المشهد منفذ للدراسة الجغرافية والمسح بالعينة
نور الدين الزيتوني
الحوار المتدن - العدد 4440 - 1\ 5 \ 2014 م
تقديم
يعتبر المنظر أو المشهد الجغرافي أهم مرحلة للدراسة، ويختلف مفهومه باختلاف زاوية التخصص؛ فهو نظام بيئي وواقع طبيعي تؤثر فيه العوامل الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، ووليداً لتوازنات لعلاقة التفاعلية بين المعطى البشري والعناصر الطبيعية.
وتعد الإستمارة المرحلة الثانية والأساسية لتجاوز المستوى الوصفي والشروع في تحليل عينات تجريبة (عشوائية أو منظمة...) من الميدان والمشهد الجغرافي، وعلى أساسها يتم ضبط وقياس وتحسس الظاهرة الجغرافية. كيف تطور مفهوم المشهد الجغرافي؟ وكيف يمكن للجغرافي أن يأخذ بهذه الدراسة كأساس لطرح إشكالية بحث ومعالجتها ارتكازاً على المشهد كموضوع؟ وما هي أنواع العينات؟ وما مبررات اختيارها؟.
أولاً: صيرورة تطور مفهوم المشهد الجغرافي
لقد تأسست الجغرافيا وتطورت خلال المائة والخمسين عاما الماضية على جملة من المفاهيم كرست ما أسماه البعض "تقاليد" الجغرافيا. وتتوزع هذه المفاهيم إلى ثلاث نظمات وهي: أولاً الطبيعة والثقافة والمشهد؛ ثانياً الإقليم والمكان والحيز؛ ثالثاً المجال (الجغرافي) والزمان والمكان. إن تناول مفهوم المشهد باعتباره موضوعاً، للبحث يقتضي وضعه في سياقه التاريخي لما في ذلك من فوائد معرفية، يهمنا في هذه الورقة العلمية محاولة استجلاء صيرورة ذلك المفهوم إنتاجاً واستعمالاً (بلفقيه، 2002).
يمكن التمييز بين مسلكين حاولوا تفسير العلاقة بين الإنسان ومحيطة الطبيعي؛ الأول حصر العلاقة في نطاق ضيق ومحدود وآل إلى الحتمية المتطرفة، ابتداء من "إلين سمبل (1863-1932)" التي ربطت عقيدة التوحيد والبيئة الصحراوية، ومرورا "بمالتوس" الذي شبه العلاقة بين الموارد الطبيعية والنمو الديمغرافي بمتتالية حسابية ومتتالية هندسية لتفسير التوازن عبر الكوارث والأوبئة والحروب، وانتهاء بالماركسيين الذين، لا ينفون وجود قوانين طبيعية، جعلوا فوقها قوانين التراكم الرأسمالي. أما الثاني فهو مسلك التأليف الذي اتخذ من المشهد موضوعا علميا للمادة التي تسعى اليوم أن تتخذه جسراً بينها وبين العلوم الأخرى.
يمثل "المشهد" إحدى المقولات الكبرى. وهو يبقى الجامع المشترك لكل تعاريف المادة رغم تعددها وتنوعها، حتى إن هناك من يزعم اليوم بأن الجغرافيا هي "علم المشاهد" بعدما أتضح أن للمشهد مزايا هامة: فهو يمنح الجغرافيا موضوعاً، وهو مفهوم يوحدها، ويستجيب لمعنى التأليف والتركيب الذي هو عادة الجغرافيين، كما يستجيب لاهتمام الجغرافيا بالمسائل العينية والملموسة وإغتنائها بالملاحظة الميدانية وإدراك "الواقع الجغرافي" إدراكاً مباشراً، فضلاً على أن المشهد يجسد الأشكال، أشكال التضاريس والتشكيلات النباتية... (Pinchemel et G., 1992) وعليه أفلا يكون المشهد ضالة الجغرافيين؟ (Beroutchavili et Rougerie, 1991).
وفي نفس الإتجاه هناك من قال بأن "المشهد هو الموضوع الأساسي للبحوث الجغرافية" (George P., 1998)؛ و"ما مت بصلة للإنسان في المشهد فهو الموضوع الأول للجغرافيا البشرية" (Gourou.P., 1972) بينما بنى بعضهم الآخر على المشهد منهج الجغرافيا: "ففي الخطوة الأولى يواجه الجغرافي المشهد، أي شكل المكان الماثل للعيان"، وبذلك يصبح المشهد بمثابة "إشارة للباحث ينفذ من خلالها إلى المدلولات أي إلى آليات إنتاجه وأنساقه [...] وهنا تتجلى كل مزايا المشهد، ومن ثم مزايا الإحتكاك بالميدان الذي يسمح بإدراك الإختلافات، وطرح المشاكل وفتح الآفاق، وكل ذلك يعني مسلكاً حيوياً بالنسبة للجغرافي " (Brunet. R., 1974) غير أن بروني لا يكتفي بذلك، لأنه يعتبر المشهد: "مسودة أولية يجب العمل على قراءتها" .
ويذكر الجغرافي الفرنسي أندري مني "أن أغلبية الجغرافيين، عند نهاية القرن التاسع عشر، كانوا يرون في المشهد أصدق معيار لموضوعهم [...] فللجغرافيا المشاهد كما للحساب أرقام " (Meynier, 1969) وهذا ما سيتأكد مع مطلع القرن الموالي، حيث نجد ماكس صور يكتب في أحد مؤلفاته الأولى، سنة 1913: "أن الجغرافيا برمتها في تحليل المشاهد" (Sorre, 1913). وهذا ما أكده أيضاً، سنة 1928، الجغرافي الطبيعي الألماني كارل طرول قائلاً: "إن مضمون المعاينة للمشهد يحدد مضمون الجغرافيا العصرية".
فلما كان المشهد مرتكزاً من مرتكزات الجغرافيا، وجب، قبل المضي في تحليله بوصفه مفهوماً علمياً، طرح السؤال المشروع: ما هو المشهد؟.
إنتهى بروني إلى اعتبار المشهد أنه ببساطة "ما يشاهد"؛ وأن هذا التعريف، بقدر ما هو مألوف، فهو ضروري، لأنه من جهة ينبهنا إلى أن "ما هو مشاهد" منفصل عنا وينتمي إلى العالم الواقعي، وبذلك يجوز نظرياً أن يصبح موضوع تحليل علمي موضوعي مباشر؛ ومن جهة ثانية، فهو جزء منا بالمعايشة والإحساس، وبذلك يصبح المشهد موضوع بحث عبر الإدراك، وعليه يجب الإنطلاق منه لاستقراء أطاريح وإشكاليات للبحث.
إن المشهد موضوع مركب يجوز أن تنطبق عليه تعاريف كثيرة بحسب الزاوية التي ينظر إليه منها: نظرة الجغرافي، والطبيعي، والمؤرخ، والرسام، ومنسق الماظر، والمكلف بالتهيئة المجالية، والسائح، والساكن...وهذه التعاريف غير قابلة للإدغام (Brossard et Wieber, 1984) .
وقد طرح طرح هؤلاء الباحثين تصورهم للمفهوم وفق نظرة نسقية للموضوع، عبر الحديث عن النسق المشهدي المشتمل على الأنساق الفرعية وهي:
أولاً "الأنساق المنتجة للمشهد" وهي تلك التي تنتج المادة الخاملة (اللاأحيائية) والعناصر الحية أو المؤنسنة التي ترتبط فيما بينها بتيارات من المادة والطاقة. وهذا الصنف من الأنساق يتكفل به الطبيعيون من خلال دراسة تفصيلية لعناصر المشهد، تكون قابلة للتكميم والقياس، كدراسة المشاهد الساحلية أو الجيولوجية أو النباتية مثلا. "وطبقا لهذا التعريف الأول يعتبر المشهد كإشارة لقوى إحيائية_فزيائية في تفاعل.
ثانيا "أنساق الإستعمال" حيث يكون "المشهد نتاجاً للتمثل والإدراك الذهني" تتحكم فيه أساليب استعمال المشهد الذي يكون تارة موضوعاً، وتارة إنتاجاً قابلاً للاستهلاك، وتارة أخرى بمثابة مجال للتدخل والفعل؛ كما تتحكم فيه أيضاً مرشحات أو مدخلات الإدراك (من أعضاء، وأدوات، وحالة نفسية، وثقافة، وأساطير) التي تتوسط المشهد وتستعمله، فتفرز المعلومات التي يتألف منها بناء ذهني معين. وترتبط هذه الأنساق إما بروابط لتبادل المعلومات، وإما بعلاقات تنازعية إقتصادية وسياسية...الخ.
ثالثا "المشهد المرئي" المحمول على كونه "موضوعاً في حد ذاته"، المتجلي للعيان. وهو يتألف من عدد لا متناه من الصور حسب ترتيب الأشياء كما كما يتعرف عليها المشاهد ضمن شبكة هندسية تنسجها العلاقة بين الرائي والمرئي. وتتصل الأنساق بعضها ببعض بروابط، أو بالأحرى بتيارات تعمل على شكل حلقات ذات مفعول رجعي بحيث يشكل الكل "المشهد المرئي" الذي يمثل في نظر الدارسين مفهوماً إجرائياً قابلاً لتكريش موضوع حقيقي، يقوم على نظرية، ومنهج، وأدوات بحث بمقاربة نسقية لفهم تفاعلات "عناصر النسق المشهدي" بمدخلاته ومخرجاته.
ثانيا: المشهد الجغرافي منفذ رئيسي للإشكالية الجغرافية
إن المشهد "أولاً إطار مجالي للحياة، أو على الأصح وسط العيش، أي محيط بيئي ذو مميزات خاصة "حواسية" كما يقول لنش (Lynch, 1960) . ثانياً هو ثراث لم تتجل أهميته الكبرى وقيمته العظمى إلا عندما تعرض للتخريب والإبتذال، وبدأ الناس يشعرون بفداحة الإعتداء عليه؛ لا سيما وأنه أصبح مورداً حقيقياً يدر أموالاً طائلة عن طريق الإستثمار السياحي الذي غالبا ما يجذب إليه إستثمارات أخرى فيصبح بذلك أحد العوامل الفعالة في إتخاذ القرارات لتوظيف الأنشطة (بلفقيه، 2002)"، وبالتالي في تنظيم المكان" كما هو الحال بالنسبة للشواطئ الرملية بالمشهد الساحلي.
فتسحيل الكثافة السكانية والأنشطة البشرية، أصبح ظاهرة عالمية؛ والتي تمت بالموازاة مع تحرير التجارة العالمية وتطور وسائل النقل البحرية سرعة وحمولة، ونظراً، كذلك، للظروف المناخية المعتدلة التي تميز الشريط الساحلي والتي تجذب وتستقطب السكان والأنشطة والإستثمارات. ولا يستثنى المجال الساحلي المغربي من هذه القاعدة.
إن 3/2 من ساكنة المغرب تستقر بالشريط الساحلي المتوسطي والأطلنتي، وأكثر من 85% من الأنشطة الإقتصادية، وهو ما يتضح من خلال تعدد المراكز الحضرية الساحلية؛ التي تتضخم بوثيرة متسارعة حجماً وعدداً. وقد شهد هذا المجال إنفجارا حضريا غير متحكم فيه، فتركز تحديداً بالشريط الساحلي المتوسطي والأطلنتي الشمالي الغربي. مما أنتج شريطاً ساحلياً بمشهد جغرافي مركب ومشوه. وهذه نتيجة حتمية لتفاعل معقد بين التدخل البشري غير المهيكل والوعاء الطبيعي الهش للمنظومة الساحلية.
وتنطبق هذه الخصائص على المشهد الساحلي لجهة دكالة عبدة أيضا؛ حيث تتركز أهم مدن الجهة، والأنشطة السياحية والصناعية الملوثة ثم الأنشطة الفلاحية المكثفة (هشتوكة، أزمور، الحوزية، الجديدة، سيدي بوزيد، مولاي عبد الله، سيدي عابد، أولاد غانم، الوليدية، أيير، البدوزة، آسفي، المعاشات، الصويرية...)، وهذا، علماً أن سواحل الجهة تضم منظومات أيكولوجية ذات تنوع بيوإحيائي هش التوازن؛ وبعضها يعد من المناطق المحمية بإتفاقيات دولية (رامسار) كالمركب الهوري سيدي موسى – الوليدية.
وتقدم سواحل الجهة مقومات ومؤهلات طبيعية متنوعة؛ ذات أهمية بيئية وقيمة إقتصادية هامة (سياحية وفلاحية)؛ مثال المشاهد الجيومرفولوجية (الأجراف، الشواطئ الرملية...) والولجة، بالإضافة إلى طول مدة التشميس السنوي والظروف المناخية المعتدلة ...وهي العوامل الأكثر جذباً للسكان والأنشطة الإقتصادية.
لكن تدبير واستعمال هذه الموارد يتم بشكل لا يحترم خصوصيات الشريط الساحلي، الأمر الذي يجعل من المشهد الساحلي تركيبة معقدة تنظاف إلى تعقد وهشاشة المنظومة الطبيعية الساحلية. ولعل نزيف الرمال، وتعدد مقالع الرمال، وإستهلاك الكثيب الرملي، وخرسنة خط الساحل، وتعدد المشآت السدية على نهر أم الربيع، من أبرز عوامل هدم وتدمير وتشويه المشهد الساحلي الطبيعي وإختلال المنظومة الطبيعية وتفقير الميزانية الرسابية وإحلال مشهد إصطناعي مركب ومشوه بفعل التدخل البشري.
إن تحليل المشهد الساحلي لجهة دكالة عبدة والسواحل الشمالية للجهة تحديدا، إنطلاقا من المشاهدة الميداني وعبر الصورة الجوية وصور الأقمار الإصطناعية، يبرز لنا إشكاليات متعددة على مستوى الإعداد والتدبير في ظل هشاشة المجال الساحلي؛ ويمكن إيجازها في: أولاً تراجع المخزون الرسابي من المادة الرملية (رويحا ع. 2001) وإختفاء بعض الشواطئ الرملية، وتراجع الأجراف، وتراجع خط الساحل، وشذوذ الدينامية البحرية على مستوى خور أم الربيع وشاطئ الجديدة... بفعل التدخل البشري غير المدروس. وعليه يمكن تفكيك إشكالية تدبير مقالع الرمال إلى الأسئلة التالية:
- هل ما يقلع وما يجرف من الرمال البحرية والنهرية يفوق أم يقل عما يتجدد ويستقبل سنوياً؟ وما وقع ذلك على الدينامية البحرية والمنظومة الأيكولوجية الساحلية والميزانية الرسابية ومرفولوجية الشواطئ؟.
- كيف يؤثر ذلك على المشهد الساحلي في غياب قانون خاص للساحل؟ .
- وهل التدبير المندمج لمقالع الرمال مقاربة فعالة لاستعادة توازن دينامية سواحل دكالة الشمالية؟ فإذا كان كذلك ما الآليات المثلى لضمان تجدد الرمال البحرية؟.
ثالثاً: مبررات إختيار مجال وعيينة الدراسة
أ) مبررات اختيار مجال الدراسة
إستفادت السواحل الشمالية لجهة دكالة عبدة منذ بلوغ نهر أم الربيع للمحيط الأطلنتي من حمولة ضخمة للمواد الرسوبية، بالإضافة إلى ما تستقبله من مواد عبر التيارات البحرية والمحيطية الأخرى ؛ الأمر الذي جعل هذه السواحل، خزاناً لموروث رسوبي ضخم من المادة الرملية أساساً، وبالتالي وجهة سياحية بفضل تعدد الشواطئ الرملية.
لكن غزو المنشآت السياحية والإنفجار الحضري وتزايد المنشآت السدية على نهر أم الربيع وتكاثر مقالع الرمال، أصبح المخزون من الموروث الرملي مهدداً بالزوال، وقد عبرت عن ذلك، مجموعة من مؤشرات ومظاهر التدهور تمثلت في :
- تقلص شديد في واردات ام الربيع من المادة الرسوبية والعوالق المغذية للحياة البحرية.
- تزايد الحاجة للرمال نظرا لأهميتها الإقتصادية كمادة أساسية في التعمير.
- تكاثر مقالع الرمال المرخصة وغير المرخصة.
- تعدد المنشآت السدية وتوغل مياه البحر حتى 15 كلم عند سافلة أم الربيع.
- تدمير المنظومة الأيكولوجية المميزة لمصب نهر أم الربيع.
- شذوذ الدينامية البحرية وإعادة نشر وإستهلاك المخزون الرسوبي الشاطئي وتنشيط عمليات الإزالة والتعرية.
- تراجع خط الساحل.
وهي المظاهر التي تدل وتؤكد على هشاشة السواحل الشمالية لجهة دكالة عبدة والإتجاه نحو التدهور الواضح في التخريب والتدمير الذي تتعرض له المنظومات الأيكلوجية المميزة للساحل.
ب) إختيار عيينة الدراسة:
مبررات استخدام العينات في البحث العلمي
قد يبدو سؤال تلقائي، لماذا لا يتم شمول جميع أفراد المجتمع الأصلي في إجراء البحث العلمي؟ .. لذا فإن البحث العلمي لا يشترط ذلك، وذلك للمبررات التالية:
- توفير الوقت الذي يعد من أهم العوامل الأساسية التي يحتاج إليه الباحث في دراسته.
- توفير الجهد، إذ أثبتت الدراسات والأبحاث الحديثة أن نتائج إجراء البحوث على عينة ممثلة من المجتمع الأصلي تماثل نفس النتائج التي تم الحصول عليها من تطبيقها على مجتمع البحث كلياً بدرجة كبيرة.
- كما أنها تساهم في توفير الكلفة المادية التي ربما تسبب أعباء كبيرة وباهظة، خصوصاً في مشاريع البحوث والدراسات الموسعة.
- عندما يستخدم الباحث عينة صغيرة من المجتمع فإن ذلك يساعده في إستخدام تحليل إحصائي بصورة أدق، وهذا يعني الوصول إلى نتائج دقيقة وسريعة.
خطوات اختيار عينة البحث
نظراً لما تشكله مرحلة اختيار العينة من أهمية لدى الباحث؛ فإن طريقة اختيار العينة لابد أن يمر بخطوات محددة تتمثل في النقاط التالية:
- تحديد المجتمع الأصلي، الذي يتم منه الحصول على العينة.
- وضع قائمة شاملة لكل مفردات المجتمع الأصلي.
- اختيار مفردات تكون ممثلة للمجتمع من القائمة السابقة.
- محاولة الحصول على أكبر عدد ممكن من العينة، بحيث تكون كافية ومناسبة لتمثيل مجتمع البحث.
أنواع العينات
عندما تتضح لدى الباحث معالم المجتمع الأصلي للدراسة وظروف تطبيق إجراءات البحث فإنه يلجأ إلى اختيار عينة البحث بالطرق العلمية، والتي كما أسلفنا تعد جزءاً من مجتمع الدراسة. ويوجد نوعان من العينات هما:
العينات العشوائية (الاحتمالية): تتميز العينات العشوائية بأنها تتيح الفرصة لجميع أفراد المجتمع الأصلي للدخول ضمن عينة البحث بصورة متكافئة، دون تحيز أو تدخل مباشر من الباحث في ذلك، ويوجد عدة أنواع من العينات العشوائية على النحو التالي:
1) العينة العشوائية البسيطة: تتميز هذه العينات بأنه يمكن الحصول بطرق سهلة وميسرة، كما أن فرص الإختيار لجميع أفراد المجتمع متساوية احتمالياً، وتسمى هذه الحالة بالفرصة غير الصفرية، مما يعطيها الفرصة لأن تكون عينة ممثلة للمجتمع بصورة كبيرة، فكل فرد يحمل جميع خصائص المجتمع ويمثله، ولكن يجب توفر شرطين أساسين لاختيار أفرادها:
- أن يكون جميع أفراد المجتمع الأصلي معروفين لدى الباحث.
- أن يكون هناك تجانس بين أفراد المجتمع.
ولكن يعاب على هذه الطريقة بأنها في الغالب تحتاج إلى عدد كبير من الأفراد؛ لضمان تمثيل المجتمع بصورة دقيقة.
2) العينة العشوائية الطبقية: وتهدف هذه الطريقة إلى الجمع بين مميزات العشوائية مع زيادة في دقة التحليل. مما يساعد في زيادة التجانس داخلها، ويقلل التجانس في الوقت ذاته بين المجموعات. وتتميز هذه الطريقة بضبط المتغيّرات المتوقع تأثيرها على المتغيّر الرئيسي أو المعتمد.
تمتاز العينة الطبقية بأنها عينة إحتمالية، إضافة إلى ضبطها لمتغيّرات الدراسة أثناء تقسيم المجتمع إلى فئات.
العينات غير العشوائية
في هذه الحالة لا يتعمد الباحث إلى استخدام الطريقة العشوائية، بل يلجأ إلى طرق معروفة تستند إلى مهارة الباحث وخلفياته عن مجتمع الدراسة الأصلي، ومعرفته الدقيقة بجميع مفرداته مما يسهل عليه عملية الاختيار. ويوجد بعض الأنواع من العينات غير العشوائية والتي منها:
1) العينة الصدفية: هذا النمط من العينات يستخدمه الباحث في الحصول على عينة من مجتمع الدراسة عن طريق المصادفة غير المحددة. وهي من أسهل الطرق غير العشوائية، لكن قد تكون ممثلة للمجتمع الأصلي، نظراً لإمكانية مصادفة الباحث أغلب عينته من أشخاص ينتمون إلى فئة واحدة فقط من المجتمع الأصلي. وقد يدخل فيها عامل التحيز بدرجة كبيرة.
2) العينة الغرضية (القصدية) عندما لا يتمكن الباحث من اختيار عينة عشوائية من المجتمع الأصلي لأي سبب من الأسباب التي يراها مقنعة له، أو أنه يرغب في الحصول على عينة ذات مواصفات وخصائص محددة فإنه يلجأ إلى اختيار عينة تسمى " العينة القصدية أو الغرضية"، أي أنه يقصد أفراداً محددين من مجتمع الدراسة. ويؤخذ على هذا النوع من العينات أنه غير عشوائي ومتحيز في نفس الوقت.
3) العينة الحصصية: لاختيار عينة من هذا النوع، فإن الباحث يعمل على تقسيم المجتمع الأصلي على حصص معينة تشبه إلى حد كبير طريقة اختيار العينة الطبقية التناسبية، لكنها تختلف عنها في أن عملية الاختيار لا تتم بطريقة عشوائية، إنما تتم بطريقة حصصية تعتمد على الباحث نفسه في تحديد العينة. وأفضل ما في هذه الطريقة التباين بين عدد أفراد العينة والعدد الكلي لمجتمع الدراسة الأصلي، ويؤخذ على هذه العينات بأنها متحيزة وغير عشوائية، وهذا من شانه أنه يؤثر على صحة النتائج التي يحصل عليها الباحث، مما يشكل صعوبة كبيرة في عملية تعميم النتائج على مجتمع الدراسة.
خلاصة:
إن "المشهد كنظام بيئي" أعاد للجغرافيا الطبيعية صفتها العلمية التجريبية الحسية، وأعطاها وظيفتها الإجتماعية كعلم موضوعي له منهج ومقاربة نسقية لصيرورة إنتاج المشهد المجالي، من خلال أدوات تعبير الجغرافي (الخريطة، الصورة الجوية، نظم المعلومات الجغرافية، التعبير البياني...) قادرة على تكميم وقياس الظاهرة الجغرافية وكذا قابلية ملاحظة علاقة التأثير والتأثر بين الإنسان والوعاء الطبيعي. وقد أضحت الحاجة إلى تطوير مناهج البحث إلى الاستعانة بأدوات علوم أخرى للنجاح في الحصول على نتائج علمية دقيقة تستند إلى دقة الرقم، وعليه كان علم الإحصاء والرياضيات أقرب العلوم لتقديم صيغ لقياس عيينات البحث بالاحتمال والتعداد والتحديد السليم لها حسب خصائص مجتمع البحث الذي يشكل بدوره عنصر أو مجموعة عناصر إنتاج المشهد الجغرافي وإن كانت هذه الإمكانية قاصرة في تحليل الظاهرة الإجتماعية مقارنة بالظاهرة الطبيعية إلا أنها تقدم صورة أدق عن الواقع المعاش.
فهشاشة الوضعية البيئية الراهنة، وفي ظل عنف التدخل البشري الواضحة في بصماته المجالية؛ تدعو إلى تقوية الترسانة الفلسفية وتوظيف الفكر الجغرافي من جديد لإعادة بناء وتأهيل المشهد الجغرافي، وتحديدا قبل وخلال وبعد الإعداد والتدبير...كما هو الحال إلى الثورة الجغرافية التي أعادت بناء عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت أكثر دماراً وخراباً في تاريخ الإنسانية. فما المشهد إلا نتاج لثقافتنا وإدراكنا الذهني له.
Bibliographie
Beroutchavili, G. R. (1991). Géosystèmes et paysages/ Bilan et méthodes . Aremand Colin: U. Géographie.
Pinchemel Ph et G. (1992). La Face de la Terre. Elément de géographie , 374.
George. (1998). Les méthodes de la géographie. Que-je? , 20.
Gourou. (1972). Pour une géographie humaine. Flammarion , 9.
Lynch, K. (1960). The image of the city. Cambridge: the M.I.T. Press.
Meynier, A. (1969). Histoire de la pensée géographique. PUF , 44.
Brunet, R. (1974). Analyse vdes paysages et sémiologie. L Espace géographique , n°2 p121.
Sorre, M. (1913). Les Pyrénées méditerranéennes, étude de géographie biologique. Paris: A. Colin. p.10.
Brossard T., Wieber J. C. (1984). Le paysage, trois définitions, un mode d analyse et de cartographie. l Espace géographique , p. n°1.
بلفقيه, م. (2002). الجغرافيا القول عنها والقول فيها: المقومات الأبستيمولوجية. الرباط-المغرب: دار نشر المعرفة.
ارويحا،ع.( 2001) سواحل دكالة بين الإعداد السياحي و التوازن البيئي، مقاربة بيئية ،الوسط الطبيعي ودينامية المجال بالمغرب، دراسات جغرافية، أشغال الملتقى التاسع.للأيام الجيومورفولوجية، الجديدة: 23-24 اكتوبر 2001.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق