الصفحات

الأحد، 12 أغسطس 2018

الإبداع والتميز في تخطيط المدن الاستمرارية في التنمية العمرانية : الأسلوب والمنهج والتطبيق في المناطق والمدن السعودية

الإبداع والتميز في تخطيط المدن 


الاستمرارية في التنمية العمرانية – الأسلوب والمنهج والتطبيق  
في المناطق والمدن السعودية 

دكتور عبد الباقي إبراهيم


كبير خبراء الأمم المتحدة للتخطيط العمراني

في المملكة العربية السعودية سابقاً 



1- مقدمة : 

1-1 يعتمد الأسلوب التقليدي للتخطيط العمراني على منهج إعداد المخططات العامة للمدن والقرى والتي نحاول أن نرسم الصورة المستقبلية لهذه التجمعات القديمة منها والجديدة على مدى طويل من الزمن يبلغ عشرين عاماً في معظم المخططات . والمخططات العامة بهذه الصورة تعتمد على التوقعات المنتظرة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسكانية من ناحية كما تعتمد من ناحية على ما هو متوفر من المقومات الطبيعية والبيئية ومصادر الطاقة والمياه والخدمات. وتطبق في هذه الحالة المعايير التخطيطية المتعارف عليها من كثافات للبناء أو كثافات للسكان أو تقدير لحجم الخدمات ونوعياتها من توفير المساكن بمستوياتها المختلفة والمدارس بمستوياتها المختلفة و الخدمات الصحية بأنواعها المختلفة بالإضافة إلى الخدمات التجارية و الإدارية والترفيهية وما يربط كل هذه العناصر من شبكات طرق رئيسية وفرعية ومحلية تصمم لاستيعاب كثافات مختلفة من المرور و بسرعات محدودة على كل نوعية كما ترتبط كل هذه العناصر أيضاً بشبكات للكهرباء والغاز والاتصالات والصرف الصحي والمياه. وتقدم كل هذه الدراسات في شكل تقارير فنية تدعمها مجموعات من الخرائط التوضيحية والجداول الحسابية الأمر الذي يأخذ من الزمن عامين أو ثلاثة ربما تتغير فيها قاعدة البيانات. 

2-1 والمخططات العامة تعتمد على أساس كامل من البيانات والإحصاءات التي تتوفر من فترة الإعداد أو قد سبق توفرها في الإحصائيات العامة التي تجري كل عشر سنوات وقد توضع هذه البيانات في شكل جداول أو رسومات بيانية أو على خرائط مساحية بما يطلق عليه نظام البيانات الجغرافية. ومع المتغيرات التي تطرأ على البيانات يتم مراجعة المخططات العامة على فترات خمسية يتم بعدها تقييم الوضع الراهن وما طرأ عليه من متغيرات وتتم هذه المراجعات على ضوء ما استجد من بيانات ومعلومات الأمر الذي حدا إلى استعمال الحاسب الآلي في حفظ واسترجاع البيانات بعد تجديدها وقد فطنت بعض المدن إلى ضرورة إنشاء قواعد بيانية متجددة توفر المعلومة في أقرب وقت ممكن للعرض على مستخدمي القرار لاستعمالها في توجيه الاستثمارات المتاحة له على أرض الواقع . 

3-1 لقد وجد بالتجربة أن هذه المخططات العامة لا تحقق أهدافها بالرغم من الدراسات المستفيضة التي بنيت عليها. ولقد لجأت العديد من الدول إلى اقتضاب هذه المخططات العامة إلى مخططات هيكلية تأشيرية توضح المعالم الرئيسية المتوقعة مستقبلاً ولا تدخل في التفاصيل حتى تتيح قدراً كبيراً من المرونة وحرية التغيير والتبديل لمواجهة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يصعب على المخطط التكهن بها عند إعداد المخططات العامة. ثم تطورت المخططات الهيكلية إلى مخططات إرشادية تدعمها العديد من القرارات واللوائح والتوجيهات والمعايير والنظم الأمر الذي يتطلب نظام مؤسسي خاص يعمل على دفع ومتابعة وتطوير التنمية العمرانية كعملية مستمرة تتعامل مع المتغيرات المستقبلية. وقد أصبحت هذه النظرية أسلوباً جديداً في التنمية العمرانية . 

2- بداية مشروع الأمم المتحدة في التخطيط العمراني بالمملكة : 

1-2 بدأ مشروع الأمم المتحدة للتخطيط العمراني بالمملكة العربية السعودية عام 1973م وكان الهدف منه أساساً إيجاد التنسيق بين ما يتم دراسته بواسطة المكاتب الاستشارية الأجنبية المتعاقدة مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المناطق الخمس بالمملكة مع إعداد المخططات العامة لخمس مدن في كل منطقة وبين ما يجري من دراسات تخطيطية في وزارة التخطيط وخاصة ما يرتبط بتخطيط الأقاليم والتوزيع المكاني لاستثمارات الخطط الخمسية المتتالية. بدأ المشروع بتسعة خبراء تحت قيادة كبير الخبراء مع الفريق المقابل في إدارة تخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية وكان على فريق الخبراء أيضاً التنسيق بين كبرى المكاتب الاستشارية العالمية حيث لم تكن بدايات عملهم واحدة ولم تكن بينهم وحدة فكر أو وحدة منهج بل كان كل منهم ينهج منهجاً خاصاً لما تعود عليه ويعمل به في بلاد أخرى. حتى أن أحدهم كان يستعمل نص التقرير الفني مع تغيير اسم المدينة وعدد السكان وغيرها من البيانات الخاصة بكل مدينة. فكان من الصعب التنسيق بينهم . 

2-2 حاول فريق خبراء الأمم المتحدة أن يتلمس طريقة في العمل ويجد له مدخلاً علمياً للتنسيق بين ما يجري في إدارة تخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية وما يتم عمله في وزارة التخطيط من ناحية أو إيجاد لغة مشتركة بين المكاتب الاستشارية العالمية واقتصر عمل الخبراء على مراجعة ما يقدم إليهم من تقارير فنية أو خرائط تخطيطية لإبداء الرأي بشأنها كجهاز فني يعمل مع الفريق المقابل في إدارة تخطيط المدن . 

3-2 من خلال التعامل مع منجزات الدراسات التخطيطية التي كانت تقدم تباعاً من المكاتب العالمية بالمنطق التقليدي في إعداد المخططات العامة للمدن بدأ خبراء الأمم المتحدة يتحسسون طريقهم للبحث عن الأسلوب الأمثل للتنمية العمرانية في ضوء المعطيات المحلية بيئياً واقتصادياً وسياسياً وارتبطت تقاريرهم التقييمية بمخططات تفصيلية بديلة تعكس الفكر الإسلامي في التخطيط الحضري من ناحية ومنجزات العصر من ناحية أخرى. وكانت هذه التقارير مع المخططات البديلة تعرض على سمو نائب الوزير تباعاً إلى أن اقتنع بها وبدأت اهتماماته تقل بالنسبة لما يقدم من التقارير والمخططات التي وضعتها المكاتب العالمية خاصة وأن معظمها كان قد فقد موضوعيته في ضوء المتغيرات السريعة التي طرأت على المدن ولم تستطع المخططات ملاحقتها وكانت هذه البداية لمرحلة جديدة لمشروع الأمم المتحدة . 

3- تطوير مهام وفعاليات مشروع الأمم المتحدة : 

1-3 اتضح من خلال المعايشة المستمرة مع ما أنجزته المكاتب العالمية من مخططات استغرق إعدادها أكثر من ثلاث أعوام أن معظم هذه المخططات قد فقدت فعاليتها في ضوء المتغيرات السريعة التي طرأت على المدن السعودية في هذه الفترة فقد بدأت هذه المكاتب عملها فيما بين عام 1971م وعام 1972م ثم بدأت الفعاليات الأولى لمشروع الأمم المتحدة في مرحلته الأولى 1973م حتى عام 1975م أي بعد عامين من المتابعة والتقويم لما قدم من دراسات ومخططات وأن هذا الأسلوب التقليدي في أعداد المخططات العامة لم يعد مقبولاً ولا يصلح لمدن تنمو بسرعة وتتغير بيئتها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية بمعدلات أسرع من أن تلحقها هذه المخططات العامة وكان لابد من البحث عن أسلوب آخر بديل من التكليفات الاستشارية التي تنتهي بانتهاء مدة عقودها. ونترك الساحة التخطيطية بعد ذلك فارغة انتظاراً لتكليفات أخرى جديدة . إما لتجديد المخططات أو لإعداد مخططات تفصيلية وهكذا . 

2-3 وضع كبير الخبراء تصوراً لتطوير العملية التخطيطية في ضوء نتائج المرحلة السابقة التي مضى عليها عامين . ويهدف هذا التصور إلى التعامل مع العملية التخطيطية بأبعادها الزمنية الثلاثة : أولاً : اليومية وهي التي تواجه المتطلبات الآتية بتوجيه من متخذ القرار دون الانتظار لمخططات بعيدة المدى ، الثانية: الخمسية : وهي التي تهدف إلى توجيه الاستثمارات المقررة في الخطط الخمسية والتي تخص المشروعات المختلفة المدرجة لكل مدينة ووضعها في المواقع المناسبة لها في إطار المخططات التأشيرية للمدينة وهذا ما أطلق عليه برنامج التنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية الخمسية للمدينة أو المنطقة. وهو ما يتزامن مع البرامج الخمسية للتنمية الاقتصادية الذي تحددها وزارة التخطيط وهنا يمكن الربط والتنسيق بين أقطاب العملية التخطيطية وهي الأجهزة المعنية في وزارة التخطيط مع الأجهزة المعنية في إدارة التخطيط العمراني بوزارة الشؤون البلدية والقروية. وهنا أيضاً يمكن التكامل بين الجوانب الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية في عملية تنموية واحدة ووضع استثمارات الخطط الخمسية في بعدها المكاني. أما البعد الثالث فهو البعد الطويل الأمد الذي يقوم فيه الخبراء المتخصصون كل في مجاله بتقدير التصورات المستقبلية الطويلة الأجل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية وهو ما يرتبط أساساً بالمخططات الإقليمية للمناطق المختلفة . 

3-3 يتضمن التصور الذي وضع لتطوير العملية التخطيطية تحديد الآليات التي تتولى تناول الأبعاد الثلاثة السابقة بحيث تقوم أجهزة وزارة التخطيط بوضع التصورات الطويلة الأجل – كما تقوم أجهزة وزارة التخطيط بالتعاون مع أجهزة تخطيط المدن في وزارة الشؤون البلدية والقروية بوضع الخطط الخمسية للتنمية الاقتصادية الاجتماعية والعمرانية للمدن. التي تنقل بعد ذلك لأمانات المدن للتنفيذ على ضوئها بالتكامل مع ما يتم في الواقع اليومي من مشروعات جارية أو تم اتخاذ القرار بشأنها . 

4-3 من هذا المنطلق تم وضع الهياكل التنظيمية والإدارية والفنية لأجهزة التخطيط المحلي على مستوى تحت مسمى " الإدارة العامة لتخطيط وتنمية المدينة " تنشأ في كل مدينة في الأمانة أو البلدية حيث التعامل اليومي مع المتطلبات العاجلة وبهذا المفهوم يتم تكامل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية بالجوانب العمرانية في عملية مستمرة تقوم بها الأجهزة المحلية. الأمر الذي تطلب بالتالي وضع دلائل الأعمال الخاصة بأداء الجزئيات المختلفة للعملية التخطيطية كما تطلب الأمر إنشاء نظام لمراكز البيانات التخطيطية على المستويات المحلية ترتبط في أسلوب أدائها بمركز البيانات على مستوى الدولة إعمالاً لتأكيد الترابط الرأسي بين البيانات المحلية والقومية في حركة تبادلية بينهما الأمر الذي تطلب إعداد برامج خاصة على الحاسب الآلي لتحقيق هذا التكامل . 

5-3 في ضوء قناعة المسئولين في وزارة الشؤون البلدية والقروية على هذا التطور في الفكر التخطيطي تم وضع البرنامج التنفيذي للمرحلة الثانية من مشروع الأمم المتحدة حيث تطلب الأمر زيادة عدد الخبراء من تسعة في المرحلة الأولى إلى حوالي 25 في المرحلة الثانية حيث تم تخصيص خبير عمراني لكل مدينة يعمل مع الفريق المقابل في الإدارة الجديدة للتخطيط والتنمية في الأمانة. ويبقى فريق خبراء الاقتصاد والاجتماع والمساحة والتخطيط الإقليمي والتنمية الريفية والتخطيط الحضري في العاصمة – الرياض – في مقر الإدارة العامة لتخطيط المدن بوزارة الشؤون البلدية والقروية. وقد قام كبير الخبراء بتصميم مبنى خاص لاحتواء هؤلاء الخبراء مع الفريق المقابل . 

6-3 استكمالاً للتنظيم الجديد لإدارة العملية التخطيطية أو التنمية العمرانية وضع خبراء الأمم المتحدة الشروط المرجعية لإنشاء مركز للمعلومات مقره الرياض ويتصل بفروع تابعة له في المدن المختلفة كما وضع الخبراء الشروط المرجعية لمشروع التنسيق بين مشروعات البنية الأساسية من طرق وصرف صحي وشبكات مياه وكهرباء وهاتف بحيث يتم التنسيق بينهما تخطيطاً وتصميماً وتنفيذاً ، ويعتبر هذا المشروع من أهم منجزات مشروع آلام المتحدة كما طلبت من كبير الخبراء وضع التصور الخاص بإعادة تنظيم الإدارات والأجهزة الخاصة في وزارة الشؤون القروية شاملة وكالة بتخطيط المدن والشؤون القروية بجانب الشؤون الفنية والإدارية والمالية … الخ . 

4- دلائل الأعمال التخطيطية : 

1-4 تعتبر العملية التخطيطية عملية مستمرة لها مقوماتها وآلياتها وأجهزتها وأسلوب العمل فيها بأن الأمر يستدعي إعداد دلائل للأعمال التخطيطية التي نوضح بالتفصيل أسلوب تناول الجوانب المختلفة للعملية التخطيطية بدءاً من التنظيم الإداري والتوصيف الوظيفي ماراً بأسلوب جمع البيانات وتبويبها واسترجاعها ثم أسلوب إعداد كل من المخططات التأشيرية والتفصيلية والتنفيذية وذلك في ضوء المعايير التخطيطية المناسبة والكثافات البنائية والسكنية مع المعايير الخاصة بالطرق والمرور والأمن والسلامة والدفاع الوطني وتنسيق المواقع وتعتبر دلائل الأعمال التخطيطية بمثابة الوقود الذي يحرك أجهزة التخطيط العمراني ويطبقها أعضاء الجهاز التخطيطي كل في تخصصه وان لم يتوفر أي تخصص فيمكن في هذه الحالة الاستفادة بالخبرات الخارجية التي تلتزم بتطبيق دلائل الأعمال إلى أن يتم تدريب التخصصات المحلية ، وبهذه الطريقة يمكن بناء الهيكل التنظيمي من المواطنين المحليين تدريجياً حتى تستكمل سعودة الأجهزة التخطيطية بالكامل . 

2-4 تم تحرير دلائل الأعمال التخطيطية بأسلوب سهل بلغة بسيطة ومباشرة معززة بالرسومات والأمثلة التوضيحية بحيث يساير النص الشكل في كل حالة فإعداد هذه الدلائل يعتبر من أهم الأعمال في بناء العملية التخطيطية واستقرارها واستمرارها حتى في حالة تغيير الأفراد في أي موقع من الهيكل التنظيمي للعملية التخطيطية. وتشمل دلائل الأعمال بالإضافة إلى الجوانب الفنية أسلوب متابعة المخططات وتجديدها وتعديلها. وكل ما يرتبط بذلك من جوانب تنظيمية وإدارية ومكتبية من مكاتبات وتقارير وحفظ وأرشيف . 

5- ولادة فكر جديد في تنمية المدن الجديدة : 

1-5 إذا كان مشروع الأمم المتحدة قد انتهى إلى وضع الصيغة المعاصرة لإدارة عملية التنمية العمرانية للمدن القائمة بأبعادها الزمنية وآلياتها العملية فإن هذا المشروع قد تولد عنه فكراً جديداً لإدارة عملية التنمية العمرانية للمدن الجديدة بعد أن ثبت في الواقع العملي عدم جدوى وضع المخططات العامة لهذه المدن الجديدة لتقطع أوصالها للتنفيذ على مراحل بعد أن ثبت عدم جدوى أسلوب التوقعات الرقمية الجامدة لعملية التنمية العمرانية للمدن الجديدة في المواقع الجديدة لزرع مجتمعات جديدة تقترب في محتواها إلى عملية التنمية لزرع شجرات جديدة في تربة جديدة تبدأ من مرحلة غرس الشاتلات تحت عناية خاصة للحفاظ عليها من التقلبات البيئية ومدها بالغذاء والماء الكافي لمد جذورها في التربة الجديدة مع وضعها تحت الملاحظة المستمرة في هذه الفترة حتى تنبت أوراقها الجديدة وتبدأ مرحلة النمو التي تحتاج هي الأخرى لعناية خاصة بأسلوب آخر مناسب حتى تشب وتبدأ في إنبات طرحها الأول في مرحلة الإخصاب التي تحتاج هي الأخرى إلى عناية خاصة وبأسلوب مناسب للحفاظ على ثمرها وزيادة إنتاجها. وكذلك المجتمعات الجديدة التي تزرع في أراضي جديدة لابد وأن تخضع إلى أسلوب خاص في التنمية العمرانية بدأ من تحضير الموقع لاستقبال الفوج الأول من رواد الاستيطان البشري الأمر الذي يتطلب توفير جميع الخدمات لهم بسهولة ويسر فيما يتوفر لهم في الموقع أو خارجه واعتبار هذه الموجة الأولى من المستوطنين هم الجذور التي سوف تنمو وتتشعب في تربة المكان وهم العلامة الأولى لجذب أفواج أخرى من السكان من مختلف المستويات الاجتماعية والمهن العملية فتزداد بذلك متطلباتهم المعيشية سواء في المرافق والخدمات العامة أو في توفير فرص العمل المناسبة في الصناعة أو الزراعة والتجارة والإدارة .. وهكذا تتم عملية التنمية العمرانية بشكل عضوي تتزايد فيه السكان الجدد كما تتزايد معهم الخدمات المعيشية والمرافق العامة. وتستمر هذه العملية تدار من جهاز خاص قادر على الاستقبال والتوطين مع البناء والتشييد. إلى أن تنمو المدينة وتثمر وتستطيع أن تدار ذاتياً دون تدخل كبير من الخارج . 

2-5 تتطلب إدارة عملية التنمية العمرانية الجديدة التي تمثل كياناً عضوياً ينمو من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الشباب ثم مرحلة النضج تتطلب آليات خاصة لدفع عملية التنمية العمرانية وتعديل مسارها كلما تطلبت الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ذلك. وتضمن هذا الآليات أسلوباً خاصاً من التخطيط العمراني والمعماري. تنمو في إطاره كل عناصر المدنية، مناطق الإسكان بنوعياته مع الخدمات والمرافق العامة بصورة متكاملة ومتزامنة حتى لا تترك فراغات شاسعة تفصل أوصال المدينة فالمرحلية في النمو هي الأساس الذي تنمو على أساسه خلايا المدينة الخلابة السكنية مع الخلايا الحكومية مع فروع المرافق والطرق. ويشمل أسلوب المرحلية أيضاً تصميم مباني الخدمات العامة من مدارس إلى متاجر إلى وحدات صحية وإدارية بحيث ينمو البناء مع نمو الخلايا السكنية وبمعنى آخر تنمو الخدمات مع ما يتناسب من حجم التدفقات من السكان الجدد. والخلية العمرانية في هذه النظرية تمثل الحد الأدنى لوحدة الجوار المتمثلة في 160 دار أو مضاعفاتها بكثافات مختلفة على مساحة محددة 180م × 360م كما أثبتتها البحوث التي أجريت في هذا الشأن. والخلية العمرانية أو وحدة الجوار بمساحتها المحددة نستطيع أن نضم نوعيات خاصة من الخدمات العامة مع استكمال الخلايا المجاورة لمقوماتها الاستيطانية. 

3-5 ويبقى من المنظومة المتكاملة لإدارة عملية التنمية العمرانية الجانب الإداري والمالي والاجتماعي باعتبار أن عملية الاستيطان لا تقتصر فقط على الإسكان ولكنها تتضمن جوانب أخرى مكملة تتمثل في التنمية الاجتماعية والتأهيل الثقافي والتوعية البيئية مع التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص جديدة للعمل في كافة المجالات الأمر الذي يتضمن جذب الاستثمارات لإنشاء الصناعات بأنواعها مع إسكان وتدريب الكوادر اللازمة للعمل بها .. وبنفس الأسلوب التنموي تنمو المناطق الصناعية بأنواعها في خط موازي للنمو العضوي للمدينة وتبعاً لمتطلبات السوق الاستثمار المتغير أيضاً . 

4-5 جاءت النظرية الجديدة لإدارة التنمية العمرانية للمدن الجديدة كإفراز طبيعي للنتائج العلمية والعملية والتطبيقية التي خرجت من مشروع الأمم المتحدة للتنمية العمرانية في مرحلتيه الأولى والثانية ومن أوراق العمل التي أعدت خلال مدة هذا المشروع في الفترة من عام 1973م إلى عام 1979م والتي أضافت بعداً جديداً للتنمية العمرانية في الدول النامية الأمر الذي ساعد على ترقية مدير المشروع إلى أعلى الدرجات الوظيفية في جهاز الأمم المتحدة وكان اتصاله الدائم مع السكرتير العام المساعد للمعونة الأجنبية الأمر الذي أدى إلى إنشاء وحدة اتصال لمدير المشروع في مقر الأمم المتحدة بنيويورك. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق