الصفحات

السبت، 22 أكتوبر 2016

مظاهر التغير الاجتماعي للأسرة الجزائرية بالمدينة الصحراوية في ظل راهن التحضر ...


مظاهر التغير الاجتماعي للأسرة الجزائرية

بالمدينة الصحراوية في ظل راهن التحضر

عبد الرؤوف مشري

آمنة بودن

جامعة قسنطينة 2 ( الجزائر)

Revues.Univ-Ouargla

الملخص:
ظلت المدينة الصحراوية أو ما اصطلح عليها بمدن الجنوب في بلادنا منغلقة على ذاتها ردحا من الزمن بحكم العادات والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع في تلك المدن و كذا الأعراف التي تسيرها، غير أن تيار التطور في العالم المعاصر فرض واقعا جديدا جعل المدينة الصحراوية تنفتح على غيرها دون شروط أو قيود، شأنها في ذلك شأن الدول المتأخرة وقد أدى هذا الانفتاح اللامشروط إلى حدوث تحول اجتماعي مغاير عما كانت عليه هذه المدن سابقا حيث بدأت تظهر ملامح التغيير في الطابع العمراني و البنية الاجتماعية المرتبطة أساسا بمختلف العلاقات و العادات وحتى المعتقدات .

فمسايرة المدينة الصحراوية لوتيرة التحضر جعلها تنتقل طواعية من ماض اجتماعي منغلق إلى حاضر يتفاعل مع مفهوم العصرنة التي أكسبت المجتمع نمطية مغايرة في الحياة تجلت في ظهور سلوكات وممارسات جديدة أحدثت نقلة نوعية في سمات المجتمع الأصل الذي أضحى يعاني من مظاهر صراع بين ما هو قديم متوارث وحديث يجب التأقلم معه بدأ بالطابع العمراني و انتهاء بأبسط سلوك اجتماعي يمكنه أن يحدث القطيعة مع ما هو متعارف عليه.
وسنحاول من خلال هذه المداخلة التي نعتزم المشاركة بها في فعاليات مؤتمركم العلمي أن نبين مظاهر التغير الاجتماعي الذي ساير عملية التحضر في المدينة الصحراوية، كما سنعمل على توضيح مختلف الآثار الناجمة عن هذا التغير وكيف أنها أسهمت في تغيير ملامح المدينة شكلا ومضمونا.
الكلمات المفتاحية: التغير الاجتماعي،المدينة الصحراوية،التحضر
Résumé :
Les villes de la Sahara sont soi-disant «villes du Sud» dans notre pays se sont renfermées pour une longue période de temps, en vertu des coutumes et traditions par lesquelles la communauté dans les villes s'est élevée, ainsi que les normes qui les régissent, mais la tendance du développement dans le monde contemporain à imposer une nouvelle réalité qui a poussé la ville de la Sahara à s'ouvrir au monde sans conditions ni restrictions, tout comme les pays en retard, cette ouverture inconditionnelle conduit à une transformation sociale différente de ce qu'était auparavant ces villes, où ont commencé à apparaitre les caractéristiques du changement dans le caractère urbain et la structure sociale associée principalement à diverses relations et traditions et même aux croyances.
Maintenir la ville du désert le rythme de l'urbanisation, l'a fait évoluer volontairement d'un passé social fermé a un présent qui interagit avec le concept de la modernité, qui a valu à la communauté un style de vie différent se manifestant dans l'émergence de nouveaux comportements et pratiques, qui ont provoqué un saut qualitatif dans les traits de la société d'origine qui est devenu la victime d'une souffrance de manifestations de conflit entre ce qui est ancien hérité et moderne à qui on doit s'habituer, en commençant par le caractère urbain et se terminant avec le plus simple des comportements sociaux qui peuvent produire la rupture avec ce qui est coutumier.
Nous allons essayer à travers cette intervention par laquelle nous avons l'intention de participer aux activités de votre conférence scientifique, pour démontrer les aspects  du changement social qui a accompagné le processus de l'urbanisation dans la ville de la Sahara, comme nous allons illustrer les différents effets de ce changement et comment il a contribué à modifier les caractéristiques de la ville en forme et au fond.
مقدمة:
ما يميز المجتمع الصحراوي عامة أنه أكثر محافظة من غيره لكونه ظل متشبثا بعاداته وتقاليده ،نظرا لطبيعة البيئة التي تفرض نوعا من الانغلاق ،فما اعتاده الناس أن العيش في المدن الصحراوية يتسم بالصعوبة والمشقة بسبب عامل المناخ والطابع العمراني المتميز، كما أن عامل البعد وطول المسافة بينها وبين أقرب منطقة في الشمال يجعلها في تصور الناس مكان منعزل يفرد مجتمعه بخصائص قلما تتوافر عند المجتمعات التي تقطن في المدن الساحلية وكذا الداخلية ،وما زاد تلك المدن الصحراوية خصوصية أن الدولة بسلطاتها قد منحت تلك المناطق امتيازات في بعض الأنشطة تشجع من خلالها المواطن على الهجرة إليها والعمل في مؤسساتها والاستثمار في مختلف ثرواتها ،هذا ما أضفى على المدينة الصحراوية طابعا من عدم التجاوب مع سكانها والتأقلم مع بيئتها.
إن انقسام الطبيعة الجغرافية في الجزائر إلى صحراء ، تل(وسط) وشريط ساحلي جعلت المجتمع يتنوع بسلوكاته وطبائعه ،مما أوجد نوعا من الفوارق من شأنها أن تصنف كل مجتمع بحسب المنطقة التي يحيا فيها وينتمي إلى مرجعيتها السوسيوثقافية ،فهذه الخلفية عادة ما تطبع الفرد بسمات لا يستطيع انكارها أو تجاهلها مهما انصهر في أي مجتمع ينتقل إليه ويتأثر بعاداته وتقاليده ،فهو وإن كان ابن البيئة الجديدة فلا يمكنه أن ينسلخ عن ماضيه وتربيته ،فكل امرئ مجبول على الدين بما أكسبته أصول تنشئته الأولى غير أن حاضر الناس اليوم تغير بشكل مفاجئ وكلي عما كانوا عليه في المنتصف الأخير من القرن السابق ،حيث حدثت طفرة اجتماعية تهاوت فيها جميع الأعراف والقيم لكون المجتمعات العربية بما فيها المجتمع الجزائري قد انفتحت دونها عوالم افتراضية أزالت الحواجز الاجتماعية ، وأزاحت الفوارق بين الأفراد لأن طبيعة التواصل وسبل الاتصال قد فرضت واقعا جديدا تجاوز معها المجتمع كل الحدود.
فتيار التغيير لم يستثن أحدا سواء أكان في الصحراء، المدينة أو البادية ،لأن معايشة ثورة المعلوماتية بات أمرا محتوما لكونه غزى عقول الداني والقاصي من الناس الذين وجدوا في ظل هذا الواقع الجديد متنفسا لما كانوا يشعرون به من ضيم وتقهقر بسبب الانغلاق على الذات الذي عان منه الفرد وهو يتقيد بالأعراف الاجتماعية بطابعها السلطوي، ولم يكن للمجتمع الصحراوي أن ينكفئ على نفسه وينغلق على ذاته نظرا لهذا الغزو الفكري والثقافي المتسارع والجارف لكل فرد وأسرة ،حيث بدأ ظهرت بوادر التغيير في المجتمع الصحراوي الذي انفتح مجبرا على غيره واكتسب سلوكات وعادات لا عهد لها من قبل ،فما حدث للأسرة الجزائرية في المدن الصحراوية هو أشبه بذلك التحول الذي حدث للأسرة العربية حينما انفتحت على الغرب في مطلع القرن السابق.
وقد جاء موضوع هذه المداخلة ليبين الأسباب التي أسهمت في تغيير المفاهيم الاجتماعية عند الأسرة الصحراوية، وكيف تأثر الفرد بوصفه النواة بمظاهر التغيير هذه، كما سيتم إدراج عينات من دراسات ميدانية أجريت ببعض المدن الصحراوية أظهرت تأثير التحضر على واقع الأسرة خاصة والمدينة عامة.
ضبط المصطلحات
التغير الاجتماعي:
لغة: كما جاء في لسان العرب (تغير) الشيء عن حاله أي تحول وجعله غير ما كان عليه، لقوله تعالى : ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَم يَكُ مُغَيِّرًا نِعمَةً أَنعَمَهَا عَلَى قَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنفُسِهِم وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [الأنفال:53]
اصطلاحا: هو التغير أو التحول الذي يطرأ على أي جانب من جوانب المجتمع خلال فترة زمنية محددة.
ويعرف بأنه التحولات التي تطرأ على بناء مجتمع خلال مدى زمني معين وبدرجات متفاوتة الشدة وقد يطال بناء المجتمع بأسره كما هو الحال في (الثورات) أو قد ينحصر في نظام اجتماعي معين: أسرة ، دين ...
من المهم الإشارة إلى أن مصطلح (التغير الاجتماعي) قد استخدم أول مرة وبصورة عرضية في كتابات (آدم سميث)، وخاصة في كتابه (ثروة الأمم) الذي نشر في القرن الثامن عشر، لكن لم ينتشر هذا المصطلح ويصبح واسع التداول إلا بعد نشر عالم الاجتماع الأمريكي (أوجبرن) كتابه (التغير الاجتماعي) عام 1922، والذي كان يرى أن التغير هو ظاهرة عامة ومستمرة ومتنوعة ولا داعي لربطها بصفة معينة، ويعتبر مفهوم التغير الاجتماعي متحررا من التقييم، ولا يرتبط بصفات موجبة أو سالبة[1]).
وقد أورد العديد من العلماء مفاهيم مختلفة للتغير الاجتماعي:
ـالدكتور حسن الخولي: ((هو تلك العملية المستمرة والتي تستمر على فترات زمنية متعاقبة تم خلالها حدوث اختلافات أو تعديلات معينة في العلاقات الإنسانية أو المؤسسات أو التنظيمات أ الأدوار الاجتماعية))
كما عرفه "صمويل كوينج": ((التغير الاجتماعي تحولات تحدث في أنماط الحياة الإنسانية والتغير طابع مميز لجميع المجتمعات وهذه التحولات ترجع لعدة عوامل إقليمية وخارجية))
ويعرفه "جي روشيه" بقوله: ((التغير الاجتماعي كل تحول في البناء الاجتماعي يلاحظ في زمن معين ولا يكون مؤقتا وسريع الزوال لدى فئات واسعة من المجتمع.((2
ويذهب كل من "جيرث وميلز" إلى أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية
التي يقوم بها الأفراد، وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي في مدة زمنية معينة، كما يتفق "جنزبرج" مع هذا الطرح، حيث يرى أن التغير الاجتماعي هو كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الكل والجزء وفي شكل النظام الاجتماعي، ولذلك فإن الأفراد يمارسون أدوارا اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن3
المدينة الصحراوية:
المدينة لغة: مدن بالمكان أقام به ، ومنه المدينة ، وهي فعيلة ، وتجمع على مدائن ، بالهمز ، ومدن ومدن، بالتخفيف والتثقيل، وفيه قول آخر : أنه مفعلة من دنت أي ملكت ، قالابن بريلو كانت الميم في مدينة زائدة لم يجز جمعها على مدن4.
المدينة اصطلاحا: هي كل تجمع حضري ذو حجم سكاني يتوفر على وظائف إدارية واقتصادية واجتماعية و ثقافية5وبالرغم من كثرة العلماء المهتمين بتعريف المدينة إلا أنهم لم يعطوا تعريفا واضحا لها ،ذلك أن ما ينطبق على مدينة لا ينطبق على أخرى ، لأنها عرفت باختصاصات متعددة حسب وجهة نظر كل عالم ، فمنهم من فسر المدن في ضوء ثنائيات تتقابل بين المجتمع الريفي والحضري، ومنهم من فسرها في ضوء العوامل الإيكولوجية ومنهم من تناولها في ضوء القيم الثقافية.
فالمدينة ظاهرة اجتماعية، وهي ليست مجرد تجمعات من الناس برأي "روبرت بارك" ، بل هي اتجاه عقلي ومجموعة من العادات والتقاليد إلى جانب تلك الاتجاهات والعواطف المتأصلة في هذه العادات والتي تنتقل عن طريق هذه التقاليد، وهي في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن ،ولهذا السبب تعتبر منطقة ثقافية ، تتميز بنمطها الثقافي المتميز. ويقول "لويس ويرث": (( أن المدينة هي المكان الذي يحتوي على تجمعات هائلة من السكان كما تقام فيه مراكز محددة تعمل على إشعاع الأفكار والممارسات التي تنمي أسلوب ونمط الحياة الحضرية الحديثة داخل المدينة))6 ، وكذلك كما قال هي: (( المركز الذي تنتشر فيه تأثيرات الحياة الحضرية إلى أقصى جهة في الأرض، وفيها أيضا ينفذ القانون الذي يطبق على كل الناس)) وهي : (( موطن أكثر اتساعا وكثافة لأفراد متغايرين اجتماعيا))7
يعرفها "مصطفى الخشاب" بقوله هي: ((عبارة عن وحدة اجتماعية حضرية، محدودة المساحة والنطاق مقسمة إداريا ويقوم نشاطها على الصناعة والتجارة، ويقل فيها نسبة المشتغلين بالزراعة، وتتنوع فيه الخدمات والوظائف والمؤسسات وتمتاز بكثافتها السكانية وسهولة المواصلات بها، وبتخطيط مرافقها ومبانيها، وتتميز فيها الأوضاع والمراكز الاجتماعية الطبقية))8
-عرف "ممفورد" المدينة بأنها ((حقيقة تراكمية في المكان والزمان،ويمكن استقراء تاريخها من مجموعة التراكمات التاريخية، والأخذ بالمبدأ التاريخي الذي يقول أن المدينة تاريخ قديم ، وأن التعرف عليها يتم من خلال الشواهد العمرانية القديمة، وبالتالي فإن الحكم عليها من هذا المنطلق غير مقبول.))
ونستنتج من خلال ما سبق أنه لا يمكن تعريف المدينة من خلال التركيز على جانب واحد أو بُعد واحد، فنجد أن أهم محاولة في هذا الصدد كانت محاولة كل من "سوروكينوزيمرمان" في تحديد معنى ومفهوم المدينة، حيث استندا في تعريفهما على ثمانية معايير تتشكل منها المدينة وهي: البيئة، المهنة، حجم المجتمع، كثافة السكان، تجانس السكان، التنوع والتدرج، الحراك الاجتماعي، ونسق التفاعل9 ومهما اختلفت التعاريف وتنوعت المداخيل المنهجية في تعريف المدينة وتحديد خصائصها، إلا أنها في الأخير عبارة عن تجمع حضري، يضم مجموعة كبيرة من السكان غير متجانسين ويتميز هذا التجمع بالتخطيط البارز في توزيع المرافق والخدمات وبسهولة المواصلات وبالتخصص الوظيفي وغيرها من خصائص الحياة في المدينة.
مفهوم المدينة الصحراوية: اختلف العلماء في تحديد مفهوم للصحراء،فهناك من يرى أنها منطقة لا تسقط فيها الأمطار أكثر من 25 سم سنويا، وهناك من يعتبر أن نوع التربة وأصناف النباتات أساس لتحديد المنطقة وتصنيفها وهناك من يجمع بين النوعين حين يرى أن الصحراء هي كل منطقة قليلة النبات بسبب قلة الأمطار وجفاف التربة، ومعظم الأراضي الصحراوية تمتد بجوار مدار السرطان شمالا مدار الجدي جنوبا وتخضع للضغط المرتفع،
ومن خلال ما سبقت الاشارة إليه يمكن تحديد مفهوم للمدينة الصحراوية بوصفه مصطلحا متكاملا على أنها تلك التجمعات العمرانية التي تقطنها كثافة سكانية معتبرة تجمعهم روابط مشتركة عادة ما يتسم بها المجتمع الحضري ،وتقع ضمن حيز جغرافي ينأى بها عن البيئة الصحراوية القاحلة نظرا لما استحدث فيها من تغييرات جعلتها مواكبة لتطلعات المجتمع المتحضر.
مفهوم التحضر:
لغة: ((تحضّر البدوي أو الريفي: سكن المدينة واستقر فيها وتخلّق بأخلاق أهلها وعاداتهم. تحضّر المكان: ازدهر، عمر بالسكّان))10
اصطلاحا: ويقصد به تلك العملية التي تتم بها زيادة سكان المدن عن طريق تغير الحياة في الريف من حياة ريفية إلى حياة حضرية أو عن طريق هجرة القرويين للمدن المجاورة، بما في ذلك التغيرات التي تحدث لطابع وعادات وطرق معيشة سكان الريف حتى يتكيفوا للمعيشة في المدن.11
وهناك تعريف آخر يشير إلى أن عملية التحضر تعني تمركز السكان في المدن هذا ما يؤدي إلى تغير اجتماعي وثقافي وتدعيم الروح الفردية في العلاقات التي تصبح ثانوية بعدما كانت أولية في القرية.12
ويذهب " أجون بيرجل" إلى أن التحضر هو بمثابة عملية في حين يعتبر الحضرية الحالة أو الظروف القائمة بمعنى أن التحضر هو الجانب الدينامي المتحرك في حين أن الحضرية هي الجانب الثابت والمستقر.
ويعرفه الديمغرافيون على أنه عملية التمركز السكاني وهذه العملية تتخذ طريقتين أساسيتين كما يرى "تزدال" تتمثل الأولى في تعدد مراكز التجمع أي نمو مراكز حضرية متعددة في حين أن الطريقة الثانية التي تتخذها عملية التحضر تتمثل في نمو التمركز السكاني الفردي: بمعنى زيادة حجم السكان في قرية من القرى جدير بأن يحولها إلى مدينة.
ولقد ذكر "جيرالد بيريز" تعريفا للتحضر قال فيه: ((إن التحضر عملية تغير كمي وكيفي معا تؤدي إلى تحولات كثيرة في خصائص وسمات ووظائف المجتمعات المحلية (المدن والبلدان) كما يرى أن فهم تلك العملية يستدعي ضرورة عقد المقارنات المختلفة أو بين المراكز الحضرية المختلفة في البلد الواحد.))13
ويعرف "لويس ويرث" التحضر قائلا ((أنه مجموعة من النظم الاجتماعية والاتجاهات التي تتواجد عندما يتعايش الأفراد بصفة دائمة في جماعات كبيرة الحجم كثيفة السكان ومتميزة مهنيا.))
خصائص المجتمع التقليدي للمدينة الصحراوية : تضرب مظاهر الحضرية والتمدن بجذورها في صحرائنا الشاسعة حيث ظهر منذ ما يتجاوز 10 قرون ما يعرف بالقصور الصحراوية أو مجتمع القصور،مجتمع كانت له ثقافته الفريدة وتقاليده الأصيلة التي ميزته عما سواه وقد اتخذت هذه القصور من عناصر ثلاث أساسا لقيامها تمثلت في الطين، الماء، المقدس (الضريح أو الزاوية)14)، بالإضافة إلى ارتباط نشأتها بطرق تجارة القوافل التي لعبت دور المورد الاقتصادي لهذه المدن، وكذلك الاعتماد على إنتاج التمور وبعض المنتجات المحلية، أما عن خصائص مجتمع هذه المدن فيمكن إيجازها على النحو الآتي:
الخصائص الاجتماعية:
التماسك الاجتماعي: أي تماسك أفراد المجتمع إذ يرتبط الأفراد أو الجماعات مع بعضهم البعض ارتباطا وثيقا على الرغم من التوزيع المكاني المتباعد حيث نجد مثلا قبيلة واحدة تنقسم إلى وحدات قرابية تختلف مواقعها الجغرافية لكن هذا لا يؤثر على وحدتها حيث توجد علاقات وثيقة بين تلك الوحدات على الرغم من اختلاف مواقعها.
الشعور بالانتماء: ذهب "دالف لينتون" إلى تأكيد أهمية هذا الشعور الفاعل في تشكيل المجتمع التقليدي المبني على أساس قبلي يقول: ((أن هذا المجتمع في أبسط أشكاله له مجموعة من الزمر تسكن مكانا محدودا تشعر بالوحدة والانتماء نظرا لأوجه الشبه العديدة في ثقافتهم والاتصالات الودية والمصالح المشتركة وهذه الوحدة المشار إليها ليست شيئا جامدا بل مشاعر قوية تكن مانعا لأي تغيير طارئ مكونة نسقا من العلاقات الاجتماعية))15
علاقات القرابة: القرابة تلعب دورا هاما في حياة المجتمع التقليدي، لما لها من أهمية اجتماعية وتأثيرها عظيم على المجتمع بل ضروري، حيث يلزم المجتمع الأصدقاء والأعداء ويعرف من أين يتزوج (من داخل أو خارج الجماعة) فالقرابة وسيلة اجتماعية يتم بواسطتها تحديد العلاقات الاجتماعية.
علاقات الجيرة: تلعب هذه العلاقات دورا هاما في بناء المجتمع التقليدي والتي تبحث عن التقارب الفيزيقي للمساكن وضيق المجال الجغرافي وبروز علاقات النسب المبنية على الثقة، وهناك الجوار المكاني والجوار الشخصي ذو الصيغة الاجتماعية، والجيرة في المجتمع التقليدي يصاحبها تجانس يسمح بوجود روابط اجتماعية أولية تمتاز بإحساس قوي بالشعور الذاتي ،والعلاقات تتباين حسب طبيعة الروابط بين الوحدات القرابية أو الجماعة المتجاورة ،وتؤثر هذه الروابط على علاقات الجوار من حيث أوجه التعاون والمشاركة في مناشط الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
سيادة العرف: قدرة أفراد هذا المجتمع على حل النزاعات والخصومات إلى ما هو متعارف عليه ومتوارث منذ القدم والاعتماد على الحل الودي بالرجوع إلى كبار السن وولاة الأمور، وغياب الضبط الاجتماعي نظرا للافتقار إلى سلطة مركزية، واعتماد المجهود الفردي دون انتظار السلطة المركزية لمواجهة مشاكلهم، فالمعايير أو القوانين السلوكية وعلاقة الولاء القوية حيث هناك أفراد قلائل يعترف بزعامتهم، فلا يمكن عمل شيء دون استشارتهم وضرورة احترام حكمهم الذاتي.
الخصائص الثقافية:
سيادة القيم: في كل مجتمع يوجد نسق من المجتمعات التي تلقى نوعا من الاستجابة بقصد تحقيق التماسك بين الأفراد، بل يمكن لها تحقيق التجانس إذ أنها ملتقى السلوك ووسيلة من وسائل تنظيمه وتحقيق الضبط الاجتماعي والامتثال للقيم التي تكون منذ الطفولة من خلال التنشئة الاجتماعية.
الدين:يعتبر من أهم النظم لتحقيق الضبط الاجتماعي ويلعب دورا هاما في المجتمع التقليدي ويمتد تأثيره إلى الحياة الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية حيث يتميز أفراد هذا المجتمع بإيمانهم العميق بالقضاء والقدر وانصياعهم التام وتطبيقها في الحياة اليومية.
انتشار العادات والتقاليد: التقاليد هو كل شيء موروث وله جذور في التاريخ سواء كان ماديا أو معنويا والتقاليد هي المحافظة على طبيعة القيم الثقافية والمادية والتقاليد هي نزعة إلى الحفاظ على المكاسب الماضية والاعتماد على ما خلفه الأقدمون وباسمها يبقى على كثير من النظم والعادات .
الخصائص الاقتصادية: يمتاز هذا المجتمع بالتنوع في اقتصاده نظرا للبيئة الطبيعية والعادات والقيم التي تلعب دورا هاما في توجيه النشاط الاقتصادي ،ومن هنا يمكن أن ندرك التنوع الكبير في هذه النظم الاقتصادية المتطورة التي وصلت إلى هذه المجتمعات بفعل تطور وسائل الاتصال والتبادل مع المجتمعات المتحضرة، وهذه القيم تعتمد أساسا على ما يلي:
ـ الصناعات الحرفية وتربية الحيوانات
ـ الرعي وهي الحرفة السائدة في تلك المجتمعات وأهم رزق لأفرادها.
ـ الزراعة نظرا لتميز هذه المناطق بالمساحات القاحلة فإن الزراعة في غالبيتها لا تعد مصدرا هاما للرزق نظرا للظروف الجغرافية التي تسمح بنجاح العملية.
ـ التجارة نظرا لحاجتهم اليومية إلى السلع انتشرت التجارة لكنها محدودة مقصورة على تجارة المواشي أو البقالة من أجل جلب متطلبات من مواد غذائية واستهلاكية.
مظاهر التحضر وأثارها على المدينة الصحراوية: -تقرت نموذجا-
الحياة الاجتماعية بالمدينة الصحراوية في ظل التحضر: تؤثر البيئة الصحراوية في سكانها من حيث الوظائف الملائمة لها ولمواردها كالرعي، واستخراج الألبان ونسج الصوف وغزله  وغيرها إضافة إلى عملهم في النقل البري عن طريق القوافل من الجمال، لكن مستجدات العصر الحديث وما تمخضت عنه ظاهرة العولمة التي فرضت مظاهر الحياة الحديثة بما تتضمنه من وسائل تقنية كمظاهر للتحضر على حياة أهل الصحراء فتح لهم مجالات واسعة للتعليم والانخراط في مختلف الوظائف ، وقد تخلى كثيرون منهم عن تربية المواشي والإبل، ، فقد استخدموا السيارات والشاحنات بدل الإبل، ودخلت وسائل الاتصال الحديثة حياتهم، فاستخدموا الإذاعة والمسجلة، والفيديو والتلفزيون، والهاتف ، كما استخدموا السيارات المخصصة للمناطق الوعرة ليجوبوا بها الصحاري ، واستفادوا من تقنيات سريعة التغير في المعلومات والأجهزة والبرامج، إلا أن القيم السائدة لدى أهل الصحراء والدين يلقبون عادة بالبدو بقيت بطيئة التغير، كما بقيت العادات الاجتماعية المتعلقة بالأسرة والإنجاب، والمرأة سائدة ومسيطرة ، فالمسؤولية الجماعية للأسرة و القبيلة، وما يرافقها من عادات كعادة الثأر مثلا قد تؤدي إلى انتقال الأسرة أو العشيرة كلها إلى ضواحي بعيدة تجنباً للثأر بسبب شيوع المسؤولية الجماعية، لكن تلك العادات أخذت تتراجع إلى حد كبير بتأثيرات التقدم التقني، وأخذت تحل محلها عادات جديدة، نتيجة استخدام التقنيات والآلات، وانتظام أعداد متزايدة من البدو في أطر منتظمة في نطاق الوظائف الحكومية، إلا أن البدوي الذي أصبح يستخدم السيارة، والمذياع، والتلفاز، والهاتف، لا يزال الصراع لديه قائماً بين قيمه، وعاداته، وتقاليده، وتراثه، وماضيه، واعتزازه بذلك كله، وبين القيم الحديثة التي برزت نتيجة دخول المجتمعات البدوية عصر التقنيات الإلكترونية، وإن كان من السهل التعامل مع الوسائل المادية التي جلبتها الحضارة الحديثة، واستعمالها ؛ فمن الصعوبة تبني ما يرافق هذه الوسائل من قيم وثقافة غريبة وطارئة على العقلية البدوية النمطية.16
أثر التحضر على مورفولوجية المدينة الصحراوية: في دراسة ميدانية أجريت بمدينة "تقرت" والتي تعد أهم مدينة في إقليم "واد ريغ" كما وتوفر نموذجا متكاملا لتحليل المجال الاجتماعي، ولتفسير العلاقات الاجتماعية والمجالية الجديدة الناتجة عن التحضر والعولمة، والوضع الاقتصادي الجديد المرتبط باستغلال النفط، هذا الأخير الذي استقطب أبناء المنطقة وأعطى حركية جديدة للمجتمع وللأشغال الكبرى المتنوعة، إذ تلتقي هذه التحولات الخارجية مع الحركية الداخلية للمجتمع المرتكزة على ثقافة المجتمع الصحراوي، فتأقلم السكان مع مقتضيات الاقتصاد العام وأفول الأشكال التقليدية للاقتصاد الصحراوي، كما وبرزت أشكال التأقلم الذكي بين منطقها الهوياتي ومنطق الدولة المتسم بالعصرنة ، كما وقد ساهم الرحل في تجديد سكان الواحات والمدن الصحراوية، و بعد استرجاع السيادة الوطنية كان التحضر والتمدن شامل ونهائي وبنسبة كبيرة على هامش المدن ثم داخلها والاندماج في النشاطات الجديدة والمصادر الجديدة للدخل.
وتمثل مدينة تقرت نموذجا معماريا إسلاميا يتكون من أنسجة عمرانية مهيكلة بمجموعة تجهيزات مركزية عامة تنطلق من المسجد " الجامع" المنفتح على ساحة السوق الرئيسية وحوانيت الصناعة التقليدية لتتفرع الى الشوارع الرئيسية المغطاة المنطلقة من المركز الى الأطراف وتمثل هذه الفضاءات شريان الحياة الاجتماعية العامة إذ تشكل مجال العبور والالتقاء للسكان والوافدين.17
وإضافة إلى أن المورفولوجية المجالية للمدينة الصحراوية تشكلت بانضمام عدة أنسجة تتماثل مع أربعة فترات تاريخية للعمران، القصور والتي تشكل نواة المدينة، الإضافات الاستعمارية والتي تعرف بالمدينة، الأحياء العشوائية التي ضمت تثبيت البدو الرحل وأحياء التعمير المبرمج في إطار البرامج السكنية الفردية والجماعية، وإن مسار تدهور الأنسجة التقليدية حتمية لتوسع الأنشطة الجديدة التي فرضها الواقع الاجتماعي والاقتصادي الجديد، إذ أصبح المسكن التقليدي تبعا لذلك يمثل نسبة ضئيلة.18
أهم التحولات المورفولوجية للمدينة: شهدت القصور تدهورا كبيرا وتحولا عميقا حيث نلاحظ أن معظم السكان استفادوا من سكنات جديدة في أحياء مختلفة لكن العائلات التي استفادت من السكن لم تتحول في مجملها بل احتفظت بسكناتها القديمة والتي بقي فيها بعض أفرادها أو تم القيام بكرائها لاستعمالات مختلفة،فالتحضر والتطور العمراني في الصحراء فرض على السكان استراتيجيات سكنية جديدة شجعتها السياسة العمومية وساهم في بناء هويات اجتماعية جديدة.
المدينة اليوم تضم أحياء راقية تحتوي فيلات راقية وسكنات ذات طابع عصري تبرز الثروة والمضاربة العقارية المؤدية لظهور أحياء متمايزة اجتماعيا وعمرانيا ،
التغير الاجتماعي للأسرة في المدينة الصحراوية –الأغواط نموذجا-
خصائص الأسرة الجزائرية:
الخصائص البنيوية للأسرة الجزائرية:العائلة الجزائرية أبوية أي أن الأب أو الجد هو القائد المنظم لأمورها وهي أيضا –أغنوصية-أي أن النسب فيها للذكور والانتماء أبوي، وقد رأى "مصطفى بوتفنوشت"خاصيتين أخرين هما: أن العائلة الجزائرية لا منقسمة وموسعة، وتعني الأولى أن الأب له مهمة ومسؤولية على الممتلكات ويغادر أبناؤه وبناته المنزل بعد الزواج، وتعني الثانية أن الأسرة هي تجمع لعدد من الأسر النووية، كما يرى "بوتفنوشت" أن الأسرة الموسعة بدأت تترك مكانها للأسرة النووية نتيجة مختلف التغيرات التي يعرفها المجتمع الجزائري.19
الخصائص الوظيفية: تصطلح الأسرة الجزائرية بمهمة التنشئة الاجتماعية وهي عملية مستمرة تبدأ من الولادة وتستمر مدى الحياة، ينشأ الطفل الجزائري على فعل الخير وحب الأخرين ومساعدة المحتاجين ويربى الذكور على الرجولة والسلطة والمسؤولية والإناث على الحياء والحب والعطف وتبدل الأسرة جهدا لتنشئة الطفل تنشئة اجتماعية سليمة تحترم قيم وعادات وثقافة مجتمعه وتحكم العلاقات الأسرية ضوابط عديدة، فالصغير مطالب باحترام الكبير وطاعته وهو مطالب بالرفق بالصغير. تقوم العلاقة بين الزوجين من جهة وبين الأولياء وأطفالهم من جهة ثانية على الاحترام المتبادل والتكامل والتآزر وتقسيم الأدوار في التربية والتسيير الأسري.
التغير الاجتماعي في العائلة الجزائرية:التغير الاجتماعي خاصية تتميز بها الحياة الاجتماعية لبقائها ونموها وعن طريقة تواجه الجماعات متطلبات أفرادها، التغير يمس كل شيء الأفراد العادات، التقاليد الأعراف الاتجاهات والايديولوجيا يصل المجتمع إلى درجة من التجمع الحضاري يبدأ في التغير بسبب وجود تحول في أعماقه لتجديد الأنساق وتأسيس نظم جديدة فتبدو حركية المجتمع وتغير ظواهره خاصة فيما يتعلق بالنمو الحضري أو التغير العمراني المصاحب للتغير السكاني. والأسرة الجزائرية عاشت التغير حيث يعرف"بوتفنوشت" العائلة الجزائرية على أنها: «المؤسسة الأساسية التي تشمل رجلا أو عددا من الرجال يعيشون زواجيا مع امرأة أو عدد من النساء ومعهم الخلف الأحياء وأقارب أخرين» كما يعرفها أيضا «المجتمع المنزلي المسمى عائلة مكونة من أقرب الأقارب المشكلون للكيان الاجتماعي والاقتصادي المؤسس على علاقات التزام متبادلة تبعية ومساعدة»20
التغير الاجتماعي للأسرة في المدينة الصحراوية في ظل راهن التحضر: الصحراء الجزائرية اليوم هي حضرية بالدرجة الأولى من خلال ما عرفه الجنوب من حركية عمرانية وتحولات اجتماعية، و لقد عرفت العائلة الصحراوية التقليدية تبعا لذلك تغيرات فرضتها الحياة المعاصرة في إطار ما يعرف بالعولمة والتحضر والتي أثرت على مختلف مظاهرها الاجتماعية، وهي تعد بمثابة عوامل دخيلة على المجتمع، إذ أن هناك نموذج للتربية في الأسرة الحديثة يختلف عن نظيره في الأسرة التقليدية من باب مسايرة التحضر والتطور في إطار العولمة، إذ أصبح الزوجان يهتمان برعاية الأولاد عن طريق إشرافهما مباشرة على تربيتهم دون المشاركة الجماعية للأقارب، وهذا ليل على ضعف نسقها القرابي، فأصبح كل فرد من أفرادها يتمتع بالحرية ويشارك في اتخاذ القرارات، إضافة الى عم التفرقة بين الجنسين وانتهاج الآباء روح الديمقراطية الأسرية21
وفي دراسة ميدانية أجريت بمدينة" الأغواط" حول أهمية الوعي الأسري في ظل المكتسبات الحضرية والتي عكست في جانب منها واقع الأسرة الصحراوية في ظل راهن التحضر والتي توصلت الى أن مدينة الأغواط والتي تتربع مركز الولاية لوحدها على مساحة تقدر بحوالي 400 كلم2، ولقد اشتهرت منذ تأسيسها بموقعها الاستراتيجي ونشاطاتها الحرفية المتنوعة التي تعرفها المدن الجنوبية ، ومنذ سنة 1974 حيث أصبحت ولاية بدأت تعرف نموا حضاريا وعمرانيا واقتصاديا جد متزايدا، فالكثافة السكانية بها تقدر بحوالي 15.53 ساكنا في الكلم2 الواحد، أما نسبة التحضر بها فتفوق 58%. ونتيجة تنامي المكتسبات الحضرية خاصة وأن النشاط الصناعي قد دعم هذه المكتسبات بحكم قربها من حقل حاسي الرمل الخاص بصناعة وإنتاج المواد النفطية جعلها منطقة جذب السكان واستقرارهم بالمدينة مما يعزز النمو السكاني بها.
ولعل من أهم عوامل التغير لأسر هذه المنطقة أنها تأثرت بكل ما طرأ على مؤسسات المجتمع ونظمه من تحولات، وكذا مظاهر التحضر كالتغير في النشاط الصناعي، والعمراني، والاجتماعي، والمستجدات التكنولوجية، والاقتصادية، والفنية التي يصحبها التغير الثقافي والاجتماعي والسلوكي للأفراد والجماعات ، ما أدى الى ضعف دور الأسرة المعهود في بعض وظائفها وأساليب حياتها، فضعف النسق القرابي والتفاعل الاجتماعي بين أعضاء الأسرة أثر سلبا على مكانتها ودورها في الحياة الاجتماعية، فاللاتجانس والتباين في الاتجاهات والتصورات وضعف العلاقات و الروابط الأولية بل حتى ضعف الإجماع المعياري هي أهم المشاكل التي أثرت بطريقة واضحة على البناء الاجتماعي، بحيث عبر المبحوثون أن الأسرة اليوم تعيش وضعا سيئا في العلاقات والبناء الأسري نتيجة انخفاض الوعي الأسري والذي يعتبره البعض ضعيف جدا، وكذا تلاشي للقيم الحقيقية التي يبني عليها النسق الأسري التي ترى تدهورا للقيم والمبادئ والتصورات .
كما عبر المبحوثون أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية وانتشار وسائل الإعلام الجديد وظروف العمل وضيق الوقت للالتقاء والتواصل بين أعضاء الأسرة هي أهم والعوامل التي تعيق العملية الاتصالية وإعطاء، فعالية أكثر للحياة الأسرية مما انعكس ذلك على حياة الأسرة وضعفت بذلك جودة العلاقات الأسرية.22
نتائج الدراسة :
ما يؤكد حقيقة تغير المجتمع في المدينة الصحراوية أنه أي المجتمع قد أصبح يعاني من الظواهر الاجتماعية نفسها التي تواجهها المجتمعات الأخرى غير الصحراوية وذلك بتغير الطابع العمراني أولا واجتياح المرأة لعالم الشغل وانفراط عقد العائلة الكبيرة حيث تضاءلت سلطة التحكم في القرار وانفرد كل فرد بشؤونه، يتصرف فيها كيف ما بدا له.
انفتاح المجتمع الصحراوي في المدن الكبرى على عوالم افتراضية وأخرى ظهرت بفعل الاحتكاك والمخالطة وأهمها العودة من الهجرة هذا النوع من التعايش مع الواقع الجديد أحدث تغييرا كبيرا في النظرة الاجتماعية نحو مختلف العلاقات سواء تلك التي ارتبطت بالمحيط الأسري أو تلكالتي لها تأثير في مقومات المجتمع ،حيث انحصرت تدريجيا سلطة العادات والتقاليد وقل الالتفات إلى ما يقتضيه الوازع الديني، ويظهر هذا التباين الذي يكشف عن نسبة التغير حينما نقارن واقع المجتمع الصحراوي اليوم بما كان عليه قبيل الاستقلال.
ليست المثالية هي التي كانت تطبع حياة الأفراد في المجتمع الصحراوي وإنما مقياس التغير يراع بالنظر إلى التأقلم مع مستحدثات العصر ،فالتطور فرض نفسه واستجاب له المجتمع الصحراوي لأن البيئة الجغرافية قد توفر ما يلغي خصوصيتها ويجعلها طوع راهن الحداثة فعوامل التنمية الاقتصادية ومظاهر التجديد الثقافي منحت للمجتمع في تلك المناطق رؤية مغايرة للواقع عما كان عليه الوضع في سنوات خلت فالمطالبة بكماليات الحياة العصرية أضحى الشغل الشاغل لكل فرد في المدن الصحراوية يسعى للحصول عليها والاستفادة من مزاياها وخدماتها.
مواكبة المجتمع الصحراوي لمقتضيات التحضر مرتبطة بأساليب التواصل المعاصرة التي غزت كل بيت واستحوذت على رغبة كل فرد ،فمثل هذه الوسائط أتاحت لجميع الناس فضاء جديد ومتغير لإنشاء علاقات أخرى بعيدة عن حاضرة المحيط الأسري ،بل إن هذه العلاقات الجديدة أصبحت تهدد مستقبل الارتباط الأسري وكذا التواصل ضمن حيز دائرة المجتمع المتآلف بفعل ترسانة العادات والتقاليد التي بدأت تفقد سيطرتها في ظل تنامي المجتمع البديل الذي تنشئ علاقاته العوالم الافتراضية ،وهذا ما لم يحجب عن أفراد المجتمع الصحراوي بوصفهم يحيون في هذه البيئات الافتراضية شأنهم في ذلك شأن بقية المجتمعات ،فإن كانوا قد عايشوا التهميش والإقصاء سابقا نظرا لأسباب وعوامل مختلفة فما أطلعتهم عليه وسائل التحضر والتقنية المعاصرة في التواصل دفعهم للانفتاح والتحرر من معوقات التقدم والتطور.
تأثر مرفولوجية المدينة الصحراوية بعامل التحضر حتمية أملتها مقومات الحداثة، ورغبة الأسرة في إضفاء طابع العصرنة على المسكن الذي يعتبر أهم مقومات حياتها، هذه التغييرات الفردية أسهمت في تغيير الشكل العام للمدينة، كما ساعدت على هجرة السكنات القديمة التي احتضنت في ماض قريب حياة لها أسلوبها وخصوصيتها.


أحمد زايد، التغير الاجتماعي، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة ـ مصر، الطبعة الثانية، 2001م، ص 18.[1]
Rocher, Guy, Le changement Social,Teon 3, Coll.Print.N.15 Paris.1970, p17.           
أحمد زايد: التغير الاجتماعي، ص 19.
ابن منظور، لسان العرب، تحقيق: عبد الله علي الكبير وآخرون، (مادة مدن)،دار المعارف، القاهرة ـ مصر، (د، ط)، (د، ت)، 6/4160.
الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية، العدد15، 12 مارس 2006م.
محمد عباس إبراهيم، التنمية و العشوائيات الحضرية (اتجاهات نظرية وبحوث تطبيقية)، دار المعرفة الجامعية، القاهرة ـ مصر، ( د، ط)، 2000م ، ص22.
مصطفى عمر حمادة، المدن الجديدة (دراسة في الانثربولوجيا الحضرية)، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية ـ مصر، الطبعة الأولى، 2008م، ص 30.
مصطفى الخشاب، الاجتماع الحضري، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ـ مصر، الطبعة الثانية، 1982م، ص 112.
المرجع نفسه، ص 34.
أحمد مختار عمر وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، (مادة غير)، عالم الكتب، القاهرة ـ مصر، الطبعة الأولى، 1429- 2008م، 1/512.
عبد المنعم شوقي، مجتمع المدينة، دار النهضة العربية، بيروت ـ لبنان، (د، ط)، 1981م، ص 23.
محمد بومخلوف، دراسات في المجتمع العربي المعاصر (التحضر وواقع المدن العربية)، تحرير: خضر زكريا، مكتبة الأهالي، دمشق ـ سوريا، الطبعة الأولى، 1999م، ص 83.
3 عبد الرؤوف الضبع، علم الاجتماع الحضري، دار الوفاء، الاسكندرية ـ مصر، (د، ط)، 2003م، ص 13.
خليفة عبد القادر: من القصر الصحراوي إلى المدينة الحديثة، مجلة العلم الإنسانية، العدد الأول، ديسمبر 2010، ص 128
فاروق مصطفى اسماعيل، التغيير والتنمية في المجتمع الصحراوي، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية ـ مصر، (د، ط)، 1990، ص 20.
fateh yhssan, constuire avec les peuple histoired’ un village, egypte ed.paris.1985,p 122.
خليفة عبد القادر، من القصر الصحراوي الى المدينة الحديثة،مجلة العلوم الانسانية والاجتماعية، العدد الأول ، ورقلة،2010.
بوتفنوشت مصطفى، ترجمة ، أحمد دمري، العائلـة الجزائريـة (التطور والخصائص الحديثة)، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائرية، الجزائر، 1984، ص 39.
المرجع نفسه، ص 42.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق