الصفحات

الأحد، 7 يوليو 2019

دور التعليم والتربية وتطور المعرفة التكنولوجية في تحقيق التنمية البشرية



دور التعليم والتربية وتطور المعرفة التكنولوجية في تحقيق التنمية البشرية[*]

ورقة مقدمة إلى ورشة العمل حول"تحديات التنمية البشرية في الوطن العربي
ودور النقابات في مواجهتها وتوفير فرص عمل للشباب"
في دمشق خلال الفترة 27/4/2006 - 22

الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب
             



عماد الدّين أحمد المصبّح
ماجستير في الاقتصاد
المستشار الاقتصادي لاتحاد عمال سورية






جدول المحتويات
المقدمة
أولاًتعريف التنمية البشرية
ثانياًالتعليم والتنمية البشرية
الاقتصاد والتعليم
منظومات اكتساب المعرفة
مظاهر عجز النظام التعليمي
التعليم واقتصاد السوق
أثر التعليم على التنمية البشرية
ثالثاًالمعرفة التكنولوجية والتنمية البشرية
المعرفة التكنولوجية والنمو الاقتصادي
المعرفة التكنولوجية والتنمية البشرية
رابعاًالمؤشرات التعليمية العربية
التوصيات
المراجع

دور التعليم والتربية وتطور المعرفة التكنولوجية في تحقيق التنمية البشرية

المقدمة

تشمل عملية التنمية على جانبين أساسيين، العنصر البشري والعنصر الماديويعد العنصر البشري (أو عنصر العملالعنصر الحاكم في التنمية لأن ما يعتبر مورداً اقتصادياً يتوقف إلى حد بعيد على المهارات والخبرات الفنية والإدارية، وهو المسؤول عن تحويل الموارد المختلفة من قوة إلى فعل ومن إمكانية إلى وجود (الحاج علي، 85-86). بل لايمكن الاستفادة من الموارد الطبيعية جيداً دون توافر مستوى مهارات وتعليم جيد للقوة العاملة (شولتز، 140). وأكد أكروست في دراسته التي أجراها في النرويج أن العنصر البشري المتعلم يعتبر القوة المحركة للنمو الاقتصادي وذلك من خلال تطوير التعليم والإدارة التي بدورها تقود الاقتصاد نحو نمو متصاعد وتنمية متسارعة (التل، 55).
كما يستدل على التنمية من خلال مؤشرات الدخل وزيادته الظاهرية والحقيقية بينما أصبحت تستخدم مؤشرات أخرى أكثر دلالة، مثل درجة الرفاهية ومدى تطور البنية التحتية، وقد أدخل شولتز وتاتا معايير أخرى إلى مفهوم التنمية ومؤشراتها، كالمساحة المزروعة والصحة والولادات والوفيات وعدد أجهزة الراديو ... ولكن أهم هذه المؤشرات على الإطلاق هو مدى التنمية البشرية في كل دول العالم.
لقد ظهرت نظريات وتحليلات كثيرة عن التنمية إلا أن معظم الباحثين في هذا المجال ركزوا على أهمية العنصر البشري وحجم رأس المال البشري ودوره الأساس في التنمية واعتبروا أن لاستثمار يجب أن يكون في رأس المال البشري حتى نستطيع الاستفادة من رأس المال الماديبل يؤكد جالبريت أن التعليم يجب أن يشمل الشعب كله فالمدارس قبل المصانع والكتب قبل الآلات (الخرابشة، 18-19)، لأن لاجدوى من رأس المال والصناعة والتكنولوجيا مالم يتوافر رأس المال الإنمائي الأول وهو الإنسان القادر على ألإفادة منها، فالعقل وتنميته وتعليمه يفوق كل تنمية لمورد مادي والتعليم الإبداعي هو الأساس في التنميةإذ انتقل مركز الثقل في الفعالية التنموية والإنسانية وفي الإبداعية الحضارية من المصانع إلى المختبرات والجامعات التي أصبحت محور الإنمائية الجديدة.
وتعد التربية جزءاً من منظومة المجتمعات، ومن ثم تتأثر بهذه المتغيرات "حيث تمثل هذه البيئة العالمية المتغيرة تحديا لها، وهذه المتغيرات لن تؤثر في شكل ونمط العملية التربوية فحسب، بل أيضا في هدفها وبينما تمثل هذه المتغيرات مصادر فرص للبعض، تمثل كذلك تهديدات وتحديات للآخرين، ومن أكثر هذه المتغيرات تأثيرا، الدور المتزايد للمعرفة وثورة الاتصالات والمعلومات"Holm,2001,p1)  )
ومن ثم فإن هذه المتغيرات سوف تؤثر في التعليم وجدواه الاقتصادية، وتمثل تحديات للتعليم في الدول النامية بخاصة، وتتمثل هذه التحديات في تحديات أفرزتها العولمة، وتحديات أفرزتها الثورات العلمية والتقنية.
ويمكن تحديد متطلبات العصر، عصر العولمة، حيث الثورة التقانية والمعلوماتية في أوجها، في الآتي :
ـ اكتساب جميع الأفراد للمهارات الجديدة، التي لم تكن معروفة من قبل، ليصبحوا قادرين علي التعامل مع مستحدثات العصر التكنولوجية.
ـ أن يكون أفراد المجتمع قادرين علي إنتاج المعرفة، إذ لم يعد المثقف أو المتعلم هو الفرد الذي يمكنه اختزان أكبر قدر من المعلومات، فوسائط تخزين المعلومات أصبحت لها القدرة علي تخزين معلومات بقدر يفوق العقل البشري بكثير، وتصبح مهمة العقل البشري هي تحويل المعلومات إلي معرفة واستخدامها في حل المشكلات.
ـ مهارة العمل ضمن فريق، نتيجة لتعقد أمور وقضايا الحياة العصرية، فلم يعد العمل الفردي كفيلا بتحقيق حل لهذه القضايا، بل يجب العمل ضمن فريق، وهذه مهارة لا تتحقق إلا بالتدريب والممارسة حتى يمكن اكتسابها.
ـ التفكير الإبداعي، أي التفكير الذي يمكن أن يضيف جديدا للمجال الذي يعمل فيه الفرد.
ـ القدرة  علي التكيف مع الظروف الجديدة.
   أي أن متطلبات العصر يمكن أن يطلق عليها مفهوم التنمية البشرية، وهذا العصر هو عصر التنمية البشرية، ولا تتحقق التنمية البشرية إلا عن طريق تعليم جيد، وتصبح الجودة الشاملة في التعليم ليست مطلبا ترفيا، بل مطلبا يتوقف عليه مستقبل المجتمع.
تهدف هذه الورقة إلى محاولة الكشف عن أثار التعليم على التنمية البشرية من مختلف جوانبها ولاسيما على الدخول الفردية والمهارات العملية والمؤشرات الاجتماعية وحقوق الإنسانكما تهدف الورقة إلى الاطلاع على العلاقة بين المعرفة التكنولوجية ومؤشرات التنمية البشرية بالإضافة إلى الإطلاع على المؤشرات التعليمية في الوطن العربي.
وسف يتم تقسيم الورقة إلى أربعة أقسام، بالإضافة إلى المقدمة والتوصيات، هي:
  1. تعريف التنمية البشرية
  2. التعليم والتنمية البشرية
  3. المعرفة التكنولوجية والتنمية البشرية
  4. المؤشرات التعليمية في الوطن العربي

أولاًتعريف التنمية البشرية

يستند مفهوم التنمية البشرية من الناحية النظرية، على المساهمات التي قدمها أمارتيا صن، الذي حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1998، والذي طور مفهوم "الاستحقاقاتكمعيار لقياس رفاهية البشر عوضاً عن المقاربة التقليدية التي تعرف الرفاهية على أساس المنفعةويقصد بالاستحقاقات تلك الحقوق الجوهرية التي ينبغي أن يتمتع بها البشر، وتشتمل بمفهومها الواسع، على الحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وتوفير الفرص للإنتاج والإبداع وتوفير الفرص لتحقيق الذات واحترامها وتوفر الفرص للعيش حياة طويلة وصحية، وتوفرالفرص للحصول على مختلف أواع المعارف وتوفر الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق (صن، 11 )
ويذكر تقرير التنمية البشرية لعام 1990 الذي أصدرته الأمم المتحدة أن التنمية البشرية تعنى بتوسيع الاختيار أمام الأفراد وذلك بزيادة فرصهم في التعليم والرعاية الصحية والدخل والعمالة. (تقرير التنمية البشرية 91، ص7). وكانت النظرة إلى التنمية البشرية، وحتى وقت قريب، نظرة متحفظة يشوبها سوء الفهم والحذر إذ صورت على أنها في تركيزها على التوزيع تعيق النمو وتوليد الدخل، وصورت أيضاً على أنها تنمية قطاعية، أي أنها تهتم بالاستثمارات في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعيةوشكك في صلاحية استراتيجيات هذه التنمية البشرية المجتمعات الفقيرة بسبب أن هدفها النهائي هو تلبية الاحتياجات الأساسية للناس.
وناقش تقرير التنمية البشرية لعام 1992 الذي أصدرته الأمم المتحدة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في العام نفسه هذه التحفظات وفندها فيما يلي: (خمش، 201-202)
1-      إن التنمية البشرية تهتم بتطوير القدرات الإنسانية كما تهتم باستخدام هذه القدرات في الإنتاجويتطلب الاهتمام الأول الاستثمار في الناس، بينما يتطلب الاهتمام الثاني مساهمة الناس في نمو الناتج القومي الإجمالي والعمالة.
2-      التنمية البشرية تعني التنمية للناس بما في ذلك إيجاد فرص اقتصادية للجميعكما تعني أيضاً التنمية بواسطة الناس، مما يتطلب إتباع أساليب المشاركة الديمقراطية تكافؤ الفرص.
3-      تقع الهداف الإنسانية في مركز استراتيجيات التنمية البشرية، وهي تتراوح ما بين الأهداف الأساسية لبقاء الإنسان في الدول الفقيرة وبيم جدول الأعمال المتطور للإنسان في المجتمعات الصناعيةفأهداف الناس إذن تقع في مركز استراتيجيات هذه التنمية، لكن هذه الأهداف تختلف في المراحل المختلفة للتنمية.
وقد طور برنامج الأمم المتحدة الإنمائي مؤشراً مركباً لقياس التنمية البشرية، استند على الاستحقاقات الثلاثة التي ذكرها صن والمتعلقة بالحالة الصحية (كما يقيسها العمر المتوقعوالتعليمكما يقيسه مؤشر مركب من معدل معرفة القراءة والكتابة بين الكبار والتحصيل العلميومستوى لمعيشة (كما يقيسه متوسط دخل افرد). وعلى الرغم من أن هذا ليس مقام الحديث المطول حول مؤشر التنمية البشرية إلا أنه ربما كان من المناسب ملاحظة أن تقرير التنمية البشرية يرتب الدول على أساس هذا المؤشر الذي تتراوح قيمته بين الواحد الصحيح(أعلى إنجازات التنمية البشريةوالصفر (أدنى مرتبة في الإنجاز).

ثانياًالتعليم والتنمية البشرية

تنبع أهمية الاستثمار في الموارد البشرية وتنميتها كخطوة أولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال الأمور التالية:
1-      إن معدلات النمو الاقتصادية في الدول يرجع إلى عوامل غير منظورة (متبقيةتفسيرها الوحيد هو التحسن في نوعية العوامل المادية والتي ترجع أساساً على التحسن في نوعية العنصر البشري والتعليم (بواقي سولو).
2-      لعب رأس المال البشري دوراً محورياً في الإسراع من عمليات إعادة إعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية.
3-      يحسن العنصر البشري من إمكانية استخدام الموارد الأخرى من خلال الإدارة
4-      من أهم أسباب تخلف البلدان المتخلفة هو تدني نوعية رأس المال البشري.
من ذلك نرى أن التربية أداة لاغنى عنها في صنع المستقبل الذي ترجوه أية أمة والمدرسة مجرد وسيلة مرنة، ثابتة الأهداف متحركة الوسيلةإن التنمية من أجل الإنسان ويقوم بها الإنسان فهو هدف التنمية وهو وسيلتها.
لذلك فالتربية أو التعليم وسيلة لتنمية القوى البشرية التي تصنع التنمية وتحدد معالمها، بل إن أهم معالم التنمية هو تنمية القوى البشريةولكن هناك من يعتقد أن مفهوم التنمية أكثر ارتباطاً بالتعليم وليس بالتربيةفالتربية مفهوم أوسع وعام وشامل، إذ تقوم بتنمية الفرد من جميع جوانبه الروحية والخلقية وبشكل سليم ليكون عضواً نافعاً في المجتمع الذي يعيش فيه، وهي أشمل بكثير من التعليم إذ يشمل الأسرة والثقافة والإعلام والنوادي ومؤسسات العبادة ... بينما التعليم هو عملية مقصودة تؤدي بوساطة مؤسسات أنشئت خصيصاً  لهذا الغرض ويقوم بها أفراد اختيروا ودربوا خصيصاً للقيام بهذه العملية بهدف الحصول على معرفة واكتساب مهارة أو لتنمية قدرات أو طاقات خاصة، وبالتالي فهو أكثر تحديداً وارتباطاً بالتنمية (العطاس، 39). وعندما تشير الكتابات إلى التنمية والتربية فإنها تقصد بذلك التعليم، لأن التنمية تقاس بمؤشرات كمية، وهذا الأمر يصعب قياسه في التربية بينما هو ممكن في التعليم.
وينظر إلى التعليم في كثير من الدراسات، على أنه:
  • يرفع الإنتاجية.
  • يرفع الاستثماروالادخار.
  • يساعد على التغير التقاني التكنولوجي.
  • يسهم بالتأثير على المهارات الإدراكية.
  • يسهم بالتأثير على الطموح الشخصي والتنافس والإبداع.
  • يكمل أدوار المدخلات الأخرى في عملية الإنتاج .
  • يشجع إسهام المرأة في النشاط الاقتصادي (العمل بأجر(.
  • ذو علاقة مع توقع الحياة.
  • يخفض الخصوبة (ويحسن استعمال تقنيات منع الحمل.(
  • يرفع تعليم الأبوين، و نوعية الطفل وصحته ومكانته اللاحقة.
  • يؤثر على قرار الهجرة وبذلك تزيد الإنتاجية.
  • يساعد على تحسين وتوزيع الدخل وتكافؤ الفرص.
  • يضمن التشغيل وفي القطاع العام ومناصبه على وجه الخصوص.
والدراسات عديدة لمثل هذه الارتباطات لكن دون التأكد، في كل حين، من السببية أو حتى اتجاه العلاقة ومدى فترة الإبطاءإلا أنه ليس كل تعليم بالضرورة مواتيا للتنمية، فالتعليم قد:
  • يلتهم موارد من الأولى أن تصرف في أوجه أخرى أكثر جدوى.
  • يسيء توزيع الموارد داخله أو يستعملها بكفاءة متدنية.
  • يسيء إلى قدرات الأفراد من خلال إيجاده متعلمين غير لازمين لمهن أو يخلق تطلعات غير مبررة وبالتالي يكون سبب بطالة المتعلمين.
  • يسهم في هجرة الأدمغة.

الاقتصاد والتعليم

تشير نظريات النمو الاقتصادي إلى أن التقدم التقني يزيد من معدل النمو الاقتصادي طويل الأجل، ويزداد التقدم التقني سرعة عندما تكون قوة العمل أحسن تعليماً، من هنا فإن تراكم رأس المال البشري يساعد في التقدم التقني ويعد مصدراً من مصادر النمو المستدام.ويمكن تقدير أثر التعليم في الإنتاجية من خلال المقارنة بين أجور الأشخاص المتعلمين وغير المتعلمين عبر الزمن، ويطلق على هذا المقياس العائد الاجتماعي للاستثمار في التعليم.
كما يؤثر التعليم بشكل غير مباشر على الإنتاجية من خلال التأثير على الصحة، فقد أثبتت الدراسات أن الأمية والجهل يؤثران تأثيراً فعالاً على مستويات الصحة الفردية والعامة، وبشكل عام يساهم التعليم في تحسين الموارد البشرية وتطويرها من خلال رفع الكفاءة والمقدرة الذهنية وسعة الاستيعاب ورفع إنتاجية القطاعات المختلفة للاقتصادإلا أن مساهمة التعليم الإيجابية في التنمية تعتمد على نوعية التعليم ومدى ملاءمته لاحتياجات المجتمع في المراحل التنموية المختلفةيضاف إلى ذلك أن تعليم مهارات الإنتاج الحديثة لمن هم حاصلون على تعليم أساسي جيد أسهل وأقل تكلفة من تدريب غير المتعلمين أو الحاصلين على قدر ضئيل من التعليموفي عصر الصناعات المعتمدة على رأس المال البشري، أو ما تسمى بـ«صناعات العقل البشري»، يتطلب أن يكون العمال ذوي مهارات عالية ومتجددة وهذه المهارات ليست عربون نجاح بمفردها بل لابد أن تكون ضمن تنظيمات ناجحة تحسن استخدامها(البازعي، 1420)
وتعد طرق التدريس والذي يُدرّس المفتاح لنظام تعليمي كفء، فعلى سبيل المثال، تتميز دول شرق آسيا بالاهتمام بالتعليم على الرغم من الاختلاف بينها إلا أن اهتمامها بالتعليم يمكن أن يكون السمة المشتركة بينها، وينبع هذا الاهتمام من التقاليد الاجتماعية المهتمة بالامتحانات التنافسية واحترام التعليم، ويكمل المنزل ما يتم تعليمه في المدرسة، وتبدو هذه العملية من وجهة نظر التربويين الأجانب وكأنها تلقين ووسيلة للحصول على مهارات تقنية وتحقيق الانسجام أكثر من كونها وسيلة تشجيع للمواهب الفردية، وعلى الرغم من إدراك عدد من المربين لهذه المسألة إلا أن غالبية هؤلاء المربين تؤمن بأن أنماط التعليم في دول شرق آسيا تخلق انسجاماً اجتماعياً وقوة عمل مدربةتدريباً جيداًففي تايوان يتم قبول حوالي الثلث فقط ممن يتقدمون للتعليم الجامعي لتأكيد أهمية التعليم الجامعيكما أن نسب الطلاب الذين يواصلون تعليمهم حتى المرحلة الجامعية في هذه الدول تفوق مثيلاتها في الدول النامية، فعلى سبيل المثال يوجد في كوريا (عدد سكانها 43 مليون نسمة) 1.4 مليون طالب في التعليم الجامعي مقارنة بـ 145 ألف طالب في إيران (سكانها 45 مليون نسمةو15 ألفاً في أثيوبيا(عدد سكانها 46 مليون نسمةو159 ألفاً في فيتنام (عدد سكانها 64 مليون نسمة). وفي عام 1980 تخرج من الطلبة المهندسين في الجامعات الكورية عدد يساوي من تخرج في جامعات السعودية المتحدة وألمانيا الغربية والسويد معاًفي حين تقلص الإنفاق الحكومي على التعليم في عدد من الدول الإفريقية (ملاوي، زامبيا، ليسوتو، الصومالحيث يوجد الآن عدد أقل من الأطفال في المدارس، وإذا وجد هذا النظام فإنه لا يتعدى المرحلة الثانوية حيث وجد في أنجولا على سبيل المثال 2.4 مليون طالب في المدارس الابتدائية لكن 153 ألفاً فقط يتعلمون في المدارس الثانويةوتفيد دراسات البنك الدولي أن التعليم مجال مربح للاستثمار، وتفيد الدراسات التي أجريت على دول شرق آسيا أن التعليم الابتدائي يعد المساهم الأكبر في النمو الاقتصادي الإجمالي لهذه الدول وفي النمو الاقتصادي عبر الأقاليم داخل الدولة الواحدةفقد استثمرت دول شرق آسيا بقوة في التعليم الابتدائي والثانوي من أجل تحسين نوعية العمالةوتلاحظ الدراسات أن معدل النمو الاقتصادي يرتفع في الدولة التي تزداد فيها نسبة التعليم.
ويساهم التعليم العالي في النمو الاقتصادي المستدام من خلال تأثير الخريجين على نشر المعرفة، كما تساهم مؤسسات التعليم العالي في إنتاج المعارف العلمية والتقنية الجديدة من خلال البحث العلمي والتدريب المتقدم، كما تخدم كقنوات لنقل ونشر المعارف المولدة في الخارجويقدر العائد على التعليم العالي بنحو 10% أو أكثر في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط مما يشير إلى أن الاستثمار في هذا النوع من التعليم يساهم في رفع إنتاجية العمل والنمو الاقتصادي طويل الأجل.
وفي معظم البلدان المتخلفة توصل الباحثون إلى قناعات مفادها أن من أكبر عوائق الجهود التي تبذل لتغيير أحوال هذه البلدان عدم قدرة المناهج التقليدية على استيعاب ميكانزمات التقدم، وهذه التنمية تتناقض مع الهيكل الرئيسي لأدبيات التنمية التي تجمع على أن الانخفاض الثقافي عنصر سلبي مؤثر على صنع القرار الاقتصادي من ناحية وعلى الابتكارات المؤسسية والتقنية من ناحية ثانية.
ولهذا فإن مشاريع التنمية التقليدية التي اعتمدت على مساعدات خارجية أخطأت عندما ركزت بدون مبرر على الوصفات التقنية وتجاهلت الحاجة إلى مواءمة هذه البلدان يتحسسون بأن الجهود الرامية لمساعدتهم هي جزء من جهودهم الخاصة .
وقد برزت آفاق هذا الفشل عندما قامت مشاريع التنمية المؤسسة على أساس ثلاثة افتراضات رئيسيةفكرة ميكانيكية التمرحل التاريخي للتنمية (بالإشارة إلى نظرية روستو ذات المراحل الخمسثم النهج التكنولوجي للتنمية والإدارة المؤسسية بمعنى استيراد الطرائق والتقنيات الغربية للإدارة والإنتاج.ونهج ثالث يفترض أن الغاية الأساسية لأي مجتمع هي تحقيق المستويات نفسها التي تتميز بها البلدان المتقدمة لأن البلدان التي تنطوي على مثل هذه المستويات ستبقى بدائية ومتخلفة،وهذا ما يستوجب نقل التقانة والأساليب والتقنيات من البلدان الصناعية الغربية، لكن الشواهد تدل الآن عدم سلامة أي من الافتراضات السابقة(بيضون).

منظومات اكتساب المعرفة

1-التعليم/ التعلم

لاشك أن الأداء الاقتصادي لأي قطر يعتمد على وجه التحديد على واقع نظامه التعليمي وأن تطوير هذا النظام هو المدخل لما أسماه البعض بالتنمية الحقةنبيل علي، 104- ومابعدها).
وتشير تجارب دول مجلس التعاون الاقتصادي إلى أن ما تم تحقيقه من مخرجات بشرية أدنى بكثير من حجم المدخلات المادية فيهذلك أن النظام التعليمي لا يعمل من فراغ اجتماعيفالبرغم من أن تطوير النظام التعليمي ورفع كفاءة أدائه شرط أساسي لتحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى.إلا أنه رغم أهميته ليس هو الشرط الوحيد فالإبداع لا يخلقه النظام التعليمي وحده بقدر ما تخلقه البيئة المجتمعية المحيطةفالملاحظ للنظام التعليمي العربي بالرغم من مخرجاته الضخمة إلا أنه لم يستطع أن يغير من الواقع القائم بل أنه في بعض الأحيان أصبح عاملاً معوقاًلعملية التغيير والتطوير.(محمد علي حوات,210)
أما فيما يتعلق بالتدريبفلقد كانت السمة المميزة لنظامه التعليمي في معظم الدول العربية هي التوسع في التعليم العام الأكاديمي على حساب التعليم المهني والتقنيحيث كانت النظرة إلى التعليم التقني ولا زالت حتى الآن تعتبر محطة الفاشلين من الطلاب الذين يفتقدون للقوة بمضمونها الاجتماعي المقتد إلى الأصول العائلية والقبلية والأصول الاقتصادية المقتدة للثروة والمال.

2- البحث والتطوير العلمي

لا شك في تعاظم الدور الذي يلعبه الإنفاق على البحث والتطوير في زيادة تنافسية الاقتصاد وربطه بالعالم الخارجي حيث أن عمليات العولمة ومنجزات ثورة الاتصالات تخلق علاقات قوى جديدة على الصعيد العالمي نظراً لارتباط تلك المنجزات بدرجة من التقدم التكنولوجي والبحوث والتطوير تجعلها مبنية على عدم المساواة بين الذين يمتلكون مقومات التقدم التقني وبين الذين يقتصر دورهم على كونهم المستفيدين .
وبتحليل الأرقام الخاصة بهذا النشاط نجد أن نصيب الدول العربية من تاتج البحث والتطوير في العالم ضئيل للغايةحيث يقل نصيب الدول العربية من النشر عن1% كما أنها تكاد لا تظهر على خريطة تسجيل براءات الاختراع.(حوات، 211)
ويمكن الاستعانة بالبيانات الواردة في تقرير اليونسكو عام1998 وذلك لمقارنة مدخلات نشاط البحث والتطوير وناتجه في الدول العربية.
وبالنظر إلى نسبة الإنفاق على البحث والتطوير إلى الناتج المحلي الإجمالي فتبلغ 0.11 % في الدول العربيةكذلك نسبة الإنفاق بالنسبة للفرد فنجد أنها تتراوح ما بين 28 دولار في الكويت كأعلى نسبة و0.3 دولار بالنسبة للسودان مقارنة بـ 600 دولار في الولايات المتحدة  واليابان و200 دولار لـ "إسرائيلو100 دولار لإسبانيا (حوات, 211)
العدد المتفرغ من الدول العربية لممارسة أنشطة البحث محدود حيث يصل إلى 0.2 لكل 1000 من قوة العمل مقارنة بـ 9.3 في اليابانولاشك أن البيانات السابقة تشير إلى أن وضع البحث والتطوير العلمي بشكله الراهن ينتابه الكثير من السلبيات ويدعو للتشاؤم، حيث أن التحديات الناجمة عن ثورة الاتصالات والمعلومات تعد كبيرة، الأمر الذي يدعو للتعامل بجدية مع الآثار السلبية والمخاطر التي تطرحها التطورات المتسارعة في هذا المجال. (المصري، 117)

مظاهر عجز النظام التعليمي

تتضح مظاهر العجز في النظام التعليمي بشكل أساسي في التفاوت بين تعليم الذكور والإناث، والتفاوت بين أبناء الحضر والريف والأغنياء والفقراء، وبين من يتعلمون وبين من يدربون وبين مدارس متميزة ومدارس للعامة.
ومن أوجه العجز:
-         الهدر الناتج عن التسرب في مراحل التعليم المختلفة.
-         حجم من لايتلقون أي قدر من التعليم في أي فترة من فترات حياتهم.
-         نقص الكفايات في العلوم الأساسية وعلوم المستقبلمثل التفكير التنفيذي والابتكاري والتخمين والتقدير.
-         نقص الكفاية في استخدام مبتكرات التكنولوجية، كالحاسب الآلي والإنترنيت.
-         عدم وجود الاتجاهات اللازمة للطاقة الإنتاجية المطلوبة في العمل.

التعليم واقتصاد السوق

يتميز رأس المال البشري بثلاث خصائص منها أنه غير قابل للامتلاك، والرأسماليون لن يستثمروا في شيء لا يمكنهم امتلاكه، كما يحتاج الاستثمار في رأس المال البشري إلى أفق زمني طويل لا يحتمله الرأسمالي، يضاف إلى ذلك أن الاستثمارات في المعرفة لتوليد صناعات وتقنيات جديدة لابد أن تتم في إطار اجتماعي يختلف عن توجه المستثمر الفردففي اقتصاد السوق يبحث المستثمر عن أشخاص يمكن تسريحهم وآلات غير قابلة للاستبدال، كما أن الأفراد يهتمون فقط بالأشياء التي تعود عليهم بمنفعة مباشرة (استهلاكاً أو فراغاً)، فيقبل الأفراد على التعليم أملاً في الحصول على دخل أفضل، إلا أن هناك مخاطرة ألا يولد هذا التعليم العائد المتوقع (مثلاً لانخفاض الأجور أو لعدم توفر وظائف). فقد لا يحدث النمو الاقتصادي بالمعدل الكافي لخلق وظائف تتناسب وأعداد الخريجين، خصوصاً خريجي الجامعات؛ مما يؤدي إلى وجود فائض في العرض من الخريجين، وحيث حرم هؤلاء الخريجون من فرصة الحصول على وظائف تتناسب ومؤهلاتهم وذات أجر مرتفع، فسيقبلون بوظائف أقل ترتيباً على السلم الوظيفي وأقل أجراً مما يقلل من الفرص الوظيفية المتاحة للعمالةالأقل تأهيلاً، وهذه ستنافس العمالة الأقل منها تأهيلاً على الفرص الوظيفية وهكذا حتى يتم غلق الباب نهائياً أمام العمالة غير المدربة، مما يجعل التعليم خصوصاً للطبقات الفقيرة لا يساوي الجهد ولا المال المنفق للحصول عليه.
إن اختلال النظام التعليمي يؤدي بالضرورة إلى اختلال النظام الإنتاجي، ومن ثم اختلال توزيع الدخل وأخيراً سيجر ذلك إلى اختلال النظام الاجتماعي والسياسيوما دام اقتصاد السوق يولد توزيعاً غير عادل للثروة والدخول لذا كان لزاماً على الحكومات التدخل من خلال برامج عدة لتقليل هذه الفجوات، ومن ثم ضمان استمرار سير النظام الاجتماعيوكان من أهم هذه البرامج مجانية التعليم خصوصاً الأساسي وتوفير التعليم العالي من خلال برامج إقراض ومساعدات ومنحويقل إنفاق اقتصاد السوق على التعليم نظراً لأن اقتصاد السوق يتميز بقصر النظر (التركيز على الأجل القصير). وبدون تدخل الحكومة يظل التعليم قاصراً على الأغنياءفإنفاق الحكومة على التعليم هو الذي يخلق الطبقة الوسطى، ومن المعروف أن تنامي هذه الطبقة هو ضمانة الاستقرار. (البازعي، 1420)
ولكي نرى بوضوح أهمية العنصر البشري في العملية الإنتاجية يكفينا أن نتصور نتيجة وضع الإمكانيات المادية لأكبر الدول المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً تحت تصرف أناس لا خبرة كافية لديهم بكيفية استخدامها وإدارتهاوالنتيجة المتوقعة هي انخفاض مستويات الإنتاج لسوء استخدام هذه الإمكانياتوهذا إثبات آخر للدور الهام الذي تلعبه القدرات البشرية ذات المعرفة والخبرة القادرة على إدارة وتطوير ومتابعة التقدم العلمي والتكنولوجية في زيادة الإنتاجبل إن العنصر البشري ذاته هو أساس كل تقدم علمي وتكنولوجي قديم وحديث.ولذلك فإن التقصير في تنمية العنصر البشري يترتب عليه انخفاض وسؤ استخدام المتاح من رأس المال المادي  بالكفاية المطلوبة. (مندور ورمضان، 328)  
ومن الممكن الإشارة إلى أنه قد أعقب بطء النمو الاقتصادي العالمي وأزمة الديون الدولية، انخفاض في فعالية تقديم الخدمات في البلدان المتخلفة للقطاعات الاجتماعيةوقد أثر هذا بصورة مباشرة على مختلف جوانب الحياة، إذ تراجعت نسبة فرص التعليم والتدريب التي تعتبر أداة أساسية لزيادة الدخل على المستويين الفردي والقومي، وبشكل عام تعرضت للخطر آفاق التنمية في البلدان المنخفضة (أوريان، 20) الدخل والمتوسطة وأحبطت غايات عمليات التكيف ذاتها.

أثر التعليم على التنمية البشرية

التعليم ومؤشرات التنمية البشرية

لا يقتصر أثر التعليم على تحسين إنتاجية العمل بل يتعدى ذلك إلى التأثير على نوعية الحياة بمفهومها الشامل، فالتعليم يؤثر على السلوك الثقافي والاجتماعي للأفراد، حيث يتبين من علاقة معدل الخصوبة (مقاساً بعدد المواليد لكل امرأةونسبة الأمية أن هناك ارتباطاً موجباً بين المتغيرين، فزيادة نسبة الأمية تؤدي إلى زيادة معدل الخصوبة، وارتفاع المستوى التعليمي للمرأة يؤدي إلى انخفاض معدل الخصوبةفالتعليم يؤثر على الخصوبة من خلال تأخير سن الزواج وزيادة استخدام موانع الحملتجدر الإشارة إلى أن معدل الخصوبة يتأثر بعوامل اجتماعية وثقافية متعددة لكن للعامل الاقتصادي (المتمثل في تكلفة الإنجاب وارتفاع تكلفة الفرصة البديلة لوقت الأمدوراً هاماً في ذلك ويعكس هذا الدور تجربة الدول المتقدمة التي تنخفض فيها معدلات الخصوبة.
كما يخدم التعليم غرضاً اجتماعياً هاماً، فلا ينظر للتعليم على أنه وسيلة لزيادة المهارة التي تتطلبها عملية التنمية، لكنه أيضاً وسيلة لمنح أفراد المجتمع الفرصة للتقدم المادي والاجتماعي، فللتعليم دور هام في خلق الإنسان النافع المنتج والمواطن الصالحفكلما زاد عدد المتعلمين ارتفع مستوى التفكير العلمي والمنطقي لدى أفراد المجتمع، مما يسهم في عملية التغيير الاجتماعي التي تشكل الشرط الضروري للتحضر والتنمية في المجتمع.
ويعد التعليم من وجهة النظر الاقتصادية سلعة استثمارية واستهلاكية خاصة وعامة في الوقت نفسه، فهو سلعة استهلاكية خاصة لمنافعه المباشرة حيث يشبع حاجة أصيلة لدى الفرد في المعرفة، وسلعة استثمارية خاصة لأنه يعود على الفرد بزيادة في الدخل عن طريق تحسن قدرة الفرد الإنتاجيةوهو سلعة عامة نظراً لما له من آثار خارجية مفيدة للمجتمع (العيش في وسط متعلم أفضللذا لا يترك عادة لاقتصاد السوق.
كما يسهم التعليم في تماسك النسيج الاجتماعي، ولن يكون بإمكان دولة تتزايد فيها الفجوة بين الأغنياء والفقراء أن تقيم نظاماً سياسياً مستقراً، فالتفاوت الطبقي يمثل خطراً على الأمن والسلام في الشوارع، ويدعو الفقراء إلى التحول للعنف كما حدث في كثير من الدول النامية، خصوصاً أن العولمة وانفتاح الاقتصادات الوطنية على بعضها سيزيد من الحساسيات بين زيادة الدخول وتفاقم اللامساواة، ولن يكون بمقدور اقتصاد السوق أن يعالج هذه المشكلة خصوصاً أنه سيكون من الصعب على ذوي المهارات المنخفضة الانضمام إلى ميدان السباق الاقتصادي.

التعليم باعتباره حقاً للإنسان

الحق في التعليم حق منصوص عليه بكل وضوح في المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسانوهذا يشكل اعترافاً بالقيمة الإنسانية الجوهرية للتعليم، وهو اعتراف يقوم على أسس أخلاقية وقانونية راسخةومن هذه الناحية، فإن التعليم يمثل أيضاً وسيلة لا غنى عنها لتحرير وحماية حقوق الإنسان الأخرى من خلال توفير الدعائم اللازمة لضمان الصحة الجيدة والحرية والأمن والرفاه الاقتصادي والمشاركة في النشاط الاجتماعي والسياسيفكفالة الحق في التعليم تعزز فرص الناس في الحصول على حقوقهم الأخرى وتمتعهم بها.


التعليم والقدرات البشرية

طرأ في السنوات العشرين الماضية تحول كبير في التفكير بشأن التنمية البشريةومن أجل تأمين التخلي عن التركيز الضيق على مبدأ نمو دخل الفرد كمؤشر أساسي على نجاح السياسات الإنمائية، فقد برز إطار جديد يشدد على المدى الذي تم بلوغه في تعزيز قدرات الناس وفي توسيع الخيارات المتاحة لهم للتمتع بالحريات التي تعطي للحياة معناها وقيمتهاوهذه الحريات تشكل حقوق الناس في الحصول على الموارد التي تمكنهم من تجنب المرض وتكفل لهم احترام الذات والتغذية الجيدة وسبل العيش المستديم والتمتع بعلاقات سليمة فيمابينهموفي هذا الإطار يعتبر التعليم أمراً هاماً لثلاثة أسباب على الأقل.
      السبب الأول: في أن المهارات المكتسبة من التعليم الأساسي، مثل القدرة على القراءة والكتابة، تنطوي بحد ذاتها على قيمة كبيرة باعتبارها نتيجة أساسية من نتائج التنمية؛
      السبب الثاني: هو أن التعليم يمكن أن يساعد على تحاشي جوانب أخرى أكثر سلبية في الحياةفعلى سبيل المثال، سيؤدي التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي إلي الحد من تشغيل الأطفال؛
      السبب الثالث: فهو أن التعليم يضطلع بدور قوي في تمكين الفئات السكانية التي تعاني من أوجه حرمانومع ذلك فإن النساء اللواتي حصلن على التعليم يمكنهن أن يعشن حياة أفضل وأطول من حياتهن بدون تعليم.
وبهذا المعنى، فإن للتعليم الشامل والمتاح للجميع، بغض النظر عن الطبقة أو الطائفة الاجتماعية أو الجنس، يعطي تأثيراً قوياً في معالجة العوائق الاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمع المدني، كما أنه يمثل عاملاً أساسياً في تحقيق الحريات الإنسانية.

ثالثاًالمعرفة التكنولوجية والتنمية البشرية

المعرفة التكنولوجية والنمو الاقتصادي

يتميز العصر الحالي عن العصور السابقة، بسرعة التغيير في مجالات الحياة كافة، حتى أصبح ينعت بعصر الثورات، الثورة المعلوماتية والثورة التكنولوجية وثورة الاتصالات، وتمثل تلك الثورات العلمية والتقنية قفزات في هذه المجالات، أي تطورات سريعة ومتلاحقة "فالثورات العلمية مقصود بها سلسلة الأحداث التطورية غير التراكمية، والتي يستبدل فيها بالنموذج الإرشادي القديم، كليَا أو جزئياَ؛ نموذجاً إرشادياً جديداً ومتعارضاً معه" (كون،ص143).
وما شهده العالم خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي، من تطورات متلاحقة وسريعة في مجال المعرفة والتكنولوجيا، وظهور فكرة العولمة الاقتصادية بتجلياتها السياسية والثقافية والاجتماعية؛ أحدث تأثيراً علي منظومة المجتمعات في دول العالم كافة، وأمام هذه التأثيرات انقسم العالم إلي كتلتين، كتلة مؤثرة وتتمثل في دول العالم المتقدم (الشمالوهي التي تنتج المعلومات والتكنولوجيا، وتسيطر علي الاقتصاد، وكتلة متأثرة وتتمثل في دول العالم النامي (الجنوبوهي التي تستهلك نتاج المعلومات والتكنولوجيا، دون أن تكون فعالة في ميدان إنتاجها.
ونتيجة هذا التأثير والتأثر بين كتلتين غير متكافئتين، نشأ صراع يطلق عليه صراع الشمال والجنوب، وأخذ هذا الصراع أشكالاَ متعددة سياسية وثقافية واقتصادية وعسكرية.
أما مصطلح التحديات الذي يطلق علي المتغيرات الناتجة عن التطور العلمي والتكنولوجي والعولمة، والذي شاع استخدامه في الخطاب السياسي والثقافي والتربوي في دول العالم الثالث، إنما يدل علي عدم قدرة هذه الدول علي التعامل مع متغيرات العلم، وعدم قدرتها علي المنافسة في السوق الاقتصادية الجديدة  في الوقت الذي أصبحت فيه هذه المتغيرات قوى لتقدم الدول المتقدمة، أصبحت معوقا لنمو الدول النامية، التي لا تستطيع ملاحقة التطور واستيعاب الجديد من العلم والتكنولوجيا، ولا تستطيع منع تأثير هذه المتغيرات علي الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية عن مجتمعاتها  .
ولعل أول ما ينبغي تأكيده كمسلمات أساسية اقتران تقدم العلم والتقانة في الانجازات الهائلة التي حققتها الدول الرأسمالية المتقدمة .و"قد أظهرت الدراسات التي أجريت في العديد من البلدان الصناعية أن 60 إلى 80 % من التحسن في مستوى المعيشة يعزى إلى التقدم التقاني وأن 20% يرجع إلى تراكم رأس المال، ولذلك يمكن اعتبار التقانة عاملاً رئيسياً في التنمية" (الكواري، 44) .
وتحقيقاً لهذا التطور في البلدان المتخلفة على قاعدة التنمية المبرمجة لابد بالدرجة الأولى من إتاحة الفرص أمام إنتاجية علمية على مختلف المستويات الدراسية والبحثية باعتبار التعليم الطاقة الأساسية في امتلاك المعرفة لتوفير الطاقات البشرية الكفؤة وتوليد التقانة المتوطنة وجميعها من أساسيات استراجية التنمية الذاتية.
ويساعد توفر العناصر البشرية المؤهلة الاقتصاد على استيعاب التقنية الأجنبية، فالدولة النامية التي تمتلك رأس مال بشري مناسب تتمكن من النمو بشكل أسرع، نظراً لأنها تستطيع الانتقال إلى رتبة أعلى على سلم التقنيةويعكس هذه الحقيقة النظر إلى أعداد المشتغلين في البحث العلمي في عدد من الدول المتقدمة والنامية، فقد بلغ عدد العلماء والمهندسين لكل مليون في راوندا 12 عالماً ومهندساً عام 1985، في حين بلغ هذا العدد في اليابان 5677 عالماً ومهندساً عام 1992، وفي الولايات المتحدة الأمريكية 2685 عالماً ومهندساً لكل مليون، أما في الدول العربية فقد بلغ عدد العلماء والمهندسين 202 لكل مليون عام 1994، وفي قارة أفريقيا عموماً بلغ هذا العدد 53 عالماً ومهندساً لكل مليون عام 1994م، وفي كوريا الجنوبية وسنغافورة بلغ عدد العلماء والمهندسين 2636 و2512 لكل مليون على التوالي عام 1994م. (البازعي، 1420)
إن حيزاً هاماً من أدبيات النمو التي تركز على التقدم التقاني والاستثمار في رأس المال البشري تحاول أن تربط بينهما وفق واحد من التوجهين: (Kim & Lee 1999)
(1)                  الاتجاه التعويضي الذي يرى أن التقانة تعوض مهارات رأس المال البشري ومن ثم، فإن التقدم التقاني سيقلص الطلب على رأس المال البشري وينقص المتطلبات من التعليم والتدريب.
(2)                  الاتجاه التكاملي الذي يرى أن تقدم التقانة يغير الطلب النسبي على المهارات محولاً إياه من الطلب على العمالة قليلة المهارة إلى العمال المهرة والأكثر تعليماً ومن ثم، يزيد الاستثمار في رأس المال البشري.

المعرفة التكنولوجية والتنمية البشرية

لقد بات واضحاً أن التقدم الحاصل في التكنولوجيا والتغير السريع الذي تحدثه في الاقتصاد يؤثران ليس فقط في درجة النمو وسرعته فحسب، بل في نوعية حياة الإنسان باعتبارها مؤشراً حاسماً على وجود تنمية بشرية قابلة للبقاءفثورة التكنولوجيا ولاسيما في ميدان الاتصالات والإنترنيت، أخذت تؤثر مباشرة على تعليم الإنسان وتربيته وتدريبه، وتجعل من عامل السرعة في التأقلم مع التغير من أهم العوامل الإنتاجيةفالمجتمع الذي لا يسعى على مواكبة التطور العلمي، شأنه شأن الإنسان، سرعان ما سيجد نفسه عاجزاً عن دخول الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعرفةوالمساهمة فيهوالدول التي لم تدرك بعد أن المعرفة هي العامل الأكثر أهمية للانتقال من التخلف إلى التطور، ومن الفقر إلى الغنى، وبالمعنى التنموي للعبارة، أي فقر الدخل وفق القدرات، ستجد نفسها على هامش التحولات، بل والمتضرر الأكبر منها. (أبو حلاوة، 66)

رابعاًالمؤشرات التعليمية العربية

تعتبر الأمية سبباً ونتيجة للتخلف الاقتصادي والاجتماعي وهدراً للموارد البشرية وكمونها وسبباً من أسباب ضعف القدرة التنافسيةوفي الوقت الذي اختفت فيه الأمية في أقاليم عديدة من العالم أو أصبحت ذات معدلات منخفضة جداً، حتى في العديد من البلدان النامية، فإن المعدلات في البلدان العربية ما زالت مرتفعة الجدول رقم (5-1) بل إن عدد الأميين المطلق يزداد مع الزمنفقد تطور العدد من 49 مليون أمي وأمية عام 1970 (منهم 29 مليوناً من الإناثإلى 68 مليوناً عام 2000 (منهم 44 مليوناً من الإناث، الأمر الذي يشير إلى أن الأمية تتركز لدى الإناث).
                            الجدول (1) تطور معدلات الأمية في العالم %
الدول
1970
1980
1990
1995
2000
دول عربية
70.7
60
48.8
43.8
38.8
دول نامية
51.9
41.8
32.6
29.6
26.3
دول متقدمة
5.7
3.4
1.9
1.4
1.1
العالم
37
30.6
24.6
22.7
20.6
المصدرالمجموعة الإحصائية السنوية لليونسكو 1999 ص 7-11 وما بعد
ومن بين دول العالم الـ 199 ثمة 26 دولة ليس بها أي تعليم إلزاميلكن من بين الـ 21 دولة عربية فإن ثمانياً منها دون تعليم إلزاميوحتى عندما يكون هناك نص على هذا التعليم الإلزامي فإنه غالباً ما يكون قصير المدة جداً أو أن النص غير مطبق وخصوصاً في الريف حيث أوقات الحصاد مثلاً تستدعي غياب التلاميذ عن مدارسهم، إضافة إلى أن المدارس أصلاً بعيدة عن أماكن معيشة الأطفال، هو أمر يعود إلى سوء عدالة (أو قلة فاعليةالخريطة المدرسية.
ومن البيانات المشجعة أن أمية الشباب من فئة العمر 15-24 عاماً تقل عن معدل الأمية العام لدى البالغين من فئة العمر 15 سنة فما فوق، فقد بلغت معرفة القراءة والكتابة لدى الفئتين على التوالي للدول العربية 78.4% و61.3% عام 1999 ولكنها تبقى أقل من متوسط الدول النامية الذي بلغ على التوالي للفئتين 84.4% و73.1%. ويبين الجدول بعض المقارنات الدولية التي تظهر الفجوة العربية عن العالم.
ما زالت معرفة القراءة والكتابة لا تخص أكثر من 61.3% من سكان الوطن العربي من ذوي العمر 15 سنة فما فوق عام 1999 (مقابل 73.1% في مجمل الدول النامية). إلا أن الرقم القياسي لتطور هذه النسبة بين 1985 و1999 بلغ في الدول العربية 133 مقابل117 في الدول النامية مما يشير إلى الجهود العربية الإيجابية وإن لم تستطع تلك الجهود ردم الفجوة بين العرب والعالموبتحليل نسبة معرفة القراءة والكتابة لدى الشباب (15 - 24 عاماًنجدها أكثر ارتفاعاً منها لدى البالغين نتيجة لتوسع التعليم الابتدائي نسبياً بسرعة في الدول العربيةولكن ما زالت النسبة لدى الدول العربية مجتمعة لهذه الفئة العمرية أقل من نظيرتها للدول النامية إذ تبلغ 78.4% للدول العربية مقابل 84.4% للدول النامية.
إن معدل معرفة القراءة والكتابة لدى الشباب كنسبة من المعدل لدى البالغين يمكن أن تقدم مؤشراً على جهود توسع التعليموهي مرتفعة لدى الدول العربية 127.9% بالقياس إلى الدول النامية، حيث بلغت 115.46في مجمل الدول النامية.
أما عن الفجوة القطرية في كل من هذين المؤشرين فهي مرتفعة جداً بين أقطار الوطن العربي حيث بلغت الفجوة لدى البالغين أشدها بين موريتانيا بمعدل 41.6% والأردن 89.2%. وكذلك لدى الشباب نجد فالفجوة عالية بين البلدين، فهي في موريتانيا 50.6% وفي الأردن 99.4%. وتمثل الأرقام القياسية مؤشراً على الجهود القطرية في التغلب على ظاهرة الأميةفإذا درسنا حالة الشباب بين 15-24 عاماً فإن الرقم القياسي لمعدل معرفة القراءة والكتابة يختلف بين 105 في البحرين والأردن إلى 157 في اليمنوبالطبع فإن البلدان ذات المعدلات المرتفعة أساساً سيكون تحسن أرقامها أقل بالضرورة من البلدان الذي تنطلق من معدلات منخفضة كاليمن والمغرب والسودان.
إن الأمية الأبجدية التي نتكلم عنها لا تعفينا من الاهتمام بأنواع أجد وأخطر من الأمية هي الأمية الوظيفية، أي حالة فقدان القدرة على أداء أعمال متقنة في سوق العمل وعدم التلاؤم مع احتياجاتها أصلاً، والأمية التقانية وهي نقص القدرة على التعامل مع التقانات الجديدة والتكيف معها وخصوصاً تقانات المعلومات والاتصالات التي أصبحت اليوم سمة من سمات العالم الرقمي والذي تحتاج "الجاهزيةفيه إلى تكوين مختلف عن التكوين الذي تعودنا على رؤيته في مدارسنا.
تراوح عدد الحواسيب لكل 1000 من السكان في البلدان العربية بين 1.9 في اليمن و3.6 في السودان و7.1 في الجزائر إلى 131.9 في الكويت و135.5 في الإماراتوفيما ما بينها نجد بلدان بين 10 و30 (هي موريتانيا 10.3 والمغرب 13.7 ومصر 15.5 وسوريا16.3 وتونس 23.7). ونجد بلدان أخرى بلغ لديها العدد بين 30 و70 وهيعُمان 32.4 والأردن 32.8 ولبنان 56.2 والسعودية 62.7.
ولا تتوفر بيانات عن استعمال الحاسب في التعليم في الدول العربية إلا عن مصرفمن بيانات مؤشرات التنمية الدولية من البنك الدولي 2003 نجد أن عدد الحاسبات في التعليم في مصر قد بلغ عام 2001، 48816. وعلى سبيل المقارنة نجد أن العدد لدى ماليزيا قد بلغ 121850. وإذا نسبنا إلى عدد السكان نجد أن العدد يصبح في مصر 75 حاسب تعليمي لكل مئة ألف نسمة، بينما بلغ العدد في ماليزيا 512 أي حوالي سبعة أضعاف مصروالفرق مع البلدان المتقدمة لا بد سيكون أكبر.
لقد اهتمت الدول العربية بافتتاح الجامعات ونمت أعداد تلك الجامعات بشكل متسارع متخذة أولوية إشباع حاجات الكم وتلبية طلبات خريجي التعليم الثانويوقد تطور عدد طلاب التعليم العالي لكل مئة ألف مواطن بين 1980 و1995. ومنه نجد أن الفجوة واسعة في هذا المؤشر بين الدول العربية عام 1995 بين لبنان والكويت 2712 و2247 على التوالي إلى السودان 272 وإلى جيبوتي 22 .
وقد وصلت بعض البلدان العربية إلى ما يزيد على الأرقام المثيلة لبلدان ذات تنافسية عالية مثل سنغافورة وهونغ كونغولكن الفجوة العربية في هذا المجال كما في ميادين أخرى مرتفعةوالفجوة ضمن البلد الواحد كبيرة بين المناطق أو الزمر الاجتماعية الاقتصادية وبين الجنسينوإذا كانت نسبة الإناث في التعليم عموماً أقل من نسبة الذكور فإنها في التعليم العالي، في بعض دول الخليج، أكبر للإناث منها للذكورفإذا أخذنا بالاعتبار معدلات الإسهام في النشاط الاقتصادي الضئيلة جداً للإناث فإن جزءاً مهما من رصيد رأس المال البشري العالي لا يجد الاستخدام الكافي له، على الأقل من الناحية الاقتصادية المباشرةوليس المجال هنا للحديث عن نوعية التعليم لصعوبة الاتفاق على مقاييس مناسبة أو توافر بيانات عنها، ولكن الملاحظ أن الصلة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل والتنافسية ضعيفة إن لم تكن معدومة، فإن نسبة كبيرة من خريجي التعليم العالي هي من كليات التربية والعلوم الإنسانية. (انظر الجدول 3). كما أن التعليم يهيىء للناس أساساً لوظائف عمومية لم تعد متوافرة بالقدر السابق (نسبياً)، ومن ثم ظهور بطالة متعلمين أخذت بالشيوع في كل البلدان تقريباًإضافة إلى عدم قدرة هؤلاء المتعلمين على متابعة المتغيرات الكبيرة الحاصلة في سوق العمل من جانب وفي التقدم العلمي والتقاني وتطبيقاته من جانب آخروهو مظهر آخر من مظاهر الهدر في رأس المال البشري وأحد مفسرات تراجع الإنتاجيةوثمة مؤشر آخر عن صلة التعليم بالتشغيل يمكن أن يكون نسبة القيد في التعليم الثانوي الفني بالقياس إلى التعليم الثانوي إجمالاً أو بنسبة القيد (أو الخريجينفي الكليات العلمية والتقانية بالقياس إلى مجمل التعليم العاليوكلا المؤشرين ضعيف في المنطقة العربية.
من المعروف أن حظ المرأة يختلف عن حظ الرجل في العديد من عناصر التنمية البشريةففيما عدا تميز الإناث بتوقع حياة مرتفع، أعلى من توقع الحياة لدى الذكور في كل بلاد العالم تقريباً، وما عدا التحاقها بالتعليم العالي بمعدل يفوق الذكور في العديد من دول الخليج العربي على وجه الخصوص، فإن نصيب المرأة في بقية المؤشرات يقل عن نصيب الذكرمن المعروف القول أن المرأة في الوطن العربي، باختلاف بين أقطاره، تُعاني من الأمية أكثر من الرجلوإذا كان عدد الأميين قد ازداد خلال العقود الأخيرة، فإن معظم هذه الزيادة هي بين النساءويبين الجدول (4عدم التكافؤ بين الجنسين سواء في معدلات معرفة القراءة والكتابة أم في معدلات التمدرس لمختلف المراحلوإذا كان نصيب المرأة بالقياس إلى الرجل مرتفع في بعض الأقطار العربية، والخليجية منها على الخصوص، فإن الحال في بقية البلدان يميل إلى إبراز حرمان المرأة من فرص التكوينفعلى سبيل المثال إن حظ المرأة في الخلاص من الأمية في اليمن لا يصل إلى %40 من حظ الرجلوإن كان الأمر قد تحسن إذا أخذنا لا أمية الشبابأما عن التعليم العالي، فإن حصة الفتاة أعلى من الشاب في عدد من الدول العربية وليس الخليجية فقط مثال الأردن ولبنان (الجدول 5) مع ذلك فإن الفجوة واسعة في العديد من الدول العربية.
لا يحظى التعليم قبل الابتدائي باهتمام كبير في الدول العربية إذ يتراوح عدد المدارس بين 33617 في المغرب و7541 في السودان و2367 في مصر إلى في جيبوتي وفي عُمانوفي معظمه يتم في مدارس خاصة بالأقساط مما يجعله متحيزاً باتجاه الطبقات القادرة على الدفع أو تلك التي تضع تعليم أبنائها في أولوية مرتفعةوإذا كان هناك تمركز للإناث في الهيئة التعليمية كما هو متوقع في هذا المستوى من التعليم فإن اشتراك الفتيات في التسجيل فيه يكاد يقارب الـ 50% من جملة التلاميذ المسجلين بل وتتجاوز نسبتهن الـ 50%في عدد من البلدان (جيبوتي والصومالوتبلغ النسبة في عمان 46% عام 1997/1998 (يونسكو 99 ص 11 - 65+). ويبين الملحق (6أن نسبة طلبة التعليم قبل الابتدائي إلى طلبة التعليم الابتدائي متواضعة في أحسن الحالاتفهي في لبنان 430 طفل برياض الأطفال لكل ألف تلميذ في الابتدائي، وفي الكويت 383 والمغرب 262 وتصل إلى فقط في الجزائر وجيبوتي وإلى 4 في اليمن وفي موريتانيا.

التوصيات

حيث أن التعليم له دور أساسي في عملية التنمية البشرية فلابد من إتاحة الفرصة أمام كل إنسان لتنمية قدراته التربوية، ومن أهم الشروط الضرورية لإتاحة حق الإنسان في الثقافة والتعليم:
1-     حق التعليم للجميع لأنه من حقوق الإنسان الأساسية في الحياة، وإتاحة الفرصة لكل فرد في تنمية طاقاته من خلال مؤسسات الثقافة والتعليم.
2-     إشاعة الحرية في المؤسسات الثقافية والتعليمية وترسيخ أسس الحوار الديمقراطي، ضماناً لرفع الكفاءة في العمل وتجديده وتطويره.
3-     القضاء على الأمية، لأن الأمية تعتبر عائقاً من عوائق التنمية والتجديد فهي ميدان للتفكير المتعصب والخرافي والسلطوي.
4-     التأكيد على سنوات التعليم الأساسي للجميع والتوسع والتنوع في مؤسسات التعليم الثانوي والجامعي والعالي لمواجهة مطالب سوق العمل.
5-     التركيز على مبدأ التعليم المستمر مدى الحياة والإعداد للتعلم الذاتي مما يساعد الإنسان على التكيف مع واقعه حيث يصبح فاعلاً لا مجرد تابع أو مستقبِل فقط.
6-     ترسيخ المساواة والتقدير لكل فروع المعرفة الإنسانية وخبراتها سواء كان عملا ذهنيا، عمليا، تنظيميا، فنيا، إنتاجيا، تعليميا أو جماليا.
7-     التقدير المتكافئ لمختلف الأنشطة المجتمعية وتكاملها، لأن الإنسان كائن مركب من طاقات مختلفة بدنية،عقلية، اجتماعية، روحية،وجدانية وتنمية هذه الطاقات يتطلب الوفاء باحتياجاتها البيولوجية والجسمية والمعنوية. وواقع تعليمنا يركز على الإنسان الجزئي عن طريق تلقين وحشو الأذهان بالمعلومات.


المراجع


-1 أحمد أمين بيضون:"الاقتصاد السياسي وقضايا العالم الثالث في ظل النظام العالمي الجديد"ط2،1998، بيسان للنشر والتوزيع بيروت ص410
2- أحمد علي الحاجالتخطيط التربوي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1992
-3 أحمد مندور وأحمد رمضاناقتصاديات الموارد الاقتصادية والبشريةمكتبة المعارف الحديثةبيروت,1990,ص337.
-4   أوريان فيرسبور"تطوير العلمأولويات التسعيناتالتحويل والتنمية مج 27عدآذار 1990-ص20.
5- اولسون، لين، ثورة في التعليم من المدرسة إلي العمل،(ترجمةشكري عبد المنعم مجاهد)،القاهرةالجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العمالية،2000
-6  برنامج الأمم المتحدة الإنمائيتقرير التنمية البشرية لعام 1991
7-  تيودور شولتزالتعليم العالي والنظام الدولي الجديد، ترجمة مكتب التربية العربي لدول الخليج، السعودية، 1980.
-8  جورج المصريمشكلة البحث العلمي في الوطن لارعبي، الحالة الحامعية، مستقبل العالم الإسلامي، القاهرة، 1994.
9-   حمد بن سليمان البازعيإذا أردت اقتصاداً نامياً؛ فتش عن التعليممجلة التدريب والتقنية، عدد (5)، جمادى الأولى 1420هـومنشور على الموقع http://bab.com.sa/articles/full_article.cfm?id=2076
10-  سليمان الخرابشةالاستثمار في رأس المال البشريالتعليم والتدريب في الأردن، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، 1996.
11- سهيل الحمداناقتصاديات التعليم، تكلفة التعليم وعائداته، مؤسسة رسلان علاء الدين، دمشق، 2002.
12- علي خليفة الكواري "مفهوم الديمقراطية المعاصرةالمستقبل العربي، عد 168شباط 1993،ص 44.
13-  كامل رشيد التلأثر التعليم على النمو الاقتصاديحالة الأردن، رسالة ماجستير، الجامعة الأردنية، عمان، 1991
14-    كريم أوبو حلاوةأين العرب من مجتمع المعلومات، مجلة دراسات استراتيجية، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، جامعة دمشق، العددان 17-18، 2006
-15  كون، توماس، بنية الثورات العلمية،(ترجمةشوقي جلال)، القاهرةالهيئة المصرية العامة للكتاب، 2003.
16-   ليلى العطاسدور التخطيط التربوي في رفع كفاءة التلعيم الابتدائي للبنات في السعودية، نادي مكة الثقافي الأدبي، مطابع اصفا، السعودية، 1988.
17-    ما كجين،نويل ف، "أثر العولمة علي نظم التعليم الوطنية"(ترجمةمجدي مهدي)،
-18  مجد الدين خمشالدولة والتنمية في إطار العولمةتحليل سوسيولوجي لأزمة التنمية العربية ودور الدولة في تجاوزها، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 2004
19-  محمد صالح أحمد نبيهالمستقبليات والتعليمدار الكتاب العربي القاهرة ودار الكتاب العربي بيروت,2002,ص62 
-20 محمد علي حواتالعرب والعولمة، شجون الحاضر وغموض المستقبل، مكتبة مدبولي، مصر، 2002.
21-    المشيقح، عبدالرحمن بن صالح، الثبات والتغير في منهج مدرسة المستقبل"، ورقة عمل مقدمة إلي  ندوة  مدرسة المستقبل، جامعة الملك سعود ـ كلية التربية، 23:22 ديسمبر 2002.
22-   نبيل عليثورة المعلومات,الجوانب التقانيةفي كتاب العرب والدولة-م.د.ص.ع,بيروت198 .
-23   وتشليدا، دونا، وآخرون، إعداد التلاميذ للقرن الحادي والعشرين، (ترجمةمحمد نبيل نوفل)، دمشقالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،1998


1-   Bartel, A.P. and N. Sicherman, 1998. Technological Change and the Skill Acquisition of Young Workers. Journal of Labour Economics, October 16(4), pages 718-755.
2-   Halsey, A.H, & others, Education, Culture, Economy, Society, Oxford; Oxford University Press, 1997. 
3- Holm-Nielsen and Lauritz B., Challenges for Higher Education Systems, Presented at, International Conference on Higher Education Reform, Jakarta August 15, 2001; online; http://www1.worldbank.org/education/tertiary/documents/HE/conference/Indonesia.pdf
4- Kim, S.J. and Kim J.J., 1999. Growth Gains from Trade and Education. IMF Working Paper, WP/99/23, March, Page 279.
Knight, T.B & R.H. Sabot (1990). Education, Productivity and inequality, World Bank, Washington D.C.



[*] يود الباحث أن يتوجه بجزيل الشكر لكل من أسهم في إعداد هذه الورقة ويخص بذلك الأخ صالح برور أمين الشؤون الثقافية في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والأخ طعمة الجوابرة أمين العلاقات الخارجية في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب؛ والأخ عدنان درويش أمين السر العام في الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية والأخ عاصم خلاف مدير مكتب أمين السر العام في الاتحاد للمساعدة القيمة  والمتابعة والتشجيع الذي أسهم في إتاحة الفرصة لإعدادها. وكذلك الزميلة منال عيسى للمساهمة المعتبرة في طباعة الورقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق