الصفحات

السبت، 1 أكتوبر 2016

دور الشباب والفرصة الديموغرافية في التغيير حالة من الأردن ...

 مدينة الحسن العلمية الأسبوع
 العلمي الأردني الخامس عشر  
دور الشباب والفرصة الديموغرافية في التغيير
حالة من الأردن 
إعداد
عيسى سليم المصاروه
أستاذ في الديموغرافيا وعلم الاجتماع
الجامعة الأردنية 

قدمت هذه الورقة في الأسبوع العلمي الأردني الخامس عشر "العلوم والتكنولوجيامحركات التغيير"، 10-12\5\2010 الذي نظمته مدينة الحسن العلمية في عمان، الأردن

المحتويات

1)            تمهيد
2)            هل لدى الأردن من حيث الكم عدداً وفيراً ونسبة مرتفعة من الشباب؟
3)            هل الكيف من الموارد البشرية الشابة متلائم مع فرص العمل المتاحة؟
4)            ما مدى مشاركة الشباب في قطاعات النشاط الاقتصادي؟
5)            ما هو مستوى إعالة السكان في الأردن؟
6)            هل يمكننا الربط بين الشباب وانخراطهم في العنف الأسري والجرائم؟
7)            ماذا سيكون عليه الوضع الديموغرافي في الأردن مستقبلاً؟ هل ستكون هناك فرصة ديموغرافية؟
7-1              ما هي الإيجابيات التي ترافق الفرصة الديموغرافية؟
7-2              كيف ومتى ستحل الفرصة الديموغرافية في الأردن؟ وكم ستدوم؟ وما هي تأثيراتها؟
7-3              توقيت حلول الفرصة الديموغرافية وتأثيرها في التركيب العمري للسكان وعبء الإعالة
7-4              ما هي التأثيرات الأخرى للفرصة الديموغرافية؟
7-5              ما تأثير الفرصة الديموغرافية في حجم السكان ومعدل نموهم؟
7-6              ما تأثير الفرصة الديموغرافية في قطاع التعليم؟
7-7              ما تأثير الفرصة الديموغرافية في سوق العمل؟
8) ما هي شروط حصول الفرصة الديموغرافية والانتفاع منها؟

دور الشباب والفرصة الديموغرافية في التغيير
حالة من الأردن

1)     تمهيد
هذه الورقة لا تساير التقاليد المتبعة عادة في تدرج العناوين الرئيسية والفرعية عند إعداد البحوثومهما يكن فإن هذه الورقة تهدف إلى تقدير حجم شريحة الشباب في الوقت الحاضر وفي المستقبل ثلاثة عقود مثلاً، وتقييم مدى مشاركتهم في التنمية والتغيير. وتتعرض الورقة بعد ذلك للفرصة الديموغرافية ذات العلاقة وعلاقتها بالشباب وشروط حصولها والسياسات اللازمة للانتفاع منها، وأثر ذلك في تعظيم دور الشباب الأردني "فرسان التغييرفي التنمية والتقدم.
2)      التساؤل الأولهل لدى الأردن من حيث الكم عدداً وفيراً ونسبة مرتفعة من الشباب؟

الجواب نعم، ولكن ما أهمية ذلك؟ إن البنية العمرية للسكان قد تكون أهم من عددهم، فحجم سكان الأردن مثلاً قريب من حجم عدد من الدول الأوروبية مثل الدنمارك، ولكن البنية العمرية لسكان الأردن مختلفة كثيراً عما هي عليها في مثل هذه الدول، فنسبة الأطفال دون سن الخامسة عشرةفي الأردن تبلغ (37% من السكانوهي بذلك ضعف ما هي عليه حالها في هذه الدول الأوروبية.
لقد عرفت البنية العمرية لسكان الأردن تغيراً في العقود الثلاثة الماضية، كما هو مبين في الشكلين (1 أو (1 بأدناهوأهم ملامح هذا التغير انخفاض نسبة الأطفال (وهم الأفراد دون سن 15 سنةوتزايد نسبة السكان في سن العمل (15-64 سنة). ورغم ذلك ما زال المجتمع الأردني من المجتمعات التي تتصف بفتوة سكانها، بل إن عدد الأطفال فيه قد تضاعف رغم انخفاض نسبتهم. إن أكثر من ثلث سكان الأردن (37%) من الأطفال وحوالي 60بين 15-64 سنة، و 3 % أعمارهم 65 سنة فما فوق[1].
إن ارتفاع نسبة الأطفال (دون سن 15 أو دون سن 18 سنة) في الأردن يعني وجود قوة كامنة ودافعة لتزايد السكان تبلغ 2.2 (دون سن 15) و 2.6 (دون سن 18) مليون طفل، سينتج عنها نمواً سنوياً سريعاً في العقدين القادمين في: (أعدد الشابات في سن الزواج والإنجاب وفي (ب) قوة العمل أيضاً.
ولدى الأردن اليوم حوالي (2.85 مليوننسمة دون سن العشرين (يشكلون حوالي 47%  من السكانبينما يوجد حوالي 2.1 مليون بين سن 20-40 سنة، أي أن خمسة من كل ستة أشخاص هم اليوم دون سن 40 سنةوبحلول عام 2030 سيرتفع عدد الأفراد في الأعمار 20-40 سنة إلى حوالي (3 ملايينبسب دخول من هم اليوم دون سن 20 سنة إلى هذه المجموعة، أي ستتحقق زيادة نسبتها 43في حجم هذه المجموعة العمرية خلال العشرين سنة القادمة، وهذه المجموعة هي المصدر الرئيسي لإمداد قوة العمل بالنشيطين اقتصادياً.
3)      التساؤل الثانيهل الكيف من الموارد البشرية الشابة متلائم مع فرص العمل المتاحة؟
إن العلاقة بين الموارد البشرية والتنمية لا تقتصر على حجم الموارد البشرية المتاحة فحسب، وإنما تشمل أيضاً وعلى قدر كبير من الأهمية نوعية هذه الموارد؛ من حيث مؤهلاتها التعليمية وكفاءتها المهنية ومهاراتها وقيم العمل لديها. ويعتبر توفر مثل هذه القدرات والمهارات والقيممدخلاً رئيسياً لتحقيق التنمية، في ظل بيئة اقتصادية دولية تتسم بالتنافسية والانفتاحولذا تولي الدول اهتماماً كبيراً بالعلاقة الوثيقة بين التنمية ورفع جودة مواردها البشرية، مما أدى إلى زيادة استثماراتها في مجالات التعليم والتدريب قبل الخدمة وبعدها، لأن إعداد رأس المال البشري وتنميته عملية طويلة تستغرق عدة سنوات ومكلفة جداً أيضاً.
ترتب على استمرار ارتفاع مستويات الإنجاب وكبر حجم الأسرة وارتفاع نسب الإعالة في الأردن أن يكون نصيب الفرد الواحد من الموارد الخاصة والعامة المخصصة لتنمية وإعداد رأس المال البشري متدنياً، فانعكس هذا سلباً على طبيعة ومستويات المهارات المختلفة عند الشبابوقيم العمل لديهم، وأضافت التنشئة الأسرية ومناهج التعليم ما قبل الجامعة وما بعدها سلبيات أخرى إلى نوعية الموارد البشرية الشابة التي تدخل بأعداد كبيرة سن العمل كل عام، فهذه المناهج تفتقر إلى التعليم العملي (لا أعني هنا المهني أو الحرفي) والإعداد للحياة وتركز على المناهج النظرية الأكاديمية التي يكرهها الشباب ولا تتوافق مع فرص العمل في كثير من القطاعات المبينة التي سوف نشير إليها بعد قليل، كما لم تسهم المناهج الدراسية في خلق قيم ومواقف إيجابية عند الشباب نحو فرص العمل التي يولدها النمو الاقتصادي في الأردن على مر السنين والتي بلغ عددها الصافي 165 ألف فرصة عمل خلال عامي 2007 و2008 والنصف الأول من عام 2009[2]، ويؤمل أن تكون النسبة الأكبر من فرص العمل هذه من نصيب العمالة المحلية[3]، وأن لا تكون قد تلقفها السيل غير المنضبط من العمال الوافدين إلى الأردن الذين يحصلون على أجور مرتفعة منظورة وغير منظورة مما يزاولونه من أنشطة منتجة وأخرى سوداء.
4) التساؤل الثالثما مدى مشاركة الشباب في قطاعات النشاط الاقتصادي؟
الجواب متدنية ويعود هذا إلى سببين هما:
أ) تدني مشاركة الشابات بسبب عدم دخولهن سوق العمل أو انسحابهن المبكر منه بعد الزواج أو بعد بدء الإنجاب لتفرغ للواجبات الإنجابية والمنزلية[4] وقبل أن يصبح لديهن عدد كاف من سنوات العمل المغطاة بالضمان الاجتماعي والتي كان من الممكن أن تحول دون اتخاذ قرارهنبالانسحاب من سوق العمل، خاصة إذا عرفنا أن ثلثي المتزوجين حديثاً يقع عندهم إنجاب أو حمل في السنة الأولى بعد الزواج[5] لأسباب لا مجال لعرضها هنا. كما أن عودة الشابات المنسحبات من سوق العمل ثانية إليه غير محتملة خاصة إذا طالت الرحلة الإنجابية لهن وطالت تغيبهن عن سوق العمل الذي يشهد تغيرات سريعة. لذا ما زال معدل المشاركة الاقتصادية للإناث 15 سنة فأكثر متدنياً (14%) مقابل 64% بين أقرانهن من الذكور[6].
ب) تنشئة اجتماعية على ثقافة غير مساندة للعمل وللعيش، فهذه التنشئة أسفرت أن يفهم الشباب الأردني الاقتصاد الوطني بصورة مغلوطة بحيث أنهم لا يأخذون بالحسبان الزراعة والحدائق والإنشاءات وصيانة المركبات وحراسة المباني وتنظيفها والخدمات الشخصية وخدمات الطعام والشراب والوقود وغيرها، كقطاعات اقتصادية يمكنهم العمل فيها، وترتب على هذا الفهم المغلوط للاقتصاد: (أهيمنة العمالة الوافدة على قطاعات اقتصادية كبيرة من حيث حجم العمالة فيها (بعدم قدرة بقية القطاعات الاقتصادية على استيعاب جميع الأردنيين الداخلين إلى سوق العملبأعداد كبيرة كل عام بسبب ارتفاع نسبة الأطفال في الأردن، ونتج عن هذا وجود معدلات بطالة عالية  بين الشباب تفوق المعدل الوطني العام، إذ يبلغ معدل البطالة بين الشباب الذكور 15-24 سنة (22.7%) قياساً بمعدلهم الوطني (10.1%) وبين الشابات (48.8%قياساً بمعدلهن الوطني(24.4%) ومعظمهن من الأكثر تعليماً، وكذلك ارتفاع عدد المتعطلين من الشبان قياساُ بعدد المتعطلات (66% من المتعطلين هم من الذكور والنسبة الباقية 34% من الإناث). وتميز المتعطلون بتدني تحصيلهم التعليمي (نصفهم مؤهله التعليمي دون الثانوي) وهذا النسبة أعلى من ذلك بينالمتعطلين الذكور[7]، وهم بذلك يكونون مؤهلين للإحلال مكان مئات الآلاف من العمال الوافدين الذين يسيطرون على القطاعات الاقتصادية الآنفة الذكر أعلاه، والذين يحولون كل عام مبالغ هائلة من العملات الصعبة إلى بلادهم، لأن الميل الحدي للاستهلاك عندهم متدني، الأمر الذي يسهم في نصيب من الركود الاقتصادي في الأردن.
5) التساؤل الرابعما هو مستوى إعالة السكان في الأردن؟
الجواب، مرتفعويعود هذا إلى سببين مترابطين هماارتفاع نسبة الأطفال بسبب ارتفاع مستويات الإنجاب وتدني مشاركة الشابات بسبب السبب الأولبما أن الأردن يصنف ضمن المجتمعات الفتية وفقاً للتركيب العمري الحالي لسكانه، فإن ذلك يعني ارتفاع عبء الإعالة الملقى على السكان في سن العمل، إذ تبلغ نسبة الإعالة حالياً 65 شخصاً لكل مئة شخص في سن العمل 15-64 سنة، بينما لا تتجاوز نسبة الإعالة 47 في الدول الأوروبيةأما إذا أخذنا بالاعتبار نسبة الإعالة الحقيقية وهي نسبة إجمالي السكان إلى العاملين فعلاً منهم فقط تصبح نسبة الإعالة الحقيقية 1 : 5 ، حيث أن 20%[8] من الأردنيين يعملون فعلاً ويعيلون أنفسهم و80% آخرين، وهذا يعني أن كل مشتغل يعيل نفسه وأربعة آخرين، مما يتسبب في تدني حصة الفرد من الاستثمار الأسري. وتعود نسبة الإعالة المرتفعة هذه إلى (أارتفاع نسبة الأطفال (بتدني مستوى المشاركة الاقتصادية للشباب خاصة الشابات وهذا السبب غير منفصل عن السبب الأول.
6) التساؤل الخامسهل يمكننا الربط بين الشباب وتصاعد انخراطهم في العنف الأسري والجرائم؟
              من المعروف أن أكثر الفئات العمرية ارتكاباً للجرائم هم المراهقين والشباب الذكور، ولذا  شهدت المجتمعات التي عرفت تزايدا في أعداد ونسب المراهقين والشباب دون سن الثلاثين، ارتفاعاً في معدلات الجرائم أيضاًإن وجود حشود من الشباب المتعطل طوعاً عن العمل والمحبط والفاقد للأمل والهدف يشكل تربة خصبة لقيام صراعات وأعمال عنف شخصي وأسري وجماعي في أي لحظة ولأتفه الأسباب[9]، وربما هذه هي حال الأردن هذه الأيام حسب تقارير إدارة المعلومات الجنائية والتقارير الصحفية أيضاً[10].
7) التساؤل السادس: ماذا سيكون عليه الوضع الديموغرافي في الأردن مستقبلاً؟ هل ستكون هناك فرصة ديموغرافية؟
الأمر يعتمد كله على مستويات الإنجابإن تأثير عدد السكان على الاقتصاد أمر مختلف عليه، ولكن هناك اعتراف متزايد بأن التركيب العمري للسكان أهم من عددهم، وهذا التركيب هو المحور الرئيسي في هذه الورقةفمن المتوقع أن يتجه الأردن نحو تحول ديموغرافي  والذي سنتطرق له لاحقا بحلول منتصف عقد الثلاثينات ببلوغه ما يسمى الفرصة الديموغرافية للمرة الأولى في تاريخه؛ عندما تتجاوز نسبة من هم في سن العمل (15-64 سنة حسب ما متعارف عليه دولياً) نسبة الأفراد المعالين (هم الأطفال وكبار السنبدرجة كبيرة (أنظر الشكل 1 أدناه)، وذلك عندما يصبح حوالي 68% من سكان الأردن في سن العمل ، وعندما تنخفض نسبة الأطفال دون سن 15 سنة إلى ربع سكانه، إذا واصلت معدلات الإنجاب انخفاضها كما سنبين بعد قليل.
                            تأتي أهمية هذه الورقة من خلال التوقع الذي مفاده أن الأردنكبقية البلدان التي شهدت معدلات إنجاب عالية في الماضي القريب (العشرين سنة الأخيرة) - ولكنها آخذة في التناقصعلى أعتاب تحول ديموغرافي تاريخي يحمل فرصة ديموغرافية غير مسبوقة كما يحمل تحديات أيضاً، وتتمثل هذه الفرصة في توقع حصول تفوق غير مسبوق في نسب الشباب والبالغين (المجموعة العمرية 15-64 سنة أو أي مجموعة عمرية تقع ضمن هذه المجموعة العريضةعلى حساب المجموعة العمرية المعالة والمتمثلة في كبار السن (أكثر من 64 عاماًوالأطفال دون سن الخامسة عشرة.

الفرصة أو الهبة الديموغرافية[11] مفهوم يشير إلى الكيفية التي يمكن بواسطتها للمجتمعات النامية ومنها الأردن، أن تنتفع الآن وفي السنوات القادمة من النسب المرتفعة الحالية والمنتظرة من صغار السن. إن الفرصة الديموغرافية هي في الواقع مجموعة من التغيرات المجتمعية الإيجابية،التي تصاحب وتتبع التحولات الديموغرافية، ومنها التحول إلى أسرة صغيرة الحجم؛ فعندما يتجه حجم الأسرة نحو التناقص التدريجي خاصة عندما يصل مستوى الإنجاب إلى مستوى الإحلال، أي عندما يعوض الأزواج أنفسهم بعدد مساو لهم من الأطفال، يدخل المجتمع إلى فترة يبدأ خلالها معدل نمو السكان في سن العمل (15-64) بتجاوز معدل نمو الفئات المعالة (أقل من 15 وأكثر من 65 سنة). ولذا لا تتحقق مثل هذه الفرصة إلا إذا تواصل واستدام الانخفاض في معدلات الإنجابوالفرصة الديموغرافية لا تؤتي أؤكلها بنفسها إنما تحتاج إلى استجابات نحوها في سياق السياسات الاجتماعية والاقتصادية والتي سنبينها في نهاية الورقة.
7-1    التساؤل السابعما هي الإيجابيات التي ترافق الفرصة الديموغرافية؟

إن التغيرات الإيجابية[12] التي تحملها الفرصة الديموغرافية عديدة، حسب ما أفادتنا به الأدبيات التي استندت على تجربة دول نمور آسيا، خاصة في مجال تراكم وتنمية رأس المال البشري وزيادة الاستثمار الناجم عن زيادة حجم المدخرات، إضافة إلى مساهمتها في تصعيد معدلات النمو الاقتصادي الجاري أصلاً وتعزيزه عند تباطئه، وما يتبع ذلك من تحسن في نوعية حياة الناس عامة. وقد بينت تجربة مجتمعات جنوب شرق آسيا أن الفرصة الديموغرافية أسفرت عن حصول تغيرات اقتصادية واجتماعية إيجابيةومن الممكن أن يستفيد الأردن من هذه التجربة أيضاً، وأن يشهدالتغيرات التالية:
1)  تعاظم حجم قوة العمل مما يسهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع أعداد الداخلين إلى سوق العمل المترتب على ارتفاع نسبة الأطفال كما بينا في مستهل الورقة.
2) ارتفاع مستوى الادخار لدى الأسر نتيجة انخفاض معدلات الإنجاب وحجم الأسرة، حيث يتم الإنفاق على عدد متناقص من الأطفال فيتحسن نصيبهم من دخل الأسرة؛ أي أن الأسر تستطيع أن تعظيم الاستثمار في عدد أقل من الأطفال بتلقيهم تعليماً لسنوات أطول وبجودة أفضل،فتزداد قيمة رأس المال البشري مما يؤدي إلى اقتصاد أكثر إنتاجية ونمواً وأكثر اعتماداً على المعرفة.
3)      تزايد الادخار الأسري بسبب تراجع حجم الأسرة، الأمر الذي يتيح مصادر إضافية لتمويل المشاريع الاستثمارية وتحريك نسبة عالية منها داخل الاقتصاد المحلي نتيجة ارتفاع مستوى المدخرات الخاصة، مما يؤدي إلى ازدياد حجم الاستثمار المحلي، الأمر الذي قد ينعكس على دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي ورفع مستوى التنمية الاقتصادية.
4)      تحسن صحة الأبناء نتيجة تحسن مستوى التعليم والتغذية وأحوال المعيشية والمسكن وتزايد الاستثمار في والإنفاق على الصحة، فيعيش الأفراد عمراً أطول متمتعين بصحة أفضل ويقضون سنوات أطول في سوق العمل، الأمر الذي يضيف مع تحسن التعليم دفعات إضافية للنمو الاقتصادي.
5)      تحسن أوضاع الإناث وصحتهن نتيجة ازدياد فرصهن في التعليم وارتفاع سنهن عند الزواج وإنجابهن لعدد أقل من الأطفال.
6)      ارتفاع نسبة الإناث في القوى العاملة، وتغير أدوارهن نحو مزيد من المشاركة في الحياة العامة بسبب تراجع الأعباء الإنجابية والأسرية المترتبة على صغر حجم الأسرة، لذا يرتفع الناتج المحلي ودخل الأسرة وتزداد مساهمة النساء في تعليم الأطفال وتغذيتهم.
7) تحسن نوعية تعليم صغار السن من جهة وتنمية مهارات البالغين أيضاً، نتيجة انخفاض نسبة الأطفال إلى باقي الفئات العمرية، الأمر الذي يؤدي إلى تحرر مزيد من الأموال الحكومية التي كانت ستنفق على تعليم الصغار لتستثمر في تأهيل البالغين لتعويضهم عما فاتهم في صغرهم ولتمكينهم من مواكبة التطورات التكنولوجية والعلمية المتسارعة في كافة مجالات العمل.

7-2    التساؤل الثامنكيف ومتى ستحل الفرصة الديموغرافية في الأردن وكم ستدوم وما هي تأثيراتها؟
تتحدد الفرصة الديموغرافية عندما تبلغ نسبة السكان في سن العمل ذروتها ونسبة الإعالة العمرية أدنى مستوى لها، وبهدف تحديد التوقيت الزمني لحلول هذه الفرصة في الأردن لا بد من القيام بتقديرات سكانية مستقبلية باستعمال مسارين يختلفان في مستوى الإنجاب في المستقبل فقط،ووفقاً للافتراضات التالية:
   أن كافة المتغيرات الأخرى ستبقى على حالها الراهن في المستقبل.
    أن صافي الهجرة الدولية في كافة سنوات الإسقاط هو صفر، وهذا افتراض غير صحيح لتبسيط الأمر.
    أن مستوى الإنجاب هو المتغير الوحيد في أحد هذين المسارين.

وبناءً على ما تقدم، فقد اتخذت التقديرات حتى عام 2050 المسارين التاليين:
  المسار الأول ثابت ويفترض أن يبقى معدل الإنجاب الحالي (3.8 مولود للمرأة الواحدة[13]) على ما هو عليه في المستقبل.
 المسار الثاني (نسميه المسار إلى الفرصة) ويفترض انخفاض معدل الإنجاب تدريجياً إلى (3.0) عام 2020 وهو مستوى الإنجاب المرغوب حالياً عند الأزواج في الأردن[14]، وإلى مستوى الإحلال ( حوالي مولودين للزوجين أو 2.1 مولود) بحلول عام 2030 وما بعده.

7-3              توقيت حلول الفرصة الديموغرافية وتأثيرها في التركيب العمري للسكان وعبء الإعالة
وبناءً على التقديرات الديموغرافية التي تمت استناداً إلى المسارين المبينين أعلاه، فقد تبين أن الفرصة الديموغرافية في الأردن - مقاسة بارتفاع نسبة السكان في سن العمل وبانخفاض نسبة الإعالة العمرية ستبلغ ذروتها في منتصف عقد الثلاثينات حسب المسار الثاني وتستمر لعقدين على الأقلأما حسب المسار الأول، فإن نسبة السكان في سن العمل ستبقى على حالها تقريباُ بل قد تنخفض قليلاً وكذلك تبقى نسبة الإعالة على حالها بل قد ترتفع أيضاً، وبالتالي لن تتحقق الفرصة الديموغرافية (أنظر الجدول رقم 1 والشكل رقم 2).
فحسب المسار الثاني لنسميه مسار الفرصة الديموغرافية)، سترتفع نسبة السكان في سن العمل إلى حوالي (68%)، وتنخفض نسبة الإعالة إلى حوالي (47) مقابل (66) في المسار الأول، ويتحقق هذا في حال مواصلة معدل الإنجاب المستهدف انخفاضه بعد عام 2010 ليصل إلى مستوى الإحلال (2.1 مولود للمرأة الواحدةفي عام 2030 وليستمر عند هذا المستوى بعد ذلكومن أهم ملامح الفرصة الديموغرافية التغير في التركيب العمري للسكان المصاحب لها، ويتمثل ذلك أساساً في ارتفاع نسبة الشباب والبالغين على حساب نسبة الأطفال وكبار السنويقارن الشكل رقم (1) بين نسب السكان في سن العمل إلى السكان المعالين (الأطفال وكبار السنحسب السيناريوهين.
الجدول رقم (1نسبة (%) السكان في سن العمل (15-64 سنةونسبة الإعالة وفقاً للمسارين
السنة
المسار الأول
) 3.8 مولود عام 2030 وما بعده)
المسار الثاني
(2.1 مولود عام 2030 وما بعده)
المسار الأول
) 3.8 مولود عام2030 وما بعده)
المسار الثاني
(2.1 مولود عام2030 وما بعده)
حجم السكان
السكان في سن العمل
حجم السكان
السكان في سن العمل
نسبة الإعالة العمرية
(فرد لكل 100 فرد في سن العمل)
6.22
60
6.22
60
66
65
2015
7.11
60
7.05
61
66
65
2020
8.08
60
7.83
62
67
62
2025
9.11
60
8.54
64
67
57
2030
10.23
60
9.12
67
66
50
2035
11.47
60
9.75
68
66
47
2040
12.85
59
10.36
68
69
47
2045
14.36
58
10.92
67
71
                           49
2050
15.99
58
11.40
66
73
51
المصدر: Jordan DemProj Model, File Shabab and Shabab 1 for 2007-2050

             
ويرتبط تغير التركيب السكاني بشكل رئيس بحجم الفئات العمرية المختلفة كالأطفال دون سن الخامسة عشرة، والشباب، وبقية السكان ممن هم في سن العمل، وكبار السن، وينعكس كل هذا على نسبة الإعالة وعلى حاجات ومتطلبات هذه الفئات العمرية من التعليم والصحة والمياه وفرص العمل وغيرهاويبين الشكل رقم (3) تقديرات لنسب الأطفال (0-14 سنةوالشباب والبالغين وكبار السن (65+ سنةحتى عام 2050 وحسب المسارينففيما يخص كبار السن (65+ سنة)، تُشير التقديرات إلى أن نسبتهم خلال المسيرة نحو الفرصة الديموغرافية سترتفع في عام 2030 بحيث تصل إلى (5%) وإلى (11% عام 2050)، ولكن في الجانب الآخر ستنخفض نسبة الأطفال إلى مستويات متدنية. ولكن يمكن القول بأن الزيادة في نسب كبار السن غير مرتبطة بالفرصة الديموغرافية، لأن عدد كبار السن مرتبط إلى حد كبير بما أنجب في الماضي البعيد. 

7-4   ما هي التأثيرات الأخرى للفرصة الديموغرافية؟

بالإضافة إلى تأثيرات الفرصة في نسبة السكان في سن العمل وفي نسبة الإعالة، فإن لها آثار على القطاعات التنموية المختلفة بسبب ما يترتب على انخفاض مستويات الإنجاب في المستقبل من تأثير على حجم السكان ونموهم وما يحمله ذلك من آثار على قطاع التعليم وسوق العمل وغيرها من القطاعات، كما هو موضح بإيجاز فيما يلي:

7-5         ما تأثير الفرصة الديموغرافية في حجم السكان ومعدل نموهم؟
تُشير التقديرات إلى أن حجم السكان سيبلغ حوالي 10 ملايين نسمة في عام 2030 في حال لم تحقق الفرصة، في حين سيبلغ حجم السكان حوالي 9 مليون نسمة لنفس العام في حال تحققها (انظر الجدول رقم 1)، أي أن عدد السكان سيزداد بمعدل سنوي مقداره 2.49% حسب المسار الأول و 1.91حسب مسار الفرصة من الآن ولغاية عام 2030. أي أن هناك فرق بين المسارين في حجم السكان يصل إلى حوالي 1.1 مليون بحلول عام 2030 و4.5 مليون عام 2050. ويترتب على هذا الفرق في عدد السكان ومعدل نموهم الكثير من الكلف الاقتصادية والاجتماعية، ولذلك لا بد من التفكير والتخطيط للوصول إلى الفرصة الديموغرافية من خلال المسار الثاني والذي يتفق مع الأجندة الوطنية والإستراتيجية الوطنية للسكان.
7-6         ما تأثير الفرصة الديموغرافية في قطاع التعليم؟
انطلاقاً من الفوارق في نسبة الأطفال وأعداهم بين المسارين؛ والتي تنعكس بشكل مباشر على عدد من هم في سن التعليم العام، فإن هذه الفوارق تظهر في الأجل القصير واعتباراً من عام 2015 بالنسبة لمن هم في سن رياض الأطفال (4-5 سنوات)، ولكن بصورة قليلة نسبياً، إلا أنهاتتعاظم بعد ذلك لتصل إلى أكثر من نصف مليون طفل في عام 2030 وحده  وإلى 1.2  مليون طفل عام  2050 وحده.
أما الفوارق في أعداد من هم في سن التعليم الأساسي (6-15 سنة)؛ فتبدأ في الظهور اعتباراً من عام 2020 وتبلغ 440 ألفاً عام 2030 وحده و 1.7 مليون عام 2050 وحدهأما الفوارق في أعداد من هم في سن التعليم الثانوي (16-17 سنة) فتتأخر في الظهور حتى عام 2030 لأن الذين يولدون اليوم لن يصلوا إلى سن التعليم الثانوي إلا بعد 16 سنة من الآن، وتصل هذه الفوارق إلى حوالي 30 ألف عام 2030 وحده وتتجاوز 260 ألفا عام 2050 وحده.
وعليه، فإن أعباء التعليم حاضراً ومستقبلاً ستعتمد على أعداد السكان في سن التعليم والتي تعتمد أساساً على مستوى الأنجاب الراهن والمستقبلي، لذا يُتوقع أن تنخفض كلف الإنفاق العام على التعليم بصورة كبيرة، بسبب توقع استمرار انخفاض معدلات الإنجاب خلال المسيرة نحو الفرصةالديموغرافية، وتعتمد هذه الكلف أساساً على عدد الأطفال في سن ما قبل المدرسة وسن التعليم الأساسي معاً (4  17 سنة)، الذين يُفترض أن يقضي كل منهم 1عاماً في المؤسسات التعليمية المختلفة.
أن الوفر الوطني المستقبلي في الإنفاق على التعليم والذي سوف يتحقق من الفرصة الديموغرافية سيكون كبيراً جداً، الأمر الذي سيمكن الأردن من توجيه هذا الوفر نحو تحسين جودة تعليم صغار السن، والاستثمار في تحسين قدرات البالغين ومهاراتهم، مما سيمكنهم من مواكبة التطورات التكنولوجية المتسارعة في كافة قطاعات النشاط الاقتصادي. إضافة إلى ذلك ستتوفر لدى الآباء القدرة على إنفاق المزيد على تنشئة أطفالهم، نتيجة انخفاض عدد من يُعيلونهم، وهذا أيضاً سيمكّن المرأة -مع تناقص مسؤولياتها في تربية الأطفال- من الخروج إلى سوق العمل والحصول على عمل مأجوروهذا بالمحصلة سيزيد من حصيلة الضرائب التي ستمكن الدولة من زيادة إنفاقها على تحسين نوعية الخدمات المختلفة وخاصة التعليم.

7-7   ما تأثير الفرصة الديموغرافية في سوق العمل؟
لقد تم سابقاً عرض تقديرات نسب السكان الذين هم في سن العمل، إلا أن هؤلاء لن يكونوا جميعاً ضمن فئة النشيطين اقتصادياً، فهناك نسبة كبيرة منهم طلبة متفرغون للدراسة، وأكثر من ذلك من ربات المنازل. حيث تُشير أحدث المعلومات أن 29.5% من الأفراد غير النشيطين اقتصادياً هم من الطلاب و 54.4من مدبري منازل[15].
ولاستكمال الصورة عن التأثيرات الاقتصادية للفرصة الديموغرافية، فقد تم إجراء تقديرات لمستويات التغير في حجم قوة العمل ولعدد فرص العمل التي يتعين على الاقتصاد الأردني أن يخلقها سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل وجلهم من الشباب من الجنسين، دون أن نأخذ بالحسبان عدد المتعطلين عن العمل والذين تراكمت أعدادهم من سنوات سابقةوهنا يتعين علينا أن نأخذ بالاعتبار معدلات المشاركة الحالية في قوة العمل للذكور وللإناث كل على حده، نظراً لما بينها من تباين كبير في هذا المجال، ولهذه الغاية، فقد تم التقدير بالاعتماد على المؤشرات المتوفرة في النتائج السنوية لمسح العمالة والبطالة لعام 2008، وعلى أساس ثبات كل مما يلي على هو عليه في عام 2008:
1)      معدلات المشاركة في قوة العمل للجنسين على الرغم من توقع ارتفاع مشاركة الإناث مع تواصل انخفاض مستويات الإنجاب وحجم الأسرة
2)      معدلات البطالة للجنسين
3)      سياسات التقاعد والضمان الاجتماعي
4)      هجرة العمالة

تشير البيانات في الجدول رقم (2) والمتعلقة بحجم قوة العمل وفرص العمل أو الوظائف الجديدة اللازم توليدها كل عام للحيلولة دون ارتفاع معدلات البطالة الحالية (أي لبقائها على حالها الراهن) وحسب المسارين، إلى أن حجم قوة العمل في عام 2030 ستصل إلى (2.71 ) مليون شخص في المسار الأول مقابل (2.44 مليونفي مسار الفرصة وإلى 4.0 و 3.0 مليون عام 2050 في المسارين الأول والثاني على التوالي.
أما فرص العمل الجديدة المطلوبة في عام 2030 فتصل إلى (62 ألف) فرصةً حسب المسار الأول، و (46 ألففرصةً حسب مسار الفرصة، أي بفارق حوالي 16 ألف فرصة عمل لعام 2030 وحده.  إن تأثير الانخفاض في مستوى الإنجاب على قوة العمل لا يظهر حالاً إنما يتأخر حتى يكبر الأطفال ويبدأون في الدخول إلى قوة العمل كعاملين أو كباحثين عن عمل (متعطلين). فنلاحظ أن الفروقات بين المسارين فيما يخص فرص العمل، ستكون قليلة في السنوات الأولى، وتبدأ في الظهور متأخرة وبصورة تدريجية، حيث تصل في عام 2030 إلى حوالي 16 ألف فرصة كما أشرنا سابقاً. وتتواصل الزيادة في هذه الفروقات بعد ذلك وبشكل ملحوظ  لتصل إلى حوالي 64 ألف فرصة في عام 2050 وحده.
ويصل الفرق التراكمي بين المسارين في فرص العمل الجديدة اللازمة في كامل الفترة إلى 242 ألفا، وتنعكس هذه الفروقات على حجم الاستثمار اللازم لخلق فرص عمل جديدة، ويضاف إلى ذلك أن هناك تأثير ايجابي مرغوب فيه لتناقص معدلات الإنجاب، يتمثل في تخفيف الضغط عنسوق العمل، بسبب تناقص عدد الداخلين الجدد إليه كل عام، الأمر الذي يفتح الباب لاستيعاب المزيد من المتعطلين الحاليين وتخفيض مستويات البطالة الراهنة المرتفعة بين الشباب من الجنسين.
الجدول رقم (2حجم قوة العمل وعدد فرص العمل الإضافية الواجب توفيرها سنوياً وفقاً للمسارين
السنة
قوة العمل
فرص العمل الجديدة المطلوبة
المسار الأول
الفرصة
المسار الأول
الفرصة
2010
1,541,900
1,508,653
47,253
40,722
2015
1,783,356
1,714,404
50,114
42,033
2020
2,049,954
1,936,781
54,624
44,681
2025
2,357,865
2,187,390
68,963
53,320
2030
2,708,239
2,440,554
62,223
45,908
2035
3,018,934
2,651,470
62,045
35,846
2040
3,333,213
2,808,272
64,619
24,713
2045
3,667,446
2,910,837
71,921
17,224
2050
4,050,738
3,003,068
84,286
20,099
المصدر: Jordan DemProj Model, File Shabab and Shabab 1 for 2007-2050

8)      ما هي شروط حصول الفرصة الديموغرافية والانتفاع منها؟
لا بد من اهتمام صانعي السياسات ومتخذي القرار بالقضايا الديموغرافية، للمساعدة على التخطيط للتحولات الديموغرافية والاستفادة من الفرصة الديموغرافية والاستجابة للتحديات التي ترافقها. ويتوقع أن تخرج هذه الاستجابات إلى حيز الوجود عند رسم سياسات تضع إطاراً لمبادرات وبرامج عمل المؤسسات في القطاعات التنموية المختلفة بصورة منسجمة، لتحقيق الانتفاع الأمثل من هذه الفرصة، لأن ذلك يضمن تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي وارتفاع مستويات الدخل والرفاهوإن عدم تبني سياسات ملائمة لتحقيق هذا التحول والتعامل معه سوف يعني إضاعة فرصة ثمينةوسيُشكل هذا تحدياً كبيراً للدولة في المستقبل.
تتوافر في الأردن مجموعة من السياسات والاستراتيجيات المعتمدة في المجالات المختلفة كالصحّة الإنجابية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والاستثمار والاقتصاد، والتشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني، ولا نستطيع هنا أن نتجاوزها، بل علينا أن ننوه هنا إلى الحاجة إلى الاستجابة لتحدياتالانتفاع من الفرصة الديموغرافية عن طريق التنفيذ الناجح للسياسات والاستراتيجيات الرئيسية ذات الصلة بهذه الفرصة وكما هو مبين أدناه:
أولاًضرورة النجاح في تحقيق انخفاض في معدلات الإنجاب وحماية الصحة
إن هذا شرط مسبق لحدوث الفرصةولذا لا بد من التنفيذ الناجح لخطة العمل الوطنية للصحة الإنجابية للأعوام القادمة من أجل بلوغ الإستراتجية الوطنية للسكان أهدافها خاصة تخفيض معدلات الإنجاب إلى المستوى المنشود، وهو شرط أساسي ومسبق للوصول السريع إلى الفرصة الديموغرافيةوما يصاحبها من إيجابيات تم توضيحها فيما سبق.  ويتطلب ذلك توفر دعم ومساندة لخطة العمل الوطنية للصحة الإنجابية لعام 2010 وما بعده على مستوى عال وعلى كافة الأصعدة للتغلب على المعيقات الاجتماعية والتشريعية التي تحول دون ذلك، من أجل الوصول إلى أسر صغيرة بتجنب الأحمال والولادات غير المخطط لها وغير المرغوب فيها الناتجة عن التوقف عن استعمال وسائل تنظيم الأسرة أو استعمال وسائل غير فعالة رغم عدم رغبة الزوجين في أنجاب مزيد من الأطفاللقد أظهر مسح السكان والصحة الأسرية الذي نفذ في نهاية العام الماضي 2009 أن المرأة الأردنية الواحدة التي أكملت إنجابها قد أنجبت في المتوسط ستة أطفال، وأن الإنجاب الفعلي يزيد عن الإنجاب المرغوب بحوالي 27%[16].
ولا بد من الاهتمام بمزيد من الحماية لصحة المراهقين والشباب في مختلف المراحل العمرية لإطالة مدة تمتعهم بحياة معافاة ومكوثهم في سوق العمل لمدة طويلة لاسترداد عوائد الاستثمار الطويل والمكلف الذي بذل في إعدادهمويتطلب هذا الاهتمام بصحتهم من خلال الاهتمام بالتربية الرياضية واللياقة البدنية وحماية صحتهم من مخاطر التدخين والأرجيلة والسمنة والكحول وحوادث السير وإصابات العمل والعنف الأسري والمجتمعي والجرائم.

ثانياًأردنة العمالة
وفي مجال النمو الاقتصادي، لا غنى عن الاستمرار في سياسات تشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي لخلق المزيد من فرص العمل لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل وجزء من المتعطلين الحاليين، ولكن هذا مرهون بالنجاح في إضعاف اتجاهات الشباب نحو هذه الفرص لكي لا تكون فرص العمل الجديدة من نصيب العمالة الوافدة.[17] ويتطلب الأمر ما يلي:
  • ضبط التدفق غير المرشد للعمالة الوافدة العالية الكلفة على الاقتصاد الوطني، ولأن ذلك يلحق أضراراً بميزان المدفوعات ويؤثر على معدلات البطالة بين المواطنين وعلى حجم الاستهلاك الخاص لأن للعمالة الوافدة ميل شديد إلى الادخار، ويتطلب الأمر إبقاء العمالة الوافدة في بلادها لحين وجود أرباب عمل راغبين في استقدامهم واستخدامهم وفق معايير وسياسات وتشريعات تجمع عليها كافة الأطراف ذات العلاقة.
  • وضع خطة ذات إطار زمني لزيادة مساهمة العمالة المحلية في القوى العاملة، وتوجيه نظم وبرامج التعليم والتدريب لهذا الغرض من ناحية، وترشيد إجراءات جلب العمالة الوافدة من ناحية أخرى.
  • وضع خطة إعلامية وتوعوية قوية تستند على علوم تغيير السلوك وعلى خطاب جريء وصريح يخلو من الوعود، تهدف إلى تغيير الثقافة المجتمعية وتستهدف الفرد والأسرة والمجتمع بشكل عام لإضعاف "ثقافة العيب من العملوالتي تعرقل فرص بقاء الأردنيين ورفاههم.
  • البحث على مبادرات ريادية وأفكار جديدة لإحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة، وهذا ما أوصت به المؤتمرات والاستراتيجيات الوطنية المتتابعة لمكافحة البطالة والفقر.
  • الاهتمام بالذكور المتعطلين ممن مؤهلاتهم دون الثانوية العامة والذين يشكلون ثلثي المتعطلين الذكور، بالعمل على بناء أجسامهم لزيادة إدخالهم وربطهم بفرص العمل الكثيرة التي تحتاج فقط إلى قوة عضلية في الزراعة والإنشاءات وغيرها، تمهيدا لإحلالهم مكان العمالةالوافدة.
  • العمل على تغيير مواقف أصحاب العمل من العمل الجزئي الذي يرغبه الشباب من الجنسين فيه.
  • ضرورة تشجيع القطاع الخاص على زيادة توظيف الإناث، وما يتطلبه من إجراء تغييرات في الاتجاهات الأسرية نحو فرص العمل المتوفرة وتعديلات تشريعية وخاصة تلك المتعلقة بالتكلفة المترتبة على إجازة الأمومة وغيرها ليتم تغطيتها من خلال ايجاد نظام للتأمين الاجتماعي أو شبكة للحماية الاجتماعية أو ربط هذه الإجازة بالمباعدة بين الولادات لتحسين صحة الأجيال الجديدةإن الأدلة التي وردت في الورقة تشير إلى أن معظم القوى البشرية من الإناث هي خارج قوة العمل (ربات منزل)، مما يعني أن الانتفاع من الفرصة الديموغرافية سيكون منقوصاً إلى حد كبيرإذ لا تمكث الإناث ممن يدخلن سوق العمل فترة طويلة فيه إذ كثيراً ما ينسحبن منه في سن مبكر جداً لا تكفي لاسترداد عوائد الاستثمار الطويل والمكلف في إعدادهنويعود الخروج المبكر للإناث من القوى العاملة للأسباب التالية التي لا بد من الاستجابة لها:
    • الزواج المبكر وأحياناً كثيرة قبل إكمال الدراسة بسب الفقر
    • ممانعة الزوج لعمل الزوجة بحجة أن هذا لم يرد في شروط عقد النكاح
    • الإنجاب المبكر للمولود الأول بعد الزواج
    • الإنجاب المتعدد والمتكرر دون مباعدة كافية
    • وجود تشريعات تشجع التقاعد المبكر الأمر الذي يضيع سنوات من العمل ويحد من الانتفاع من القوى الشابة المدرية والفرصة الديموغرافية ويهدد موجودات صندوق مؤسسة الضمان الاجتماعي لأن الإناث يعشن عمراً أطول من الذكور وبذا يشكلن عبئاً أعظم وأطول على هذا الصندوق قياساً بالذكور، إضافة إلى تأنيث الفقر حيث تشكل الإناث نسبة عالية من المنتفعين من صندوق الفقراء "صندوق المعونة الوطنية"، مما يعني أن هناك عمليات أسرية تولد الفقر بين الإناث منها الانسحاب المبكر من العمل قبل الحصول على تقاعد مدى الحياة ومنها ما يتعلق بتوزيع الإرث بصورة مخالفة للشريعة الإسلامية.
    • ضمان الأمن الوظيفي والحماية الاجتماعية للشباب الجدد الداخلين إلى سوق العمل، من خلال شمول كافة العاملين في كافة القطاعات بالضمان الاجتماعي وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، للحد من انتشار العمالة غير المنظمة ولإبقاء الأفراد نشيطين اقتصادياً لسنوات طويلة من حياتهمأن الفشل في الانتفاع من الفرصة الديموغرافية ومن الجنسين وحمايتها من الآن بمظلة من التأمينات الاجتماعية عبر مكوثها سنوات طويلة في سوق العمل سيجعل رعاية حاجات أجيال هذه الفرصة عندما يكبروا ويدخلوا ضمن كبار السن في غضون أربعين سنة من الآن أمراً صعباً وعبئاً جسيماً جداً.
ثالثاًأضعاف المعيقات أمام إصلاح سياسات التعليم
أما في مجال التعليم، فلا بد من إزالة المعيقات المختلفة التي تعيق قدرة الدولة على وضع سياسات موضوعية في مجال التعليم الثانوي والعالي وتنفيذها بصورة فعالة وناجحة. فهناك ضرورة لإصلاح سياسات التعليم العام والعالي بحيث تكون أكثر استجابة وتلبية لاحتياجات الاقتصاد المحلي:

  • يتعين على النظام التعليمي العام أن يقوم بفرز مبكر للطلبة الذين ليس لديهم قدرات ورغبة لإكمال مسيرتهم الأكاديمية للحد من الهدر في الإنفاق الوطني على تعليم أفواج كبيرة من المراهقين لسنوات عدة تسبق فشلهم في امتحان الثانوية العامة وربما لعدة مرات. لا بد من مساندة وزارة التربية والتعليم لرسم وتنفيذ سياسة لفرز الطلبة بين التعليم الأكاديمي والعملي والمهني قبل وصولهم إلى الصف العاشر من خلال امتحان عام وموضوعي قبل أن يفشل الآلاف منهم في امتحان الثانوية العامة، لتجنب هدر سنوات من عمر الشباب كان يمكن أن تعدهم للحياة العملية في سن مبكرة.
  • يحتاج نظام التعليم العالي في الجامعات وكليات المجتمع أن يركز على إكساب خريجيها المهارات التي تؤهلهم لسوق العمل بدلاً من التركيز على منح الشهادات الأكاديمية فقط، الأمر الذي سيساهم في رفد سوق العمل بعمالة ماهرة ويخفف من التشوهات في سوق العمل وزيادة معدلات البطالة والجريمة وتدفق العمالة الأجنبية.
  • إدخال مفهوم التنشئة العملية الموجهة نحو الحاجات الحياتية اليومية للأسرة في المناهج التعليمية مثل إعداد المنزل وصيانته وتنظيفه وإعداد الطعام وغسل الملابس وكيها وما شابه ذلك، لتغيير المواقف السلبية من العمل، وللتخفيف من الاستعانة من خدمات المنازل من ثقافات أجنبية لما لذلك من عواقب اقتصادية وتربوية غير محمودة
  • ضرورة التنسيق بين مختلف الجهات ذات العلاقة خاصة فيما يتعلق بسياسات التعليم العام والعالي والتدريب المهني والتقني، وسياسات التشغيل والتقاعد، حيث أن بعض هذه السياسات يتعارض مع التوجهات الرامية إلى إحلال العمالة المحلية وخلق فرص عمل جديدة والحد من البطالة، مثل سياسة خفض معدلات القبول في الجامعات.
  • وفي مجال التعليم والتدريب المهني والتقني الرسمي، يتعين السعي إلى أن تصبح نسبة الطلبة المقبولين في التعليم والتدريب المهني بعد مرحلة التعليم الأساسي لإعداد العمال المهرة، ونسبة الطلبة المقبولين في التعليم التقني في كليات المجتمع لإعداد الفنيين، ضعفي النسبة الحالية للذكور والإناث.
  • العمل على تنمية المهارات خارج نظام التعليم الرسمي، من خلال تطوير مجموعة واسعة من الفرص التدريبية القصيرة المستجدة، بحيث تكون هذه الفرص موجهة نحو السوق للاستجابة إلى الاحتياجات الفعلية المستجدة وبمشاركة القطاع الخاص.
  • توضيح غايات وأهداف سياسات التعليم العالي (برامج السنتين والأربع سنوات)، إن غموض هذه السياسات مصحوباً باتجاهات مجتمعية (تعززها سياسات التعليم الأكاديمي) والمتمثلة في تفضيل دراسة تخصصات معينة أو انتقاء مهن بعينها دون غيرها، يتسبب في ضياع سنوات في تعليم لا ضرورة له للقيام بالوظائف المتاحة في سوق العمل، الأمر الذي يولد بطالة اختيارية.
1


[1] دائرة الإحصاءات العامة، شباط 2010، النتائج الأولية لمسح السكان والصحة الأسرية لعام 2009.
[2] دائرة الإحصاءات العامة، قراءة تحليلية لأبرز نتائج مسح فرص العمل المستحدثة لعام 2007 و 2008 والنصف الأول من عام 2009.
[3] خلافاً لنتائج مسح فرص العمل المستحدثة لعام 2007 و 2008 ، أفاد وزير العمل عام 2009 أن الاقتصاد الأردني قد خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الداخلين حديثاً إلى سوق العمل بل وجزء من المتعطلين، إذ ولد النمو الاقتصادي 220 ألف فرصة عمل في السنوات الأربع الماضية ولكن كان نصيب العمالة الوافدة منها 61% أي 135 ألفاً.
[4] حسب المرجع 2 أعلاه، يشكل مدبرو المنزل (الإناث عادة) والطلبة المتفرغون 54% و 30% من غير النشيطين اقتصادياً على التوالي.
[5] دائرة الإحصاءات العامة، من نتائج مسح السكان والصحة الأسرية لعام 2007
[6] دائرة الإحصاءات العامة، شباط 2009 "التقرير التحليلي للنتائج السنوية لمسح العمالة والبطالة 2008"
[7] المرجع السابق
[8] تعود هذه النسبة المتدنية إلى سببين متصلين ببعضهما مترتبين على ارتفاع مستويات الإنجاب التي ترفع نسبة الأطفال في المجتمع من جهة وتحول دون حصول مشاركة عالية للإناث في القوى العاملة من جهة أخرى.
[9] Richard P. Cincotta and Robert Engelman, "Demographics of Discord: Conflict Thrives Where Young Men Are Many", INTERNATIONAL Herald Tribune, March 2, 2004.
[10] شكل الشباب بين سن 18-27 سنة 51% من الجناة في جرائم القتل بنوعيه العمد والقصد في الأردن، وشكل المتعطلون عن العمل 68% من الجناة في هذه الجرائم، المصدر: مديرية الأمن العام، إدارة المعلومات الجنائية، التقرير الإحصائي الجنائي لعام 2009.
[11] للمزيد عن هذا المفهوم وتجربة دول جنوب شرق آسيا يمكن الرجوع على سبيل المثال لا الحصر إلى:
David E. Bloom, David Canning A. K. Nandakumar, Jaypee Sevilla , Kinga Huzarski , David Levy, and Manjiri Bhawalkar “Demographic Transition and Economic Opportunity: The Case of Jordan”. April 2001; Robert J. Barro and G. S. Becker, "Fertility Choice in a Model of Economic Growth" Econometrica 57 (1989): pp.481-501; Matthew Higgins and Jeffrey Williamson, "Age Structure Dynamics in Asia and Dependence on Foreign Capital" Population and Development Review 23 (1997): pp. 261 293; Allen C. Kelley and Robert M. Schmidt, "Savings, Dependency and Development" Journal of Population Economics 9 (1996): pp. 365 386.
[12] للحصول على المزيد عن هذه التغيرات يمكن الرجوع إلى الأوراق التي قدمت في الملتقى الوطني الثالث للسكان والتنمية 26-27 آذار، 2007 "السكان والهبة الديموغرافية" والمنشورة في العدد 13 لعام 2007 من مجلة السكان والتنمية الصادرة عن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للسكان.
[13] دائرة الإحصاءات العامة، مسح السكان والصحة الأسرية لعام 2009، النتائج الأولية، شباط، 2010
[14] المرجع السابق
[15] دائرة الإحصاءات العامة، التقرير التحليلي للنتائج السنوية لمسح العمالة والبطالة 2008 ، شباط 2009
[16] دائرة الإحصاءات العامة، مسح السكان والصحة الأسرية لعام 2009، النتائج الأولية، شباط، 2010
[17] أفاد وزير العمل أن الاقتصاد الأردني قد خلق فرص عمل كافية لاستيعاب الداخلين حديثاً إلى سوق العمل بل وجزء من المتعطلين، إذ ولد النمو الاقتصادي 220 ألف فرصة عمل في السنوات الأربع الماضية ولكن كان نصيب العمالة الوافدة منها 135 ألفاً.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق