الصفحات

الأحد، 1 أبريل 2018

التطوير في المجتمعات العمرانية الجديدة بمصر نحو مدخل تنموي متدرج للخدمات والبنية التحتية

 التطوير في المجتمعات العمرانية الجديدة بمصر

 نحو مدخل تنموي متدرج للخدمات والبنية التحتية

د.م. أشرف محمد كمال

 معهد التدريب والدراسات الحضرية
مركز بحوث الإسكان والبناء– القاهرة

د.م. أيمن محمد نور عفيفي

  قسم العمارة- كلية الهندسة بالفيوم جامعــة القاهــرة

ندوة التنمية العمرانية في المناطق الصحراوية ومشاكل البناء بها

  الرياض – المملكة العربية السعودية., 2002


المستخلص:

   شهدت جمهورية مصر العربية طفرة كبيرة خلال العقدين الماضيين من حيث مجهودات الدولة في الانطلاق نحو تعمير المناطق الصحراوية خارج وادي النيل أملا في جذب الاستثمارات والزيادات السكانية لتعمير مناطق جديدة. وتلك نتيجة طبيعية بسبب الزيادة المطردة للسكان والنزوح من الريف إلى الحضر.

  وبالرغم من محاولات الدولة المتعددة لتوفير تلك المجتمعات العمرانية وإمدادها بالإسكان والمرافق إلا أنها (تلك المجتمعات) دائما ما تواجه قصورا من حيث المصداقية والكفاءة من ناحية معدلات التنمية وتوافر فرص الجذب ومقومات الحياة. وحيث أن توفير الخدمات الحضرية الأساسية والبنية التحتية - واللازمة لقيام أي مجتمع عمراني - يتطلب استثمارات هائلة عند بداية إنشاء المجتمع الحضري، الأمر الذي يؤدى إلى زيادة رأس المال وبالتبعية التكلفة الأساسية الواجب توافرها وتحميل الدولة أعباء فوق كاهلها وتكون المحصلة النهائية هي عدم قيام الدولة بتوفير الخدمات والبنية التحتية المطلوبة.

   أما من الناحية الاقتصادية، فإن الاستثمارات المدفوعة لإنشاء المجتمع الجديد تحمل على الوحدات السكنية والتجارية به، ومن ثم يرتفع إجمالي الثمن لتلك الوحدات الأمر الذي لا يناسب القدرة الشرائية للفئات المستهدفة، ويؤدى إلى تقليل معدل الإقبال على السكنى وتنمية المجتمعات الحضرية.

    وتهدف هذه الورقة البحثية إلى عرض فكر وأنماط الامتداد العمراني بمصر ونشأة التجمعات العمرانية الجديدة بالمناطق الصحراوية، وتحليل نوعية ومستوى وكفاءة الخدمات والبنية الأساسية اللازمة لإنشاء الكيان العمراني، كما يتم التعرض إلى أسباب القصور في أداء الخدمات والبنية التحتية وتأثير ذلك على جذب السكان والأنشطة الاقتصادية، وتنتهي باقتراح منهجية تتضمن التنمية المتدرجة للخدمات والبنية التحتية وكيفية رفع الكفاءة ومستوى الأداء بما يحقق المدخل التنموي المرجو، ويعطى الفرصة لمشاركة الجهات المختلفة في عملية التنمية. وذلك من خلال عرض وتحليل مجموعة من التجارب المصرية في مجال إمداد التجمعات العمرانية الجديدة بالخدمات الحضرية والبنية التحتية.

1 - المقدمــة:

  إن تطور العمران هو الواجهة الحقيقية لأداء وتطور المجتمع سواء في الجوانب الاقتصادية - الاجتماعية أو في الجوانب الثقافية و التشريعية ، وخلال العقود الثلاثة الماضية تشعبت أنظمة العمران في مصر و اختلفت أنماطها نتيجة لاختلاف النظم السياسية والاقتصادية، فتعددت مشاكل النمو العمراني في مصر نتيجة للنمو السريع والغير منتظم في المراكز العمرانية والمدن القائمة خلال العقود الثلاثة الماضية ونتج عنها تزايد الضغط الشديد على المرافق الأساسية والخدمات بالمراكز العمرانية والمدن القائمة وظهور التجمعات العشوائية داخل الكتل العمرانية القديمة و حولها وبخاصة علي حساب تآكل الأراضي الزراعية، مما زاد من خطورة هذه الظاهرة العمرانية المرضية.

2 - التداعيات العمرانية في مصر: -

  يمكن حصر أسباب التداعيات العمرانية فيما يلي:

1-2 تزايد عدد السكان بالمناطق الحضرية.

  تشير نتائج التعداد العام للسكان والمنشات في عام 1996 إلى تزايد عدد سكان مصر بأكثر من خمسة أضعاف حيث زاد من 19.11 مليون نسمة عام 1907 إلى نحو 59 مليون نسمة في عام 1996، و من المتوقع أن يبلغ عدد السكان إلى 84 مليون نسمة في عام 2017.


شكل 1 تيارات الهجرة الداخلية
 

شكل 2 توزيع للتجمعات الحضرية في مصر 

2- 2 تيارات الهجرة الداخلية من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية القائمة. 

  ساعدت تيارات الهجرة من الريف إلى المدن إلى تزايد الفجوة السكانية بين الريف والحضر، حيث ارتفعت نسبة كان الحضر من 2.17% عام 1907 إلى 42% عام 1996 من إجمالي سكان الجمهورية. و بتحليل نسب الزيادة السكانية على مستوى الجمهورية نجد أنه في حين كانت الزيادة تصل إلى اثني عشر ضعفا في المناطق الحضرية، لم تتعدى هذه الزيادة أربعة أضعاف بالتجمعات الريفية، وهو ما ينذر بتفاقم المشاكل العمرانية بالنسق العمراني القائم إذا لم توجه هذه الزيادة إلى مناطق التنمية الجديدة، شكل رقم (1).  

3-2 محدودية المساحة المأهولة في مصر.

   تشكل الصحاري المصرية 96% من إجمالي المساحة الكلية, مما أدى إلى تركز النشاط البشري في نحو 4% فقط من الأراضي على جانبي نهر النيل بامتداد عمراني شريطي مما أدى إلى العديد من التأثيرات السلبية علي التجمعات العمرانية القديمة، يمكن حصر هذه التأثيرات السلبية على العمران في مصر في النقاط التالية: -

1-3-2 ارتفاع معدل الكثافة بالمناطق العمرانية:

   أدى تزايد معدلات النمو السكاني و الهجرة من الريف إلى المدن إلى تصاعد الكثافة السكانية من 546 نسمة/كم2 في عام 1947 إلى 1170 نسمة/كم2 عام 1986 علي المساحة المأهولة، في حين تبلغ الكثافة 28000 نسمة/كم2 في القاهرة .

2-3-2 عدم اتزان أحجام المدن المصرية وتوزيعها: -

 على الرغم من شمول المراكز الحضرية في مصر على 212مدينة، إلا أن مركزي (القاهرة الكبرى و الإسكندرية) يضمان نحو 58% من سكان الحضر بعدد سكان يصل إلى (15 مليون نسمة)، في حين تتقاسم المراكز الحضرية الأخرى نسبة الـ 42% الباقية – والتي تشمل على مدن 500 – 100 ألف نسمة كحد أقصى، وهو ما يؤكد على الخلل الكبير في توزيع السكان على المراكز الحضرية وعدم قدرتها على منافسة كل من مركزي القاهرة الكبرى و الإسكندرية في الخدمات والاستثمارات وبالتالي اجتذاب المهاجرين، شكل (2).


صورة 1 تآكل الأراضي الزراعية في مصر


صورة 2 التلوث البيئي ببعض التجمعات العمرانية 

3-3-2 ظهور وانتشار التجمعات العشوائية:

   أدى تزايد تيارات الهجرة إلى المراكز الحضرية القائمة وبخاصة القاهرة و الإسكندرية إلى ارتفاع الكثافة في المناطق القديمة إلى 1300 شخص/ فدان وتدهور مستوى المرافق العامة وتزايد وانتشار التجمعات العشوائية في مصر لتبلغ 1034 منطقة عشوائية بمساحة 344 كم2 يقتن بها نحو 12 مليون نسمة (35%) من سكان المناطق الحضرية، كما هو موضح بالصورة رقم1. وعلي الجانب الآخر أدى ذلك إلى تآكل الأراضي الزراعية، حيث قدرت وزارت الزراعة المصرية قيمة المساحة المستقطعة سنويا من الأراضي الزراعية من 70– 50 ألف فدان سنويا نتيجة الزحف العمراني الغير مخطط، كما هو موضح بالصورة رقم (1) .

4-3-2 التلوث البيئي:

   أدى تزايد حجم النشاط الصناعي داخل الكتل والمراكز العمرانية الغير مخطط إلى ظهور عدة مشاكل خطيرة في مجال التلوث البيئي، ويمثل التخلص من مخلفات المصانع والمخلفات الصلبة بأنواعها المختلفة - من المساكن والمناطق التجارية والورش والقمامة – إحدى أهم المشكلات البيئية بجميع المراكز الحضرية في مصر كما توضحه صورة رقم (2) .

5-3-2 تدهور المناطق التاريخية وتردي الطابع العمراني للمدينة:

  تمثل المناطق التاريخية في مصر أحد أهم عناصر الجذب السياحي لما تمثله من قيمة حضارية للإنسانية، إلا أن الزيادة السكانية والهجرة و المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية أدت إلى تدهور للطابع العمراني للمدينة المصرية وتداعي المناطق التاريخية بها وذلك في غياب التشريعات المناسبة والمخططات المتكاملة لتنمية هذه المناطق التاريخية ذات الطبيعة الخاصة والمحافظة عليها كما بالصورة رقم (3) .


صورة 3 حالة التعدي على الآثار بالقاهرة 

3 -استراتيجية التنمية العمرانية في مصر: -

   نتيجة لتردي وتشبع البيئة العمرانية القائمة، كان لزاما أن يتغير مفهوم التنمية العمرانية فاتجهت الدولة إلى وضع استراتيجية للتنمية العمرانية والاقتصادية الاجتماعية للقرن الواحد والعشرين من خلال مجموعة من الخطط الطموحة تهدف إلى رفع الحيز العمراني في مصر من 5.5 % إلى نحو 25% من المساحة الكلية لمصر عام 2017، وفي هذا الإطار الجديد تبنت الدولة استراتيجية للتنمية العمرانية تعتمد على محورين أساسيين كما هو موضح بشكل (3).


شكل 3 استراتيجية التنمية العمرانية بمصر حتى عام 2017

1-3- الاتجاه نحو تنمية الصحراء من خلال إنشاء المدن والمجتمعات الجديدة:

   كان إنشاء المدن الجديدة جنبا إلى جنب مع تنمية المناطق العمرانية القائمة هو تنفيذا للسياسة المتكاملة للتنمية العمرانية بمصر حتى عام 2017، والتي بدأت مع إنشاء هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بالقانون رقم 59 لسنة 1979.

1-1-3- فكرة إنشاء المدن الجديدة:

   تعتمد فكرة إنشاء المدن الجديدة على تكوين مراكز عمرانية تكون بمثابة أقطاب جديدة للنمو بعيدا عن الشريط الضيق لوادي النيل، وذلك في محاولة للحد من الزحف العمراني و إعادة توزيع السكان وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي بها، وذلك من خلال عدة اعتبارات لتخطيط و نمو هذه المدن الجديدة.
  
• إنشاء المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة في إطار تخطيط إقليمي وعمراني متكامل يحقق الأهداف القومية.

• استثمار الموارد الطبيعية في صحاري مصر وسواحلها لرسم خريطة سكانية جديدة. 

• العمل علي إنشاء صناعات متطورة لتدعيم الناتج الاقتصادي لهذه التجمعات الجديدة، وتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات الجديدة.

• دراسة وتنفيذ أفضل السبل لتوصيل شبكات البنية الأساسية الإقليمية لمواقع المجتمعات العمرانية الجديدة.

2-1-3- تطور الفكر نحو المدن الجديدة :

  بدأت فكرة إقامة التجمعات الجديدة في مصر مع منتصف السبعينات وامتدت إلى عقد التسعينات وذلك من خلال ثلاثة أجيال تاريخية لإنشاء هذه التجمعات العمرانية وتشمل هذه المراحل الزمنية أنماط مختلفة للتجمعات العمرانية (المدن المستقلة – المدن التابعة – المدن التوءم – التجمعات العمرانية العشرة حول القاهرة الكبرى).

• الجيل الأول: من منتصف السبعينات وحتى أوائل الثمانينات، ويشمل مدن العاشر من رمضان – السادس من أكتوبر – السادات – برج العرب – دمياط الجديدة الصالحية – 15 مايو – مدينة السلام...، وأهم ما يميز هذه المرحلة هو تحول هذه التجمعات العمرانية إلى مراكز للجذب العمراني حول إقليم القاهرة الكبرى والدلتا، حيث تتركز هذه المراكز على محاور الطرق الإقليمية الرئيسية وعلى مسافات متباينة من الكتل العمرانية القائمة، مما يحقق قدر من الاستقلال عن المراكز العمرانية التقليدية، يوضح شكل ( 4) مخطط التنمية العمرانية لإقليم القاهرة الكبرى حتى سنة 2017.


شكل 4 مخطط التنمية العمرانية بإقليم القاهرة الكبرى حتى عام 2017

• الجيل الثاني: من أوائل الثمانينات وحتى منتصف الثمانينات ، ويشمل مدن العبور – بدر – النوبارية الجديدة – بني سويف الجديدة المنيا الجديدة، ولقد تنوعت هذه المدن ما بين تابعة كما في العبور وبدر، ومدن توأمية مثل بني سويف و المنيا الجديدة ، و مدن أخرى مستقلة، ويتراوح حجم هذه المدن ما بين 250 ألف نسمة إلى 75 ألف نسمة في سنة الهدف، وأهم ما يميز هذه المدن في أنها تمثل بداية لتوجه الدولة إلى صعيد مصر حيث تعاني المراكز الحضرية التقليدية من مشكلات التضخم والتكدس وقلة فرص العمل المتاحة.

• الجيل الثالث: وتبدأ هذه المرحلة من منتصف الثمانينات إلى الوقت الحالي، وتتميز هذه التجمعات بأنها من المدن التوأمية مثل (أسيوط الجديدة – سوهاج الجديدة – الأقصر الجديدة و أسوان الجديدة)، ولعل أهم ما يميز هذه المرحلة التركيز علي التنمية العمرانية بأقاليم صعيد مصر، كما صاحبت هذه المرحلة بداية التجمعات العمرانية العشرة حول القاهرة الكبرى حول الطريق الدائري كأحد أكبر حركات التنمية العمرانية، ويوضح جدول رقم (1) التالي الملامح التخطيطية للتجمعات العمرانية الجديدة في مصر.


جدول 1 الملامح التخطيطية للتجمعات العمرانية الجديدة في مصر

  وبمراجعة الملامح التخطيطية للتجمعات العمرانية يمكن استنتاج بعض النتائج الهامة في ما يلي:

• على الرغم من تنوع القاعد الاقتصادية لهذه المدن إلا أن النشاط الصناعي هو الغالب ويمثل عامل مشترك لهذه التجمعات العمرانية الجديدة.

• أدت سياسة التجمعات العمرانية العشر حول إقليم القاهرة الكبرى إلى ازدواجية سياسة التنمية العمرانية فالتحمت مدينة السادس من أكتوبر مع التجمع السادس (الشيخ زايد) و السابع، وكذلك مدينة 15 مايو والتجمع الثامن.

• مازالت الأحجام السكانية الحالية والمتدنية تلقي بعلامات استفهام كثيرة عن إسهام هذه المدن الجديدة في امتصاص قدر ملائم من الكثافات السكانية المرتفعة بالمراكز العمرانية التقليدية.

4- العقبات التي تواجه تنمية المجتمعات الجديدة

  إن سياسة الحكومة المصرية تجاه التنمية العمرانية تضمنت التوجه نحو آفاق جديدة لتنمية وتعمير الصحراء من خلال سياسة متكاملة لإنشاء وتعمير مجتمعات (حضرية) جديدة كامتدادت للمدن القائمة. والغرض في ذلك –كما هو معلن- جذب الزيادات السكانية والكثافات العالية خارج الوادي، وخلق فرص عمل جديدة مناسبة مع فرص أفضل للسكن.

  ومن هذا المنطلق، فإنه من المنطقي أن تقم الدولة بإعطاء التسهيلات اللازمة لجذب العديد من فرص الاستثمار (الحكومي والخاص)، وذلك يتضمن الإعفاءات الضريبية سواء على المنتجات أو المواد الخام، وكذا الضرئب العقارية ورسوم الاستخدام للبنية التحتية. مع التأكيد على بناء الكيان الاقتصادي لمتوازن للمجتمع الجديد.

  إلا أن سياسة التنمية للمجتمعات العمرانية والمدن الجديدة تواجه العديد من العقبات التى تعترض معدلات التنمية المرجوة وسياسات الاستيطان المصاحبة، ومن ثم تغدو الاستثمارات المنصرفة على التنمية العمرانية بتلك المجتمعات الجديدة غير مستغلة نتيجة لعدم مواكبة معدلات الاستيطان (نزوح السكان) مع معدلات تدفق الاستثمارات الخاصة بمكونات التنمية خاصة الخدمات والبنية التحتية.

  وتتمثل تلك العقبات في النقاط التالية:

1-4- العقبات الإدارية   

  تبعا لقانون المجتمعات العمرانية الجديدة بمصر فإن المدن والمجتمعات الجديدة تتبع هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة التابعة لوزارة الإسكان، وهذا الإجراء يتضمن قيام الدولة ممثلة في وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بتوفير الأراضي وفرص الإسكان والبنية التحتية والخدمات كاملة ثم تقوم بعد ذلك بنقل تبعاتها إلى الإدارة المحلية (المحافظة التابعة لها حسب الموقع الجغرافي والإداري). ومن ثم فإن قيام الدولة ووزارة الإسكان بتولي المسئولية كاملة يؤدي إلى إحجام القطاع الخاص والأهلي عن المشاركة الفعالة في عملية التنمية، بل تقتصر تلك المشاركات على تنمية الأراضي والإسكان إما بغرض السكن أو الاستثمار والتجارة. بينما تكاد تكوم المساهمات في مجال الخدمات والبنية التحتية منعدمة نظرا لعدم وضوح التبعية الإدارية لها من الناحية القانونية والإدارية، بالإضافة إلى عدم وجود مرونة في النظام الإداري تسمح للقطاع الخاص بالتربح من الاستثمار في الخدمات وأنظمة البنية التحتية (عن طريق رسوم الاستخدام والاشتراك) نتيجة لتدخل الدولة المباشر في تثبيت تلك الرسوم من خلال سياسة الدعم لفئات المجتمع المختلفة دون تمييز.

   وذلك على الرغم من ثبوت عدم جدوى تلك السياسة والتفكير في استبدالها بسياسة أخرى أكثر واقعية وفاعلية تعتمد على الدعم المتبادل من الفئات ذات الدخول المرتفعة إلى الفئات ذات الدخول المنخفضة والفقيرة، وترتبط أكثر بتوفير الخدمات والبنية التحتية تبعا للعرض والطلب والمقدرة على استرداد التكلفة الاستثمارية.

2-4- العقبات التمويلية

  تواجه عملية التنمية العمرانية للمدن والمجتمعات الجديدة عقبات تمويلية تتمثل في نقص الموارد المالية المتاحة من جانب الدولة لتمويل العديد من المجالات التنموية للمجتمع العمراني الجديد، ونقص الموارد هذا هو نتيجة طبيعية لسوء التخطيط التمويلى لتوجيه لإعداد وتوجيه الميزانيات سواء خلال الخطط المالية السنوية أو الخطط الخمسية. حيث يتم توجيه الاستثمارات من جانب الدولة لتنمية قطاعات معينة منفردة وليس تكامل تلك القطاعات.

3-4- غياب وتأخر الخدمات والبنية التحتية

   إن العديد من السياسات السابقة لتنمية المدن الجديدة كانت تهدف إلى توجيه الاستثمارات إلى دعم تنمية الأراضي وفرص الإسكان، كما حدث أثناء توفير المليون وحدة سكنية لإسكان محدودى الدخل في بداية التسعينات حيث تم توجيه الاستثمارات بكثافة إلى قطاع الإسكان بالتجمعات العشرة حول القاهرة الكبرى، وذلك دون النظر إلى دعم هذه الوحدات بالخدمات والبنية التحتية المصاحبة والتي تعتبر أساسية لدعم النمو العمراني والاستيطان بتلك الوحدات. الأمر الذى أدى إلى عدم تفعيل تلك الاستثمارات حيث أصبحت مثل رأس المال غير المستغل أو المهمل والذي يحتاج إلى استثارات هائلة أخرى لتوفير الخدمات الحضرية والبنية التحتية وفرص الجذب (والعمل).

4-4- توزيع الأدوار والمسئوليات على الجهات المشاركة

  نتيجة للقوانين واللوائح المعمول بها في تنمية وإدارة المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة -كما سبق ذكره- ويستتبعها القرارات الإدارية المصاحبة لها، فإن عدم وضوح الأدوار والمسئوليات وتوزيعها بين الجهات المشاركة والمستفيدة من تنمية المدن الجديدة، والإبقاء على دور هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منفردة كالجهة المنوط بها التنمية واتخاذ القرارات (من خلال مجلس الأمناء بكل مدينة جديدة)، عدم الوضوح هذا يؤدي إلى تعثر عجلة التنمية بكثير من المجتمعات الجديدة خاصة التوفير والإمداد بالبنية التحتية بما يتلاءم ومعدلات الاستيطان المرجوة، بل يصل الأمر إلى الإهمال في الصيانة والتشغيل نتيجة لضعف الميزانيات الموجهة لذلك بالإضافة إلى قلة العائد المادي من رسوم الاستهلاك كنتيجة طبيعية للإحجام عن التعمير والاستيطان البشري لتلك المجتمعات.

  وعدم الوضوح هذا يؤدي بالدرجة الأولى إلى إضعاف دور المشاركة من جانب القطاع الخاص والاستثمارى في تنمية وإدارة البنية التحتية نتيجة لمركزية القرار في يد هيئة المجتمعات من ناحية، ومن ناحية أخرى نتيجة لضعف معدلات الاستيطان والتى تترجم اقتصاديا وتمويليا من جانب القطاع الخاص إلى كيفية استرداد التكلفة الاستثمارية المنصرفة على مشروعات البنية التحتية، وهذا في صورة العائد المالي لرسوم الاستخدام والاشتراك في تلك المشروعات.

  لهذا فإن مشاركة القطاع الخاص منذ البداية في تحديد حجم وموقع التجمعات العمرانية الجديدة والأسس الاقتصادية لها، وكذلك المعدلات المرجوة للاستيطان والتي ترتبط بجحم ونوعية فرص العمل والإسكان، كل هذا يعمل على إنجاح تنمية المدن والتجمعات العمرانية، كما يعمل على اجتذاب القطاع الخاص الاستثمارى ليساهم في رفع الأعباء التمويلية عن كاهل الحكومة ومؤسسات القطاع العام التابعة لها.

5- التوجه نحو التنمية المتدرجة للبنية التحتية والخدمات

1-5- فلسفة التنمية المتدرجة

  تعتمد فلسفة التنمية المتدرجة على أسلوب الإمداد بالأراضي والإسكان والخدمات الحضرية والبنية التحتية، وذلك من خلال أسلوب متكامل لا يعتمد على التقسيم القطاعي النوعي لمفردات التنمية، وإنما يعتمد بالدرجة الأولى على تكامل تلك القطاعات بطريقة تنموية مرحلية تتوافق مع الموارد المتاحة من جانب الجهات التمويلية، كما تتوافق مع المتطلبات المرحلية للفئات المستهدف استيطانها بتلك المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة. وعلى هذا الأساس يتم الإمداد بالخدمات والبنية التحتية وفقا لنمو المجتمع ولكن بما لا يتعارض مع ضرورة وجود الخدمات الحضرية والبنية التحتية الأساسية لقيام الكيانات العمرانية المستهدفة.

2-5- التعديلات الهيكلية والمؤسسية المطلوبة

   لكي تتكامل أنماط التنمية للخدمات والبنية التحتية بتلك المجتمعات العمرانية الجديدة فمن الواجب إتخاذ تدابير وتعديلات على الهياكل الإدارية والنظم المؤسسية القائمة على إدارة وتنمية تلك المجتمعات. وتتمثل تلك التعديلات في ضرورة وجود ما يسمح بدعم وتحفيز مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية بطريقة تسمح بتوافر الموارد الاستثمارية للتمويل من جانب القطاع الخاص وبالتالي ضمان تحقيق الربح المادي والعائد الاستثماري لدى القطاع الخاص، ولكن بطريقة لا تخل بالنظام المعمول به من حيث التسعير والدعم للفئات محدودة الدخل من المجتمع.

    ويتطلب الأمر ضرورة تعديل النظام الإداري والهيكلي الخاص باتخاذ القرارات التنموية بالمدن الجديدة، وضرورة مشاركة القطاع الخاص مشاركة إيجابية في اتخاذ القرار وتحديد الأولويات تجاه مشروعات التنمية.

  ويلي ذلك ضرورة مراجعة نظم التسعير ورسوم الاستهلاك للخدمات والبنية التحتية بين الحكومة والقطاع الخاص ولكن بطريقة أكثر واقعية من حيث نظم وأساليب الدعم التي تنتهجها الحكومة لتحقيق استفادة فئات محدودي الدخل بطريقة مباشرة من التنمية، والتوجه نحو تحقيق الدعم المتبادل من جانب الفئات مرتفعة الدخل إلى الفئات الأخرى منخفضة الدخل.

3-5- تحويل المدن الجديدة إلى هيئات اقتصادية

   التوجه الحالي في مصر هو تحويل المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة على مستوى الجمهورية إلى هيئات اقتصادية على غرار شركات الاستثمار العقاري مثل مدينة نصر ومصر الجديدة والمعادي للإسكان والتعمير لتدار بواسطة الجهات المشاركة فيها كالسكان والقطاع الخاص، وهذه الهيئات تتحمل الأعباء التمويلية وتسدد مديونيات تلك المدن من خلال الأصول المتاحة بها حاليا.

  وقد اتخذ مجلس الوزراء المصري مؤخرا هذا القرار بهدف عدم تزايد الديون الواقعة على الحكومة وحتى تستطيع الحكومة أن تحصل على المزيد من القروض لتأدية الخدمات المطلوبة منها (كما ورد بجريدة الأهرام في 7 ديسمبر 2001).

4-5- التبعات الاقتصادية التمويلية

  وخطورة هذا الأمر هو عدم وضوح كيفية تحويل المدن الجديدة إلى هيئات اقتصادية، حيث أن تجربة الدولة فى تحويل قطاع مياه الشرب والصرف الصحي على هيئات واجهتها العديد من الصعوبات من حيث مستوى الأداء الاقتصادي والتمويلي. حيث أن الاعتماد الكامل على التمويل التحويلي من جانب السلطة المركزية يؤدي إلى ضعف الأداء لدى الكوادر الخاصة بتلك الهيئات الاقتصادية وبالتالي عدم جدوى النظام المحاسبي وتحول الموضوع إلى هيئة اسمية ونظام روتيني فقط لا يندرج تحت مفهوم الهيئات الاقتصادية من حيث نظام الأداء والتحول إلى اقتصاديات السوق.

    وبالتالي فإن التحول إلى نظام الهيئات الاقتصادية يستتبع التحول في المفاهيم إلى نظام أداء القطاع الخاص والاستثماري الذى يعمل على تنمية مبدأ المحاسبة وتعظيم الاستفادة من الموارد وتوجيهها بطريقة استثمرية تعمل على تحقيق أفصل عائد تمويلي. ولكن الأمر يتطلب بعض الضوابط والاشتراطات التنفيذية التي تحكم أداء القطاع الخاص وتمنع الاحتكار، كمما تعمل على وصول الدعم إلى الفئات المستحقة له فعليا. وبالتالي فإن تحديد هوامش واضحة لرسوم الاستخدام للبنية التحتية والخدمات من شأنه تلافي مشكلات تضارب المصالح والتوجهات بيت الجهات المتداخلة في إدارة التنمية العمرانية بالمجتمعات والمدن الجديدة.

6- الخلاصة

  من خلال ما تم استعراضه بهذه الورقة البحثية يمكن استخلاص عدد من الدروس التى يمكن أخذها في الاعتبار عند إجراء برامج تنفيذية تهدف إلى رفع معدلات التنمية العمرانية للمجتمعات والمدن العمرانية الجديدة، وذلك من خلال دعم دور التنمية المتدرجة لشبكات البنية التحتية بتلك المجتمعات، ودعم دور المشاركة من جانب القطاع الخاص والأهلي بطريقة فعالة تدعم الجانب الاجتماعي في إدارة التنمية العمرانية والاقتصادية على مستوى التجمعات الجديدة طبقا لمقومات الإنجاح الموجودة لدى السكان المحليين وتعظيم المشاركة الشعبية في دعم برامج التنمية المتواصلة.

   ومن خلال استعراض الموقف الحالي والعقبات في مجالات تنمية المدن والمجتمعات الجديدة، يتضح أن الأسلوب الأفضل للتغلب على تلك المشاكل يتلخص في عدة نقاط هي:

• دعم وتقوية مشاركة الجهات المستفيدة من القطاع الخاص والأهالي في توفير وتنمية البنية التحتية بما يضمن توليد الإحساس بالانتماء لديهم وضمان الصيانة الدائمة للمشروع.

• تطويع مقومات السكان لدعم النواحي الاقتصادية ورفع مستويات الدخول لدى السكان، وهذا يضمن بأن يكون العائد والمردود الإيجابي للسكان أنفسهم بصورة مباشرة ويخلق نوع من الثقة بين السكان والقائمين على التنمية العمرانية بالمدينة الجديدة.

• دعم مشاركة القطاع الخاص في إدارة منشئات وشبكات البنية التحتية، بما يسمح بتحسين الأداء لتلك الشبكات ويسمح باسترداد التكلفة وتحقيق نسب الأرباح التي تضمن تفعيل مشاركة القطاع الخاص. وذلك دون الإخلال بالنظام الإداري لتسعير خدمات البنية التحتية ونظم الدعم المتبادل بين فئات المجتمع.

• رفع الكفاءة الفنية وبناء القدرات والمهارات لدى المسئولين بالإدارات المختصة بالتنمية على مستوى المدن الجديدة، مع بناء الثقة بما يعود بالنفع على المجتمع.

• إعادة النظر في أسلوب ربط التجمعات العمرانية الجديدة بالمراكز الحضرة القائمة من خلال تطوير نظم النقل السريعة و دعم تمويل مشروعات القطاع الخاص في هذا المجال مما يتيح رفع في معدلات الإشعال السكني والتي مازالت متدنية بهذه التجمعات العمرانية الجديدة.

المراجع:

[1] مبارك والعمران (إنجازات الحاضر والمستقبل)، وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، مصر، 1999.

[2] دور القاعدة الاقتصادية في التنمية العمرانية بالمدن الجديدة: "دراسة نحو تعظيم دور القطاع الخاص في تحفيز النمو العمراني بالمدن الجديدة"، د. محمد أمين علي، مؤتمر الأزهر الهندسي الدولي السادس، مصر، 2000.

[3] أعمال تنمية العمران بالمدن والتجمعات الجديدة، د. حسنين أبو زيد، مؤتمر الأزهر الهندسي الدولي السادس، مصر، 2000.

[4] الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في إدارة التنمية الحضرية للمدن الجديدة، د. فيصل عبد المقصود، المؤتمر العربي الإقليمي، الهيئة العامة للتخطيط العمراني، مصر، 2001.

[5] تنمية وإدارة المجتمعات العمرانية الجديدة في ظل التحول إلى الاقتصاد الحر في مصر، م. فؤاد مدبولي، المؤتمر العربي الإقليمي، الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، مصر، 2001.

[6] Better Urban Services: Finding the Right Incentives, the World Bank, USA, 1995. 

[7] Community Participation And The Integrated Urban Infrastructure Development Programme: Experiences and Potentials, Fritschi, Bep et al., IUIP Training Development Unit, Indonesia, 1991. 

[8] Decentralizing Infrastructure: Advantages and Limitations, Estache, Antonio, the World Bank, USA, 1995.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق