الصفحات

الأربعاء، 25 أبريل 2018

مرزق محطة رئيسية على طريق القوافل: نماذج من ملفات مشروع توثيق طرق القوافل في الأراضي الليبية ودراستها ...


مرزق محطة رئيسية على طريق القوافل

نماذج من ملفات مشروع توثيق طرق القوافل في الأراضي الليبية ودراستها

د. عماد الدين غانم
د. محمد علي الأعور


 المركز الوطني للمحفوظات والدراسات التاريخية © 2010
   
     إن مشروع توثيق طرق القوافل ودراستها بصدد الإعداد لأطلس شامل لطرق القوافل في الأراضي الليبية ستيضمن مدخلاً مسهباً عن تجارة القوافل ومراكزها في الساحل والداخل يضمن ما يزيد عن 100 خريطة ومخطط إضافة إلى صور تاريخية ويستخدم فبها أحدث التقنيات وسيعمد إلى تقديم نبذة عن كل من المراكز الرئيسية تعرف بالاسم والموقع والأهمية وتقدم وصفاً لها . ويعتمد في ذلك على روايات ووثائق وكتب الرحالين العرب والأوربيين . وان ما ننشره حالياً في الموقع يمثل بصورة أساسية ما عثرنا عليه في كتب الرحلات، حول كل من محطات طرق القوافل ومراكز الأسواق التي ترتادها في طريقها والمدن أو القرى التي تمر بها تفرعات هذه الطرق ونتبع في النشر توفر المادة الكافية . والغرض من هذا النشر الأولي هو إتاحة الفرصة أمام زوار الموقع لابداء آرائهم حول ماهو متوفر لدينا وننتظر مزيدا من المعلومات والوثائق والصور ممن يمتلكها . "ونؤكد أن هذه المادة أولية وسيتم تنقيحها على ضوء ما يتسنى لنا الوصول إليه من معلومات جديد . ونأمل من زوار الموقع وبالنقاش العلمي أن نتوصل إلى تقديم نبذة مفيدة ومتوازنة عن مدن الشريط الساحلي والجبال والواحات . ونعيد تأكيدنا أنها مادة أولية قابلة للزيادة والنقصان والتعديل .


مرزق : ـ إن اسم مرزق مأخوذ ولاشك من مصدر رزق، وهي تسمية لها علاقة بطبيعة نشأة المدينة كمحطة للتجارة، وبجلب الرزق، فلولا التجارة لما كانت مرزق، ويذكر عبد القادر جامي أن الاسم مأخوذ من مرزوق المرتبطة بالاسترزاق، فالموقع هو سبب نشأتها . إذ أن الموضع الذي تقوم فيه المدينة رغم وفرة الماء فيه والواحة ذات النخيل والزراعة، إلا انه موبوء بحكم برك المياه المالحة والسباخ التي تشغل جانب المدينة الشمالي بكاملة تقريبا والجانب الجنوبي الغربي. ويعرب ناختيغال ( ج 1 / 196 ) عن استغرابه لاختيار هذا الموضع الذي يغدو موبوءاً نتيجة للسباخ. ورغم المناخ الموبوء المناقض للمناخ الصحراوي الصحي، إلا أن موقعها على أهم طريق للتجارة ما بين البحر المتوسط وبحيرة تشاد الواقعة في وسط أفريقيا جعلها تستمر مركزاً تجارياً ومركزاً سياسياً وادارياً لفزان منذ تأسيسها حتى الاحتلال الإيطالي ، الذي نقل قاعدة الولاية إلى سبها ومنحها المركز الإداري والاقتصادي، وتراجعت مرزق إلى مركز ثانوي وتدهور وضعها خاصة لفقدانها الأساس الذي قامت عليه كمحطة رئيسية على طريق برنو وكمدينة سوق رئيسي .
    ولكن متى نشأت مرزق ؟ أن الرأي الراجح يقرن بين حكم أولاد محمد في القرن السادس عشر وبين تأسيس مرزق ويحدد د. حبيب الحسناوي أن تأسيسها يعود إلى زمن محمد الفاسي واخذ أفراد أسرته بالانتقال إليها من سبها حيث حلوا في بداية الأمر، وان اتخاذها عاصمة لدولة أولاد محمد في فزان فقد جرى في عهد المنتصر بن محمد الفاسي في العام 1577 حيث شرع ببناء القصبة . أما رواية الرحالة الفرنسي دوفيريه بأن احد الأشراف قد أسس المدينة في 1310 ، حيث شيد بعض الأكواخ ومدرسة لحفظ القران الكريم، ثم بدأت تتطور مع توافد الناس إليها، والإقامة فيها ، إلا أننا لا نعلم مصدر روايته . على أن الرحالة الألماني رولفس الذي وصل مرزق في 1865 بعد دوفيريه بخمس سنوات، واطلع على مخطوط تاريخ فزان لدى محمد باسيركي في مرزق ولخصه في كتاب عبر أفريقيا ، يشير إلى أن أولاد محمد هم الذين أسسوها، ومما تجدر الإشارة إليه أنها منذ تأسيسها أخذت مرزق عدة وظائف دفعة واحدة، فهي في الأساس وليدة حركة التجارة على جانبي الصحراء، أي أنها مدينة سوق ومحطة رئيسية للقوافل، ثم أضيفت إليها الوظيفة السياسية والإدارية باعتبارها عاصمة للدولة الجديدة ومن بعدها عاصمة لمتصرفية فزان العثمانية ويظهر انعكاس ذلك في بنيتها الاجتماعية، فالمجتمع لا يعرف البنية القبلية بل الأسرية .
   إن مرزق بالوظائف التي كانت تقوم بها، وبموقعها كمحطة وسوق رئيسيين على طريق برنو الشهير، جعلها من مدن الدواخل التي قصدها الرحالون الأوربيون الذين سلكوا طريق طرابلس أو بنغازي نحو بحيرة تشاد. وبحكم الاستعداد لمرحلة جديدة من مشروع رحلتهم، فانهم كانوا يمكثون فيها مدة طويلة نسبياً، انتظاراً لانطلاق قافلة نحو برنو ينضمون إليها أو يشكلون قافلة مع حماية الأمر الذي يتطلب المكوت فيها شهوراً وييسًّر لهم جمع معلومات تفصيلية عنها، وهي تبرز في شمولية محتواها قياساً لما كرس للواحات الأخرى . حسب تقديرنا أن عدد الرحالين الذي قصدوا مرزق حتى مطلع القرن العشرين، وخلفوا تقارير حولها لا يقل عن خمسة وعشرين. من الرحالين الأوروبيين وإذا اعتبرنا أن متوسط ما كتبه كل واحد منهم عنها حوالي 10 صفحات فإننا نجد نفسنا فيما لو جمعت هذه الكتابات المنشورة مع بعضها ، كانت ستشكل كتاباً يضم قرابة250 وحسب تقديري أنها لاتقل عن 350 ص بعض النظر عما نشر في المجلات صفحة . كرس قسم كبير منها لوصف المدينة وللتعريف بتاريخها والوقوف عند سكانها والوافدين إليها وعند نظام الإدارة فيها وحركة السوق والقوافل والتعامل والازدهار والكساد ،كما تذكر التجار المقيمين فيها ، وتعرف بوجهائها، وبالطبع فان أقوال الرحالة فقد استفادت من روايات أبناء مرزق، وسواهم وتكتسب أهميتها باعتبارها تمثل رؤية أبناء بيئة حضارة مغايرة ورغم ما تتضمنه من معلومات تتناول مواضيع متنوعة قلما نجد حولها ما يشفى الغليل في المصادر الأخرى ، فإن قسما لا يستهان به ومازال لم ينشر مترجما إلى العربية . حسب اعتقادنا إذا جمعنا ما كتبه الرحالة عن مرزق، ورتبناها في تسلسل حسب تاريخ الرحلة، فانه سيكون بوسعنا أن نتتبع تطور المدينة العمراني والاداري والاقتصادي على وجه معقول. ومن المؤكد انه يجدر بنا أن لا ننسى أن مستوى الرحالين متباين، ولكن يجب التأكيد، أن مرزق قد حظيت بمجموعة من التقارير البالغة الأهمية ونشير خاصة إلى تقارير بارت وبويرمان ورولفس وناخيتغال وفيشر ونعمد إلى نشر مقتطفات منها كي يكون القارئ على بينة منها .

   مما خصت به مرزق أكثر من غيرها هي مجموعة من المخططات والرسوم التي وضعت حولها، تظهر خاصة الشارع الرئيسي أو ما يدعى الدندل أو شارع حميدة .

مركز الشرطة والحوانيت في شارع حميدة
   ونذكر في مقدمتها مخطط بارت في 1850 ومخطط بويرمان في العام 1862 يضاف إلى ذلك مخطط ناختيغال وفي العام 1869 ومخطط عثماني يعود إلى 1883 لا يختلف عن الأخير . وفي كتاب الدبلوم مخططان من 1930 ـ 1958 وهذه المخططات إذا ما قورنت تقدم لمحة عن تطور المدينة خلال ما يزيد عن قرن ومما يزيد تصوراتنا عن معالم مرزق بعض الرسوم والصور القديمة ومن أبرزها لوحة تمثل مرزق وضعت على أساس رسم تخطيطي وضعه بارت للشارع الرئيسي الذي يمتد من الباب الشرقي الرئيسي حتى الباب الغربي وعلى ضوء هذا الرسم والمخططات المذكورة ووصف المدينة بوسعنا أن نضع مخططاً على الأقل للشارع الرئيسي الذي كان يضم أهم الأبنية العامة والسوق إلى جانب القلعة وتوابعها من المسجد والمخبز. والثكنة، كما توجد صور لأبنية بعينها مثل مقر وكالة القنصلية الإنجليزية والقلعة والأسوار وسواها وكل هذه تعتبر مادة مساعدة لدراسة مرزق وإعادة تصميم الأقسام الرئيسية من المدينة حتى نهاية القرن التاسع عشر بل حتى منتصف القرن العشرين.

خريطة لمدينة مرزق
   ونقدم فيما يلي جزءاً مما كتبه الرحالة الألماني هينريش بارت ( 1821 ـ 1865 ) الذي يعتبر واضع منهج أدب الرحالات، وقام برحلته على حساب الحكومة الإنجليزية مع ريشاردسون الإنجليزي واوفرفيغ الألماني ثم بتعهم ألماني اخر هو ادوار فوغل واستغرقت رحلته خمس سنوات ونصف وووصل مرزق في 6 مايو 1850وغادرها إلى غات في 13 يونيو اى انه مكث فيها خمسة أسابيع كما عاد إليها بعد خمس سنوات في طريق عودته لكنه لم يمكث فيها إلا للاستراحة . وفي مرزق ضم إلى أفراد رحلته خادمه ومرشده ورفيقة الأمين محمد القطروني من قرية دجال غرب مرزق الذي كان له دور كبير في نجاح مساعيه لرحلة آمنه نافعة وفي إنقاذه وبث الطمأنينة في نفسه وهو الذي زكاه بحيث يستعين به بقية الرحاله ولذلك فانه رافق من بعده دوفيريه وبريرمان ورولفس وناختيغال ومنحت الدولة الألمانية محمد القطروني نوعا من التقاعد لقاء خدماته ونشرت أحدى الجرائد الألمانية نبأ وفاته .
   لقد جاء وصف مرزق في الجزء الأول من الكتاب الذي وصف فيه رحلته بعنوان " رحلات واكتشافات في شمال ووسط أفريقيا خلال السنوات 1849 ـ 1855 .

    بعد أن يتناول بارت وصوله إلى مرزق في 6 مايو 1850وتوقفه عند الباب الشرقي، في موضع لا يبعد كثيراً عن ساحة تجمع الحجاج في طريق عودتهم من مصر إلى مراكش وتوات ويشير إلى انه نزل عند قاقليوفي ( قليوفي ). وكيل القنصل الإنجليزي في مبنى القنصلية. ويذكر التقاءه مع محمد بورو الذي يحمل لقب سركي ن توراوا أي سيد البيض في أغادس وتم الاتصال به بناء على توصية حسن باشا البلعزي متصرف فزان السابق، وذلك كي يسافروا بصحبته إلى بلاد الايير وأغادس. ويقدم بارت وصفا ايجابيا لهذه الشخصية ولموقف القنصل السلبي تجاهه . ثم يبدأ بارت بوصف مرزق ( ج 1 ، ص 171 ) بقوله : " أقدم وصفاً للمدينة التي سبق لريشاردسون أن وصفها ، إلا اننى قمت برسمها من شرفة وكالة القنصلية الإنجليزية أن المظهر الخارجي للمدينة ليس ردئيا لابل فيه شئ من الجاذبية، ولو أن النظرة الأولى تبدو فيها سقيمة جدا وتبدو الحياة فيها غير مريحة، وخاصة أن الرحالة ليون قدم للأوربيين وصفا لجوها المتوهج. وأما ما يتعلق بالسور فان بارت (ج1ص172) يذكر بأنه ذو ثلاثة أبواب ، الباب الشرقي وهو الأكبر والغربي والباب الشمالي وهو صغير جداً وأما الباب الجنوبي فقد دمر تماما مع السور الجنوبي في زمن عبد الجليل حسبما تبين بقايا السور من عهد المكني ويقدر محيطها بحوالى ميلين والمدينة اكبر بكثير من عدد سكانها ومن سمة مرزق الشارع العريض الذي يمتد من الباب الشرقي باتجاه غربي ، وهو موضع السوق ويتردد عليه الناس كثيراً ويسمح بحركة الهواء ولكن أيضاً بالحرارة وان الأروقة المرفوعة على جذوع النخيل على جانبي السوق والمسقوفة توفر
  
    إن المخفر الرئيسي الواقع بجانب الباب الشرقي ذا رواق مرفوع على ستة أعمدة ويقع مقابل القنصلية يمنح المدينة شيئا من الذوق وقد حافظ على شكله منذ زيارة ليون، والقصبة بنفس الشكل كما شاهدها ليون وهي ذات أسوار بالغة السماكة ألا أن الحجرات صغيرة، وأما الفناء فقد دخل عليه تغير بسبب تشييد ثكنة ضخمة جدا بمقاييس البلاد أو قشلة وهي تتخذ الجانب الشمالي من الفناء وهذه القشلة مربعة مع مساحة كبيرة في الداخل للأسلحة، وتحف بها القاعات وهي مصممة بحيث تكفي لايواء 2000رجل ويوجد فيها حاليا 400 تتوفر لهم إقامة معيشه مريحة وان الفرق كبير بين حالتهم المعيشية وتلك لأبناء فزان إلا أنهم يفضلون الموت جوعاً على أن يتطوعوا في الخدمة العسكرية .
  
قصر الحكومة التاريخي بمرزق
    أما ما يخص التجارة فان مرزق تختلف عن غدامس التي تضم دور التجار الأغنياء الذين يستثمرون أموالهم في التجارة، ويجلبون بضائعهم الخاصة إلى ديارهم و مرزق سمة محطة رئيسية إنها سوق متوسط وموضع هام للتجارة، ولذلك فان المدينة تعاني دوما من نقص بالنقود . فالتجار الغرباء يحملون معهم قيمة ما يبيعونه فالمجابرة يأخذون ريع تجارتهم إلى جالو والتبو أو التيدا يحملونه إلى بلما، وكذلك شأن أبناء برنو وتوات. وهناك قلة من تجار مرزق الأساسيين الذين يقيمون فيها مثل محمد الخويلد ، محمد باشا بوخلوم الحاج محمد بن علوه وهم من مواليد أوجلة ومحمد أفندي المكيرزي ومحمد العامري والحاج محمد بشاء الله والحاج السنوسي الغزايلى وهم من سوكنة. ومن أبناء مرزق الشريف بركان وصلاح بوفوناس ( وهو الذي قتل إثر ثورة برنو ) وزين بن علي، جميع هؤلاء يقطنون مرزق وفيما عداهم فان البعض يتخذ المدينة للإقامة المؤقتة والأبرز بينهم ثلاثة من المجابرة إبراهيم المغائزرى( الذي تعرفت عليه طرابلس إلا انه توفى بالطاعون في موطنه، وهو بصدد التجهيز لقافلة للانطلاق عائداً نحو برنو ) وبطران وإبراهيم بشاره .
ومما تجدر الإشارة إليه فيما يخص التجارة أن الطريق الغربي أو طريق السودان فإنه أكثر ملاءمة من طريق برنو ، إذا انه الذي يتحكم بالأول هم الطوارق، وهم دائما مستعدون أن يقدموا العدد المطلوب من الجمال لنقل البضائع، ويضمنون الأمان. وأما الطريق إلى برنو وهو الأقرب إلى مرزق فانه غير آمن، لابل محفوف بالمخاطر وينبغي على التاجر أن يؤمن جماله أن ينقل على حسابه بمخاطرة خاصة. وأما الطريق عبر فزان، فأنني أقول أن الحطمان والزوية والمقارحه هم الذين يتولون الاهتمام بالبضائع، بينما يقع النقل بأجمعه في أيدي تنيلكوم، وهؤلاء الناس سندخل مباشرة بالتفاهم معهم لأنهم سيكونون المرشدين على طول الطريق من مرزق إلى بلاد الايير، لا بل ظل البعض منهم معنا حتى كانو . وان إجمالي المبلغ الذي يتم تداوله في مرزق يبلغ حوالي 100.000 ريال نمساوي ( لما كان هذا المبلغ يوظف في تجارة الرقيق فان آثار إلغاء هذه التجارة التي بدا تطبيقها الآن لايمكن أن يتغاضى عنها)  
 .
الرحالة غيرها رد رولفس 1831 ـ 1896 :
     يعتبر رولفس من أكثر الرحالة اهتماماً بليبيا إذ انه قدم إليها أربع مرات خلال الفترة من 1864 حتى 1879 وكرس لها ثلاث رحلات ( كانت رحلته الأولى التي قدم بها من المغرب عبر الجزائر إلى غدامس وطرابلس لم يكتب فيها عن ليبيا سوى القليل ) وقد حملته رحلته الأولي من طرابلس إلى غدامس ثم مزده و القريات و وادي الشاطئ ثم الجديد (سبها ) ومرزق و القطرون و تجرهي و بلما و انقيقمي و كوكه ، ومنها غرباً حتى لاغوس واستغرقت من 1865 ـ 1867 وأما رحلته الثانية فقد جاء إلى طرابلس حاملاً هدايا الملك فيلهلم الأول إلى الشيخ عمر سلطان برنو، ثم كلف الرحالة ناختيغال بتولي هذه المهمة . وقام رولفس برحلة قادته إلى بنغازي ومنها إلى الجبل الأخضر ثم إلى اوجلة وجالو وواحة سيوة ومنها إلى الاسكندرية وكان ذلك في العام 1869. وأما رحلته الثالثة فقد كرست للكفرة ووداي واقترنت أيضا بمهمة حمل هدايا من الحكومة الألمانية إلى ملك وداي. فانطلق من طرابلس إلى بني وليد وبونجيم وسوكنه وزلة واوجلة وجالو والكفرة، حيث انتهت رحلته نتيجة نزاع وقع مع احد مرافقيه واستغرقت الرحلة 1878 ـ 1879 ونجم عن هذه الرحلات ثلاثة كتب: أولها رحلة عبر أفريقيا، وثانيها رحلة من طرابلس إلى الاسكندرية، وثالثها رحلة إلى الكفرة وصدرت هذه الكتب الثلاثة مترجمة عن الألمانية من جانب د . عماد الدين غانم ونشرها مركز جهاد الليبيين والاهم من بينها فيما يخص مرزق هو الأول" رحلة عبر أفريقيا" إذ أن رولفس مكث في مرزق خمسة اشهر من 26ـ 10ـ1865 حتى 25 مارس 1866 و ارتبط خلالها بعلاقات مع مجموعة من الشخصيات، ورصد الأوضاع رصداً دقيقاً وحصل من احد أحفاد أولاد محمد على نسخة مخطوطة من تاريخها ووضع ملخصاً له في الفصل الذي كرسه لمدينة مرزق . وقد اخترنا هذه المقتطفات من كتاب رحلة عبر أفريقيا لنعبر عن رؤية رولفس حول المدينة .

الرحالة رولفس
    بعد إشارته إن دوفيرية يقرن بين تأسيس مرزق وأولاد محمد يذكر أنها تقع في حفرة غير عميقة وأرضها ذات طبيعة مستنقعيه، الأمر الذي جعل مناخها غير صحي، وخطيراً على الغرباء. ويعتبر بارت المدينة ذات شكل يبلغ محيطه حوالي ميلين ويحيط بها سور بني في بعض نواحية من الطين المجفف تحت الشمس يتراوح ارتفاعه بين 20ـ 30 قدما وسمكه في القاعدة 10اقدام وفي الأعلى قدمان كما تتخله أبراج مربعة طوال ضلعها 30قدما. وتقوم في زوايا الناحية الشرقية مرابض تعلوها بعض المدافع. ويمتد شارع الدندل من الغرب إلى الشرق يعبر المدينة بخط مستقيم. وفي بدايتة يقوم مركز الجمارك عند الباب حيث وضع محرسان لحراسته . وأثناء وجودي في مرزق لم تكن الحكومة تتقاضى رسوماً على البضاعة الواردة أو الصادرة باستثناء الرقيق . ولهذا السبب لم يكن مركز الجمارك مستغلا. وإذا تتبعنا الشارع فإننا نجد إلى اليمين المخفر الرئيسي، والى جانبه منزل القائمقام، وأمامه مقر القنصلية الإنجليزية سابقا ويسكن فيه حاليا كاتب المال. وبعد هذين البنائين تحف بالشارع حوانيت صغيرة بنيت من الخشب أو الطين وهي تشكل سوق مرزق ويستمر الشارع إلى أن يصل ميداناً مكشوفاً تقع في ركنه الشمالي الغربي القصبة مع القشلة .
    إن قصبة مرزق كانت مقر سلاطين فزان السابقين ثم أصبحت المقر الرسمي للقائمقام العثماني، إلا أن حليم بك قد هجرها، ويشاع إن السبب في ذلك يعود إلى أنها مسكونة بالجن، وفي الواقع لان الرياح تسرح فيها، وفي الفتحات الموجودة في نوافذها وأبوابها . رغم تداعي هذه القصبة في ظل العثمانيين، إلا أن القصر يثير العجب لارتفاع جدرانه التي لاتقل عن 80 قدما وسمكها و يبلغ حوالي 20قدما وهي من الداخل كتلة من الطين بسبب الأروقة الهائلة التي يتوه فيها المرء و الحجرات صغيرة، وقاعة العرش هي وحدها التي تحظى بمقياسات معقولة وكانت تجرى فيها الاستقبالات أما بقية الغرف، وحتى المخصصة منها للحريم، فهي صغيرة وواطئه تلتصق بالقصر من ناحية القشلة التي بناها العثمانيون، وهي متسعة بمقاييس مرزق. ومن الناحية الأخرى للقصر يقوم الجامع حيث كان السلاطين يؤدون الصلاة في الجامع الكبير في شرق الميدان وفيما عدا ذلك توجد بيوت مبنية من الطين ذات طابق واحد والبيوت ذات الطابقين قليلة، وهى في اغلبها منازل تجار من جالو أو سوكنه أو غات أو كوار أو غدامس . والدندل هو أغرض شارع في المدينة، والشوارع الأخرى ليست ضيقه كثيراً كما هو الحال في المدن الأفريقية عادة .
    أن تجارة فزان غير مهمة إذ ما حذفنا منها تجارة الرقيق، ولم تكن ذات أهمية في أي وقت من الأوقات. أن المنطقة ليست سوى محطة عبور البضائع من الشمال من طرابلس ومصر إلى الجنوب إلى برنو وبلاد السودان المتاخمة لها . كما أنها نقطة عبور للمنتجات القادمة من وسط أفريقيا وعلى العكس من ذلك فقد زادت تجارة الرقيق، ولم تتراجع. ومن هنا يباع الرقيق نحو تونس وطرابلس ذاتها، ويؤخذ اغلب الرقيق إلى السوق في مصر. وكما ذكرت في اغلب الأحيان فان الدوائر العثمانية تشجع تجارة الرقيق عوضاً عن منعها وذلك في المناطق البعيدة عن رقابة القناصل الأوروبيين . من المؤسف أن قوى نصرانية مثل فرنسا وانجلترا التي سعت في البداية إلى إلغاء الرق تتخذ على ما يبدو موقفا غير حازم في هذا المجال تجاة الدولة العثمانية لقد سمعت شخصيا من القائمقام أن رجلاً وحيدا في مرزق هو الحاج محمد العامري قد صدر في العام 1864 ـ 1865 ما يزيد عن 1100 من الرقيق، ولديه حالياً في بيته مالا يقل عن خمسين منهم. وفي البداية قدم لي الحاج العامري على انه وكيل انجلترا، وعدما وجدت في التقويم الملكيRoyal Almanac انه لم يعد لانجلترا ممثل في فزان، قال انه وكيل القنصل الإنجليزي السابق قاقليوفي. وإذ ما صح ذلك فان السيد قاقليوفي لم يكن سوى وكيل في تحقيق أعمال مجدية بالاتجار بالإنسان. إن الفزانيين شعب طيب ومستقيم ويشعر المرء داخل فزان بالأمان من قطاع الطرق واللصوص وبوسعه أن يدع أغراضه في وسط منطقة آهله دون حراسة ودون أن يخاف أن يسرق رغم أن كثيراً من التبو يقيمون في فزان، وينسب إليهم ميل إلى السرقة . وفي يناير 1870 يكتب ناختيغال ( آخر من زار فزان ) إلى باستيان في مجلة الجمعية الجغرافية .في السابق كانت البيوت تترك دون أقفال لكن امراً قد تغير في فزان وتوجب على الآن أن أحضر الجمال إلى المدينة لتوفير قسط أكثر من الأمان.
    نظر المسؤولون والناس إلى رولفس في فزان بأنه عسكري، باعتباره يذكر في الفرمان بصفة بك وزار القول أغاسي (النقيب ) واستعرض قواته. ويرى أنها سرية منظمة ويحظى الجنود بإعاشة جيدة و المهاجع نظيفة، والمستشفى العسكري فيه 12 سريراً ونظيف. وطلب الطبيب العثماني من رولفس أن يزوره في منزله، وتحدث له بسرية عن عدد الرقيق الذي يدخل المدينة بحماية القائمقام، وبلغ خلال فترة وجوده 4084 رأسا، وهو يعرف العدد لانه يحصر من جانب الحرس لابلاغه إلى القول أغاسي، ويأخذ عن كل رأس يدخل 2 محبوب و½ قرش عن كل من يخرج . إن وكيل القنصل الانجليزي كان يشارك في تجارة الرقيق و يقترح رولفس على الإرساليات شراء الأطفال الأرقاء وتوليهم، وعن طريقهم تنشا مجموعة مسيحية في فزان .
يقدر رولفس عدد السكان داخل وخارج المدينة 8000 منهم 3000 داخلها وقدرهم فوغل بحوالى 9800 وفي زمن زيارة رولفس كان السكان في تزايد ولقد ساد الأمن في زمن العثمانيين. ويؤيد رولفس قول ريشاردسون انه ما من بيت له قفل أو درباس فان أهل، فزان لا يسرقون مطلقاً .
    يقوم على راس الإدارة القائمقام وكان بداية ذا صلاحيات واسعة في أمور السكان والسلم والحرب مع الشعوب المجاورة، إلا أن هذه الصلاحيات حددت منذ مطلع الستينات، وأصبح يعين من الاستانه، وهنا يقال " السماء عالية والاستانة بعيدة " وهو مضطر للتفاهم مع طرابلس .
    الشخص الثاني القول اغاسى أعلى موظف عسكري تحت امرته 500جندي من المشاة وعدد من الخياله وأربعة مدافع ميدان ويؤخذ معظم العساكر من اهالي فزان في حين أن الضباط وضباط الصف من العثمانيين .
   الموظف الثالث كاتب المال وهو المسئول عن الضرائب والشوؤن المالية .
   الموظف الرابع قواص باشا رئيس الشرطة الذي يقوم بتنفيذ أوامر القائمقام ، أما أبناء البلد فإنهم يشغلون وظيفة القاضي وهي وراثية منذ أيام أولاد محمد، ووظيفة شيخ البلد المحصورة في أسرة بن علوه وهي ذات علاقة طيبة بالرحالين ويذكرهم رولفس وناختيغال وسواهما أثناء الجولة التي قام بها رولفس إلى تراغن في مطلع 1866 تعرف على مزايا محمد القطروني خادمه الجديد ومرافق العديد من الرحالين إذ يقول عنه " لم يشارك مزاح وهرج الآخرين وكان يسير بجديه وتؤده، ولم يشبهه احد في معاملة الجمال، ولا في مهارته وسرعته عند تحميل الأغراض و تنزيلها، وفي تنظيم العمل والسير، وفي اختيار مضارب جيدة. وان أمانته واخلاصه واستقامته كانت تسمو فوق كل شي وقال عند عمله لدى، انتم في دينكم ونحن في ديننا، ولكن عندما تريد أن اذهب معك على اسم الله، ومثلما خاطرت بحياتي في سبيل ابن عمك فأنني مستعد للموت في سبيلك .

الرحالة غوستاف ناختيغال ( 1834 ـ 1885 ) : ـ
   أن الطبيب غوستاف ناختيغال الذي وصل الجزائر في 1862 لاسباب صحية واستقر في عنابة لمدة ستة اشهر لم يلبث أن غادرها إلى تونس، حيث كانت له عيادة واشتغل طبياً عسكرياً ثم طبيباً لباي تونس. واستمر فيها حتى أواخر 1868، عندما وقع الاختيار عليه من جانب رولفس بناء على نصيحة المستشرق والرحالة الألماني البارون هينريش فون مالتسان كي يتولى نقل هدايا الملك البروسى من طرابلس حتى كوكه عاصمة برنو وتقديمها هناك إلى الشيخ عمر سلطان برنو. وهذه المهمة التي قبلها ناختيغال ببالغ الاهتمام أدت به إلى القيام برحلة حملته من طرابلس إلى ترهونة بنى وليد ، بونجيم ، سوكنة ، أم العبيد ، الزيغن ، سمنو ، تمنهنت ، الجديد ( سبها ) غدوه ، مرزق . ثم قام برحلة إلى تبستي وبعد ذلك اشترك مع محمد ابوعائشه في قافلة واحدة إلى برنو ماراً بالقطرون وتجرهي وبلما وكوكة ومن هناك زار كانم مع أولاد سليمان. ثم قام برحلة إلى حوض تشاد ووداي ودارفور واستغرقت رحلته حوالي ست سنوات. لقد مكث ناختيغال في مرزق التي وصلها في 17 مارس 1869 حتى مايو 1870 لم يغادرها إلا لمدة ثلاثة اشهر زار خلالها تبستي. وفي مرزق قام باتصالات واسعة، وأجرى دراسات وتعلم الكنورية وأخذ يرتب لرحلة مشتركة مع الرحالة الهولندية الكسندرينا تينه التي كانت قد حلت في مرزق قبله بأسبوعين، كما كان يعالج المرضى. وان معرفته العربية ومهنته الطبية وكياسته سمحت له بجمع معلومات واسعة عن مرزق وفزان عموماً صب معظمها في فصلين حول المدينة وفصل عن الأمراض لم يسبقه إليها الرحالون الآخرون. ومن يدرس المدينة وفزان عموما لامناص له من الرجوع إلى كتابه الصحراء وبلاد السودان في المجلد الأول منه . وقد اخترنا بعض المقطتفات لنشرها هنا من باب الإشارة إلى المواضع الهامة التي يتناولها والمنهج الذي يتبعه في ذلك وقد ترجم عبد القادر مصطفي المحيشي الأجزاء الأول والثاني والرابع عن الإنجليزية وترجم د. عماد الدين غانم الجزء الثالث عن الأصل الألماني كما قام بمطابقة جميع الأجزاء على الأصل الألماني، وصدرت ترجمة الجزء الأول منه في 2007 عن مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية .
ي   قدم ناختيغال وصفاً دقيقاً لمرزق كما فعل في حالة طرابلس، ويصعب أن نقدم ما كتبه ونكتفي بإيراد مقاطع مما كتبه . " لم نعبر البوابة [ الشرقية > التي يقع بجانبها مكتب الجمرك، ثم دخلنا الشارع الرئيسي الذي يمتد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي وينتهي عند طرفه بالبناء الرائع للقصبة حيث مقر الحامية العسكرية .
     لقد بنيت جميع البيوت على جانبي هذا الشارع الذي يختلف اتساعه من مكان إلى آخر والذي يعطي المكان بأجمعه صفة تختلف تماما عنها في أية مدينة إلى الشمال منها . لقد شيدت البيوت بالطين وحيث أن التربة في الاماكن المجاورة ملحية جداً، فيبدو انه من الممكن جرفها بمياه المطر أكثر من بيوت سمنو والقرى الأخرى . على انه اثر بنائها الأكثر روعة والمساحة التي تشغلها فإنها خلفت في النفس انطباعاً مهيباً، ويوجد في الكثير منها دور علوي بنوافذ معتادة يمكن أن تغلق بمصاريع إن لم تكن بألواح زجاجية. وكما هو الحال في بوابات المدينة فان بعض المصابيح صنعها نجارون من أخشاب أوربية بيد أن معظمها صنعت من خشب النخيل" [ أقول أن ناختيغال يريد أن يبين الطابع المدني الملموس في مرزق > لقد ذكر ناختيغال أن القافلة توجهت منذ بضعة شهور إلى برنو إذ أن الأوضاع التجارية لم تكن مغرية للتجار الشماليين بحيث تنطلق قافلة في الفترة القريبة.

الرحالة ناختيغال
    وهذا ما جعله يقضى أكثر من عام في مرزق حتى استطاع التوجه إلى برنو بعد الانضمام إلى قافلة محمد أبو عائشة موفد والى طرابلس الغرب إلى الشيخ عمر الكانمى سلطان برنو.
يذكر ناختيغال أبناء محمد بن علوه الذين جاؤوا لزيارة الحاج عبد الله اكبر أبنائه الذي نظم عدة رحلات تجارية في بلاد السودان وكانت دائما ذات ريع غير مجز. ووصف إبراهيم بن علوه بأنه القوة المحركة للإدارة المحلية نظرا لعدم كفاءة المتصرف، وهو القائم بما يمكن أن يوصف بالحكومة. وكان مكتبه في الطابق العلوي في منزل فخم نسبياً عند النهاية الشمالية الغربية للشارع الرئيسي المناسب لاقامته على نحو مريح، كما كانت تحت تصرفه أيضا حجرة أرضية لها نوافذ ذات ألواح زجاجية والإنجاز الوحيد الذي يذكره هو شئ من النظافة وقد ادخلها على محيطه مباشرة، ولديه وصيفان أسودان بلباس خدم يشبه الخدم الأوربي. بالإضافة إلى هذه الشخصيات يذكر ناختيغال الآنسة تينه التي كانت تقطن بيتاً كبيراً في منتصف الشارع الرئيسي كان سابقاً للمكني وهو مطابق للقنصلية الإنجليزية.
   إذا تتبعنا الشارع الرئيسي انطلاقاً من الباب الشرقي أو البوابة الرئيسية الباب الكبير فان النظر يقع قبل كل شي على مخفر الحرس الرئيسي بردهته المدعمة بالأعمدة الخشبية وعلى صف من الدكاكين من كل جانب تمتد أمامها أروقة محمولة على دعائم، هي ملتجأ ظليل للباعة والمشترين . في ذلك المكان يعقد السوق اليومي يبلغ ذروته بعد الظهر وعلى الجهة الأخرى لهذا السوق يأتي الشارع إلى نهايته عند منزل الباشا على الجانب الايسر ومنزل كاتب العسكر على الجانب الأيمن وينفتح على ميدان فسيح أقيمت عليه القلعة وهى مبنى ضخم شبه مربع تواجه جوانبها الاتجاهات الأربعة للبوصلة. وإذا ما مررنا بالقلعة باتجاة الشمال نصل إلى الباب البحري في الجزء الغربي من الجهة الشمالية للمدينة. وإذا أمررنا بجانبها الجنوبي نصل إلى الباب الغربي. وأما القصبة( القلعة ) ذاتها فإنها تضم داخل أسوارها الضخمة ذات الشرفات الثكنة التي تلي يمين المدخل مباشره وهي بناء مربع في وسط فناء واسع بنى على مساحة تعتبر بمقاييس فزان هائلة، ويظهر عليه الإهمال ومقابل الثكنة المسجد وبنى بنمط متواضع. والى الغرب من المسجد مخبز الحامية، وعلى الجانب الغربي من الثكنة البستان. وتملا القلعة وسط الخلفية ما بين المخبز والبستان وشيدت من الطين وتمنح بأسوارها الضخمة انطباعاً مهيباً في وسط تلك المنطقة باجمعها. وفي داخلها حجرات فسيحة للباشا وموظفية وقاعة للمجلس الكبير ومن السطح المنبسط حيث سارية العلم يمكن الإطلاع على سطوح بيوت المدينة المنخفضة وكذلك المنطقة المحيطة التي لاتخرج عن كونها لوحة فنية .
  لايمكني أن اتصور السب الذي جعل الحكام لا يرغبون الإقامة على هذا المرتفع الرحب من المدينة الموحشة، حيث لم يقم أي منهم منذ حسن باشا [ حسب رولفس هجرت منذ حليم بك الذي كان قائمقام مرزق في 1866 أثناء زيارة رولفس تولى المنصب 3 سنوات ثم عاد إليه في فبراير 1870 عندما كان ناختيغال فيها ينتظر قافلة إلى برنو > وتتولى حمايتها 6 مدافع عاطلة جزئيا، وقدرت الحامية بحوالى 500جندي أما الان فقد تناقص العدد إلى 300 واستبدل الأتراك بفزانيين متزوجين يعيشون من الصناعات اليدوية أو من زراعة بساتينهم. ويقسم الشارع الرئيسي المدينة إلى قسمين متساويين تقريباً وكلاهما مقطع بممرات ضيقة متعرجة جدا في أكثر الأشكال شذوذاً وبنيت البيوت بالتربة الملحية والصلصال ويوجد بالقسم الجنوبي من المدينة أكثر من 300منزل وأكثر من 280 في القسم الشمالي وعلى هذا تضم المدينة حوالي 600عائلة وإذا ما قدرنا متوسط أفراد الأسرة بستة أشخاص فان عدد سكان المدينة حوالي 3500نسمة وكانت المدينة باتجاة الجنوب أكثر اتساعا بحوالى الربع ولا تزال تشاهد بقايا السور الدائري الذي يطوق الرأس كما كان يسمى الجزء المجهور من المدينة. كما كانت هناك بوابة رابعة في منتصف جانب المدينة الجنوبي الحالي إلا أنها مسدودة الآن .
   حسب روايات جميع الأشخاص من ذوي المعرفة فان عدد سكان بساتين المدينة كان يبلغ تقريباً عدد سكان المدينة ذاتها وهو تقدير يصعب التأكيد من صحته بسبب تبعثر المساكن خارج المدينة. وقمت بزيارة بستان الحاج إبراهيم [ بن علوة > الذي يقع على مسافة نصف ساعة إلى الشمال من المدينة وقد عقدت العزم على التاكيد من ذلك الموضوع على جانب المدينة الشمالي بكامله تقريباً برك من المياه المالحة والسباخ ومما يدعو إلى الدهشة انه تقوم في وسطها بعض العيون العذبة وكذلك هو شان الأراضي الواقعة في الناحية الجنوبية من المدينة وستبقى الحماقة التي ارتكبها مؤسسو المدينة غير معقولة إلى الابد عندما اختارواً هذه الأرض ذات السبخات الواسعة لاستقرار السكان وتتمتع الصحراء عموماً بدرجة عالية من المزايا الصحية .
    لقد فقدت مرزق منذ وقت طويل مكانتها كمركز تجاري وان كبار التجار الذين مازالوا في المدينة منذ سنوات أكثرهم من الغرباء، من أبناء أوجلة وسوكنة وهون وطرابلس وقد عانى هؤلاء من المناخ المستنقعي وكانوا يدبون حول أعمالهم بوهن وضعف وكسل بوجوه كالحة وصفراء وشفاه شاحبة وعيون متثاقلة وحتى ملابسهم فهي عباءات رمادية أو رمادية بنية وقمصان زرقاء باهتة تتناغم في مظهر يوقع الكآبة في النفس مع وجوههم المرهقة والشكل العام للمدينة يبقى الناس في بيوتهم طالما أن عملهم يسمح بذلك و لا يقابل المرء في معظم النهار إلا التجار المساكين في محلاتهم بالسوق. ولا تجذب المقهى المعزولة عند مدخل السوق بمشروباتها المريبة التي تقدم مقابل 5 بارات للفنجان إلا جنود الحامية أو ما شابههم من الزبائن كما لا توجد أية زاوية شارع ظليلة لتغري بالجلوس والانهماك في القيل والقال فقد كان الأفضل للجميع أن يبقوا في منازلهم دون الخروج .
وكان من الممكن أن تكون عاصمة فزان أكثر رتابة ومللاً لو لم يكن هناك حركة السوق التجاري حيث يأتيه الاهالى من أصحاب البساتين والعناصر الغريبة الكثيرة في المدينة ومعظمهم من مناطق أبعد جنوباً. قبل الظهر يفد إلى المدينة تدريجياً أصحاب البساتين ويغطون بمنتجاتهم السوق الذي يزداد ازدحامه في ساعات بعد الظهر. وتذبح الإبل والأغنام والماعز في الصباح والضأن هو المفضل. وتحضر نساء المدينة الخبز الطازج ويظهر أصحاب المتاجر تدريجيا ليعرضوا للبيع كميات متواضعة من السلع. ولكنها متنوعة مما يلزم الحياة المتحضرة في أوروبا والساحل الجنوبي للبحر المتوسط من كبريت، وورق لف السجائر والتبغ التركي، والحلويات من طرابلس واسطنبول وفناجين القهوة الصغيرة ومعدات الطبخ وصحون النحاس والقصدير والجبنة الهولندية والبراميل وأمواس الحلاقة والإبر والمرايا اليدوية الصغيرة والمقصات والأمواس وزينات النساء والأساور والخلاخيل النحاسية والفضية والعاجية من القرون وقلادات العقيق والكهرمان وخرز الزجاج والمرجان . كما يعرض الباعة العامون الأقمشة من القطن والحرير والمناديل والملابس العربية والقبعات التونسية وبرانيس من الصوف الإفريقي أو من النسيج الأوربي والحيوك التونسية أو الطرابلسية الرائعة وأغطية الأسرة الصوفية الناعمة الملونة من جزيرة جربة أو بلاد الجريد أو سجاد قليل من الجودة من مصراته أو أنواع أفضل من اسطنبول وأوربا. واللحافات النسائية من مصر ،والسروج العربية والركابات وغطاءات السروج من القطيفة أو الجلود المغربية المطرّزة بالذهب أو الفضة ولباد السروج السميك ، والأثواب الفاخرة السودانية ، والأحذية الجلدية الصفراء المطرزة بالحرير ، وأكياس الجمال الصوفية المصنوعة محلياً ،وقرب الماء من بلاد الهوسة ،وغيرها كثير من الأشياء القيمة الأخرى. وينادى هؤلاء السماسرة بآخر سعر يعرضون البيع به ، ويمسكون بالسلع في أيديهم عالياً ، ويقفون أحياناً حتى يعطوا فرصة لمن يريد معاينة السلعة ، أو يطرون جودة سلعهم بإفراط، فهم لا يستقرون أبداً في مكان ، حيث يهرولون من نهاية السوق إلى نهايته الأخرى من اجل الحصول على زيادة في السعر قد لا تزيد عن نصف أو ربع قرش، ولا يقتنعون بهؤلاء الذين يقومون بزيارة السوق ، بل يبحثون عن الناس الذين هم على دراية باحتياجاتهم أو ما يميلون إلى شرائه بالذهاب إلى بيوتهم وتكافأ مثابرتهم العسيرة بعمولة قد لا تزيد على بارة في القرش الواحد .
   وتستخدم النقود المتداولة في طرابلس كقاعدة للقيمة في مرزق ، بيد أن معاملات السوق ، التي هي معقدة في فزان ، قد صارت أكثر تعقيداً باستخدامها الريال الفزاني ، ويعادل 15 قرشاً عثمانياً ، والذي هو مثل المحبوب لا يوجد في الواقع كعملة.
     عندما يتوقع مرور قافلة تحضر الجمال إلى السوق من فزان وبلاد الطوارق والتبو، وعند الغروب يفد الطوارق من الوادي الغربي من البوابة الغربية بالفحم، وهم يختصون بهذه الصناعة. ونظراً لقلة الأشجار في فزان فان الفحم يعتبر سلعة ثمينة ونادرة، وغالباً ما ينتظرها الناس عند البوابة أو على الطريق . وتأتي القرويات تدريجياً إلى المدينة ومعهن الذرة في شكل حبوب أو دقيق أو محمصة والخضروات مثل الفاصوليا، والملوخية والبصل والباميا، واللفت والفجل وبذور الحنظل والفلفل الأحمر من السودان أو الفلفل الأسود من أوروبا. ويعتبر التمر أكثر الفواكه انتشاراً، والبطيخ متوفر وتأتي بعض الكميات من التين وبعض الرمان الردئ. واما التفاح والمشمش والكمثرى والعنب والسفرجل لاترى إلا أحيانا، لان الأغنياء ينفردون بزراعتها . الحليب والزبدة غالى الثمن بسبب ندرة الماشية وإذا تحمل المسافر تعب احضار زيت الزيتون الممتاز معه من الشمال من بنى وليد أو جبل غريان إلى سوق مرزق فإنه يحصل على ربح مجز ويباع تبغ المضغ ويعتبر ممتازاً إذا ما جاء من قرية زيزاو المجاورة. في سوق الخضار والفواكه كانت النساء تمثل الأغلبية يجثمن خلف سلالهن المصنوعة من سعف النخيل.
و   يذكر ناختيغال أن جميع الألوان ممثلة في برنو وبعض هذا الخليط يتكلم العربية واخرون لغة التبو والهوسة ولغة برنو الكنورية كثيرة الاستخدام وأكثر اهالي الصحراء أصالة الطوارق العابرون والتيدا الرشيقون. كان البعض من التجار المرموقين في طريقهم إلى السودان الغربي ويعتزمون السفر عن طريق غات إلى بلاد الهوسة الصناعية وآخرون قد وصلوا من هناك، وكانوا في طريقهم إلى طرابلس وبنغازي أو القاهرة ومازال آخرون يعيشون في فزان. وهناك حجاج ممن يرسلهم السودان الغربي كل سنة باتجاة الشرق يسلكون طريقهم عبر فزان والشمال الغربي .

تجارة فزان في رأي ناختيغال : ـ
     رغم ما تقدمه الزراعة لاهالى فزان فإنها لا تكفي بأكثر من حياة مجردة وبدون النخيل لايمكن حتى توفر الحد الادني، ويضاف لذلك تربية الماشية إلا أن كل ذلك لا يؤمن لأبناء فزان فرصة لتوفير اية مدخرات للطوارئ والشيخوخة ، ولهذا تبرز التجارة. ويعزى ازدهار فزان إليها على مر الزمن . لقد جعلت سلسلة الواحات المتواصلة التي يربطها بساحل المتوسط، ومواضع التزود بالمياه المنتشرة على طول الطريق حتى بلاد السودان وقرب فزان من بلاد الطوارق والتبو، والنظم والإدارة الحكومية جعلت من فزان من قديم الزمان مركزاً هاما، وكل فزاني ثري كان تاجراً ويبدو أن الرومان لم يتوغلوا في أقاليم السودان بيد أن منتجاتها وصلت إليهم عن طريق فزان إلى الساحل الشمالي. وعندما جاء الإسلام لم يدفع بسكان أكثر حضارة إلى الصحراء فحسب بل أقام دولا إسلامية على ضفاف بحيرة تشاد والنيجر ونمت هناك تجارة نشطة من جميع الجهات .
    كانت بضائع الشمال تتدفق إلى فزان من تونس وطرابلس ومصر، ومن ثم تنتقل إلى الأقاليم الصحراوية وبلاد السودان والعكس كانت منتجات هذه البلاد تنتقل وتتجمع في فزان. وقد احضر كثير من الذهب في شكل تراب أساسا، ولكن أيضا وعلى شكل خواتم وسبائك صغيرة الخ من تمبكتو على مر العصور من إقليم اعالى النيجر إلى فزان وكان المثقال واجزاؤه حتى بداية القرن التاسع عشر القيمة المعيارية السائدة . ولم يجر إحضار الريال النمساوي والليرة الأسبانية إلا عندما نضبت إمدادات الذهب من هذه المناطق. وكان يحصل على القطع الصغيرة في البداية عن طريق التقسيم اليدوي لليرة ثم بعد توقف استيراد الذهب تماما لفترة جيل ، وإتمام إقامة الحكم العثماني المباشر أصبح الحصول على تصريف العملة إلى وحدات صغيرة يتم بقطع معدنية طرابلسية على نحو كامل . ويأتي من بلاد الهوسة القرب وجلود الماعز المدبوغة والأقمشة القطنية والنيلة والببغاوات ومن برنو علاوة على ذلك النيلة والتمر هندي وجلود النمور والأسود ومن باقرمي ووداى البخور وقرن الحرتيت، وكان ريش النعام وعاج الفيل والرقيق وهي أكثر سلعة مربحة وواسعة الانتشار من بين جميع السلع التجارية يستورد من معظم هذه البلدان.
    ان الطلب الزائد على جميع هذه السلع فيما عدا السلع المصنعة في بلاد الهوسة وتونس ومصر وعبر المتوسط حتى اسطنبول. إن كبار السن في فزان[ أثناء زيارة المؤلف> كانوا يتذكرون أيام شبابهم عندما كانت تأتي قوافل الحجاج الكبيرة كل سنة من تمبكتو محملة بالذهب وتحمل معها البضائع في طريق العودة كما كانت القوافل التجارية إلى السودان الأوسط وبلاد الهوسة وبرنو وكانت تنظم عدة مرات في كل السنة ومن ثم تعود بعدة الاف أكثر مما ذهبت .
كان من نتائج حالة الانحطاط التي بلغتها بلدان الساحل الشمالي والأوضاع التجارية غير الملائمة في بلاد السودان ونشوء منافذ بحرية أخرى لم يكن اقلها اضحلال تجارة الرقيق قد أدت جميعاً إلى تقهقر كئيب وكان الوقت متأخراً عندما حافظت تونس على علاقة نشطه مع برنو. كما أن قوة طرابلس العسكرية قد ضعفت، وهكذا كانت نشاطاتها التجارية ورأسمالها. واختفت فيها روح المغامرة سواء في طرابلس أو فزان عندما عانى تكراراً طريق وداي من توقفات عديدة. ومع بداية القرن 19 ثم فتح طريق مباشر مروراً بواحة جالو إلى بنغازي أو القاهرة . ومنذ ذلك الوقت أصبحت تجارة وداي مع الساحل الشمالي في أيدي المجابـرة سكان جالـو. وانحطت برنو وقدرتها الإنتاجية وعلاوة على ذلك استولى الغدامسيون شيئا فشيئا على التجارة في غرب الصحراء مع سكانها الذين تربطهم بهم علاقات قبلية وبهذا حصلوا على اقصر الطرق إلى بلاد الهوسة وتمبكتو، وأقاموا هنا وهناك مؤسساتهم التجارية الخاصة. وان العقبات التي وضعت في طريق تجارة الرقيق كانت آخر ضربة تتعرض لها تجارة فزان، ولم يعد هناك في تونس ولا اسطنبول طلب على هذه السلعة المربحة كما لم يعد الطلب كبيراً من طرابلس نفسها وعندما توقفت المبيعات في اسطنبول كان من الممكن مواجهة احتياجات مصر من البلدان الوثنية المجاورة . ما من شئ يعوض الخسائر التي عانتها فزان في علاقاتها التجارية مع دول السودان. وبصرف النظر عن إنتاج بحيرات النطرون التي ذكرت آنفاً ـ يمد بحر الطرونة طرابلس بحوالي 500,000 رطل من الصودا ـ ليس هناك إنتاج يستحق أن ينقل إلى ساحل البحر المتوسط. وكانت تنقل كميات هامة من أوراق السنا إلى الشمال من جبال تيبستي عن طريق فزان ، ولكن نتيجة لانخفاض ثمنها فان نقلها آنئذ ومع زيادة تكاليف الابل قد أصبح مكلفاً جداً.لا توجد في فزان صناعة من أي نوع ،وعلى هذا فقد اختفى ازدهارها النسبي السابق، وأصبحت عائلات مرزق المشهورة بثرائها فيما مضى فقيرة تدريجياً أو تنسحب إلى بيوتها في أوجلة وسوكنة ...الخ . وصمدت عائلة بن علوة من خلال مركزها في إدارة الإقليم وصمد الحاج العامري شريك السيد قاقليوفي ، في الأساس من خلال الإيجارات التي تدرها عليه بحيرة النطرون، ولا يحصل التجار الثلاثة أو الأربعة الباقون الذين كانوا يسافرون إلى بلدان السودان أو يقدمون خدماتهم للمسافرين إلى هناك إلا على دخل متواضع جداً. وكانت هناك عائلات يسافر ثلاثة أخوة منها باستمرار إلى طرابلس والقاهرة والى غات وبلاد الهوسه وبرنو، ولم يكن بمقدورهم مع أقصى نشاط لهم إلا تحقيق نتائج متواضعة تماماً . وعلاوة على ذلك ليس في فزان من الحرفيين إلا من هم الأكثر ضرورة . وبذلك فان كثيراً من الأشياء التي كان يمكن أن يصنعوها بذاتهم، كانت تحضر من طرابلس، فقد كان باستطاعتهم تحويل الجلد الأحمر والأصفر إلى أحذية، وأحزمة، ومعدات سروج، وأحزمة عريضة للكتف يوضع فيها الرصاص، ويزينونها بتطريز دال على حسن ذوق، وكانت الحياكة العادية قائمة في كل بيت. ولقد ضعفت حرف دبغ الجلود والنسيج والصباغة، ولم يكن هناك أثناء زيارتي فعلياً سوى نجار أو مصلح للأدوات الخشبية ( ان هاتين الحرفتين يقوم بهما شخص واحد في هذه الأقاليم ) الحاج محمد الستار الذي كان من الأعيان وعضواً في المجلس الكبير، والذي كان في الغالب يعمل لنفسه أو لأصدقائه، ويكرس معظم وقته للزراعة والتجارة. ولم يكن هناك خراط في مدينة مرزق ولم يكن بإمكان الحداد إلا توفير بعض اللوازم البسيطة جداً، وكان في نفس الوقت سمكرياً وصانع أقفال ومصلحها وصائغاً، بيد انه لا يجد في الغالب فحماً، وتستأثر الزراعة بمعظم وقته مثل أي مواطن آخر في مرزق فهو بالطبع لابد ان يركز اهتماماته عليها حيث لا يكفيه دخله من الحرف الأخرى التي يزاولها ونتيجة لذلك فان على حرفته وزبائنه الانتظار. ولم يكن يصنع هناك بكميات كافية إلا الفخار الضروري والسلال المضفورة من سعف النخيل ونسيج وبر الابل لسد حاجة الإقليم، ويحصل على أي شئ آخر، في الغالب من طرابلس مثل البضائع القطنية الرخيصة والأقمشة والحرير والأواني النحاسية ويحصل من السودان إلى حد اقل من ذلك على البدل القطنية الجاهزة وقرب الماء والأواني الخشبية وعلى ذلك بالطبع تكلف زيادة في السعر لما يزيد على خمسين في المائة.

هانس فيشر : ـ
    أن هانس فيشر ليس رحالة في الأساس بل عين قنصلاً لبريطانيا في برنو وانطلق من طرابلس بحيث يسلك طريق القوافل ليلتحق بعمله جنوب غربي بحيرة تشاد وبهذه المناسبة يصف طريقه إلى عمله وترافق في الأراضي الليبية مع شخصية مرموقة وهو عبد القادر جامي ويبدو أنهما لا يبتعدان في اهتماماتهما عن بعض وكل منهما متأثر بالأخر وكان مفعما بهذه الفرصة التي جمعتهما على مدى عدة اشهر من العام 1906 ويشيد كل منها بالأخر في التقارير التي وضعاها عن هذه الرحلة لابل استعمل فيشر العديد من الصور التي التقطها جامي توثيقاً للمعالم التي شاهدها في مختلف مراحل سفرهما في الجبل والحمادة ووادي الشاطئ والوادي الغربي ومرزق والقطرون وسواها .
   وإذا أخذنا مرزق بعين الاعتبار فإننا نلاحظ ان فيشر قد خصها بما يتجاوز الخمسين صفحة وباعتقادنا ان تحليل هذا النص يقدم للمؤرخ الاقتصادي والاجتماعي مادة عن التغيرات التي شهدتها مرزق التي ظلت قاعدة فزان على مدى أربعة قرون على الأقل اثر الأحداث التي عطلت بدءاً من تسعينات القرن التاسع عشر الجزء الجنوبي من طريق برنو الشهير وانعكاس ذلك على المدينة ومكانتها التي اكتسبتها في الأساس من كونها محطة رئيسية لهذا الشريان الهام لتبادل السلع والمصالح مابين الشمال والجنوب . والموضوع الجديد كلياً الذي مسه هانس فيشر في اطار مهمته السياسية هو الوقوف طويلاً أمام السجناء السياسيين وكانوا في معظمهم من الحركيين في حزب تركيا الفتاة وحرص كل الحرص على قضاء معظم أوقاته معهم وعرض بعضاً منهم وشيئاً من أفكارهم وعلاقتهم مع المواطنين والمكانة التي تمتع بعضهم حتى لدى المسؤولين عن المتصرفية كما أشار إلى المدرسة التي أسسها في الغالب أبناء بلاد الشام بين هؤلاء المساجين. ولما كان من الصعب وضع جميع المادة المتعلقة بمرزق والكثير منها يستحق ان يدرج، آثرنا ان نقتصر على مجموعة من المعلومات الجديدة حول وصف المدينة وسكانها وسوقها والتجارة عبر الصحراء والإدارة العثمانية وسواها من المعلومات حول التغيرات الطارئة وتحديد وضع مرزق في مطلع القرن العشرين وبالأحرى بعد فقدانها مكانتها في التجارة مابين الشمال والجنوب على جانبي الصحراء.
   بعد ان يلقي فيشر نظرة على مكانة مرزق في تاريخ الرحلات الأوربية إلى افريقيا أو ما يدعوه اكتشاف افريقيا ويستعرض مشاهير الرحالين الذين اتخذوها محطة رئيسية في طريقهم إلى الدواخل الافريقية بعد انطلاق رحلتهم من طرابلس ويلقي نظرة على دولة الجرمنت وتاريخ فزان يتناول الوضع الذي كان سائداً أثناء وصوله مرزق قاعدة متصرفية فزان التابعة لولاية طرابلس الغرب منذ القضاء على عبد الجليل في 1842 ويعدد الأقضية والمديريات التي تنقسم إليها المتصرفية ويذكر من الاقضية سوكنه والشاطئ وغات ويتولاها قائمقامون وأما المديريات فهي سبها وسمنو والحفرة الشرقية والوادي الشرقي والوادي الغربي والقطرون وأما وادي عتبه فيشكل مديرية صغيرة منفصلة يقوم عليها مدير. وفي الفترة الأخيرة عين قائمقام في برداي مركز قضاء تبستي.
    ان فيشر يقف أمام استمرار وجود مرزق في حين ان سواها قد اندثر مشيراً إلى الأبراج أو بقايا القلاع في الجنوب، والتي يعتبرها بمثابة معالم كانت ضمن مدن اندثرت وهذا رأي يتطلب إلى تقييم علماء الآثار لن نقف أمامه هنا. ويبين ان موقع مرزق على الطريق الواصل بين طرابلس وبرنو وغات واستمرار حركة القوافل بين البحر المتوسط وكوكه هو الذي جعل مرزق تحافظ على مكانتها إلا انه يقول ان هذا الوجود هو اصطناعي مبيناً ان غالبية الثروة ليست في يد أبناء مرزق بل بيد تجار من واحات مختلفة مثل سوكنة أو المجابرة. ويعدد بين الأضرار التي لحقت بتجارة القوافل تراجع تجارة الرقيق وتزايد النفوذ الأوربي وتدخله في طرق التجارة والعمل على تحويلها، ويركز خاصة على ظهور رابح الزبير في برنو حوالي 1890 والذي تغلب على قوات باقرمي ووداي وبرنو ووحد هذه البلدان في دولة كبيرة واستمر في الحكم حتى 1900 عندما هزم في معركة كسيري على يد القوات الفرنسية. لقد توقف طريق برنو في عهده وقتل التجار العرب الذين كانوا في برنو أو وقعوا في فقر مدقع وتقطعت بهم السبل ولم يعد طريق برنو بعدئذ الى الانتظام وفقد الأمان.
    إن وصفه للمدينة لا يختلف كثيراً عن سابقيه فيذكر الشارع الرئيسي والسوق والقلعة والجامع والسور المنهار في معظم أجزائه والأبواب الثلاثة ثم يقول : " لقد أحصى ناختيغال 600 بيت مسكون في مرزق وقد وجدت مائتي حوش ضمن الخرائب العامة وان العدد الذي يقدره ناختيغال 6500 نسمة وبارت 2800 نسمه. وحسب الإحصاء العثماني فانه يوجد في مرزق والبساتين المحيطة بها 870 من الرجال فوق العشرين من العمر وقد يبلغ عدد السكان الحالي حوالي 3000 نسمة. "
    إن قلعة مرزق ذات بنية هائلة ليس لأنها كومة عملاقة مغايرة من الطين الصلب تخترها ممرات مظلمة تؤدي الى القاعات الواسعة التي يدخلها النور من نوافذ صغيرة قليلة. في الممر الأول توجد عدد من الغرف كان يسكنها حكام فزان السابقون، وهي تستعمل حالياً كما كانت. في الأسفل وحول السجن يوجد العديد من الأتراك الأوربيين المسجونين مؤقتا إنهم سجناء سياسيون منفيون من تركيا الفتاة وخمسة وأربعين من البلغار إنها ثكنات الحامية والشرطة ودار السلاح وهي تقوم حول المبنى الرئيسي للقلعة القديمة وهي تتلو المخفر عند مدخل الجامع. إن أبواب الثكنات مفتوحة على ميدان واسع حيث تتم الاحتفالات واستعراض القوات في الصباح. ويحافظ عليها نظيفة ومرتبة وذات جو عسكري، وتتجمع فيها ليلا جميع جمال المدينة، كما كان الأمر في زمن زيارة ناختيغال. وفي مقابلها مستشفى القلعة العسكري ومكتب التلغراف حيث يحصل المرء على أخبار العالم الخارجي. ان الجانب الجنوبي من الميدان مغلق ببيت سامي بك وهو منفي سياسي وسأعود للحديث عنه . في منتصف الشارع الرئيسي يقوم بيت السيد قاقليوفي الوكيل البريطاني وهو حالياً خراب وقد عاش سنوات عديدة في مرزق بغرض وقف نقل الرقيق. وتقع مقابل المخفر الرئيسي القنصلية البريطانية والجنود العثمانيون من الحامية الخياله كما كان الأمر عندما وقف رولفس عند بيت قاقليوفي. أثناء النهار يمكن ان تشاهد كل مرزق في الشارع الرئيسي يمشون أو ممتطين الخيل حتى الرمل العميق باتجاه السوق في الطرف الشرقي حيث يحضر الفلاحون منتجاتهم من البساتين كي يبيعوها للموظفين العثمانيين ولعساكر الحامية وان تاجراً عرضياً من برنو أو السودان قد يبيع بعض بضائعه قبل أن يتابع سيره نحو الساحل. وفي بعض الأحيان يحضر الطوارق والتبو تمورهم إلى مرزق، أو يعرضون جملاً للبيع وتوضع إلى جانب بعضها مع السكر والخشب المعطر والشاي. إن الزجاج والخرز والعطور والحرير الملون والمنتجات الرخيصة من أسواق القارة موجودة هناك وهي تضفي على مجمل المشهد بهجة متنوعة وتعجب أهالي مرزق وتذكرهم قليلاً بالزمن الماضي، عندما كانت تنزل القوافل الكبيرة من برنو حول المدينة ومن بنغازي وطرابلس كانت ترسل ألاف الجمال عبر المدينة في كل عام .
   كل واحد من مرزق يذهب إلى السوق إذا أمكن ويمارس قليلاً من التجارة. الجميع في صخب وضحك ولايمكن إلا أن يعجب المرء السير الوقور لهؤلاء الناس الذين يجابهون فناءهم بمثل هذه الظرافة .
    إن مرزق الحالية في وضع من التحول. لقد توقعت أن تكون محطة متوسطة كبيرة في منتصف المسافة كما كانت في أيام التجارة العابرة للصحراء ولم تتمكن حتى الان من تحقيق وضعها الجديد باعتبارها مركز منطقة خصيبة تابعة للشاطئ الشمالي. وكلما اكتسب أبناء فزان ثقة بموطنهم، كلما كان هذا أفضل للجميع، ولهذا فان مرزق قد تستعيد شيئا من ازدهارها السابق .
لقد شاهدت بين التجار الذين يجلسون في السوق في صراخ طويل تحت كوخ صغير من الحصائر القشيه مثلما هو الحال في شمال نيجيريا، تركيا أو ربيا يبيع كمية قليلة من الشاي والسكر لنساء مرزق الصاخبات. وعندما لا يأتيه زبون كان يأخذ بكل هدوء كتاباً لا يقل عن مجلد بودلير ولم تكن المفاجأة قليلة أن التقي طالبا في الآداب الأوربية بين الباعة من الهوسه والعرب يبيعون المنتجات الجلدية من كانو والروائح الرخيصة من الشاطئ فاجتذبت نظر التاجر. لقد كان سامي بك وهو من تركيا الفتاة من فيليبو بوليس وكان ضابطاً سابقاً في البحرية العثمانية وقد حكم عليه بالنفي مدة مائة وسنه وأرسل إلى مرزق. وقد علمت منه أن الكثير من هؤلاء التجار هم من أرجاء الدولة العثمانية، وهم جميعاً رجال كانوا من ذوي الوظائف المسؤولة، وهو يتكلم الفرنسية والألمانية بينما يقومون بالتفاوض على صفقة بمبلغ غرش مع فاطمة وزينب. كان يستفهم خاصة عن وضع الشؤون الأوربية وتحديداً عن بلادهم . إنهم رجال طيبون هؤلاء الذين قبلوا ماهو محتم ولأنهم يعملون بكل ابتهاج كي يعيشوا بين السود والعرب وهم على ولائهم لموطنهم وللأهالى بحياة جديدة.
    يكتسب هذا السوق أهميته باعتباره صورة عن طبيعة أبناء فزان. حول عدد قليل من المظلات القشية. حيث تعرض في ظلها سلع رديئه كانت تدب حركة وحيوية كما هو الأمر في الأسواق الافريقية الكبيرة. وكما هو الشأن في كانو وبرنو. كل واحد يتكلم دفعة واحدة لأنه يبدو مامن احد ينصت وكل واحد منهم بدا راضياً. إن أرقاء من الهوسه وكانوري وباقرمي وفلاته يدفعون التبو المتجهمين. وتجار مرزق القدماء الذين شهدوا أياماً أفضل يمرون جيئة وذهاباً معتدين بمكانتهم كما لو أن جميع تجارة افريقيا خاضعة لهم. أن عربا من الشواطئ ينكزون ببنادقهم الطويلة في كل اتجاه، بحيث يفسح لهم الطريق الجمهور النزق. أتراك وطوارق وألبان ويونان وسوريون يمثلون الجنود العثمانيين في زي رسمي ممزق وانهم جميعاً يقومون بدورهم بأكبر قدر من المشاركة. إن الأشخاص القليلين الذي يجلسون حاليا حول الأكواخ ذات بضائع مانشستر أو الروائح الفرنسية الرخيصة من الشواطئ والسود مع التشكيلة الغربية من المشغولات الجلدية. والبخور والكحل والقرنفل وباعة الشاي والسكر إنهم ينطلقون جميعاً بالصراخ. في بعض الأحيان تقتل شاة فإنها تقطع وتباع أو يحضر طارقي جملاً إلى السوق فيتعالى الصراخ والحديث ويغدو أكثر هيجانا، أو أن يحضر احدهم خبراً من طرابلس أو من الجنوب أو من غات وإذا ما أضيف إليه قليل من التباينات فانه تعلن به آلاف من القصص الغريبة أو تنمو عنه بعض التفاصيل.
يهتم فيشر بموظفي متصرفية فزان وموظفيها ويذكر من بينهم رئيس البريد والتلغراف الذي يتولى إرسال واستلام جميع البرقيات، وكان مرغوباً جداً نظراً لان الأخبار ترد إليه ويورد ملاحظه عابرة انه كان دوماً على استعداد لإفشاء الأخبار .
    ويكرس مزيداً من الاهتمام بالسجناء السياسيين وعمق علاقته معهم وبعد فترة غدا بيت فيشر ملتقى لهم، والواضح انه جمع معلومات كافية عنهم، والأرجح انه كان مكلفاً بذلك ويقيم علاقتهم الايجابية مع أهالي مرزق بقوله .: لم اسمع في يوم من الأيام شكوى من جانب هؤلاء الشبان العثمانيين، إنهم يعيشون بوئام مع أهالي المدينة، يحاولون تحسين وضعهم بقدر ما يسمح لهم فقرهم. وقد أسسوا مدرسة حيث يتلقى أطفال أفقر الأسر تعليماً مجانيا. إنهم يشتركون فيها بما يملكون من وفر من المال الذي يحصلون عليه بصعوبة. ثم يعود لطرح مسالة التجار والتجارة في مرزق وفزان فيقول : " أن التجار العرب الوقورين عمر طرومبا وعلي العامري وشريف السنوسي يمثلون الأزمنة القديمة عندما لعبت مرزق دورها في التجارة الافريقية. إن مكانة مرزق تبرز في موقعها ليس فقط في نشاط سكانها. إن غالبية التجار كانوا رجالاً من سوكنة مدينة البربر في حدود فزان الشمالية الشرقية أو العرب المجابرة من جالو في برقة، هؤلاء الآخرون غادروا مرزق منذ وقت طويل إنهم مستمرون في التجارة على الطريق العابر للصحراء من وداي ودارفور عبر شرق برقو وتبستى نحو الكفرة والصحراء الليبية حتى بنغازي لم يكن هذا الطريق مطروقاً كثيراً في السابق وذلك لندرة الآبار والكثبان الرملية العالية وهي مهوله أكثر من أي مكان أخر .
   بشكل عرضي، ومع إغلاق طريق الرقيق نحو المغرب وتونس وطرابلس وتقدم الأوربيين فإن الأرقاء التعساء نقلوا على الطريق الأكثر صعوبة وقسوة . وعندما قضى رابح على معظم تجار طرابلس الذين كانوا يتعاملون مع برنو، وان تجار سوكنة الذين قابلتهم في مرزق وقد افلتوا عن طريق الصدفة من الخراب العام. ولم تكن أموالهم قد وظفت بالكامل في القوافل المفقودة ومثل التجار المفلسين فإنهم اشتروا تدريجياً الشركات المدمرة و انتقلت البيوت في مرزق إلى أيديهم ولم يكونوا تابعين تبعية تامة في التجارة قليلة الأهمية التي يقومون بها على طريق طرابلس مرزق غات كانو وبرنو إن البيوت الحسنة في مرزق قرب الباب الشرقي هي ملكهم ولديهم أيضاً بيوت كبيرة خارجها في بساتين الواحة. واعتقد أن هؤلاء الرجال سيمسكون بسرعة بالنظام الجديد للأمور عندما تقدم كانو على تزويد جنوب الصحراء وحوض تشاد وعندما ترغب فزان أن تزرع الحبوب والتمر من أجل سوق طرابلس.
   إن أبناء فزان ذاتهم يتوارون في الغالب كلية وسط الرسميين العثمانيين والمنفيين والتجار الأثرياء وحشد الرقيق الذين لا يوصف أو الحجاج من الجنوب، فهم إما مزارعون صغار، أو أشخاص متواضعون غارقون حتى أذانهم بالدين للتجار أو الحكومة أو منهم طبقة ممن يذهبون إلى الشواطئ للخدمة . إن الشباب من أبناء فزان يعودون في الغالب من اجل الزواج . وان يستقر في واحته أو يصطحب زوجته إلى تونس أو طرابلس عندما يجد أن الرمل قد اجتاح [ أرضه > أو أن الضرائب أصبحت باهظة تفوق طاقته .
    إن عبد الله بن علوة العجوز هو الممثل الوحيد لتجار مرزق ويوجد السنوسي الشتيوي من الأسر الشهيرة جداً الذي قابله معظم رحالينا إلا أنه كان رجلاً طاعناً في السن تعيساً ويبدو انه فقد الاعتبار في مرزق، لقد كان مفتياً أو امام الحامية العثمانية. لقد جرى تسجيل بعض أبناء فزان في قائمة الزابطية العثمانية. والأكثر وجاهة بين هؤلاء حاجي سنوسي وهو ضابط شاب وسيم في الدوك ( الزابطية ) وهو جرئ ومفيد في الصحراء كما انه لطيف المعشر في المدينة عندما كان فيشر بصدد اتخاذ الترتيبات لمغادرة مرزق وصل تبوى راكباً على جمل يحمل أخباراً تفيد أن الفرنسيين احتلوا بلما وواحة كوار وخاضوا معركة دامية مع الطوارق في جادو ويعلق على ردة الفعل في مرزق على الخبر بقوله : " لقد أثارت الأبناء هياجاً عاماً في البلدة الصغيرة إذ أن بلما تتبع اسمياً لفزان والدولة العثمانية . للحظة أشاع بعض الأشرار خبراً مفاده بأني كنت مبتهجاً بهذا الخبر ، وعلى الأرجح انني لست سوى جاسوس وقد تحتل مرزق أيضاً. ولحسن الحظ انني كنت في ذلك الوقت أحظى بعدد كبير من الأصدقاء في مرزق ممن كانوا قادرين على رحض هذا الافتراء . وخلال ساعات قليلة كانت الأخبار في عالم النسيان من جانب الشعب الطيب " لاشك أن الاطلاع على مجمل الفصل الخاص بمرزق يسمح بتقيم أعمق لرؤية فيشر لواقع مرزق في 1906 وهو مفيد جداً للمؤرخ الاقتصادي والاجتماعي .


هناك تعليق واحد: