وبنفس المنهجية في التفكير لم تبين هذه الدراسات لماذا لم يكن للوراثة دور في الابتعاد عن طريق الإجرام عندما كان أحد الأبوين غير متصف بالإجرام أي الدراسة أغفلت العوامل الداخلية الخاصة بأحد الأبوين وعليه يمكن القول إن العيوب التي ترد على دراسة شجرة العائلة هي:
1.     عدم إتباع المنهج العلمي السليم.
2.    تجاهل قوانين الوراثة.
3.    ركزت الدراسات على العامل الوراثي وحدة في تفسير السلوك الإجرامي.
ثانياً: الدراسة الإحصائية لإسر المجرمين:
المفهوم: تقوم هذه الطريقة على أساس دراسة العلاقة بين الوراثة والظاهرة الإجرامية لا تركز على دراسة الإجرام في ذرية فرد معين وإنما تمد الدراسة إلى أقاربهم كالأخوة والأعمام والأخوال، كما أنها تتسع لتشمل مجموعة غير منتقاة من المجرمين وذلك لتفادي تأثير البيئة الواحدة عليهم. وتقوم هذه الوسيلة على أحد أسلوبين: إما اختيار مجموعة من المجرمين لمعرفة مدى انتشار الإجرام بين أسلافهم وأقاربهم، وإما اختيار مجموعة من الشواذ وبيان مدى انتشار ظاهرة ارتكاب الجريمة بين أسرهم وأقاربهم.
v   أبحاث تطبيقية على دراسة الإحصائية لأسر المجرمين:
·       الدراسة الأولى: من أشهر الدراسات في هذا الشأن تلك الدراسة التي قام بها العالم الألماني "ستمبل؛ حيث أجرى دراسته على عدد من المجرمين العائدين وعدد من المجرمين الذين ارتكبوا الجريمة مرة واحدة وعدد من غير المجرمين، كما شملت الدراسة حوالي 20 ألف من ذوي اقرباهم ارتكبوا الجريمة لأول مره.
·       الدراسة الثانية: في دراسة أخرى قام بها العالم الإنجليزي "جورنج" أكد فيها على دور الوراثة في نقل الاستعداد الإجرامي من الأصول إلى الفروع. وقد دلل هذا العالم على هذا الدور بأن الأبناء الذين عاشوا منذ سن مبكرة بعيداً عن آبائهم لوحظت لديهم نفس النسبة من الإجرام التي وجدها لدى الأبناء الذين عاشوا في كنف عائلاتهم. وقد لاحظ كذلك نفس النسبة من الجرائم الجنسية لدى الآباء والأبناء وهي جرائم يخفيها الآباء عادة عن أبنائهم.
v   تقييم الطريقة الإحصائية:
ومع كل الملاحظات التجريبية الناتجة عن هذه الطريقة إلا أنه من الصعب الجزم بدور الوراثة في هذا الشأن وإغفال باقي العوامل خاصة دور البيئة المحيطة بالفرد وما لها من تأثير في سلوك الفرد وميله نحو ارتكاب الجريمة.
ثالثاً: دراسة التؤام:
  المفهوم: وهي الطريقة التي تقوم على أساس تلقيح بويضة واحدة بواسطة حيوان منوي واحد ثم انقسام هذه البويضة الملقحة إلى جزأين ويطلق على هذا النوع "التوائم المتماثلة" حيث أن هذا النوع من التوائم يتشابه أفراده في اغلب الخصائص. والثاني ينشأ عن تلقيح بويضتين مختلفتين ويسمى "التوائم غير المتماثلة" وتكون نسبة التشابه بين أفراد هذا النوع في الخصائص أقل من درجته بالنسبة للتوائم المتماثلة.
v   أبحاث تطبيقية على دراسة التؤام:
 أجرى الكثير من الباحثين دراستهم على التوائم بنوعيها مثل جوها نزلانج – ولاجراس- روزانواف وقد خلص الجميع إلى نتائج أهمها :
  تأكديهم في هذا المجال على دور الوراثة في الدفع إلى سلوك سبيل الجريمة خاصة فيما يتعلق بالتوائم المتماثلة.
  هذا وإن كانت هذه الدراسات تبرز دور العامل الوراثي في تفسير السلوك الإجرامي إلا أنه يجب الحذر من تعميم هذه النتائج خاصة إذا أخذ في الاعتبار عدم تقديم تفسير للحالات التي لا يتحقق فيها التوافق في السلوك الإجرامي بين التوائم ومنها المتماثلة، الأمر الذي يدل على أن البيئة المحيطة بالفرد تلعب دورا هاماً في هذا المجال.
 وأكدت هذه الابحاث أيضاً أن الاستعداد الجرمي عند التوائم الاعتبارية كان مختلفا بسبب اختلافها في الخصائص الوراثية مما أدى إلى تفاوت في الاستعداد الموروث لدى كل منها ومن ثم اختلاف موقف كل منها من الإجرام.
v   النتائج التي ترتبت على هذه الدراسة:
  إن النتيجة الهامة التي رتبتها هذه الدراسة أن نسبة الإجرام أعلى في عائلات المجرمين منها في عائلات غير المجرمين وأن الجرائم الخطيرة يكثر ارتكابها في العائلات الإجرامية الخطيرة.
v   تقييم دراسة التؤام:
  على الرغم من النتائج التي أكد عليها الباحثين في مجال هذه الدراسة إلا ان هذه الدراسة تعرضت للنقد الآتي:
أولا: قلة عدد التوائم التي أجريت عليها الدراسة والذي لا يسمح بتعميم النتائج.
ثانيا: أن المجموعات التي أجريت التجارب عليها كانت منتقاة وهذا يتنافى مع أساسيات الإحصاء.
ثالثا: إن تقسيم التوائم إلى توائم حقيقية وتوائم اعتبارية هو محل شك في كثير من الحالات، نظرا لتعذر إجراء هذه الدراسات.
رابعا: أوضحت الدراسة بأن نسبة التوافق بين التوائم الحقيقية في السلوك الإجرامي هي بحوالي الثلثين، وإن نسبة الاختلاف هي بحوالي الثلث وهذه النتيجة لا تسمح بالتأكيد أن الوراثة لها الدور الحاسم في تحديد إجرام التوائم المتماثلة.
v   خلاصة الدراسات المتعلقة بالوراثة:
   وما يمكن استخلاصه من كافة الدراسات التي أجريت لبيان دور الوراثة في الظاهرة الإجرامية أن العوامل الداخلية تلعب دوراً ما في مجال تفسير الظاهرة الإجرامية وذلك عن طريق انتقال بعض الخصائص أو الإمكانيات وراثياً من الآباء إلى الأبناء تجعل لديهم استعداداً ما إلى ارتكاب الجريمة إذا تضافرت مع هذه الإمكانيات أو الخصائص الداخلية عوامل أخرى مستمدة من البيئة التي يعيش فيها الفرد. ولأن هذه الإمكانيات أو الخصائص لا تنتقل بالضرورة بنفس الدرجة من الأصول إلى الفروع، فإن احتمال ارتكاب الجريمة يختلف في الفروع عن الأصول وعليه فإن انتقال الاستعداد الإجرامي من الأصل إلى الفرع لا يتحتم أن يتحول بالضرورة إلى سلوك إجرامي إذا لم يصادف هذا الاستعداد بيئة محفزة ومهيئة لترجمة هذا الاستعداد الإجرامي إلى سلوك إجرامي بالفعل.


الفرع الثاني
التكوين البدني للمجرم

v   المفهوم بالتكوين البدني: يقصد بالتكوين العضوي مجموعة الخصائص الجسدية أو البدنية الظاهرة التي تميز الشخص منذ ولادته. والتساؤل الذي يطرح نفسه في هذا الخصوص يتعلق بما إذا كان لهذه الخصائص الجسدية الظاهرة دور في دفع الشخص إلى ارتكاب الجريمة من عدمه؟ وعما إذا كان المجرم يمكن تمييزه عن غيره بتوافر مجموعة معينة من الخصائص الجسدية أو البدنية يمكن من خلال ملاحظتها الاستدلال على شخصيته الإجرامية؟.
v   العلاقة بين التكوين العضوي والجريمة:
  إن الحديث عن دور التكوين العضوي والجريمة يتطلب البحث في النظريات التي ربطت بين هذا التكوين وبين الجريمة والتي كان من أهمها:
أولا: نظرية لمبروزو .
ثانيا: نظرية غورنج.
ثالثاً: نظرية دي توليو .  


أولا: نظـــــرية التكوين الإجرامي لدى لمـبروزو

  كان لومبروزو طبيباً في الجيش الإيطالي ثم أصبح أستاذاً للطب الشرعي في إحدى الجامعات الإيطالية. وقد أتاحت له طبيعة عمله كطبيب وكضابط بالجيش وكأستاذ بالجامعة أن يقوم بفحص عدد كبير من الجنود والضباط المجرمين والأسوياء على حد سواء وذلك خلال خدمته بالجيش، كما قام بتشريح عدد من جماجم المجرمين ومقارنتها بجماجم غير المجرمين. وقد لاحظ لومبروزو في بداية أبحاثه وجود تجويف غير عادي في مؤخرة جمجمة أحد قطاع الطرق، قال بأنه يشبه التجويف الذي يوجد لدى القردة. وقد دعاه ذلك لمواصلة أبحاثه حيث قام بفحص 383 جمجمة لمجرمين بعد وفاتهم وقارنها مع عدد آخر لجماجم مجرمين أحياء يبلغ عددهم 5907. ومن بين ذلك ما قام به من فحص لأحد المجرمين الخطرين الذي اتهم بقتل ما يقرب من عشرين امرأة بطرق وحشية، وخلص لومبروزو إلى أن هذا المجرم يتميز بخصائص تشبه خصائص الإنسان البدائي(1).
v   تقدير نظرية لمبروزو:
   كان لأفكار لومبروزو، رائد المدرسة الوضعية الإيطالية، فضل كبير في التنبيه إلى ضرورة دراسة المجرم من الناحية التكوينية سواء تركيبه العضوي البدني أو تركيبه النفسي، واتسمت هذه الدراسة بالطابع العلمي واعتمدت على أسلوب البحث التجريبي في دراسة الظاهرة الإجرامية ومع ذلك تعرضت هذه النظرية لعدة انتقالات أهمها(2):
أولاً: بالغت هذه النظرية في وضع خصائص وصفات بدنية ونفسية تميز المجرمين عن غير المجرمين، وأرجعت الجريمة إلى توافر هذه الخصائص لدي الشخص المجرم.
_____________________
(1)   الجريمة والعقوبات ونظام السجون في السودان _ د/ سعيد محمد أحمد ـــــ مرجع سابق، ص13.
(2)   المرجع السابق، ص14.
  والحقيقة إنه يصعب من الناحية العلمية الربط بين توافر هذه الخصائص الجسدية وبين الإقدام على ارتكاب الجريمة وذلك لأن هذه الخصائص تمثل حالة ساكنة غير قادرة على إحداث نتيجة ملموسة في العالم الخارجي كارتكاب جريمة.
  كما أدت هذه النظرية إلى نتائج مبالغ فيها ولا يمكن التسليم بها كحقيقة علمية، ذلك أن هذه الصفات التي تقول النظرية بتوافرها لدى المجرمين توجد أيضاً وبنفس الدرجة لدى غير المجرمين.
ثانياً: أغفلت النظرية أي دور يمكن أن تقوم بع العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في دفعه لارتكاب الجريمة، وفسرت الجريمة بالاستناد إلى خصائص جسدية أو نفسية تتعلق بالمجرم ذاته، رغم أنه لا يمكن إنكار ما تقوم به العوامل الخارجية المحيطة بالفرد في تكوين شخصيته وقد يكون من بين ذلك تكوين الشخصية الإجرامية.
ثالثاً: عدم صحة ما قالت به النظرية من تشبيه المجرم بالإنسان البدائي، لأنه لم يثبت أن لومبروزو قام بدراسة تاريخ البشرية حتى يكون فكرة صحيحة عن الإنسان البدائي، وفي نفس الوقت لم يثبت أن العلم الحديث قد توصل إلى رسم صورة لما يمكن أن يطلق عليه الإنسان البدائي.
 وأخيراً لا يمكن قبول فكرة أن كل إنسان بدائي قد ارتكب جريمة وبالتالي القول بأن الإنسان البدائي إنسان مجرم.
رابعاً: أن التسليم بفكرة المجرم بالميلاد تهدم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومضمون هذا المبدأ "أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، وعندما يتدخل قانون العقوبات بالتجريم والعقاب فإنه يتدخل استجابة لمتطلبات اجتماعية ورغبة في حماية مصالح اجتماعية يري الشارع ضرورة حمايتها جنائياً، ومن المعلوم أن الجريمة فكرة نسبية تختلف باختلاف المكان وتختلف من زمن إلى آخر، وبناء عليه يصعب الربط بين الجريمة كفكرة نسبية وبين توافر خصائص جسدية ثابتة لدى المجرمين عبر مختلف العصور.
ثانياً: نظـــــرية التكوين الإجرامي لدى شارلس جــــــــورنج

   وهي دراسة أجراها عالم إنجليزي (شارلس جورنج) وقد أعتمد في دراسته على مقارنة النواحي الجسدية في الاشخاص محل التجربة من حيث الخصائص الجسدية التي جعلها لمبروزو أساس نظريته (حجم الجمجمة والوزن والطول وشكل الاذنين والجبهة) وشملت دراسته القاتلين ومرتكبي جرائم الحرائق من جهة وشملت أيضا أشخاص غير مجرمين.
  وكان هدف الدراسة معرفة مدى انتشار علامات خاصة غير سوية تميز المجرمين عن الأشخاص العاديين.
 وكان أسلوب هذا العلم البريطاني أدق وأسلم من طريقة لمبروزو إذ أجرى أبحاثه على غير المجرمين، وهذا ما لم يفعله لمبروزو في أبحاثه إذ اقتصر على طائفة المجرمين فقط.


ثالثاً: نظـــــرية التكوين الإجرامي لدى دي توليو
مؤلف هذه النظرية هو العالم دي توليو أحد تلاميذ لمبروزو وهو أستاذ لعلم الطبائع الجنائية (الأنثروبولوجيا الجنائية).
v   مضمون النظرية:
  أن الجريمة تفاعل بين أفراد يمتلكون استعدادا أو ميلاً إلى الجريمة وبين بعض الظروف الخارجية وعليه يمكن تفسير نظرية دي توليو إلى:
أ‌.          الاستعداد الجرمي: وتتركز هذه الفكرة حول وجود استعداد سابق في التكوين الخاص لبعض الجناة يمكن اعتباره عاملاً جوهرياً لسلوكهم الإجرامي والاستعداد الجرمي يختلف باختلاف المجرمين ومن ثم يكون الإجرام سلوكاً يكشف عن شخصية صاحبه ولا يمكن تفسير الجريمة إلا بفحص شخصية المجرم والإحاطة بكل جوانبها.
ب‌.      البيئة: وهي العامل المتمم للاستعداد الجرمي والذي يتولد عن تفاعلها الاتجاه نحو تنفيذ الجريمة، فالاستعداد الجرمي لازم لارتكاب السلوك الإجرامي ولكنه لا يكفي بمفرده لتحقيق هذا السلوك بل لابد من تفاعله مع عوامل البيئة.
v   تقدير نظرية دي توليو:
على الرغم من أن هذه النظرية أكدت على شخصية المجرم بكل عناصرها العضوية والنفسية تلعب دورها في التوجه إلى الإجرام كما انه لم يمهل دور العوامل البيئية الخارجية في تهيئة الفرد في إثارة النزعة الجرمية لديه، إلا أن هذه النظرية قد تعرضت للانتقادات الآتي:
1.     تفترض النظرية توافر التكوين الإجرامي لدى المجرمين كافة وهذا يفتقر إلى الدليل ولاسيما للجرائم البسيطة وكثير من الجرائم الراي العام.
2.    لم تقر النظرية للعوامل البيئية المحيطة بالجرم بدور مستقل وقائم بذاته. 

الفرع الثالث
الخلل في وظائف الأعضاء الداخلية
 أكدت الدراسات العلمية المعاصرة وجود صلة بين كيفية أداء بعض أعضاء الجسم لوظائفها وبين الإجرام، ولعل من أهم هذه الاعضاء هي الغدد الصماء التي تسهم في تنظيم وظائف الجسم الحيوية، ومن الثابت طبياً إن إفرازات الجهاز الغددي تؤثر تأثيراً في سير أجهزة الجسم ولاسيما الجهاز العصبي وتتحكم في وظائفه الحيوية وتؤثر في رد فعل الجسم على جميع المؤتمرات الخارجية التي تباشر فعلها عليه(1).
 ويؤثر الاضطراب أو الخلل الذي يصيب الغدد على التكوين العضوي والنفسي للجسم مما يؤثر على السلوك الإنساني ويدفع به غلى الانحراف وقد يكون هذا الخلل من أصل تكوين الإنسان منذ ولادته أو قد يصيب الإنسان في مراحل معينه، وينقسم إلى:
v   الخلل التكويني الاصلي:
   وهو الخلل الذي يولد فيه الفرد وهذا الخلل يؤثر كثيراً على الحالة النفسية والعصبية، ويؤدي إلى اضطرابها مثل زيادة إفراز البنكرياس يخلق القسوة في نفسية الشخص، وخمول الغدة النخامية يؤدي إلى الخجل والانعزالية.
v   الخلل العارض:
   وهو يصيب الإنسان سليم التكوين في فترات معينه من عمره حيث تنشط لديه إفرازات الغدد أحياناً أو تقل أحياناً، مما يؤثر على حالة الشخص العصبية والنفسية الامر الذي يؤثر سلبا على سلوكه وتفاعله مع الأخرين والذي قد يؤدي به إلى ارتكاب جريمة(2).
_____________
(1)   الطب النفسي ـــــ د/ أحمد حسن أحمد وآخر ــــــ أخصائي الأمراض العصبية والنفسية ـــــــ مكتبة عالم الكتب ـــــــ أمدرمان ــــ السودان ـــــ مطبعة النهضة ـــــ مصر، ص23.
(2)   المرجع السابق، ص26.
                                       
الفرع الرابع
السلالـــــــة البشــرية

v   تعريفها:
في اللغة: هي ما سل من الشيء واستخرج منه.
واصطلاحاً: جماعة من الناس لا تجمعهم إلا اللغة – جماعة لا يتشابهون عضوياً بل نفسياً واجتماعياً.
v   العلاقة بين السلالة والجنوح نحو الإجرام:
  الجينات تعمل على طبع السلالة بطابع خاص يميزها عن غيرها مثل مادة الميلانين وحسب تركيزها فكل جين له وظيفة كيميائية ينتج عنها أنزيم ويمر بتفاعلات وما يميز الجماعات البشرية ليس وجود أو عدم وجود جين معين بل درجة وجوده.
   وبالإضافة إلى الوراثة فللبيئة دور في التكوين البدني والنفسي للسلالات [عوامل طبيعية واجتماعية] والسلالات لا تختلف في الصفات البدنية والنفسية بل بالإجرام.
v   الدراسات الإحصائية لعلاقة السلالة بالإجرام:
·       الدراسة الأولى:
المقارنة بين حجم إجرام دولة معينة بدول غيرها = جرائم الاعتداء على الأشخاص في أوروبا.
جرائم القتل تزيد في جنوب أوروبا وشرقها 4= 100000 شخص وتقل في الشمال 1=100000 شخص.
لا يمكن التمييز بين السلالات إلا من حيث نوع وكم والإجرام.


·       العيوب:
هذه الدراسة قد لا تسفر عن نتائج دقيقة ومعبرة عن الواقع لأن الجرائم تختلف من دولة لأخرى.هي عقد مقارنات بين الشعوب كل منها في دولة مختلفة وتخضع لتأثير البيئة.  
v   الدراسة الثانية:
الاهتمام بالمقارنة بين إجرام السلالات المتعددة التي تقيم في دولة واحدة.
والولايات المتحدة ميادين خصبة لهذه الدراسات لأن بها سلالات فأغلب سكانها بيض ويقيمون أيضا الجنس الأصفر والأسود.
-نسبة إجرام الزنوج تفوق نسبة إجرام البيض:
v   تفسير للظاهرة:
المجتمع الأمريكي متحيز ضد الزنوج فغالبية البيض يميلون لاتهام الزنوج في ارتكاب الجرائم. بالإضافة لأن الزنوج أقلية في أمريكا فيشعرون بالظلم، كما أن الزنوج ميالون بالفطرة إلى ارتكاب الجرائم. [فرنسا والنازلين فيها].   

الفرع الخامس
جنس المجــــرم

v   مفهوم النظرية:
  كثيرا من الباحثين يقولون بأنه يوجد اختلاف كبير في الإجرام عند الذكور والإناث، فنسبة الإجرام تكون مرتفعة عند الذكور ومنخفضة عند الإناث، وقد أجريت بعض الإحصائيات على ذلك، من حيث الكم والنوع والوسيلة.
 والعلماء يرون في هذا الاختلاف اختلاف نسبي وهذا لعدة أسباب: أن المرأة كثيرا ما تكون هي الباعثة الحقيقية على ارتكاب الجريمة بمعرفة الرجل – مثلا: الدعارة إذا اعتبرت كجريمة هذا يرفع من نسبة الإجرام عند النساء – إجرام النساء يفوق إجرام الرجل في فترة الحروب، ويفسر ذلك من ناحيتين: ناحية عضوية يتفوق الرجل على المرأة كذلك نجد أن المرأة دائما عاطفية. والناحية الثانية ناحية اجتماعية تتعلق بصلة أو طبيعة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع فهي في بعض الدول المرأة لا تخرج إلى الحياة العامة وبالتالي لا تتعرض للاحتكاك بالغير مما يقلل اقترافها للجرائم وهي دائما في كنف الرجل الذي يقوم بحمايتها ويحول بينها وبين التعرض للمشاكل الاجتماعية وتبتعد عنها كل السلوك الإجرامية بمختلف أنواعها.
v   الإحصائيات الجنائية عن إجرام كل من المرأة والرجل:
جرائم تليق بالنساء: الإجهاض، جريمة قتل المواليد، جريمة شهادة الزور، يغلب على إجرام المرأة طابع الغدر والاحتيال.
جرائم تليق بالرجال: جرائم العنف بشكل عام السلاح: ضرب، جرح، سرقات، جرائم مضرة بالمصلحة العامة.

v   تفسير الإجرام باختلاف الجنس:
أولا: التفسير البيولوجي:
 وهذا التفسير يقوم على أساس أن المرأة تختلف عن الرجل من ناحية التكوين البدني والنفسي، فإذا ما نظرنا إلى أن تكوين المرأة أضعف بدنياً من الرجل، دل ذلك على قلة إقدامها على ارتكاب جرائم العنف، أو على التجائها إلى وسائل سهلة إذا ما أقدمت على ارتكاب هذه النوعية من الجرائم مثل القتل بالسم. ومن الناحية النفسية فإن التغيرات الفسيولوجية التي تمر بها المرأة في فترات مختلفة من حياتها والمرتبطة في الأصل بطبيعتها كأنثى كالحمل والوضع والرضاعة وفترات الحيض، هذه التغيرات تقف وراء ارتكابها نوعية معينة من الجرائم.
  ورغم وجاهة هذا التفسير فإنه يجب النظر إليه على أنه تفسير جزئي للاختلاف بين إجرام الرجل والمرأة حيث أنه لا يجب إغفال دور البيئة الاجتماعية والظروف التي تعيش فيها المرأة والتي قد تدفعها إلى ارتكاب نوعية معينة من الجرائم. وهو ما سيتضح من دراسة التفسير الاجتماعي لاختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل.
ثانياً: التفسير الاجتماعي:
  يستند هذا الاتجاه في تفسير اختلاف إجرام الرجل عن إجرام المرأة إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي يعيش فيها كل منهما. فضآلة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع وعدم خروجها إلى الحياة العامة هو الذي يقلل من فرص ارتكابها للجريمة. وعليه فإن الفجوة بين إجرام كل من الرجل والمرأة تضيق كلما لعبت المرأة دوراً كبيراً في المجتمع وشاركت بصورة إيجابية في نواحي الحياة المختلفة لأن ذلك يجعلها عرضة للاحتكاك بالغير.
   ومن ناحية أخرى يرجح البعض اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل إلى طريقة تربية الأولاد الذكور والإناث؛ حيث يتم التركيز على ضرورة احترام البنت للعديد من القواعد الأخلاقية والاجتماعية مما يقلل لديها القدرة على انتهاك هذه القواعد وبالتالي انخفاض نسبة ارتكابها للجريمة.
v   خلاصة تفسير الإجرام بسبب الجنس:
  وما يمكن أن نستخلصه من استعراض الاتجاهات السابقة في تفسير اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل هو أنه يجب عدم إغفال أي من الاعتبارات أو التفسيرات السابقة، بل إنه يجب النظر إليها نظرة تكاملية وعدم الاستناد إلى أحد هذه التفسيرات على سبيل الانفراد. فقد خلص الفقه الحديث إلى أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل يرجع في حقيقة الأمر إلى اختلاف التكوين البدني والنفسي لكل منهما وفي نفس الوقت إلى طبيعة الظروف الاجتماعية التي تعيشها المرأة والتي تحدد حجم الدور الذي تلعبه في المجتمع. 

الفرع السادس
الضعـــف العقلي
v   مفهوم النظرية:
 لقد اهتم الباحثون في علم الإجرام و الانحراف بدراسة آثار الضعف العقلي في الظاهرة الإجرامية إلى درجة أن ذهب البعض إلى حد القول أن معظم حالات الإجرام يمكن تفسيرها بالضعف العقلي ، لأن صاحبه لا يتمتع بقدرة أو بقدر كاف من الإدراك يسمح له بالتحكم في سلوكه الإجرامي ، ويتفق علماء الإجرام على أن الضعف العقلي لا يعد سببا رئيسيا إلا في طائفة المجرمين الأحداث لأن الحدث ضعيف العقل يكون غالبا غير قابل لإتمام مراحل الدراسة و غير قادر على التكيف الاجتماعي مما يدفعه إلى الإجرام ، فالضعف العقلي عامل إجرامي محدد نسبيا.
v   الصلة بين الضعف العقلي وارتكاب الجريمة:
  أغلبية علماء الإجرام لا يريدون التحدث عن الخلل العقلي ويحبذون مصطلح الجنون والجنون أنواع منها: جنون الإرادة الذي يعتبر أنه مرض عقلي يقتصر تأثيره على الإرادة، وهو عبارة عن رغبة مكبوتة تثير القلق وعدم الاستقرار فتسيطر على إرادة.
المريض دوافعه شاذة تدفعه إلى ارتكاب جريمة معينة دون غيرها من الجرائم وكذلك تتعدد أسماء هذا الجنون التي يقبل المريض على ارتكابها مثل جنون السرقة أو جنون الحريق. ونخلص من ذلك أن الخلل العقلي قد يكون سببا في امتناع المسؤولية الجنائية أو سببا لإنقاص تلك المسؤولية، وربما لم يكن كذلك أثناء ارتكابه الجريمة، وعليه سوف نتحدث عن عاملين رئيسين من العوامل التي أثرت على ارتكاب ضعاف العقول للجرائم وهما: العامل النفسي، والعامل الاجتماعي.
______________
(1)   أثر الانفعالات على المسئولية الجنائية ـــــ د/ بابكر الشيخ ـــــ سلسلة مطبوعات جامعة الأحفاد للبنات ــــ ط2003م ــــ ص23.
أولاً: العوامل النفسية:
   يؤثر نقص الذكاء عند الشخص على الجوانب النفسية ويحدث خللاً فيها ويبدو ذلك جلياً في أن الضعف العقلي يضعف التحكم في الغرائز والشهوات مما يجعل ضعاف العقول يقدمون على إشباع غرائزهم دون الاكتراث بمنظومة القيم الدينة او القواعد الاجتماعية، ومن جانب آخر نجد أن ضعاف العقول لديهم شذوذ بالشخصية فهم يعانون غالبا من نقص في العواطف الطبيعية كالرحمة والشفقة(1).
ثانياً: العوامل الاجتماعية:
  يؤدي الضعف العقلي غالبا إلى عدم مقدرة الشخص في مواجهة ظروف الحياة فغالباً ما تغلق سبل العمل المشروع أمام ضعاف العقول وفي أكثر الأحيان يعهد إليهم في الأعمال ذات الدخل الضعيف، الامر الذي يدفعهم إلى ارتكاب بعض أنواع من الجرائم مثل التسول والتشرد والسرقات البسيطة.
v   الصلة بين الضعف العقلي وبين نوع الجريمة:
  لقد أكدت الدراسات أن هنالك نوع خاص من الجرائم يرتكبها الأشخاص ضعاف العقول أو الأشخاص الأقل ذكاء وهذه الجرائم تسمى بجرائم الغباء مثل التسول والتشرد والحريق وجرائم السرقة وبعض الجرائم غير المقصودة.
وفي المقابل نجد أن هنالك نوع من الجرائم لا يرتكبها الاشخاص ضعاف العقول تلك التي تسمى بجرائم الذكاء كالاحتيال والتزوير والاختلاس والتجسس والجرائم الاقتصادية.
_____________
(1)   الطب النفسي ـــــ د/ أحمد حسن أحمد وآخر ــــــ أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، مرجع سابق، ص32.
(2)   أثر الانفعالات على المسئولية الجنائية ـــــ د/ بابكر الشيخ، ص25.


المطلب الثاني
العوامل الداخلية المكتسبة
 وتعرف العوامل الداخلية المكتسبة على أنها الخصائص التي يكتسبها الإنسان بعد ولادته سواء بإرادته أو رغماً عنه ونتناول ذلك الفروع التالية:

الفرع الأول: التغيرات التي تطرأ على الفرد نتيجة لتقدم السن ويسمى عامل السن.
الفرع الثاني: الامراض العضوية والعقلية.
الفرع الثالث: السكر والادمان على المخدرات. 

الفرع الأول
عــــــــامل الســــــن
  يمر الإنسان في حياته بمراحل عمرية عديدة، وتختلف خصائص الفرد من حيث التكوين البدني والنفسي في كل مرحلة من هذه المراحل العمرية. كما أن للبيئة المحيطة بالفرد دور هام في تحديد اتجاهات سلوكه في كل مرحلة عمرية.
  ومن أهم المراحل التي يمكن التعرض لها لبيان مدى ارتباطها بالظاهرة الإجرامية كماً وكيفاً مرحلة الطفولة، مرحلة المراهقـة، مرحلة النضوج ومرحلة الشيخوخة.
v   العلاقة بين المراحل العمرية وظاهرة الإجرام:
أولا: مرحلة الطفولة.
ثانيا: مرحلة المراهقة.
ثالثا: مرحلة الشباب.
رابعا: مرحلة النضج.
v   مرحلة الطفولة:
  تمتد هذه المرحلة حتى سن الثانية عشرة، وتتميز الفترة من التاسعة إلى الثانية عشرة بخطوات نحو الاستقرار النفسي والانتظام في الحياة المدرسية. وخلال هذه المرحلة لا تظهر أفعال إجرامية إلا على سبيل الاستثناء، ويرجع ذلك للضعف الذي يميز الطفل في هذه السن، بالإضافة إلى محدودية الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل في هذه السن المتقدمة.
  وفي حالة رصد حالات إجرامية في هذه السن فإنها غالباً تتركز حول ارتكاب جرائم الأموال مثل السرقة التي تتم داخل محيط الأسرة.


v   مرحلة المراهقة:
  تمتد هذه المرحلة من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة، وأهم ما يميزها هو البلوغ الجنسي بما يصاحبه من نمو بدني وذهني وتغيرات نفسية نتيجة الزيادة في إفرازات الغدد.
هذه التغيرات البيولوجية والفسيولوجية، علاوة على ما يصاحبها من اتساع مساحة العلاقات الاجتماعية للحدث وتنوع الوسط البيئي والاجتماعي الذي يتعامل معه الحدث، تزيد من نسبة ارتكاب الجريمة. هذا من ناحية الكم، أما من ناحية الكيف فإن جرائم الحدث في هذه المرحلة تدور حول ارتكاب جرائم الأموال وكذلك ارتكاب الجرائم الجنسية الأخلاقية مثل هتك العرض والاغتصاب.
v   مرحلة الشباب:
 وتمتد هذه الفترة من سن الثامنة عشرة حتى الخامسة والعشرين من عمر الإنسان وهي أول مرحلة من مراحل النضج اعتبرها البعض.
 وفي هذه السن تصل الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية المتصلة بمرحلة المراهقة إلى نهايتها حيث تبدأ مرحلة الشباب.
   وفي هذه المرحلة يستمر ارتفاع معدل جرائم الأموال وذلك بظهور نوعية جديدة من هذه الجرائم مثل النصب وخيانة الأمانة.
v   مرحلة النضج:
  تمتد هذه المرحلة المركبة من الثامنة عشرة إلى الخمسين. وداخل هذه المرحلة يمكن التمييز بين ثلاثة مراحل، الأولى وتعرف بالنضج المبكر وتمتد من الثامنة عشرة إلى الخامسة والثانية تعرف بالنضج المتوسط وتمتد من الخامسة والعشرين إلى الخامسة والثلاثين والعشرين والثالثة وتعرف بالنضج الكامل وتمتد من الخامسة والثلاثين إلى الخمسين.
   وفي مرحلة النضج المبكر تصل الاضطرابات الفسيولوجية والنفسية المتصلة بمرحلة المراهقة إلى نهايتها حيث تبدأ مرحلة الشباب. وفي هذه المرحلة يستمر ارتفاع معدل جرائم الأموال وذلك بظهور نوعية جديدة من هذه الجرائم مثل النصب وخيانة الأمانة وكذلك يلاحظ ارتفاع نسبة جرائم الاعتداء على الأشخاص مثل الضرب والجرح والضرب المفضي إلى الموت وجرائم القتل، كذلك جرائم القتل الخطأ المرتبط بقيادة السيارات. كما ترتفع نسبة جرائم الفعل الفاضح إلى أعلى معدلاتها.
  أما في مرحلة النضج المتوسط، فإن ملامح الشخصية تقترب من صورتها النهائية حيث يتجه الفرد إلى النشاط والحيوية في عمله لتحقيق الاستقرار المهني والمالي مع شعوره بالحاجة إلى الحياة العاطفية لتحقيق الاستقرار العائلي.
   ويأخذ منحنى الإجرام في بداية الهبوط خلال هذه المرحلة مع استمرار ارتكاب نوعية معينة من الجرائم مثل جرائم النصب والسرقة والقتل الخطأ المرتبط بحوادث الطرق وقيادة السيارات.
  أما مرحلة النضج الكامل فهي تتميز بذروة النمو في الإمكانات الذهنية والنفسية، وكذلك تأخذ الحياة طابع الاستقرار على كافة المستويات المهنية والاجتماعية والعائلية.
  ويلاحظ على هذه المرحلة هبوط نسبة الإجرام بصفة عامة مع ملاحظة أن جرائم الاعتداء على الشرف والاعتبار تبلغ ذروتها في هذه المرحلة خاصة وأن هذه النوعية من الجرائم لا تحتاج إلى مجهود عضلي لارتكابها. 

الفرع الثاني
الأمراض العضوية والعقلية

أولاً: الأمراض العضوية وأثرها على الإجرام:
    لقد أثبتت التجارب أن الأمراض العضوية لها أثر كبير على ارتكاب الانسان للجريمة ومن هذه الأمراض السل والزهري والأغشية المخية المزمنة وفيما يلي الصلة التي تربط كل من هذه الامراض بالجريمة:
1. مرض السل: أثبتت الدراسات أن لهذا المرض أثر على الناحية النفسية للمصاب بحيث تجعل منه شخص متشائم غير قادر على مواجهة المشكلات التي تعترضه مما يحدو به إلى ارتكاب جرائم، وهنالك من فسر ـ اثير هذا الامر وفقا للنظور الاجتماعي حيث أن حامل هذا المرض لا يستطيع كسب مصادر عيشه بالطرق الشرعية ويلجأ الى الطرق غير الشرعية.
2. التهاب الأغشية المخية: حامل هذا المرض ضعيف السيطرة على الغرائز ولاسيما الغريزة الجنسية والميل للعنف مما يجعل منه شخصا مجرما احيانا. 
ثانياً: الأمراض العقلية:
مفهومها: وهو كل حالة عقلية أو انفعالية تؤثر على سلوك الفرد فتحول بينه وبين ممارسته لحياته بشكل طبيعي، والمرض العقلي إما أن يكون ناتجا عن آفة ناشئة عن آفة عضوية في المخ أوو في خارجة وتؤثر فيه، وإما أن تكون ذات منشأ نفسي وتسمى بالأمراض العقلية الوظيفية.
 وقد أثبتت العديد من التجارب بأن العلاقة بين المرض العقلي والإجرام علاقة مباشرة حيث يؤثر المرض العقلي على سلوك المصاب وتصرفاته اثناء مرضه كما في الأمراض الأتية:
ثالثاً: الأمراض العقلية وأثرها على السلوك الإجرامي(1):
§    انفصام الشخصية: وهو من أخطر الامراض العقلية واكثرها صله في الاجرام كما انه من أكثر الأمراض انتشارا بين الشباب حيث يصيب فئة الشباب غالبا بين سن 18-25 وينشأ بصورة تدريجية ومن أهم أعراضه الاهمال بنفسه أو أسرته او عمله وقد يصل به الامر الى التشرد والاجرام
§    الصرع: وهو عباره عن اضطراب عقلي يحدث وقد يؤدي بالمصاب إلى ارتكاب جرائم السرقات البسيطة والجرائم الجنسية
§    الهوس والاكتئاب: وهو مرض عقلي قد يحدث اضطرابا في شخصية الفرد ويؤدي إلى تفكك نفسيته مما يحدو به إلى ارتكاب جرائم الايذاء
§    الباراثونيا: كالشعور في العظمة والاضطهاد وقد يرتكب الشخص جرائم المال أو الإيذاء.
رابعاً: السكر وإدمان المخدرات:
  للخمر أثر تخديري على الجهاز العصبي المركزي، بسبب تعطيل التركيب الشبكي المنشط المنتشرة في ساق المخ المختص باليقظة والتركيز.
ويؤدي تناول الخمر إلى الشعور بالخفة والنشوة وتزايد الثقة في القدرات العقلية والبدنية مما يهيئ له إتيانه سلوك يستنكره.
v   العلاقة المباشرة بين الخمر وإجرام شاربها:
  إن تعاطي الخمر يرتب آثار عضوية ونفسية واجتماعية تكيفه إلى ارتكاب الجرائم، هذا ويعرض تعاطي الكحوليات لأضرار أكبر من الشخص المدمن على مادة مخدرة.
________________
(1)   الطب النفسي ـــــ د/ أحمد حسن أحمد وآخر ــــــ أخصائي الأمراض العصبية والنفسية، مرجع سابق، ص33.
  وإن للكحول أيضا تأثير على قدرة الشخص على التفكير والتنسيق الحركي، وحدةً في المعاملة وميل إلى الاعتداء وأمراض تليف الكبد ودائماً متعاطيه يكون معرضاً لفقدان القدرة على التحكم والتنسيق، ويعتبر الضرر الأكبر أن يلجأ المدمن لاستعمال موارده المحدودة للحصول على المشروب – انخفاض قدراته الإنتاجية وإهماله لأسرته.
v   العلاقة غير المباشرة بين الخمر وإجرام شاربها:
  إن تعاطي الخمر يرتب آثار عضوية ونفسية واجتماعية تكيفه إلى ارتكاب الجرائم حيث يعرض تعاطي الكحوليات لأضرار  أكبر من الشخص المدمن على مادة مخدرة، إضافة إلى ان الكحول لها اثير كبير على قدرة الشخص على التفكير والتنسيق الحركي وحدة في المعاملة وميل إلى الاعتداء وأمراض تليف الكبد ودائماً متعاطيه يكون معرضاً لفقدان القدرة على التحكم والتنسيق، ويعد الضرر الأكبر لشرب الخمر أن يلجأ المدمن لاستعمال موارده المحدودة للحصول على المشروب من خلال وسائل غير شرعية وينتهي به الامر إلى فتور العلاقات الزوجية وعدم توافق الزوجين وزيادة معدل الطلاق، وقد يقدم المدمن لارتكاب جرائم الاعتداء على الأموال والتشرد والتسول لحاجته للمال للحصول على المسكر. 

المبحث الثالث
العوامل الإجرامية الخارجية

 وهي على نوعين:
 أولا: عوامل طبيعية: ويقصد بها مجموع العناصر البيئية المحيطة بالفرد مثل المكان والمناخ والسكان والظواهر الجوية مثل درة الحرارة والضغط ومدى انتشار الضغط الجوي.
 ثانيا: العوامل الاجتماعية: وهي العوامل التي يتأثر بها الفرد من خلال عيشه في الوسط الاجتماعي.
  ونتناول هذه العوامل بشرح موجز في مطلبين على نحو ما يلي: ـــــــ

المطلب الأول: العوامل الطبيعية وأثرها بالإجرام.
المطلب الثاني: العوامل الاجتماعية وأثرها بالإجرام. 

المطلب الأول
العوامل الطبيعية

أولا: علاقة درجات الحرارة وظاهرة الإجرام:
  إن العوامل المناخية متعددة وتختلف باختلاف الأماكن والمواقع الجغرافية من حيث الارتفاع والانخفاض عن البحر، ومن حيث بعدها وقربها عن خط الاستواء، وتختلف درجة الحرارة كذلك في المكان الذي تتغير فيه فصول السنة.
 أما عن حالة الطقس فيرجع إلى درجة الضغط الجوي، انتشار الرطوبة، وحركة الرياح الطول النسبي لليل والنهار، والمطر والضباب وغير ذلك. وقد اهتم بهذه الأبحاث والدراسات العالم كيتلي الذي يرى بأن عدد الجرائم تزداد تدريجيا كلما اقتربنا من خط الاستواء وعلى ضوء ما قدمه العالم كيتلي يمكن تحديد علاقة درجة الحرارة بأهم الأعمال الإجرامية: فمثلا: ترتفع نسبة جرائم الدم في الجو الحار وتنخفض في الجو البارد، وترتفع نسبة جرائم المال في الجو البارد وتنخفض في الجو الحار، ترتفع نسبة جرائم العرض في الجو المعتدل وتنخفض في الجو البارد والحار(1).
 ولقد فسر لنا الفقهاء علاقة المناخ بالإجرام بثلاث نظريات هي: النظرية الطبيعية، والنظرية الاجتماعية، والنظرية النفسية، ونتناول ذلك بشرح موجز.
أولاً: النظرية الطبيعية:
  لقد فسرت هذه النظرية أن الأجواء الحارة تقل حاجة الجسم إلى الطاقة الحرارية اللازمة فيفيض عن حاجته قدر من الطاقة فيدفعه إلى ارتكاب جرائم العنف، والحر يقلل من قدرة
____________________
(1)   علم الإجرام والعقاب ــــــ د/ علي عبدالقادر القهوجي ـــــــ الدار الجامعية للطباعة والنشر ـــــ بيروت ــــــــ ط1987م، ص154،144.
الإنسان على مقاومة الدوافع اللاأخلاقية، وأن للأحوال المناخية تأثير مباشر على ظاهرة الجريمة. لأن ارتفاع الحرارة يزيد من حيوية أجهزة الجسم ويجعل الإنسان أكثر استعداداً للانفعال والإثارة وينشط غريزته الجنسية، إضافة إلى تزايد جرائم الأموال في الشتاء بسبب سرعة حلول الظلام وطول مدة لياليه المظلمة حيث يسمح للصوص ارتكاب جرائمهم.
v   الانتقادات التي وجه للنظرية الطبيعية:
  وجهت إلى النظرية الطبيعية العديد من الانتقادات وهي:
أ‌.          إن ارتفاع الحرارة يقتضي أن تزيد حدة الغريزة الجنسية ويكثر ارتكاب الجرائم الجنسية في الصيف إلا أن إحصاءات بعض الدول تثبت ارتكاب الجرائم الجنسية مع بداية فصل الربيع وتزايدها.
ب‌.      القول بأن الحر يضعف من صلابة الإنسان وقدرته على المقاومة ولو كان هذا صحيحاً لوجب القول إن تقل جرائم العنف في الصيف بدلاً من أن تزيد لأن ضعف المقاومة يصحبه ضعف إتيان أعمال العنف.
ت‌.      إن تفسير تزايد الاعتداء على الأموال في الشتاء بسرعة حلول الظلام ومدته، فيقتضى أن تشهد شهور الشتاء زيادة في جميع أنواع السرقات خاصة السرقة بالكسر يحتاج وقت أطول.
ثانياً: النظرية الاجتماعية:
  فسرت هذه النظرية أن الأحوال المناخية أثرت على الإجرام بشكل غير مباشر من خلال تأثيرها في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، فعلى سبيل المثال في فصل الصيف يقضي الناس معظم أوقاتهم خارج المنزل وتشهد حدائقهم ودور اللهو تجمعاتهم. وتزدحم بهم الطرقات وشواطئ الاستجمام والأماكن العامة. مما يتيح الاحتكاك والتشاحن ويهيئ لهم أسباب الخلاف. والصيف موسم إجازات سنوية حيث تتعطل طاقة الأفراد الذي كانوا يوجهونها في العمل. إلى صرف تلك الطاقة في ارتكاب الجرائم كما أن العطش الشديد في الحر يفضي إلى تناولهم للكحول التي تعد عامل من عوامل الإجرام.
 وفسرت هذه النظرية أنه في فصل الشتاء تتزايد احتياجات الأفراد ويتطلب إشباعها إنفاقا نقدياً.  إذ يشتد البرد فتلح الحاجة إلى الملابس الثقيلة والمسكن والتزود بالطعام والإحساس بالدفء باستخدام مصادر الدفء من أجهزه، ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض الدخل بسبب الركود الاقتصادي.
v   الانتقادات التي وجه للنظرية الاجتماعية:
  النظرية الاجتماعية لا تخلو من مآخذ تخل بسلامة ما تقدمه من تفسير للعلاقة بين المناخ والإجرام. فهي تعجز عن تفسير ارتفاع وانخفاض الجرائم الجنسية التي ترتفع في الربيع وبداية الصيف ثم تنخفض تدريجياً.
ثالثاً: النظرية الفسيولوجية:
   مضمون النظرية: فسر أصحاب هذه النظرية أن تغير الجو خلال فصول السنة يقابله تغيرات دوريه في وظائف أعضاء الجسم وأحواله النفسية.
ففي الربيع تنشط الغريزة الجنسية مع تفتح الطبيعة ونشاطها وتبلغ أقصى مداها في بداية الصيف ثم تعود لمعدلها الطبيعي " حالات الحمل
الغير مشروع يتزايد في الربيع.
  ومن أهم الانتقادات التي وردت على هذه النظرية أنها بالغت في تفسير ظاهرة المناخ.

___________________
(1)   السجون مزاياها وعيوبها من وجهة النظر الإصلاحية ـــــ د/ حسن عيسى ــــــــ المركز العلمي للدراسات الأمنية والتدريب ــــــ ط 1984م، ص17.
المطلب الثاني
العــوامل الاجتمــــاعية الخاصة
 ويقصد بها العوامل الاجتماعية الخاصة الوسط الذي يعيش به ويتأثر بما يسود فيه من قيم وعقائد وتقاليد ويستمد منه بواعث سلوكه المشروع وغير المشروع وهذا الوسط قد يكون محتوم لا إرادة للفرد باختياره به ويقصد به أسرته، ويلحق بالأسرة المسكن الذي تربى فيه، وأحينا هذا الوسط عرضيا مرتبطا بمناسبة معينه، وتدل الإحصائيات أن الإجرام أكثر انتشارا في المدن عنه في الأرياف وهذا الاختلاف لا يظهر فقط في كم انتشار الجريمة وإنما يظهر أيضا في نوعها.
  والمقصود بها البيئة الاجتماعية التي تتصل بنظم المجتمع على اختلاف أنواعها وعوامل البيئة العامة المتعددة ويمكن تأصليها بردها إلى أنواع اقتصادية كالمجاعات، وارتفاع الأسعار، وقلة الموارد، ومشكلات الهجرة، والانفجار السكاني، وثقافية. وسياسية، وهي العوامل التي تتعلق بنظم المجتمع ومؤسساته وتأثيرها على ظاهرة الإجرام يكمن من خلال ظاهرة الحرب، السياسات الجنائية.
 وقد لعبت دراسة البيئة دوراً هاماً في قضايا العلوم الإنسانية بوجه عام وعلى الأخص علم النفس، ويرى فقهاء هذه النظرية أن القلق النفسي الناتج عن تضارب القيم المتوارثة مع تلك التي يعيشها النشء في البيئة الجديدة يجعل النشء يجد التنفس عن ذلك القلق في اقتراف الجريمة، فيشترك في العصابات حتى يحظى الفرد بتأييد الجماعة مما يعوضه عن الحرمان الذي يعانيه من غربته في المجتمع الجديد.

_______________
(1)   السجون مزاياها وعيوبها من وجهة النظر الإصلاحية ـــــ د/ حسن عيسى، ص21.

المبحث الرابع
أسباب الجريمة في الشريعة الإسلامية
  منذ أن نزلت الشريعة الإسلامية في مطلع القرن السابع الميلادي تغيرت الأوضاع وتطورت التشريعات الوضعية مرات كثيرة، وتكاد العلاقة اليوم تكون منقطعة تماما بين التشريعات الوضعية القائمة وبين مثيلاتها قبل عشرات السنين وذلك بسبب تطور الأفكار والآراء التي تقف وراء هذه التشريعات، وتغير أحوال ومعاملات أفراد المجتمعات، وظهور أنماط جديدة من الأفعال، وقد تطلب هذا التطور والتغير تشريعات جديدة مواكبة لهما نظريا وعمليا. أما على صعيد الشريعة الإسلامية فقد ظلت هذه الشريعة صامدة في وجه موجات التغير، ويزداد علماء الإسلام اقتناعا بأن هذه الشريعة لا تزال كفيلة بتنظيم أحوال المسلمين ومعاملاتهم وسد حاجتهم الأمنية وجلب أكبر قدر ممكن من الطمأنينة إلى نفوسهم.
   لقد عالجت الشريعة الإسلامية الجريمة انطلاقا من مصادر التشريع الإسلامي الأساسية (القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع) ومن هنا كان الطرح الإسلامي للجريمة طرحا مسندا، كما أن سلوك الفرد مسند أيضا بالعقل الذي وهبه الله له، وموجه شرعا بالرجوع إلى مصادر التشريع الإسلامي، ولهذا الطرح والإسناد عدد من النواتج من أهمها:
1.    أن إتباع تعاليم الدين الإسلامي يحول بين الفرد وبين الوقوع في الجريمة.
2.     أن الشريعة الإسلامية عالجت منابع الجريمة بصورة شمولية ولم تعالجها بالاستناد إلى عامل واحد من عوامل الجريمة، وهذا الأسلوب الشمولي يحمل مضامين جميع العوامل والموانع الوقائية، ويظهر ذلك بصورة جلية في إرجاعها للجريمة إلى إغواء الشيطان للإنسان وضعف الارتباط بتعاليم الدين الإسلامي.
3.    سبقت الشريعة الإسلامية كثيرا من النظريات الوضعية في تفسير السلوك الإجرامي وإصلاح الجناة بهذا الأسلوب الشمولي.
4.    غاية التشريع الجنائي الإسلامي هي حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال.
5.    بينت الشريعة الإسلامية أن للجريمة ثلاثة أركان هي:
أ‌.         الركن الشرعي ويمثله النص الشرعي بالأمر أو النهي.
ب‌.      الركن المادي ويمثله العمل المكون للجريمة من فعل أو امتناع أو قول.
ج. الركن المعنوي ويمثله توفر عنصر المسؤولية الجنائية كأن يكون الفاعل مكلفا.
  لقد أحاطت الشريعة الإسلامية جميع أوجه حياة الإنسان حتى منذ ما قبل وجوده على هذه الأرض، قال تعالى: "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ"{35} (1).
  ولا شك أن الله تعالى سن شريعته الغراء لمصلحة بني البشر، فلم ينه عن فعل إلا كان في إتيانه مضرة على الإنسان، قال تعالى: "فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ"{22} (2)
  وقد أكدت الشريعة الإسلامية على أن سبب حدوث السلوك الإجرامي هو الشيطان الرجيم، يدخل جسم الإنسان ويأمره بفعل الجرائم، قال تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"{268} (3).
  وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "(إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم) (4).
   والشريعة الإسلامية لم تكتف بالتجريم، بل سنت كثيرا من العقوبات على عصيان تعاليم الشارع، ويتضح في القرآن أن أول عقوبة تعرض لها آدم، عليه السلام، هي طرده من الجنة، قال تعالى: "قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ"{24} (5).
_________________
(1)   الآية (35) من سورة البقرة.
(2)   الآية (22) من سورة الأعراف.
(3)   الآية (268) من سورة البقرة.
(4)   لمزيد من الاطلاع، أنظر: (صحيح مسلمبيروت: دار الكتب العلمية، 1992م، ج14، ص 129.
(5)   الآية (24) من سورة الأعراف.
ويتضح في القرآن الكريم، أيضا، أن أول فعل للإنسان خالف فيه أوامر ربه ونواهيه كان في أثناء وجوده في الجنة قبل أن يتأثر بالعوامل البيئية والثقافية على الأرض، وهذا يشير، بوضوح، إلى الضعف المركب الذي أوجده الله تعالى في النفس الإنسانية بالفطرة، وهنا يلحظ أن القرآن الكريم قد سبق النظريات الحديثة التي تحدثت عن الفطرة كأساس للسلوك الإنساني، كما أن في الآيات السابقة دلالة على دور التقليد في حدوث السلوك الإجرامي، وهي نظرية جاءت متأخرة على يد العالم (تارد) في العصر الحديث، ويتضح ذلك أيضا في قوله تعالى: "فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ{20} وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ"{21}(1).
  أدى كل ذلك إلى بلورة مفهوم للسلوك الإجرامي وأسبابه عند المسلمين، منذ النصف الأول من القرن السابع الميلادي، وما يزال، فالجريمة تحدث بسبب إغواء الشيطان وفتنه لآدم وبنيه، مستغلا ما يوجد في الإنسان من عوامل موجهة لسلوكه، وما أودعه الله في بيئته من عوامل الإغراء، قال تعالى: "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"{7} (2).
   لقد جاءت الشريعة الإسلامية غنية بمفاهيم عن الجريمة وأسباب السلوك الإجرامي في القرآن والسنة، فظهرت تعريفات كثيرة للجريمة في الفقه الإسلامي، فمن الآيات ما ذكر فيه لفظ الجريمة من خلال اسم الفاعل، كقوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ"{29} (3).
ومنها ما ذكر فيه نمط السلوك الإجرامي، كالقتل والسرقة والزنا والفسوق والعصيان، إلى غير ذلك من الأفعال التي فهم المسلمون أنـها جرائم من خلال طبيعتـها، أو من خلال تعنيف الله تعالى لمرتكبيها، أومن خــــــــــــــــــــــــلال ما فرضه مــن عقاب إزاءها، كقوله تعالى:
________________
(1)   الآيتان (21،20) من سورة الأعراف.
(2)   الآية (7) من سورة الكهف.
(3)   الآية (29) من سورة المطففين.
"مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ"{32} (1).
وقوله تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ"{2} (2).
وقوله تعالى: "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"{4} (3).   
  وربط الرسول صلى الله عليه وسلم سبب السلوك الإجرامي بفقد الإيمان بالله تعلى، حين قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) (4).
  كل ذلك جعل من الجلي الواضح عند المسلمين، منذ العصور الوسطى حتى اليوم، أن السلوك الإجرامي ناتج عن إغواء الشيطان للإنسان، وأن الجريمة هي كل عمل أو قول خالف شريعة الله تعالى ورسوله الكريم فعلا أو امتناعا أو قولا.
   ومن هذا المنطلق عرف فقهاء الشريعة الإسلامية الجريمة تعاريف كثيرة من أهمها تعريف الماوردي لها بقوله: "الجرائم محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير"(5).
  ورغم هذه الإحاطة وهذا الشمول الذي اتصف بهما الطرح الإسلامي في هذا المجال فإن هذه الشريعة تركت مجالا واسعا للمتغيرات وما يجد من أحداث، فهناك أفعال لم تجرم لا في القرآن الكريم ولا في السنة المطهرة بل جرمها أولو الأمر وعاقبوا عليها، وأجازت الشريعة لولي الأمر إباحة هذه الأفعال إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
_________________
(1)   الآية (32) من سورة المائدة.
(2)   الآية (2) من سورة النور.
(3)   الآية (4) من سورة النور.
(4)   لمزيد من الاطلاع، أنظر: (صحيح مسلم. بيروت: دار الكتب العلمية، 1992م، ج2، ص38).
(5)   أفاض الماوردي في تصنيف الجرائم وعقوباتها، وأحوال المتهمين وما ينبغي على الحاكم فعله تجاه المتهم والمحكوم عليه، ولمزيد من الاطلاع على رؤية الماوردي في هذه الجوانب، أنظر: (الماوردي، علي بن محمد. الأحكام السلطانية والولايات الدينية. بيروت: دار الكتب العلمية، 2004م، ص(273-293).

الفصل الثاني
علـــــــــــــــــم العقــــــــــــــــاب
المبحث الأول
مفهوم المعاملة العقابية والمؤسسة العقابية

أولاً: مفهوم المعاملة العقابية:
      يقصد بالمعاملة العقابية الكيفية التي يعامل بها المحكوم عليه داخل المؤسسة العقابية وخارجها من أجل تأهليه اجتماعيا، فبعد أن يتم اختيار الجزاء الملائم لحالة المتهم وهو ما يعرف بالتفريد  القضائي للعقوبة تبدأ مرحلة تنفيذ هذا الجزاء بكيفية تحقق الأغراض المرجوة منه ، ويطلق على هذه المرحلة مرحلة التفريد التنفيذي للعقوبة، ففي هذه المرحلة يتم اختيار نوع وأسلوب المعاملة العقابية التي ستطبق على المحكوم عليه على النحو الذي يتحقق من خلاله تأهيل المحكوم عليه واختيار المعاملة العقابية لا تثور إلا بشأن العقوبات السالبة للحرية .
ثانياً: المعاملة العقابية داخل المؤسسات العقابية:
  يتم تنفيذ العقوبات السالبة للحرية في أماكن خاصة تسمى مؤسسات عقابية ومن الناحية التاريخية بدأت هذه المؤسسات على شكل مؤسسات مغلقة ومن ثم تطور هذا الشكل إلى مؤسسات شبه مفتوحة ومن ثم وصولاً إلى مؤسسات مفتوحة.
   كما تطورت الأنظمة المطبقة في هذه المؤسسات بتطور أغراض العقوبة من نظام جمعي إلى نظام انفرادي ثم نظام مختلط يجمع مزايا النظامين السابقين وحديثاً النظام التدريجي.
ثالثاً: مفهوم المؤسسة العقابية: المكان المخصص لتنفيذ العقوبات السالبة للحرية وهي واحدة من المؤسسات التي صنعها المجتمع لأداء مهمة معينة وهي إعداد الشخص المنحرف للتكيف مع المجتمع الخارجي.
 وتؤدي المؤسسة العقابية دور بارز في تنفيذ العقوبة الرادعة للمجرمين الافراد أو للمجتمع بصفة عامة، ومن ناحية أخرى نجد أن المؤسسة العقابية تؤدي إلى تحييد المجرم بحجزه بالسجن ووقاية المجتمع من شروره بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى إصلاح وتهذيب المجرم بحيث يخرج من السجن فرداً صالحا وعنصرا فاعلاً في مجتمعه، وعليه نلاحظ أنه لاتزال غالبية الدول العظمى من الدول تعتمد على السجون كمكان لتنفيذ العقوبات وتعتبرها رمزاً لتنفيذ العقوبات ورمزا للحماية الاجتماعية. 

المبحث الثاني
أساس حق العقاب
 كان الانتقام الفردي هو أساس حق العقاب في المجتمعات الأولى، حيث كان المجني عليه أو أفراد قبيلته يثأرون من الجاني، والثأر كان ردًّا طبيعياً من طرف الفرد أو قبيلته حفاظاً على كيانهما، ومع توطد سلطة الدولة بدأت المجتمعات تنظر إلى الجريمة على أنها عدوان على المجتمع ككل وليس على المجني عليه فحسب، فأخذت تمارس حق العقاب ليس بالاستناد إلى حق الانتقام الفردي، بل بالاستناد إلى فكرة الانتقام العام أو الإلهي. (1)
 ومع تطور الفكر العقابي الحديث، أصبح حق العقاب يقوم على أساس المنفعة وتحقيق الصالح العام للجماعة كما نادت بذلك المدرسة التقليدية[2]. لكن الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت KANT رفض هذا الأساس، وحاولت المدرسة التقليدية الجديدة أن تجمع بين الأساسين معاً، أي العدل والمنفعة الاجتماعية، باعتبار أن هذه المنفعة هي الإطار الذي يرسم حدود العقوبة، أي أن عدل العقوبة مقيد أو محكوم بمنفعتها أو ضرورتها[3]. أما المدارس العقابية الأخرى فاختارت الدفاع الاجتماعي ضد الجريمة والمجرمين أساسا لحق العقاب وإن كان العقاب بدوره قد أصبح له مفهوم جديد بظهور أنواع جديدة من الجزاءات الجنائية[4].
__________________
(1)   القاضي مهدي زغيب، العقاب في الإسلام والقوانين الوضعية، صيدا مجلة العرفان، العدد 1 مجلد 71، كانون الثاني 1983م، ص58.
(2)   انظر: د. جلال ثروت، قانون العقوبات القسم العام، ص11. ود. سليمان عبد المنعم، أصول علم الإجرام والجزاء، ص534 -535.
(3)   المرجع السابق، ص11.
(4)   أنظر: د. سليمان عبد المنعم، أصول علم الإجرام والجزاء، ص504.

المبحث الثالث
السياسة الجنائية في المذاهب الفكرية

إن البحث في الأساس الفكري لكل سياسة جنائية يضعنا أمام العديد من التساؤلات والافتراضات تصب من أساس حق الدولة في العقاب وفي صياغة قوانينها الجنائية أو بتعبير أعم في صياغة سياستها الجنائية. وقد اختلفت مذاهب السياسة الجنائية في هذا الأساس بين مذاهب تقليدية لها تبريراتها، ومذاهب وضعية لها بدورها أساس اعتمدت عليه في تبرير مبادئها، ونتناول كل ذلك في المطالب التالية:


المطلب الأول: مدرسة السياسة الجنائية التقليدية.
المطلب الثاني: مدرسة السياسة الجنائية التقليدية الجديدة.
المطلب الثالث: السياسة الجنائية في ضوء المدرسة الوضعية.
المطلب الرابع: السياسة الجنائية في ضوء مدرسة حركة الدفاع الاجتماعي. 

المطلب الأول
مدرسة السياسة الجنائية التقليدية

 أمام الوحشة التي كان عليها النظام الجنائي في العالم الغربي في القرن الثامن عشر والقسوة والحكم المطلق والتعسف الذي لا مبرر له بحيث كانت للقضاة سلطة لا ضوابط لها تطغى عليها رغباتهم وأهوائهم، وكانت المساواة بين المواطنين مفقودة والتناسب بين شدة العقوبة وجسامة الجرم معدومة، وتعسف القضاة قد تجاوز الحدود وساد الهوى وصار قانون العصر(1)، ظهرت المدرسة التقليدية للحد من هذا التعسف.
 وقد صور مؤسس المدرسة التقليدية بكاريا الوضع السائد حينئذ بقوله:" من الذي حين يقرأ التاريخ لا ترتعد فرائصه من هول التعذيبات المتبربره التي ابتدعها أناس يعدون أنفسهم حكماء ونفذوها بأعصاب هادئة، إن هذا الإسراف غير النافع في التعذيب لم يؤد أبدا إلى إصلاح البشرية. (2)
  أمام هذا الوضع الوحشي والقاصي للنظام الجنائي السائد، تعالت أصوات كبار الفلاسفة والمفكرين متأثرين في ذلك بالنهضة الفكرية مثل جون جاك روسو ومنتسيكيو لتنادي بتغيير السياسة الجنائية السائدة وهو ما حدث بالفعل منذ أواخر القرن الثامن عشر، وكان ذلك على يد مؤسس المدرسة التقليدية بكاريا صاحب كتاب " في الجرائم والعقوبات" التي تضمن أفكارا تهدف لإصلاح المنظومة الجنائية ونادى بالحيلولة دون تحكم القضاة وتعسفهم عن طريق سلبهم سلطة فرض العقوبات وطالب بإسنادها إلى جهات تشريعية(3)حيث يصبح دور القاضي هو تنفيذ القانون فقط وتطبيق العقوبات المتضمنة فيه دون أي اجتهاد، ويعد بكاريا أول من نادى بمبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا نص الـــــــذي
__________________
(1)   جلال ثروت، الظاهرة الإجرامية "دراسة في علم الإجرام والعقاب" ط 1989 ص194.
(2)   أحمد فتحي سرور، السياسة الجنائية: فكرتها، مذاهبها وتخطيطها.
(3)   د. محمد بن المدني بوساق " اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة " الرياض ص 2 ص 29.
كان له مكانة عظيمة في السياسة الجنائية المعاصرة كما نادى بإلغاء عقوبة الإعدام.
   وتتلخص المراجع الفكرية لفكر بكاريا في نظرية العقد الاجتماعي لجون جاك روسو التي تتلخص في التسليم بوجود المجتمع بادئ الأمر، وأن السلطة الحاكمة ليست إلا ممثلة له تتغير في الوقت الذي يشاء فيه المجتمع، وما تملك هذه السلطة من حق العقاب يقوم على ما تنازل عنه أفراد المجتمع لهذه السلطة من حقوقهم في الدفاع عن أنفسهم(1)  وكذا الفلسفة الأخلاقية، والمنفعة الاجتماعية التي تتحقق باستتباب الأمن واستقرار الحياة عن طريق العقاب الرادع الذي يقضي إلى الكف عن الجريمة ، وقد نادى بنتام الذي هو أحد أقطاب المدرسة نظرية حساب اللذات   التي تعني أن العقاب لا يكون رادعا ونافعا إلا إذا كانت بشدة الألم في العقوبة أكبر اللذة التي تعود على الجانب بفعل الجريمة، وقد تبنا هذه النظرية كل بكاريا وفويورباخ.
    وقد كان للأفكار التي أتت بها المدرسة التقليدية أثر بالغ في ظهور مبادئ ومطالب إصلاحية في منظومة السياسة الجنائية تمثلت في الكف عن وحشية العقاب الذي ينافي إنسانية الإنسان، وجعل المسؤولية الجنائية شخصية ومبنية على حرية الاختيار، وظهور مبدأ عرف له مكانة دولية ألا وهو مبدأ الشرعية من أجل الحد من سلطة القضاء المطلقة، وجعل العقوبة متناسبة مع الضرر الذي أحدثته الجريمة حتى يتحقق أهدافها المتمثلة في تحقيق الردع العام والخاص.
   وعلى الرغم من مزايا أفكار المدرسة التقليدية إلا أنها أخذت عليها عيوب كثيرة كإفراطها في التجريد بحيث حصرت اهتمامها في الجريمة دون شخصية المجرم وظروف ودوافع ارتكاب الجريمة، وكذا اعتبارها حرية الاختيار مطلقة ومتساوية لدى جميع الأفراد مع العلم أن الأشخاص يتفاوتون في دوافعهم وقوة الإدراك لديهم.
_______________
(1)   د/ أحمد فتحي سرور " أحوال السياسة الجنائية ط 1972 ص40.
 ومهما يكن من انتقادات فإن أفكار هذه المدرسة كان لها دون جد هام وتمظهرت على عدة مستويات في السياسة الجنائية المعاصرة إذ أخد مكانة مرموقة فيها، خاصة بعد التعديلات أدخلت عليها مع المدرسة التقليدية الجديدة.

المطلب الثاني
المدرسة التقليدية الجديدة

 أمام النقص الذي عرفته أفكار المدرسة التقليدية ظهرت المدرسة التقليدية الجديدة لسد هذا النقص والإتيان بأفكار جديدة، وعليه فإن السياسة الجنائية الجديدة في شقها العقابي تعد بلا شك امتدادا للمبادئ التي قامت عليها المدرسة التقليدية القديمة، وعلى وجه الخصوص مبدأ حرية الاختيار ومبدأ العقد الاجتماعي. إلا أن هذه المبادئ جاءت في صيغة جديدة تفاديا للعيوب والنقص الذي تعرضت له. لكن ما هي يا ترى إضافات المدرسة التقليدية الجديدة من أجل تطوير السياسة الجنائية المعاصرة؟
   صحيح أن هذه المدرسة احتفظت بالأفكار التي جاءت بها المدرسة التقليدية، ففي مجال حرية الاختيار فإن هذه المدرسة اعترفت بها إلا أنها غير متساوية عند الناس لأن الحرية درجات تختلف باختلاف الأشخاص(1)، وبناءً على ذلك فإن المسؤولية تكتمل إدا تمتع الجاني بحرية اختيار كاملة وتنقص بقدر نقص الحرية. وتفاوت حرية الاختيار يقابله المتفاوت في شدة العقوبة تبعا لمقدار حرية الاختيار تحقيقا للتناسب المطلوب لإقامة العدالة الجنائية(2).
________________
(1)   د. محمد بن المدني بوساق " اتجاهات السياسة الجنائية المعاصرة " الرياض 2002 ص 33.
(2)   المرجع السابق، ص34.

 ولم تقف المدرسة التقليدية عند هذا الحد بل أتت بجديد في أساس حق الدولة في العقاب، إذ جعلت أساسها في ذلك هو تحقيق العدالة المطلقة وحدها التي نادى بها " كانت " لأن حرية الفرد تقف عندما تمس بحرية الآخرين، وقد ضرب لذلك مثالا بالجزيرة المهجورة: ومضمونه هو أنه لو أن فردا من شعب في جزيرة ارتكب جريمة تقتضي الحكم عليه بالإعدام ثم قرر ذلك الشعب التفرق وهجر الجزيرة لزمهم تنفيذ حكم الإعدام قبل التفرق تحقيقا للعدالة ولو انتفت المنفعة بحصول الأمن والاستقرار لعدم وجود المجتمع بعد هجر الجزيرة.
 والجمع بين فكرة العدالة المطلقة ونظرية المنفعة الاجتماعية ينتج المبدأ القائل بأن العقوبة يجب ألا يزيد على ما تستدعيه المنفعة من استقرار الأمن واستتبابه في المجتمع. (1)
   وقد كان لمبدأ أساس الحق في العقاب الذي أقرته المدرسة التقليدية الجديدة أثر كبير في إصلاح النظام الجنائي وبالتالي التأثير على مسار السياسة الجنائية.
  فإقرار مبدأ تفاوت المسؤولية الجنائية من طرف المدرسة التقليدية الجديدة نتج عنه   تفاوت العقوبات من حيث الشدة والتخفيف لتحقيق دواعي الأمن والاستقرار الاجتماعي سواء في المراحل التشريعية أي سن عقوبة تدون بين حد أدنى وأقصى، أو في مرحلة التقاضي بإعطاء القاضي حرية التقدير والتفريد العقابي، أو في مرحلة التنفيذ.
 كما كان لمبدأ المزج بين المنفعة والعدالة أثر بالغ الأهمية إذ أصبح التفكير في المنع الخاص قبل المنع العام، كما اهتمت هذه المدرسة بشخصية المجرم وأولتها اعتبارا بالغ الأهمية في الوقت الذي كانت فيه مجهولة الهوية، وبمقتضاه تم إقرار نظام الظروف المخففة والمشددة ومبدأ التفريد العقابي الذي   يعتبر من أهم مميزات السياسة الجنائية.
 وبالرغم ما حققته السياسة الجنائية التقليدية الجديدة من انتشار، وتأثير على التشريعات
______________
(1)   فوزية عبد الستار " مبادئ علم الاجرام" ص 50.

  العقابية، إلا أنها لم تخلوا من مآخذ وعيوب مما فتح المجال لظهور مدارس وضعية جديدة كان لها دور هام في تطوير السياسة الجنائية إلى ما هو أحسن.

المطلب الثالث
السياسة الجنائية في ضوء المدرسة الوضعية

 إذا كانت السياسة الجنائية عبر الاتجاهات الفلسفية قد تحددت وفقاً لمبادئ ثلاثة: مبدأ الشرعية ومبدأ النفعية ومبدأ الحرية، فإنها عبر المدرستين الوضعية والدفاع الاجتماعي اعتمدت الاتجاه العلمي الذي يرتكز على التجربة والملاحظة عوض التجريد.
  إن الخط العلمي للسياسة الجنائية الوضعية أخد طريقه بفضل الأعمال الجليلة التي قام بها ثلاثة من رجال ايطاليا وهم سزاري لومبروزو صاحب كتاب الإنسان المجرم سنة 1876، وانريكو فيري   صاحب كتاب السوسيولوجيا الجنائية سنة 1881 وأخيرا رافيل جاروفا لوا صاحب كتاب علم الإجرام. (1)
  فمثلا لومبروزو: من خلال كتابه السابق صنف المجرمين على أساس نوع الخطورة وتحديد تدابير الملائمة لكل صنف منها على النحو التالي:
___________________
(1)   د/ عبد السلام بنحدو دكتور " بحث عن جذور السلوك الإجرامي " طبعة 1994 مطبعة السنتيسي، ص 28-29.
1.    المجرم بالميلاد أو بالطبيعة.
   هو مجرم بشع دو طبيعة خاصة عن الآخرين غير مبال بالمسؤولية، يتخذ في مواجهته تدبير استئصالي = الإعدام، النفي، الإبعاد إلى مستعمرة زراعية يعمل بها طوال حياته = هنا تبرز أهمية السياسة التي اعتمدها لومبروزو المتمثلة في الفكر الجديد ألا وهو الانسنة.
2.    المجرم المجنون:
   وهو الذي لا يفرق بين الخير والشر ولا يميز طبيعة أعماله ونتائجها نتيجة لانعدام إدراكه، هدا النوع يودع في مصحة عقلية حتى يشفى من مرضه.
3.    المجرم المعتاد:
    هو الذي يرتكب الجريمة بصفة متكررة حتى تصبح بالنسبة إليه شيء معتاد يستطيع القيام به في أي وقت، ويتخذ في حقه   تدابير مثل المجرم بالميلاد.
4.    المجرم بالعاطفة:
   هو الشخص الذي يرتكب الجريمة نتيجة أحاسيسه، وهو سريع الندم وقد يصل به الأمر في بعض الأحيان إلى الانتحار، ويتخذ في حقه تدبير الإقامة في مكان معين أو منعه من الإقامة في أماكن محددة.
5.    المجرم بالصدفة:
  هو إنسان خال من رواسب إجرامية وإنما يرتكبها نتيجة خلل عضوي أو بسبب الفقر أو البطالة، ويتخذ في حقه تدابير الإقامة في مستعمرة زراعية أو صناعية. (1)
   أما فيري: في نظره الجريمة هي نتيجة لتراكم عوامل داخلية * العضوية والنفسية * وأخرى خارجية * اجتماعية اقتصادية *مرتبطة بالمحيط الذي يعيش فيه وتتميز نظريته بأمرين:
­­­­­­_______________________
(1)   د/ محمد نجمي صبحي نجم " أصول علم الإجرام والعقاب “طبعة 2006 مطبعة – دار الثقافة -ص 113 -114.

1.    اهتمامها بتأثير العوامل الاجتماعية في الإجرام.
2.    تأكيد على تفاعل كل من العوامل العضوية النفسية والأسباب الخارجية في ارتكاب الجريمة بحيث أن كل عامل من هاته العوامل تكون مجتمعة.
أما جروفالو: يعتبر من أقطاب السياسة الجنائية الوضعية وهو يميز بين الجريمة الطبيعية والمصطنعة، وعلى ضوء هدا التمييز اعتبر أن المجرم الحقيقي هو الذي يرتكب الطبيعية والذي يقوم بسلوك أخلاقي ضار الذي ينضر إليه المجتمع بوصفه جريمة منافية لمشاعر العدل والإنسانية تعاقب عليها القوانين الجنائية، وقد اقر بأهمية العوامل الداخلية في ارتكاب الجريمة، وينادى بضرورة التمييز المعاملة العقابية بين مرتكب الجريمة الطبيعية والجريمة المصطنعة. (1)
القرع الثاني: السياسة الجنائية عبر حركة الدفاع الاجتماعي:
 نشأت هده الحركة سنة 1945 وهي مدرسة للدفاع الاجتماعي تهدف إلى حماية المجتمع والمجرم جميعا من الظاهرة الإجرامية بخلاف المدارس التقليدية التي حصرت معنى الدفاع الاجتماعي في حماية المجتمع من المجرم.
 ومن هذا التاريخ ظهر الدفاع الاجتماعي كحركة جديدة في السياسة الجنائية تهدف إلى الوقاية من الجريمة وعلاج الجانحين، وقد ظهر من خلال المناقشات والمؤتمرات الدولية أن هناك اتجاهين رئيسين في الدفاع الاجتماعي.
الأول: اتجاه جرماتيكا:
  ويهدف هدا المذهب إلى إبدال نظام قانون العقوبات التقليدي بنظام للدفاع الاجتماعي، بهدف القضاء على فكرة الجريمة والجانح، والمسؤولية والعقوبة.
  وهذه الأفكار القديمة يراد استبدالها بأفكار أخرى: وهي المناهضة للمجتمع، والذاتية،
_____________
(1)   د/ محمد الغياط " السياسة الجنائية وحماية حقوق الحدث الجانح في المغرب طبعة 2006 مطبعة طوب بريس \صفحة 44-45.

  والتدابير العلاجية والوقائية.
وعلى هذا، فمذهب جرماتيكا يتضمن تغييرا كليا في نظم القانون الجنائي والإجراءات الجنائية، والنظام العقابي.
 وعلى هدا الأساس فجرماتيكا أنكر حق الدولة في العقاب وأكد على واجب الدول في التأهيل الاجتماعي، فإنكار حق الدولة في العقاب يعني في نضره تسلط الدولة على حقوق الفرد والإنسان الذي أنشأ الدولة، وبما أن الإنسان هو حر اجتماعي بطبعه وبدلك لا مجال لاعتراف بالجريمة والمسؤولية الجنائية، وقد ألح على ضرورة إصلاح الشخص المناهض للمجتمع وذلك من خلال التدابير الإصلاحية عوض معاقبته.
  فطالما أن الدولة هي المسؤولية عن السلوك المنحرف وأن صاحب هدا السلوك كان ضحية ظروف اجتماعية غلبت عليه، فانه لا يحق للدولة معاقبته بل عليها واجب تأهيله عن طريق التدابير الاجتماعية، هده التدابير يجب أن تراعي مكانة الإنسان فلا يجب أن تكون قاسية وإنما يجب أن يكون هدفها هو الإصلاح والتأهيل، يجب وضع ملف خاص لشخصية المنحرف اجتماعيا   يوضع لدى القاضي حتى يكون على علم كامل عند تحدي التدبير الاجتماعي الذي يقضي به عليه والذي يتلاءم وتلك الشخصية(1).
  من خلال هاته الأفكار يتبين أن جرامتيكا قد غالى حين طالب بإلغاء قانون العقوبات، والمسؤولية، وبصفة خاصة إهداره لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، علاوة على أن تجريده للجزاءات الجنائية من أي إيلام معناه إلغاء وظيفة العدالة والردع العام الخاص، ونقول إن هذه الانتقادات أدت إلى ظهور حركة الدفاع الاجتماعي الحديث بقيادة مارك انسل.
الثاني: اتجاه مارك انسل:
    أما الاتجاه الثاني فهو حركة الدفاع الاجتماعي الجديد التي يتزعمها مارك انسل وتقوم
________________
(1)   د/ السيد يسين "كتاب السياسة الجنائية المعاصرة دراسة تحليلية لنظرية الدفاع الاجتماعي " الطبعة الأولى 1983 دار الفكر العربي، صفحة 26.  

هذه الحركة في جزء منها على بعض الأفكار الاتحاد الدولي لقانون العقوبات، فقد سبق للاتحاد الدولي لقانون العقوبات أن تبني ضرورة صياغة سياسة جنائية وقد كان " ليست" أحد زعماء هده الحركة يقصد بدلك تكييف الجزاء الجنائي مع شخصية الجانح، وقد التقطت حركة الدفاع الاجتماعي هذه الفكرة، ولكنها تعطي لفكرة السياسة الجنائية مفهوما أكثر اتساعا على ضوء المفهوم الذي قدمه أنصار الدفاع الجديد إلى الصراع ضد الجريمة بطريقة عقلانية وعلمية أي بالاستفادة من جهود علوم الإنسان.
  وبالنسبة للسياسة التي اعتمدها "مارك انسل" فانه يلتقي مع جراماتيكا في أغراض التدابير الجنائية المتمثلة في تهذيب و إصلاح   المجرم   وخاصة الحد، وان الطابع الإنساني ومراعاة أدمية المجرم و كرامته هو الطابع المميز لهده التدابير، و رغم دلك فان مارك انسل لا يتفق مع جراماتيكا في إلغاء قانون العقوبات والمجرم العقوبة والمسؤولية الجنائية و غيرها من المصطلحات القانونية المسلم بها في التشريعات الجنائية المعاصرة , فمارك انسل يبقي على قانون العقوبات و المجرم والجريمة، علاوة على أن أساس المسؤولية لديه هو حرية الاختيار المدعمة بالعناصر الشخصية، و يقول مارك انسل أن المجتمع عليه واجب محاربة الإجرام بوسائل عامة تقلل من فرص الوقوع فيه كمحاربة الكحول و المخدرات ووضع سياسة للرعاية والمساعدة الاجتماعية للأفراد .
   وأن اتخاذ التدابير الاحترازية يراعي فيه العوامل العضوية والنفسية والاجتماعية التي   المجرم إلى الجريمة، ويجب أن تخضع هده التدابير لمبدأ الشرعية حماية للحقوق وضمانا للحريات الفردية، لان هدف التدابير التأهيل والإصلاح، ويتم تأهيل المجرم وإصلاحه بإحدى المهن أو تثقيفه أو علاجه إذا اقتضى الأمر ذلك، وهذا معناه إنكار تحقيق العدالة والردع العام كهدف من أهداف التدابير الاحترازية. (1)    
_____________
(1)   د/ محمد نجمي صبحي نجم " أصول علم الإجرام والعقاب “مرجع سابق، ص 117-118.

المبحث الثاني
المؤسسات العقابية في القرآن الكريم

لقد بين الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل ذكر السجون، فقد ورد ذكر السجن في قصة يوسف عليه السلام، وقد حدثتنا سورة يوسف عن السجن بقوله تعالى: (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) (1) سورة يوسف الآية رقم 33.
وفي موضع آخر نجد القرآن الكريم قد تحدث عن السجن كوسيلة عقاب ضد بعض الخصومة ففي واقعة موسى عليه السلام عندما هدده فرعون بالسجن لو اتخذ إلها غيره فقال تعالى على لسان فرعون بقوله تعالى (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إلَٰهًاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين) (2) الآية رقم 29 من سورة الشعراء 

المبحث الثالث
أنواع المؤسسات العقابية


 إن المعيار الذي تم بناء عليه تقسم أنواع المؤسسات العقابية هو علاقة المسجونين في العالم الخارجي، حيث تتنوع المؤسسات العقابية وفقأ لهذا المعيار ولذا نتناول أنواع المؤسسات العقابية في المطالب الآتية:

المطلب الأول: المؤسسات المغلقـــــــــــــــــــــــــة.
 المطلب الثاني: المؤسسات المفتوحــــــــــــــــة.
المطلب الثالث: المؤسسات شبه المفتوحـــة. 

المطلب الأول
المؤسسات العقابية المغلقة

أولاً: مفهوم المؤسسات العقابية المغلقة:
  هي المؤسسات التي تقوم على فكرة قيام السجون المحصنة والمدعمة في عوائق تحول دون هرب المساجين، مثل الأسوار العالية والقضبان والاسلاك الشائكة والحراسة المشددة، وتتصف معاملة المساجين في مثل هذه المؤسسات القسوة والإكراه والحزم في توقيع الجزاءات التأديبية.
  ويرجع السبب في اتخاذ هذا النوع من الإجراءات حيال الساجين هو قيام هذا النوع من المؤسسات على فكره مفادها أن المجرم شخص خطير على المجتمع ولابد من عزله وعليه أن المجرمين المسجونين في هذا النوع من المؤسسات من المجرمين المكررين المعتادين على ارتكاب الجرائم ومعظمهم قد صدر بحقهم عقوبات حابسه للحرية لمدد طويلة.
ثانياً: مزايا المؤسسات العقابية المغلقة:
1.    مراكز مناسبة لإيواء المجرمين الخطرين الذين لا يكون في شخصيتهم ما يوحي في الثقة.
2.    يشكل هذا النوع من المراكز لدى المساجين رهبه للعقوبة وردعا لهم وللمجتمع بشكل عام.
ثالثاً: عيوب المؤسسات العقابية المغلقة:
1.    لا يسمح هذا النوع من المؤسسات العقابية في تأهيل المجرم نتيجة لعزلة تماما ومعاملة بشكل قاسي وشديد.
2.     يؤدي إلى إصابة السجين بأمراض نفسيه أو عقليه.
3.    يكلف الدولة تكاليف عالية بسبب تجهيزات خاصة في المؤسسات مثل الاسوار والقضبان العالية ومشرفين وحرس.

المطلب الثاني
المؤسسات العقابية المفتوحة

أولاً: مفهوم المؤسسات العقابية المفتوحة:
  هي مؤسسات لا تعتمد على حواجز أو عوائق مادية تحول دون هروب المساجين منها وغنما تعتمد على أساليب خاصة تقوم على أساس ترسيخ قناعة لدى السجين بفائدة وجودة في هذا النوع من الأساليب العقابية على أساس وضع النزيل تحت التدريب والتأهيل النفسي والمهني والتي تجعله غير راغب في الهرب، وعليه فلا وجود للأسوار العالية أو الحراس أو المشرفين حيث يكونون ذي عدد قليل مقارنة في المؤسسات العقابية المغلقة.
  ومن اهم ما يميز هذا النوع من المؤسسات هو طابع الحياة بها والتي تقترب نوعا ما من طابع الحياة خارج المؤسسة وهذا الأمر ساعد في تعزيز ثقة السجين بنفسه.
ثانياً: عوامل نجاح المؤسسات العقابية المفتوحة:
  يحتاج نجاح هذا النوع من المؤسسات إلى عوامل أهمها:
1.     أن تقام في الريف في مناطق شاسعة وأن يوجه نزلاؤها تجاه العمل في الزراعة بشكل أساسي.
2.     وألا تكون بعيدة كثيراً عن المدينة، حتى يتمكن العاملون فيها من التنقل بسهولة بين المؤسسة والمدينة.
3.    عودة السجين للحياة الاجتماعية من خلال اختلاطه في بالمزارعين وأفراد المجتمع من الأهالي القاطنين بقرب من المؤسسة.
ثالثاً: ضوابط اختيار نزلاء المؤسسات المفتوحة:
  اختلفت الآراء حول تحديد فئات المجرمين النزلاء الذي يصلحون في إيداعه في هذ النوع من المؤسسات وهذه الآراء كالتالي:
1.    معيار الجريمة: تبنى أصحاب هذا الاتجاه ان النزلاء الذين يصلحون للإيداع المجرمين الذين ارتكبوا جرائم قليلة الخطورة.
2.    معيار العقوبة: تبنى أصحاب هذا الاتجاه ان النزلاء الذين يصلحون للإيداع أن تكون العقوبات الصادرة بحقهم عقوبات قصيرة المدة.
3.    معيار الزمن: تبنى أصحاب هذا الاتجاه ان النزلاء الذين يصلحون للإيداع هم من في آخر مددهم في العقوبة حيث قسم أصحاب هذا المعيار مراحل العقوبات الى مراحل مختلفة ينقل في المرحلة الاخيرة الى المؤسسة المفتوحة.
4.    المعيار الشخصي: ويهتم غي دراسة المجرم وحالته النفسية والاجتماعية والثقافية. 
رابعاً: مزايا المؤسسات العقابية المفتوحة:
   هذا النوع من المؤسسات في دول السويد والولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وبلجيكيا وإنكلترا، ومن أهم الامتيازات لهذا النوع من المؤسسات العقابية:
1.     قليلة التكاليف فهي لا تشكل عبئاً على ميزانية الدولة.
2.     تحفظ للمحكوم عليه صحته البدنية والنفسية والعقلية.
3.    تساعد في تعليم المحكوم عليه مهنة يمكن أن يستفيد منها بعد خروجه من المؤسسة، كما يمكن للنزيل أن يحصل على منفعة مادية من المؤسسة العقابية المفتوحة لقاء عمله بها.
خامساً: عيوب المؤسسات العقابية المفتوحة:
1.     سهولة هروب النزلاء منها، وذلك لعدم وجود حواجز عالية أو اسوار أو حراس مسلحين أو مشرفين كثر، وقد رد على هذا الانتقاد بان الأشخاص الخاضعين لهذا النظام هم أشخاص منتفون بعد دراسة أحوالهم وشخصيتهم وهم أهل للثقة وبتالي لا خوف من هربهم.
2.    لا يحقق هذا النوع من المؤسسات العقابية الردع الخاص أو الردع العام من العقوبة، ويرد على هذا النوع من الانتقادات بأن النظام ينطوي على العقوبات السالبة للحريات وتقييد المحكوم عليه ببعض الالتزامات، وهذا كفيل لتحقيق غرض الردع العام والخاص من العقوبة.  

المطلب الثالث
المؤسسات العقابية شبه المفتوحة

أولاً: مفهوم المؤسسات العقابية المفتوحة:
  إن نظام المؤسسات العقابية شبه المفتوحة نظاماً وسطاً بين نظام المؤسسات العقابية المغلقة والمفتوحة حيث يعتمد هذا النوع على أساليب أخف في العقوبات من المؤسسات العقابية المغلقة حيث لا يوجد عوائق مادية كما هي بالنسبة للسجون المغلقة وانما أقل ويتم اختيار النزلاء المؤسسات شبة المفتوحة بعد دراسة شخصياتهم وتصنيفهم ويكون عادة من المحكوم عليهم الذين لا يحتاجون إلى سجون مغلقة وفي الوقت ذاته فإن شخصياتهم لا توحي بالقدر من الثقة الذي يمكن من إيداعهم في مؤسسات مفتوحة، ويتم اختيارهم غالباً من المحكوم عليهم بعقوبات متوسطة المدة .
ثانياً: مميزات المؤسسات العقابية شبه المفتوحة:
1.    إن أهم المميزات التي يتميز بها هذا النظام هو وقوعه خارج المدن، حيث تقع بالقرب من المناطق الزراعية أو المناطق التي تكثر بها المصانع حتى يصار إلى تشغيل النزلاء وتدريبهم بها، وقد تكون هذه المؤسسات بسجن مغلق أو تشكل جناحاً مستقلاً من أجنحته.
2.    هذا النظام يكفل تحقيق الردع العام والردع الخاص من العقوبة فهو يكفل الردع العام عندما يفرضه من بعض صور الحراسة المعقولة ويحقق الردع الخاص من خلال تطبيقه للنظام التدريجي الذي يعتمد على غرس وتنمية القدرات الذاتية لدى المحكوم عليه وبعث الثقة فيه، وينتشر هذا النوع من المؤسسات في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وسويسرا وإيطاليا وإنجلترا والسويد وفرنسا.







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق