الصفحات

الأحد، 4 سبتمبر 2016

التنمية و النهوض بالعالم القروي ...


التنمية و النهوض بالعالم القروي

    يزخر المغرب بتنوع جغرافي كبير يتمثل في شواطئ وجبال وسهول , لها إيجابياتها وسلبياتها وقد تغلب السلبيات على الإيجابيات لأن أكثر من نصف مساحته تصنف ضمن مناطق قروية طالها الاهمال ونخر فيها الفقر بسبب توالي سنوات الجفاف وانجراف التربة وتصحرها مما ساهم في إفراغ معظمها من السكان عن طريق الهجرة إلى المدن ولم يبق في البعض منها إلا المعالون بصورة تضامنية من أقربائهم بالخارج . ولا يمكن وضع حد لهذا التردي إلا بسن سياسة تنموية هادفة تستهدف الأبعاد البشرية والاجتماعية والاقتصادية وتتطلب مخططات بعيدة ومتوسطة المدى , تجند لها كل إمكانيات الانجاز والتنفيذ , وتحشد لها جميع وسائل الدعم والمساندة , من تعبئة الفاعلين , وإشراك المعنيين في المتابعة , والحماس لإنجاحها , ولتبرير ضرورة العمل على الإسراع في تنمية العالم القروي لابد من التذكير با لوضعية المتردية التي يعيشها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والمثمثلة في انخفاض مستوى التنمية البشرية به مقارنة مع الوسط الحضري وكذا ضعف البنيات الاقتصادية والاجتماعية الأسا سية إذ أن ما يقرب من 60 في المئة من القرى تعاني من العزلة والتهميش بسبب غياب التجهيزات الأساسية كالطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب والمراكز الصحية والمدارس مما يزيد من استفحال ظاهرتي الأمية والفقر حيث إن نسبة مهمة من الساكنة القروية تعيش تحت عتبة الفقر الشئ الذي يؤدي حتما إلى ارتفاع البطالة والهجرة بنوعيها الداخلية والخارجية خصوصا السرية منها .

  وقد عمل المغرب عبر تاريخه على تحسين مستوى عيش السكان رغم قساوة الظروف الطبيعية والبشرية والتي تجعل تلك التنمية غير متجانسة ومنذ بداية التسعينيات اصبح الاهتمام منصبا على تنمية العالم القروي الذي يعاني سكانه من مشاكل عويصة , فظهرت اصوات تنادي بفك العزلة عنه وتنميته وربطه بعجلة التقدم لتقليص الفوارق بينه وبين الحواضر , لكن هذا الاهتمام لم يكن من طرف الدولة وحدها بل برز على الساحة مجموعة من الفاعلين من المجتمع المدني وبالخصوص جمعيات تنموية تجندت بكل امكانياتها المتاحة للعمل على ضمان تنمية مستدامة للعالم القروي.

I. - مفهوم التنمية

  التنمية من المفاهيم السحرية التي يشدو الجميع نقلها من المنطوق الى الملموس لكنها عصية عن الحصر والتسييج ومن العلاجات الرئيسية التي شخصها الخبراء والمهتمون كحل للمشاكل المستعصية التي تتخبط فيها البشرية وفي الوقت الذي انحصر فيها مفهوم التنمية لعدة عقود على التنمية بمفهومها الاقتصادي والاجتماعي بات الجميع اليوم دول وشعوب يتحدث عن التنمية البشرية بأبعادها الشاملة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، المغرب بدوره في سياق التحولات الاقليمية والمحلية التي تحيط به وتؤثر على قراره وتوجهاته الكبرى اعلن انخراطه في التنمية البشرية الشاملة واعادة الاعتبار للعنصر البشري في أي تخطيط مستقبلي لكن ربما الارث الاجتماعي والاقتصادي السلبي مازال يلقي بظلاله على الطموحات الكبيرة ويجعلها مؤجلة رغم المجهودات التي ابانت عنها العديد من المبادرات الرسمية ومنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تستهدف الحد من الاقصاء الاجتماعي وتقليص الفوارق الاجتماعية وانتشال العالم القروي من التهميش واليأس.

1- التأصيل الحقوقي لحق التنمية

  والحق في التنمية مهم بالنسبة لأي انسان كيفما كان اصله وشكله او طبعه ويصنف هذا الحق ضمن الجيل الثالث من حقوق الانسان المبني اساسا على التضامن , مما ادى بالمنظومة الدولية الى الاعتراف به تدريجيا انطلاقا من ميثاق الامم المتحدة نفسه (المادة 55 والمادة 56 ) وعدد كبير من النصوص والاعلانات التي تنحدر اساسا من الجمعية العامة للامم المتحدة (الاعلان الدولي حول التقدم والتنمية في المجال الاجتماعي لسنة 1969 ) و(الاعلان الدولي بشأن اقرار نظام اقتصادي عالمي لسنة 1974) و(ميثاق الحقوق والواجبات الاقتصادية للدول لسنة 1974) بالاضافة الى القرارات الهامة للجن الاممية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للامم المتحدة وبالخصوص القرار الهام 128/41 المثمثل في اعلان الحق في التنمية الذي صدر في 4 دجنبر 1986 (1) ثم قرار الجمعية العامة للامم المتحدة 199/47 بتاريخ 22 دجنبر 1992 الذي اعتب رالتنمية الانسانية الاجتماعية المستديمة الهدف المتوخى من كل عمل تنموي سواء كان دوليا او قطريا او محليا (2)

2- النظرة التنموبة للجماعات المحلية

  إن تهيئة المناخ الملائم للجهد التنموي المحلي بواسطة العناية بالجماعات القروية وتنميتها لا يتاتى الا في اطار النظرة المتوازنة للجماعات المحلية المغربية و ذلك با تخاذ منظور المساوات و العدالة بين جميع الجماعات المحلية وتهيئة المناخ الاسثتماري المناسب لها لاستغلال الثروة المحلية وفي ضوء خطة التنمية الشاملة حتى لايؤتر الاهتمام بجماعة محلية ما سلبا على مسار التنمبة الشمولية.فبالرغم من التباين الجغرافي الذي يطبع الجماعات القروية فهذا لا يمنع انتشار عملية التنمية الشموليةبجميع الجماعات القروية باعتبار ان التنمية الاقتصاديةتقوم اساسا على محاورللتنمية وان النشاطات الاقتصاديةلكل جماعة محلية تتركز في مواقع جغرافية هامة تكون مصدرالاشعاعالتنمية الى جماعات اخرى وايضا باعتبار ان مركز التنميةالقروية يتكون من جماعةقروية رئيسية وقد لوحظ ان التنمية الاقتصادية المتزايدة و المستمرة تكون مصحوبة بنوع من انتشارالنشاطات الاقتصادية من المراكز الى ما بحيط به.

   يشكل المجال القروي بالمغرب كل الحيز الجغرافي الخارج على نطاق المدارات الحضرية، ويشكل العالم القروي إلى حد قريب المجال الاستيطاني للساكنة المغربية كما شكل الترجمة الفعلية الاجتماعية والمجالية للأنشطة الفلاحية.

  يقطن بالعالم القروي بالمغرب اليوم حوالي 45% من الساكنة، هذه النسبة في تراجع مستمر لعدة عوامل منها :

تزايد حجم المدن وتوسعها من خلال توسيع المدارات الحضرية للمدن الكبرى والصغرى والمتوسطة بإضافة مجالات كانت إلى عهد قريب مجالات قروية صرفة.
ترقية بعض المراكز القروية إلى درجة مراكز حضرية خلال التقسيم الإداري الأجنبي.
الهجرة القروية وما تعرفه البادية المغربية من مشاكل تهم ;الفقر، البطالة، تراجع وتيرة النشاط الفلاحي بسبب التغيرات المناخية (الجفاف) ونقص في التجهيزات السوسيو اقتصادية.

  كل هذه العوامل أصبحت تشكل عائقاً أمام تبني سياسة قروية تهدف إلى تنمية المجالات الريفية وتهدف بالأساس إلى الرفع من المستوى المعيشي للسكان وتأهيل المجالات القروية في إطار التنمية المستدامة

1 . بعض المعطيات المتعلقة بالتنمية القروية بالمغرب:

  إذا ما اخذنا الترتيب العالمي لبرنامج الامم المتحدة للتنمية فإن وضعية التنمية البشرية بالمغرب عرفت تراجعا بحيث انتقل المغرب من الرتبة 117 عالميا حسب مؤشر التنمية البشرية سنة 1995 الى المرتبة 123 عالميا سنة 1999 ليصعد الى المرتبة 126 عالميا سنة 2003 –التقرير العالمي حول التنمية البشرية لسنة 2003- عند الحديث عن مؤشرات التنمية البشرية فنحن نتحدث عن معدلات رئيسية تهم الخدمات الاجتماعية الاساسية من تعليم وصحة وامية ثم معدلات الفقر والاقصاء الاجتماعي ونسب البطالة واتجاهاتها.

1- الفقر:  اتبعاً للإحصاء الذي قامت به وزارة الفلاحة خلال سنة 1996، تشكل الساكنة التي لها مدخول ضعيف 5,7 مليون نسمة أي حوالي 43% من الساكنة القروية. هذه الإحصائيات رغم قدمها إلا أنها تشكل أرضية لتحليل هذا الموضوع على اعتبار أنها كانت أكثر شمولية وهمت السكان القرويين، كما أنه منذ ذلك التاريخ لم تتغير الأمور كثيراً على مستوى البوادي المغربية.

  ثلثي الساكنة الفقيرة بالبوادي تعيش في إطار استغلاليات صغرى micro- exploitation أقل من (3 هكتارات بالأراضي البورية و أقل من 1 هكتار بالمناطق المسقية) والثلث الباقي يعيش بدون استغلاليات.

  هناك دراسات أخرى تشير إلى أن 70% من الفقراء بالمغرب يعيشون بالعالم القروي. و 30% من الساكنة القروية تنفق 3000 درهم سنوياً وهو ما يقارب إلى حد ما عتبة الفقر التي حددتها المنظمات الدولية، هذه الساكنة الفقيرة تعيش من خلال تعدد الأنشطة الموسمية بالعالم القروي أو بالمجالات الحضرية القريبة. معدل البطالة بالعالم القروي هو في حدود 5,4% مقابل 13,9% كمعدل وطني. لكن هذه المعطيات ليست معبرة على اعتبار أن البطالة المقنعة هي السائدة بالعالم القروي

2- التمدرس: سجلت النفقات الاجتماعية الخاصة بالتمدرس بالنسبة للمواطن الواحد انخفاضا بلغ 11 في المئة بين 1983 و 1989 نجم عنها تراجع في عدد الساكنة المتمدرسة البالغة من العمر ما بين 7 سنوات و14 سنة .

   لقد اقرت السلطات العمومية اصلاحا انطلق في السنة الدراسية 1998/1999 كان من نتائجه ان بلغ تمدرس الاطفال المنتمين الى الفئة العمرية 6 سنوات -11 سنة خلال الدراسية 1999-2000 أي في غضون سنتين نسبة 80 في المئة وقد توقعت الاحصائيات الرسمية تحقيق هدف تعميم التعليم ابتداءا من سنة 2002-2003 ولقد صدر في ذات الشأن قانون حول اجبارية التعليم ابتداءا من 6 سنوات -قانون 04.00 – المتعلق باجبارية التعليم بالنسبة لسلك التعليم الاساسي الصادر بتاريخ 19 ماي 2000.

وقد وضع –برنامج دعم التمدرس في الوسط القروي- مكن في ظرف ثلاث سنوات من زيادة عدد المتمدرسين في السلك الاول من التعليم الاساسي بنسبة 20.6 في المئة في مقابل 13.5 في المئة على المستوى الوطني .وقد هم هذا التقدم بالاساس تمدرس الفتيات القرويات الذي ارتفع بنسبة 34.8 في المئة .

3- الأمية: مغربي من بين اثنين تقريبا امي وتمس الامية في المقام الاول والرئيسي الساكنة القروية 67 في المئة مقابل 33.7 في المئة من الساكنة الحضرية والنساء القرويات 83في المئة اكثر من الحضريات 45.5 في المئة .ان 72.5 في المئة من الساكنة القروية النشيطة والمشتغلة والبالغة من العمر اكثر من 15 سنة تعاني من الامية.

- وعلى الرغم من العمل المشترك للسلطات العمومية والجمعيات المدنية في اطار عدة برامج فان استئصال الأمية مايزال هدفا بعيد المنال ، اذ يصطدم في الواقع بعائق مزدوج :

-  ضخامة حجم الظاهرة من جهة ومحدودية الوسائل بل عدم ملاءمتها من جهة ثانية . وقد حددت الحكومة لنفسها سنة 2015 كأفق للقضاء على هذه الكارثة ، وبذلك انطلقت في مايو 2003 حملة وطنية تحت شعار " مسيرة النور " وحددت لها كهدف تعليم القراءة والكتابة لمليون شخص كل سنة ولكن من الصعب معرفة التاثير الحقيقي لهذه البرامج ومدى نجاحها.

- إن الفتاة القروية هي آخر من يلتحق بالمدرسة وأول من ينسحب منها اذ مايزال تمدرسها محتشما وفي امس الحاجة الى مضاعفة المجهودات حيث فشلت الحقائق الميدانية على انقطاعات التلميذات القرويات وتغيبا تهن الطويلة الأمد كما ان بعض الدراسات الميدانية بينت الانخفاض الحاد بالنسبة للتلميذات القرويات اللواتي يلتحقن بمؤسسات التعليم الإعدادي ويعزى ذلك الى بعد هذه الأخيرة وبعدم الاستفادة من المنح الدراسية وقساوة الحياة في الوسط القروي

عوائق تمدرس الفتاة القروي

أ- عوائق اقتصادية

  يعتبر العالم القروي أكبر خزان لظاهرة الفقر بجميع مستوياته وتجلياته البنيوية والظرفية. فالفقر من بين الحواجز التي تحول دون ولوج الفتاة القروية إلى المدرسة ، ذلك أن الآباء عاجزون عن تحمل مصاريف الدراسة لمجموعة من الأطفال في آن واحد فيضطرون إلى الاختيار والذي يكون غالبا على حساب الفتيات ، كما ترى الأسر في الفتيات يدا عاملة تساعدها في تحمل أعباء الحياة وتساعدها في الأعمال المنزلية وتربية المواشي بل ترسلها أحيانا كخادمات في البيوت في المدن لتعيل أسرها ، كما أن هشاشة البنيات التحتية القروية بدورها تساهم في هذه الظاهرة ، إذ أن تشتت المساكن القروية يحول دون قرب المؤسسات التعليمية من مساكن الأطفال فيضطرون بذلك إلى قطع العديد من الكلمترات للوصول إلى المدرسة . وفي غياب تام لوسائل النقل مما يزيد المهمة صعوبة كما إن قسوة الظروف الطبيعية تساهم بقسط كبير في جعل الالتحاق بالمدرسة أمرا صعبا للجنسين ناهيك عن الفتاة .

ب- عوائق سويسيو ثقافية

  إن جهل الآباء بايجابيات التعليم يحدو بهم إلى القول بعدم أهمية تمدرس الفتاة مادام مصيرها المكوث بالبيت ، لكنهم يغفلون حقيقة مهمة حتى بالنسبة للنهوض بمسؤولية البيت بما في ذلك تربية الأطفال .

   فالأم تحتاج إلى قسط من التعليم ليتسنى لها الاضطلاع بمسؤولية الأمومة في ظروف حسنة . كما أن الآباء يعتبرون تعليم الفتاة أمرا يحدث اضطرابا في تماسك المجتمع القروي الشيء الذي لا ينسجم مع قيم الأنوثة وخصوصياتها ، بالإضافة إلى العديد من المبررات الواهية كالحرص على عرض الفتاة ورفض الاختلاط واعتبار المدرسة مضيعة لمستقبل الفتاة تحول بينها وبين مهام الزوجة والأم المستقبليتين.

ايجابيات تمدرس الفتاة القروية

  لاشك أن ثمة ربطا منطقيا بين مستوى التمدرس عند الفتاة والتنمية الشاملة في البلاد باعتبارها طرفا مساهما في هذه التنمية فالتعليم يفتح أمام الفتاة القروية آفاقا لاحدود لها ويزودها بوسائل تيسر فهمها للواقع المحيط بها والتواصل معه بوعي وكذا القدرة على تعزيز معارفها والتكيف مع متغيرات محيطها وبالتالي السعي للمساهمة الإنمائية .

  فالفتاة/ المرأة المتعلمة يكون لها موقعها الخاص من الحياة عموما وما يرتبط بها خصوصا كالإنجاب إذ تفضل عددا محدودا من الأطفال قصد رعايتهم والاعتناء بهم بشكل أفضل كما تتقيد بمواعيد تلقيحهم مما يساهم في تخفيض عدد الوفيات بين صفوف الأطفال الذين لاتتعدى أعمارهم سنة واحدة ، هذا من جانب ومن جانب أخر فالتمدرس يتيح لها فرصة التعامل مع المرافق العمومية بسهولة وبالتالي تخطي العراقيل بثقة وثبات وكذا اتخاذ القرارات داخل الأسرة وتحسين نوعيتها من خلال تعزيز مشاركتها في النسيج الاقتصادي .وتمة علاقة نسبية بين مستوى التعليم والزواج لدى الفتاة فكلما ارتفع مستواها التعليمي كلما تأخرت عن الزواج وذلك لوعيها من أن هناك أمرا أهم هو تكوين النفس وتعزيز قدراتها الفكرية حتى يتسنى لها التعامل مع الحياة بشكل أفضل،فالتعليم يساعد في الانخراط بجدية داخل التنظيمات النسائية والمنظمات المدنية من اجل خلق فرص كبرى لتوعية باقي النساء القرويات وتزويدهن بالخدمات والمعلومات اللازمة بما في دالك خلق أنشطة مدرة للدخل والاستفادة من القروض الصغرى ،كما أن الفتاة/المرأة القروية المتعلمة تتحمل مسؤولية الرفع من حظوظ باقي القرويات لتسمع أصواتهن حتى يعي المجتمع بالمكانة الحقيقية للمرأة القروية .

   وبهذا يعد تعليم الفتاة عامة والقروية خاصة من بين أفضل الاستثمارات لتحقيق تنمية بشرية ومستدامة بالبلاد خاصة وان التنمية البشرية ليست إلا عملية تنمية وتوسيع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنمية ذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس ولدالك لابد من التأكيد على ضرورة الاهتمام بالفتاة المرأة القروية وتخليصها من قيود الأمية و الفقر والتهميش .

4- الصحة : معدل عدد الاطباء بالمغرب هو 46 طبيب لكل 100000 نسمة يتمركز 44 في المئة منهم في مدينتي الدارالبيضاء والرباط اما نسبة الوفيات في اوساط الاطفال الذين لا تتجاوز اعمارهم 5 سنوات بلغت 45 وفاة لكل 1000 ولادة ووصلت النفقات الصحية 1.2 من الناتج الداخلي الخام لسنة 1999 ونسبة وفيات الاطفال تبلغ بالعالم القروي 46.10 في الالف مقابل 23.8 في الالف في الوسط الحضري . نسبة وفيات الامهات هي 307 لكل 100000 ولادة بالوسط القروي في مقابل 125 لكل 100000 في الوسط الحضري .

5- البطالة : بلغت نسبة البطالة في نهاية مارس 2004 12.5 في المئة مقابل 11.9 في المئة خلال سنة 2003 وقد مست هذه الزيادة بشكل خاص النساء والعالم القروي ويقدر عدد الساكنة النشيطة ب 11.5 مليون شخص ويلاحظ بشكل عام ارتفاع نسبة البطالة في صفوف النساء القرويات.

6- الموارد الطبيعية: يساهم النشاط الفلاحي بنسبة 16% (كمعدل) في الناتج الوطني الخام بتغيرات تتراوح ما بين (12% و24 %) حسب الظروف المناخية. يعيش حوالي 80% من الساكنة القروية داخل استغلاليات فلاحية .

    تؤدي الظروف المناخية المتدبدبة سنوياً وجهويا إلى تدبدب في ضمان الأمن الغذائي (مما يضطر الدولة إلى صرف أموال باهضة في استيرادالمواد الغذائية، الحبوب مثلا) خلال سنوات الجفاف.

   ينضاف إلى هذه المشاكل مشاكل متعلقة بتدهور الموارد الطبيعية واستنزافها ومن بينها :
استنزاف الموارد المائية الجوفية بسبب الاستغلال غير المعقلن في النشاط الفلاحي حالة سهل سوس ، مناطق الواحات المناطق الشرقية والمناطق الساحلية غير المجهزة بقنوات الري.

  70% من الأراضي الصالحة للزراعة تتعرض لتعرية كثيفة.المناطق الجبلية، مناطق الواحات والمناطق الهامشية (الحدود) تتعرض إلى مشاكل تصحر خطيرة. الموارد المائية تتعرض لمشاكل وأشكال كثيرة من الملوثات (المياه العادمة الصناعية والمنزلية التي تقذف مباشرة في المجاري المائية السطحية).

  الإفراط في استعمال المبيدات و الأسمدة في النشاط الفلاحي إضافة إلى مشكل المطارح العمومية المتواجدة على ضفاف الأودية والمجاري المائية .
الموارد الغابوية بدورها في تدهور بسبب القطع الجائر للأشجار. هذه الثروة التي تقدر بحوالي 91 مليون هكتار هي في تدهور بسبب قطع الأخشاب وبسبب عدم تجديد الغابات من خلال إعادة التشجير .

  هذه العينات من المعطيات المتعلقة بمؤشرات التنمية القروية تدل بكل تأكيد على النقص الكبير الذي يعيشه القرى المغربية على الصعيد التنموي وامام عجز مؤسسات الدولة لوحدها مواجهة العجز الاجتماعي التجأ عدد كبير من المواطنين الى طرق ابواب المجتمع المدني الذي يعتبر في المغرب وفي السنوات الاخيرة رقما مهما واساسيا في معادلة التنمية المحلية المغربية .

  خاصة بعد النتائج الكارثية لفشل سياسة التقويم الهيكلي واكراهات حفظ التوازنات الماكرو اقتصادية على حساب القدرة الشرائية والخدمات الاجتماعية و ارتباط الاقتصاد الوطني بالتقلبات المناخية وبأسعار المواد الطاقية في الاسواق العالمية .هذه الاسباب مجتمعة واخرى فرضت على المواطنين التفكير في الانتظام في اطار جمعيات تنموية تسمح لهم بكل حرية التعبير عن مطالبهم وتسطير البرنامج التنموي المحلي هذه الجمعيات التي ارتبط نموها وتكاثرها بصفة خاصة مع منتصف التسعينات أي ان تواجدها مرتبط ارتباطا وثيقا بالمحيط السياسي والاقتصادي لنهاية التسعينات والذي توج بحكومة توافق وطني لاول مرة في تاريخ المغرب ساهم هذا الحدث الى حد ما في اشاعة جو الثقة والمصالحة بين المواطن والجمعيات بل كان تكاثر وانتشار الجمعيات التي وصل عددها اليوم ما يفوق 30000 مؤشرا على تعاطي جديد بين المواطنيين والشأن العام. كما ان المعطيات التنموية التي تعكس خصاصا اجتماعيا مهولا في الكهرباء القروية وفي الماء الصالح للشرب وفي التطبيب والتمدرس والامية كلها معطيات ساهمت في خلق ارضية اشتغال للجمعيات التنموية مدعومة من بعض القطاعات الحكومية وبعض المنظمات الدولية ومن هبات الجالية المغربية بالخارج التي بات دورها التنموي ملحوظا في السنوات الاخيرة. كما ان ضعف الشفافية واستفحال الفساد الاداري في بعض المؤسسات العمومية وعلى سبيل المثال برنامج دعم المطاعم المدرسية الذ توقف دعمه من طرف برنامج الامم المتحدة للتغدية بعد اكتشاف تلاعبات مالية في البرنامج و تلاعب في ارقام المستفيدين مثل هذه السلوكات جعل المنظمات الحكومية وغير الحكومية لاتثق في المؤسسات الحكومية وتفضل التعامل ودعم الجمعيات الغير حكومية في شراكة معها لتحقيق التنمية المحلية.

خلاصة :

   إن تزايد الطلب الاجتماعي وانشغال الدولة بالتوفيق بين التوازنات الماكرو اقتصادية والحاجيات الشعبية لا يجب ان يعني ان المجتمع المدني قادر على تعويض فراغ الدولة بل ان المجتمع المدني يجب ان يكون شريكا الى جانب مؤسسات الدولة وليس بديل عنها لان مثل هذه المقاربة التعويضية تشكل خطر عليهما على الدولة لان فراغها لابد ان يعوض والمعوض ليس بالضرورة في صالح الديموقراطية وحقوق الانسان بالمغرب وليس في صالح الجمعيات لان الدولة بمؤسساتها هي المسؤولة قانونا وأخلاقيا عن رفاهية ورغد المواطنيين لانها هي الجابية للضرائب من المواطنين من أجل ذلك.

ب- الحركة الجمعوية والتنمية:

  لقد عرف المغرب منذ نهاية الثمانينيات انطلاقة مذهلة للمنظمات غير الحكومية بفضل تطور موقف الدولة منها ,اذ اصبحت هذه الاخيرة تروج خطابا ايجابيا حول فوائد الحركة الجمعوية كما تقوم بتقديم مساعدات لها من اجل القيام ببعض الاعمال التنموية في اطار صياغة تعاقدية كتوفير البنى التحتية . وقد باركت الدولة هذا العمل الجمعوي لاسباب منها :

* ايجاد شريك لها في التنمية بعدما تبين لها عدم قدرتها على توفير كل امكانيات الضرورية للنهوض بالعالم القروي .

* كون الظرفية التي يعيشها المغرب حتمت عليه تبني سياسة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي , التي ترمي في مجملها الى تقليص نفقات الدولة في مجال القطاع العمومي مع خوصصة هذا الاخير, مما دفع بالدولة الى تحفيز فعاليات المجتمع المدني وخصوصا الجمعيات التنموية قصد المشاركة في الاقلاع الاقتصادي الهادف .

   ولهذا فإن العمل الجمعوي التنموي يشكل ليس فقط مرجعية لباقي المتدخلين والفاعلين بل قوة يعول عليها لتغيير السلوكات وللنهوض بواقع المجتمع القروي الاقتصادي والاجتماعي وذلك بسن سياسة تنموية مستديمة "لأن التنمية المراد الوصول اليها ذات بعد شمولي تدمج فيه جميع الفئات الاجتماعية وتتحاشى التسبب في تهميش احد ,لذلك يجب ان تنبني على التضامن والتماسك بين كل افراد المجتمع ...وتتعامل مع كل الامكانات المحلية على تنوعها ثم تقوم باستثمارها " (8)

  وأحدثت بعض المؤسسات المهمة لمحاربة الفقر والدفع بعجلة التنمية في السنين الاخيرة مثل : مؤسسة محمد السادس للتضامن وصندوق الحسن الثاني ووكالة التنمية الاجتماعية .كما اعلن صاحب الجلالة محمد السادس في خطابه بتاريخ 18 ماي 2005 عن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وحدد لها برنامجا عمليا يرتكز على ثلاث محاور اساسية تتمثل في :

- التصدي للعجز الاجتماعي الذي تعرفه المناطق الفقيرة بالقرى وهوامش المدن وذلك بتوفير البنيات والمرافق الضرورية من اجل عيش كريم وحياة سليمة .

- تشجيع الانشطة المدرة للدخل القار والموفرة لفرص الشغل.

- العمل على الاستجابة للحاجيات الضرورية للأشخاص في وضعية صعبة او لذوي الاحتياجات الخاصة.

3- الجمعيات التنموية ومجالات تدخلها :

أ- على الصعيد الوطني :

   توجهت الحركة الجمعوية منذ التسعينيات الى العمل التنموي وذلك للنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للسكان الى جانب الدولة وكان انخراطها في التنمية ليس فقط على مستوى تقديم الخدمات الاجتماعية وتلبية الحاجيات , وانما ايضا على مستوى المساهمة في التشغيل واشاعة سلوكيات وقيم جديدة , وقد تعددت مجالات تدخلها من تقديم القروض الصغرى ومحاربة للامية وتشجيع للتمدرس ومساعدة للطفولة في وضعية صعبة ومحافظة على البيئة وتوفير للتجهيزات الاساسية ثم تنمية نشاط النساء الاقتصادي ويمكن ملاحظة انشطة هذه الجمعيات من خلال مسار نماذج منها :

- على مستوى التنمية المحلية القروية فإن المهاجرين المغاربة بالخارج يساهمون في مشاريع التنمية المحلية بواسطة بعض الجمعيات التنموية مثل (جمعية هجرة-تنمية-ديموقراطية) تتألف من حولي ثلااثين جمعية قروية متمركزة بكل جهات المغرب وتهدف اساسا الى التنمية المحلية القروية وتتدخل في مجالات عدة مثل التدبير المائي عن طريق انشاء سدود تلية وتزويد السكان بالماء الصالح للشرب ثم الكهربة القروية وتشجيع الانشطة النسائية المدرة للدخل وكذلك الصحة والنظافة والتمدرس ومحاربة الامية .

- على مستوى ادماج المرأة في التنمية فإن الجمعيات المغربية عملت جاهدة في هذا المجال طيلة العقدين الاخيرين وكان اهتمامها في البداية على شكل انشطة تستهدف النهوض بوضعية المرأة القروية بتقديم القروض الصغرى لها لينتقل الى تشجيع المقاولة النسائية وكمثال على ذلك " الجمعية المغربية لتشجيع المقاولة النسائية" التي ساهمت في انشاء تعاونية للطرز اليدوي التقليدي تحت اسم تعاونية اصول1 بالرباط في مارس 2000 وقد استطاعت هذه الاخيرة تعبئة مئة امرأة حرفية في وضعية صعبة بالوسط الشبه الحضري لإعالة أسرهن.

- على مستوى القروض الصغرى فقد عرف القطاع حيوية خلال بداية الالفية الثالثة حيث بلغ عدد المتدخلين حوالي اثني عشر متدخلا والذين اسسوا الفيديرالية الوطنية لجمعيات القروض الصغرى في 3 يناير 2003 وكمثال مؤسسة زاكورة التي تأسست في سنة 1995 وتتدخل في مجالات اساسية منها :

منح القروض الصغرى للنساء الفقيرات في العالم القروي ودعم التربية غير النظامية ومحاربة الامية بشراكة مع الوزارة الوصية عن طريق انشاء مدارس بالعالم القروي.

ب - على الصعيد المحلي:(اقليم كلميم نموذجا)(9)

  تشتغل الجمعيات التنموية المحلية بهذا الاقليم في مجالات متعددة وخاصة في مجال توفير المستلزمات الاساسية وفك العزلة عن العالم القروي والاعتناء بالبنيات التحتية وانشاء بعض المرافق الاجتماعية المرتبطة بالمجال الصحي والتعليمي في اطار شراكة مع الجهات المختصة ضمن برامج (baji-pager-pnrr-perg)

  بالنسبة للتزود بالماء الصالح للشرب فإن هذه الجمعيات المحلية من اهدافها الاساسية توفير الماء الصالح للشرب للساكنة القروية وذلك لحفر آبار وبناء صهاريج وضخ الماء اليها ثم ربط المنازل بهذه الشبكة.وكمثال –جمعية تيسلان للتنمية والتعاون التي زودت دواوير تيسلان واكم بجماعة تيمولاي بالماء الشروب ثم جمعية التوفيق بتيغرداين بجماعة افران وجمعية أداي للتنمية والتعاون هده الأخيرة التي زودت مركز جماعة أداي بالماء الشروب وشغلت أطرا لدلك.

- ربط القرى بالطرق وفك العزلة الاقتصادية والاجتماعية عن السكان هو الشغل الشاغل لكل جمعيات المنطقة والتي عمدت الى تسخير كل الوسائل وأبرام اتفاقيات شراكة مع الجهات المختصة من أجل ذلك وقد استطاعت مجموعة من الجمعيات بجماعة افران ربط الدواوير بالطريق الثانوية الرابطة بين مركز افران وبويزكارن مثل جمعية اديشو وجمعية ادبلكضيف بربط أمسرا بالطريق السالفة الذكر.

- بالنسبة للعمل الاجتماعي فقد استطاعت هذه الجمعيات بناء عدة مستوصفات في العديد من الحجرات وذلك لتقريب الخدمات الصحية الاولية للسكان كما هو الحال بدوار اديشو بأمسرا وكذلك ما قامت به جمعية سيدي الغازي للعمل الاجتماعي والتربوي من بناء وتجهيز مركز لتصفية الدم بأكلميم وتتوفر على 12 وحدة صحية تستقبل مرضى القصور الكلوي من مختلف مناطق الجهة . كما تقوم هذه الجمعية بتعاون مع وزارة الصحة ومنظمات غير حكومية أجنبية بأيام طبية لجراحة العيون يستفيد منها مئات من الأشخاص باقليمي أكلميم واسا الزاك.

   وتقدم هذه الجمعيات مساهمات مادية للمحتاجين من لوازم دراسية وملابس بل أكثر من ذالك تقوم ببناء حجرات دراسية مثل ما قامت به جمعية أوزكان للتنمية من بناء حجرتين دراسيتين بدوار أوزكان جماعة تكانت وكذا توفير مكتبات قروية لتشجيع الأطفال على القراءة والتمدرس وهو العمل الذي قامت به جمعية تيمولاي ازدار للتنمية والمحافظة على البيئة وتحتل محاربة الأمية قسطا كبيرا من اهتمامات هذه الجمعية نظرا لتفشي هذه الظاهرة بشكل كبير بكل أرياف الاقليم .

  وفي مجال محاربة التصحر والمحافظة على البيئة وحماية شجرة الأركان فقد نشطت جمعيات مثل جمعية اركان للتنمية والتضامن بأيت بوفولن وجمعية تيمسورت للتنمية والمحافظة على البيئة بتكانت وجمعية اميفيس للتنمية والمحافظة على البيئة بالقصابي وقد قامت هذه الجمعيات بتعاون مع المياه والغابات بحماية شجرة الأركان.أما جمعية اميفيس فقد قامت بغرس عشرات الهكتارات من نبات الصبار خاصة وأن الصبار مصدر لدخل العديد من الأسر.

  وفي مجال تشغيل النساء وتوفير مدخول لهن قامت جمعية النخيل للتنمية الاجتماعية والفنية بتاكموت بتغجيجت بمشروع لتربية الماعز تستفيد منه مجموعة من النساء المعوزات أما جمعية الصداقة بتغجيجت فوفرت أفران لحفظ التمور حتى يتمكن الفلاحون من تسويق التمور في حالة جيدة وتسهر هذه الجمعية على تنظيم موسم سنوي للتمور.
خلاصة.
انطلاقا من ملامستنا لتأثير الجمعيات التنموية على سيرورة التنمية ومساهمتها في تطوير المجموعات القروية يمكن ان نخلص الى ان التنمية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية تعد رهانا حاسما بالنسبة لمسار التغيير السياسي الديموقراطي للمغرب وان الحركية الحقيقية للتغيير نحو الأفضل ينبغي أن تشرك المواطنين مباشرة عبر مقاربة تشاركية لايمكن ان توفرها سوى الانفتاح الدولتي بشكل حاسم ونهائي على الفعاليات الجمعوية وتوفير جميع الظروف المادية واللوجيستيكية امامها كشرط ضروري لتنمية بلادنا ورفع شأنها بين الامم الحديثة المتقدمة

1- استراتيجية الدولة في ميدان التنمية القروية

  مع كل المشاكل التي يتخبط فيها العالم القروي بالمغرب ، يطرح التساؤل: أي استراتيجية سياسة للتخطيط المجالي يكون هدفها هو التنمية المستدامة سوف توجه إلى العالم القروي ؟
  
  رغم كون الحكومة المغربية قد وضعت نصب أعينها المجال القروي كأولوية من الأولويات، إلا أن معالم سياسية تنموية للنهوض بهذا المجال لم تكتمل بعد.

   بغية إبقاء الساكنة الأصلية في أماكنها بالقرى، وتقوية المراكز المتوسطة بالخدمات الأساسية وبالوحدات الصناعية والصناعات التحويلية، وفك العزلة عن العالم القروي، تمت بلورة استراتيجية 2020 من طرف وزارة الفلاحة والتنمية القروية خلال سنة (1999 ) وتهدف إلى :

- تنمية الإنتاج الفلاحي

- الرفع من فرص الشغل والمداخيل في النشاط الفلاحي

- تنويع فرص الشغل في الأنشطة الموازية للفلاحة والأنشطة الريفية

- الحد من تدهور الموارد الطبيعية
 
- الرفع من المستوى التربوي والتكوين المهني

-  تحسين التجهيزات والخدمات لتحسين مستوى عيش السكان.

معالجة الإختلالات الجهوية

  شكلت هذه الإستراتيجية نقطة تحول في السياسة المغربية اتجاه العالم القروي، حيث لأول مرة تم الأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الاجتماعية والبيئية في مواجهة مشاكل العالم القروي، فقد تم تبني بالموازاة مقاربات جديدة لتطبيق هذه الإستراتيجية على أرض الواقع. مقاربات مندمجة، متجددة الأبعاد ومقاربات تعتمد على المجال الترابي وإشراك السكان المحليين، وتطوير المقاربة التشاركية. نفس هذه المقاربة هي التي خرجت بها جل الإجراءات التي تم القيام بها على صعيد إعداد التراب الوطني انطلاقا من الحوار الوطني مروراً بإنجاز الميثاق الوطني لإعداد التراب ثم إنجاز المخطط الوطني.

   اقترحت إستراتيجية التنمية 2020 التنسيق الأفقي للبرامج القطاعية، لكن نظرا لتعدد هذه البرامج فهذا لا يمكن أن يتم إلا بشكل تدريجي .. تقوم حاليا وزارة الفلاحة والتنمية القروية بمجموعة من البرامج على اعتبار أنها المسؤول الوحيد عن العالم القروي إلى حد قريب.

1) برامج التهيئة الهيدروفلاحية :

  بالرغم من أن هناك تأخر كبير في تهيئة الأراضي الفلاحية بالسقي الكبير والمتوسط والصغير، فإن المرحلة الثانية من البرنامج الوطني تتوقع توسيع المدارات المسقية بالسقي الكبير بالغرب, اللوكوس ودكالة بالسقي المتوسط والصغير مع إعادة ترميم الأنظمة التقليدية. لكن توالي سنوات الجفاف وبروز الخصاص ببعض الأحواض، قلص من الرغبة في هذا الإنجاز.

2)- برامج الاستثمار الفلاحي بالمناطق البورية:

  هي برامج مندمجة تهدف إلى خلق مدارات الاستثمار الفلاحي من خلال التجهيز بالسقي وضع بنية تحتية وتجهيزات أساسية وأنشطة للتنمية الفلاحية ...إلخ. جاءت هذه البرامج لتطبق إستراتيجية الدولة في مجال تنمية المناطق البورية في إطار رؤية مندمجة، وجاءت طبقا للقانون.

3) - البرنامج الغابويي الوطني :

  يهدف إلى الحد من تدهور المجال الغابوي وإدماج الغابة ضمن دينامية التنمية القروية.

4) برامج تحسين المراعي تهدف إلى تحسين الغطاء النباتي والمحافظة على الموارد الرعوية.

5) برامج التجهيز القروي.

6) البرامج السوسيو تربوية.

7) برامج تنويع الأنشطة الاقتصادية بالعالم القروي ،(السياحة القروية بالجبال).

8) البرامج الخاصة بالجبال، الواحات ومناطق الحدود.

  يضاف إلى هذه البرامج : برنامج محاربة تعرية الأحواض المائية. غير أن التدخل في الريف المغربي لم يعد يقتصر على قطاع الفلاحة والمياه والغابات، بل أصبح لقطاع التعمير أيضا تدخل لضبط التخطيط العمراني والتحكم في البناء العشوائي والمحافظة على الأراضي الفلاحية من التوسع العمراني. وقد تم إحداث تصاميم التهيئة الجماعية التي أتت بدورها بنظرة شمولية لمعالجة قضايا الجماعة القروية، و يقدم توجهات عامة تهم التنمية : و من بين أهدافه اقتراح برنامج مشروع ذو أبعاد سوسيو اقتصادية وصناعية وسياحية من شأنه المساهمة في تنمية الجماعة القروية.

  جاءت هذه التصاميم بعد بروز مشاكل كبيرة في المجال القروي منها ما هو مرتبط بالسكن، منها ما هو مرتبط بقلة التجهيزات والبنيات التحتية، ومنها ما هو مرتبط بالاستيطان في أماكن ذات حساسية بيئية. فبحكم العمل الميداني واللجوء إلى هذه المشاريع المندمجة في العالم القروي، و بدل الاقتصار على التنمية الفلاحية أعطي الانطباع بأن التدخل الأحادي الجانب قد خلق نتائج سلبية وراكم تأخرا كبيرا في مجال التجهيزات والبنيات التحتية بالعالم القروي. وأحسن مثال يمكن أخده هو نموذج جهة الغرب الشراردة بني حسن.

  فجهة الغرب، ونتيجة للسياسات الأحادية التدخل المتوالية على العالم القروي، ظهرت مجموعة من الإختلالات المجالية والاجتماعية والبيئية بالجهة:

  استفادت جهة الغرب من وضع تجهيزات هيدروفلاحية جد مهمة ساهمت في سقي 105.000 هكتار، بنسبة 50% من ما هو مبرمج. تم هذا الإنجاز في الفترة الممتدة ما بين 1970 و 1996 (الفترة التي كان فيها القطاع المسقي يشكل أولوية لدى الحكومة المغربية). هذه الوضعية أدت إلى مجموعة من الإختلالات منها:

- إهمال المناطق الهامشية: المناطق الجنوبية الشرقية والشمالية الشرقية والتي تمثل مناطق مقدمة الريف، وهي مناطق بورية تعرف كثافة سكانية جد مهمة. تعرف هذه المناطق الآن مشاكل عديدة تتجلى في نقص حاد في التجهيزات الأساسية والبنيات التحتية
هي مناطق تنشط فيها الهجرة القروية.

- أدت السياسات المتبعة بالغرب إلى خلق مجموعة من الإشكاليات المجالية حتى داخل المدار المسقي من خلال تشتت السكن وصعوبة ربطه بالتجهيزات الأساسية.

- خلق أيضا إشكالية في مجال توسع المدارات الحضرية نموذج سيدي سليمان ، سيدي قاسم - مشرع بلقصيري التي أصبحت تهدد المساحات الزراعية بفعل التوسع العمراني.

- مشاكل متعلقة أيضا باستنزاف الموارد الطبيعية حالة المنطقة الساحلية التي تعرف الآن ضغطا حاداً على الفرشة المائية الباطنية.

- عرفت جل المراكز الحضرية توسعا كبيرا بسبب التزايد الديمغرافي مما أدى إلى تزايد الطلب على الأراضي الحضرية على حساب الأراضي الزراعية.

- أدى تطور الفلاحة إلى الاستعمال الكبير للتقنيات العصرية خاصة الأسمدة والمبيدات لتطوير الإنتاجية مما خلق مشاكل بيئية تتمثل في تسرب النيترات إلى المياه الجوفية القريبة من السطح.

- أدت هذه السياسة إلى خلق تجمعات سكنية على شكل تعاونيات تم إنشاؤها في مناطق معرضة للفيضانات.

- تفاوت وخلل بين الجهات، جهة مزدهرة فلاحية على هوامش المراكز الحضرية مما جعلها تستقطب أيدي عاملة من المناطق الهامشية الفقيرة مما خلق بضواحي المدن جيوب للفقر وللسكن العشوائي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق