الصفحات

الخميس، 17 نوفمبر 2016

التساقطات المطرية في موريتانيا ...


التساقطات المطرية في موريتانيا

بشيري ولد محمد

قسم الجغرافيا ـ وحدة التغيرات المناخية والبيئة

و كمال إبراهيم صيدم 

كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـ جامعة انواكشوط

27 - 2 - 2015 م

المعهد الموريتاني للبحث العلمي

  يفتح هذا البحث الذهن لفهم خلفية أهم عنصر في الحياة بعد الهواء، ألا وهو الماء، ومنه نصبح على بينة من أنه لا يكفي أن يتبخر الماء ويتحول إلى رطوبة جوية ثم يتكاثف لكي يحدث تساقطا مطريا، ومن هنا سنصل إلى معرفة تامة بظاهرة المطر في موريتانيا. إن المطر ثلاثة أنواع ، والذي يتعلق بنا منه هو المطر الإعصاري. فما هو المطر الإعصاري؟ وما هي أسباب نزوله؟ وكيف ينزل؟ ولماذا يختلف من منطقة لأخرى وكيف يتغير من سنة لأخرى؟.

1ـ تعريف المطـــر : تتساقط قطرات سائلة من السحب عندما يتجاوز قطرها 0.1مم، وطالما لا توجد تيارات هوائية صاعدة قادرة على إبقائها في الجو، مع أن أقطار قطرات الماء التي تحدث المطر تتراوح بين 1 و5مم. والمطر هو أهم مظاهر التساقط كلها فبدونه تنعدم الحياة على سطح الأرض. وهو قطرات مائية متفاوتة الحجم تسقط من السحب ولا يزيد قطرها على ثلاث ملليمترات. وقد لا يصل إلى الأرض لأحد سببين:
دفع تيارات الهواء الصاعدة لتلك القطرات أو لتبخرها قبل أن تصل إلى الأرض، وقد لا يصل بفعل السببين معا. ويتكون المطر من تكثف بخار الماء في طبقات الجو العليا نتيجة انخفاض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماء وتجمعه على شكل قطرات كبيرة لا يستطيع الهواء حملها فتسقط على الأرض.

2ـ أهمية المطر : المطر ضروري للحياة، لأنه يمد الإنسان والحيوان والنبات بالماء، ويلاحظ أن مظاهر الحياة تكاد تنعدم في المناطق التي تعاني قلة الماء، أو قلة سقوط الأمطار عليها. وتساعد الأمطار على منع فقدان التربة السطحية القيمة بإيقاف العواصف الرملية. كما أن الأمطار تنظف الهواء من الغبار والملوثات الكيميائية. ويمكن أن تكون الأمطار ضارة أيضا مثل ظاهرة المطر الحمضي التي تتشكل عندما تتفاعل الرطوبة مع أكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت. وتنبعث هذه المواد الكيميائية من المركبات والمصانع ومحطات توليد الطاقة. وتعمل هذه الأمطار على تلويث مياه البحيرات والجداول، مشكلة بذلك خطورة على الحياة المائية، كما تلوث الأمطار الحقول مسببة تلفا للمحاصيل، والأشجار والتربة. فكثرة الأمطار قد تخلق اضطرابا في الاتصالات وتسبب الفيضانات وتدمر الممتلكات وتسرع فقدان التربة السطحية. .

3ـ طبيعة المطر : تتشكل قطرات المطر عندما تتحد ذرات الماء في السحب. وتتفاوت قطرات المطر في أحجامها تفاوتا كبيرا، كما تتفاوت في سرعة سقوطها، إذ يتراوح قطر القطرات ما بين 0.5 و6.4ملم، فالقطرة الأكبر هي الأسرع في السقوط. وعند مستوى سطح البحر تصل سرعة سقوط قطرة المطر التي يصل قطرها 5ملم إلى حوالي 9م/ث. أما الرذاذ، الذي يتألف من قطيرات صغيرة، يقل قطرها عن 0.5ملم، فإن سرعة الواحدة منها تصل إلى 2.1م/ث أو أقل من ذلك. ويعتمد شكل قطرة المطر على حجمها، فقطرة المطر التي يقل قطرها عن 1ملم يكون شكلها كرويا، ومعظم القطرات الكبيرة تتفلطح عند السقوط.

4ـ كيف تتشكل قطرات المطر : تحتوي السحب العائمة في الغلاف الجوي على بخار ماء وقطرات من السحب. وهي تعتبر صغيرة للغاية لتسقط كأمطار، إلا أنها كبيرة بقدر كاف لتشكل سحباً يمكن رؤيتها بالعين المجردة. ويتبخر الماء ويتكاثف باستمرار في السماء. ومعظم الماء المتكاثف في السحب لا يسقط كأمطار بسبب التيارات الهوائية الصاعدة التي تعتبر بمثابة دعامة للسحب. وبالنسبة لحدوث الأمطار فإنه لابد في بادئ الأمر من أن تتكاثف قطرات الماء، ثم تتوحد لإنتاج قطرة ماء كبيرة وثقيلة بما فيه الكفاية لتخرج من السحب، وتسقط كأمطار، مع العلم بأن إنتاج قطرة مطر واحدة يحتاج إلى ملايين قطرات السحب.

5ـ قيـاس المطـر: يعد الممطار أكثر أجهزة قياس المطر شيوعا، وهو أسطوانة بها أنبوب ضيق يتصل بقمع في الأعلى، وعندما تسقط الأمطار في القمع تجري في الأنبوب إلى حيث تقاس الكمية بمخبار أو دورق مدرج خاص. ولمعرفة مقدار ما يسقط من المطر يمكن تحديد عوامل ثلاثة هي:

1ـ امتصاص سطح الأرض لجزء منه.

2ـ جريان بعضه على سفوح الجبال باتجاه مجاري المياه المجاورة.

3ـ التبخر. هذا وتستعمل شبكة من المماطير لقياس كمية التساقط في إقليم ما، وتثبت المماطير في الفصل الممطر أو الرطب بحيث تكون متباعدة بحوالي 15كم.

  أما في الفصل الجاف، فتوضع بشكل متقارب، لأن زخات خفيفة من المطر قد تحدث في نطاق ضيق. وعادة ما توضع المماطير المؤقتة على مستوى الأرض. وتبلغ كمية الأمطار السنوية لمنطقة جملة ما تم جمعه في هذه المقاييس من أمطار خلال السنة. ومن الأجهزة ما يقيس غزارة الأمطار، وهي تمثل معدل التساقط في فترة محدودة، وتكون عادة ساعة واحدة من اليوم. ويستخدم الممطار ذي الميزان (مقياس المطر الوزني) لهذه الغاية. ويحتوي هذا الجهاز على وعاء موضوع على ميزان، وعندما تكون مياه المطر في الوعاء، فإن وزن الماء يضغط على الميزان إلى الأسفل، وتسجل هذه الحركة في حاسوب وتحول إلى أرقام ذات دلالة. كما يمكن قياس الأمطار بوساطة رادار الطقس، حيث يرسل هذا الجهاز الإلكتروني موجات راديوية تنعكس من قطرات المطر وتسمى الموجات المنعكسة الصدى، وتظهر على الشاشة نقطا مضيئة. وتدل شدة لمعان النقط على حجم قطرات المطر وعددها، لذلك يدل الصدى على كمية الأمطار وغزارتها. كما أن الرادار يقيس الأمطار التي لا تتمكن المقاييس العادية من قياسها، نظرا لتباعدها الكبير في جميع المناطق.

6ـ كيف يسقط المطر : 

هناك نظريان :

النظرية الأولى : هي نظرية الاندماج التي تعتبر أن الأمطار تنشأ من بخار الماء في الغلاف الجوي، ويتكون بخار الماء من تحول الماء من المسطحات المائية واليابس إلى الحالة الغازية، فيبرد الهواء الرطب الدافئ عندما يرتفع، وتقل كمية البخار التي يمكنه حملها، وتسمى درجة الحرارة التي لا يمكن للهواء عندها، أن يستوعب مزيدا من الرطوبة نقطة الندى، فإذا انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون نقطة الندى، يتكاثف بخار الماء على شكل رذاذ مشكلا السحب. ويتكاثف بخار الماء على شكل جسيمات متناهية في الصغر تسمى نويات التكاثف. وعند تكاثف بخار الماء تنطلق حرارة، تجعل السحب ساخنة، ويساعد هذا التسخين على دفع السحب إلى أعلى، وبذلك تصبح أكثر برودة. وقد فسر تكون قطرات الأمطار في مثل هذه السحب بنظرية الاندماج ونظرية البلورات الثلجية. وتنطبق هذه النظرية على الأمطار المتكونة فوق المحيطات وفوق المناطق المدارية.

   وبناء على هذه النظرية، فإن مختلف أحجام قطرات الماء الأكبر تسقط بصورة أسرع من القطرات الأصغر منها. وعليه فإن القطرات الكبرى تصطدم بالصغرى ومن ثم تضمها إليها. وتدعى هذه العملية الاندماج. فإذا سقطت قطرة كبيرة من الماء مسافة 1.5كم في إحدى الغيوم، فإنها قد تدمج معها مليون قطيرة، وبهذه الطريقة، تصل القطرة إلى ثقل لا يستطيع الهواء تحمله، فيسقط بعضها على الأرض على شكل قطرات المطر، وتتحطم القطرات المتبقية التي يزيد قطرها عن 6ملم إلى رذاذ. وتتحرك هذه القطرات إلى أعلى، إذا ارتفعت السحابة بسرعة، ثم تسقط مرة أخرى وتتكرر عملية الاندماج والمطر مكتوب في القرآن الكريم في قوله تعالى: (ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما، فترى الودق يخرج من خلاله، وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء، يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار) وفي قوله أيضا: (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا، فترى الودق يخرج من خلاله، فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذاهم يستبشرون.

النظرية الثانية : إنها نظرية البلورات الثلجية التي تفسر معظم مظاهر التساقط في المناطق المعتدلة. فعملية تكون الأمطار بناء على هذه الطريقة أكثر حدوثا من ظاهرة الاندماج؛ إذ تحدث عملية البلورات الثلجية في السحب التي تقل درجة حرارة الهواء فيها عن الصفر المئوي. وفي معظم الحالات، تضم مثل هذه السحب قطرات من مياه فائقة البرودة، تبقى في حالة السيولة رغم تدني درجة حرارتها إلى ما دون الصفر المئوي. وتكون البلورات الثلجية في هذا النوع من السحب في شكل جسيمات مجهرية تدعى نويات الثلج. وتحتوي هذه النويات الثلجية على جسيمات متناهية الصغر من التربة، أو الرماد البركاني.

  وتتكون البلورات الثلجية، عندما تتجمد القطرات فائقة البرودة على النويات الثلجية. فعندما تنخفض درجة الحرارة إلى 40°م تحت الصفر أو أقل، فإن قطرات الماء تتجمد من دون حاجة لنويات الثلج. وفي ظروف معينة يمكن أن تتشكل البلورات الثلجية رأسا من بخار الماء. وفي هذه الوضعية يبدأ بخار الماء بالترسب على النويات الجليدية، بدون أن يمر بحالة السيولة. ويزداد حجم البلورات الثلجية التي تشكلت قرب القطرات الفائقة البرودة، وذلك عندما يترسب بخار الماء من قطرات السحابة على هذه البلورات. ونتيجة لسقوط البلورات من خلال السحابة، فمن الممكن اصطدامها وانضمامها مع غيرها من البلورات، أو مع القطرات فائقة البرودة. وعندما يصل وزن البلورة إلى حد لا يعود الهواء قادرا على حملها، تسقط من السحابة. ومثل هذه البلورات تصبح قطرات المطر، إذا مرت خلال طبقات هوائية تزيد درجة حرارتها على الصفر المئوي.

   وتقوم تجارب الاستمطار، أو ما يدعى تطعيم السحب على أساس نظرية البلورات الثلجية. وفي هذه التجارب توضع عدة مواد كيميائية داخل السحب، لتعمل عمل نويات الثلج، وتساعد هذه العملية أحيانا على تحسين فرص تكون البلورات الثلجية. ولكي يسقط المطر يجب توفر العوامل الآتية:

1- أن يكون الهواء مشبعاً ببخار الماء.

2ـ أن يرتفع هذا الهواء إلى طبقات الجو العليا.

3ـ أن تنخفض درجة حرارة الهواء المحمل ببخار الماء إلى ما دون نقطة الندى لتكوين السحب.

7ـ أسباب سقوط المطر: وعملية هطول الأمطار ظاهرة طبيعية تحدث كلما كانت الطبيعية للغلاف الجوي مواتية. وتسبقها دائما بعض التغيرات التي تهيئ الجو ليرسل كل أو بعض ما يحمل من بخار الماء المتكثف. ويمكن القول بأن المطر ليس سوى أحد عناصر أو مراحل دورة الماء في الطبيعة: فعن طريق الحرارة الآتية من الشمس يتبخر الماء من سطح الأرض ومن النباتات ويحمله الهواء بخارا أو غازا، وعندما يتكاثف بخار الماء متحولا من حالته الغازية إلى الحالة السائلة أو الصلبة، يسقط على شكل مطر. ومن هذه الأسباب :

1ـ ارتفاع الهواء الرطب عن سطح البحر بسبب خفة الضغط وحدوث التكاثف. ومن عوامل الصعود: ـ الحركة اللولبية في الأعاصير الاستوائية ـ ركوبه فوق كتلة هواء باردة كما يحدث في الأعاصير والانخفاضات الجوية.

2 ـ انتقال الهواء من مكان حار إلى مكان بارد مثل الرياح العكسية والرياح الموسمية.

3ـ متى قابل هواء البحر الدافئ سطح جسم بارد مثل جبل عال، لأن الرياح بارتفاعها على منحدر الجبل تأخذ في البرودة فتلقي ما تحمل من بخار الماء بالتدريج.

4 ـ عند هبوب رياح باردة على سحابة.

5ـ عندما ترتفع سحابة إلى طبقة جوية مرتفعة، وتصبح داكنة اللون شديدة البرودة.

8 ـ أسباب اختلاف توزيع تساقط المطر:

1ـ بعد المكان من خط الاستواء، حيث يقل المطر بالاتجاه نحو القطبين إلا أنه يتأثر بعاملين:

ـ اتجاه التيارات الهوائية .

ـ توزيع اليابس والماء.

2ـ قرب المكان من المحيط، حيث ينبغي أن يكون المطر أكثر قرب الشواطئ منه داخل القارة.

3ـ نظام دورة الهواء العامة، كما تظهر في منطقتنا.

4ـ التباين بين درجة حرارة المكان ودرجة حرارة الجهة التي تهب منها الرياح.

5ـ تعرض المكان لسير الانخفاضات الجوية.

6ـ ارتفاع المكان عن مستوى سطح البحر، أو مجاورة أماكن مرتفعة.

   إنه من المسلم به لدى المناخيين أن كمية الأمطار ومواسم سقوطها فوق أي مكان من سطح الأرض تتأثر بعوامل يمكن تلخيصها في:

ـ مواقع مناطق الجبهات.

- مواقع مناطق الرهو الاستوائي.

ـ عظم اتساع المسطحات المائية وارتفاع درجة حرارة الهواء الملامس لها.

ـ مرور الرياح الآتية من المسطحات المائية فوق تيارات بحرية دافئة، أو فوق كتل مائية سطحية دافئة.

ـ التوزيع الجغرافي الفصلي لمناطق الضغط الجوي.

ـ الارتفاع عن مستوى سطح البحر والابتعاد عن مناطق ظل المطر صوب الواجهة المطرية.

ـ القرب من المسطحات المائية الكبيرة.

9ـ الموقع والتضاريس : تقع موريتانيا فلكيا بين دائرتي عرض 30׳ 14° و24׳ 27° شمال الدائرة الاستوائية، وبهذا فهي تضم مدار السرطان (27׳23°)، كما تقع بين خط طول 5° و17° غرب اغرينتش. وتبلغ مساحتها 1.030.700كم².

  وفيما يتعلق بمظاهر السطح، تعتبر موريتانيا جزء من إفريقيا السفلى الذي يقع غرب العمود الفقري التضاريسي للصحراء الكبرى، والمكون من هضبة الهگار وكتلة تبستي وهضبة تاسيلي. وقد شغل معظم أراضيها المنخفضات ذات الشكل الحوضي (المنخفض الواقع بين هضبة الهگار و المحيط الأطلسي ومرتفعات فوتا جالون) (خريطة رقم 2). وهي تتكون عموما من سهول وهضاب قليلة الارتفاع: فالسهول الأطلسية والمجابات الكبرى لا يتجاوز الارتفاع فيها 200م، أما الهضاب فتتجاوز أحيانا قليلة مستوى 400م، وبالنسبة لأعلى قمة في البلاد فإنها لا تزيد عن 917م متمثلة في قمة "كدية الجل". وتعتبر الكثبان الرملية والعروق وغطاءات الرمل الصفة السائدة، وكذلك التلال والحماده. خريطة رقم (1) موقع موريتانيا من الوطن العربي وشمال إفريقيا خريطة رقم (2) تضاريس موريتاني.

   وعن المياه يلاحظ أن موريتانيا بلد جاف، والأمطار تسقط فيه بكميات محدودة، حيث تختلف كما وكيفا وزمانيا ومكانيا. وهي لا تكفي لقيام الزراعة دون اللجوء إلى الري إلا في الجهات الجنوبية. ومن أهم المصادر الدائمة الجريان: نهر السنغال ، وبحيرة لمسيله وبحيرة اركيز وبحيرة ألاگ .

10ـ خصائص المناخ :

  إن للموقع الجغرافي لموريتانيا، المتمثل بالتواجد على ساحل المحيط الأطلسي الشرقي وما يحدث في مياهه المحاذية لها من عمليات تقلب للمياه (ظاهرة أبوليغ Apwelling) ـ بسبب حركة تيار كاناريا البارد ، أو بمعنى أدق كونها تعد ضمن السواحل الغربية للقارات، في المناطق المدارية، التي يطلق عليها عند تقسيم العالم إلى أقاليم مناخية الصحاري الحارة الساحلية ـ أثر بارز في مناخ البلاد، إضافة إلى جوارها للصحراء الكبرى أو احتلال هذه الأخيرة لأجزاء كبيرة منها. وعلى هذا الأساس يمكن اعتبار مناخ موريتانيا متطرفا، شأنه في ذلك شأن أي مناخ صحراوي، ما عدا الجهات الجنوبية.

  ويمكن تلخيص خصائص مناخها في:

ـ ضغط جوي متذبذب ورياح جافة تجب مساحة القطر أكثر أيام السنة وكثيرا ما تكون محملة بالأتربة والرمال عندما تكون قادمة من الشمال الشرقي والشرق حيث الصحراء الكبرى.

ـ ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف حيث تتراوح بين 35°م و40°م في الظل، وتشتد أساسا في شهري يوليو وأغسطس وتزداد ارتفاعا بالاتجاه نحو الشرق والشمال الشرقي.

  أما في الشتاء فتنخفض درجات الحرارة حتى تصل في المناطق الشمالية الشرقية أحيانا إلى 0°م. ويستثنى من هذا التباين الحراري الكبير، بطبيعة الحال، المنطقة الساحلية (ساحل المحيط الأطلسي). وقد كان لشدة الحرارة وانتظام الرياح التجارية الهابة من الشرق وجفاف الهواء دور كبير في ارتفاع التبخر.

 4ـ قلة الأمطار وتركزها في فصل الشتاء في الجزء الشمالي من البلاد، وتساقطها بشكل متقطع. وهي من القلة بحيث لا تكفي للري، وتمثل ولاية "تيرس الزمور" أدني حد للمطر، وقد تنحبس الأمطار عنها لسنين. أما الأمطار الصيفية فتتركز أساسا في المنطقة الجنوبية وتتناقص بالاتجاه شمالا حيث لا تنزل في آدرار إلا نادرا. وبناء على ما سبق يمكن القول بأن هذا الموقع أعطى موريتانيا صفة مناخية خاصة تتبين من خلال العلاقة بين الموقع الفلكي والجغرافي والحركة الظاهرية للشمس.

  وعندما ندرس موريتانيا كوحدة إقليمية مناخية تتسع رقعتها، وتقع في منطقة انتقالية بين المناخ السوداني في الجنوب والمناخ الصحراوي في الشمال، يلاحظ أن صفة الانتقالية تجعل بعض أجزائها رطبا سودانيا في سنة، وفي سنوات أخرى تطغى ظروف الجفاف فتصبح أجزاء الإقليم السوداني جافة، أي أشبه بالصحراء منه بالإقليم الأصلي. ومرد ذلك كله تذبذب الأمطار الذي يتحكم فيه اتجاه الرياح وحمولتها، والتي يتحكم فيها هي الأخرى توزيع خلايا الضغط والحركات الهوائية العامة.

  والمهم أن موريتانيا تتأثر بالعوامل المناخية التي تمارس تأثيرها بدرجات متفاوتة على مختلف جهاتها. لكن قلة عدد محطات الرصد وخاصة في المنطقة الشمالية تقف حجر عثرة أمام الدراسة الدقيقة للمناخ، وإنه لمن الواضح أن هذه الخصائص ترتبط ارتباطا وثيقا بالضغط الجوي والدورة الهوائية العامة، ومنها على وجه التحديد الحركة الهوائية في غرب إفريقيا لما لها من دور فعال في تعديل وضبط مناخ هذه الرقعة من الأرض. خريطة رقم (3) محطات الرصد الجوي الموريتانية.

  ومن هنا يمكن القول بأن مناخ موريتانيا، بغض النظر عن العوامل المحلية التي سبقت الإشارة إليها، يرتبط بصفة أساسية بديناميكية الدورات الهوائية التي تدخلها تبعا لفصل سيطرة كل منها.

11ـ الحركات الجوية في غرب إفريقيا

   ترتبط الأمطار بصفة أو بأخرى بديناميكية الدورات الهوائية التي تسيطر على البلاد في الفصول المختلفة. وبما أنه من الصعوبة بمكان دراسة الضغط الجوي في هذا المجال المحدود من الكرة الأرضية (مساحة موريتانيا) بدقة، ولأن المؤثرات كلها خارج الرقعة أيضا، فضل الباحثان تناول هذا الموضوع على مستوى أكبر، وهو غرب إفريقيا، لأن الدورات المؤثرة ليست مسؤولة عن مناخ موريتانيا فحسب وإنما كافة مناخ المنطقة. إن حركات الهواء على مستوى غرب إفريقيا تظهر على شكل الحرف الأجنبي "V" مقلوب أو على الأقرب الرقم الهندي "۸" (شكل رقم 8). وهي خاصية الحركات الهوائية في المناطق المدارية بصفة عامة، حيث أن هذا الشكل حد فاصل بين الرياح الشرقية المدارية والرياح الغربية فوق المدارية. ويرجع ـ على ما يبدو ـ سبب هذه الحالة إلى وجود الضغوط المرتفعة المدارية (H.P.Tropical) مطوقة الضغوط المنخفضة بين المداري (B.P.Intertropical)، وهو ما سيظهر من خلال العرض التالي. شكل رقم (1) التركيبة العمودية لطبقة التروبوسفير المدارية.

11ـ 1ـ مراكز الضغط الجوي Centres de pression atmosphérique يمكن القول بأن الحركات الهوائية في موريتانيا تديرها مراكز الضغط الجوي التالية:

11ـ 1ـ1ـ خلايا الضغط المرتفع Cellules de haute pression إن المرتفعات الضغطية Anticyclones تعني منطقة يرتفع فيها الضغط الجوي، وتعبر خطوط الضغط المتساوي بسبب الاحتكاك مبتعدة عن المراكز، لذا فإن المرتفع الجوي يصحبه هبوط الهواء من أعالي الجو وانتشاره فوق سطع الأرض، ولهذا تتبخر السحب ويكون الجو صحوا والرياح هادئة. والمرتفع الجوي بطيء الحركة وطويل العمر مقارنة بالمنخفض الجوي.

11ـ 1ـ1ـ1ـ الضغط المرتفع الأسوري : يتركب هذا الضغط من عدة خلايا، ويتركز حول دائرة عرض 30° شمال الكرة الأرضية. والرياح فيه تدور مع عقارب الساعة حسب نظام الضغوط المرتفعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي، ويغذي هذا الضغط المرتفع الرياح الشمالية، وهو دائم، لكن موقعه متذبذب أفقيا (جدول رقم 1) حيث يخيم راخيا سدوله على كامل مساحة موريتانيا في فصل الشتاء، وما إن ينتهي حتى تأتي سيطرة الضغط المرتفع السنتيلاني.

   ولا يأتي غياب هذا الضغط فجأة و إنما يتلاشى تدريجيا. ومما يرفع حدته وقوته التحامه بالضغط المرتفع المغربي في فصل غلبته. ويرى الدكتور "توم" أن من بين التطورات الهامة التي تحدث في خلية الضغط الأسوري خلال فصل الشتاء أن مستوى الضغط الجوي داخل منطقة الأسور يكون أقل نسبيا مما كان عليه خلال فترة الصيف، وأنه يمتد غربا ليغطي مساحات واسعة من المحيط الأطلسي الشمالي. كما يمتد شرقا ليغطي أجزاء كبيرة من الصحراء الكبرى، بل يتعداها ليتصل بالمرتفع في آسيا الصغرى، فيتكون بذلك مرتفع جوي ضخم يبدأ من وسط المحيط، ويمتد شرقا إلى أواسط آسيا.

جدول رقم (1) التغيرات الموسمية للضغط الأسوري على السطح الشهور العروض ارتفاع الضغط
يناير 35° ش 1022 مليبار
ابريل 40° ش 1019 مليبار
يوليو 40° ش 1020 مليبار
اكتوبر 37° ش 1020 مليبار
المصدر : مورل، 1978

11ـ 1ـ1ـ2ـ الضغط المرتفع السنتيلاني : مركزه دائرة عرض 30° شرقي المحيط الأطلسي كسابقه، لكن هذه المرة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، وفيه تدور الرياح ضد حركة عقارب الساعة حسب نظام الضغوط المرتفعة في نصف الكرة الجنوبي. ومن هذا الضغط الدائم تهب الرياح المسماة اصطلاحا بالرياح الموسمية التي تهب على البلاد في فصل الصيف. وهذا الضغط كسابقه متذبذب أفقيا، حيث يقترب كثيرا من موريتانيا، وإن لم يصلها في فصل الصيف، ويبتعد في فصل الشتاء. أما تأثيره فمحدود مقارنة بالضغط الأسوري لأن الفترة التي تتحرك فيها الرياح المنبثقة عنه قصيرة جدا. وهاتان الخليتان كلتاهما تسميان منطقتا الركود المداريتان الممتدة بصفة عامة بين دائرتي عرض 20° و40° في نصفي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي. أما سبب تكوينهما فديناميكي أساسا، أي أن الهواء يكون باستمرار هابطا، فيكون جافا ومستقرا. والملاحظ أن الخليتان توجدان على مستويين من الطبقة الجوية السفلى، إلا أن وضوحها يتلاشى فوق البلاد أثناء فصل الحرارة. وقد يعود سبب وجودهما أيضا إلى تجمع هوائي، معتدل وقطبي يدفعه التيار النفاث وهواء استوائي تدفعه الرياح التجارية.

11ـ 1ـ1ـ3ـ الضغط المرتفع الصحراوي : منطقة ضد إعصارية ضحلة تحتل الأجزاء الصحراوية في فصل الشتاء وتعتبر امتداد للضغط المرتفع الأسوري لأنها تلتحم به في فصل سيطرته، كما ذكرنا سابقا، وينتهي هذا الضغط بانتهاء فصل الشتاء، فكلما اقتربت الشمس من القطر إبان حركتها الظاهرية كلما تلاشى إلى أن يحل الضغط المنخفض الصحراوي محله. ومن هذا الضغط تتحرك رياحا تصل موريتانيا من الجهة الشمالية الشرقية والشرقية في فصل الشتاء وبداية فصل الصيف.

11ـ 1ـ2ـ الضغط المنخفض هناك أنواع من الضغوط المنخفضة (السيكلون) ولو أن هذا الاسم يقتصر عادة على الأعاصير البحرية المدارية والتي هي نوع من المنخفضات الجوية العنيفة. وهي مناطق ضغط تحيط بها حلقات مقفلة، وقد تكون مصحوبة بالجبهات أو بدونها. ولا يؤثر في التساقطات المطرية من خلايا الضغط سوى الضغط المنخفض الصحراوي .

11ـ 1ـ2ـ1ـ الضغط المنخفض الصحراوي : إنه ضغط جوي حراري يتكون كباقي المنخفضات الجوية من نوعه في العالم بسبب التسخين التفاضلي للهواء بين اليابسة والماء، حيث يصحبها الهواء الدافئ مكونا منطقة ضغط واطئ. وتشكل خطوط تساوي الضغط حلقات مقفلة، وتكون هذه المنخفضات قصيرة العمر وصغيرة المساحة مقارنة بالمنخفضات الجبهوية التي لا يصاحبها طقس ذو قيمة. وتكون ضحلة عادة تعلوها منطقة ضغط عالي، ويصحب تكوين هذا النوع من المنخفضات أمطار غزيرة بسبب حركة الهواء القادم من المحيط الأطلسي الجنوبي الدافئ على شكل رياح جنوبية غربية. ومركز هذا الضغط هو الصحراء الكبرى، حول دائرة عرض 20° شمالا.

  أما نشأته ففي فصل الصيف، ويقوى تبعا لارتفاع درجات الحرارة التي تتبع هي الأخرى للحركة الظاهرية للشمس، ويتركز بالغا مابين 1004 و1006 مليبار. ويجذب إليه الرياح من أقرب مركز للضغط المرتفع منه في هذا الفصل، وهو الضغط المرتفع السنتيلاني، الذي يقترب في الصيف بينما يبتعد الضغط الأسوري شمالا حتى غربي أوربا. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن الصحراء الكبرى تعرف نوعان من الضغط أحدهما مرتفع ويكون في الشتاء والثاني منخفض ويكون في الصيف. ويرجع سبب تكوينهما إلى العامل القاري، حيث يؤدي انخفاض الحرارة أثناء الشتاء (فصل انخفاض درجات الحرارة) إلى نزول الهواء وبالتالي وجود خلايا للضغط المرتفع، وأثناء الصيف (فصل الحرارة) يعمل الحر الشديد على تصاعد الهواء، وبموجب استمرار هذه الحركة تنشأ خلية للضغط المنخفض.

12 ـ الديناميكية السنوية هذا ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذه التقلبات الفصلية في حقول الضغط نتناولها على المستوى الفصلي بواسطة بعض الأشكال التوضيحية كما يلي : خريطة رقم (4) توزيعات الضغط الجوي في فصل الشتاء (يناير)

12ـ 1ـ الحركات الجوية في يناير : يتداخل في هذا الشهر الضغط المرتفع الأسوري والضغط المرتفع المغربي والضغط المرتفع الليبي ـ المصري، ويخيم الكل حوالي دائرة عرض 25° شمالا، ويمتد هذا التجمع الضغطي على كامل التراث الوطني (خريطة رقم 4).

12ـ 2ـ الحركات الجوية في أبريل : يحدث انفصام بين الضغط المرتفع الأسوري والمغربي، ويعرف خط الاستواء الحراري صعودا بسيطا نحو الشمال، وتبدأ تأثيرات الضغط المرتفع السنتيلاني تتزايد في مناطق كان تأثيره في يناير بعيدا عنها كل البعد. ومع هذا يظل الضغط المرتفع الأسوري ـ بفعل الامتداد المائي (المحيط الأطلسي) ـ محتفظا بموضعه. خريطة رقم (5) توزيعات الضغط الجوي في فصل الصيف (مايو) 

12ـ3 ـ الحركات الجوية في يوليو: يلاحظ أن الضغط المرتفع السنتيلاني يحتل مركزه الأكثر شمالية (دائرة عرض 15° جنوبا). في الوقت الذي يظهر أثر خط الاستواء الحراري على السطح واصلا أبعد مكان يستطيع بلوغه نحو الشمال. وقد يذكر بشأن موريتانيا أنه وصلها منذ شهر مايو لكن سيادة الضغط الأسوري جعلته ينحرف إلى داخل اليابس الإفريقي (خريطة رقم 5).

  وجاء يونيو فلوحظ دخوله المناطق الجنوبية. وما إن جاء يوليو حتى تعمق داخل البلاد. أما الضغط الأسوري فتراجع تأثيره إلى أدنى حد له، ولأنه هو الآخر يأخذ وضعه الأكثر تعمقا في الشمال، عند دائرة عرض 40° ش، ويعني أن الآية قد انقلبت، حيث أن هذه الحالة الجوية عكست الحالة التي كان عليها يناير.

12ـ4 ـ الحركات الجوية في أكتوبر : أول ما يلاحظ أن المرتفع الأسوري مال نحو الجنوب، بحيث يؤثر، إلى حد ما، وهذا يبين أن مراكز الضغوط تبين حركة انتقالية نسبية سريعة في القدرة على التأثير. فبعد يوليو، الذي تحدثنا عنه سابقا، جاء شهر أغسطس ووصل فيه خط الاستواء الحراري عروضا أعمق في الجهات الموريتانية بينما تراجع في الجهات الأخرى، وازداد تراجعا في سبتمبر. وهذا اكتوبر، وهو لا يزال مستقرا على السطح الموريتاني، وهكذا يواصل رحلته إلي الجنوب مثل ما جاء منه أصلا. ويمكن أن يستشف مما سبق أن موريتانيا تقع تحت تأثير الضغط الأسوري أكثر من أي ضغط آخر، وسواحلها خصوصا تقع تحت تأثيره طيلة تسعة شهور من السنة. وإذا كانت خلايا الضغط الدائمة تتحكم في حركة الكتل الهوائية العامة، فإن الحركات الموسمية تفسر وجود مراكز ضغط موسمية ومحلية وظرفية. وهذا يؤدي إلى نشوء دورة هوائية خاصة تفسر الكتل الهوائية السائدة. هذا ويلاحظ أن انتقال الشمس الظاهري ما بين المدارين أدى إلى انتقال مناطق الضغط، مما ينعكس مباشرة على حركة الهواء.

13ـ الجبهات الجبهات أو التتابعات الهوائية هي سطح أو منطقة انتقالية تفصل بين كتلتين هوائيتين مختلفتين في الخصائص. وهناك ثلاثة أنواع من الجبهات هي : 
الجبهة الباردة والجبهة الدافئة والجبهة الممتلئة.

  والجبهة الدافئة تتكون من التقاء كتلتين هوائيتين إحداهما باردة والأخرى دافئة، ويحل الهواء الدافئ محل الهواء البارد، عكس ما يحدث في الكتلة الباردة أثناء تحرك الجبهة، ولذلك تكون الجبهة بطيئة الحركة نسبيا وقليلة الميلان وميلها نحو الأمام. والجبهات الدافئة يصحبها تكاثف السحب على نطاق واسع وبشكل متسلسل من الارتفاع والتنوع عند اقتراب الجبهة الدافئة حيث تظهر السحب العالية (السمحاق CS وCI) ثم تليها السحب المتوسطة (AS وAC) فالواطئة الممطرة (NS) وذلك بسبب الصعود البطيء للهواء الدافئ (بضع سنتيمترات/ثانية)، ويرافقها إقبال الرياح، وترتفع درجات الحرارة والرطوبة، وتنعطف خطوط تساوي الضغط الجوي مع انخفاضها، وتتعاقب السحب باقتراب الجبهة بدءا بالسحب العالية (CS وCI)، وإذا كان الجو غير مستقر تحولت CS إلى سحب موجبة متقطعة أشبه ما تكون بأصداف السمك ثم تصل السحب المتوسطة مثل (AS وAC)، ويبدأ سقوط المطر من السحب AS ثم تليها السحب الواطئة مثل (NS وSI وSC) وأحيانا CB. وهكذا سوف يسقط المطر على نطاق واسع ولساعات طوال بسبب بطء حركة الجبهة الدافئة.

13ـ1ـ خط الاستواء الحراري : في تركيبة الجبهة المدارية يلاحظ أن الطبقة السفلى والتي تتمثل في الرياح الموسمية تعلوها الرياح التجارية الشمالية. التتابعات الهوائية الفاصلة لهاتين الطبقتين هي المسماة خط الاستواء الحراري. وهو يتحرك من خط الاستواء الجغرافي جنوبا في فصل الشتاء الشمالي وشمالا في فصل الصيف الشمالي. وتبعا لدوران الأرض حول الشمس يدخل في المناطق الجنوبية في أواخر مايو وأوائل يونيو ويستمر على شكل منحنى وينتهي في اكتوبر أو قبله. وهو في العادة لا يتعدى وسط البلاد، لكنه قد يصل في بعض السنوات حتى أقصى الشمال (خريطة رقم 6) في فصل الصيف. وبنهاية رحلة عودته يتوقف هبوب الرياح الموسمية وتنقطع الأمطار. 

  وتعد السنة التي يبتعد فيها شمالا رطبة لكثرة ما يسقط فيها من أمطار وعلى أكبر مساحة، والسنة التي لا يتعدى فيها حيزا بسيطا جافة. ويبين أثر خط الاستواء الحراري على السطح الحدود القصوى للرياح الموسمية (خريطة رقم 6). ويعني وجود خط الاستواء الحراري ابتعاد الجبهة الأليزية. خريطة رقم (6) الجبهة المدارية والرياح في فصل المطر (أغسطس).

13ـ2ـ الجبهة الأليزية : إنها جبهة مدارية تنشأ بفعل التقاء الرياح التجارية القارية بالرياح التجارية البحرية، إنها إذن الحد الفاصل على المستوى الطولي بين الكتلتين المتحركتين. ومهما يكن من أمر فإن تقطيع حزام الضغوط المرتفعة إلى خلايا انفرادية بحرية وقارية تنشأ عنه عند تماسها تباينات في الحرارة والرطوبة. وتتطور الجبهة خاصة عندما يكون التباين بين الهواء البحري الرطب البارد والهواء القاري الجاف الحار، كبير جدا. وفي موريتانيا بصفة رئيسة، ولأن الصحراء تعلوها الجبهة القارية الأكثر انتشارا وثباتا، وتحتك مع الخلية البحرية الأسورية، هذه الجبهة الواقعة بصفة عامة بين الكتلتين الهوائيتين يكون اتجاهها شمالي ـ جنوبي أو شمالي شرقي ـ جنوبي غربي، والخريطة رقم (7) تبين ذلك.

  وهذه الجبهة ـ كما واضح من الخريطة رقم (7) ـ لا تخرج إطلاقا من البلاد، لكن موضعها متغير، ففي فصل الصيف تدفعها الجبهة المدارية إلى الشمال لتصل حدها الأقصى في التعمق دون أن تترك التراب الموريتاني وبانحسار الجبهة المدارية وخروجها من البلاد يسيطر الالتقاء الأليزي على كامل المساحة. خريطة رقم (7) تبين حركة الجبهة الأليزية خلال السنة.

  ومن خصائص هذه الجبهة التجانس في الحرارة والرطوبة والاتجاه، ومن حيث المطر عقيمة، ولو أنها حين يكون التباين كافيا لإحداث اضطرابات جوية تتهاطل أمطار في فصل الشتاء. وفي العادة يشاهد أيام سيادتها سرب من السحب، وفي حالة عدم التماس (خط ضعف) أيضا في حزام الضغوط المرتفعة المشار إليه آنفا (الأسوري ـ المغربي ـ الليبي ـ المصري) يتسرب الهواء القطبي البارد، ويمكن أن تنشأ على طول هذا الخلل الضغطي حتى حوالي دائرة عرض 20° شمالا سحب تعطي أمطارا قليلة (رش) محدودة الفائدة، حيث هذه الأمطار المسماة "هوگ" Heug تشاهد دون وضوح في ديسمبر ويناير وأحيانا فبراير لكن لا تتعدى أيدا 20ملم.

   وفي مقال لمحمد خالد الكيلاني، نقرأ ما يلي : " لقد مرت بريطانيا هذا العام بتطور مناخي غريب حيث استمر تساقط الثلوج حتى شهر ابريل، مما حير العلماء، والتفسير المنطقي الذي شاهدوه هو أن التيارات المناخية العالية أو ما يسمى بالتيارات النفاثة Jet stream القادمة من الأطلنطي قد انقسمت هذا العام إلى قسمين: القسم الأول اتجه كالمعتاد إلى أوروبا. وأما القسم الثاني فقد اتجه جنوبا إلى حوض البحر الأبيض المتوسط، ولعل هذا هو سبب تغير اتجاه السحب الممطرة فجعلها تتجه نحو الصحراء الكبرى. ويبدو أن القسم الذي يخصهم قد أنحبس بفعل ضغط عال مما أدى إلى برودة الطقس.

   والجدير بالذكر أن هذه التيارات العالية هي التي تؤثر في الطقس أسفل منها وهي المسئولة عن التغيرات المناخية غير أنها هي الأخرى عرضة للتغير.

  وأمور التغير المناخي صارت تناقش على نطاق واسع والنتيجة في النهاية يراها كل ذي بصيرة، ويحتاج الباحثون المعنيون إلى إجراء دراسات أو أبحاث أو تشكيل لجان متخصصة، وعليهم مراقبة الطقس ومقارنته بما كان عليه في السنوات الماضية. من الصورة الجوية نستطيع أن نرى أمرين في غاية الأهمية، الأول هو هطول الأمطار في الصحراء الليبية والصحراء الكبرى، والثاني والأهم هو مصدر تلك السحب الممطرة، إنها تأتي مباشرة من المحيط فسبحان من قال : "أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ " السجدة 27. فالمتأمل في السورة يستطيع أن يرى بوضوح كيف أن هذه الأمطار قد سيقت كما تساق الإبل في الصحراء إلى هذه الأرض التي ظلت ميتة لقرون طويلة. وما تعودنا عليه فيما مضى هو أن السحب الممطرة تأتينا إما من الغرب أو الشمال وما بينهما.

  وفي أغلب الأحيان تلقي هذه السحب الممطرة بثقلها على المناطق الجنوبية وبالكاد تصل إلى وسط البلاد و يضمحل تأثيرها على الشمال. فوصول هذه السحب الممطرة من الغرب هو تطور مثير للغبطة. والأمر الآخر الذي نلاحظه هو التوقيت فهذه السحب الممطرة بدأت تحل علينا مع نهاية فصل الربيع وقرب إطلالة فصل الصيف مما يعني أن التغير المناخي هو بالفعل في صالحنا.

   ففي أفريقيا الاستوائية تهطل الأمطار طول العام وهذا هو سبب وجود الأنهار والغابات وكل ما يصحبها من حيوانات وأنعام وطيور وخيرات. وإذا ما استمر هذا النمط المناخي، فلا يخفى على أحد أن هذه الصحراء الكبرى ستتحول إلى مروج ترعى فيه الأنعام كما كانت في القرون الغابرة.

14ـ نظام المطر يعرف التوزيع الفصلي لكمية الأمطار الساقطة على كل إقليم من الأقاليم وهذا ما يعرف بنظام المطر وهي:

• النظام السوداني ويظهر في الأقاليم التي تقع بين خطي عرض 5° - 20° شمال وجنوب خط الاستواء وخاصة في غرب إفريقيا، وأهم ما يميزه سقوط الأمطار صيفا عندما تتعامد عليه الشمس ويبلغ متوسط ما يسقط من الأمطار حوالي نصف متر في السنة.

• النظام الموسمي ويوجد في المناطق التي تقع شمال الإقليم السوداني، وهو يشبهه من حيث سقوط الأمطار صيفا إلا أن الأمطار الموسمية أشد غزارة. ويتذبذب المطر في كميته وفي طول سقوطه من سنة لأخرى.

• النظام الصحراوي ويوجد بين خطي عرض 18°م و30° شمال وجنوب خط الاستواء، ويكاد ينعدم به المطر نظرا لوقوع الصحارى في مهب الرياح التجارية.

15ـ أثر الحركات الجوية في غرب إفريقيا على سقوط المطر في موريتانيا إن امتداد موريتانيا يجعلها تتمتع بمناخات متنوعة، تتأرجح بين المناخ الساحلي الرطب في جنوبي البلاد، والمناخ الصحراوي الجاف في شمالي البلاد. وعمومًا تتمتع البلاد بمناخ حار طوال أشهر السنة وأمطار صيفية موسمية عدا السواحل الشمالية وبعض ولايات الشمال التي تكون أمطارها شتوية متأثرة بمناخ البحر المتوسط. وأمطار موريتانيا فصلية تسقط في فصل الصيف وترتبط بتوغل الرياح الجنوبية الرطبة شمالاً. ويرتبط المطر بحركة الفاصل المداري وهو الحزام أو الجبهة التي تفصل بين الهواء الرطب القادم من المحيطات الجنوبية والهواء الحار الجاف القادم من الشمال. وتتراوح شهور المطر من خمسة شهور في جنوبي البلاد، إلى شهر واحد أو أقل في الجهات الشمالية. فبينما تزيد كميات الأمطار السنوية على 500ملم في الجنوب، فإنها تقل عن 5ملم في الحدود الشمالية عند مدينة انواذيبو.

  والمطر في هذا الإقليم يرجع إلى الأمطار الجبهوية، وهو المعروف ليس في موريتانيا فقط وإنما في كل غرب إفريقيا حيث هبوب الرياح الموسمية الجنوبية الغربية. وقد وصف عبد العزيز طريح شرف الكيفية التي ينزل بها هذا النوع من المطر حرفيا كما يلي: "تبدأ خفيفة في مقدمة المنخفضات، وتزداد نوعا ما عند مرور الجبهة الدافئة، وكذلك عند مرور قلب المنخفض، وتأتي الأمطار في هذه المرحلة سحب خفيفة عالية أو متوسطة الارتفاع، لكن لا تلبث الأمطار أن تنهمر بغزارة عند مرور الجبهة الباردة، وتأتي بصورة زخات يزداد تباعدها كلما ابتعد المنخفض الجوي حتى تنتهي، ويصفو الجو.وكما أن أحداث هذا النوع تسير بالترتيب الزمني المذكور فإن توزيعه الإقليمي يكون مرتبطا كذلك بخط سير المنخفض الجوي أو الإعصار، وتتوقف كمية المطر وغزارته على عنف المنخفض الجوي أو على موقع المكان بالنسبة للقطاعات المختلفة للمنخفض".

   إن هذا التوزيع غير المنتظم للأمطار على المساحة، و الذي أشارت إليه صيغة نزول المطر تدعمه معاملات الاختلاف المحسوبة منذ نشأة كل محطة. والجدول رقم (2) يظهر أن معامل الاختلاف يتزايد بالاتجاه نحو الشمال، ويختلف توزيع الأمطار من حيث الكم والكيف وطول الفصل بين المحطات.

جدول رقم (2) يبين معامل الاختلاف النسبي المحطة معامل الاختلاف المحطة معامل الاختلاف
بئر أم قرين 151.2
كيفه 6.6
انواذيبو 104.4
كنكوصه 5.4
ازويرات 99.7
ألاك 5.2
انواكشوط 98.9
النعمه 5 روصو 16.7
تنبدغه 5
تجكجه 12.5
لعيون 4.4
بتليميت 10.2
كيهيدي 4.3
بوقي 6.8
سليبابي 3.8
المصدر : بشيري ولد محمد، مناخ موريتانيا ـ دراسة إقليمية كمية، بغداد، معهد البحوث والدراسات العربية، 1990، ص 121.

  إن ارتباط الأمطار بالدورة الهوائية العامة وثيق، فكلما قوت هذه الدورة كان ذلك مدعاة للتبادل بين العروض المدارية والقطبية، وعندها تقوى الجبهات الهوائية في العالم كله. فهناك سنوات تقوى فيها الدورة الهوائية وبصفة عامة، وتزداد كميات المطر، وهناك سنوات أخرى يختلف الوضع، حيث تضعف الدورة الهوائية وتضعف الجبهات ويضعف تبادل الهواء بين العروض المختلفة ويقل المطر. وليس هناك تفسير نهائي لما يصيب الدورة الهوائية العامة من قوة وضعف، غير أنه يمكن القول بأن أفضل الاقتراحات هو ما يربطها بقوة الإشعاع الشمسي وضعفه من وقت لآخر، ودرجات الحرارة المتولدة عنه، ويجزم يوسف فائد قائلا "والأمر المؤكد بالنسبة لمنطقتنا أن كمية المطر بها تتأثر بموقع الجبهة المدارية ومدى عمقها وبقوة الرياح الموسمية وكمية بخار الماء التي تحملها، وهذا أمر متغير من سنة لأخرى بل من يوم لآخر خلال موسم المطر". وهذا يذكرنا بما ذهب إليه دوكوري فكتوري وآخرون حين أرجعوا نقصان الأمطار في سنة 1972 على سواحل السنغال إلى حركة غير مألوفة للنهاية العظمى للضغط الأسوري. ومن ملاحظات لامبيرگون: "إذا كانت الضغوط مرتفعة على آبدجان وضعيفة على انواذيبو في نفس الوقت، تكون الأمطار فوق المتوسط في الأقاليم الساحلية، وبالعكس يحدث العكس." أما الدكتور لروكس فذكر ما معناه أنه عندما يكون الشتاء في نصف الكرة الجنوبي بارد جدا يبتعد منه خط الاستواء الحراري إلى الشمال فتكون الأمطار غزيرة على غرب إفريقيا، ويحدث العكس عندما تخف البرودة في نصف الكرة الجنوبي. وهذا أن الرياح المصاحبة للجبهة المدارية تتقدم باضطراد من الجنوب إلى الشمال عند قدومها وترسب أمطارا تبعا لمدى تعمقها، ومن الشمال إلى الجنوب عند إدبارها.

  وهناك نقطة هامة تستحق الإثارة تتوقف على هذه الحركة وهي أن المحطات الجنوبية تعرف فترة رياح موسمية أطول من الفترة التي تشهدها المحطات الشمالية. ويرجع صلاح الدين الشامي وفؤاد الصقار في كتابهما جغرافية الوطن العربي الكبير إلى الحالات التي تصيب الضغط بسبب الحرارة، ويذكران بالنص: "وجدير بالذكر أن ارتفاع الحرارة على الصحراء الكبرى يتسبب في نشاط ضغط جوي منخفض، كما تسبب حركة الشمس الظاهرية في حدوث التحام بين هذا الضغط والضغط المنخفض الاستوائي الذي يزحف شمالا. ومن ثم يشد الضغط المنخفض إليه الرياح ... ويمكن القول إن المطر مرجعه إلى حالات التسخين الشديد لمساحات السطح إلى الحد الذي يدعو إلى حركة الهواء وحمولته من الرطوبة صعودا إلى أعلى، وهو إذ يصعد يصادف تيارا هوائيا باردا يعبر النطاق السوداني كله من الغرب إلى الشرق، ومن ثم تتاح الفرصة للتكاثف والتساقط ... كما أن التقاء الهواء الساخن الرطب الصاعد مع هواء التيار العلوي البارد يتسبب في نشوء حالة من حالات عدم الاستقرار في حالة الطقس، وتكون أقرب ما تكون للزوبعة المدارية.

  ويسجل الباحث احتمالات سقوط المطر بصفة عامة في ساعات ما بعد الظهر حيث تتهيأ له الظروف المساعدة." وقد يسبق سقوط المطر هبوب رياح عاصفة عزى إليه ملر الأمطار التي تسقط في فصل الصيف، ورأى أي من بين مميزاتها أنها تهب فجأة وأنها قوية عاتية، وأنها تهب أثناء الليل، ولا تبقى مدة طويلة، ولا تؤثر إلا في مساحة محدودة، ولا يسبق هبوبها ما ينذر بقدومها، وإن كان في بعض الأحيان يسبقها وميض برق. وعندما تهب هذه الرياح تتغير الأحوال الجوية فجأة، فالهواء الساكن يتحول بسرعة فائقة إلى رياح قوية والهدوء الشامل تمزقه قعقعة الرعد ثم تنهمر الأمطار بعد ذلك انهمارا عظيما. وبعد نصف ساعة فقط ينتهي كل شيء فتهدأ الرياح ويكف المطر ويعود الهدوء الشامل كما كان. والمهم أن الأمطار في الصيف تتناقص كمياتها كلما اتجهنا من الجنوب نحو الشمال، وفي الشتاء تتناقص كمياتها كلما اتجهنا من الشمال نحو الجنوب. وهذا ينتج عن التوزيع الفصلي لمراكز الضغط. ففي فصل الصيف تسقط الأمطار على أغلب المحطات لكن تكراراتها تتناقص بالاتجاه نحو الشمال، وتغيراتها السنوية تتوقف على ارتفاع وانخفاض الرطوبة في الهواء القادم من خليج غينيا. وفي الشتاء ترتبط الأمطار بنظام الأمطار الجبهوية في البحر المتوسط. ونادرا ما تسقط، وتقل كلما اتجهنا نحو الجنوب، إنها الأمطار المسماة هوق Heug.

   أما بالنسبة لتراجع الأمطار في الفترة الأخيرة فأكده يوسف فايد بقوله "إن كميات المطر قد قلت فعلا في السنوات الأخيرة، وعلى مدى الخمسين سنة أو المائة سنة الأخيرة. وأضاف لامب تتعرض منطقة الساحل الإفريقي للجفاف، وليس من المؤكد أن هذه الجفاف الطويل المدى في السنوات الإثني عشر هو مظهر يتكرر كل مائة سنة، ولكن البيانات تشير إلى ما يعضد عودة فترة الأمطار الوفيرة التي امتدت ما بين سنة 1910 أو ما قبلها حتى سنة 1960.

  ويبدو أن حوادث السنوات الحديثة مرتبطة بانتقال نطاق الأمطار فصليا على جانبي خط الاستواء، قد أخذ يقل مداه ويتركز أكثر في خطوط عرض قريبة من الدائرة الاستوائية. ويبدو ـ يقول لامب ـ أن التطورات التي أدت إلى حدوث الجفاف في إقليم الساحل مستمرة. وقد أظهرت الاختلافات السنوية مجموعة من الحقائق يمكن إجمالها في : أن تتابع السنوات الممطرة لا يتشابه من محطة لأخرى، وقد لوحظ أن بعض السنوات كثيرة العجز مثل 1941 ـ 1942 حيث شمل أغلب المحطات، عكس سنوات 1951 ـ 1952 التي عرفت فائضا في المياه. وعموما نجد السنوات العشر ما بين 1941 ـ 1950 أقل مطرا من السنوات 1931 ـ 1940، كما أنها أقل بصفة خاصة من السنوات 1951 ـ 1960 التي تميزت بارتفاع كمية التساقط، ولذا سميت ب"سمنة البقر"، وأما الفترة 1961 ـ 1970 فكانت متباينة بينما تميزت سنوات 1970 ـ 1974 بجفاف ذو كوارث عامة وقحط ومجاعة.

   وعلى أية حال فإن حالة تناقص الأمطار بدأت منذ العصور الوسطى عندما أخذ مناخ موريتانيا في الجفاف بشكل بطيء. فكل جفاف يسجل مرحلة من هذا التراجع في كميات المطر. ولن ننتهي قبل إضافة ما ترجمه شاهين عن كينث والطون في هذا المضمار، ولو أنه قد يخالف ما سبق، جاه فيه : "وربما تكون ظاهرة عدم الاستقرار المكاني أمر ذا بال عندما يتعصب المرء لفكرة الجفاف التام لأي جزء من الأرض، وقد أبانت خطوط الطيران المنتظمة فوق الصحراء الكبرى أن هناك أشرطة ضيقة من المناطق المطيرة تمتد مئات الكيلومترات نطاق المطر الذي امتد سنة 1943 من داكار إلى جنوب المغرب".

   واعتمادا على كل ما سبق يمكن القول بأن الأمطار في بلادنا تعرف المطر كل سنة ولو مرة، لكن تقسيمه ليس متساويا، فقد لا يكون في وقت واحد، إلا أنه إجمالا بين أوائل وأواخر فصل الصيف (أي عندما تكون كثافة الرياح الموسمية ضعيفة) يعود إلى زوابع منعزلة تتولد في جوف سحابة ركامية (Cumulus) ذات تطور عمودي كبير، وفي قلب الصيف يرجع إلى خطوط عصارات (جمع عصرة grain) قادمة من الشرق أو إلى الرياح الموسمية، أما أمطار الشتاء فمرتبطة بانسياب الهواء القطبي ووصوله المنطقة. وخلاصة القول أن الأمطار نادرة لأن أيام سقوطها محدودة وفصلها معروف وقصير مقارنة بطول فصل الجفاف: خمسة شهور على الأكثر تمثل فصل المطر، حتى أنه قد لا يزيد في بعض السنوات على ثلاثة شهور بل قد يصل أدنى منها. 

   والأمطار بصفة عامة تتناقص بالاتجاه من الجنوب نحو الشمال، ومن الغرب نحو الشرق. ويرى الباحث من غير المعقول الحكم بالندرة أو الديمومة على الأمطار نظرا لعدم توفر إحصاءات لفترة طويلة يمكن على أساسها بناء الحكم. فقد تؤخذ المعلومات في فترة جفاف فيقر صاحبها بندرة الأمطار، وقد تؤخذ في فترة مطيرة فيحكم بغزارة الأمطار. والمشكلة الأساسية هي كون كل المحطات حديثة النشأة لم يمض على أطولها عمرا قرن واحد. ففي أوائل السبعينات كان بالإمكان الحكم على الأمطار بالندرة بينما كان ينبغي الحكم عليها بالغزارة في بداية الخمسينات. وعند مقارنة المنطقة بتلك الموجودة إلى الجنوب منها، وبتلك الواقعة إلى الشمال منها يجد المرء نفسه مضطرا لأن يحكم عليها بالقلة مقارنة بالمنطقة الجنوبية وبالكثرة مقارنة بالمنطقة الشمالية.

  ولقد نشر في الأنباء السعودية (واس) ما قالت الأمم المتحدة: " اليوم الأحد الموافق 6 سبتمبر 2013 قتلت السيول والفيضانات في غرب إفريقيا نحو 70 شخصا وتركت مئات الآلاف يواجهون مخاطر صحية في موسم الأمطار. وأوضح المدير الإقليمي لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأمم المتحدة ايرفي لودوفيك دي ليس / أن نحو 430 ألف شخص في بوركينا فاسو والسنغال ومالي وموريتانيا وساحل العاج تعرضوا لأضرار في منازلهم ويواجهون مخاطر صحية مرتبطة بنقص مياه الشرب النقية وتدهور الوضع الصحي ومشاكل أخرى. وتعد دورة السيول والجفاف التي تضرب الكثير من الدول الإفريقية كل عام عقبة رئيسة أمام التنمية الاقتصادية، لذا يريد زعماء أفارقة من قمة الأمم المتحدة لتغير المناخ، التي تعقد في كوبنهاجن في ديسمبر المقبل، أن تعترف بصلتها بظاهرة الاحتباس الحراري العالمية.

قائمة المراجع

1- أبو العينين، حسن سيد أحمد، أصول الجغرافيا المناخية، ط 1، بيروت، الدار الجامعية للطباعة، 1981.

2- جودة، حسنين جودة، الجغرافية الطبيعية والخرائط، الإسكندرية، 1982.

3- الصحاف، مهدي، ومصطفى طاهر ولد صالح، هذه موريتانيا، بغداد، دار الرشيد للنشر، 1980.

4- صلاح الدين علي الشامي وفؤاد محمد الصقار، جغرافية الوطن العربي الكبير، ط 3، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1975.

5- لامب، هـ. هـ.، التغيرات المناخية وإنتاج الغذاء، ترجمة طه محمد جاد، الكويت، الجمعية الجغرافية الكويتية، 1982،

6- ليبولر، لونا . ب.، الماء هو الأساس، ترجمة رياض حامد الدباغ ومحمد شامل دحان، الموصل، جامعة الموصل، 1979 .

7- ملر، أوستن، علم المناخ، ترجمة محمد متولي وإبراهيم زرقانه، ط 2، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1985.

8- المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، دراسة مسحية شاملة، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1976.

9- النجم، فياض، وحميد مجول، فيزياء الجو والأرض، الأنواء الجوية، ط1، 1981، الجزء الأول.

10- والطون، كينث، الأراضي الجافة، ترجمة علي عبد الوهاب شاهين، الإسكندرية، منشأة المعارف، 1976.

11- الولاتي، بشيري ولد محمد، جغرافية موريتانيا، انواكشوط، نشر، 1993. 12ـ الولاتي، بشيري ولد محمد، مناخ موريتانيا ـ دراسة إقليمية كمية، بغداد، معهد البحوث والدراسات العربية، 1990.

13ـ مجلة "حوليات كلية الآداب والعلوم الإنسانية"، عدد3، 1994. 14- مجلة كلية الآداب، جامعة الرياض، مجلد 8، 1981.

14- ASECNA, Tableaux climatologiques mensuel, NKTT,. 

15- Charles TOUPET et J.R.PITTE, La Mauritanie, Col. « Que sais je ? ». Leroux, Marcel, Le climat de l’Afrique tropicale, Thèse d’Etat, 1980. 

16- Ould Merzoug,, Mohamed Salem, Contribution à la connaissance et à la gestion des ressources hydrique d’origine pluviale en Mauritanie, analyse spatiale et temporelle de temporelle de la pluviométrie, Tunis, Thèse de DTS, 1987. 

17- Xavier De Planhol et P. Rognon, (1970), les zones tropicales et subtropicales, paris, service géographie, col. « U ».


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق