مقومات التنمية الزراعية ومحاورها الأساسية بمنطقة المرج
د. فضل الله محمود المهدي الطلحي
جامعة بنغازي - كلية الآداب والعلوم المرج
قسم الجغرافيا
مجلة العلوم والدراسات الإنسانية - المرج - مجلة علمية الكترونية محكمة - العدد الأول - المجلد الأول لسنة 2013م - ص ص 130 - 145 :
مقـدمــة :
تلقى برامج التنمية الزراعية اهتماماً كبيراً من قبل الدول النامية لكون غالبية سكان هذه الدول يعيشون ويعملون في مجتمعات ريفية زراعية, ولأن تطور وتقدم هذه الدول بصورة شاملة يعتمد بالأساس على النهوض بهذه المجتمعات .
وإذ كان التوسع الأفقي في الأراضي الزراعية , يشكل واحداً من أهم الأهداف القومية للتنمية الشاملة , لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الغذائية المطلوبة لمواجهة الزيادة المتنامية في أعداد السكان في ليبيا في ظل التناقص المستمر في الرقعة الزراعية نتيجة الزحف العمراني العشوائي على الأراضي الزراعية , فأن ذلك يستدعي الاستغلال الأنسب للموارد الأرضية المتاحة والموارد المائية ومصادرها المتنوعة .
أهميــة الدراســة :−
أن مقترح السياسة التخطيطية يعتمد بشكل رئيسي على استثمار الموارد المتاحة في المنطقة بطريقة علمـية تنسجم مع أهداف استثـمار الأرض, وتأتي أهمية هذه الدراسة من الأهمية الكبيرة التي يمثلها النـشاط الزراعي في توفير كل من الغذاء وفرص العمل والدخل سواء على مستوى منطقة المرج أو على مستوى ليبيا عامة , وخاصة في ظل الزيادة المستمرة في عـدد السكان والـتي تؤدي بالضرورة إلى زيادة الطلب على الغذاء مما يتطلب ضرورة التوسع في إنتاج المحاصيل الزراعية من خلال التخطـيط العلمي والاستثمار الأمثل للأرض في ضـوء معطيات التقنية المعاصرة , إلى جانـب زيادة المساحات المزروعة من خلال عمليات استصلاح الأراضي الجديدة , إضافة إلى التوسـع الراسي برفع متوسـط إنتـاجية الوحدة المساحية وتحديد انسب المحاصيل التي توفر أعلى معدلات للإنتاج , لـذا فأننا في هـذه الدراسة نحاول تقديم صـورة لمستقبل الاستثمار والتـنمية الزراعية بمنطقة المرج بمقوماتها الطبيعية والبشرية والتي تجعل منها أهم المناطق الزراعية بليبيا .
تتطلب هذه الدراسة الإجابة على التساؤلات التالية :
- كيف يمكن المحافظة على مساحة الرقعة الزراعية المستصلحة ً حاليا.
- ماهي سبل استثمار وتوسيع مساحة الرقعة الزراعية بالمنطقة.
- كيف يمكن تنمية ورفع معدلات الإنتاج والإنتاجية الزراعية.
مناهج وأساليب الدراسة :
اقتضت طبيعة موضوع الدراسة استخدام المنهج الإقليمي وذلك لتحديد منطقة الدراسة في إطـار منطقة المرج ,كما استخدم المنهج الأصولي لتتبع العوامل الطبيعية والبشرية المؤثرة في العمليات الزراعية , والمحددة لحجم الإنتاج والإنتاجية, وإمكانيات التوسع الأفقي للمساحات المزروعة . أما فيما يخص الأساليب والمصادر المستخدمة لتحقيق هذه الدراسة فقـد تنوعت بين الأسلوب الكمي الإحصائي , إضافة إلى بيانات الدراسة الميدانية والمقابلات الشخصية والتقارير والنشرات الحكومية المنشورة وغير المنشورة.
أولاً: المقومات الجغرافية المؤثرة في الزراعة بالمنطقة
تتمثل المقومات الطبيعية في الموقع ومظاهر السطح ثم المناخ والموارد المائية والتربة:
أ− الموقع ومظاهر السطح: تقع منطقة الدراسة في الجزء الشمالي الشرقي من ليبـيا وهى جزء من إقليم الجـبل الأخضر بين خطى طول 35َ . 2ْ0,00 - 2ْ1 شرقاً ، 38 ,°32 - °32 شمالاً ، ويحدها شـمالاً منطقة طلميثة وجنوباً منطقة الخروبة , أما شرقاً فتحدها منطقة البياضة وغرباً تحدها منطقة العقورية شكل (1)
ويمكن تقسيم منطقة الدراسة إلى المظاهر التضاريسية التالية :
المصطبة الأولى:
يمثلها سهل المرج بمتوسط ارتفاع يصل إلى 320 م, ويصل طول حوض المرج من الغرب إلى الشرق 5 كم ومتوسط اتساع 30كم . يقطع المصطـبة عدد من الأوديـة الخانقة ينجح بعضها في عبور السهل والوصول إلى البحر كوادي السلايب جنوب منطقة العقورية, ومعظمها تنتشر مياهها وتتـوزع رواسبها في السهل مكونة ما يسمى بالمراوح الرسوبية {الفيضية} .
ويعد سهل المرج بامتداده وخلوه من العوائق الطبيعية المعرقلة لمد الطرق, منطقة مؤهلة لاستقرار السكان بأعداد كبيرة مع سهولة انـتقال الأفراد والمنتجات الزراعـية , وهي عوامل ساهمت في استصلاح مساحات واسعة من الأراضي الزراعية (محمد المبروك المهدوي,1995, ص35)
المصطبة الثانية : تبدأ الحافة الثانية عند نهاية المصطبة الأولى, وهي أقل ارتفاعاً وامتداداً من الحافة الأولى ,إذ يبلغ ارتفاعها 120م عن سطح المصطبة الأولى , وتتصف هذه الحافة ببساطة انحدارها وقلة الأودية التي تقطعها, وتبدأ المصطبة الثانية عند قمة هذه الحافة , ويتراوح ارتفاعها ما بين 600 –420 م فوق هذا السـطح إذ يصل ارتفاعها إلى 400م تقريباً فـي تاكنس و460م في منطقة البياضة وتصل إلى أكثر من 600 م في مرتفع جردس. ونظراً لصعوبة استغلال مساحات واسعة من أراضي هذه المنطقة في إنتاج المحاصيل الزراعية نتيجة لوعورتها وانـجراف تربتها فقد استغل جزء كبـير منها كمراع تستثمر في مجال تنمية الثروة الحيوانية لتنوع الغطاء النباتي واتساع مسـاحة مراعيها. وتؤثر أشكال السطح بشكل مباشر في النشاط الزراعي من خلال تأثيرها في مجالات استثمار واستصلاح الأراضي الزراعيـة وتحديد النمط الزراعـي السائد تبعاً لاختلاف المنسوب ودرجات الانحدار ومدى المواجهة لكل من الشمس وكميات الأمطار إضافة إلى تأثيرها في أساليب الاستخدام الزراعي المتبعة مـثل حجم الاستعانة بالمعدات الزراعية ووسائل النقل التي تعمل في مجال خدمة الزراعة .
ب – الأحوال المناخية :
يعد المناخ من أهم العـوامل الطبيعية التي تؤثر في الزراعة وأكثرها تحكماً فيها إذ للمحاصيل متطلبات مناخية معينة تستجيب لها سواء في تحديد نوع المحاصيل المزروعة أو في تحديد طبيعة العمليات الزراعية التي تتطلبها, كما يظهر تأثيرها في الإنتاج الزراعي من الناحـيتين الكميـة والنوعية.
وتعد الحرارة والأمـطار والرياح أبرز العوامل المؤثرة في النشاط الزراعي بمنطقة المرج , إضافة إلى تأثير عوامل سطوع الشمس ومظاهر التكاثف والتبخر.
درجة الحرارة : بدراسة بيانات الجدول (1) يتضح أن المعدل السنوي لدرجة الحرارة في محطة المرج يبلغ 18.9م°, وأعلى متوسط شهري لدرجة الحرارة في شهر يوليو وأغسطس وسبتمبر بسبب ارتفاع درجات الحرارة في هذه الـشهور إذ يصل المتوسط الشهري لها إلى 24.5 م−26.1 م−25م على الترتيب , بينما يمثل شهر يناير وفبـراير أقل شهور السنة من حيث انخفاض درجة الحرارة .
ويمكن القول أنة من الطبيـعي أن التنوع المحصولي الفصلي والنوعي والكمي في منطقة المرج يحدث نتيجة لخصائص درجات الحرارة ,حـيث تتوقف إنتاجية الأراضي الزراعية من المحاصيل المختلفة على مدى سيادة درجات الحرارة الأنسب لزراعة كل منها خلال موسـم النمو الزراعي , فتتسبب الانحرافات في درجات الحرارة الموجـبة والسالبة عن المعدلات الأنسب للنمو في انخفاض إنتاجية المحصول (محمد محمد كذلك , 2000 , ص27)
الخلاصة
يتضح من دراسة مقومات منطقة المرج الطبيعية ممثلة في الموقع ومظاهر السطح والمنـاخ بعناصره المختـلفة والتربة وموارد المياه , إضافة إلى مقوماته البشرية الإمكانيات الزراعية الكبيرة ودورها في مجال التنمية الزراعية, جملة من النتائج والتوصيات نوجزها فيما يلي :−
أولا: النتائج :
1 – يتبين من دراسة المقومات الطبيعية والبشرية الإمكانيات والمقومات التي تؤهل المنطقة للتنمية الزراعية والتوسع الأفقي لمساحات الأراضي القابلة للزراعة والتي يمكن أن تستثمر زراعياً بعد إزالة العقبات التي يمكن أن تؤثر بها , ويقدر إجمالها بنحو 16498 هكتار .
2− تتعد المشكلات التي تواجه النشاط الزراعي وتهدد مساحات الأراضي الزراعية بالمنطقة والتي من أهمها المشكلات المرتبطة بعملية تنمية النشاط الزراعي كتوزيع الحيازات ومساحتها ونمط الملكية الزراعية والعمالة والنقل والتسويق , إضافة إلى جوانب أخري أكثر تأثيراً علي النشاط الزراعي بالمنطقة أهمها ما يلي :
أ – مشكلات الزحف العمراني على الأراضي الزراعية والتي تفاقمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بحيث قضت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قدرت بنحو 370 هكتار فيما بين عامي 2013− 2011.
ب – الإفراط في استخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية دون وجود برامج ترشيد زراعي تبين أهميتها ومخاطرها , فنحو 90 % من عينة الدراسة تستخدم الأسمدة الكيميائية دون الإلمام بحجم مخاطرها على البيئة والتي أدت إلى تلوث حوالي 380 هكتار بمنطقة العويلية .
ج – نحو 65 % من عينة المزارعين تستخدم أساليب الري التقليدية (الري بالغمر) والتي تؤدي إلى استنزاف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية نتيجة ارتفاع معدلات الأملاح بها .
هـ − غياب دور المرشد الزراعي فنحو 90 % من عينة المزارعين لا تستعين بخدمات المرشد الزراعي ودورها في تنظيم العملية الزراعية.
و – يشكل تفتت الحيازات الزراعية أخطر المشاكل التي تهدد مساحات الأراضي الزراعية بالمنطقة في السنوات الأخيرة , خاصة مع بروز النزاعات العائلية والقبلية على ملكية الأراضي الزراعية , فنحو 60 % من حجم عينة الدراسة يطالبون بإعادة توزيع مساحة الحيازات الزراعية وهو ما يؤدي في النهاية إلى تفتت مساحات واسعة من الأراضي وما يصاحبه من صعوبات تتعلق بإدخال الميكنة الزراعية بالحيازات قزميه المساحة , إضافة إلى استنزاف مساحات ليست بالقليلة تستغل في مد الحدود الأسيجة الجديدة.
ز – أن بروز بعض المشكلات الطبيعية كانجراف التربة وتذبذب معدلات الأمطار المصدر الرئيسي للري بالمنطقة (مساحة الأراضي البعلية التي تروى بمياه الأمطار 92565 هكتار بنسبة 79.4 % من جملة مساحة الأراضي الزراعية بالمنطقة) ساهم بدوره في تحديد حجم الإنتاج والإنتاجية الزراعية.
ثانيا: − التوصيات :
1 – تتعدد سبل ووسائل تنمية الإنتاج والإنتاجية الزراعية , وتبدا بعملية توعية وإرشاد المزارعي بالسبل الحديثة للزراعة كاستخدام وسائل الري الحديثة والبذور المحسنة , وتوفير الأدوية والمبيدات , وتنمية مصادر المياه السطحية والجوفية وترشيد استغلالها بما يوظفها في ري المساحات المزروعة خاصة في موسم الزراعة الصيفي .
كما أن تدخل الدولة في تنظيم العملية الزراعية بدأ بتحديد نوع المحاصيل المزروعة وطريقة زراعتها وحصادها وتخزينها ونقلها وتسويقها إلى غير ذلك من العمليات المرتبطة بالنشاط الزراعي يساهم مساهمة فعالة في تنمية النشاط الزراعي بالمنطقة .
2 − تعزز التنمية الزراعية المستدامة نوعية البيئة وقاعدة الموارد التي تعتمد عليها الزراعة , وتوفير احتياجات الإنسان من الـغذاء وتحسين نوعية الحياة للمزارعين والمجتمع ككل , ويتوقف نجاح استدامة التنمية الزراعية في أي إقليم أو منطقة على التقييم الدقيق للموارد الطبيعية خاصة التربة وموارد المياه والأحوال المناخية والصفات الوراثية للمحاصيل , بالإضافة إلى تقييم العوامل المحـددة للاستخدام الأنسب لهذه الموارد خاصة التـكنولوجيا المتاحة وحجم الـسكان والظروف الاقتصـادية والاجتماعية والسياسية.
المراجع :
1− أمحمد عياد مقيلي , استعمالات الأراضي الزراعية وأثرها على البيــئة , العلوم الجغرافية وحماية البيئة, الملتقي الجغرافي الأول, الجزء الثاني , جامـعة السابع من أبريل, الزاوية , ليبيا, 1993 .
2 − الصديق محمد العاقل , وآخرون, تلوث البيئة الطبيعية, منشـورات الجامعة المـفتوحة, الطبـعة الأولى, طرابلس, ليبيا,1990.
3 – ريما جمال فرج , التصحر في سهل المرج , رسالة ماجستير غير منشورة , جامعة قاريونس ,بنغازي , ليبيا, 2007 .
4 − علي محمد فارس , سناء رشيد الصادق , دراسة أولية حول نسـبة الأراضي غير المستـغلة في مزارع الجبل الأخضر , مجلة الآداب والعلوم , العدد الثالث, السنة الثالثة, جامعة المرج, ليبيا,1999.
5 − محمد إبراهيم حسن , مظاهر التوسع الزراعي في سهل المرج , بحث مقدم إلى المؤتمر الجغرافي الثاني , جامعة قاريونس , بنغازي ليبيا, 1975 .
6 − محمد الفتحي بكير , التخطيط الإقليمي , دار المعرفة الجامعية , الإسكندرية, 2007 .
7− محمد المبروك المهدوي , جغرافية ليبيا البشرية, منشورات جامعة قاريونس , بنغازي , ليبيا ,1995 .
8− محمد محمد كذلك , زراعة القمح , منشأة المعارف , الإسكندرية , 2000.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق