الصفحات

الجمعة، 30 أكتوبر 2020

دور الانتماءات العشائرية والإقليمية في الانتخابات النيابية الأردنية : دراسة في الجغرافية السياسية - د. قاسم بن محمد الدويكات


دور الانتماءات العشائرية والإقليمية

في الانتخابات النيابية الأردنية

دراسة في الجغرافية السياسية

 

د. قاسم بن محمد الدويكات




مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية والاجتماعية - المجلد السادس عشر - العدد الثاني - جمادى الأولى ١٤٢٥هـ - يوليو ٢٠٠٤م

ملخص الدراسة 


   يدرس الجغرافي الانتخابات للتعرف على تأثير التباين المكاني على أنماط التصويت، حيث تهتم جغرافية الانتخابات بتحليل تأثير المكان على سلوك الناخب. وتهدف هذه الدراسة إلى قياس اتجاهات الناخبين الأردنيين، وتحديد مدى التباين الجغرافي بين أقاليم المملكة في السلوك الانتخابي. وتسعى الدراسة إلى فحص أثر الانتماء العشائري والحزبي والإقليمي على رأي الناخب. كما تسعى الدراسة إلى فحص مدى تأثير صفات الناخب الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية ومكان سكنه (في الريف أو الحضر) على قراره الانتخابي. حيث تم تقسيم المملكة الأردنية الهاشمية إلى ثلاثة أقاليم يغلب على أحدها الطابع الحضري (سكن المدينة)، ويغلب على الثاني الصفة الريفية، وتغلب سمة البداوة على الإقليم الثالث. وقد أثبتت الدراسة أن تأثير الانتماء العشائري على رأي الناخب يزداد في إقليم الجنوب، البدوي السمة، يليه إقليم الشمال ريفي الطابع، في حين ظهر تأثير الانتماء الحزبي جليا على سكان إقليم الوسط ذي الخصائص الحضرية. كما بينت الدراسة أن ارتفاع المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي للناخبين، يقلل من تأثرهم بالانتماء العشائري، ويزيد من مستوى تأثرهم بالانتماء الحزبي عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية. وتوصي الدراسة بعدم تسييس المؤسسة العشائرية لأن ذلك قد يسهم في تعزيز الإقليمية، ووصول نواب غير أكفاء إلى قبة البرلمان. 

Abstract 

  Electoral Geography analyses the effect of place on electoral decision. The aim of this study is to measure the regional, tribal, and political party's effect on Jordanians' electoral decision. The study also examines the effect of socioeconomic, demographic, and place of residence on the people's electoral decision. The Hashemite Kingdom of Jordan is divided into three main regions: the north which is known by its rural character, the nomadic south, and the urbanized middle region. The study showed that tribalism is the major factor affecting the electoral decision of the southern people, while the political party's agenda is the most affecting factor on people's decision in the middle region, where the capital Amman is located. The study also found that as the socioeconomic and educational status of election participants decreases, their tribal loyalty increases. The study recommends to keep Jordanian tribes involvement in political arena at a lower level, otherwise regional fragmentation might occur.

تمهيـد

   تُدَرس الانتخابات لأسباب عديدة منها: التعرف على العوامل المؤثرة في التصويت والانتخاب، والتعرف على صفات المجتمعات، ونظمها السياسية والاجتماعية والثقافية. ومن خلال دراسة الانتخابات يمكن التعرف على الأيديولوجيات المؤثرة على السلوك الانتخابي. ويدرس الجغرافي الانتخابات للتعرف على تأثير التباين الجغرافي والإقليمي والاجتماعي والعرقي والطائفي والاقتصادي للسكان على أنماط التصويت وتطورها عبر الزمن.

  وضمن مجالات الدراسـة في الجغرافيا السياسية، تدرس جغرافية الانتخابات (Electoral geography) تأثير المكان على سلوك الناخب، حيث يفترض أن يتأثر ذلك السلوك بالبيئة التي يعيش فيها، وهذا ما تحاول هذه الدراسة استكشافه وتحري أسبابه. وتتنافس المجموعات البشرية في المجتمعات الملتئمة المتعددة الأعراق والطوائف من أجل السيطرة السياسية، في حين تتمحور تلك المجموعات في المجتمعات البسيطة التي تشهد تجانساً عرقياً وطائفيا، حول المبادئ والأفكار السياسية المشتركة، أو بسبب تشابه صفاتها الاقتصادية والاجتماعية.

   ففي الدول الصناعية المتطورة يتمحور السكان حول الأحزاب السياسية التي تمثل أهدافها وتطلعاتها التي قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو حتى عرقية أو طائفية. ولذلك فإن الأحزاب السياسية في تلك الدول قد تمكنت من استقطاب الدعم الشعبي لدرجة سيطرتها على الحياة السياسية، بصورة تمكنت من خلالها استبعاد التمثيل المستقل للناخبين.

  أما في الدول النامية فإن الأحزاب السياسية لم تحظ بالعراقة التي حصلت عليها تلك الأحزاب في الدول الصناعية المتطورة، ولذلك بقي الصراع السياسي بين المرشحين المستقلين أكثر تأثيراً في الحياة السياسية. وفي الأردن فإن عوامل عديدة تؤثر على رأي الناخب الأردني. غير أن الانتماء العشائري هو أحد أهم تلك العوامل. و يعود السبب في ذلك إلى حداثة التجربة الحزبية فيه، ولأن الشعب الأردني لا زال يعيش في تجمعات سكانية صغيره تتيح المجال للاحتكاك العائلي والعشائري.

  وقد تم تقسيم الدراسة في ثلاثة مباحث، إضافة إلى الخاتمة هي: المبحث الأول تحت عنوان: الإطار العام للدراسة، ويشمل التمهيد، وأهمية المشكلة وأهدافها، وفرضياتها، ومنهجها، والتحليل الإحصائي، وعينة الدراسة، والدراسات السابقة. 

والمبحث الثاني بعنوان دور العشائر والعشائرية والأحزاب في الحياة السياسية الأردنية ويشمل: دور العشائرية في الحياة السياسية، ودور العشائرية في الحياة النيابية، ودور الأحزاب في الحياة السياسية، و الحياة النيابية الأردنية.

والمبحث الثالث تحت عنوان التحليل الإحصائي ونتائج الدراسة، ويشمل: التباين في مجالات الدراسة في ضوء متغير المنطقة الجغرافية، وتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير مكان السكن، والتباين في تأثير مجالات الدراسة في ضوء المتغيرات المستقلة الأخرى، ونتائج تحليل الأسئلة المتعلقة بالأحزاب السياسية.

أهمية الدراسة وأهدافها:

  تحاول الدراسة الإجابة على سؤال يتعلق بإمكانية تأثير الانتماء العشائري والحزبي والإقليمي على رأي الناخب الأردني ومداه عند الإدلاء بصوته لاختيار ممثله في مجلس النواب. وتسعى الدراسة إلى تحديد حجم التباين الجغرافي في تأثير المتغيرات الرئيسة الثلاثة (العشائرية، والحزبية، والإقليمية) استنادا إلى الفرضية القائلة بأن سكان البادية والريف هم أكثر انتماء" لعشائرهم من سكان الحضر أو المدن.

  كما تسعى الدراسة إلى قياس حجم وقوة تأثير مجموعة من المتغيرات المستقلة الأخرى على رأي الناخب، والتعرف على حجم التباين الإقليمي في تأثيرها. وقد تم تحديد سبع متغيرات مستقلة يمكن أن تؤثر في المتغير التابع، وهو نمط التصويت الانتخابي. وهذه المتغيرات هي: صفات المرشح الشخصية، والمكاسب الشخصية التي يمكن أن تتحقق للناخب، وتأثير الطائفية والعرقية (الانتماء العرقي)، والبرنامج الانتخابي للمرشح، إضافة إلى تأثير الإقليمية والعشائرية والحزبية التي تمت الإشارة إليها.

  كما تهدف الدراسة إلى قياس إمكانية وحجم تأثير الصفات الشخصية للناخب آمتغيرات مستقلة على رأي الناخب عند الإدلاء بصوته الانتخابي. وهذه المتغيرات هي: جنس الناخب (ذكر | أنثى)، وعمره، وحالته الاجتماعية، ومستواه التعليمي، ومهنته، وديانته. ولذلك فان الدراسة تحاول الإجابة على سؤالين رئيسين يتعلق الأول بالتعرف على مدى تأثير صفات الناخب الأنفة الذكر، ويقيس الثاني حجم وقوة تأثير الانتماء العشائري والحزبي، ومدى التباين الإقليمي الجغرافي في ذلك. وتنبع أهمية الدراسة من ضرورة التعرف على مدى الصدق والواقعية في تمثيل المجلس النيابي للأطياف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتباينة في المجتمع الأردني استنادا إلى المتغيرات المؤثرة على رأي الناخب. حيث يسود الاعتقاد أن نسبة مرتفعة من الناخبين، وعلى الرغم من التقدم الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي الذي يعيشونه، لا يزالون يمنحون الولاء العشائري أهمية أكبر من المعتقدات والأفكار التي يؤمنون بها. وليس أدل على ذلك من اعلان بعض أساتذة الجامعات عن عدم قدرتهم على القراءة والكتابة أمام لجان صناديق الاقتراع للتصويت بحكم (١) الأمي بصوت مرتفع يسمعه أقاربه، ليثبت ولاءه لعشيرته.

  ولا بد من الإشارة إلى أن قانون الانتخابات الأردني يخصص مقاعد محددة للأقليات (كوتا) للأقليات العرقية والطائفية، الأمر الذي قد يجعل القارئ يتساءل عن أهمية السؤال الذي يتعلق بقياس تأثير هذين المتغيرين.

  والحقيقة أن القانون ذاته لا يلزم الطوائف والمجموعات العرقية بالتصويت لمرشحيها فقط، بل ترك باب التصويت مفتوحا. فلا يتضمن قانون الانتخابات ما يشير إلى أي نوع من التقييد. ولا بد من التنويه إلى أن مبدأ الصوت الواحد الذي اقر في عام ١٩٩٣م قد حد كثيرا من إمكانية قياس متغيرات الدراسة، التي يمكن قياسها بصورة أكثر وضوحا في ظل قانون الانتخابات القديم. وخاصة فيما يتعلق بقياس تأثير الانتماء العشائري والحزبي على أنماط التصويت. ولمزيد من الإيضاح نقول إن التحالفات التي كانت تعقدها العشائر والأحزاب في ظل القانون القديم، قد تضاءل تأثيرها أو اختفى في ظل قانون الصوت الواحد، حيث يمتلك الناخب الحق في التصويت لمرشح واحد فقط. وليس من مجال هذه الدراسة قياس تأثير القانون الجديد على أنماط التصويت الانتخابي. 

فرضيات الدراسة

١- يزيد تأثير الانتماء العشائري على رأي الناخب في إقليم الجنوب الذي يغلب عليه طابع البدواة.

٢- يزيد تأثير الانتماء الحزبي على رأي الناخب في إقليم الوسط والشمال اللذان يغلب على سكانها الطابع الحضري والريفي.

٣- يزيد تأثير الانتماء الحزبي في المناطق التي يغلب عليها الطابع الحضري (عمان والزرقاء واربد) عنه في المناطق الريفية والبدوية.

٤- يتأثر صغار السن من الناخبين الأردنيين بالمؤثرات الحزبية أكثر من الانتماءات العشائرية عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية. 

٥- يتناقص التأثير الطائفي والعرقي والإقليمي لدى الناخبين في المناطق الريفية والبدوية أكثر من المناطق الحضرية.

٦- يتناقص التأثير العشائري على الناخبين مع ارتفاع مستواهم التعليمي.

٧- يتأثر سكان الحضر بالبرنامج الانتخابي والحملة الانتخابية للمرشحين أكثر من سكان الريف والبادية.

٨- يتوقع الناخب تحقيق مكاسب شخصية أكثر نتيجة تصويته في المناطق الريفية والبدوية منها في المناطق الحضرية.

٩- لصفات المرشح أثر أكبر في تصويت الناخب في مناطق الحضر (إقليم الوسط) عنه في مناطق الريف والبادية (إقليمي الشمال والجنوب).

١٠- يزيد تأثير البرنامج الانتخابي للمرشحين على الناخبين في المناطق الحضرية. المشكلات التي واجهت الدراسة استغرق إنجاز الدراسة التي حصلت على دعم مادي من مركز الدراسات الأردنية التابع لجامعة اليرموك، نحو ثلاثة أعوام بين إجراء الدراسة الاستكشافية، وإعادة تصميم الاستبانة وتحليلها. وقد استغرق توزيعها على مختلف محافظات المملكة بواسطة الطلبة، وقتاً طويلاً، حيث أستنكف البعض عن إعادة الاستبانات، وأستثني العديد من الاستبانات لأسباب تتعلق بالمصداقية. حيث تم توزيع ما يقرب من (٣٠٠٠) استبيانة للحصول على عينة الدراسة التي لا تزيد على (١٤١٨) وقد قضي وقت آخر في تفريغ الاستبيانات، وأجراء التحليل، الذي أفرز عشرات الجداول، حيث استثنيت الجداول الوصفية للبيانات، وظهرت الجداول التي تتضمن نتائج تحليل التباين. وقد فشلت الجهود الرامية للحصول على تمثيل لكافة سكان الدوائر الانتخابية في المحافظات لعدم توفر الكوادر المدربة على جمع البيانات، ونقص الدعم المالي. وبناء" على ذلك فقد تم دمج الدوائر الانتخابية داخل المحافظات مع بعضها لغايات الحصول على عينة الدراسة. 

  ويوضح (شكل رقم ٢) أن محافظتي اربد وعمان هما الوحيدتان اللتان كانتا تحتويان على عدد من الدوائر الانتخابية. وقد تم تعديل الدوائر الانتخابية، وفقاً لقانون الانتخابات الجديد، الذي أجريت بموجبه انتخابات عام (٢٠٠٢).

منهجية الدراسة

  استخدمت الدراسة المنهج الإحصائي الاستقرائي الذي يبدأ بملاحظة الجزئيات للخروج بتعميمات من خلال الانتقال بنتائج الدراسة من العينة، وتعميمها على المجتمع ككل. ولذلك تم توزيع العينة على المبحوثين في محافظات المملكة بهدف تعميم النتائج على المجتمع الأردني. وقد تم تصميم إستبانة الدراسة اعتماداً على دراسة استكشافية صغيرة مكونة من (٤٠) استبيانه تم توزيعها على طلبة الدراسات المسائية في جامعة مؤتة ممن شارآوا في التصويت على اختيار أعضاء مجلس النواب عام ١٩٨٩م أو ١٩٩٣م.

  واعتماداً على نتائج الدراسة تم إعادة تصميم الاستبانة. ثم تم تقديم الإستبانة الجديدة للتحكيم من خلال إطلاع عدد من الأساتذة على محتواها، . (١) حيث أعيدت صياغة بعض فقراتها بناء على توصيات المحكمين التحليل الإحصائي (١) قام بتحكيم الاستبانة كل من د. زكي مشوقة من قسم الجغرافيا، د. غالب الخالدي، ود. مازن العقيلي من قسم العلوم السياسية، ود. علي العلاونة من قسم إدارة الأعمال، ود. محمد غزيوات من كلية التربية في جامعة مؤتة / الأردن. 

  تم استخدام تحليل التباين المتعدد ((Analysis of Variances (ANOVA) لقياس قوة تأثير كل مجال من المجالات المتغيرة ( Dependent Variables ) الواردة في الاستبانة على السبعة متغيرات الثابتة، والواردة في مقدمة الاستبانة (الجنس، والعمر، والديانة، والمهنة، والحالة الاجتماعية، والمستوى التعليمي، ومكان الإقامة ( حضر، ريف). وقد تم تصنيف المتغيرات التابعة في سبع مجموعات (مجالات) ضمن كل منها عدداً من المتغيرات، لقياس تأثيرها كمجموعات. والمجالات التي تم قياس تأثيرها هي:

١. المقولات من ٢ ـ ١١ لقياس مدى تأثير الأحزاب السياسية على رأي الناخب.

٢. المقولات من ١٢ ـ ١٨ لقياس تأثير العشائرية على رأي الناخب.

٣. المقولات ٣٦ ،٣٥ ،٣٢ ،٢٨ ،٢٧، و ٣٧ لقياس تأثير صفات المرشح رأي الناخب.

٤. المقولات ٢٤ ،٢٣، و٢٦ لقياس تأثير الطائفية، والعرقية، والقطرية رأي الناخب. 

٥. المقولات ١٩،٢٠ و ٢٢ لقياس تأثير المكاسب الشخصية المتوقعة للناخب رأي الناخب.

٦. المقولات ٢١ و ٢٥ لقياس تأثير القرب الجغرافي والإقليمية على رأي الناخب

٧. المولات ٣٠ و ٣١ لقياس تأثير البرنامج الانتخابي، والحملة الانتخابية رأي الناخب.

  وبقيت المقولتان الأولى ، والتاسعة والعشرون ، حيث لم يكن بالإمكان ضمهما لأي من المجموعات السابقة. وتقيس المقولة الأولى اتجاه الناخب نحو اعتبار التصويت واجبا" وطنيا" أم لا، أما المقولة الأخرى فقد آان الهدف منها التعرف على توجه الناخب نحو انتخاب مرشح لكل الوطن.


عينة الدراسة :

  اختيرت عينة الدراسة المكونة من ١٤١٨ فرد بصورة عشوائية. وقد كان التوجه السابق هو اختيار عينات من أربع محافظات، اثنتان يغلب عليهما الطابع الريفي، واثنتان يغلب عليهما الطابع الحضري، غير أنه، وبسبب الرغبة في الحصول على نتائج أكثر دقة وشمولية، فقد تقرر أن تشمل عينة الدراسة محافظات المملكة كافة. ولا شك أن عملية التصنيف التي يتطلبها البحث العلمي الأكاديمي تتضمن بعض مخاطر ضياع المعلومات أولا، وإمكانية الخلط بين بعض المجموعات المتباينة ثانيا. 

  ومن هنا فلا بد من الإشارة إلى أن تجميع محافظات المملكة الاثنتي عشرة في ثلاثة أقاليم فيه تعميم يحتوي على مخاطر دمج البيانات المتباينة، استنادا إلى فرضية تشابه سكان المحافظات التي تشكل الأقاليم. واستنادا إلى الصفة الغالبة على المهن السائدة، والمميزات الاجتماعية، والاقتصادية، أمكن تجميع محافظات إقليم الشمال على اعتبار أنها يغلب عليها الطابع الريفي، ومحافظات إقليم الوسط الذي تسيطر عليه العاصمة عمان ومدينة الزرقاء، اللتان يغلب عليها الطابع الحضري، ومحافظات إقليم الجنوب التي يغلب على سكانها طابع البداوة.

  وحسب التعداد العام للسكان والمساكن لعام ١٩٩٤م، فإن ثلاث مدن في الأردن فقط زاد عدد سكان كل منها على ١٠٫٠٠٠ نسمة، هي عمان والزرقاء واربد، وهذا ما يبرر اعتبار إقليم الوسط الذي يضم عمان والزرقاء، التي يزيد عدد سكانه على ١٫٣٠٠٫٠٠٠ نسمة، إقليم الحضر في الأردن. وهذا ما دفع الباحث إلى تجميع هذه المدن مع بعضها البعض لإجراء تحليل جانبي على سكان المدن الكبرى. ولا بد من الإشارة إلى أن تصنيف الريف والحضر استنادا" إلى عدد السكان، كما تفعل كثير من دول العالم ومنها الأردن، لا يعطي دلالة حقيقية عن المهن التي يمتهنها السكان. (دائرة الإحصاءات العام، ١٩٩٥م، ص ٣٧-٣٦) 

  ويعد الأردن التجمعات السكانية التي يزيد عدد سكانها على ٥٫٠٠٠ نسمة تجمعات حضرية. ويتناقض ذلك مع التصنيف الجغرافي الأكثر واقعية، والذي يستند إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والمهنية في تصنيف التجمعات البشرية. ومن هذا المنطلق فأنه يمكن اعتبار العاصمة عمان، ومدينة الزرقاء والى حد ما مدينة إربد هي التجمعات الحضرية في الأردن. وللحصول على نتائج أكثر دقة فيما يتعلق بتأثير الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للناخب، ومن اجل قياس اثر التحضر وسكن المدينة على أنماط التصويت، تم تجميع استبيانات المبحوثين في المدن الثلاث، وأجري عليها تحليل خاص.

 وقد اعتُمد عدد المقترعين في الانتخابات النيابية لعامي ١٩٨٩م و ١٩٩٣م لحساب حجم العينة. حيث اعتمد الوسط الحسابي لعدد المقترعين في تلك السنوات لكل محافظة من محافظات المملكة (شكل رقم ١) لحساب عدد الاستبيانات اللازمة للدراسة. وقد وصل عدد الاستبيانات إلى ١٤١٨ بواقع ٢٠ استبيانه لكل ألف من المقترعين. الإطار الفكري: يدرس الجغرافي الانتخابات جنباً إلى جنب مع علماء السياسة، والاجتماع.

   وتهتم جغرافيـة الانتخابات (Electoral Geography) بدراسـة أثر المكـان على التصويت الانتخابي. وقد آان الأمريكي فــرد ريك جاكســون تيرنر (Frederick Jackson Turner) أول من بحث في العلاقة بين المكان الجغرافي وأنماط التصويت، عندما حلل دور الإقليمية في التأثير على أنماط التصويت في الولايات المتحدة عام (١٩٠٨) (Agnew, 1990, p 12). وقد أدى انتشار النظم الديمقراطية، وتطور التقنيات المستخدمة في دراسة أنماط التصويت بعد الحرب العالمية الثانية، إلى زيادة الاهتمام بدراسة ظاهرة الانتخابات. فقد تحوَّل التركيز من وصف نتائج الانتخابات، والتوزيع الجغرافي للنتائج، إلى دراسة العلاقة بين السلوك الانتخابي للسكان، وأثر المتغيرات المتباينة، كالعمر، والجنس والمستوى التعليمي .. وغيرها، على سلوآهم الانتخابي، وهذا ما أطلق عليه اسم المنهج السلوكي للانتخابات. وقد أمكن لكثير من الدراسات التنبؤ بسلوك الناخب الغربي، اعتماداً على الصفات الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية التي يتصف بها. 

   ولا شك أن تأثير المكان على سلوك الناخب هو أحد أهم مجالات البحث في جغرافية الانتخابات، التي تفترض ضرورة تأثر السلوك الانتخابي للإنسان بالبيئة التي يعيش فيها. وقد واجهت جغرافية الانتخابات مشاكل عديدة نتيجة اعتمادها على المنهج السلوكي، ومحاولته التنبؤ بسلوك الناخبين اعتماداً على فرضيات ثابتة مثل نزاهة الانتخابات، ووضوح الخيارات للناخب، وافتراض كونه عقلانياً في الاختيار. غير أن ظهور المنهــج "الراديكـالي" Radical) (Approach في العلوم الاجتماعية في الستينيات من القرن العشرين، والتركيز على نظريات التطوير الرأسمالية والاشتراكية، والتباين بين مناطق القلب (المدن) والأطراف (الريف)، دفع الباحثين للتوجه نحو إجراء تحليل مقارن للأنماط الجغرافية لتأثير الأحزاب، وتحديد الامتداد الجغرافي لتأثيرها، وتقدير حجم الأصوات التي يمكن أن تحصل عليها في الأقاليم المختلفة، من خلال بيان طبيعة الارتباط بين المكان والأيديولوجيات المختلفة. ومن اتجاهات البحث الأخرى في جغرافية الانتخابات، دراسة أثر التباين العرقي، والطائفي، والعشائري على أنماط التباين المكاني للتصويت.  ومن خلال الإطلاع على أدبيات جغرافية الانتخابات أمكن التمييز بين ثلاثة نماذج أو نظريات رئيسة لتفسير أنماط الانتخابات هي: النموذج الاجتماعي Sociological Model يفسّر النموذج الاجتماعي، الذي يطلق عليه اسم نموذج الهوية الحزبية (Party Identification Model) أو السلوك الجماعي (وليس الفردي ) لأفراد المجتمع، دون الاهتمام بالفروق الفردية داخل المجموعات الاجتماعية. ويرى هذا النموذج أن الأحزاب تظهر في الأقاليم والمناطق الجغرافية نتيجة وجود السكان الذين ينتمون إلى المجموعات العرقية، والطائفية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي تمثل تطلعاتها. فيصوّت الناخبون حسب هذا النموذج لصالح الحزب الذي يمثل تطلعاتهم، دون الالتفات لمصالحهم الشخصية.(Lijphart, 1990, p 147)

النموذج "الراديكالي" Radical Model :

  يفترض النمـوذج "الراديكالي" الذي أوجـده باتريك دنلفي (Patrick Donleavy) عام ١٩٨٥، إن الشعوب في المجتمعات الرأسمالية لا تمتلك الحرية في التعبير عن خياراتها المنطقية، وأن الحكومات تؤثر على نتائج الانتخابات من خلال وسائل الإعلام. ويصّوت الناخبون حسب هذا النموذج تبعاً لمواقعهم في الهرم الاجتماعي، الذي تحدده الحكومات. فتأتي أصوات الناخبين انعكاساً لوضعهم ومكانتهم الاجتماعية، والتي تحددها الممارسات الحكومية أو الحزبية، وليس رغبةالناخبين أنفسهم (Harrop and Miller, 1991, p73)  

النموذج المكانيٍ Spatial Model :

  يعطي النموذج المكاني، أو نموذج الخيار المنطقي ( The Rational Choice Model) وزناً أكبر للناخب في التعبير عن تطلعاته، وعليه فانه يأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي قد تحدث على أفكار الناخب، والذي قد يتغير بموجبها سلوآه الانتخابي، فهو في كل مرة بصوت للحزب أو المرشح الذي يمثل أفكاره، التي تتغير بتغير الأحداث السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية ويفترض هذا النموذج الذي وضعه أنطوني دو نز (Anthony Downs) عام ١٩٥٧م، إن الناخب لديه القدرة على الإطلاع على أفكار، ومبادئ الأحزاب، وبرامج المرشحين ويختار الأنسب. كما يفترض أن الناخب يكون دائماً واقعياً في اختيار ما يناسب أفكاره ومبادئه (المصدر السابق، ص ٨٠-٧٩)

   وقد سمي هذا النموذج بالمكاني لأن الناخب يختار المرشح الأقرب إليه من الناحية الجغرافية، حيث يفترض أنه الأقدر على الإحساس بمصالحه، آالفقر، والبطالة، والحاجـة إلى الاستثمار الخ. ويتناقـص تأثـير الحزب أو المرشـح جغرافياً مع الابتـعاد عن مركـز الحزب، أو موطـــن المرشـح .(Enelow and Hinich, 1984, p 156 )

  ويختلف النموذج الاجتماعي عن المكاني في أن الأول يمثل الثبات في نمط تصويت الناخب، في حين يعد الثاني ديناميكي متغير يعكس التغيير الذي يحدث على أفكار الناخب، ولذلك فإن خيار الناخب حسب النموذج المكاني هو منطقي يتأثر بالظروف المتغيرة، بينما يعتمد النموذج الاجتماعي على السلوك الموجه الحتمي الخارج عن نطاق سيطرة الناخب. وفي النموذج الاجتماعي، يصوّت الناخب نتيجة لولائه الحزبي، وليس تأييداً لبرامجه الانتخابية. ذلك أن الصراع السياسي حسب هذا النموذج، هو صراع حضاري، وعرقي، وطائفي. كما أنه صراع بين القلب والأطراف، وبين الحضر والريف، وبين العمال وأصحاب العمل، وبين رجال الدين (Lijphart, A., 1990, p 145) والدولة وفي حين ينطبق النموذج الاجتماعي على الصراع السياسي بين الأحزاب، فان النموذج المكاني يفسر الصراع بين المصالح الشخصية للناخبين حتى لو آانوا خارج الأحزاب، أو ما يمكن أن يطلق عليه التمثيل المستقل للمرشحين. ويقف النموذج الاجتماعي عاجزاً أمام تفسير طبيعة التفاعل بين المرشح والناخب، وبين الناخب والبرامج الانتخابية.

الدراسات السابقة : من الدراسات التي تناولت بالبحث الانتخابات النيابية الأردنية تلك التي قام بها عبد العزيز الخزاعلة عام (١٩٩٦م)، بعنوان "المشاركة السياسية بين الحزبية والقبلية في الأردن: دراسة تحليلية لرأي النخبة". وقد سعت الدراسة إلى التعرف على واقع المشاركة السياسية والقوى المؤثرة فيها، استناداً إلى نتائج الانتخابات النيابية الأردنية لعامي ١٩٨٩م و ١٩٩٣م، واعتماد على تحليل نتائج استبيانه وزعت على ١٥٠ شخص من أفراد طبقة اجتماعية أطلق عليها الباحث اسم النخبة.

  وقد توصلت الدراسة إلى أن عدم فعالية الأحزاب السياسية الأردنية في الانتخابات النيابية يعود إلى عدة أسباب منها: حداثة هذه الأحزاب النسبية، والقيود المفروضة على إنشائها ونشاطها، وتطبيق نظام الصوت الواحد، وقوة تأثير العشائرية (الخزاعلة، ١٩٩٦م). وتختلف الدراسة الحالية عن الدراسة التي قام بها الخزاعله، في أن الأخيرة تنظر إلى الانتخابات النيابية بعد حدوثها، من خلال تقييم حجم المؤثرات التي أفرزتها النتائج، في حين تنظر هذه الدراسة إلى العوامل التي قد تسهم في إفراز نتائج الانتخابات قبل حدوثها.

   وتختلف الدراسة الحالية في أنها لم تسع إلى تقدير حجم المشاركة السياسية في الانتخابات، كما أنها لم تتطرق إلى دراسة حجم التمثيل النيابي للدوائر الانتخابية آما فعلت دراسة الخزاعله. غير أن الدراستين سعتا إلى تقدير حجم وقوة تأثير عاملين مهمين في تشكيل نتائج الانتخابات النيابية الأردنية، وهما الأحزاب السياسية والعشائرية، مع اختلاف وسيلة التقدير. وتتفق الدراستان في السعي لإثبات فرضيتين هما: إن دور الحزبية يتزايد في الدوائر الانتخابية التي تعتمد في نموها السكاني على الهجرات الداخلية والخارجية، أو تلك التي يغلب عليها الطابع الحضري، وأن الولاء العشائري يتزايد في الدوائر الانتخابية الصغيرة، أو تلك التي يغلب عليها الطابع الريفي أو البدوي. ومن الدراسات التي حاولت تحليل العوامل المؤثرة على الانتخابات النيابية الأردنية، تلك التي أعدتها مؤسسة نور الأمجاد ( The Noor Al Amjad foundation) بعنوان " انتخابات عام ١٩٩٣م: اليوم التالي" ( Elections 1993:The Day After).

وقد سعت هذه الدراسة إلى معرفة مدى موافقة الناخبين على نتائج الانتخابات النيابية لعام١٩٩٣م. فقد أجريت الدراسة على عينة من ١٤٨٨ شخص يمثلون كافة الدوائر الانتخابية في المملكة، وقد تم قياس التباين في آراء الناخبين تبعاً لمجموعة من المتغيرات المستقلة آالعمر، والجنس، والتعليم، والحالة الاجتماعية، والدخل، والديانة. حيث تم توزيع نحو ٥٦% من مجموع الاستبانات في دوائرمحافظة العاصمة .(The Noor Al Amjad foundation, 1993, pp 1 - 2) 

   وقد توصلت الدراسة إلى أن ٨٢% من مجموع أفراد العينة قد أظهروا قناعتهم بأن هذه الانتخابات قد آرّست مفهوم العشائرية. بينما أشار نحو ٢٣% فقط إلى أنهم صوتوا استناداً إلى أسس عشائرية. وترى الدراسة أن تأثير الصحافة التي أآدت على أن قانون الصوت الواحد عزّز العشائرية هو سبب ارتفاع نسبة المقتنعين بذلك إلى ٨٢% من مجموع أفراد العينة. آما بينت الدراسة أن الانتماء العشائري يتزايد مع زيادة عمر الناخب، وتعليمه، وإلى حد ما دخله. آما بينت الدراسة أن النساء هن أقل تصويتاً استناداً إلى أسس عشائرية، وأن المواطنين النصارى هم أآثر تصويتاً استناداً إلى أسس عشائرية من المسلمين (المصدر السابق، ص ٧٣). وقد أظهرت الدراسة تناقضاً في اتجاهات الناخبين وهو إقرار ٦٩% من أفراد العينة بأن قانون الصوت الواحد كان قراراً صحيحاً، في حين أنهم أنفسهم (٨٢%)، أقروا بأن القانون نفسه قد كرّس مفهوم العشائرية، وهم أنفسهم (٧٧%) الذين لم يصوتوا استناد إلى أسس عشائرية. والسبب مرة أخرى حسب تفسير الدراسة هو تأثير وسائل الإعلام. ووجدت الدراسة أن ١٠% من أفراد العينة قد صوتوا استناداً إلى أسس حزبية، ربما بسبب حداثة الأحزاب. وقد بينت الدراسة خسارة بعض الأحزاب في انتخابات عام ١٩٩٣م، آالإخوان المسلمين واليسار. وقد أفاد ٢٧% من أفراد العينة بأن الإخوان المسلمين حصلوا على مقاعد أقل مما يتوقع، بينما أفاد ٢٦% بأنهم حصلوا على مقاعد أآثر مما يتوقع (المصدر السابق، ص ص١-٢).

    وقد تناولت دراسة فايز زريقات الموسومة ب"التجربة البرلمانية الجديدة: بعض العوامل المؤثرة في الانتخابات النيابية الأردنية منذ تأسيس الأمارة حتى ما بعد انتخابات عام ١٩٨٩م". وقد توصلت إلى أنه وعلى الرغم من أن الانتخابات قد أفرزت بعض ممثلي الأحزاب السياسية، فإن الصبغة العشائرية بقيت تسيطر على المجلس حتى تم حله عام ١٩٧٦م. وقد ذكر الباحث أسماء ١٣ عشيرة احتفظت بممثلين عنها في البرلمان بصورة متكررة. كما توصلت الدراسة إلى أن قانون ١٩٥٣م الذي حظر ممارسة الأحزاب الشيوعية لأنشطتها في البلاد، أدى إلى منع ترشيح الحزبيين الذين ينتمون إلى أحزاب غير مرخصة، حتى لو كانت غير شيوعية. 

   وقد توصلت الدراسة إلى أن المصلحة المشتركة بين الناخب والمرشح، حلت مكان العلاقة الشخصية وتلبية طلبات الناخبين الشخصية كعوامل مؤثرة في الانتخابات. وفي انتخابات ١٩٨٩م وما بعدها، أصبح الناخب ممثلاً للأمة، وليس للمنطقة، هدفه تقديم الخدمات للمجتمع، وحل مشكلات المجتمع واحترام الحريات (زريقات، ١٩٩٢، ص ١٨٥).

   ومن الدراسات المهمة التي تناولت بالتحليل نتائج الانتخابات النيابية في الفترة التي أعقبت عودة الحياة النيابية في نهاية العقد الثامن من القرن العشرين، دراسة أجراها عاطف الجولاني بعنوان "قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات النيابية (١٩٩٣) ". 

  وعلى الرغم من أن الدراسة حللت نتائج الانتخابات بعد حدوثها، غير أنها تناولت بالتحليل العوامل التي أدت إلى نجاح الأحزاب السياسية أو فشلها، التي اشتركت بصورة رسمية، أو غير رسمية في انتخابات عام ١٩٨٩م و ١٩٩٣م.

  وفيما يتعلق بتأثير الأحزاب السياسية، والعشائرية على الانتخابات النيابية توصلت الدراسة إلى أن سبب أحجام ١٠ أحزاب من أصل ٢٠ حزباً مرخصاً عن إعلان أسماء مرشحيها في انتخابات ١٩٩٣م، هو عدم رغبتها في تحمل نتائج فشلها، وطمعها في كسب التأييد العشائري لمرشحيها. وإن الأحزاب السبعة عشر التي خاضت الانتخابات، باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي فازت ب١٦ مقعداً في انتخابات عام ١٩٨٩م. وإن الأحزاب السياسية حصلت على ٤٢٫٥% من مجموع مقاعد مجلس النواب عام ١٩٨٩م، في الوقت الذي حصلت فيه على ٢٨٫٨% من مجموع أصوات المقترعين عام ١٩٩٣م.

   وقد توصلت الدراسة أيضاً إلى أن قانون الصوت الواحد الذي أجريت بموجبه انتخابات عام ١٩٩٣، قد عزز قوة تأثير العشيرة في الانتخابات. فلم يعد المرشح يعتمد على كرم الناخب الذي كان يوزع الأصوات في الانتخابات السابقة التي كانت تتيح للناخب فرصة انتخاب أكثر من مرشح، بل أصبح يحتاج إلى إجماع عشائري للنجاح. ولهذا السبب انخفض عدد المرشحين في انتخابات عام ١٩٩٣ عما كان عليه في عام ١٩٨٩.

  ولم تغفل الدراسة بعض الانقسامات التي تشهدها العشائر من الداخل، والتي كان لها أثر كبير في أضعاف تأثيرها لصالح بعض الأحزاب فيخرج بعض الأبناء عن رأي العشيرة سواء بالانتخابات أو الترشيح، أما لصالح حزب أو شخص من خارجها. وخلصت الدراسة إلى أن المجلس النيابي لعام (١٩٩٧) سيكون مجلساً عشائرياً، ذلك أن العشائر سرعان ما تدرك أهمية الإجماع العشائري لتحقيق مكاسب لن تتحقق في غياب هذا الإجماع (الجولاني، ١٩٩٣، ص ١١).

  وتسعى هذه الدراسة إلى استكشاف تأثير مجموعة من المتغيرات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعقائدية على رأي الناخب الأردني عند ذهابه للإدلاء بصوته الانتخابي. وباستخدامها المنهج الاستقرائي فإن هذه الدراسة تختلف عن بعض الدراسات التي استخدمت المنهج الاستنباطي في تحليل نتائج الانتخابات النيابية والوصول إلى العوامل المؤثرة على قرار الناخب. كما أن هذه الدراسة تختلف عن بعض الدراسات السابقة التي انتهجت نفس المنهج في محاولتها استكشاف أثر المكان والإقليمية الجغرافية على قرار الناخب.

المبحث الثاني

دور العشائر والعشائرية والأحزاب في الحياة السياسية الأردنية

أولاً : دور العشائر والعشائرية في الحياة السياسية: يُطلق مصطلح العشيرة على مجموعة الأشخاص الذين تجمعهم رابطة الدم، أو هكذا يعتقدون. ويمكن تعريفها على أنها تجمع اجتماعي مؤسس على القربى، وعلى الجوار الجغرافي. ولفترة طويلة آان أفراد العشيرة يقطنون منطقة جغرافية واحدة، إلى أن ازداد عدد أفراد العشائر وانتشر أفرادها في أقاليم ومناطق مختلفة. ولفظ القبيلة هو مصطلح أوسع من العشيرة، وعادة ما تتكون القبيلة من عدد من العشائر التي تتكون بدورها من بطون وأفخاذ. وقد أجبرت الظروف الاقتصادية والأمنية بعض العشائر الصغيرة إلى إعلان انضمامها إلى العشائر الكبيرة، مكونة ما يسمى باتحاد العشائر التي ترتبط من خلال المصالح المشترآة بدل رابطة الدم. وقبل عصر الدولة الأردنية، آانت العشائر تنتخب من بين شيوخها شيخ مشايخ القبيلة، والذي كان يعتبر الزعيم السياسي، والناطق الرسمي لها. ومع التطور الذي شهدته الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بدأت مظاهر الاستقلال العشائري تتزايد، واختفت ظاهرة شيخ مشايخ القبيلة، وتعززت ظاهرة شيوخ ووجهاء العشائر، ومع تقدم الوقت شهدت العشيرة الواحدة انقسامات داخلية أظهرت عجز شيوخ العشائر عن فرض سيطرتهم على أفراد عشيرتهم، بسبب تزايد اعتزاز الأفراد بآرائهم الشخصية المستقلة عن رأي شيخ العشيرة. (Layne, 1995, p 128).

  وكغيرها من المناطق العربية التي كانت تخضع للإدارة العثمانية، انتشر على الأرض الأردنية عدد من القبائل والعشائر. وكثيراً ما لجأت السلطات العثمانية إلى شراء ولاء العشائر لضمان استمرارية السيطرة عليها، وحماية قوافل الحجاج. وآثيراً ما قامت بعض العشائر القوية بجمع الإتاوة مقابل حماية العشائر الصغيرة وكسب ولائها.

   وعندما تأسست إمارة شرق الأردن، كانت أراضيها تحتوي على ثلاثة أنواع من العشائر: أولها العشائر المستقرة في إربد، وعجلون والسلط والكرك ومعان والطفيلة والعقبة. والعشائر البدوية المستقرة كعشائر بني حسن وبني عباد وبني حميد، والبلقاوية، والعشائر الأخرى الموجودة خارج المدن السابقة الذكر. والعشائر البدوية غير المستقرة كعشائر الحويطات، وبني صخر والرولة ... وغيرها (العبادي، ١٩٨٨م، ص ص ٥١ -٢٤).

العشائرية و الحياة البرلمانية الأردنية :

  سيطرت العشيرة ممثلة بشيوخها ووجهائها، على نصيب الأسد من أعضاء المجالس الأردنية منذ تأسيسها حتى الآن. ففي المجالس النيابية التي تم تشكيلها زمن الأمارة، كانت العشائر ترسل مندوبيها ليتم اختيار أعضاء مجلس النواب منهم في انتخاب غير مباشر. وبالطبع فإن العشائر الكبيرة المتنفذة هي التي كانت تسيطر على تلك المجالس، ذلك أن الغاية من تلك المجالس لم تكن مراقبة الحكومة، أو اقتراح القوانين، بقدر ما كان هدفها توفير الدعم للسلطة التنفيذية (زريقات، ١٩٩٢م، ص ص ١٥٢ - ١٥١).

  وفي الفترة الممتدة بين عامي ١٩٢٨م و ١٩٤٦م حصل ممثلو ٣٦ عشيرة على كل المقاعد النيابية، في حين حصل ممثلو ١٨٣ عشيرة على المقاعد الـ ٤٣٧ التي مثلت مجالس النواب في الفترة الممتدة بين عامي ١٩٤٧م و ١٩٦٩م. وعلى الرغم من أن دستور عام ١٩٥٢م قد ضمن للمرشحين حق وجود ممثلين لهم في قاعات الاقتراع والفرز، ومنح لمجلس النواب سلطات إضافية كاقتراح مشاريع القوانين، ومراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ومناقشة السياسة الخارجية، غير أن العشائرية استمرت في السيطرة على المجالس النيابية التالية. فقد لوحظ تكرار تمثيل عشائر محددة في المجالس النيابية المتكررة آعشائر المفتي والمجالي والجازي والفايز والنمر والقضاة والطراونة والمصري والخطيب وعريقات والمعايطة (زريقات، ١٩٩٢، ص ١٦٧).

  ولا شك أن تجربة الحكومة مع المجالس النيابية التي يغلب عليها الطابع الحزبي في الخمسينيات من القرن العشرين، جعلها تفضل التعامل مع المجالس التي يغلب على أعضائها ممثلو العشائر ووجهائها، وقد جاءت القرارات الحكومية بحظر الأحزاب السياسية في الخمسينيات لصالح العودة إلى التمثيل العشائري للسكان، في حين برزت الأحزاب كبديل محتمل للتمثيل العشائري في الخمسينيات ومطلع الستينيات، وإلى حد ما في الانتخابات النيابية لعام١٩٨٩ (Layne, 1986, pp 122-124). كما كانت الصورة المظلمة التي صورت بها الأحزاب السياسية من قبل السلطة التنفيذية، وعجز الكثير من الأحزاب السياسية عن إقناع المواطنين بمبادئها وأهدافها أو قدرتها على تحقيق هذه الأهداف، وخاصة تلك المتعلقة باستعادة الأرض التي احتلتها إسرائيل، سبباً آخر في تعزيز التمثيل العشائري في الحياة السياسية الأردنية.

   وعند عودة الديمقراطية من خلال انتخابات عام ١٩٨٩، حاز التنظيم السياسي الذي بقي يمارس نشاطه على الساحة الأردنية طيلة غياب المجلس النيابي، وهي جماعة "الأخوان المسلمون" على نحو ٢٠% من مقاعد المجلس. كما كانت الانتخابات الفرعية التي جرت في أعقاب حل المجلس الاستشاري قد شهدت تمثيلاً حزبياً أكبر، وتركيزاً على فئة المثقفين والنقابيين من شرائح المجتمع (زريقات، ١٩٩٢، ص ١٦٩).

   وقد أدى ظهور قيادات غير عشائرية على ساحة التنظيمات السياسية شاهداً على التوجه الجماهيري نحو التصويت الحزبي، ولعل هذا كان أحد الأسباب التي دفعت الحكومة إلى السماح بترخيص الأحزاب السياسية، رغبة منها في إضفاء هذه الصفة على الشرائح العشائرية. فظهرت أحزاب الوسط التي تعتمد في الغالب على الدعم العشائري والإنجازات الشخصية لأعضائها ومؤسسيها. ولا شك أن حداثة آثير من هذه الأحزاب وافتقارها إلى أيديولوجيات وبرامج مقنعة للناخبين، مقابل الاستمرارية التي حظي بها حزب جبهة العمل الإسلامي، من خلال جماعة الأخوان المسلمين والتنظيم الجيد الذي أظهره، والأيدلوجية والبرامج التي قدمها، زاد من فرص نجاحه في انتخابات عام ١٩٨٩م، وإلى حد ما عام ١٩٩٣م. وقد جاء قانون الصوت الواحد لتعزيز فرص الأحزاب الجديدة التي يستند أعضاؤها إلى الخلفية العشائرية، حيث أن المكاسب التي كانت تحققها الأحزاب الدينية من خلال التحالفات، حقق لها نجاحاً كبيراً في انتخابات عام ١٩٨٩م. ولذلك جاءت نتائج انتخابات عام ١٩٩٣م انتصاراً للمرشحين الذين يستندون إلى الدعم العائلي والعشائري، فالتصويت العشائري يستند في الغالب إلى الاسم وليس إلى الشخص، والولاء العشائري ولاء أتوماتيكي أقرب إلى الثبات من الولاء الحزبي الديناميكي.

   ويرى بعض الباحثين أن العودة إلى المجتمع العشائري هي تراجع إلى ما كانت عليه البلاد قبل الأربعينيات من القرن العشرين، وهي فترة ما قبل عصر الدولة والمؤسسات. وأن الروابط العشائرية أو العائلية هي تعصب لا يلائم عصر الدولة، وأن الولاء العشائري هو ولاء أعمى. (صحيفة الرأي ١٩٩٤ /٩ /٣) بينما يرفض آخرون تصوير العشائرية على أنها عودة للتخلف والرجعية وإعادة البلاد إلى العصور القديمة التي سبقت عصر الدولة والقانون والمميزات .(Layne, 1986, pp 124-125) للمرشحين الشخصية.

ثانيا. دور الأحزاب في الحياة السياسية :

  بدأت التجربة الحزبية في الأردن منذ إعلان استقلال الدولة الأردنية عام ١٩٤٦م. حيث منحت المادة ١٦ من الدستور الأردني الذي بدأ العمل به بعد الاستقلال، الحق لأبناء الشعب الأردني بتأسيس الأحزاب السياسية بهدف قيام نظام سياسي يستند إلى التعددية السياسية. وقبل ذلك سيطر شيوخ العشائر على التنظيمات السياسية في زمن الأمارة. وقد اشتركت الأحزاب السياسية في المجلس النيابي الأول الذي أعقب الاستقلال، وتم تشكيله في ١٩٤٧ /٤ /١٦م. (الأمانة العامة لمجلس الأمة، ١٩٩٣م، ص ٢٢).

   وقد عزز دستور ١٩٥٢م، الذي أعلن عنه في عهد الملك طلال في ١/٨/ ١٩٥٢م، حق أبناء الشعب في تأسيس الأحزاب. غير أن الصراع السياسي بين المجلس النيابي، والحكومة، أدى إلى إصدار قانون مكافحة الشيوعية عام ١٩٥٤م، والأحزاب العقائدية الاشتراكية. وعلى الرغم من ذلك فقد فاز عدد من أعضاء بعض الأحزاب آالحزب الشيوعي، والبعث العربي، والإخوان المسلمين وحزب التحرير، في المجلس النيابي الرابع عام ١٩٥٤م. (زريقات، ١٩٩٢م، ص ١٦٧) وفي العام نفسه أصدرت حكومة رئيس الوزراء أبو الهدى قانون الدفاع رقم ٤ لعام ١٩٥٤م، حظر بموجبه ترخيص الأحزاب التي لا تتوافق وأهدافها مع " المصلحة العامة "، وحل الأحزاب التي لا ينطبق عليها هذا الشرط. وفي المجلس النيابي الخامس فاز الحزب الاشتراكي بأحد عشر مقعداً، مقابل مقعدين لحزب البعث، ومقعدين للحزب الشيوعي، وأربعة مقاعد للأحزاب الإسلامية. وقد عُهد إلى سليمان النابلسي أمين عام الحزب الاشتراكي بتشكيل الحكومة الأردنية في ١٠ /٢٩/ ١٩٥٦. وفي أعقاب العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦، واحتدام الصراع بين النواب والحكومة، أعلن عن حل مجلس النواب الخامس، وحل الأحزاب السياسية، وحظرها نهائياً في نيسان من عام ١٩٥٧، وأعيد بعضها عام ١٩٦٢ (Layne, 1986, pp 70-85) وقد غاب التمثيل النيابي عن الحياة السياسية الأردنية بين عامي ١٩٦٧، ١٩٨، بسبب احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وصعوبة إجراء انتخابات نيابية فيها بسبب ظروف الاحتلال.

  وعند عودة الحياة النيابية، من خلال الإعلان عن الانتخابات النيابية لعام ١٩٨٩، وبالرغم من عدم التصريح للأحزاب السياسية بممارسة نشاطها، فقد فاز عدد من أعضائها في انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر بعد الاستقلال. وفي عام ١٩٩٢م، صدر قانون الأحزاب السياسية رقم ٣٢ لعام ١٩٩٢م. غير أنه لم يتم التصريح للأحزاب السياسية بممارسة نشاطها بموجب الميثاق الوطني الذي أعلن عن قيام دولة القانون والتعددية السياسية، وفقاً لدستور ١٩٥٢م.

   وفي الفترة الممتدة بين كانون الأول ١٩٩٢م، وأيلول من عام ١٩٩٤م، تم ترخيص نحو ٢٣ حزباً مثل: التجمع الوطني الأردني، العهد الأردني، التقدمي الديمقراطي، الشعب الديمقراطي الأردني (حشد)، الديمقراطي الاشتراكي الأردني، التقدم والعدالة، اليقظة، الوحدة الشعبية الديمقراطية الأردني، الوحدوي العربي الديمقراطي (وعد)، الحركة الإسلامية الديمقراطية (دعاء)، البعث العربي التقدمي، جبهة العمل القومي العربي الديمقراطي الأردني، الجماهير العربي الأردني، الجبهة الدستورية العربية، وحزب الأحرار. وقد مرت الأحزاب السياسية الأردنية خلال فترة حياتها بثلاث مراحل:

   كانت الأولى في عهد الأمارة، حيث كانت صغيرة من حيث العدد والحجم، يتزعمها شيوخ العشائر ووجهاءها، وتفتقر إلى العقيدة السياسية والأهداف الواضحة. واستمرت المرحلة الثانية منذ استقلال المملكة عام ١٩٤٦م، حتى عام ١٩٥٧م، حيث تميزت بوضوح المبادئ والعقائد، وظهرت خلالها الأحزاب القومية واليسارية والدينية، وقد شهدت هذه المرحلة صراعاً مريراً بين الأحزاب السياسية من خلال ممثليها في مجالس النواب المختلفة، والحكومة. أما المرحلة الثالثة فقد بدأت منذ عام ١٩٨٩م، واستمرت بعد إصدار قانون الأحزاب السياسية عام ١٩٩٢م. وقد تعددت خلالها الأطياف السياسية لتلك الأحزاب ليصل عددها إلى ٢٣ حزباً. (الزعبي، ١٩٩٥م، ص ٩١).

    ويعتقد أن الأحزاب الأردنية لم تصل إلى مرحلة النضوج الفكري الذي يستقطب الأتباع والمؤيدين من بين أفراد المجتمع الأردني. ويعود السبب في ذلك إلى غياب التنظيم الحزبي عن الحياة السياسية الأردنية، بسبب الحظر الذي فرضته الأحكام العرفية على الأحزاب حتى عام ١٩٩٢. ونظراً لعمرها القصير نسبياً، فإن الأحزاب السياسية لم تدخل الانتخابات النيابية ممثلة لأهدافها ومبادئها، بل خاضتها بأشخاص أعضائها الذين غالباً ما استندوا إلى انتماءاتهم الاجتماعية والعشائرية، أو إلى إنجازاتهم الشخصية أو المادية، أو علاقاتهم السياسية بمراكز القوى السياسية. وهكذا فلم تكن الأحزاب السياسية قادرة على مواجهة الجماهير بأهدافها غير المتبلورة، أو غير المقنعة أحياناً، ربما باستثناء بعض الأحزاب الدينية التي تميزت بالتنظيم ووضوح المبادئ والأهداف. وقد توانت آثير من الأحزاب السياسية الجديدة عن طرح مرشحيها في الانتخابات النيابية لعامي ١٩٩٧ ،١٩٩٣، واخفت انتماءاتهم الحزبية. ربما بسبب إدراك هذه الأحزاب للأثر السلبي الذي قد ينعكس عليها بسبب تخوف المواطنين من الانتماءات الحزبية، التي اعتبرت لفترة طويلة محظورة وغير مقبولة، أو بسبب عجز بعض هذه الأحزاب عن استقطاب المواطنين. (الشلبي، ١٩٩٤م، ص ص ١١- .(١٣ الحياة النيابية في الأردن : شكل الأمير عبد االله لجنة وطنية لصياغة قانون لانتخابات مجلس تشريعي للأمارة في أوائل تموز من عام ١٩٢٣م، غير أن توالي الأحداث السياسية في الأمارة، حال دون تطبيق القانون الذي صاغته اللجنة في ١٩٢٤ /١٢ /٩م. (مهنا حداد، ١٩٩١م، ص ٢٨).

  وقد استبدل هذا القانون بقانون المجلس التشريعي لعام ١٩٢٨م بعد توقيع المعاهدة البريطانية الأردنية، التي اعترفت بريطانيا بموجبها بحكومة شرق الأردن، وقد أجريت أول انتخابات أردنية عام ١٩٢٩، حيث استمر المجلس النيابي الأول، الذي عقد في ١٩٢٩ /٤ /٢م لمدة عامين، قبل أن يحله الأمير عبد االله، نتيجة لاحتدام الصراع بينه وبين الحكومة. وقد نص قانون الانتخابات الجديد على أن يتم الانتخاب على مرحلتين: يقوم أبناء العشائر بإرسال مندوبين عنهم في المرحلة الأولى، ويختار هؤلاء من بينهم ممثلين عنهم وعددهم ١٦ للمجلس التشريعي في المرحلة الثانية. وقد تم انتخاب المجلس التشريعي في عهد الأمارة عام ١٩٣١م ولمدة ثلاث سنوات، تلاه المجلس الثالث الذي عقد أولى اجتماعاته في ١٩٣٤ /١١ /١م، وقد امتدت ولاية المجلس الرابع بين ١٩٣٧ /١٠ /١٦م و ١٩٤٠ /١٠ /١٦م، ومددت فترته مدة سنتان حتى ١٩٤٢/١٠/١٦م. وقبل انتهاء مدته أجرى هذا المجلس تعديلاً على قانون الانتخابات حيث قسم الأمارة إلى خمس مناطق انتخابية هي: البلقاء وعجلون والكرك ومعان والبادية. وقد تم انتخاب أعضاء المجلس الخامس على أساسها في ١٩٤٢ /١١ /٢٠، واستمر لمدة خمس سنوات بعد تمديد فترة انعقاده مدة سنتين، حيث حصلت المملكة على استقلالها خلال فترة انعقاده (الأمانة العامة لمجلس الأمة، ١٩٩٣م، ص ص ٢١٩-٢١٧). وبعد الاستقلال، تم تعديل قانون الانتخاب في ١٩٤٧ /٤ /١٦م بحيث قسمت المملكة إلى تسع دوائر انتخابية هي: عمان، ومادبا، وعجلون، والكرك، والسلط، وإربد، وجرش، والطفيلة، ومعان، وانتخب على أساسها المجلس السادس أو الأول بعد الاستقلال. وقد تم حل هذا المجلس عام ١٩٤٩م، بسبب قيام الوحدة بين ضفتي نهر الأردن، حيث ضم المجلس الثاني ممثلين عن الضفة الغربية، والذي أقر الوحدة بين الضفتين في ١٩٥١ /٥ /٣م. وقد اغتيل الملك عبد االله خلال فترة المجلس الثالث، الذي عقد أولى جلساته في ١٩٥١ /٩ /١. وفي عام ١٩٥٢م وضع دستور جديد للبلاد عند تولي الملك طلال الحكم، وعلى أساسه تم انتخاب أعضاء المجلس النيابي الرابع بتاريخ ١٩٥٤ /١١ /١٧م. وقد شهدت فترته نزاعاً بين أعضاءه وبين السلطة التنفيذية، الأمر الذي أدى إلى حله في ١٩٥٦ /٦ /٢٦م. وقد حل المجلس الخامس مكانه في ١٩٥٦/١٠/٢١م. وفي زمن هذا المجلس الذي ضم أعضاء من الأحزاب الوطنية، ألغيت المعاهدة البريطانية الأردنية في ١٩٥٧ /٣ /٤م. وبسبب المواقف المتشددة للمجلس إزاء العدوان الثلاثي على مصر، وطلبه من الحكومة الاعتراف بالاتحاد السوفيتي والصين الشعبية، ونتيجة لفشل عدد من الشخصيات الأردنية في تشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة سليمان النابلسي التي استقالت في ١٩٥٧ /٤ /١٠م. وأصدرت الحكومة الجديدة بزعامة إبراهيم باشا قراراً بحل الأحزاب السياسية، آما أعلن عن فض دورة مجلس النواب في ١٩٥٧ /٢ /٢٨م. (الأمانة العامة لمجلس الأمة، ١٩٩٣م، ص ٢٢٠). وبموجب القانونين رقم ٢٤ و ٢٦ لعام ١٩٦٠م، تم تعديل قانون الانتخاب حيث زيد عدد أعضاء المجلس إلى ٦٠ عضواً للضفتين. آما قسم القانون الجديد المملكة إلى ١٧ دائرة انتخابية، ١٠ منها في الضفة الشرقية، و ٧ في الضفة الغربية. وقد خصص القانون الجديد ١٠ مقاعد للنصارى، و ٣ مقاعد للشرآس والشيشان، و ٣ مقاعد للبدو. وبموجب هذا القانون تم انتخاب المجلس النيابي السادس الذي امتدت فترته بين ١٩٦١/١٠/٢٢م حتى ١٩٦٢/١٠/٨م. وحل مكانه المجلس السابع بين ١٩٦٢/١١/٢٧م، ١٩٦٣/٤/٢١م. الذي تم حله قبل انتهاء مدته بسبب انعدام الثقة بينه وبين الحكومة آسابقيه. آما تم حل المجلس الثامن لنفس الأسباب، بعد أن أمضى ثلاث سنوات بين ١٩٦٣ /٧ /٨م و ١٩٦٦ /١٢ /٢٣م. وقبل احتلال (إسرائيل) للضفة الغربية وفي ١٩٦٧ /٤ /١٥م، انتخب أعضاء المجلس النيابي التاسع، الذي انتهت ولايته في ١٩٧١/٤/١٨م وتم تمديدها إلى ١٩٧١ /٣ /٣٠م. ومنذ ذلك الوقت، وبسبب ظروف احتلال الضفة الغربية، تعطلت الحياة النيابية في الأردن، حيث استبدل المجلس النيابي بالمجلس الوطني الاستشاري في ١٩٧٨/٤/٢٠م، والذي استمر حتى ١٩٨٤/١/٧م. وقد تم دعوة المجلس النيابي التاسع للانعقاد في ١٩٨٤/١/١٦م، حيث تم ملء الشواغر التي نجمت عن وفاة بعض أعضائه من خلال انتخابات تكميلية في الضفة الشرقية، جاءت بـ ١٤ نائباً جديداً، و ٦ نواب عن الضفة الغربية تم انتخابهم من قبل أعضاء المجلس. وفي ١٩٨٧/١٠/٢٢م، صدرت الإرادة الملكية بتجميد عمل المجلس لمدة عامين بسبب قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية. وقد تم تعديل قانون الانتخاب من خلال القانون رقم ٢٢ لعام ١٩٨٦م، والذي أخذ بعين الاعتبار فك الارتباط مع الضفة الغربية، وفي ١٩٨٩/١١/٨م انتخب المجلس النيابي الحادي عشر لمدة أربع سنوات، تلاه المجلس الثاني عشر في ١٩٩٣/١١/١٢م، ثم المجلس الثالث عشر عام ١٩٩٧م. وقد أجريت انتخابات عام ١٩٩٣ بموجب قانون الانتخابات الجديد، وهو القانون المؤقت رقم ١٥ لعام ١٩٩٣م، والذي أقر قانون الصوت الواحد (وزارة الداخلية، تموز ١٩٩٤م، ص ص ٦٩-٦٧). المبحث الثالث التحليل الإحصائي ونتائج الدراسة أولا. التباين في تأثير مجالات الدراسة على رأي الناخب في ضوء متغير المنطقة الجغرافية أو الإقليم (شمال، وسط، جنوب) أظهرت نتائج تحليل التباين الأحادي أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة ٠٫٠٥ لتأثير آافة مجالات الدراسة، وخاصة مجالي تأثير الحزبية والعشائرية على رأي الناخب الأردني، عند توجهه للإدلاء بصوته تبعاً لأقاليم المملكة الثلاث (الشمال والوسط والجنوب). (شكل رقم ٣). وقد أثبتت المقارنات البعديــة للأوساط الحسابيـــــــــة (نيومن آولز Neumann Kales) لنتائج التحليــــــل أن إقليــــــــم الوسط (محافظـــات الوسط الأربعة : عمان، والزرقاء، والبلقاء، ومادبا) هو الأآثر تأثراً بمتغير الحزبية بين أقاليم المملكة الثلاثة. يليه في ذلك إقليم الشمال (محافظات الشمال الأربعة : إربد، والمفرق، وجرش، وعجلون)، مقارنة مع إقليم الجنوب (محافظات الجنوب الأربعة: الكرك، والطفيلة، ومعان، والعقبة). وهذا ما يؤآد صحة الفرضية العدمية Ho التي تفترض أن سكان إقليم الوسط هم الأآثر تأثراً بالحزبية منهم في إقليم الشمال والجنوب، و يعود تفسير ذلك إلى ترآز الأنشطة الحزبية في العاصمة عمان ومدينة الزرقاء، حيث تشهد هذه المدن ولادة الأحزاب السياسية ونموها، إضافة إلى أن ارتفاع المستوى الثقافي والاجتماعي لشريحة واسعة من سكان هاتين المدينتين وبعض المدن الأخرى، أدى إلى زيادة الوعي الحزبي. و أدى هذا الأمر ليس فقط إلى زيادة أعداد المنتسبين للأحزاب السياسية، بل أيضاً نسبتهم إلى مجموع السكان. 

  كما أثبت التحليل أن إقليم الشمال يأتي في المرتبة الثانية فيما يتعلق بتأثر رأي الناخب بالأفكار الحزبية أو الولاء الحزبي، ربما أيضاً بسبب ارتفاع عدد السكان في مدن محافظات الشمال وازدياد الاختلاط الاجتماعي والإقليمي بين السكان فيه، كما هو الحال بالنسبة لإقليم الوسط. وفي المقابل فإن تأثير العشائرية على رأي الناخب قد تزايد وبصورة دالة إحصائياً، في إقليم الجنوب آما يوضح الجدول رقم (١). الأمر الذي يؤآد صحة الفرضية العدمية Ho التي تتنبأ بهذه النتيجة. ويعود ذلك إلى انخفاض الكثافة السكانية وعدد السكان عنها في محافظات الشمال والوسط، حيث يؤدي انخفاض الكثافة السكانية إلى زيادة الاتصال السكاني والارتباط العشائري بين السكان. كما أن العزلة الجغرافية بين هذا الإقليم وإقليم الوسط والشمال، بسبب البعد الجغرافي النسبي، ووجود مساحات من الأراضي ذات الكثافة السكانية المتخلخلة، عزز الارتباط الأسري والعشائري بين سكانه، وأضعف مثل هذا الارتباط مع الأقاليم الأخرى. كما أن ضعف الاتصال بين التجمعات السكانية نفسها في إقليم الجنوب قد أسهم إلى حد ما في تعزيز الروابط الأسرية والعشائرية بين المجموعات العشائرية فيه. 

جدول رقم (١) نتائج تحليل التباين الأحادي لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المنطقة أو الإقليم الجغرافي (شمال، وسط، جنوب)










  ويأتي إقليم الشمال في المرتبة الثانية، وبفارق ليس بكبير، فيما يتعلق بتأثر رأي الناخب بالولاء العشائري، بعد إقليم الجنوب آما يوضح الجدول رقم (٢). فالعدد الكبير للتجمعات الريفية والقرى في محافظات الشمال الأربعة، أدى إلى زيادة تأثير الطبيعة العشائرية على التصويت. ولا يتناقض ذلك مع آون إقليم الشمال يأتي في المرتبة الثانية أيضا من حيث تأثير رأي الناخب بالانتماء الحزبي. فهو هنا يأتي بعد إقليم الوسط، وفي الأولى يأتي بعد إقليم الجنوب، وبنسب متباينة. غير أن إقليم الجنوب بقي أآثر تأثراً بها، حيث بلغ المتوسط الحسابي لإقليم الجنوب نحو ٢٥٫٨٨ مقارنة مع ٢٣٫٧٦ لإقليم الشمال. وبقي آلاهما بعيداً عن إقليم الوسط الذي لم يُظهر التحليل أي تأثر للسكان فيه بالولاء العشائري. وقد تأثر سكان إقليم الوسط وبصورة دالة إحصائياً بصفات المرشح عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، حيث آان لمميزات المرشح الشخصية والاجتماعية دور آبير في اختياره لدى سكان إقليم الوسط مقارنة مع إقليمي الشمال والجنوب، مما يثبت صحة الفرضية العدمية.

جدول رقم (٢) المقارنات البعدية (نيومن آولز) لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المنطقة أو الإقليم الجغرافي (شمال، وسط، جنوب) 
المجال المتوسط الحسابي المتغير شمال جنوب وسط 


تأثير الحزبية ٣٠٫٩٢ شمال 
٣٣٫٠٣ وسط 
٢٩٫١٦ جنوب 
تأثير العشائرية ٢٣٫٧٦ شمال 
١٨٫٦٩ وسط 
٢٥٫٨٨ جنوب 


تأثير صفات المرشح ٢١٫٢٨ شمال 
٢٤٫٣٤ وسط 
٢٢٫٥٩ جنوب 





    أما فيما يتعلق بتأثر الناخب بالتركيب الطائفي والعرقي والقطري للمرشح، فقد أثبتت الدراسة أن الناخب في إقليم الشمال هو الأآثر تأثراً بها عند الإدلاء بصوته الانتخابي. ويأتي إقليم الجنوب في المرتبة الثانية. وبذلك تثبت صحة الفرضية التي ترى أن سكان المناطق التي يغلب عليها الطابع الحضري (إقليم الوسط) حيث يقطن نحو نصف سكان المملكة أقل تأثراً بالانتماء الطائفي أو العرقي أو حتى القطري للمرشح. ذلك أن الاختلاط العشائري والاجتماعي والطائفي في التجمعات السكانية الملتئمة الكبيرة، يؤدي بالضرورة إلى اختفاء هذا التباين بين السكان أو تناقصه. وتمشياً مع فرضيات الدراسة فإن ناخبي إقليم الوسط هم الأقل تأثراً بالمكاسب الشخصية التي يمكن أن يحققوها جراء الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، مقارنة مع إقليم الشمال والجنوب. فقد ارتفع الوسط الحسابي لإقليم الشمال إلى ١١٫٦٥مشيراً إلى أن الناخب في إقليم الشمال هو الأكثر حساباً للمنافع الشخصية التي يمكن أن يحققها، يليه في ذلك الناخب في إقليم الجنوب، حيث وصل المتوسط الحسابي لهذا الإقليم إلى ١٠٫٠٣ بفارق ليس كبير عن إقليم الشمال. ولعل انخفاض المتوسط الحسابي لسكان إقليم الوسط يفسره اهتمام الناخب بصفات المرشح وبرنامجه الانتخابي آمتغيرات يحسب حسابها، ويمكن أن تشبع رغباته وتحقق أهدافه. وقد أظهرت المقارنات البعدية أيضاً أن الناخب في إقليم الجنوب هو الأكثر تأثراً بعامل القرب الجغرافي والإقليمية مقارنة بإقليمي الوسط والشمال. غير أن الفارق في المتوسط الحسابي بين إقليمي الشمال والجنوب هو بسيط غير أنه ذو دلالة إحصائية. فقد بلغ المتوسط الحسابي لإقليم الجنوب ٧٫٧٤ مقارنة مع ٧٫١٣ لإقليم الشمال، وبفارق آبير عن إقليم الوسط الذي لم يتعدى متوسطه الحسابي ٥٫٩٥آما يوضح الجدول رقم (٢). 

    ولا شك أن الحياة الريفية، وغياب الاختلاط الإقليمي والجغرافي للسكان في محافظات الجنوب، وإلى حد ما الشمال، هو سبب ذلك. وأخيراً فإن الدراسة أثبتت، وتمشياً مع فرضياتها، أن إقليم الوسط هو أكثر أقاليم المملكة تأثراً بالبرنامج الانتخابي للمرشحين عند إدلاء الناخبين بأصواتهم الانتخابية، الأمر الذي يعكس ارتفاع المستوى الثقافي والاجتماعي للناخبين فيه مقارنة مع إقليمي الشمال والجنوب. ثانيا. تأثير مجالات الدراسة على رأي الناخب في ضوء متغير مكان السكن (حضر/ ريف).

    أظهرت نتائج تحليـــــــــل T - Test أن معظــم مجالات الدراسة السبعة، باستثناء تأثير العشائرية هي ذات تأثير ذو دلالة إحصائية عند مستوى ثقة ٠٫٠٠٠ على رأي الناخب في ضوء مكان السكن (حضر/ ريف) بصورة دالة إحصائياً. وعلى نحو مناقض لفرضيات الدراسة فلم يثبت التحليل أن سكان الريف هم أكثر عشائرية من سكان الحضر بصورة دالة إحصائياً، وبذلك فإنه يمكن رفض الفرضية العدمية Ho وقبول الفرضية البديلة. ويمكن التفكير في تفسيرين لهذه النتيجة، أولهما عدم الدقة في تعبئة الاستبيانات، أو رغبة المبحوث في إظهار صورة مغايرة للمألوف أو المتعارف عليه، ولا يعني ذلك بالضرورة أن سكان الحضر هم أكثر تأثراً بالعشائرية. فبالنظر إلى الجدول رقم (٣) يتضح لنا أن المتوسط الحسابي للمناطق الريفية (٢٧٫٥٦٦) هو أعلى من المتوسط الحسابي للمناطق الحضرية (٢٦٫١٤٨٩ )، دالاً على أن سكانها هم أكثر تأثراً بالولاء العشائري، غير أن الفروق في المتوسطات لم تكن ذات دلالة إحصائية عند مستوى الثقة ٠٫٠٥، ولذلك فإن هذه الفروقات يمكن أن تعزى إلى الصدفة. 

    وقد أثبت تحليــــــــــل T - Test أن هناك تأثيـر ذا دلالة إحصائية لصالح سكان الريف في مجالات تأثير الطائفية والعرقية، والمكاسب الشخصية، والقرب الجغرافي والإقليمية، أي أن الناخب في المناطق الريفية خارج حدود المدن الكبرى (عمان والزرقاء وإربد)، هم أكثر طائفية عند الإدلاء بأصواتهم، وهم أيضاً أكثر إقليمية من الناخبين الذين يسكنون في المناطق الحضرية. وبالطبع فإن هذا يتوافق مع فرضيات الدراسة التي ترى أن الإقليمية تتزايد مع زيادة العزلة الجغرافية وتناقص حجم السكان في التجمعات السكانية، نظراً لمعرفة الناخبين بالمرشحين وقربهم منهم، وإحساسهم بإدراك هؤلاء المرشحين لمشكلاتهم ومصادر معاناتهم. ولذلك فإنهم يتوقعون منهم تقديم المساعدات لهم، ليس بصورة جماعية من خلال المساعدة في سن التشريعات وتقديم الخدمات للأقاليم التي ينتمون إليها، بل من خلال تقديم مساعدات شخصية تطالهم بصورة خاصة، آالتوظيف مثلاً، أو أي مساعدات خدمية خاصة. ويعتقد البعض أن سكان الريف هم أقل طائفية من سكان الحضر على نحو مغاير لما أثبتته هذه الدراسة ولربما يكون ذلك صحيحاً، غير أنهم قد يكونوا أكثر تأثراً بالانتماء العرقي أو القطري، وكون هذه المتغيرات قد جمعت مع بعضها البعض (الطائفية والعرقية والقطرية) فقد أظهر التحليل وبصورة دالة إحصائياً أن سكان الريف هم أآثر طائفية وعرقية وقطرية من سكان الحضر. ذلك أنه من الممكن أن يكون سكان الريف أقل طائفية، ولكنهم أكثر تأثراً بالانتماءات العرقية والقطرية،ولذلك ظهرت النتيجة التراكمية على أنهم أيضاً أكثر طائفية من سكان الحضر. ويظهر الجدول رقم (٣) أن الناخبين من سكان الحضر هم أكثر تأثراً بصفات المرشح وبرامجه الانتخابية، وبصورة دالة إحصائياً أكثر من أقرانهم سكان الريف. وتتوافق هذه النتيجة مع ما أظهرته نتائج تحليل التباين الأحادي في ضوء متغير الإقليم الجغرافي. حيث ظهر أن سكان إقليم الوسط الأآثر تحضراً (نسبة السكان الذين يسكنون المناطق الحضرية) هم أآثر تأثراً بصفات المرشح وببرامج المرشحين الانتخابية من سكان القرى ومناطق البادية عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، وينسحب التفسير الأول على هذه النتيجة أيضاً. 
جدول رقم (٣) نتائج تحليل T - Test لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير مكان السكن (حضر/ ريف) 



ثالثا. التباين في تأثير مجالات الدراسة في ضوء المتغيرات المستقلة الأخرى تم إجراء تحليل التباين الأحادي لمعرفة تأثير مجالات الدراسة السبعة على رأي الناخب الأردني عند الإدلاء بصوته في ضوء المتغيرات المستقلة الثلاثة (العمر، والمهنة، والمستوى التعليمي) حيث قسمت هذه المتغيرات الثلاثة لأكثر من مستويين، بينما أجري التحليل الإحصـــائي T - Test لمعرفة تأثير مــــجالات الدراسة على رأي الناخب في ضوء المتغيرات المستقلة الباقية وهي : الجنس والطائفة أو الدين، ذلك أنه تم تقسيم هذان المتغيران إلى مستويين لكل منهما، حيث استثنيت مجموعة ديانات أخرى، واكتفى بالديانتين الإسلامية والنصرانية، لقلة أعداد المبحوثين من الديانات الأخرى. وفيما يلي نتائج هذا التحليل: 

أ – تحليل التباين لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير العمر أظهرت نتائج تحليل التباين الأحادي أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية عند مستوى دلالة ٠٫٠٥ لأربعة من متغيرات الدراسة المعتمدة وهي : الحزبية، وصفات المرشح، والمكاسب الشخصية، والقرب الجغرافي أو الإقليمية. في حين أظهر التحليل أن فروق المتوسطات التي ظهرت بالنسبة لمتغيري العشائرية، والبرنامج الانتخابي، كانت على المرجح بمحض الصدفة، وليست دالة إحصائياً. وعند إجراء المقارنات البعدية (نيومن كولز) للمتغيرات الخمس الدالة إحصائياً، تبين أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين ٣٠ – ١٩ عاماً هم أكثر الناخبين تأثراً بالأفكار الحزبية والانتماء الحزبي عند إدلائهم بأصواتهم الانتخابية. وهذا يتوافق مع فرضيات الدراسة، ويثبت صحة الفرضية العدمية Ho التي تتنبأ بأن الشبان هم الأكثر تأثراً بالانتماءات الحزبية. ومن خلال النظر إلى المتوسطات الحسابية في الجدول رقم (٤) نلاحظ أن الناخبين في الفئة العمرية التي تزيد على ٥٠ عاماً يأتون في المرتبة الثانية بعد الشباب في تأييد المرشحين الحزبيين، وبفارق بسيط عنهم.

جدول رقم (٤) نتائج تحليل التباين الأحادي لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير العمر 



   ولعل اندفاع الشباب في المراحل العمرية الأولى، وتطلعهم إلى المرشح الحزبي آمخلص من بعض المشكلات التي يعاني منها المجتمع بشكل عام، والفئات الشبابية بشكل خاص، هو ما يدفعهم بهذا الاتجاه. وتأتي مرحلة الاستقرار المهني والوظيفي والاجتماعي لدى الفئات العمرية بين ٥٠ – ٣٠ سنة، حيث يعتقد هؤلاء أن الابتعاد عن الارتباطات الحزبية سيؤمن لهم حياة أكثر استقرارا". ثم تأتي الفئة العمرية التي عاصرت النشاط الحزبي في الأردن في الخمسينات، لتأمل ربما بعودة مثل ذلك النشاط والتنافس الحزبي الذي تحترمه، وتتمنى عودته.

جدول رقم (٥) المقارنات البعدية (نيومن آولز) لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير العمر



  كما يبين الجدول رقم (٥) أن الفئات العمرية الأولى (٣٠ – ١٩) والأخيرة (أكثر من ٥٠ سنة) هما الأكثر تأثراً بصفات المرشح عند الإدلاء بصوته الانتخابي. أي أن صفات المرشح من حيث العمر والمكانة الاجتماعية والسياسية وغيرها، لها دور بارز في اختياره من قبل هذه الفئات العمرية. في حين أن الفئات العمرية المتوسطة لم تحسب كثيراً لهذا المتغير عند اختيارها لمرشحها. وأخيراً فإن الفئات العمرية التي تزيد عن ٥٠ سنة هي الأكثر تأثراً بعامل الإقليمية، أو القرب الجغرافي عند الإدلاء بأصواتهم، مقارنة مع الفئات العمرية الصغيرة والمتوسطة. ولعل ضعف الاتصال الاجتماعي لتلك الفئة وقلة حرآتها يضيق دائرة اتصالها السياسي، وتقبلها للمرشحين الأبعد جغرافياً. حتى ضمن الدائرة الانتخابية الواحدة، فإن هؤلاء الناس يشعرون بأن المرشح الذي ينتمي إلى قريتهم أو تلك المجاورة إليها هو الأحق في الحصول على الصوت الانتخابي من المرشح الأبعد. ويعود ذلك ربما إلى شعورهم بأن المرشح سيكون أقدر على تفهم مشكلاتهم، أو أنه يسعى بالضرورة للنهوض بمنطقتهم. 

ب – تحليل التباين لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المهنة عند مستوى دلالة ٠٫٠٥ أظهرت نتائج تحليل التباين الأحادي أن هناك فروقاً ذات دلالة إحصائية لخمسة من أصل سبعة مجالات للدراسة في ضوء متغير المهنة. فلم تكن الفروقات الناجمة عن التغير في طبيعة المهنة ذات دلالة إحصائية في مجالي تأثير الحزبية، وتأثير الطائفية والعرقية والقطرية. في حين أظهرت مثل تلك الفروق دلالة إحصائية في مجالات تأثير العشائرية، وصفات المرشح، والمكاسب الشخصية، والقرب الجغرافي أو الإقليمية، والبرنامج الانتخابي للمرشحين، آما يوضح الجدول رقم (٦). 

جدول رقم (٦) نتائج تحليل التباين الأحادي لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المهنة



  فقد أظهرت المقارنات البعدية أن المزارعين هم أكثر الناخبين تأثراً بالانتماءات العشائرية، حيث حصلوا على أعلى متوسط حسابي، تبعهم في ذلك التجار، آما يوضح الجدول رقم (٧). ولعل الدائرة الضيقة لاتصال المزارعين، وإلى حد ما التجار، وخاصة التجار الصغار، أو ما يطلق عليهم تجار المفرق، هو المسئولة عن تمسكهم بالانتماء العشائري عند الإدلاء بأصواتهم. ولا شك أن معظم الذين أثبتوا مهنهم في الاستبانة على أنهم مزارعين أو تجار آانوا من المزارعين أو التجار الصغار. ولا يعني ذلك أن المزارعين والتجار هم أكثر تأثرا بالولاء العشائري من البدو، غير أن متغيرات المهنة لا تتضمن خيارا يشير إلى البداوة آمهنة.

جدول رقم (٧) المقارنات البعدية (نيومن آولز) لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المهنة



   أما فيما يتعلق بتأثير صفات المرشح، فإن العاملين في القطاع الخاص كانوا أكثر من تأثر بمتغير صفات المرشح عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية، فقد تكون الأسس التي تم اعتمادها في اختيار العاملين في القطاع الخاص والتي تستند إلى الكفاءات الشخصية، ربما مع بعض الاستثناءات، هي التي ولدت لديهم قناعات بأن مميزات الشخص وآفاءاته هي أحد أهم المعايير التي يجب أن تؤثر في اختياره. حتى في مجال الانتخابات النيابية، ويأتي غير العاملين، أو العاطلون عن العمل في المرتبة الثانية من حيث تأثر أصواتهم الانتخابية بصفات المرشح. ذلك أنهم يأملون ربما في مساعدة المرشحين الذين يحظون بثقل اجتماعي وسياسي.

    ويبين لنا الجدول رقم (٧) أيضاً أن العمال والتجار هم أكثر من يحسب الحساب للمكاسب الشخصية التي يمكن أن يحققونها عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية وبمتوسطات حسابية متقاربة. بينما سجل موظفو القطاع العام أدنى متوسط حسابي، ليدل على عدم حاجتهم لأية مكاسب يحققونها. والمزارعون هم أكثر إقليمية وتأثراً بالقرب الجغرافي للمرشح عند إدلائهم بأصواتهم، مما يعكس طبيعة المسافة الجغرافية الضيقة التي يتحرآون ضمنها. ويقف التجار على رأس قائمة المتأثرين بالبرامج الانتخابية للمرشحين وبفارق آبير في متوسطهم الحسابي عن أصحاب المهن الأخرى. ولا يمكن القول أن البرامج الانتخابية تتناول قضايا التجار دون غيرهم، غير أنه يمكن القول أن التجار هم الأكثر قرباً لهذه البرامج التي كثيراً ما يعلن عنها في لافتات وملصقات على أبواب محالهم التجارية، آما أنهم وبحكم الأوقات المتوفرة لديهم يمكنهم الإطلاع على هذه البرامج ومقارنتها. جـ – تحليل التباين لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المستوى التعليمي باستثناء تأثير البرنامج الانتخابي، فإن كافة مجالات الدراسة قد أثبتت وجود فروق إحصائية دالة في ضوء متغير المستوى التعليمي آما يظهر الجدول رقم (٨). 

جدول رقم (٨) نتائج تحليل التباين الأحادي لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المستوى التعليمي

المصدر: من عمل الباحث

   فعلى نحو متوافق مع فرضيات الدراسة فإنه كلما ارتفع المستوى التعليمي للناخبين فإن تأثرهم بالانتماءات الحزبية يتزايد، والعكس صحيح. فبحكم قدرة المتعلمين على الإطلاع على برامج الأحزاب ومتابعة طروحاتها السياسية، فإنه من المتوقع أن يزداد عدد المتأثرين بها. ويظهر الجدول رقم (٨) أن حملة درجة البكالوريوس والدراسات العليا (الدبلوم والماجستير والدآتوراه) هم أكثر الناس تأثراً بالولاءات الحزبية عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية. وفي الوقت نفسه يوضح الجدول أن الأميين من الناخبين هم الأقل تأثراً بالأحزاب السياسية والأقل تصويتاً لمرشحيها، وعلى النقيض من ذلك تماماً، فإن الأميين هم أكثر الناس تصويتاً لمرشح العشيرة، حيث حصلوا على أعلى متوسط حسابي مقارنة بالمستويات التعليمية الأخرى. وقد أثبت التحليل أن الأميين أيضاً هم أآثر من تأثروا بصفات المرشح عند الإدلاء بأصواتهم الانتخابية. ولعل اعتقادهم بأن المرشح الذي يتمتع بمزايا، وسمعة، ومكانة عالية في الدولة، لا بد وأن يكون الأقوى بين المرشحين ويتمتع بفرص أكثر لتحقيق أهدافه في البرلمان. وقد ثبتت صحة الفرضية العدمية القائلة بأنه آلما ارتفع المستوى التعليمي للناخبين فإن تأثرهم بالتباين الطائفي والعرقي والقطري يتناقص، عندما أثبتت المقارنات البعدية أن الأميين من الناخبين قد حصلوا على أعلى متوسط حسابي مقارنة بأقرانهم حملة الدرجات العلمية الأخرى. وفي المقابل فإن حملة درجات الدراسات العليا هم الأقل تأثراً بهذا المتغير، عندما سجلوا أدنى متوسط حسابي (٨٫٩٩٢٨) آما يشير الجدول رقم (٩). والأميون مرة أخرى هم أكثر من توقع تحقيق مكاسب شخصية نتيجة منح أصواتهم لمرشحيهم. وذلك بحصولهم على أعلى متوسط حسابي، مقارنة بحملة الدرجات العليا الذين حصلوا على أدنى متوسط حسابي في المقارنات البعدية، وهم أنفسهم، أي الأميون، من تأثروا أكثر بالإقليمية أو قرب المرشح الجغرافي لبلدتهم، وذلك بسبب ضيق مساحة الحركة التي يتنقلون خلالها، وضعف اتصالهم الاجتماعي. 


جدول رقم (٩) المقارنات البعدية (نيومن آولز) لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير المستوى التعليمي 



د – نتائج تحليل تأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير الجنس (ذكور/ إناث)

   أثبت تحليـــــل T - Test أن أربع من أصل سبـع مجالات لمتغيرات الدراسة التابعة (أو المعتمدة، أو المتأثرة) (Independent) فيها فروق إحصائية دالة في ضوء متغير جنس الناخب. فقد أثبت التحليل أنه ليس هناك فروقاً بين الذكور والإناث فيما يتعلق بتأثير الانتماءات الحزبية والعشائرية والبرامج الانتخابية، وأن الفروق التي أظهرها التحليل وبينها الجدول رقم (١٠) آانت بمحض الصدفة، وليس لها دلالة إحصائية. 

جدول رقم (١٠) نتائج تحليل T - Test لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير الجنس (ذكور/ إناث)



   أما فيما يتعلق بالمجالات الأربعة الباقية وهي : التأثر بصفات المرشح، والتأثر بالانتماء الطائفي والعرقي والقطري، والتأثر بالإقليمية والقرب الجغرافي للمرشح، فإن الذكور من الناخبين كانوا أكثر تأثراً بصفات المرشح من الإناث عند مستوى دلالة (٠٫٠٠٠)، في حين كانت الإناث أكثر تأثراً بالمتغيرات الثلاث الباقية. وقد تكون قدرة الذآور على الإطلاع أآثر على بعض صفات المرشحين يجعلهم يعطون وزناً أكبر لهذا المتغير دون غيره، في حين أن عزلة النساء النسبية مقارنة مع الرجال جعلهن أقل تسامحاً فيما يتعلق بالانتماء الطائفي والعرقي والقطري. وهذه النتيجة تتوافق مع فرضيات الدراسة التي ترى أن العزلة الجغرافية والاجتماعية للسكان تحدد فرص انفتاحهم الفكري، وينطبق ذلك على تأثر النساء بمتغير الطائفية والعرقية وكذا القرب الجغرافي والإقليمية، أما بالنسبة لمتغير المكاسب الشخصية فإن رغبة النساء في تحقيق مكاسب شخصية لعائلاتهن تفوق رغبة الرجال كما أثبت التحليل. 

هـ – نتائج تحليل تأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير الدين (مسلم/ نصراني) لقد أثبت تحليـــــل T - Test أن لا فـــــروق ذات دلالة إحصائية في تأثير متغيرات الدراسة التابعة (Independent) في ضوء متغير الدين. أي أنه لا فرق بين المسلمين والنصارى في مدى تأثرهم بمجالات الدراسة باستثناء متغيري صفات المرشح، والمكاسب الشخصية. فليس هناك فروق دالة إحصائيا" في مدى تأثير الو لاءات الحزبية والعشائرية، وكذلك تأثير الانتماء الطائفي والعرقي، والقرب الجغرافي، والبرنامج الانتخابي آما هو واضح في الجدول رقم (١١). غير أن التحليل أثبت أن النصارى هم أكثر تأثراً بصفات المرشح عند إدلائهم بأصواتهم من الناخبين المسلمين، بفارق ليس كبيراً في المتوسط الحسابي، غير أنه دال إحصائياً. وقد يكون ارتفاع المستوى التعليمي بين النصرانيين هو أحد أسباب تأثرهم بهذا المتغير أكثر من المسلمين. وليس هناك من تفسير لتأثر الناخب النصراني بمتغير المكاسب الشخصية أكثر من الناخب المسلم، حيث أثبت التحليل أن المتوسط الحسابي للناخبين النصرانيين، بالنسبة لهذا المتغير هو أعلى بقليل منه بالنسبة للناخبين المسلمين، غير أنه يبقى دالاً إحصائياً. 

جدول رقم (١١) نتائج تحليل T-Test لتأثير مجالات الدراسة في ضوء متغير الدين (مسلم / نصراني)



   وعلى عكس فرضيات الدراسة فإن تحليل T-Test لم يثبت أن المسلمين هم أكثر حزبية من النصرانيين، حيث افترضت الدراسة أن نسبة عالية من الشباب المسلمين ينتمون إلى الأحزاب الدينية، الأمر الذي لم تثبته الدراسة. رابعا. نتائج تحليل الأسئلة المتعلقة بالأحزاب السياسية عند حساب تأثير الانتماءات والولاءات الحزبية على اتجاهات الناخبين الأردنيين أخذ بعين الاعتبار المقولات (١١ ،١٠ ،٩ ،٣ ،٢) وتم استبعاد المقولات من ٨ – ٤ لأنها ستؤثر سلباً على نتائج تحليل مدى تأثر الناخبين بالأحزاب السياسية. فالأسئلة من ٨ – ٤ تهدف إلى قياس قوة تأثير الأطياف الحزبية المختلفة (الدينية والقومية، واليمينية، واليسارية، والوسطية). فإذا كان الناخب ينتمي إلى أحد هذه الأحزاب أو يؤيدها، ولا يؤيد غيره، فإنه سيضع مقابل الحزب الذي يؤيد أوافق بشدة أي القيمة (٥)، بينما سيضع لا أوافق بشدة (١) أو لا أوافق (٢) مقابل الأحزاب الأخرى، الأمر الذي سيؤثر سلباً على المتوسط الحسابي لمجال الأحزاب السياسية، لذلك تم استبعاد هذه الأسئلة من التحليل. غير أن استثناء هذه المقولات الخمس كلياً جعلها غير ذات قيمة نهائياً، لذلك تم إجراء تحليل خاص لهذه الأسئلة لمعرفة نسبة الناخبين المؤيدين لكل طيف من الأطياف الحزبية التي ورد ذكرها. 

   وبما أن تحليل التباين الأحادي أثبت أن الحضر هم أكثر حزبية من سكان الريف، فقد أجرى هذا التحليل على سكان المدن الكبرى الثلاث فقط (عمان، والزرقاء، وإربد) وعددهم (٨٢٩). حيث يمكن اعتبار هذه التجمعات الثلاثة هي المناطق الحضارية الرئيسة في الأردن لأن معظم سكانها يعملون بمهن غير زراعية. 

   وقد أظهرت نتائج التحليـــــل على الـ (٨٢٩) مبحوثــــاً والذين يشكلون نحو (٥٨٫٤%) من مجموع أفراد العينة، أن ١٧٫٣% منهم يفضلون الأحزاب الدينية، وهي أعلى نسبة من الموافقين على أي من الأطياف الحزبية. تليها نسبة الموافقين على الأحزاب القومية حيث بلغت نسبتهم ٥٫٢%، ثم الموافقين على الأحزاب الدينية والقومية معاً حيث وصلت نسبتهم ٣٫٢%، مقابل ٢٫٩% للموافقين على الأحزاب الدينية واليمينية معاً. ويأتي في المرتبة الخامسة الموافقون على أحزاب اليمين، والأحزاب القومية، وأحزاب الوسط كل على انفراد، وبنسب متساوية تقريباً تعادل ١٫٩% من مجموع أفراد العينة. في حين بلغت نسبة المؤيدين للأحزاب اليسارية نحو ١٫٢%. مما سبق يتضح لنا أن الأحزاب الدينية حظيت بأعلى نصيب من المؤيدين، حيث حصلت على أكثر من نصف نسبة المؤيدين للأحزاب (١٧٫٣% من أصل ٢٦٫٤% من مجموع أفراد العينة). وقد تلتها الأحزاب القومية التي حصلت وبصورة منفردة على ٥٫٢% من مجموع أفراد العينة. بينما بلغت نسبة المؤيدين للأحزاب القومية بالإضافة إلى أحزاب أخرى نحو ١٥٫٢%. كما بلغت نسبة المؤيدين لأحزاب الوسط منفردة نحو ١٫٩%، ومجتمعة مع أحزاب أخرى ٤٫٨%. أما الأحزاب اليسارية فقد حصلت منفردة على ٤٫٦%. وأخيراً فقد حصلت أحزاب اليمين على ١٫٩% من مجموع الأصوات منفردة، و ٧٫١% مجتمعه مع أحزاب أخرى. ويلاحظ وبصورة واضحة ربط الناخبين بين الأحزاب الدينية والقومية وأحزاب الوسط، أي أنهم كانوا يفضلون هذه الأحزاب مجتمعة. كما يلاحظ ربطهم أحياناً بين أحزاب اليمين وأحزاب الوسط لاعتقادهم بتقارب أهدافها. 

الخاتمـــة: 

   حاولت هذه الدراسة قياس تأثير المكان والبيئة التي يعيش فيها الناخب على قراره الانتخابي. ويمكن القول أن أيا من نظريات ونماذج تفسير الأنماط الانتخابية لا ينطبق تماما على الأنماط الانتخابية في الأردن، وربما في آثير من دول العالم النامي. فقد وجدنا أن عناصر متداخلة من النماذج تؤثر على سلوك الناخب في الأردن. صحيح أن صفات الناخبين العرقية، والاجتماعية، والاقتصادية تؤثر على اتجاهات الناخبين، كما يفترض النموذج الاجتماعي، غير أن ذلك لا يتم من خلال التصويت للحزب الذي يعبر عن تطلعات تلك المجموعات، آما يفترض النموذج. وصحيح أيضا أن الناخب الأردني يتأثر بالقرب الجغرافي للمرشح، كما يفترض النموذج المكاني، لأن المرشح الأقرب جغرافيا هو الأقدر على الإحساس بمشاكل الناخب، والأكثر تحمسا لإيجاد حلول لها، غير أن الناخب الأردني قد يكون لديه القدرة على الإطلاع على أفكار ومبادئ الأحزاب والمرشحين. إضافة إلى أن الناخب قد لا يكون دائما واقعيا في اختيار الأنسب، كما يفترض النموذج. ولا يمكننا استثناء بعض اطروحات النموذج الراديكالي فيما يتعلق بتأثير الحكومة ووسائل الإعلام على رأي الناخبين، بالرغم من أن هذه الدراسة لم تحاول قياس ذلك. 

   ولا شك أن بعض نتائج الدراسة تتوافق مع ما توصلت إليه دراسات سابقة فيما يتعلق بضعف العلاقات العشائرية في التجمعات السكانية الحديثة التي يغلب عليها طابع المهاجرين، مثل العاصمة عمان ومدينة الزرقاء ثاني اآبر المدن الأردنية حجما، واللتان تشكلان نسبة كبيرة من سكان إقليم الوسط. ولعل الطابع الريفي الذي يغلب على سكان مدينة إربد، قد أضعف قوة تأثير الارتباط العشائري في المدن الثلاث. وأدى إلى اختفاء تأثير التباين في هذا المتغير والذي ظهر عند مقارنة إقليم الوسط مع إقليمي الشمال والوسط. والحقيقة أن العزلة الإقليمية والبعد الجغرافي لبعض مناطق إقليم الجنوب عن مراكز التجمع العمراني في العاصمة عمان وما حولها، قد زاد من تأثير العشائرية على رأي الناخب عند الإدلاء بصوته الانتخابي. ونظرا لعدم نضج التجربة الحزبية، فلم يتغلغل تأثيرها في المجتمع الأردني، وخاصة المناطق والأقاليم البعيدة عن التجمعات السكانية الضخمة في العاصمة عمان، ومدينة الزرقاء وما حوليهما. 

   وتوصي الدراسة بعدم تسييس المؤسسة العشائرية لأن ذلك قد يسهم في تعزيز الإقليمية، ووصول نواب غير أكفاء إلى قبة البرلمان. كما توصي بضرورة العمل على دعم الأحزاب التي تستند إلى مبادئ واستراتيجيات جاذبة للسكان، وعدم الاعتماد على مكانة الأشخاص الاجتماعية والقيادية في تأسيسها. وتوصي بأن تتلقى الأحزاب السياسية الدعم المتوازن من الحكومة استنادا لعدد أعضائها. 


المراجع العربية : 

١) العبادي، أحمد عويدي، القضاء عند العشائر الأردنية، عمان، دار العبѧѧادي للنѧѧشر والتوزيع، (١٩٨٨م). 

٢) الأمانة العامة لمجلس الأمة، مديرية الدراسات والمعلومات، رسالة الدوائر الانتخابيѧة، عمان، ص ص ١٩٩٣) ،٢٢٠ – ٢١٤). 

٣) الشلبي، إيهاب إبراهيم، الانتخابات النيابية العامѧة في الأردن تشرين الثاني ١٩٩٣، ، مركز الأردن الجديد للدراسات، عمان (حزيران ١٩٩٤).

٤) دائرة الإحصاءات العامة، المسح المصاحب للتعداد العام للسكان والمساكن لعام ١٩٩٤، عمان، (تشرين أول ١٩٩٥). 

٥) الزعبي، سليم ، المرشد إلى الحزب السياسي، عمان، دار السندباد للنشر، (١٩٩٥). صحيفة الرأي الأردنية.١٩٩٤ /٩ /٣ . 

(٦ ٧) الجولاني، عاطف " قراءة تحليلية لنتائج الانتخابات النيابية "، صحيفة الدستور الأردني العدد  ٩١٤٣، الصفحة ١١ ، الأحد  /١٢ /٥ (١٩٩٣),

٨) خزاعله، عبد العزيز علي " المشاركة السياسية بين الحزبية والقبلية في الأردن: دراسة تحليلية لرأي النخبة " أبحاث مركز الدراسات الأردنية، منشورات جامعة اليرموك، مركز الدراسات الأردنية، جامعة اليرموك، ص ص ١١٨ – ٦٥ .(١٩٩٦) 

٩) الزريقات، فايز ، التجربة البرلمانية الأردنية الجديدة، مؤتة للبحوث والدراسات، المجلد السابع، العدد ٤،  ص ص ١٩١ – ١٤٣ ( ١٩٩٢). 

١٠) الدويكات، قاسم ، "التحضر واستراتيجيات التنمية الإقليمية في الأردن"، مجلة جامعة الملك سعود، المجلد ١٣، العدد ١، ص ص  ٦٧ -٤٣ (١٤٢١ هـ). 

١١) حداد، مهنا ، تمأسس النظام وتشكيل المجتمع في الأردن، عمان (١٩٩١). 

١٢) حداد، مهنا وغازي حداد " دعاية الانتخابات البرلمانية في محافظة إربد (تحليل محتوى البيانات الانتخابية) " مجلة أبحاث اليرموك (سلسلة العلوم الإنسانية والاجتماعية) العدد ٢، ص ص ٥ - ١٧١ ، (١٩٩٢). 

١٣) وزارة الداخلية، مرآز المعلومات، انتخابات ١٩٩٣، عمان، (تموز ١٩٩٤).

المراجع الأجنبية 

1. Agnew, John A. "From Political Methodology to Geographical Social Theory? A Critical Review of Electoral Geography 1960-87" In Johnston, R. J. and F. M. Shelley and P. J. Taylor (eds), Developments in Electoral Geography, Rutledge, London, pp 15-21 (1990).

2. Enelow, James and Melvin Hinich, The Spatial Theory of Voting: An Introduction, Cambridge University Press, London, (1984). 

3. Harrop, Martin and William Miller, Election and Voters: A Comparative Introduction, Macmillan, London, (1991). 

4. Layne, Linda, "Tribesmen as Citizens" (Primordial Ties) and Democracy in Jordan" In Elections in the Middle East: Implications of Recent Trends, Layne, L. (ed), West view Press, Boulder and London, pp113-152 (1987). 

5. Linda, Dante, "Ethnic Voting Patterns: A Case Study of Metropolitan Toronto" Political Geography, Vol. 14, No.5, PP 435-449 (1995). 

6. Layne, Linda, "The Production of Reproduction of Tribal Identities" A Ph.D. Theses, Princeton University, (1986). 

7. Lijphart, A. "The Cleavage Model and Electoral Geography: A Review" In Johnston, R. J. and F. M. Shelley and P. J. Taylor (eds), Developments in Electoral Geography, Rutledge, London, , pp 143-152 (1990). 

8. The Noor Al-Amjad Foundation, "Election 1993:The Day After" Political Perspective, Nov., No. 6, PP 1 – 17 (1993). 

9. Taylor, P. J. and R. J. Johnston, Geography of Election, Penguin Books, England, 1979. 10. Taylor, P. J. and G. Gudgiin, Seats, Votes and Spatial Organization of Election, London, (1979).


 
تحميل النص الكامل


↲   top4top





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق