الصفحات

السبت، 29 أكتوبر 2016

المساحات الخضراء للبيئة الساحلية والمناطق المائية الحضرية : التخطيط للقدرة على التكيف ...


المساحات الخضراء للبيئة الساحلية والمناطق المائية الحضرية 

التخطيط للقدرة على التكيف

Eng. Nadine Bitar
Expert – Smart and sustainable communities -CEO, Placemaking.me
Adjunct – American University in Dubai
Email: nadine@placemakingme.com

مقدمة
  البيئة الساحلية هي أكثر المناطق التي يؤثر بها التغيير المناخي كتلك المناطق التي تشتمل على الشعاب المرجانية البحرية، وارتفاع مستويات المحيطات، بالإضافة إلى التنوع الحيوي البحري حيث إن تلك المناطق تتأثر بزيادة ضغوط الاحتباس الحراري، ويعد الإجماع العالمي على جدول أعمال 2030 الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة واتفاقية باريس بشأن تغير المناخ التي صدرت عن مؤتمر الاطراف الحادي والعشرون للتغير المناخي (COP21)  بمثابة الضوء الذي يرشدنا في ظل الوضع الأكثر تعقيدًا الذي يواجه كوكب الأرض حاليًا، وفي أي منطقة مثل المناطق الساحلية– والتي تعد إحدى النظم الإيكولوجية المهددة بخطر ارتفاع منسوب مياه البحار - نجد أنه يمكننا التخطيط للقدرة على التكيف معها بل والنجاح في ذلك أيضًا! وتتناول هذه المقالة أهمية المساحات الخضراء في البيئة الساحلية بالنسبة للتخطيط من أجل القدرة على التكيف – فالمساحات الخضراء ضرورية للتواصل مع الطبيعة والمشاركة في عملياتها، كما تقترح المقالة أداةً جديدةً لعمليات تنمية المناطق الحضرية الساحلية من خلال دمج المدن البيوفيلية في التخطيط وعمليات التخطيط الرئيسي في لتطوير الواجهات المائية.

البيئة الساحلية والقدرة على التكيف

  تنفيذًا للقرار رقم 66/207، وتماشيًا مع الدورة التي تنعقد كل عشرون عامًا، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن جدول أعمال 2030 – جدول الأعمال الذي وافق عليه 156 وفدًا وممثلًا عن الدول في 25 سبتمبر 2015.

  برغم أن هذا الجدول ينص على 17 هدفًا لتوجيه عمليات التنمية المستدامة بشكل عام على كل من المستوى الوطني، والإقليمي، والمحلي، إلا أنه يوفر إطار عمل مرن للتفكير في القدرة على التكيف كمبدأ أساسي لدعم الأمم والأقاليم والمدن في ظل التحديات المناخية الصعبة


   ترتبط القدرة على التكيف بصورة غير مباشرة بالأهداف أرقام 1، و2، و3، و4، و6 من السبعة عشر هدفًا، ويتمثل أول تلك الأهداف في القضاء على الفقر، وينتج عن عدم القدرة على التكيف زيادة ضعف المجتمعات المائية حيث إنها تنمو ضعيفة في الأصل نظرًا للفقر البيئي، وفي برنامج الأمم المتحدة للبيئة صدرت مذكرة تنفيذية ( ) بشأن البعد البيئي في جدول أعمال 2030، ويمكن تعريف الفقر البيئي على أنه الظروف التي يصعب فيها الوصول إلى الأصول الطبيعية، والافتقار إلى الإدارة الشاملة للموارد بالإضافة إلى تدهور النظم البيئية.

    أما الهدف الثاني فيتمثل في القضاء التام على الجوع، تعد استدامة الأراضي الساحلية الزراعية شرطًا أساسيًا لتحقيق الأمن الغذائي إلى جانب تعزيز الزراعة المستدامة، أما بالنسبة للصحة الجيدة والرفاهية (الهدف 3)، فإن المناطق الساحلية هي مناظر طبيعية ثقافية توفر العديد من الفرص لخلق أسلوب حياة حيوي، وضمان استمتاع الجميع بأساليب حياة صحية وبالرفاهية في مختلف أعمارهم ، لطالما كانت البيئة البحرية والساحلية تعد مساحات تسمح باكتساب مهارات حياتية جديدة واكتساب المعرفة البيئية- أي التعليم الجيد (الهدف 4) فيتذكر كل منا مهارة قد اكتسبها على الشاطئ كنشاط الطائرات الورقية، أو جمع المحار، أو حتى التفاعل والتوصل الاجتماعي مع الآخرين، أما بالنسبة للعمل اللائق ونمو الاقتصاد (الهدف 6)، فترتبط المناطق المائية الحضرية بالازدهار الاقتصادي وعمليات التوظيف الشاملة، إذ أنه قبل عام 3000 ق.م، تدفق السكان المهاجرون إلى الموانئ وتكونت المجتمعات متعددة الأعراق حيث تمت ممارسة أنشطة التبادل التجاري فيما بينهم، لذا تساهم المناطق المائية في الاستدامة الاقتصادية كما أنها قد تمثل عنصرًا أساسيًا في تكوين المعرفة حول كيفية جذب التحولات الاقتصادية الهيكلية من خلال بناء طرق التجارة الدولية.

   وقد ذُكرت القدرة على التكيف بشكل مباشر كأحد العناصر الأساسية للمدن والمجتمعات المحلية المستدامة (الهدف 11)، والعمل المناخي (13)، والحياة تحت الماء والحياة في البر (14 و15)، أما بالنسبة للمدن والمجتمعات المحلية المستدامة (الهدف 11)، فتقدم المناطق المائية الحضرية، التي تعد شكلًا من أشكال عمليات التنمية الساحلية، أول خط دفاع لاستدامة المناطق الساحلية، حيث أثرت الكوارث البيئية التي أصابت العديد من المناطق الساحلية حول العالم بشكل رئيسي على المدن الساحلية وبخاصة على المناطق المائية التابعة لها، فعلى سبيل المثال يدعو الهدف (11- ب) إلى دعم دور المدن والمستوطنات البشرية بشكل كبير في تخطيط وتنظيم الهجرة والتكيف مع تغير المناخ فضلًا عن التغلب على الكوارث.

   ومع ذلك، يعتمد بناء استدامة عمليات التنمية في المناطق المائية بصورة أقل على المناطق الساحلية وبصورة أكبر على المساحات الخضراء؛ إذ يعد توافر المساحات الخضراء وشبكة البنية التحتية المادية والاجتماعية عنصرًا أساسيًا لتحقيق الاستدامة ( )، وتتمحور هذه الاستدامة حول تخطيط المساحات المفتوحة وحماية السكان وضمان الحفاظ على المناظر الطبيعية الثقافية في المناطق الساحلية.

  إذًا، فالسؤال الآن هو، كيف يمكننا التخطيط ووضع الخطط الرئيسية لتلك المساحات الخضراء؟ وما هي الأدوات الآمنة التي يمكن أن تساهم في استدامة البيئة الساحلية بوجه عام؟

المساحات الخضراء ( ) في البيئة الساحلية لتحقيق الاستدامة

  دعمت البحوث التي أجريت مؤخرًا في العقد الماضي ولا زالت تدعم كلاً من العلوم البيئية والتصميم الحضري وركزت على أهمية دمج الطبيعة – وقد شكل هذا البحث الذي أجراه تيموثي بيلتي حجر الأساس للتخطيط الحضري وإطار عمل التصميم للمدن البيوليفية، والبيوفيليا هي -كما عرفها أحد المحافظين من جامعة هارفارد إدوارد أوسبورن ويلسون-الانتماء العاطفي الفطري من البشر إلى الكائنات الحية الأخرى، ويقصد بالانتماء الفطري هنا هو الموروث وبالتالي يكون جزءًا من الطبيعة البشرية" (4). واستنادًا إلى تعريف ويلسون، في كتابه المبدع عن المدن البيوليفية (5)، ذكر بيتلي السمات الرئيسية للمدن البيوليفية، وفي هذه المقالة، أتصور استراتيجية تصميم حضري مبتكر يمكنه دمج المناطق المائية الحضرية الحالية في عمليات تنمية ساحلية مستدامة من خلال إتاحة الفرص للتواصل بالطبيعة، قد تساهم استراتيجية التصميم الحضري المقترح في تنوع أشكال المساحات الخضراء والمساحات العامة، والمساعدة في تحقيق الاستدامة في المناطق المائية الحضرية بوجه عام، وأخيرًا المناطق الساحلية التي تنتمي إليها، وتتمثل القيمة المضافة – الإضرار بالتنمية المستدامة – في الوعي بأهمية الطبيعة للحياة اليومية للجميع، ومن خلال دعم التواصل الفعال بالطبيعة، سيتمكن السكان والزائرين من أن يكونوا أكثر استعدادًا للمساهمة في استدامة مدنهم.


   تم تصميم عمليات تنمية المناطق المائية الحضرية البيوفيلية على أن توفر طرقاً متعددةً لوصول عدد كبير من سكانها وزائريها إلى الطبيعة الوفيرة، حيث تحتاج الشبكة المادية من المساحات الخضراء والمساحات الطبيعية على المستويين الإقليمي الساحلي إلى أن تكون مخططة بطريقة تثبت التزامها الأخضر طوال الوقت، كما يعد دمج مختلف المساحات والحدائق الخضراء المفتوحة والمناظر الطبيعية في شبكة بيئية أكثر شمولية هو أحد أهداف الخطط الساحلية الإقليمية، وعلى وجه الخصوص، تبنى هلسنكي في فنلندا إعداد شبكة عامة تربط الضواحي بالمناطق الحضرية من خلال ممر بيئي.

يتم تخطيط المناطق المائية الحضرية البيوفيلية لإعادة التنوع البيولوجي الساحلي بشكل فعال، ويمكن تعريف المناطق المائية الحضرية البيوفيلية على أنها مناطق خضراء مليئة بالطبيعة ومفعمة بالحيوية وبالتالي تدعم سكانها من حيث الشعور بالتواصل الوطيد مع الطبيعة من نباتات وحيوانات محلية، وفطريات ، ومع المناخ، والطبوغرافيا، والخصائص المكانية الأخرى الخاصة التي تحدد عناصر ومعالم هذه البيئة،. وفي المناطق المائية الحضرية البيوفيلية، توفر المساحات الخضراء فرصًا للتفاعل، والتعليم، والتعلم للزائرين، والسكان، والموظفين أيضًا للتعرف بسهولة على الأنواع المعروفة من الأشجار، والزهور، والحشرات، والطيور، حيث يحث هذا الوعي على مشاركة المجتمع بصورة أكثر فاعلية في العمل المناخي ومبادارات التكيف مع المناخ.
المساحات العامة هي مساحات طبيعية مفتوحة ومصممة لخلق المزيد من الفرص للقيام بأنشطة مثل المشي والتنزه وركوب الدراجات الهوائية والاستكشاف وقضاء مدة أطول تحت أشعة الشمس مع مراعاة حدود الراحة للآخرين، إلا أننا نحتاج إلى أبحاث مبتكرة للتعرف على طرق لدعم تلك الأنشطة في المناخ الحار والرطب . تتضمن البيئات المائية البيوفيلية عناصر تشجع على خوض تجارب متعددة الحواس حيث يتم الحفاظ على سماع أصوات الطبيعة (والعوامل الحسية الأخرى) والتجارب المرئية والبصرية للمساحات الخضراء واستعادتها وحمايتها.


   تضم البيئات المائية البيوفيلية أشكال وأنماط ومواد طبيعية متعددة، وتتميز البيئات المائية بتصميمات حضرية وهندسية مستوحاة من الطبيعة ومستندة إلى البحث والتطوير على الطبيعة منذ 3.8 مليار سنة من النباتات والحيوانات، اعتمدت جانين بنيوس على الاستلهام من الطبيعة أثناء عملها على محاكاة الطبيعة حيث قدمت أمثلة على بناء هياكل إنشائية، وعلى وجه الخصوص، طرحت تصميم المهندسة زها حديد (رحمها الله) الأخير لمركز الفن الأداء الجديد على ضفاف الماء في أبوظبي والذي يعد مثالًا حيًا على إمكانية استلهام التصميمات الهندسية من الطبيعة، ووصفته بأنه تصميم يشبه "الفاكهة على الكرمة" التي تنمو تدريجيًا في مساحات تشبه الفروع المتتالية.


   يتم التوعية بتطورات البيئات المائية البيوفيلية عن طريق الاتصال مع الطبيعة سواء عن طريق نادي الطبيعة والرحلات المنظمة وزراعة النباتات أو الأشجار أو التطوع في مشروعات تجديد الطبيعة، وبالتالي يتم التعلق بالمنطقة اجتماعيًا وفنيًا عن طريق فعاليات مشاركة المعرفة وبرامج التوعية وذلك لأجل تخفيف تأثير استخدام الموارد على الطبيعة والتنوع الحيوي خارج الحدود الحضرية واتخاذ خطوات فعالة لدعم حفظ الأنظمة البيئية المحلية والموائل، اتبع ميناء فيل في برشلونة استراتيجية للقيام بالأنشطة البيوفيلية، إذ يحتوي الميناء على أكواريوم يتضمن العديد من الأنشطة لنشر الوعي حول الحياة البحرية بالإضافة إلى الأنظمة البيئية المعقدة للحد من التأثيرات السلبية على الطبيعة.


التوصيات والخاتمة

  إن القدرة على التكيف موضوع ذو أهمية متزايدة في ظل تغيير المناخ الراهن، وقد تناول جدول أعمال 2030 إلى جانب أهداف التنمية المستدامة المعلنة عام 2015 بشكل مباشر كيفية مساهمة التنمية الحضرية الساحلية المرنة في استدامة المجتمعات الحضرية (الهدف 11) من أجل العمل المناخي (الهدف 13) وحماية البر والبحر (الهدفين 14 و15)، هذا وتساعد التنمية الحضرية الساحلية المرنة بشكل غير مباشر في القضاء التام على كل من الفقر والجوع (الهدفين 1 و2) وتوفير التعليم وفرص العمل وتحسين الصحة وتحسين البنية التحتية (الأهداف 3 و4 و8 و9)، وتعتمد قدرة تكيف التطورات الحضرية الساحلية بشكل رئيسي على المساحات الخضراء أكثر من البيئة الساحلية، إذ تحتاج المناطق المائية الحضرية إلى التخطيط كتطورات بيوفيلية مع تعزيز التواصل الوثيق مع الطبيعة وتقديم فرص لأساليب حياة تتمتع بالحيوية والنشاط وأن تصبح مختبر حيوي للتنوع الحيوي والتكامل البيئي، وتعتبر المناطق المائية الحضرية البيوفيلية هي أماكن تتميز بالاتصال الوثيق مع الطبيعة والمقيمين فيها والزوار والموظفين الذين يساهمون بنشاط في استدامتها.

  تحتاج النماذج الحضرية البيوفيلية إلى أن يتم تطويرها بشكل خاص لتلائم المناخ الحار والبارد والبيئة الصحراوية لإيجاد حلول مبتكرة حول كيفية التخطيط للتطورات المائية للربط ببن الأرض والبحر والسماء لتصبح أكثر استدامة بعد 2030.

Executive note – United Nations Environment Assembly – retrieved April 2016
www.unep.org/pdf/UNEP_and_the_2030_Agenda.pdf
Arup – cities resilience framework – published online – 2014 – retrieved April 2015 – publications.arup.com

  تشير المساحات الخضراء في هذه المقالة إلى المساحات المستدامة، والمفتوحة، والطبيعية - على الرغم أنها تحتاج إلى البحث في مصطلح بديل تحتضن البيئة الصحراوية والمناخ الحار؛ حيث لا تكون المساحات الخضراء مستدامة
ويلسون، "“Biophilia and the Conservation Ethic"، في افتراضية البيوفيليا، 1993
بيتلي، تيموثي،"المدن البيوفيلية : دمج الطعبية في التصميم والتخطبط الحضري"، أيلاند برس، 2010
انظر المقال السابق – الحلول المبتكرة لتطوير المدن المستدامة - 


هناك تعليق واحد: