رهانات الدولة الليبية بين الهشاشة والقوة
ليبيا المستقبل - 30/3/2016 - محمود أحمد زاقوب
مع تطور التجمعات البشرية واحترافها الصيد والرعي والزراعة والصناعة على التوالي بعد أن تركت الجمع والالتقاط، تطورت وبشكل تلقائي علاقاتهم الاقتصادية والاجتماعية، مما أظهر الحاجة إلى الاستقرار ومن ثم الاستثمار الأمثل للأرض الذي ألزم الحاجة إلى تنظيم مجمل هذه الجهود في إطار تلك العلاقات وجميع هذا أبرز الحاجة إلى وجود السلطة والتي هي رمز الدولة وجوهرها.
مع ارتباط الإنسان بالأرض شعر حاجته الملحة لتنظيم علاقاته بالأخر ومن ثم إلى قوانين تحكمه داخلياً هنا برزت الحكومات، عندها تحددت الأرض وبالتالي سميت الدول وظهرت لها قومية وجنسية وسيادة داخلية وخارجية، هنا كان لابد للدولة من سلطة الإكراه المادية، وفي هذا السياق يقول هارولد لاسكي "الدولة تقف فوق كل المصالح الضيقة في المجتمع وتستخدم قوتها الإكراهية لصالح المصلحة العامة الدائمة التي نعيش معاً من أجلها".
إن وجود الدولة ناشي عن حاجات الإنسان في الحياة، بل يعتبر أرضاء حاجات الإنسان الاقتصادية هو السبب الرئيسي لوجود الدول، بل أن استمرار الدولة يرتكز على حقيقة مفادها بأن لا غنى عنها للحياة الطيبة المستقرة والمفعمة بالرخاء والنبل.
• قوة الدولة
قد نتفق أو نختلف مع السيد شومان الذي يقول عن سيادة القوة للدول بأنها العملية التي يتسابق الناس فيها للسيطرة على وسائل الامتيازات والتلاعبات والقوة التي هي روح الحكم وجوهره، بل أن السيد دونكمان ذهب أبعد من ذلك بكثير حيث أعتبر بأن السياسات كلها سياسات قوة، أما ميكافييلي في كتابه الأمير فأنه يمجد القوة ويعتبرها الهدف الأسمى والأول للدولة.
إن أهم صفة من صفات الدولة هي القوة وبالذات القوة العسكرية والأمنية، كما أن كل القوانين الدولية لا تعطي لذي الحق حقه إلا إذا كان صاحب الحق يملك قوة كافية تغنيه عن القوانين.
تنبأ راتزل باضمحلال قوة القارة الأوروبية في السياسة العالمية في القرن العشرين وهذا ما كان، كما تنبأ بأن أمريكا والاتحاد السوفيتي "سابقاً" هما المرشحان بالهيمنة وهو ما تم إثباته إبان الحرب الباردة، أما صمويل هنتنغتون يؤكد حدوث تغيرات وتبدلات تدريجية وجوهرية في توازنات القوى الدولية، حيث تنبأ باضمحلال القوة الغربية، وسيحمل هذا التقهقر السمات التالية:
- نهوض القوى الغربية أستغرق أربعمائة عام فأن التقهقر ربما سيستغرق نفس المدة وبذلك ستكون العملية بطيئة.
- إن الانهيار لا يتبع خطاً مستقيماً.
- موارد القوة وصلت ذروتها في القرن العشرين وبدأت في الهبوط.
• مبادئ دراسة قوة الدولة:
- لا وجود للقوة المطلقة أو الضعف المطلق للدولة، حيث جوانب القوة والضعف تتوزع بمنحنيات عدة، وكذلك توجد عناصر إيجابية عدة طبيعية وبشرية تعمل وفق مراحل التطور السياسي للدولة، لذا فأن المحصلة النهائية لموقف الدولة وقوتها قابل للتغير نحو القوة أو الضعف وهنا يبرز دور التخطيط السليم لمواجهة جوانب الضعف وتعزيز جوانب القوة.
- أن الدراسة التحليلية لموضوع قوة الدولة يفترض به أن لا يختفي خلف الأرقام والإحصائيات الخاصة بالعناصر البشرية والطبيعية للدولة، حيث هنالك دائماً صعوبة في تحديد ثقل وزنها في قوة الدولة.
• التحليل الموضوعي لقوة الدولة:
- القوة المورفولوجية Morphological power: وتستمد من الحجم والشكل والموقع والمظاهر الطبيعية للدولة.
- القوة الديموغرافية Demographic power: وتستمد من عدد السكان ومهارتهم وتركيبتهم السكانية وصفاتهم الصحية والمعنوية والوطنية.
- القوة الاقتصادية Economic power: وتستمد من القوة التجارية للدولة والقدرة على استغلال مواردها الاستغلال الأمثل ومدى انتشار التكنولوجيا بها ومدى التحكم في ميزانها التجاري.
- القوة النظامية Organizational power: وتستمد من استقرار الحكومات ووضوح مستوياتها والإدارات التابعة لها وأدائها في الداخل والخارج.
- قوة العلاقات الخارجية External power From Relation Ship: وتستمد من العلاقات الدولية بما في ذلك عضويتها في التنظيمات الدولية والأحلاف ومركزها الدولي.
الشكل العام للدولة الليبية
• طروحات تخطيطية لضبط قوة الدولة الليبية
- استغلال محددات العملية السياسية:
أن فقدان الثقة والخلافات بين الفرقاء السياسيين الليبيين وذلك بالتعامل بشكل مريب ملؤه الشك أنعكس على آلية قوة الدولة الليبية، حيث تزايد النزعة الإقليمية والجهوية وذلك بالتركيز على القضايا المناطقية و تضخيمها على حساب القضايا والمطالب الوطنية، الأمر الذي أسهم في ظهور قوى إقليمية وعقائدية استفادت من ضعف الدولة الليبية، لذا وجب وضع إستراتيجية واضحة المعالم تحفظ وتحقق على المدى القريب والبعيد هيبة وقوة الدولة الليبية وتسمح بمناخ للاختلاف السياسي بعيداً عن الخطر الداهم للأمن الوطني الليبي.
- ترتيب أسبقيات مفردات قوة الدولة:
بإستقراء مكونات مشهد قوة الدولة الليبية كما سبق طرحها يمكن توجيه عمليات تعزيز قوة الدولة من ضبط للاختلالات الحادثة في مفرداتها المختلفة وذلك بزيادة تقوية مفردات وعوامل القوة والتركيز على عوامل الضعف بمعرفتها وفرزها وتعزيز المفاصل الضعيفة بها.
- تعزيز البعد الديموغرافي للدولة:
القوة الديموغرافية تعتبر الأس الأول في مفردات قوة الدولة، حيث نجدها تؤثر وبشكل واضح في كافة المفردات الأخرى، لذا كلما كانت الروح المعنوية والحس الوطني عالي لدى الشعب وبالتالي لدى الساسة كان الحرص على الإعلاء من هيبة الدولة وقوتها.
أن قوة الدولة تحقق سيادتها وذاتها، وضعفها يزيد من طمع القوى الإقليمية والدولية والجماعات الطامحة لتحقيق أجنداتها الخاصة، كما أن علاقات الدول هي علاقات قوة ولا يمكننا تجاهل حالة الصراع من أجل بناء القوة بين الدول، إن الحالة التي تمر بها ليبيا تحتاج من جميع الليبيين وعلى مختلف مستوياتهم معرفة إختلالات هياكل ومفردات قوة دولتهم، حتى لا تعصف رياح الضعف والهزال بليبيا الحبيبة، حفظ الله ليبيا.
د. محمود أحمد زاقوب Zagob1@yahoo.com
الهوامش والمراجع:
- دراسات في الجغرافيا السياسية ، فتحي محمد أبوعيانة، دار النهضة العربية، بيروت، 1983.
- الجغرافية السياسية، أبوالعلاء عبدالمنعم الزوي، إدارة الكتاب والنشر، طرابلس، 2008.
- جغرافية ليبيا البشرية، محمد المبروك المهدوي، المنشأة الشعبية للنشر، بنغازي.
- المدخل في علم السياسة، موريس دوفرجيه، دار النور، بيروت، 1991.
- تريفور تيلر، العلاقات الدولية، ترجمة، عبدالعزيز عروس، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1985.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق