الصفحات

الثلاثاء، 15 نوفمبر 2016

قصة بناء السد العالي من كتاب سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر - الفريق سامي شرف ...

قصة بناء السد العالي


بقلم : سامي شرف



قصة بناء السد العالي




من كتاب سنوات وأيام مع جمال عبد الناصر - الفريق سامي شرف - وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق - وسكرتير الرئيس جمال عبد الناصر للمعلومات

مصرنا: مطبوعة الكترونية عربية تصدر من الولايات المتحدة الأمريكية عن المركز الأمريكي للنشر الالكتروني - 6 - 11 - 2014:


   مشروع السد العالي هو مشروع قديم يرجع الفضل في طرحه إلى المهندس اليوناني “دانينيوس”، وقد سبق أن تقدم به لأكثر من حكومة مصرية قبل الثورة، ولكنه لم يكن يلقى أدنى استجابة حتى على سبيل الوعد ببحث المشروع وجدواه الاقتصادية، وفي عام 1953 تقدم بمشروعه من جديد إلى مجلس قيادة الثورة، ولكنه هذه المرة حظي باهتمام كبير من جانب القيادة الثورية وكلف قائد الجناح جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة بتولي مسؤولية هذا المشروع إلى جانب الفنيين في المجالس والهيئات المتخصصة الذين سيتولون البحث والدراسة الخ.


   لقد سبق أن وضعت القيادة الثورية التي تولت السلطة بعد يوليو/ تموز 1952 قضية التنمية على رأس اهتماماتها وفي مقدمة جدول أعمالها، وحرصت على إزالة أية عقبات كانت تعترض مساهمة رأس المال الوطني أو الأجنبي في التنمية، كما أصدرت القانون رقم 213 لسنة 1952 في أكتوبر/ تشرين الأول 1952 الذي تم بموجبه إنشاء المجلس الدائم للإنتاج كهيئة مستقلة تتبع لرئاسة مجلس الوزراء ويتولى مهمة بحث ودراسة المشروعات الاقتصادية الكبرى التي يكون من شأنها تنمية الإنتاج على المستوى القومي، ووضع مخطط وطني متكامل للتنمية الاقتصادية.

  وبدأ هذا المجلس في وضع الدراسات التفصيلية لعديد من مشروعات التنمية في قطاعات الري والتوسع الزراعي وتكرير البترول وخطوط أنابيب البترول وتنمية الثروة المعدنية والمواصلات وغيرها من القطاعات في إطار رؤية بعيدة المدى للاقتصاد المصري.

   وبالتالي كان من الطبيعي أن يلقى مشروع السد العالي الاهتمام الواجب في مجلس الإنتاج بعد أن تحمست له قيادة الثورة على المستوى السياسي، وبالفعل تم تشكيل لجنة فرعية تضم عددا من أعضاء مجلس قيادة الثورة وعدداً من أعضاء مجلس الإنتاج من الخبراء والفنيين برئاسة جمال سالم لإجراء مزيد من البحث والدراسة لهذا المشروع، وعقدت اللجنة عدة اجتماعات في مقر مجلس قيادة الثورة بالجزيرة، حضر بعضها المهندس اليوناني دانينيوس، وإنتهت بعد دراسات مستفيضة إلى الإقرار بجدوى المشروع وضرورة تنفيذه وقدمت أيضا توصيات بهذا المعنى لمجلس قيادة الثورة الذي وافق من حيث المبدأ على تنفيذ المشروع والبدء في اتخاذ الخطوات العملية في هذا الشأن.

  وكانت الخطوة الأولى هي تنظيم سلسلة من المحاضرات عن السد العالي، وبدأت بمحاضرات وندوات في نادي ضباط الجيش بالزمالك تحدث فيها عدد من المهندسين المتخصصين وشرحوا أبعاد المشروع وما ينتظر منه من عائد، كما عقدت سلسلة محاضرات أخرى في نقابة المهندسين، وفي جمعية المهندسين المصرية استهدفت كلها تهيئة الرأي العام على المستويات العلمية والسياسية والشعبية لهذا المشروع.

  لقد تمثل العائق الأساسي الذي حال دون بحث أو تنفيذ مشروع بهذا الحجم في عهود ما قبل الثورة هو غياب الاستقرار السياسي، على سبيل المثال فقد كان هناك مشروع كهربة خزان أسوان وهو مشروع كان محل مزايدة بين الأحزاب في برامجها، وتستخدمه كأداة للدعاية ووسيلة للوصول إلى السلطة ثم سرعان ما يطاح بها ويطوى المشروع في غياهب النسيان لتأتي حكومة حزبية أخرى تجدد نفس السيناريو، فلما جاءت الثورة قامت بتنفيذ فوري لمشروع كهربة خزان أسوان، وعملت في الوقت نفسه على إشراك مكاتب استشارية أجنبية في دراسة مشروع السد العالي إلى جانب الخبراء المصريين الذين يمتازون بقدرات وكفاءات كبيرة وعالمية أيضا في هذا المجال، وكل الدراسات أكدت سلامة المشروع من حيث الجدوى الاقتصادية لمستقبل مصر، وكان من بين من تولى دراسة المشروع بصورة رسمية البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وقد أعد بالفعل دراسة قدمها يوجين بلاك، كان ملخصها أن حالة الاقتصاد المصري تسمح بإتمام مشروع السد العالي.

  كما جاء خبراء من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا الغربية وفرنسا للتنسيق مع المجموعة المكلفة ببحث المشروع، وتولى كل من المهندسين محمد صدقي سليمان و محمود يونس وسمير حلمي وأحمد عبده الشرباصي وإبراهيم زكي قناوي وموسى عرفة وآخرين التنسيق مع هؤلاء الخبراء وتقديم التسهيلات اللازمة لهم لوضع الدراسات المطلوبة حول المشروع.

  إن مشروعا بهذا الحجم كان في حاجة إلى قرار سياسي جريء، وكان جمال عبدالناصر يتمتع برؤية إستراتيجية بعيدة المدى ولم يكن يتخذ القرار المتسرع ولم تكن مواقفه نابعة من رد الفعل، ومن ثم فقد استوعب كل النتائج التي توصلت إليها الدراسات الفنية المتخصصة لمشروع السد العالي وسعى إلى تحويله إلى “حلم قومي” يستحق أن تجند له كل الطاقات والخبرات لوضعه موضع التنفيذ وبدأ يضعه في جدول أعماله في مناقشاته واجتماعاته مع كل المسؤولين العرب والأجانب كما تداول بشأنه في حواراته المستمرة مع الرئيسين تيتو ونهرو، وأخذ يبحث عن مصادر لتمويله، وبدا بعرضه على البنك الدولي للإنشاء والتعمير الذي أكد في تقرير نشره في شهر يونيو/ حزيران 1955 سلامة المشروع، وورد بهذا التقرير أيضاً “أن مصر اعتمدت ثمانية ملايين دولار لتنفيذ بعض الأعمال التحضيرية للمشروع وتشمل إنشاء خطوط للسكك الحديدية، ومساكن للعاملين في الموقع”، وفي أغسطس/ آب من نفس العام أصدر البنك تقريرا آخر يؤكد قدرة الاقتصاد المصري على تنفيذ المشروع، وفي سبتمبر/ ايلول 1955 أعلنت بعض الشركات الألمانية الغربية والفرنسية والبريطانية تقدمها بعروض للمشاركة في تنفيذ المشروع في شكل “كونسورتيوم”.

  لقد بدا أن المشروع يحظى باهتمام في الدوائر السياسية في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقد اعتبروه فرصة للربط بين دعم خطط التنمية التي بدأتها الثورة من جانب، وإقامة نظام إقليمي يضمن المصالح الغربية ويفتح الطريق للتسوية مع “إسرائيل” من جانب آخر. وبدأ الاتحاد السوفييتي يدخل كطرف ثالث في التنافس خاصة بعد عقد صفقة الأسلحة التشيكية ففي سبتمبر/ ايلول عام،1955 وفي نفس وقت إعلان أنباء الصفقة صرح السفير السوفييتي في القاهرة أن بلاده مستعدة للمساهمة في بناء السد العالي،وحدد هذه المساهمة بالمعونة الفنية والمعدات وأموال يتم تسديدها بسلع خلال خمسة وعشرين عاما، وأدى ذلك إلى فزع كبير في الغرب، وتحركت بريطانيا لتحذير واشنطن من التهديد السوفييتي القادم.

  وقد اختار عبدالناصر أن يختبر نوايا الغرب مرة أخرى بعد أن فشلت محاولات الحصول على السلاح منه فبدأ الدكتور عبدالمنعم القيسوني وزير الاقتصاد سلسلة من الزيارات للعواصم الغربية وجرت العديد من المفاوضات، أسفرت عن اتفاق من حيث المبدأ أعلنته الخارجية الأمريكية في 16ديسمبر/ كانون الأول 1955 ويقضي بأن يتولى كل من البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تمويل مشروع السد العالي بتكلفة تبلغ 1،3 مليار دولار يتم توزيعه كالتالي:

1- تقديم 70 مليون دولار للمرحلة الأولى في المشروع (تقدم الولايات المتحدة مبلغ 56 مليون دولار، وتقدم بريطانيا مبلغ 14 مليون دولار).

2- تقديم 200 مليون دولار للمرحلة الثانية في صورة قرض من البنك الدولي بالإضافة إلى 130 مليون دولار أخرى كقرض من الولايات المتحدة الأمريكية ومبلغ 80 مليون دولار قرضا من بريطانيا، على أن تدفع في صور أقساط سنوية بفائدة 5% تسدد على مدى أربعين سنة.

3- باقي المبلغ تتحمله مصر بالعملة المحلية.

4- يضاف إلى ذلك منحتان الأولى من الولايات المتحدة وقدرها عشرون مليون جنيه والثانية من بريطانيا وقدرها خمسة ملايين ونصف المليون جنيه.

  وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات حول تمويل السد العالي تتخذ هذا المسار الإيجابي على السطح كانت العلاقات السياسية بين مصر من جانب وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا من جانب آخر تتخذ مسارا مختلفا بسبب معركة الأحلاف وصفقة الأسلحة والاعتداءات “الإسرائيلية” على غزة وغيرها كما أوضحت، وقد بدا واضحا حرص الدولتين على امتلاك أوراق ضغط على ثورة يوليو تتعارض والإستراتيجية التي انتهجتها الأخيرة بشأن استقلالية قرارها والإصرار على استكمال التحرر من أية ضغوط أجنبية 0 وجاءت الشروط التي وضعتها الدولتان لتنفيذ اتفاق تمويل السد العالي مؤكدة لهذا الاتجاه، فقد اقترن العرض السابق بالشروط التالية:

1- أن تركز مصر برنامجها التنموي على السد العالي بتحويل ثلث دخلها القومي ولمدة عشر سنوات لهذا المشروع مع فرض رقابة على المشروعات الاقتصادية الأخرى.

2- وضع ضوابط للحد من زيادة التضخم والإنفاق الحكومي، وفرض رقابة على مصروفات الحكومة المصرية وعلى الاتفاقيات الأجنبية أو الديون الخارجية. وألا تقبل مصر قروضا أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الشأن إلا بعد موافقة البنك الدولي.

3- الاحتفاظ بحق إعادة النظر في سياسة التمويل في حالات الضرورة.

  وأثارت هذه الشروط غضب الرئيس عبدالناصر، فقد كانت أشبه بالوضع الذي كان سائدا في عهد الخديوي إسماعيل، وأنتج ذلك كله حالة فقدان الثقة في إمكانية معاونة الولايات المتحدة في تنفيذ المشروع، وانتهى الرئيس إلى تقدير موقف اقتنع به بهذا المعنى، لكنه حرص على تفادي المواجهة لآخر لحظة حتى يتكشف الموقف الأمريكي بوضوح وجلاء وصراحة في ضوء الرسائل المتكررة التي حملتها القنوات الخلفية والزيارات الرسمية للمسؤولين الأمريكيين، والتي أكدت حقيقة واحدة هي إصرار الجانب الأمريكي على التحكم في سياسات الثورة ودفعها إلى مسار يخدم الإستراتيجية الأمريكية ومصالح الغرب في الأساس، وخاصة فيما يتعلق بالتفاهم مع “إسرائيل”، وكان ذلك يجري بتنسيق محكم مع الجانب البريطاني تكشفت أبعاده في أكثر من مناسبة وكما كشفته الوثائق الأمريكية والبريطانية التي نشرت مؤخرا.

  وفي هذا الإطار استقبل الرئيس جمال عبدالناصر يوجين بلاك رئيس البنك الدولي، وبعد مفاوضات وافق عبدالناصر فقط على أن يكون للبنك الدولي حقوق معقولة في تفقد الإجراءات التي سوف تتخذها مصر للحد من التضخم عقد اتفاق أعلن في 8 فبراير/ شباط 1956 يقدم البنك بموجبه قرضاً قيمته مائتا مليون دولار على أن يتوقف تنفيذه على التوصل إلى اتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول الشروط التي أعلنوها لتقديم المساعدة.

  وفي الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 1956 استقبل الرئيس عبدالناصر السفير أحمد حسين سفير مصر في واشنطن في استراحة برج العرب غرب الإسكندرية، ودار الحديث حول الموقف الأمريكي من تمويل مشروع السد العالي، وكان أحمد حسين معروفا بميوله الأمريكية ومن أنصار تطوير العلاقات والتعاون مع واشنطن وقد حاول في هذا الاجتماع أن يبرر موقف جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي الذي اتسم بالمماطلة والتعنت وأخذ يسهب في تفسير الضغوط التي يتعرض لها من الدوائر الصهيونية وبعض رجال الكونجرس الأمريكي.

  ولكن عبدالناصر كان يدرك في قرارة نفسه أن الأمر لا يخرج عن حدود المناورة، وأن أمريكا لن تقدم على المساهمة في تنفيذ المشروع، وتمسك أحمد حسين بموقفه ومحاولاته للتفسير والتبرير، وبعد أن استمع له عبدالناصر مطولا بادره قائلاً: “حسنا (قالها بالإنجليزية All Right) سأعطيك الفرصة لكي تثبت شيئا من أجل مصر يا أحمد، ترجع لدالاس وتقول له إنك قبلت بجميع شروطه، ثم لاحظ ردود فعله، وحانشوف إيه اللي حا يجري بعد كده؟”.

  وأسقط في يد أحمد حسين واستفسر من الرئيس عما إذا كان لا يريد أن يعدل من الشروط الأمريكية.

فقال له عبدالناصر: “لا تعديل في الشروط، وأنت مفوض تفويضا كاملا ومعا” “Carte blanche”، وتقول لدالاس: “إنني قبلت بشروطكم وبأن يتجدد الالتزام الأمريكي تجاه السد العالي سنويا، لكني أحذرك يا أحمد إياك أن تقول أو تفعل أي شىء يمس كرامة مصر وهذا لسبب واضح تماما هو أننا لن نحصل على السد العالي من الأمريكان”.

   وتوجه أحمد حسين إلى واشنطن عن طريق لندن، وعلى خلاف اتفاقه مع الرئيس عبدالناصر أدلى بتصريحات دلت على تخاذل لا مبرر له على الإطلاق فقد قال: “إن مصر تقبل بجميع المقترحات المقررة بشأن السد العالي، وأنها ترجو مساعدتها في بناء السد العالي، وتعتمد على هذه المساعدة وتطلبها”.

   كنا في هذه الأثناء في صحبة الرئيس جمال عبدالناصر في زيارة رسمية ليوغوسلافيا عندما أدلى أحمد حسين بهذه التصريحات وأعرب الرئيس عن ضيقه إذ شعر أن مصر قد أهينت وما كان لأحمد حسين أن يصرح بكلمة قبل أن يقابل دالاس حسب التعليمات ويفاجئه بموقفه.

   ذكّرت الرئيس بما لدينا من معلومات مسبقة بشأن أحمد حسين وتزايد ارتباطاته في هذه الفترة 1955-1956 مع بعض الجهات في أمريكا وقد رأيت هذا التصريح بمثابة تسريب للموقف المصري بشكل مفصل ويحمل معنى التخريب في سياستنا، خاصة وأن الرئيس قد حذره من عدم الإقدام على أي قول أو فعل يترتب عليه المساس بكرامة مصر. فلماذا تطوع أحمد حسين بهذا الموقف ؟ ولماذا في لندن بالذات؟ ولماذا قبل اجتماعه بدالاس في واشنطن؟ خاصة وأنه سمع تقديراً محدداً من جمال عبدالناصر يعرب فيه عن اعتقاده الجازم بأن أمريكا لن تقدم السد العالي لمصر.

  كان رأي أحمد حسين الذي عبر عنه فيما بعد، أنه قصد المناورة وممارسة الضغط على الجانب الأمريكي خاصة وأنه ألمح في تصريحاته إلى استعداد الاتحاد السوفييتي لتقديم المساعدة في بناء السد العالي. والحقيقة أنه لم يجر أي اتصال من جانب مصر مع الاتحاد السوفييتي حول هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد إلا بعد سنة ،1957 وكل ما حققه التصريح هو إعطاء الفرصة لدالاس لأن يعد نفسه جيدا.

وما أن وصل أحمد حسين إلى واشنطن حتى تتابعت الأحداث على النحو التالي:

- عندما تسلم دالاس تصريح احمد حسين سارع بإبلاغ أيزنهاور الذي كان متواجدا في كامب ديفيد اثر إصابته بأزمة قلبية، ولإحساس دالاس أنه سيواجه حرجا شديدا إذا ما أبلغه أحمد حسين رسميا قبول مصر للشروط الأمريكية، أبلغ أيزنهاور بأن المصريين لا يتجاوبون معه البتة، وأنه يقترح سحب عرض المساعدة في بناء السد العالي.. ورد أيزنهاور بأنه يفوضه للتصرف بحرية مطلقة وفق ما يراه.

- تحدد ظهر يوم 19 يوليو/ تموز 1956 موعدا لاستقبال دالاس لأحمد حسين في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وبعد دخوله مكتب دالاس بدقائق معدودة أصدر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية “لينكولن وايت”، بيانا يعلن فيه سحب العرض الأمريكي لتمويل مشروع السد العالي، وكان ذلك قبل أن يبدأ الحديث بين أحمد حسين وجون فوستر دالاس.

وقد بعث أحمد حسين بتقرير إلى الرئيس عبدالناصر عن اللقاء جاء فيه:

- أن دالاس فاجأه عندما هم بالجلوس بقوله أن الولايات المتحدة الأمريكية يا سيادة السفير ستصدر بيانا الآن، وأننا نأسف لأننا لن نساعدكم في بناء السد العالي وأن بلاده قد قررت سحب عرضها لأن اقتصاد مصر لن يستطيع تحمل هذا المشروع.

   وهنا حاول السفير أحمد حسين أن يحتج لكن دالاس واصل قراءة ما هو مكتوب أمامه والذي أعد مسبقا حيث استطرد قائلا:

- إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن من يبني السد العالي -أياً كان- سيكسب كراهية الشعب المصري لأن الأعباء المترتبة عليه ستكون مدمرة وساحقة، وأضاف انه ليس في وسع الشعب المصري أن يتحمل عبء تنفيذ هذا المشروع الضخم، فمتطلباته تتجاوز ما تستطيع مصادر مصر احتماله خاصة بعد التزامها بشراء الأسلحة (يقصد صفقة الأسلحة التشيكية)، وإننا في الولايات المتحدة الأمريكية لا نريد أن نكون مكروهين في مصر، وسوف نترك هذه المنفعة للاتحاد السوفييتي إذا كان يعتقد أنه يريد أن يبني السد العالي.

- ويضيف دالاس ان بلاده تعتقد أن الاتحاد السوفييتي لا يملك المصادر الكافية لإنجاز المشروع ولو تعهد بتنفيذه فإن الدول التابعة له ستتمرد عليه حيث أنهم يساعدون مصر بينما يرفضون تقديم المساعدات المماثلة التي تطلبها هذه الدول.

- يؤكد دالاس أن صفقة الأسلحة التشيكية التي عقدتها مصر ستسبب للحكومة الأمريكية حرجا في شأن استمرار مساعدتها الاقتصادية لمصر لأن كرامة أمريكا أصبحت الآن في التراب بسبب مزاعم بعض الأصوات في أمريكا بأن وسيلة مصر للحصول على المساعدات هي التشهير بالسياسة الأمريكية ومعارضتها.

- أنه منزعج شخصيا من صفقة الأسلحة خاصة وأن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية قد أثبتت في السنوات الأخيرة صدق نيتها في مساعدة مصر كما لعبت دورا مهما في التوصل لاتفاقية الجلاء، والتزمت موقفا غير منحاز بين العرب و”إسرائيل”، بل ومارست الضغط على “إسرائيل” عندما حاولت تنفيذ مشروعاتها في بحيرة طبرية برغم قرار مجلس الأمن بإيقاف هذه المشروعات. وقال أيضا أن ممثلي “إسرائيل” صرحوا له بأن “إسرائيل” لا يمكن أن تنتظر حتى يكمل العرب استعدادهم للقضاء عليها، كما ذكر النتائج الخطيرة التي تترتب على تمكين الشيوعية من بترول البلاد العربية وحرمان الدول الغربية منه، وأنه شخصيا يجد نفسه محرجا ومركزه صعب لأن “إسرائيل” ستطالب ولا شك بالحصول على الأسلحة وبضمانات أمريكية وستستخدم في سبيل تحقيق مطالبها كل وسائل الضغط التي إن نجحت فسوف تسيء لأمريكا عند العرب.

وفي رد عاجل على هذه الآراء أوضح أحمد حسين ما يلي:

- أنه نقل إلى وزير الخارجية الأمريكي تأكيد الرئيس جمال عبدالناصر بأن صفقة الأسلحة التشيكية ما هي في الواقع إلا صفقة تجارية لا تحمل في طياتها أي طابع آخر.

- أن مصر لن تسمح بتسرب أي نفوذ أجنبي إليها وتحرص كل الحرص على مقاومة الشيوعية، وأنها قبلت بالعرض التشيكي نتيجة الصعوبات التي واجهتها في الحصول على السلاح من الدول الغربية.

- ويضيف أحمد حسين أنه دلل في هذه المناسبة على سياسة مصر الواقعية والبناءة مذكرا بالدور الكبير الذي قام به الفنيون المصريون لمساعدة إيريك جونستون في وضع مشروعه الخاص بنهر الأردن، وان الرئيس عبدالناصر نفسه قد عبر للوفود العربية الأخرى عن تأييده للمشروع وهو ما ساعد جونستون على إقناع بعضها بجدوى المشروع وسلامته.

- كما تطرق إلى المساعدات الاقتصادية الأمريكية في العام الحالي، وأوضح أن مصر تريد التقدم بطلب 360 ألف طن من القمح الأمريكي وفقا للقانون “480 ب”.

    ولكن الولايات المتحدة الأمريكية صممت على رفضها تمويل مشروع السد العالي كما توقع الرئيس جمال عبدالناصر.

   هكذا لم تكن القضية التي تشغل بال المسؤولين الأمريكيين أو الخارجية الأمريكية على وجه الخصوص هي قدرة الاقتصاد المصري أو الآثار السياسية أو الاقتصادية المترتبة على مشروع السد العالي بل تكمن الأزمة الحقيقية في عدم قدرة الإدارة الأمريكية على تقبل الأوضاع الجديدة في المنطقة التي ترتبت على قيام ثورة يوليو ،1952 وعدم قدرتها على التعامل مع القوة الجديدة بما طرحته من أهداف تحمل في طياتها من وجهة النظر الأمريكية تحديا لكل الثوابت التي أرستها القوى الاستعمارية في الشرق الأوسط على مدى السنوات الطويلة السابقة، وكان على مصر الثورة أن تقبل التحدي، وتواصل خططها في البناء والنمو والتنمية، وتعتمد في ذلك على مواردها، فكان تأميم شركة قناة السويس.

كلفت السد بلغت 400 مليون جنيه ولو بني اليوم سيتكلف 18 مليار جنيه

بدأ التفكير في المشروع في نهاية سنة 1952 المهندس اليوناني المصري دانينيوس.

بدأ تنفيذ المشروع في 9 يناير/ كانون الثاني 1960.

انتهت المرحلة الأولى في منتصف مايو/ أيار 1964 بتحويل مياه النهر إلى قناة التحويل.

في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 1967 ارتفع جسم السد إلى منسوب 172 متراً، وانطلقت الشرارة الأولى من محطة كهرباء السد العالي في 9 يناير/ كانون الثاني 1969 بتشغيل ثلاثة توربينات.

في يوليو/ تموز 1970 اكتمل المشروع بتشغيل 12 توربيناً.

بلغت تكلفة بناء السد العالي حوالي 400 مليون جنيه، ولو أردنا بناءه اليوم سيتكلف 18مليار جنيه. (حسب تقدير شيخ المهندسين إبراهيم زكي قناوي).

السد بناء من رخام الجرانيت والرمال والطمي تتوسطه طبقة صماء من الطين الأسواني.

السد يغلق مجرى النهر على مسيرة حوالي سبعة كيلومترات إلى الجنوب من سد أسوان القديم ويحول المياه إلى مجرى جديد عبارة عن قناة مكشوفة تتوسطها ستة أنفاق متصلة في نهايتها بمحطة كهرباء مزودة باثنتي عشرة وحدة.

سعة بحيرة ناصر 164مليار متر مكعب منها 30 مليار متر مكعب لاستيعاب الطمي بعد استمرار رسوبه لعدة قرون، و37 مليار متر مكعب لمواجهة الفيضانات العالية، و97 مليار متر مكعب تمثل السعة الحية للخزان التي تضمن تصرفاً سنوياً ثابتاً مقداره: 84 مليار متر مكعب يخص مصر منها 5ر55 مليار ويخص السودان 18،5 مليار، والباقي 10 مليارات مقدر أن يفقد من حوض الخزان بالتبخر والتسرب.

عرض مجرى النهر عند موقع السد 205 أمتار.

طول السد عند القمة 3820 متراً.

أقصى ارتفاع للسد 111 متراً.

عرض قاعدة السد 980 متراً.

عرض الطريق فوق السد 40 متراً.

* البحيرة:

- طول البحيرة 500 كيلومتر.

- متوسط عرض البحيرة 11،8 كيلومتر.

- مساحة سطح البحيرة 5900 كيلومتر مربع.

- أقصى سعة للتخزين في البحيرة 164 مليار متر مكعب.

* مجرى التحويل:

- الطول الكلي لمجرى التحويل 1950 متراً.

- طول القناة الأمامية المكشوفة 1150 متراً.

- طول الأنفاق شاملا محطة توليد الكهرباء 315 متراً.

- طول القناة الخلفية المكشوفة 485 متراً.

- طول النفق 282 متراً.

- عدد الأنفاق 6.

- أقصى تصرف يمكن تمريره بمجرى التحويل 11000 متر مكعب/ ثانية.

- القطر الداخلي للنفق 15 متراً.

* محطة توليد الكهرباء:

- مجموع القوة المركبة 2،1 مليون كيلووات.

- عدد الوحدات الكهربائية 12.

- قوة كل وحدة 175000 كيلووات.

- الضاغط التصميمي 57،5 متر.

القطاع العام والسد العالي

* المقاولون العرب:

  حجم الأعمال التي أوكلت لشركة المقاولون العرب في بناء السد العالي لم تتعد نسبة 12% بميزانية لم تتعد 40 مليون جنيه من جملة التكاليف التي بلغت 330 مليون جنيه.

  و”المقاولون العرب” قامت بأعمال حفر وهدم. ولم يشرف عثمان أحمد عثمان على أي عملية بل كان المشرفون هم أمين عمر وأحمد عوض.

* مصر للأسمنت المسلح:

  كان حجم أعمالها 60 مليون جنيه بنسبة 18% وهو يعادل مرة ونصف حجم الأعمال الذي أنجزته “المقاولون العرب”.

  وأهم الأعمال كالتبطين للأنفاق وبناء محطات الكهرباء والستارة الرئيسية للحقن قامت بها شركة مصر للأسمنت المسلح والهيئة العامة للسد العالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق