الصفحات

الأحد، 11 سبتمبر 2016

أشكال قطع الأراضي في فلسطين ومعوقات ذلك على استخداماتها ...

أشكال قطع الأراضي في فلسطين ومعوقات ذلك على استخداماتها

د. ناجح صادق تميم

كلية الهندسة ـ القسم المدني

جامعة النجاح الوطنية

ملخص:
المتتبع والمتبصر لأشكال قطع الأراضي في فلسطين سواء المخصصة منها للأغراض العمرانية أو الزراعية أو غيرهما من الاستخدامات، يلاحظ أن هذه القطع تأخذ في معظمها أشكالاً غير منتظمة تحد بشكل كبير من قابليتها للاستخدامات المختلفة في وقت يتزايد فيه الطلب على الأرض، وتتعاظم أهميتها.

هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في تقسيمات هذه الأراضي بحيث يتم سن تشريعات وقوانين تلزم أو تشجع أصحابها على تصحيح أشكالها ما أمكن، كأن يتم دمج شريطين متجاورين من الأرض مثلاً، وإعادة تقسيمها إلى بديلين أكثر انتظاماً من الناحية الهندسية، مما يسهم في تحسين إمكانية استخدامهما.


هذا البحث سوف يلقي الضوء على هذه الأشكال وسبب ظهورها، ويقترح طرائق تساعد في تعديلها أو التغلب عليها. 
Abstract:

            Land parcels in Palestine have, in general, complex irregular shapes that limit their use for building; agricultural and other land uses.  This is basically due to its topography which dictated such shapes, as well as the patterns of land ownership and registration that prevailed over the years.

            There is a need to revise land subdivision so that land may be more efficiently used. This can be done through adopting a legislation that will force or encourage such a process. This paper will discuss the factors that led to these complex shapes and suggest a methodology to correct them so that they will be geometrically more acceptable.

مقدمة ولمحة تاريخية عن ملكية وتسجيل الأراضي في فلسطين:

تشكل الأرض القاعدة والأساس الذي يمارس الإنسان عليه كافة نشاطاته، فمنها يحصل على غذائه، وعليها يبني بيته الذي يأويه ، ومن باطنها يحصل على موارده المختلفة، وسطحها يوفر له الفراغ الذي يعمل فيه ويستريح عليه، لهذا سعى الإنسان منذ القدم لأن يكون له حيّز يمتلكه ويشعر أنه خاصته، ومن هنا أتى حب السيطرة على القدر الأكبر من الأرض، لتحقيق القوة والعزة والجاه، في الحقيقة إن الأرض هي المصدر الحيوي الأول والرئيسي للإنسان الذي لولاها لكان أمر وجوده واستمراره متعذراً Dale & McLaughlin, 1988, p.1)

لقد كانت الأرض في فلسطين ومنذ القدم، مملوكة على الشيوع من قبل الناس الذين كانوا يعيشون في الأرياف، حيث كان يطلق عليهم اسم " الفلاحين "، وهنا أود الإشارة إلى أن الفلاح في فلسطين لم يكن عاملاً فقط، بل كان يملك جزءاً من الأرض، على عكس مفهوم الفلاح في الغرب (peasant) والذي كان يشير إلى العامل الذي لا يتمتع بحقوق ملكية الأرض، وكان يقابله في فلسطين "القطروز" وهو العامل الذي يشتغل على حصة من الناتج بدون حقوق ملكية للأرض.

كما أشرت، فقد كانت الأرض في القرية مملوكة على الشيوع من قبل كافة سكان القرية على السواء أو من قبل العائلات أو الحمايل ، وقد استخدم السكان إبان ذلك أسماء المواقع والمعالم الطبيعية (كالوديان والجبال والسلاسل الحجرية الخ) للدلالة على الحدود الفاصلة بين القرى المتجاورة، وفي موسم الزراعة (بالذات وقت الخريف) كانت الأرض تقسم بين سكان القرية أو أفراد العيلة أو الحمولة كل حسب مقدرته على الزراعة، فقد كان "الزلمة" و " العمّال " (الرجل العامل مع حيوانه) يعطى حصة واحدة (كانت تسمى فدّاناً)، بينما "الزلمة" بدون "عمّال" يعطى نصف فدّان، وكل عمّال إضافي (حيوان) كان يملكه "الزلمة" ، كان يستحق عليه نصف فدّان إضافي ليستغله في العمل.

هذا النظام كان يستخدم كذلك في القرى لتوزيع الأراضي السهلية، وهو ما زال معمولاً به في بعض القرى في الضفة الغربية مثل قرية صانور الواقعة بين مدينتي جنين ونابلس ( Nasser Abufarha, 2002)، حيث ما زال مرج صانور مملوكاً على الشيوع من قبل سكان القرية، إذ يقومون بتوزيع الأرض بينهم في موسم الزراعة بناء على الأيدي العاملة المتوفرة، وبتوفر الآليات الزراعية مثل التراكتور، فقد أصبح معيار التقسيم للأرض  هو "الزلمة" أي الرجل فقط (بدون الحيوان العامل)، أما بالنسبة للأراضي الجبلية أو الواقعة على السفوح، والتي كان يطلق عليها اسم الأراضي المشجّرة، فقد كانت مملوكة من قبل الأفراد أو العائلات من خلال الإرث، أو كانت قد أعطيت لهم من قِبل الفئة الحاكمة بشرط تشجيرها والمحافظة عليها، وقد كان تحديدها يتم بزراعة الصّبر أو بناء سلاسل حجرية حولها، وهذه الحدود كان يتم احترامها وقبولها من قِبل الجميع.

في العام 1858، سنّت الدولة العثمانية قانون الطابو الشهير لتسجيل ملكية الأرض، حيث طلبت من المواطنين تسجيل الأراضي التي كانت بحوزتهم، وقد عارض العديد من الفلاحين هذا القانون لسببين: الأول لتجنيب أنفسهم دفع الضرائب الباهظة للدولة العثمانية، والثاني للتّهرب من الخدمة العسكرية حيث كانت أسماء المسجلين لأراضيهم تستخدم في السحب من اجل الخدمة في الجيش العثماني (Tamim, 1994)، وقد استمر هؤلاء الفلاحين بملكية المشاع للأرض، باستثناء القليل منهم والذين قاموا بتسجيل أراضي كبيرة لصالحهم بعضها لم يكن مملوكاً لهم، مستغلين "مطاطية" ومرونة وعدم وضوح القانون في البداية.

في العام 1928، وفي زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، تم سن قانون تسوية الأراضي (Land Settlement Ordnance)، والذي ينص على أن ملكية الأرض يتم الاعتراف بها فقط من خلال مسحها وتسجيلها فقط باسم المتصرف بها وليس باسم القرية أو العيلة أو الحمولة، وهذا القانون كذلك لاقى معارضة من العديد من الفلاحين لأنه يتناقض مع مبدأ الاشتراك في ملكية الأراضي، ويعزز النظام الرأسمالي.
في ظل هذا القانون، تم تقسيم كل قرية إلى أحواض بمساحات مناسبة ومتقاربة، وتم إعطاء كل حوض اسم موقع ورقم متسلسل، وكذلك تمّ تحديد قطع الأراضي الواقعة في كل حوض حسب ادعاء المالكين، وأعطيت كل قطعة رقم متسلسل يميّزها عن غيرها، وبدأت بعدها عملية مسح الأراضي وتحضير مخططات المساحة لها، وإصدار وثائق الملكية المعروفة بـِ "كواشين الطابو" والتي تتضمن اسم المالك والموقع ورقم الحوض ورقم القطعة ومساحة الأرض، واستمر العمل بنظام التسوية هذا كذلك في زمن حكم الأردن للضفة الغربية وحكم مصر لقطاع غزه في الفترة من 1948-1967، واستمرت عملية تسجيل وتسوية الأراضي ومسحها لتحضير مخططات التسوية (الأحواض)، وقد غطّت عمليات التسوية هذه ما يقارب ثلث مساحة أراضي الضفة الغربية،إلا أنّ هذه العملية توقفت عند سقوط الضفة الغربية وقطاع غزه تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 والذي ما زال قائماً حتى الآن. ولمزيد من المعلومات عن ملكية الأراضي في فلسطين يستطيع القارئ الاستزادة من المراجع (Tamim, 1995) و (حزماوي، 1998).

المشاكل المتعلقة بأشكال قطع الأراضي في فلسطين:

لو نظرنا نظرة سريعة إلى خرائط قطع الأراضي في الدول الغربية مثلاً، لوجدنا أن هذه الأراضي تأخذ أشكالاً منتظمة في معظمها(مربعة أو مستطيلة أو ما شابه ذلك)، وان الحدود المصطنعة فيما بينها قد نشأت عن عملية تقسيم هندسية منتظمة، ولا ترتبط بالضرورة أو تتأثر بطبوغرافية الأرض الفاصلة بين هذه القطع، ومثال على ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تمّ تقسيمها في العام 1785 إلى نظام شبكي منتظم من الأراضي المربعة الشكل، بمساحة ميل مربع لكل منها، وهذه القطع الكبيرة تم تقسيمها لاحقاً بشكل شبكي كذلك إلى قطع اصغر مساحةً كما لو كانت بضاعة مرتبة بشكل منتظم على رفوف سوبر ماركت كبير(Zittel, 2000).
شكل (1) يبين مثالاً على هذه التقسيمات لمنطقة واقعة في مدينة كولومبوس ـ أوهايو / الولايات المتحدة الأمريكية (Tamim, 1992).

أما عندنا في فلسطين، فيتضح مما سبق في المقدمة أن عملية تقسيم الأراضي بين الفلاحين لم تتبع توزيعاً هندسياً منظماً وإنما ساهم في تشكيلها عدة معايير أهمها :

1)  تضاريس الأرض، حيث كان الفلاحون يأخذون من السلاسل الحجرية والصّبر فاصلاً بين قطعهم المتجاورة بغضّ النظر عن الطبيعة المتعرّجة لهذه الفواصل، كذلك فإن العديد من قطع الأراضي الواقعة بمحاذاة الطرق قد تأثّر شكلها بهذه الطرق المتعرّجة جداً والتي تم اختيارها أصلاً لتيسير سلوكها من قبل المشاة والحيوانات، ولم يراعى حينه أن تكون هندسية قابلة للاستخدام لاحقاً من قِبل المركبات والآليّات، ولسوء الحظ فعندما جرت أعمال التسوية والطابو للأراضي وتحضير خرائط المساحة، تمّ اعتماد هذه الطرق وتلك الحدود كما هي دون النظر إلى الاحتياجات المستقبلية.
 
2)  الحاجة للقرب من آبار المياه لاستخدامها للشرب وريّ المزروعات، فقد سعى الفلاحون أن يكون لهم حدوداً تصلهم بآبار المياه المنتشرة هنا وهناك بغض النظر عن شكل هذه الحدود.

3) الميول الفطرية للأفراد والجماعات للتوسع والسيطرة على أكبر كم ممكن من الأراضي من خلال الزحف حتى الوصول إلى عائق طبيعي مثل وادي أو حافة جبل أو شاطئ نهر، أو إلى أن يواجَهوا بمقاومة من أفراد أو جماعات أخرى تحاول التوسع باتجاههم (Barry, 1997).

كل هذا وذاك، أدّى إلى ظهور قطع أراضي "ميّتة" بالكامل أو بشكل جزئي، وهي غير صالحة من الناحية العمرانية أو حتى الزراعية، ولتوضيح هذا الأمر ، تم اختيار ثلاث عينات عشوائية لأحواض من قريتي كفرراعي ـ  قضاء جنين (شكل 2)، وبيت وزن قضاء نابلس (شكل 3)، ومن مدينة نابلس/منطقة عسكر (شكل 4)، فلو نظرنا وتفحصّنا الشكل رقم (2) والذي يشكل جزءاً من حوض 32 التابع لقرية كفرراعي والمسمى بـِ "الخانق" والذي يمثل في معظمه منطقة بناء، لتمكّنا من ملاحظة عدة مشاكل منها : 

شكل (2): جزء من الحوض 32 التابع لقرية كفرراعي – جنين والمسمّى بـِ "الخانق".

شكل (3): جزء من الحوض 1 التابع لقرية بيت وزن – نابلس والمسمّى بـِ"الجبل الأحمر".


شكل (4): جزء من الحوض 4 التابع لقرية عسكر – نابلس والمسمّى بـِ"الداجونية".

1)  بعض القطع غير صالحة للبناء عليها بسبب صِغر مساحتها (مثل القطع 5، 7، 68، 70) أو بسبب شكلها (مثل القطعة 10) والتي عرضها قليل ولا يتّسع للارتداد والبناء.

2)   بعض القطع يمكن استغلالها جزئياً حيث أن الجزء الآخر منها إما شريطاً ضيقاً ( مثل القطع 9، 42، 47، 63)، أو تمّ فصله كليّاً عن كامل القطعة بسبب الاختيار غير الموفق لمسار الطرق (مثل القطع 44، 45).

3)   الحد الفاصل بين بعض القطع طويل ومتعرّج، ومثال ذلك الحد بين القطعتين 34 وَ 92/ 34 وَ 43/ 64 وَ 65 وغيرها الكثير، وهذا يؤدي إلى العديد من السلبيات و على رأسها التعامل مع مشاكل الحدود بين المتجاورين وكذلك تكلفة بناء الجدران الإسمنتية الفاصلة بين هذه القطع فيما إذا أراد أصحابها إحاطتها بأسوار.

هذه المشاكل كذلك تتكرر في الشكل (3) والذي يمثل جزءاً من الحوض التابع لقرية بيت وزن في الموقع
المسمى"الجبل الأحمر"، والذي يقع في مدخل نابلس الغربي ،وهو موقع مهمّ من الناحية العمرانية والتجارية،فمثلاً
القطع  102، 103، 173، 122، 123وغيرها الكثير تعتبر"ميّتة" أو ضعيفة جداً من الناحية العمرانية بسبب صِغر مساحاتها أو شكلها الشريطي مع أنها تتمتع بموقع استراتيجي لقربها من شارع رئيسي هام هو مدخل نابلس الغربي ،كذلك بعض القطع مثل 104، 121 وَ 123،لا يمكن استغلال بعض أجزائها نظراً لشكلها الشريطي الضيق أو لفصلها إلى جزئين أو أكثر بفعل الطرق المقترحة ،ولا يخفى كذلك على القارئ المشكلة الأخرى والمتمثلة بتعرج الحدود الفاصلة بين بعض القطع.

الشكل (4) يمثل مشكلة من نوع آخر ،فهذه المنطقة الواقعة شرقي نابلس والتابعة لأراضي عسكر (حوض 4 موقع "الداجونية")، تتكون في الأصل من مناطق سهليه زراعية ،وهي على شكل قطع شريطية ضيّقة جداً بعرض بضعة أمتار وطول يصل إلى مئات الأمتار، مما يجعلها صالحة للزراعة فقط، ولكن نظراً لتوسع البناء في مدينة نابلس ووصوله إلى هذه المنطقة، وبسبب وقوعها على شارع رئيسي ،فإننا نلاحظ أن الواجهة الضيقة لهذه القطع على الشارع تحد من إمكانية استخدامها للبناء بالشكل الأمثل، وذلك بسبب عدم توفر الارتداد الكافي حسب قانون بلدية نابلس ودائرة التنظيم ،ولو تمّ تقسيمها أصلاً بطريقة عرضية هندسية مع وجود شبكة طرق تصل لجميع القطع، بدلاً من هذا التقسيم الشريطي الطولي، لأعطى ذلك مرونة اكثر في استغلال هذه الأراضي للأهداف المختلفة. 

الحلول المقترحة لهذه المشاكل: 

          من أجل تصحيح المشاكل الآنفة الذكر، وللتقليل من الأراضي الضائعة وجعلها أكثر قابلية للاستخدامات المختلفة وخاصة البناء في المناطق العمرانية يمكن القيام بعدة أمور أهمها :

1)  إجراء تعديلات -حيثما أمكن- على الحدود بين المتجاورين من أجل استبدال الحدود المتعرّجة بأخرى مستقيمة وذلك دون الإخلال بمساحة أيّ من قطع الأراضي الواقعة على جانبي الحد، فمثلاً يمكن استبدال الحد المتعرج بين القطعتين 34 وَ 92 في الشكل (2) ليصبح أكثر استقامة كما هو موضح في الشكل (5) دون أي تغيير في المساحات، بمعنى آخر ضرورة عدم التعامل مع الحدود على الأرض على أنها تقسيمات حادّة ملزمة كما هي ظاهرة على الخريطة (Barry, 1997)، وعند الحديث مع أصحاب هذه القطع عن ضرورة وفوائد إجراء تعديل من هذا القبيل ،أبدى المواطنون قبولهم الحذر له بشرط الإبقاء على المساحات كما هي .

شكل (5): استبدال الحد المتعرّج بين القطعتين 34 وَ 92 بحد أكثر استقامة.

2) ضم وتوحيد القطع المتجاورة والتي يصعب استخدامها على حده بسبب شكلها الشريطي مثلاً وإعادة تقسيمها بنفس المساحات والحصص ، فلو نظرنا مرة أخرى إلى الشكل (2) وتحديداً إلى الجزئين الشريطيين المظلّلين من القطعتين 44 وَ 45 واللّذين تم فصلهما بسبب وجود الطريق المجاورة، لوجدنا أن أيّا منهما يصعب البناء عليه بسبب العرض الضيق لهما وعدم توفر الارتداد الكافي حسب قوانين دائرة التنظيم، ولكن لو تمّ ضم هذين الشريطين وإعادة تقسيمهما من جديد إلى القطعتين  A وَ B كما هو مبين في الشكل (6)، لتحقق هناك فائدتين: الأولى أنّ كلا القطعتين يصبح صالحا للبناء، والثانية أن الجزء العلوي المنفصل من القطعة 44 يصبح له واجهة أطول على الشارع العام، وعند الاستفسار  من أصحاب هذه القطع عن إمكانية إجراء هذا التعديل، فقد كان هناك ترحابا شديداً بهذه الفكرة خاصة إذا كانت العملية غير مكلفة ومضنية من ناحية مساحيّة وقانونيّة، حيث أن القوانين المعمول بها حالياً في فلسطين لا تسهّل مثل هذا الإجراء، ويحتاج إلى الوقت والجهد حتى يتم تحقيقه، ومن الجدير بالذكر أن فكرة الضم هذه وإعادة التقسيم،  يمكن تطبيقها كذلك على القطعتين 120 وَ 173 في الشكل (3) والقطع السهلية المتجاورة في الشكل (4).

شكل (6): ضم الجزئين الشريطيّين من القطعتين 44 وَ 45 وإعادة تقسيمهما إلى القطعتين A وَ B الأكثر انتظاماً.

3) تشجيع المتجاورين على تبادل الأراضي، فمثلا يمكن لمالك قطعة أرض غير مناسبة أو صالحة للاستخدام بمفردها أن يتنازل عنها لجاره الذي سيقوم بضمها لأرضه، مقابل أن يقوم هذا الجار بتعويض الأول إمّا ماليا أو بقطعة أرض منتظمة بديلة في مكان آخر.

4)  تشجيع المالكين لأراضي ضيّقة محاذية لطريق عام، مثل القطعة 10 في شكل (2)  والقطعة 19 في شكل (3)، على التنازل عن هذه الأراضي لاستخدامها كمناطق خضراء أو الاستفادة منها في توسعة الطرق، وتعويضهم بدلاً منها من أراضي حكومية تقع في مناطق أخرى، وهذا الأسلوب تمّ اعتماده في إقليم مونتري في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية (Monterey County, 2001).

5) الانتباه للمشاكل السابقة الذكر وتجنّبها قدر الإمكان والعمل على حلّها عند إجراء عمليات الطابو للأراضي التي لم تجري عليها أعمال التسوية بعد، حتى تحل المشاكل من جذورها بدل عملية الترقيع بعد الانتهاء من عملية إعداد الخرائط المساحية الخاصة بالأحواض .

(6) سن قوانين وتشريعات تشجع أو تلزم المواطنين بالقيام ببعض التعديلات الضرورية خدمةً للصالح العام، كذلك تسهيل المعاملات في دوائر المساحة والطابو وتخفيض الرسوم كنوع من التشجيع.

(7) العمل على تطبيق برنامج توعية للمواطنين يشرح ضرورة القيام بهذه التغيرات حيثما أمكن، ويبيّن الفوائد التي ستعود عليهم من جراء هذه التغييرات دون الانتقاص من حقوق ملكيتهم أو مساحات أرضهم.

مبررات وفوائد هذه التعديلات:

كما ذكرنا سابقاً، فإن أهمية الأرض كمورد ومأوى للإنسان تزداد يوماً بعد يوم خاصة في ظل التزايد في عدد السكان وزيادة الضغط على الأرض، ومن هنا تأتي ضرورة تخطيط الأرض والتعامل معها وفق أساليب وإجراءات عمليّة مدروسة بعيداً عن العشوائية والاعتباط (غنيم، 2001، ص 7 وَ 38).

في السابق تبعت أشكال قطع الأراضي طبوغرافية الأرض ولم تكن هندسية منتظمة، ولكن توفر الآليات اللازمة لحفر واستصلاح الأراضي قلل أو ألغى إلى حد ما طبوغرافية الأرض كمعوّق في طريق الاستخدام الأفضل للأرض وإعادة تصحيح حدودها أو تقسيمها إلى أشكال هندسية أكثر قابليّة للتطوير والاستخدام، وفي هذا السياق تأتي هذه التعديلات لكي تسهم في :

1)   تخفيف الضغط عن الأرض وذلك بتقليل مساحات الأرض الضائعة، وذلك في ظل التزايد الكبير في عدد السكان وزيادة الطلب على الأرض النادرة أصلاً في فلسطين نتيجة الوضع السياسي القائم، وهذا من شأنه كذلك أن يخفف من تآكل الأرض الزراعية نتيجة استخدامها لأغراض البناء، وتحقيق التوازن المطلوب من أجل الاستخدام الأفضل للأرض.

2) تقليل مشاكل الحدود بين المتجاورين ، إذ من السهل التعامل من ناحية مساحيّة مع حدود مستقيمة إذا ما قورنت بالحدود الطويلة المتعرّجة.

3) تحفيز وتنشيط سوق الأراضي من بيع وشراء، حيث أنّ الأرض ذات الشكل الهندسي مطلوبة أكثر من غيرها وسعرها عادة أفضل من أرض شريطية غير منتظمة.

4) تخفيض كلفة بناء الجدران الفاصلة بين المتجاورين، حيث أنّ كلفة بناء جدار مستقيم أقل من كلفة بناء جدار  طويل ومتعرّج، وهذا بالنهاية يعزّز الاقتصاد القومي الإجمالي ويخفف عنه الأعباء.

5) تسهيل التعامل مع المعلومات المكانية الخاصة بالأراضي على الحاسوب من حيث تقليل حجم المعلومات المخزّنة، وتسريع العمليات الحسابية والبحثية.

الخلاصة :

نتيجة للعوامل السياسية التي مرت بها فلسطين، وبسبب طبيعتها الجغرافية المتنوعة التي بدورها أثّرت في ملكية وتوزيع الأراضي، فقد نشأت في فلسطين قطع أراضي غاية في التعقيد والتعرّج وعدم الانتظام، الأمر الذي ساهم في محدودية استخدام هذه الأراضي بالطريقة الأمثل.

إنّ نجاح كثير من الشعوب في تحقيق مستويات عالية من المعيشة، ارتبط بدرجة كبيرة بقدرة هذه الشعوب ونجاحها في التعامل مع الأرض وفق أحدث الأسس العلمية تنظيماً وتخطيطاً واستغلالاً، ومن هنا برزت ضرورة إعادة النظر في أشكال قطع الأراضي هذه، وتعديل ما يمكن تعديله منها لتصبح أكثر ملاءمة للاستغلال الجيد وبالذات في النواحي العمرانية.

لقد ناقشت هذه الورقة وتعرضت لبعض المشاكل في أشكال وحدود قطع الأراضي وبيّنت كيف أنّ إجراء بعض التعديلات عليها لتصبح هندسيّة وأكثر انتظاماً يعود بالفوائد الجمة على الفرد والمجتمع ويخفف من الضغط الحاصل على الأرض القليلة أصلاً في فلسطين في ظل التزايد المستمر في عدد السكان وتزايد الطلب على الأرض. 

المراجع:

1) Dale, Peter F. and John D. McLaughlin, Land Information Management, Clarendon Press (1988), 266 p.

2) Abufarha, Nasser, “Land Ownership in Palestine/Israel”, Al-Awda-Document, 2 Mar. 2002, <http://www.al-awda.org/land_ownership.htm

3) Tamim, Najeh S., “A Historical Review of the Land Tenure and Registration System in Palestine”, An-Najah University Journal for Research, (Natural Science), Published by the Deanship of Scientific Research, An-Najah National University, Nablus, Vol.3, No.9, (1995), pp:86-99.

4) حزماوي، محمد، ملكية الأراضي في فلسطين: 1918 ـ 1948، مؤسسة الأسوار، عكا (1998)، 540 صفحة.

5)  Zittel, Andrea, “Pocket Properties: An all new A-Z Land Brand”, A-Z Land Brands, Andrea-Zittel’s A-Z: An Institute of Investigative Living (2000), 2 Mar. 2002, < http://www.zittel.org/Pages/text-mproposalpocketproper.html.

6) Tamim, Najeh S., A Methodology to Create a Digital Cadastral Overlay Through Upgrading Digitized Cadastral Data, Ph.D Dissertation, The Ohio State University (1992), 147p.

7) Barry, Smith, “The Cognetive Geometry of War”, From: Current Issues in Political Philosophy, Edited by: Peter Koller and Klaus Puhl, Vienna: Hölder – Pichler – Tempsky (1997), pp:394-403.

8)  Monterey County, California, “Transfer of Development Credits Policies”, Big Sur Land Use Plan, 23 Aug. 2001, 2 Mar. 2002, <http://www.sustainable.doe.gov //codes/tdc2.shtml.

9) غنيم، عثمان محمد، تخطيط استخدام الأرض: الريفي والحضري، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان (2001)، 302 صفحة.

10) أحواض التسوية رقم 32 لقرية كفرراعي، وَ 1 لقرية بيت وزن، وَ 4 لقرية عسكر ـ نابلس، المصدر: دائرة المساحة / رام الله.




هناك تعليق واحد: