الصفحات

الاثنين، 28 نوفمبر 2016

معوقات المواءمة بين مخرجات التعليم و التدريب المهني واحتياجات و شروط سوق العمل : دراسة حالة: التجربة الليبية

معوقات المواءمة بين مخرجات التعليم و التدريب المهني

واحتياجات و شروط سوق العمل

دراسة حالة:  التجربة الليبية

 بحث مقدم للندوة القومية حول دور منظمات أصحاب الأعمال في تضييق الفجوة القائمة بين مخرجات التدريب و احتياجات سوق العمل
8-10  11-2009
برعاية منظمة العمل العربية- القاهرة

إعداد الباحثان:
الدكتور: مرعي عبد الله المغربي
رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة و الصناعة- بنغازي ليبيا
أستاذ مساعد بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية- جامعة قاريونس- ليبيا 

الدكتور: أبوبكر محمد الودان
رئيس و مدير عام لجنة الإدارة بمصرف الادخار و الاستثمار العقاري طرابلس- ليبيا
أستاذ مساعد بأكاديمية الدراسات العليا- طرابلس- ليبيا


هدف البحث و منهجه
تمهيد
غني عن القول أن التعليم و التدريب يعدان من الأدوات الرئيسية التي تساهم في تكوين الإنسان و إعداده للعمل، و قد مر التعليم و التدريب علي مختلف العصور بمراحل مختلفة، إذ انتقلت مهامه من الأسرة إلي المعلمين الحرفيين و إلي المدارس و المعاهد و الجامعات و ذلك بعد تطور تقنيات ووسائل العمل التي أصبحت هذه تحتاج إلي معارف و مهارات متطورة. و لقد علقت الآمال و الطموحات علي المؤسسات و المراكز التعليمية في توفير قوي عاملة لتوفير فرص العمل المتاحة أكثر إنتاجية و ملائمة لحاجات التنمية، إلا أن هذه الآمال و التوقعات أصيبت كثيرا بالإحباط و خيبة الأمل بعد التطور العلمي و التكنولوجي الهائل وأصبحت معظم المؤسسات التعليمية و التدريبية عاجزة في كثير من الدول النامية علي تحقيق رغبات و حاجات المجتمع في مواكبة التطوراتالتقنية التي ُفرضت علي آليات سوق العمل. هذا الوضع الجديد، دفع الكثير من المخططين و الباحثين و حتى صناع القرار بضرورة مراجعة حساباتهم و أبحاثهم لجعل أنظمة وإستراتيجية التعليم و التدريب قادرة علي المساهمة الحقيقية في تأهيل أو إعادة تأهيل الموارد البشرية وفقا لمتطلبات و شروط العمل الجديدة.


هذا البحث هو بمثابة محاولة لرصد و تحليل أهم الإشكاليات و المعوقات المتعلقة بمخرجات التعليم و التدريب و ارتباطها بسوق العمل مع الإشارة إلي التجربة الليبية في هذا الصدد.
حيث اعتمد هذا البحث علي منهجية انقسمت في استخدام المدخل التاريخي و ذلك بقصد معرفة و تحليل المنطلقات الفكرية والعلمية التي ساقها المهتمين بموضوع بحثنا هذا. ثم اعتمادنا علي منهج دراسة الحالة باعتبار إن هذا البحث يركز بشيء من التفصيل علي التجربة الليبية كحالة دراسية و قضايا التعليم و التدريب المتعلقة بسوق العمل في ليبيا. و انطلاقا من ذلك، فأن المحاور الرئيسية التي يناقشها هذا البحث تكمن في الأتي:

المحور الأول: المقدمة
المحور الثاني:  تقارير التنمية البشرية حول واقع التدريب المهني في الدول  النامية(نظرة عامة)
المحور الثالث:   الأهداف العامة للتدريب
المحور الرابع: الأوضاع و المؤشرات العامة لعملية التدريب في ليبيا
المحور الخامس: معوقات تخطيط التعليم العالي و إهمال برامج التدريب في التجربة الليبية
المحور السادس: المشروعات الصغيرة و المتوسطة وهموم سوق العمل في ليبيا
المحور السابع: دور المشروعات الصغيرة في توفير فرص عمل لليبيين
المحور الثامن: الخاتمة و النتائج

أولا: المقدمة
بدأ التدريب كأي سلوك إنساني، و تطور بعدها عبر التاريخ حيث يعتبر التدريب وسيلة لتطوير العاملين، و بأساليب و طرق علمية مختلفة تتفق مع طبيعة التطورات التي تحدث عبر العصور، إذ أن أول عملية تدريبية للعمال كانت في مكان العمل، حيث تعلمواكيفية أداء أعمالهم عن طريق التدريب، "و يبدو أن أول القواعد و القوانين التي تحكم هذا التطبيق قد ظهرت متمثلة في قانون حامورابي الذي اهتم بالصناعات اليدوية، فعملية التدريب في فترة من الزمن كانت احدي الطرق التي تستخدم لتدريب الأطباء و المحامين، و عموما، فأن أول مدرسة ظهرت في أمريكا عام (1818) و كانت تسمي "المعهد الميكانيكي لولاية أوهايو" و في نهاية القرن التاسع عشر تم الاعتراف رسميا من قبل  القائمين علي الصناعة الأمريكية بالحاجة الملحة إلي البرامج التدريبية و قد أنشئت عدة مدارس لهذا الغرض".(1)

يمكن القول انه بعد الثورة الصناعية و ما ترتب عليها من تطورات منهجية تضمنت كل أساليب و طرق التفكير، و من تغييرات كمية و نوعية شملت كل و سائل العمل و الإنتاج التي انعكست بشكل عام علي مظاهر الحياة و علاقاتها المختلفة، حيث تركز معظم هذا التحول علي الجوانب المعرفية و ضرورة تنمية المهارات ليتمكن الإنسان من خلالهما فرض سيطرته علي هذه المعارف و المهارات التي تتراكم لديه بسرعة كبيرة جدا.

و مع إطلالة القرن الواحد و العشرين و في ظل بروز مفاهيم متعددة مثل العولمة و اقتصاد السوق و ما يحدث من تطور متسارع في المجالات التقنية و المعلوماتية، كل ذلك يحدث في عصر يتسم بالمنافسة الشرسة و التطورات التكنولوجية المستمرة، الأمرالذي يعكس مدي الاهتمام المتزايد بالتدريب من قبل الدول و خاصة الدول النامية لرغبتها في الارتقاء بأداء الإفراد و تطوير مؤسساتها الإدارية، حيث أصبحت الحاجة ملحة إلي الانتقال من التدريب بالنشاط إلي التدريب بالنتائج، بمعني أخر" ....تدفع التحولات و التطورات المعاصرة الحكومات أكثر من أي وقت مضي إلي أن تعتبر التعليم و التدريب مصدرا إنتاجيا، لا سلعة استهلاكية. وأصبحت الدول تنقل اهتمامها إلي حد كبير من التعليم إلي التدريب. و أضحت الكليات الفنية

________________________________
(1)عمار كشرود، اتجاهات المديرين نحو أساليب التطوير الإداري وعلاقته بالمتغيرات الشخصية و الوظيفية : دراسة ميدانية للمديرين في المنظمات الصناعية الليبية ببنغازي، دراسة غير منشورة، بنغازي: كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة قاريونس،2003.
و معاهد التدريب شيئا فشياً - و ليست الجامعات - الهدف الرئيسي للإصلاحات، و تعد الابتكارات التقنية و المنافسة الدولية علي امتلاك الأسواق العالمية من العوامل التي تشجع الدول علي تحسين التأهيل المهني لقوتها العاملة". (2)

إن القرن الحادي و العشرين ليس هو عصر المعلومات المتدفقة فحسب، بل هو أيضا عصر الكفاءة و الفاعلية، حيث أن نمو الدول و تطورها خلال القرن الحادي و العشرين سيعتمد بشكل كبير علي القدرة التي تكتسبها الدول في مجال استخدام المعرفة و رفع مستوي الكفاءة، و ذلك لجعل اقتصاداتها أكثر إنتاجا و أفضل قدرة علي التنافس. أن التدريب يعد من الوسائل الرئيسية التي تستطيع بها الدول النامية و منها الدول العربية آن تعزز بهما الكفاءة و الفاعلية بهدف تخريج الكوادر المؤهلة و المدربة تدريبا عاليا لتحقيق النمو و التطور المستديمين، و كما يقول ماك راي ( (McRae في كتابه الشهير" العالم في عام 2020" The World in 2020] [:

إن محركات النمو القديمة، الأرض ورأس المال و الموارد الطبيعية، لم تعد ذات أهمية، فالإمكانيات الكمية التي درجت تقليديا علي تحقيق الثراء للدول، يجري استبدالها بسلسلة من الخصائص النوعية التي تفرز الجودة النوعية و التنظيم و الدافع و الانضباط الذاتي لدي الناس، و يتأكد هذا الجانب بالنظر إلي الأسلوب الذي جعل مستوي المهارات البشرية يُصبح أكثر أهمية في قطاع التصنيع و في مجال الخدمات الناتجة عن الخصخصة و في القطاع العام" (3).

و انطلاقا من كل ذلك، نجد أن هناك قناعة و اهتمام كبيرين في معظم الدول العربية مثلا بان التدريب أصبح أداة فعالة لعلاج كثير من المشكلات التي تعاني منها العمليات الإنتاجية و الإدارية في هذه الدول، و استقر الرأي لدي الكثيرين من المهتمين بقضاياالإدارة في الدول العربية بأن التدريب أمر مرغوب فيه بشكل مستمر، و انه  إذا لم يحقق المنفعة المطلوبة فليس هناك من ضرر يتوقع حدوثه من ورائه.

بل نجد أن الدراسة التي أعدها المنتدى العربي للتنمية و التشغيل التابع لمكتب العمل الدولي التي ُأعدت في الدوحة- نوفمبر 2008 قد أشارت إلي أن" هناك مشاكل أساسية في المنطقة ترتبط بجودة المهارات الموجودة بين الباحثين عن العمل (بما في ذلك مهارات المبادرة الفردية)، و
_________________________________
(2)"Education Survey", The Economist, November 21,2002.                                                     
(3)             H.McRae,The World in 2020 (Boston, MA: Harvard Business School Press,1994)
,PP12-13.                                                                          
                                                                              
  يعزي ذلك بشكل أساسي إلي عدم المطابقة أو الموائمة بين حاجات السوق و النظام التعليمي و الأداء الهش لأنظمة التدريب المهني و التقني".

  وبالتالي  أضحي معيار تقدم الأمم غير مستند بشكل كبير علي ما تملكه من موارد مادية بل علي ما تملكه من موارد بشرية قادرة علي تحويل هذه الموارد إلي سلع و خدمات. فمن المعروف أن احد أهم الطرق لتحسين إنتاجية المجتمع هو تحسين مهارات القوة العاملة و رفع مستوي التحصيل التعليمي لمواطنيه. في الماضي كانت الدول تركز غالبا علي سنوات التعليم باعتبارها حصيلة تقريبية للمستوي المتوقع من إنتاجية الفرد. و كان ثيودور شولتز (Theodore Schultz) و آخرون يعتقدون بوجود علاقة بين عدد سنوات الدراسة و الدخل الإضافي الذي يمكن أن يحققه الفرد من ناحية، و بين عدد سنوات الدراسة و العائد الاقتصادي الذي يمكن أن يحققه المجتمع برمته من ناحية أخري (4)إلا أن هذه المقولة في تقديرنا تعتبر سوق العمل جهة "محايدة"، و كما قالت باربرا ووتون (Barbara Wotton)"... فالناس يأخذون من العملية الإنتاجية بمقدار ما يضعون فيها من جهد(5). إذ تعني وجهة النظر هذه أن النجاح في سوق العمل يرتبط مباشرا بمستوي رأس المال البشري الذي يملكه كل فرد.


ثانيا: تقارير التنمية البشرية حول واقع التدريب المهني في الدول  النامية          (2000-2006) "نظرة عامة":

  يمكن من خلال قراءة تقارير التنمية البشرية للسنوات القليلة الماضية أن نستخلص الحقائق و المؤشرات التالية عن واقع التدريب المهني في الدول النامية:

1. نظرا لعلاقة التدريب المهني بالمستوي التعليمي للقوي العاملة، فأننا نجد ذلك التركيب بمثابة الهرم ذي القاعدة العريضة الذي يضم الأميين و ما دون مستوي التعليم الابتدائي و الذين يشكلون ما نسبته  تقريبا 48% من القوي العاملة. هذه النسبة المرتفعةتشكل عبئا كبيرا للدول

______________________________
(4)T. W. Schultz, "Investment in Human Capital", American Economic Review vol.51, no.1 (1960):PP1-17; H. Harbison Human Resources as the Wealth of Nations (New York, NY: Oxford University Press, 1973).                                                                                                    (5)B. Wootton, The Social Foundation of Wage Policy, London:  Georage Allen and Unwin, 1995.                                                                                                                                 
                                                                                                      
النامية في وضع خطط و برامج للتدريب المهني تفي باحتياجات العمل و متطلبات استخدام التكنولوجيا الحديثة أو حتى المتواضعة منها، و ذلك علي عكس ما هو موجود في الدول المتقدمة.
  1. إن كل اختصاصي واحد (خريج جامعي أو دراسات عليا) يقابله و في أحسن الحالات فنيين اثنين و ثلاثة عمال ماهرين و أكثر من 60% عاملا عاديا. و يشكل هذا الوضع خللا كبيرا في واقع البنية الهيكلية للقوي العاملة مما يستدعي من السلطات المختصة إتباع سياسات تدريبية إلي جانب سياسات تعليمية تهدف إلي الحد من هذا التوزيع الشاذ للقوي العاملة خاصة إذا ما عرفنا أن تركيب القوي العاملة في الدول المتقدمة هو 20 فنيا لكل اختصاصي واحد و 30 عاملا ماهرا و 13 عاملا عاديا.

  1. إن نسبة الفنيين و المهنيين في القوة العاملة للدول النامية هي نسبة متدنية جدا إذ تبلغ هذه النسبة تقريبا 15% بينما تصل في الدول المتقدمة لأكثر من 40%.

  1. قلة عدد مراكز التدريب المهني نسبيا، ففي المقاييس الدولية نجد وجود مركزا متخصصا لكل 400 فردا من القوي العاملة، بينما نجد مركزا متخصصا بالتدريب المهني في الهند مثلا لكل 3800 فردا. إضافة لذلك فقد نجد أن بعض هذه المراكز عموما لا تقدم إلا خبرة محدودة للمتدربين و قد لا تكون أحيانا متفقة مع احتياجات العمل. 

   عند الحديث عن التدريب وأنشطته المختلفة، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن أي باحث في هذا الشأن هو الركن الأساسي الذي يبدأ به نشاط التدريب، ألا وهو موضوع تحديد الاحتياجات التدريبية ؛ حيث لابد من التعرف على الاحتياجات الحقيقية لأية منظمةٍ قبل أن نضع لها أية خطة لنشاطها التدريبي. ويبين الشكل التالي العلاقة مابين هذه المتغيرات الثلاثة (التنمية الإداريــة، والتدريب ، وتحديد الاحتياجات التدريبية):  
               الشكل رقم  ( 1 ) التدريب والتنمية الإدارية 

ثالثا: الأهداف العامة للتدريب
  تعتبر أهداف التدريب الغايات التي تسعي عملية التدريب إلي تحقيقها، و تتركز الأهداف الأساسية لوظيفة التدريب، كونها تشكل قوة الدفع الرئيسية للأداء و الكفاءة في:

-1  إحداث التوازن في سوق العمل، حيث يؤدي التدريب إلي سد النقص الناتج عن عدم قدرة مخرجات التعليم علي توفير العمالة المتخصصة و القادرة علي ممارسة المهن، و الإعمال المختلفة التي يتطلبها سوق العمل بقطاعيه العام و الخاص.
-2 إعداد الأفراد المعينين حديثا في المنظمة، و جعلهم قادرين علي القيام بأعمالهم الجديدة المسندة لهم بالشكل المطلوب.
-3 مساعدة الأفراد علي ممارسة الأساليب الحديثة بالفعلية المطلوبة، علي أساس تجريبي قبل الانتقال إلي مرحلة التطبيق الفعلي.
-4  مضاعفة المرونة في عملية نقل الأفراد ما بين الأقسام داخل الشركات و المنظمات و الاستفادة من العاملين في بعض المواقع التي قد تؤدي التطورات التكنولوجية إلي الاستغناء عنها، أو تضييق عمليتها، و ذلك بتدريبهم علي العمل في مواقع أخريازدادت أهميتها أو فتح فروع جديدة، أو تم إدخال وظائف جديدة، أو تم استحداثها نتيجة لتلك التطورات أو التغييرات و من ثم نقلها إليه.
5-  يعمل التدريب علي زيادة الأداء و الكفاءة الإنتاجية للأفراد سواء في النواحي السلوكية أو الإشرافية أو الفنية و غيرها.
-6 تنمية مهارات الاستماع للزبائن، و تدريب الذات علي تقبل الانتقادات و الملاحظات التي يدلي بها الآخرون، و التي قد تكون مفيدة لهؤلاء الموظفين.
-7  تقليل وقت أداء الخدمة في المنظمات الخدمية، و تحسين أساليب التعامل مع العملاء مما يزيد من درجة رضاهم عن المنظمة و منتجاتها، و يحسن صورتها في أذهانهم و يدعم مركزها التنافسي.
-8  تحقيق رغبات المتدربين في النمو و التقدم و إشباع حاجاتهم الارتقائية، و هذا بدوره يؤدي ألي رفع روحهم المعنوية و الشعور بأهميتهم. 

رابعا: الأوضاع و المؤشرات العامة لعملية التدريب في ليبيا
   المعاهد والمراكز المهنية العليا و المتوسطة في ليبيا هي مؤسسات تعليمة "على مستوى التعليم الجامعي أو حتى التعليم المتوسط جاء في قرارات إنشائها أنها تعمل على تكوين قاعدة بشرية قادرة فنيا على الإيفاء بمتطلبات خطط التحول الاقتصادي والبناء في مجالات العمل الفني والمهني إضافة إلى العمل في القطاعات الإنتاجية والخدمية المختلفة"(6). وقد زاد عددها من 85 معهدا ومركزا في عام 2000 إلى ما يزيد عن 120 معهدا في عام 2004 (7).

  إلا أنه لوحظ أن العديد من هذه المعاهد و المراكز التدريبية لم يتم تأسيسها وفقا للأغراض التي ُأنشئت من أجلها، حيث لم تتوفر لها المباني والتجهيزات والإمكانيات التي تمكنها من القيام بواجباتها كمؤسسات تعليم عالٍ. ويبدو أن هذا الوضع تعاني منه العديد من المعاهد والمراكز المهنية حسب ما جاء حرفيا في دراسة الضعيف وآخرون(8):

____________________________________
(6)علي الحوات، التعليم العالي في ليبيا: واقع وآفاق، طرابلس: منشورات مكتبة طرابلس العلمية العالمية، (1996)      ص 94.
(7) صبحي قنوص، و آخرون، تقرير حول وضع الجامعات والمعاهد العليا الأهلية بالمنطقة الشرقية، شؤون الخدمات باللجنة الشعبية العامة، تقرير غير منشور،(2004).
(8) رمضان مفتاح الضعيف، و آخرون، المعاهد الهندسية العليا بين الواقع والمستهدف، ورقة قدمت في ندوة التعليم الهندسي والتقني مع بداية القرن الحادي والعشرين، هون،31- 10 - 2001، عدد الصفحات 20.

  1. أغلب مقار هذه المعاهد في الأصل إما أن تكون مدرسة إعدادية أو ثانوية، وعادة ما تكون هذه المدارس أصغر مساحة من المدارس الابتدائية.
  2. أغلب (إن لم تكن كل) المعاهد بدون مكتبات، ولا تتوفر بها أماكن لبيع الكتب.
  3. أغلب المعاهد تعاني من عدم توفر المعامل والورش وللوصول لتدريس المقرر يكتفي بالمتاح والباقي يشرح نظريا.

  فمع النقص في الوسيلة والعجز في الأستاذ والقصور في المقر وعدم اكتراث المسئول المباشر حتى بترتيب زيارات حقلية وميدانية للمواقع المختلفة،  يقضي الطالب أو المتدرب مدته في المعهد ليتخرج بمستوى طالب ضعيف نسبيا.!!

خامسا: معوقات تخطيط التعليم العالي و إهمال برامج التدريب في التجربة الليبية
حظيت القضايا المتعلقة بتخطيط التعليم العالي باهتمام متزايد من قبل المختصين في العديد من الدول خلال العقود القريبة الماضية. إلا أن بعض الباحثين في هذا المجال أفادوا بأن التخطيط للتعليم العالي يحمل في طياته درجة عالية من التعقيد والتداخل(9 .(

   ولعل ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى خاصيتين تميزانه عن غيره من المراحل الأدنى من التعليم، حيث إنه يقدم خدماته لقطاع عريض من السكان كما أن خدماته تغطي مساحات جغرافية واسعةهاتان الخاصيتان اللتان تميزان مؤسسات التعليم العالي أوجدتاإشكاليات وقضايا مركبة بالنسبة للمخططين وراسمي السياسة العامة. هذه الخصائص والإشكاليات حظيت باهتمام متزايد من قبل الباحثين والمهتمين الذين في المقابل أكدوا على أهمية وضع وصياغة المقاييس والضوابط لإغراض تقييم الظواهر المختلفة للتعليم العالي (10).
خلال الفترات الحديثة من تاريخ تطور التعليم العالي في ليبيا شهد هذا القطاع توسعا كميا مضطردا.  و على الرغم من النتائج الإيجابية الملموسة لهذا التوسع الكمي إلا أن العديد من
_______________________________________
(9) M, Nast ‘The planning of higher education in the German Democratic Republic,’ Higher education, Vol. 3 No. 2, (1974) pp. 201-212.                                                                            

Gould, W (1978) Guidelines for school location planning, World staff working              (10)
papers No. 308, The World Bank, Washington D.C.
و انظر في ذلك أيضا، عبد الرحيم محمد البدري، مشكلات التعليم العالي في الجماهيرية، في محمد علي الأعور:  ندوة التعليم العالي والتنمية في الجماهيرية، الجزء الأول،(2006).

المحللين بينوا أن هذا النمو غير المسبوق جاء على حساب النواحي النوعية (أي الجودة). كما أضافوا أن التعليم العالي بصفة عامة صار يعاني من مشكلات عديدة لعل أهمها غياب آليات التخطيط وإجراءاتها حيث أكد البدري إلي ذلك "....بأن هذا التوسع غير المدروس والمفاجئ لانتشار الجامعات و المعاهد العليا في العديد من المدن الليبية دون مراعاة للكثافة السكانية وتوفير الإمكانات المادية والبشرية جاء نتيجة لأفكار وليدة لحظتها دون التفكير في أبسط احتياجات افتتاح جامعة أو كلية جديدة كالمباني الملائمة والجهاز الإداري، وأهم من كل ذلك توافر أعضاء هيئة التدريس لشغل مختلف التخصصات الأكاديمية في هذه الكليات والجامعات المستحدثة"(11).

  يمكن القول بأن معظم خطط وميزانيات التنمية والتحول ركزت على بناء القاعدة المادية للمجتمع والتي اعتبرت ضرورية لانطلاقة التنمية في مختلف المجلات. وقد تجسد ذلك في مشروعات البنية الأساسية بالنظر إلى ضخامة الاستثمارات التي وجهت نحوها. وبالرغم من النجاح النسبي الذي تم في هذا الاتجاه إلا أن ذلك كان في معظم الأحيان قد تحقق على حساب ما يمكن تحقيقه في مجال التنمية الاجتماعية وفي مقدمتها الاستثمار البشريوضمن السياق ذاته انتقد الباحث مصطفي التير القائمين على خطط التنمية ووصفهم بأنهم رسموا تلك الخطط ونفذوها في عجالة، الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى الأداء وعلى العائد المتوقع كما أنهم أهدروا فرصاً ثمينة لا يظن هذا الباحث أنها ستتكرر، حيث ورد في بحثه القيم المعنون ( التعليم العالي والتنمية في ليبيا: نموذج الخط متعدد الألتواءات) بقوله"..... انه بصفة عامة يمكن القول بأن الذين تولوا أمر وضع خطط التنمية وتنفيذها بدؤا وكأنهم في عجلة من أمرهم. لقد كان الهدف الأهم هو تحديث المحيط بأسرع وقت ممكن، وتوفير أهم الإمكانات والخدمات الحديثة لجميع أفراد المجتمع. ولذلك أنجزت خلال سنوات قليلة و بأموال النفط والخبرة المستوردة الكثير من المشروعات التحديثية. وضاعت على المواطنين فرصة ثمينة، لا يوجد ما يشير إلى أن الزمان سيجود بمثلها. ونقصد بها فرصة تدريب عدد كبير من الأطر الفنية المحلية... التي بدورها ستعمل على المحافظة على الإنجازات، وتسريع عملية تحديث المجتمع"(12).  
________________________________________
(11) نفس المرجع السابق، ص ص 148-194.
(12) مصطفى عمر التير، التعليم العالي والتنمية في ليبيا: نموذج الخط متعدد الالتواءات. في: محمد علي الأعور، ندوة التعليم العالي والتنمية في الجماهيرية، الجزء الأول،(2006).

  هذه الصورة من التنمية  المتحيزة نجدها أيضا في قطاع التعليم العالي، فرغم أن التعليم العالي في ليبيا نجح إلي حد كبير في إحداث قفزة نوعية تمثلت في نقل شرائح عديدة في المجتمع من مرحلة التخلف و الأمية إلى مراحل يمكن أن توصف بأنها جيدة، حيث مثل ذلك مسارا مهما للحراك الاجتماعي أفقيا ورأسيا، كما أنه زود القطاعات الاقتصادية الحديثة بالأيدي المنتجة، ولكن رغم كل ذلك فإن العديد من المراقبين المهتمين بقضايا التعليم العالي في ليبيا أفادوا بأن مؤسسات التعليم العالي في حاجة ماسة إلى نظرة تقويمية جديدة وعملية إصلاح جذري تنسجم مع متطلبات و شروط سوق العمل الحديثة المرتكزة علي الكفاءة و الجدارة و الابتكار و الإبداع.

  خلال العقود القليلة الماضية، تم التركيز على التعليم العالي والبحث العلمي إيمانا من الدولة الليبية بأهمية الأخذ بأسباب التطور التقني الحديث في البرامج التنموية. خلال تلك الفترة كان هناك إجماعا عاما بين عدد من المهتمين بأن قطاع التعليم العالي في ليبيا قد شهد تطورا ملحوظا سواء بالقيم المطلقة أو النسبية (جدول 1). هذه الطفرة لم تكن مفاجأة إذا ما أخذنا في الحسبان الأهمية والأولوية التي أعطيت لقطاع التعليم العالي كأداة فعالة تسهم في تحقيق العدالة والمساواة وفي الحفاظ على الهوية فضلا عن دوره المتوقع والمتمثل في تزويد المجتمع بالعناصر عالية الكفاءة والتأهيل التي تسهم في تنفيذ برامج التنمية الشاملة.

جدول رقم (1)
تطور أعداد مؤسسات التعليم العالي في ليبيا خلال الفترة 1956-2004
نوع المؤسسة
1970
1980
1995
2000
2004
جامعة عامة (أساسية)
1
11
11
13
7
جامعة الأقسام
-
-
-
-
20
جامعة أهلية
-
-
-
-
40
جامعة مفتوحة
-
1
1
1
1
معهد أو مركز عالي (عام أوخاص)
4
15
54
84
120
المصدر: المركز الوطني للبحوث التعليمية والتدريبية، 1996؛ تقرير إدارة المعاهد العليا، 2000،  قنوص و الجروشي 2004، ص 4.

  إلا أن بعض المهتمين بقضايا التعليم العالي لاحظوا أن الاهتمام كان موجها في المقام الأول للجوانب المادية  الذي جاء على حساب الجوانب البشرية. ويبدو ذلك واضحا في دراسة الفائدي وإبراهيم في معرض تحليلهما للزيادة الكبيرة في أعداد مؤسسات التعليم العالي على مختلف أنواعها ومستوياتها حيث "....لوحظ أن متوسط عدد السكان الذين تخدمهم الجامعة الواحدة في ليبيا لا يزيد عن 0.3 مليون نسمة في حين أن العدد المتعارف عليه في بقية معظم الدول يصل إلى جامعة واحدة لكل مليون نسمة... كما لوحظ أيضا أن عدد الكليات الجامعية في ليبيا يصل إلى 78 كلية، وأن بعض هذه الكليات لا جدوى اقتصادية من وجودها لعدم توفر الحد الأدنى من التجهيزات العلمية والكوادر البشرية التي تستطيع تسييرها والإشراف عليها، حيث يصل عدد أعضاء هيئة التدريس المغتربين إلى أكثر من 90%."(13).

   أيضا، تغليب الجانب الكمي على الجانب النوعي انعكس سلبا على مخرجات مؤسسات التعليم وأدى بالتالي إلى عدم التناسب بين خريجي هذه المؤسسات والاحتياجات الفعلية للقطاعات الإنتاجية المختلفة. هذا الأمر أدى في السنوات الأخيرة إلى بروز ظاهرة الباحثين عن العمل بين حملة الشهادات العليا. في هذا الخصوص سلط الباحث محمد كعيبة الضوء على هذه المشكلة معللا ذلك بكونها نتيجة منطقية لغياب آليات التخطيط أجرأته حيث أشار "...بأن المتتبع لأداء الاقتصاد الليبي خلال السنوات القليلة الماضيةوعلاقة ذلك باحتياجات سوق العمل، يلاحظ بروز ظاهرة الباحثين عن العمل بين خريجي الجامعات و المعاهد العليا و المتوسطة(14).
إن السؤال الذي يثار في هذه الحالة هو كيف يمكن تفسير تنامي ظاهرة الباحثين عن العمل في الاقتصاد الليبي في ظل وضع ديموغرافي يتميز بالخصائص التالية:
1) صغر حجم السكان الليبيين وصغر نسبة المستخدمين "العاملين" الليبيين إلي مجموع السكان الليبيين والتي تصل في المتوسط في حدود 22%.
2) إن نسبة مساهمة المرأة الليبية في القوى العاملة لا تتجاوز 25%.
3) أن هناك نسبة من القوى العاملة التي تعمل في سوق العمل الليبي هي قوى عاملة غير ليبية... هذا الوضع يمكن تفسيره وذلك لوجود خلل بين مخرجات التعليم الجامعي و المتوسط واحتياجات سوق العمل من القوى العاملة. وإذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة لحل هذه المشكلة، فإنها ستزداد حدة في السنوات القادمة وتصبح الجامعات و مراكز التدريب عبارة عن مؤسسات تعليمية تقوم بتخريج أفراد يبحثون عن عمل ولا يجدونه. لذلك، يجب أن يتم تخطيط عملية التعليم و التدريب بما يلبي حاجات سوق العمل الليبي الفعلية.

___________________________________
(13) محجوب عطية الفائدي وإبراهيم علي محمد،  التعليم الجامعي والعالي وتحديات المستقبل: نظرة تحليلية ونقدية، مجلة قاريونس العلمية، المجلد 10، العدد 2،(1998)،ص ص 187-212.
(14) محمد سالم كعيبة، التعليم العالي وسوق العمل في ليبيا، مجلة العلوم الاقتصادية، المجلد 9، العددان 1 و 2، (1998)،ص ص 179-202.

   خلال المرحلة الواقعة بين أوائل الثمانينات و أواخر التسعينات من القرن المنصرم تغيرت سياسات التخطيط المطبقة حيث تم التخلي عن التخطيط المبرمج " ذو المنظور الزمني بامتداداته الثلاثة المعروفة (قصير، متوسط، طويل) وأصبحت جهود التنمية تتم وفق الميزانيات السنوية، التي في حقيقتها ليست خطة، وإنما هي في الواقع عبارة عن قائمة "مشروعات يستهدف الإنفاق عليها لتوفير خدمة أو سلعة أساسية للاقتصاد الوطني وهذا في واقع الأمر كان نتيجة لأسباب عديدة لعل أهمها الانخفاض في المتوسط السنوي للإنفاق على التنمية بسبب التراجع في أسعار النفط وبالتالي العائدات وكذلك ما سببه الحصار والحظر التجاري الذي اتخذته الدول الغربية ضد ليبيا خلال الفترة 1992-2000 (15).

  خلال فترة الثمانينيات أجريت عدة محاولات وعمليات تقييم للنظام التعليمي برمته، حيث طبقت سياسات وأهداف مختلفة فيما عرف آنذاك بالبنية التعليمية الجديدة. "البنية التعليمية الجديدة في ليبيا التي استندت إلى نظرة حديثة في العلاقة بين التربية والمجتمع، قوامها أن التربية ليست خدمة استهلاكية وإنما هي أداة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في توظيف مستمر للموارد البشرية يؤدي عوائده وثماره إن أحسن استخدامه وتوظيفه "....ووفقا للمشروع المطروح فإن التعليم العالي ينبغي أن يرتبط ارتباطا وثيقا بمراحل التعليم العام ويتكامل معها عن طريق ربط الدراسات التخصصية الدقيقة والبحث العلمي لتحقيق تنمية المجتمع في مختلف المجالات والميادين. غير أنه نتيجة للظروف الاقتصادية غير المستقرة المشار إليها آنفا فإن العديد من الأهداف التعليمية لم يتم تحقيقه (16)
   في الوقت الراهن يبدو كما يحدثنا بورتر و يارقجن (2006) Porter and Yergin أن ليبيا بدأت تنتهج مرحلة انتقالية من التخطيط المركزي الموجه إلى التخطيط غير المركزي المبني على اقتصاديات السوق، هذا التغير في سياسات التخطيط فتح الأبواب على مصراعيها للقطاع الخاص للاستثمار في مجال التعليم العالي كما في غيره من المجالات لمواجهة الطلب     المتزايد على خدماته ونتيجة  لذلك  ازدادت  أعداد   مؤسسات التعليم  العالي  زيادة كبيرة
_________________________________
(15) علي مصطفى الشريف،التوسع في التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل، مجلة البحوث الاقتصادية، المجلد 11، العدد 1 و 2، (2000) ،ص ص 75-104.
(16) علي الحوات، مرجع سبق ذكره،ص 172.
غير أن هذه الزيادة العددية غير المسبوقة أتت في واقع الأمر على حساب الجوانب الكيفية كالجودة و معاييرها لهذه الخدمة التعليمية المهمة"(17).

غير أنه على الرغم من أن خمسة عقود قد مضت منذ إنشاء أول مؤسسة تعليم عالٍ في ليبيا متمثلة في جامعة قاريونس بمدينة بنغازي، إلا أنه من الواضح أن الأهداف المرسومة للتعليم العالي لم تتحقق بالصورة المرجوة حيث توصلت العديد من الدراسات ذات العلاقة إلى أن التعليم العالي في ليبيا يعاني من مشكلات عديدة والتي ترجع في مجملها إلى غياب التخطيط السليم المبني على آليات وإجراءات البحث المنهجي عند اتخاذ القرارات المتعلقة بإنشاء وتنفيذ مؤسسات التعليم العالي كما نوهنا عن ذلك في الصفحاتالسابقة من هذا البحثفغياب التخطيط المنهجي للسياسة التعليمة خاصة فيما يتعلق بقطاع التعليم العالي أدى إلى حدوث هذه الزيادة المفرطة في أعداد مؤسسات التعليم العالي دون الأخذ في الاعتبار المسائل المتعلقة بالجودة. في هذا الصدد انتقد كلا منقنوص والجروشي وضع مؤسسات التعليم العالي من خلال التساؤلات المنطقية التالية (18):

   السؤال الجدير بالاهتمام هو هل أننا كمجتمع يبلغ سكانه قرابة 5 ملايين نسمة في حاجة إلى ما يزيد عن 40 جامعة أهلية، إضافة إلى 20 ما يسمى بجامعات الأقسام و 7 جامعات أساسية، ناهيك عن المعاهد والمراكز العليا العامة والخاصة التي تربو عن 120 معهدا ومركزا عاليا؟ وهل بالإمكان توفير احتياجات هذه الجامعات والمعاهد والمراكز الأهلية، من مستلزمات العملية التعليمية من هيئات تدريس ومعامل ومختبرات علمية ومواد تشغيل ومراجع ودوريات علمية... إلخ؟ فالزيادة الكمية في مؤسسات التعليم أوالتدريب على حساب الكيف كان ولازال لها العديد من الأضرار السلبية التي من أهمها تأهيل خريجين ذوي مستوى تعليمي ضعيف لا يؤهلهم لأي عمل ذي مردود إيجابي ومع ذلك فإنهم يكونون طلاب وظائف (في حالة حصولهم عليها) وسيتقاضون مرتباتنظير عملهم، وبذلك سيتحمل المجتمع خسارتين: الأولى الإنفاق على تعليم ضعيف هزيل، والثانية توظيف أعداد كبيرة من الخريجين لا تلبي بإنتاجها المتواضع طموحات المجتمع.
_____________________________________
(17) Porter, M. E. and Yergin, D. (2006) National economic strategy: An assessment of competitiveness on Libyan Arab Jamahiriya, Monitor Group, Cambridge Energy Research Associates (CERA).                                                                                                                    
(18) ) صبحي قنوص و آخرون، مرجع سبق ذكره،ص4.

  تأسيسا علي ذلك، فأن تدني عدد و نوعية الخريجين من التعليم العالي أو حتى المتوسط المهني و التخصصي العلمي في بيئة الأعمال الليبية يعود  إلي أسباب عديدة يمكن حصرها في الجوانب الآتية:
(1 التمييز بين التعليم المهني (الصناعي) و التعليم العام علي مستوي المراكز التدريبية و الجامعات، و الذي نتجت عنه نظرة تعتبر التعليم المهني اقل مكانة من التعليم العام، و علي هذا الأساس فان الطلبة الذين يختارون التخصصات الفنية يصنفون ضمن الحاصلين علي تعليم ضعيف.
2)  تفضيل الطلبة التخصصات الأدبية الأسهل و الأكثر متعة و إقبالهم عليها مقارنة بالمناهج العلمية التي تبدو معقدة بالنسبة لهم.
3) عدم وجود حوافز تشجع الطلبة علي الالتحاق بالتعليم الفني و التخصصي العلمي سواء كان ذلك علي مستوي التعليم الثانوي أو التعليم الجامعي.
4)  لا توفر السياسات و الممارسات المتبعة في مجال التوظيف حوافز وظيفية مشجعة لخريجي التخصصات العلمية.
5)   النظرة الدونية الراسخة لدي المجتمع تجاه التعليم الفني و المهني و الذي ينظر إليه باعتباره موصلا بصفة رئيسية إلي العمل اليدوي.
(6  عدم كفاية التخصصات المهنية المتوافرة في مستوي التعليم العالي، مما أدي إلي تثبيط الطلبة عن الالتحاق بهذه التخصصات.
   إن الإخفاق في تحديد الأولويات بالشكل الصحيح و إعطاء الأولوية لبرامج التنمية أو ما في حكمها علي حساب برامج التنمية الإدارية الحقيقية كالتدريب مثلا هو احد الأخطاء التي وقعت فيه الإدارة الليبية خلال العقود الثلاثة الماضية ؛ بحيث أدت رغبة الدولة في إعطاء الأولوية لبرامج التنمية الاقتصادية على حساب أولويات التنمية التعليمية إلى إيجاد كوادر وأطر إدارية عاجزة عن القيام بمهامها بالشكل الصحيح.      

   إضافة إلي غياب التدريب الفعّال الذي من المفترض يلعب دور العامل المحفز في تنفيذ برامج التنمية الإدارية سواء أكان ذلك من حيث الكم أو الكيف ، ولذلك لأسباب رئيسية نذكر منها الأتي (19) :-
_______________________________
(19) ابوبكر مصطفي أبعيرة و انس ابوبكر بعيرة، البيئة العامة للتنمية الإدارية في ليبيا، ورقة بحثية مقدمة في "المؤتمر الوطني الأول للتنمية و التدريب الإداري"،28-29/10-2007، طرابلس: المعهد الوطني للإدارة،ص15.

السبب الأول : وقوع العبء الأكبر لبرامج التدريب الإداري على عاتق الدولة في السابق، حيث أن مساهمات القطاع الخاص في هذا الشأن لا تزال محدودة بشكل كبير و تواجه مراكز التدريب الخاص عموما إشكالية الاعتراف بمصداقية جودة العملية التدريبية بها من قبل مركز ضمان جودة التعليم الذي استحُدث أخيرا من قبل أمانة اللجنة الشعبية العامة ( رئاسة الوزراء).
السبب الثاني: عدم التخصص في عدد من المجالات الوظيفية المهمة أو مستويات المهارات المطلوبة.
السبب الثالث: استناد التدريب في معظم هذه المراكز إلي التوجه نحو تقويم النجاح علي أساس حضور الطالب أو المتدرب خلال الفترة المحددة للدورة، و ليس علي مستوي الأداء أو التحصيل، كما افتقد هذا النوع من التدريب التركيز علي تلبية حاجات مواقع العمل المعاصرة. و بناء عليه يكون خريجو تلك الدورات "مؤهلين" و لكن ليسوا بالضرورة "أكفاء".
السبب الرابع:  تعاني مراكز التدريب الخاصة في ليبيا من محدودية التحول السلس من مستوي تأهيل معين إلي بقية المستويات، فالذين حصلوا علي شهادات مهنية اكتشفوا أنها ذات قيمة محدودة غالبا عند انتقالهم إلي مستويات تعليمية أخري.
السبب الخامس: مؤسسات التدريب الخاص محكومة بتحقيق هامش الربح و تقليل التكلفة و ليس الالتزام بالجودة النوعية أو مدي ملائمة التدريب، و بناء عليه قد لا تعمل بتناغم مع الأهداف و الأغراض التي أنشئت من اجلها.
السبب السادس: غياب الدور الفعّال لمؤسسة التدريب الرئيسة في ليبيا ألا وهو المعهد الوطني للإدارة، الذي يعتبر - من حيث إنشاؤه -  من أوائل المؤسسات الرائدة في الوطن العربي بل وفي العالم الثالث ، حيث تم إنشاؤه بمعونة من الأمم المتحدة منذ الخمسينيات من القرن الماضي ، ولكنه رضي لنفسه خلال كل هذه السنوات بدور متواضعٍ جداً يمارس من خلاله برامج جامدة تتميز بالرتابة والتكرار وعدم الفعالية .إن أمثال هذا المعهد في بعض الدول كفرنـسا مثلاً (المدرسة الوطنية للإدارة ENAP ) يأتي في أعلى مراتب الدولة ، لدرجة أن رؤساء فرنسا يمرون من خلال دراستهم بتلك المدرسة ، ناهيك عن الوزراء وغيرهم من كبار المسئولين في الدولــــة . فالتدريب يعتبر أحد الأركان الأساسية لأية تنميةٍ إداريةٍ صحيحة ، متكاملاً في ذلك مع جهود أنشطة أساسية أخرى للتنمية الإدارية كالاستشارات والبحوث الإدارية.

   مما سبق يتضح أن معظم برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة والمعنية بالتعليم عموما والتدريب بصفة خاصة صيغت وفق معطيات نظرية وليست معطيات واقعية عملية، بمعنى آخر أنها غلب عليها التخطيط التقليدي المبني على أسس نظرية لتحقيق أهداف مستقبلية لا على أسس التخطيط العلمي المبني على الدراسة المنهجية للمشكلات ومن ثم استنباط حلول لها. حيث أنه من الواضح أن  غياب التخطيط المنهجي تسبب في إحداث نتائج سلبية أثرت سلبيا على الكفاءة الإجمالية لمؤسسات التعليم و التدريب المتوسط و العالي ومخرجاتها.

   إضافة إلى ذلك، أن الزيادة المفرطة في أعداد مؤسسات التعليم و التدريب المتوسط و العالي على حساب الكيف حدثت دون أدنى شك كنتيجة مباشرة لعدم توفر المقاييس والمعايير العلمية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التفكير في إنشاء مثل هذه المؤسسات. لا شك في أن توفر مثل هذه المعايير أو المقاييس العلمية والفنية من الممكن أن توفر لراسمي السياسات في هذا القطاع الحيوي أدوات قياسية عملية يمكن بواسطتها رسم السياسات واتخاذ القرارات المناسبة حين التفكير في إنشاء مؤسسات التعليم العالي.

المشروعات الصغيرة و المتوسطة وهموم سوق العمل في ليبيا
  بالرغم من أهمية المشروعات الصغيرة و المتوسطة و انتشارها في معظم دول العالم إلا انه لا يوجد تعريف محدد لها يمكن من خلاله الاستدلال علي هويتها.
  وقد عرّفت ليبيا المشروعات الصغيرة و المتوسطة لغرض الإقراض و ذلك كما ورد في نص قرار اللجنة الشعبية العامة (رئاسة الوزراء) رقم 109 لسنة 2006 بشأن إنشاء صندوق التشغيل الذي أسندت له مهام تمويل المشاريع الصغيرة و المتوسطة التي تساهم بشكل كبير في أيجاد فرص عمل لجيش من الباحثين علي من يمول مشاريعهم التنموية الاستثمارية و تؤمن لهم حياة أفضل.

  و "بهدف النهوض بالمشروعات الصغيرة و المتوسطة هناك حاجة لأن تخطي المشروعات الصغيرة و المتوسطة بتوجيه جزء من الموارد الاقتصادية لتنميتها و تطويرها و جعلها مشروعات منتجة، فأغلب الدول أصبحت تركز علي توفير الدعم المادي و الخدمي لهذه المشروعات، خاصة في مجال الاستشارات و التوجيه و التدريب، وحان الوقت لتحضي هذه المشروعات كما حضيت المشروعات الكبيرة بالدعم و الرعاية"(20).

_____________________________________
(20) أميمة عبد العزيز، التحدي الكبير أمام المشروعات الصغيرة، المجلة المصرية للتنمية و التخطيط، المجلد (2)، العدد (1)، 2006،ص 133.

    و تكمن أهمية المشروعات الصغيرة و المتوسطة في ليبيا في كونها توفر مجالا خصبا لتشجيع الادخار المحلي، حيث تتميز هذه المشروعات بانخفاض رأس المال المطلوب لاستثمار عند مقارنتها بالمشروعات الكبيرة، و غالبا ما تستخدم مدخرات محلية، وعادة ما تكون لها هيكلية إدارية بسيطة بما فيها الطرق المحاسبية، و تنشأ من جذور حرفية، و لا تستخدم بالضرورة التقنيات والآلات المعقدة مما يجعلها أكثر جاذبية لصغار المدخرين الذين لا يميلون إلي أشكال المشاركة التي تحرمهم الإشراف و الإدارة المباشرةلاستثماراتهم. و ابرز ما يمكن أن تسهم به هذه المشروعات في برامج التنمية في ليبيا، تتمثل في إنها عن طريقها يمكن المساهمة في إصلاح هيكلة الصناعة التمويلية و توفير فرص عمل كبيرة و متنوعة لليبيين و تعبئة المدخرات الفردية و تحقيق العدالة في التنمية المكانية.
    
  و "لتنمية هذه المشاريع كان لا بد من التركيز علي دور الجهاز المصرفي في تمويل هذه المشاريع، و يأتي دور مصرف التنمية في مقدمة المؤسسات المالية الداعمة للقطاع الخاص، و بشأن تخصيص أكثر من نصف مليون مليار دينار للمشروعات الصغيرة و المتوسطة لخلق فرص عمل و التمويل للإنتاج مما يؤهل الاقتصاد الليبي لخلق قطاع إنتاجي يعتمد علي توسيع الملكية"(21).

دور المشروعات الصغيرة في توفير فرص عمل لليبيين
   تعد ظاهرة البطالة من الظواهر المعقدة لما لهل من أبعاد سياسية و اقتصادية و اجتماعية. و تعتبر مشكلة البطالة من أهم المشاكل التي تواجه الدولة الليبية في أوقات الحاضر حيث توجد نسبة كبيرة من خريجين المعاهد و الجامعات المختلفة أما عاطلين عن العمل أو مهددين بالباطلة. و يمكن تأكيد هذه المشكلة بالرجوع إلي بيانات البطالة المستخلصة من أخر الإحصاءات خلال السنوات 1995 و 2001، حيث بلغ معدل البطالة بين إجمالي السكان حوالي 10.5% و بين الليبيين 11.7% في عام 1995، في حين نجد أن هذا المعدل قد انخفض قليلا ليصل إلي 9.8 عام 2001. و ازداد الأمر سواء عند احتساب معدل البطالة بين الشباب في فئة الشباب التي تقع أعمارهم ما بين 2- إلي 24 و الذي بلغ 23%. و اتضح أيضا أن البطالة بين مستويات التعليم المهني و دون الجامعة أظهرت معدلات مرتفعة حيث بلغت بين الليبيين حوالي 17.2% و بين أجمالي السكان 14.3%.
_________________________________
(21) اللجنة الشعبية العامة للتخطيط، منجزات التنمية الاقتصادية الاجتماعية خلال ثلاثون عاما، ابريل 2000.

  و لاشك أن هناك أسباب عديدة أدت إلي استفحال مشكلة البطالة في ليبيا، و التي من أهمها:
1. زيادة معدلات النمو السكاني حيث بلغ معدل نمو السكان الليبيين وفقا لأخر تعدادين (2000-2005) حوالي 2.9، و من ثم زيادة معدلات نمو القوي العاملة، و ارتفاع عدد الشباب الجدد الداخلين لسوق العمل سنويا.
2. تخلف نظامي التعليم و التدريب و عجزهما عن توفير الكوادر المؤهلة و القادرة علي مواكبة احتياجات سوق العمل، و منافسة العمال سنويا.
3. تراجع دور الدولة كرب عمل في خلق فرص عمل جديدة، سواء في قطاع الخدمات العامة، أو في ما تملكه و تديره من منشآت أعمال (كبيرها و صغيرها)، بل و محاولة انسحابها تدريجيا من ميدان الإنتاج و الخدمات.
4. سياسة الدولة في ليبيا التي أدت إلي تهميش دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، و قوانين العمل التي تحرم أو تمنع علي منشات القطاع الخاص الليبي تشغيل الليبيين بأجر.
   نخلص مما سبق إلي أن مشكلة البطالة و محدودية سوق العمل الليبي هي احدي التحديات الهامة و الملحة التي تواجه الدولة الليبية. لذلك المعنيون من صناع قرار و المهتمين بهذه القضايا عليهم السعي بخطي حثيثة و جادة أكثر من أي وقت مضي نحو توفير فرص العمل المنتجة لملاحقة النمو المتزايد في القوي العاملة. و في ظل تشبع أجهزة و مؤسسات القطاع العام (بمفهومه الواسع) و عجزه عن استيعاب أعداد القوي العاملة العاطلة في الوقت الحاضر أو المستبعدة، إضافة إلي المنظمين الجدد إلي سوق العمل من الشباب، فأن الملاذ الوحيد هو تفعيل دور المشروعات الصغيرة في النشاط الاقتصادي، و إتباع السياسات الاقتصادية المناسبة التي تفعل هذا الدور و تعززه، فهي بحق تمثل مجالات لخلق فرص عمل أكثر وفرة و استمرارية لتشغيل الشباب والخريجين من مؤسسات التعليم المهني و التقني أو الجامعي و من ثم التخفيف من حدة (أزمة) البطالة التي يعاني منها الاقتصاد الليبي. فالمشروعات الصغيرة و المتوسطة ستكون مشجعة سواء للدولة أو المستهدفين والمنتفعين بهذه المشروعات مع ضرورةتهيئة المناخ الذي يدفعها لكي تنطلق و تساهم في عملية التنمية المستدامة، ذلك أن تأسيسها حتى تصبح واقعا ملموسا سيكون بتكلفة منخفضة نسبيا إذا ما قورنت بتكلفة خلق فرص العمل بالمشروعات الكبيرة التي أثبتت فشلها أصلا، الأمر الذي يؤدي إليتخفيف العبء علي الميزانية العامة للدولة *.
_______________________________
* تشير بعض الدراسات إلي أن تكلفة خلق فرص عمل دائمة واحدة في الصناعات الكبيرة هي اكبر بكثير و قد تصل إلي عشرة إضعاف مثيلتها في الصناعات الصغيرة. انظر في ذلك: عبد العزيز جميل مخيمر و عبد الفتاح عبد الحليم،"دور الصناعات الصغيرة و المتوسطة في معالجة مشكلة البطالة بين الشباب في الدول العربية،المنظمة العربية للتنمية الإدارية 2000،ص23.

   و علي سبيل المثال، و بالرغم من القيود التي تحد من توسع نشاط القطاع الخاص و قوانين الاستخدام في الفترة السابقة التي يعمل في ظلها، تشير الإحصائيات الواردة في الجدول رقم (2) بأن المشروعات الصغيرة التابعة للقطاع الخاص و فرت 214601 فرصة عمل في سنة 1995 مقارنة بحوالي 45471 فرصة عمل و فرتها في سنة 1984، أي بزيادة قدرها 169130 فرصة عمل خلال الفترة بين التعدادين، و بمتوسط سنوي بلغ حوالي 16913 فرصة عمل في السنة. و بالمقارنة، فأن مؤسسات القطاع العام،فزادت مساهمتها في خلق فرص العمل من 193506 في سنة 1984 إلي 238961 فرصة في سنة 1995، أي زيادة قدرها 45455 و بمتوسط سنوي بلغ حوالي 4546 فرصة عمل خلال نفس المدة. و بمقارنة بيانات سنة 1995 بسنة 2001 نجد أن فرص العمل التي خلقها قطاع المشروعات الصغيرة زادت بمقدار 27878 فرصة عمل من 214601 سنة 1995 إلي 242479 في سنة 2001 أي بنسبة زيادة بلغت حوالي 13%. كذلك تبين البيانات بأن هناك تدني في مساهمات كل من قطاع الخدمة العامة و قطاع المشروعات المملوكة للمجتمع في خلق فرص العمل، حيث بلغت نسبة الانخفاض 7.4 و 16.6% لكل من القطاعين على التوالي.
   إن الجانب المهم في ذلك يكمن في ضرورة التركيز علي قطاعات الإنتاج المادية التي لم تصل فيها بعد للحد الذي يمكن أن تسهم في تطوير اقتصاداتها و خلق التراكم الرأسمالي و الوفورات الخارجية و زيادة الاعتماد علي الذات في توفير احتياجاتها بهدف المساهمة في سد احتياجات السوق.


       القطاع
1984
1995
2001
ليبيين
أجانب
الإجمالي
%
ليبيين
أجانب
الإجمالي
%
ليبيين
أجانب
الإجمالي
%
قطاع الخدمة العامة
229313
52429
281742
43.1
462705
23626
486331
50.2
426373
23808
450183
48.5
المنشآت المملوكة للدولة
123215
70291
1935096
29.6
215791
23170
238961
24.4
186186
13073
199359
21.5
منشآت غير ليبية
4181
113126
117307
17.9

4489

23383


27872


2.9
2027
11745
13772
1.5
منشآت مشتركة
5864
10702
16566
2.5
6958
15918
22876
2.5
منشآت القطاع الخاص
21414
124057
45471
6.9
195415
19186
214601
22.2
184306
58173
242479
26.0
الإجمالي
383987
270605
654592
100
878400
89365
967765
100
805850
122819
928669
100













المصدر: السنوات 1984-1995 من تعداد المنشات و التعداد العام للسكان أما بيانات سنة 2001 من النتائج الأولية لحصر القوي العاملة في سنة 2001.

الخاتمة و النتائج

   إن التطورات والتغيرات التي حدثت سريعاً في وقتنا الحاضر تحتم على مؤسسات التعليم و التدريب في ليبيا بضرورة الانفتاح أكثر على مجتمع سوق العمل من خلال تحقيق هذه المؤسسات لأهدافها والتي من بينها خدمة المجتمع ككل ، وهذا يتطلب من هذه المؤسسات إلا تكون مجرد مكان لمنح المؤهلات العلمية ، أو الارتقاء بأعضائها في السلم الاجتماعي أو الحصول على العمل لتلبية الحاجات الأساسية للحياة. أن هذه المؤسسات التي هي نبع المعرفة ومستقرها، ومن ثم يؤمل من طلابها وأعضاء هيأة التدريس فيها وقيادات هذه المؤسسات أن تتفاعل مع المجتمع وتتحسس مشكلاته وهمومه وتتعرف على مصادر التخلف فيه عن طريق تدريبهم وربط أبحاثهم ودراساتهم بمشكلات المجتمع .

  من المشكلات الأخرى التي تواجه وضع سياسة و إستراتيجية واضحة المعالم للتعليم التدريب وربطهما بسوق العمل في ليبيا تكمن في الانتشار الديمغرافي غير المتكافي للسكان بين العديد من المدن والقرى في رقعة البلاد الشاسعة وعدم التوزيع المناسب بالرغم من أن أغلب السكان يتمركزون في المدن الكبيرة مثل طرابلس وبنغازي والباقي منتشرين على بقية المدن والقرى الأخرى ، مما أثر عل التوزيع الجغرافي للملتحقين بالتعليم و برامج التدريب بوجه عام ومخرجاته وكذلك توزيع القوى البشرية المؤهلة على مختلف المدن الجماهيرية .

  مما تقدم يمكن القول أن مشكلة عدم المواءمة بين سياسات التعليم و التدريب وسوق العمل و سد الفجوة بينهما فهي تكاد تكون مشكلة علمية تعاني منها العديد من الدول ، إذ لا يوجد مجتمع حسب في اعتقادنا يخلو من البطالة الجزئية أو المقنعة بين المتعلمين و المتدريبين .
  إن عدم توفر سياسات للتعليم و التدريب في ليبيا بما يتوافق واحتياجات سوق العمل الفعلية أدى إلى أن بعض المجتمعات قد أصدرت قوانين تلزم الدولة بضرورة إيجاد فرص عمل تتناسب مع مخرجات التعليم و التدريب حتى يتم استثمار جهودهم وإمكانياتهم في تحقيق مصلحة المجتمع ونموه ، إلا أن هذه الإجراءات لم تحل المشكلة ، وذلك لغياب السياسات والخطط والإحصاءات الدقيقة اللازمة للمشروعات المتاحة أو الممكن إتاحتها خلال فترات زمنية تتناسب وتستوعب عائد عملية التعليم و التدريب من القوى البشرية و ليبيا ليست استثناء من هذه الإشكالية، وتشير كثير من الدراسات والبحوث في مجال التعليم و التدريب كما تم محاولة إيضاح ذلك في ثنايا هذا البحث إلى أن من أسباب هذه الظاهرة قد يكون من مسبباتها ما يلي :
  • عدم التنبؤ والاستعداد للزيادة السكانية السنوية مما ينعكس على وفرة مخرجات التعليم العالي كقوة متعلمة أو الاستعداد لاستقبال هذه الأعداد بمؤسسات التعليم العالي .
  • القصور في وفرة المؤسسات الخدمية كسوق عمل مناسبة لعائد مخرجات التعليم العالي .
تدفق العمالة الوافدة لتحل محل العمالة المحلية دون سياسة تخطيطية محكمة.
  • جمود المشاريع التنموية أو الخدمية أو الاستثمارية التي تستوجب مخرجات التعليم أو التدريب .
  • القصور في رسم السياسات التي تقوم على الشمول والتكامل والمرونة والتفاعل مع سوق العمل واحتياجاته مع خطط التنمية الشاملة و إغفال دور مجتمع الأعمال و القطاع الخاص و الذي اثبت انه قادر إلي حد كبير علي المشاركة و المساهمة في عملية التنمية.
  • عدم قيام مؤسسات التعليم و التدريب في ليبيا بالخروج من الشكل التقليدي لمنظومتها والتحول إلى مفهوم التعليم و التدريب الذي لم يعد يكتفي بتخريج أفراد تعرفوا على المفاهيم الأساسية المتمثلة في المعارف والعلوم، وإنما المطلوب امتلاك هذه المخرجات القدرة على اكتساب المهارات التي تتناسب مع حاجاتهم وحاجة المجتمع . 

مراجع البحث
أولا المراجع العربية

(1)علي الحوات، التعليم العالي في ليبيا: واقع وآفاق، طرابلس: منشورات مكتبة طرابلس العلمية العالمية، (1996) .
(2) صبحي قنوص، و آخرون، تقرير حول وضع الجامعات والمعاهد العليا الأهلية بالمنطقة الشرقية، شؤون الخدمات باللجنة الشعبية العامة، تقرير غير منشور،(2004).
(3) رمضان مفتاح الضعيف، و آخرون، المعاهد الهندسية العليا بين الواقع والمستهدف، ورقة قدمت في ندوة التعليم الهندسي والتقني مع بداية القرن الحادي والعشرين، هون،31- 10 - 2001.
(4)عبد الرحيم محمد  البدري، مشكلات التعليم العالي في الجماهيرية، في محمد علي الأعور:  ندوة التعليم العالي والتنمية في الجماهيرية، الجزء الأول،(2006).
(5) مصطفى عمر التير، التعليم العالي والتنمية في ليبيا: نموذج الخط متعدد الألتواءات. في: محمد علي الأعور، ندوة التعليم العالي والتنمية في الجماهيرية، الجزء الأول،(2006).
(6) محجوب عطية الفائدي وإبراهيم علي محمد،  التعليم الجامعي والعالي وتحديات المستقبل: نظرة تحليلية ونقدية، مجلة قاريونس العلمية، المجلد 10، العدد 2،(1998).
(7) محمد سالم كعيبة، التعليم العالي وسوق العمل في ليبيا، مجلة العلوم الاقتصادية، المجلد 9، العددان 1 و 2، (1998).
(8) علي مصطفى الشريف، التوسع في التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل، مجلة البحوث الاقتصادية، المجلد 11، العدد 1 و 2، (2000).
(9) أميمة عبد العزيز، التحدي الكبير أمام المشروعات الصغيرة، المجلة المصرية للتنمية و التخطيط، المجلد (2)، العدد (1)، 2006
(10) عبد العزيز جميل مخيمر و عبد الفتاح عبد الحليم،"دور الصناعات الصغيرة و المتوسطة في معالجة مشكلة البطالة بين الشباب في الدول العربية، المنظمة العربية للتنمية الإدارية 2000.
(11) عمار كشرود، اتجاهات المديرين نحو أساليب التطوير الإداري وعلاقته بالمتغيرات الشخصية و الوظيفية : دراسة ميدانية للمديرين في المنظمات الصناعية الليبية ببنغازي، دراسة غير منشورة، بنغازي: كلية الاقتصاد و العلوم السياسية، جامعة قاريونس،2003.
(12) ابوبكر مصطفي أبعيرة و انس ابوبكر بعيرة، البيئة العامة للتنمية الإدارية في ليبيا، ورقة بحثية مقدمة في "المؤتمر الوطني الأول للتنمية و التدريب الإداري"،28-29/10-2007، طرابلس: المعهد الوطني للإدارة،ص15. 

ثانيا المراجع الأجنبية

(1"Education Survey", The Economist, November 21,2002.                                                     
(2)  H.McRae,The World in 2020 (Boston, MA: Harvard Business School Press,1994)
,PP12-13. 
(4)  T. W. Schultz, "Investment in Human Capital", American Economic  Review vol.51, no.1     (1960):PP1-17; H. Harbison Human Resources as the Wealth of Nations (New YorkNY: Oxford University Press, 1973
B. Wootton, The Social Foundation   of Wage Policy, London:  Georage  Allen and          (5)
Unwin, 1995.                                                
(6)  M, Nast ‘The planning of higher education in the German Democratic Republic,’ Higher education, Vol. 3 No. 2, (1974.                                                          
Gould, W (1978) Guidelines for school location planning, World staff working              (7)
papers No. 308, The World Bank, Washington D.C.
(8) Porter, M. E. and Yergin, D. (2006) National economic strategy: An assessment of competitiveness on Libyan Arab Jamahiriya, Monitor Group, Cambridge Energy Research Associates (CERA).                                                                                                                    





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق