تقييم منظومة العوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني
في حاجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني
في المراكز العمرانية والأقاليم
دراسة في الأساس النظري والمنهجي
الدكتور ممدوح الدبس
قسم الجغرافية - كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة دمشق
مجلة جامعة دمشق - المجلد 28 - العدد الثالث والرابع - 2012 - ص ص581 -631 :
الملخّص
تُعدُّ دراسة العوامل المؤثرة في جغرافية الخدمات السكانية وتقييمها مـن حيـث الحاجة إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني أحـد الاتجاهـات الرئيـسة فـي الدراسات الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية، ومن دونها لا تكتمل الدراسة الجغرافية لأي من الظواهر الجغرافية الخدمية.
تختلف العوامل البشرية في أنواعها وقوة تأثيرهـا بـاختلاف هـدف الدراسـة واتجاهه، فهناك عوامل تؤثر في إنتاج الخدمات واستهلاكها، وأخرى تؤثر في التباين المكاني في احتياجات السكان إلى الخدمات، وأخيـرة تـؤثر فـي تـوطن الخـدمات وتنظيمها المكاني في المراكز العمرانية والأقاليم.
تشكل العوامل البشرية منظومة متكاملة تتألف من عناصر تتفاعـل فيمـا بينهـا لتحديد واقع الخدمات ومستقبلها في المكان، وتشكل في الوقت ذاته جزءاً من منظومة أكبر تشمل العوامل الطبيعية والبشرية والاقتصادية جميعها.
تتضمن منظومة العوامل البشرية، حجم السكان وحركتهم وبناهم وأنماطهم ومـستوى معيشتهم وتوزعهم الجغرافي وكثافتهم ومـستواهم الحـضاري والثقـافي، وأحجـام مراكزهم العمرانية وكثافتها وبنيتها ووظائفها، ومـستوى التقـدم العلمـي والتقـاني للمجتمع، هذا فضلاً عن الإدارة، والسياسة الحكومية في مجـال الخـدمات، والأمـن والاستقرار السياسي وأخيراً الوضع البيئي.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية الدراسة في إظهار العوامل البشرية المـؤثرة فـي احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتصنيفها وتقييمها وتنظيمها المكاني فـي المراكز العمرانية والأقاليم، وعد هذه العوامل عناصر متفاعلة في منظومـة متكاملـة تعطي المكان شخصيته الخدمية، وهذا يساعد على فهم الواقع الراهن لقطاع الخـدمات السكانية وآفاق تطويره المستقبلي في المراكز العمرانية والأقاليم.
مشكلة الدراسة:
تتمثل مشكلة الدراسة في ندرة الدراسات الشاملة والمتكاملـة لمنظومة الظروف والعوامل البشرية المؤثرة في قطاع الخدمات السكانية، من حيـث حاجة السكان إلى هذه الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني في المراكز العمرانيـة والأقاليم. فالدراسة الجغرافية العلمية القائمة على التحليل والتقييم وإظهار قوة التـأثير في جغرافية الخدمات يجب أن تحتل مكانة مميزة في هذا الفرع الجديـد مـن فـروع الجغرافية، لأنها تشكل مجالاً مهماً من مجالات الدراسة في جغرافية الخدمات، وتقوي الطابع الجغرافي للدراسة.
أهداف الدراسة:
- إظهار العوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني في احتياجـات الـسكان إلـى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني.
- دراسة العوامل البشرية كمنظومة متكاملة تتألف من عناصر متفاعلة فيمـا بينهـا تعطي المكان شخصيته الخدمية الراهنة والمستقبلية .
- تقييم منظومة العوامل البشرية، مع إظهار درجة القوة لأثر كل عامل على حدة في جغرافية الخدمات السكانية؛ من حيث احتياجات السكان إلى الخدمات واسـتهلاكها وتنظيمها المكاني.
- إبراز التباين المكاني لأثر كل عامل في الظواهر الجغرافية الخدمية المدروسة.
- مناهج الدراسة:
اعتمدت الدراسة على مجموعة متكاملة من المناهج العلمية هي:
- منهج التحليل المكاني: الذي يعكس بصورة واضحة انتشار الخدمة وتوزعها فـي الأمكنة، والتباين المكاني في مستوى تطورها ومدى كفايتها وتنظيمها المكاني من خلال ظروف المكان.
- منهج التحليل العاملي: اعتُمِد على هذا المنهج في إظهار وتحليل أثر كل عامل في التباين المكاني في احتياجات السكان إلى الخدمات واسـتهلاكهم لهـا وتنظيمهـا المكاني، وتقييم هذا الأثر وإظهار درجة قوته في حيز جغرافي معين.
- منهج النظم( المنظومات) : وهو منهج فعال في التعامل مع الخدمات والعوامـل المؤثرة فيها من حيث الحاجة والاستهلاك والتنظيم المكاني، بوصـفها منظومـة تتألف من مجموعة عناصر، إذْ يشكِّل كل عامل عنصراً مهماً في هذه المنظومـة، وتتفاعل هذه العناصر(العوامل) فيما بينها في رسم الشخصية الخدميـة للمراكـز العمرانية والأقاليم.
- مدخل للدراسة:
تعد دراسة وتقييم العوامل المؤثرة في تـوزع وتطـور ظـاهرة جغرافية معينة طبيعية كانت أم بشرية واقتصادية من القضايا المهمة في الدراسات الجغرافية على اختلاف أنواعها ومنها جغرافية الخدمات، كما تعد في الوقت ذاتـه إحدى مهام الجغرافي، فدراسة العوامل المحلية وإظهـار أثرهـا فـي الظـاهرة الجغرافية المدروسة في مكان ما إقليماً كان أم مركزاً عمرانياً يعطي هذه الدراسة الصبغة الجغرافية، وهذا ما تؤكده معظم التعاريف لعلم الجغرافية بفروعه كافة إن لم نقل كلّها ومنها جغرافية الخدمات، إذْ تشكل هذه القضية واحداً من الاتجاهـات الرئيسة للدراسة الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية، ويظهر ذلك واضحاً وجلياً في تحديد الباحثين الروس (إلكسييف، كوفاليف، تكاتشينكو) لميدان جغرافية الخدمات وموضوعها، من خلال تعريفهم لجغرافية الخدمات بأنها:
" فرع خاص ومميز مـن فروع الجغرافية الاقتصادية والاجتماعية يدعو إلى دراسة التباينات المكانيـة فـي حجم الاحتياجات إلى الخدمات وفـي درجـة تـأمين هـذه الاحتياجـات، وفـي خصوصيات استهلاك السكان للخدمات، وأيضاً دراسة قـضايا التنظـيم المكـاني لقطاع الخدمات ومشكلاته، في ظل التبـاين والتنـوع فـي الظـروف الطبيعيـة والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والأشكال العمرانية" 1 .
يحتوي هذا التعريف في مضمونه أربعة اتجاهـات للدراسـة الجغرافيـة لقطـاع الخدمات السكانية.
يقوم الاتجاه الأول- بدراسة احتياجات السكان إلى الخدمات (أي الطلب عليها)، ويهتم الاتجاه الثاني بدراسة- استهلاك السكان للخدمات وتقييم المـستوى الفعلـي أو الحقيقي لهذه الخدمات، وهناك عدة مؤشرات لقياس هذا المستوى تستخدم على نطـاق واسع في جغرافية الخدمات.
ويدرس الاتجاه الثالث- التنظيم المكاني لقطاع الخدمات السكانية الذي يتـضمن التوزع الجغرافي للمنظومات والبنى المكانية الخدمية، وإدارتها والارتباطـات بينهـا (الإدارية والتقنية، والاستهلاكية) في مدة زمنية معينة وعلى مساحة محددة.
ويرى آلايف أن الجغرافية البشرية(الاقتصادية والاجتماعية) هـي علـم عـن2 خصائص وقوانين التنظيم المكاني لحياة المجتمع.
يتصف مفهوم التنظيم المكاني بالازدواجية، فهو من جهة يثبت الحالـة الراهنـة ويسجلها، ومن جهة أخرى يتضمن في ذاته عمليات التطور والتغير (التنظيم كعمليـة متطورة). ومن المهم هنا دراسة التوطن المكاني لفروع الخدمات ومنشآتها والعوامـل 3 المؤثرة في هذا التوطن .
(1 الكسييف.أ.ي، كوفاليف .س.أ، تكاتشينكو.أ.أ،جغرافية قطاع الخدمات- المناهج والمفاهيم الأساسية، تفير، 1991م، ص23.
2 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، منشورات جامعة تشرين ،2005- 2006م ص404
3 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، منشورات جامعة دمشق، 2006-2005م ،ص182.)
يتم التغيير في التنظيم المكاني لقطاع الخدمات من خـلال التغيـر فـي قطـاع 1 الخدمات ذاته، وكذلك التغير في جذب السكان . ويرى كوفاليف أن دراسـة التنظـيم المكاني وكذلك التباينات المكانية في احتياجات السكان إلى الخـدمات، وتلبيـة هـذه الاحتياجات- أي التباين في مستوى الخدمات، تشّل الاتجاهات الأساسية في جغرافيـة الخدمات 2.
أمَّا الاتجاه الرابع- فيهتم بدراسة جملة الظروف وتقييمهـا والعوامـل المحليـة وخصوصياتها، المؤثرة في التباين المكاني في احتياجـات الـسكان إلـى الخـدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني في المراكز العمرانية والأقاليم، ويـشكل هـذا الاتجـاه موضوع دراستنا.
تُشكِّل الدراسة العلمية المعمقة للعوامل، القائمة على التحليل والتعليـل والـربط والتقييم وإظهار أثر كل عامل في توزع الظاهرة المدروسة وتطورها هـدفاً رئيـساً ومحورياً من أهداف أي دراسة جغرافية مهما كان نوعها وطبيعتها. فمثلاً إن وصـف الحالة الراهنة لقطاع الخدمات وتقييمها (إنتاجاً وحاجة واستهلاكاً)، وكـذلك تـوزع فروعه ومنشآته في المكان مع الأخذ بالحـسبان ظـروف هـذا المكـان( الطبيعيـة والاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية والعمرانية وغيرها) هي قبل كل شيء مهمة الجغرافي، فاهتمام الجغرافي بالخدمات هو عامل مهم فـي فاعليـة هـذه الخـدمات وجدواها.
وفي مجال الدراسة الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية، نجد أن العوامل البـشرية للمكان (قرية، مدينة، إقليم، بلد) تؤثر فـي مـستوى إنتـاج الـسكان للخـدمات واستهلاكهم لها واحتياجاتهم إليها، وفي تنظيمها المكاني في المراكـز العمرانيـة والأقاليم على اختلاف أنواعها وأحجامها.
(1 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، مرجع سابق، ص ص 423-424.
2 المرجع السابق ، ص404.)
إن دراسة العوامل البشرية المؤثرة في جغرافية الخدمات وتقييمها هـي بمنزلـة قاعدة علمية راسخة في تحديد أهمية قطاع الخدمات السكانية في حياة المجتمع وفـي الإنتاج الاقتصادي أيضاً، وهذا يعني تحديد الأهمية الاجتماعية والاقتـصادية لقطـاع الخدمات السكانية. تشكّل مجموعة العوامل هذه منظومة متكاملة تتألف من عناصر عديدة، إذْ يشكل كل عامل عنصراً من عناصر هذه المجموعة، وتتفاعل هذه العناصر فيما بينها محددة شكل ونوع ومستوى الحاجة والاستهلاك والتنظيم المكاني للخـدمات الـسكانية فـي المراكز العمرانية والأقاليم. تختلف قوة تأثير العوامل البشرية باختلاف هدف الدراسة واتجاهها في جغرافيـة الخدمات، فهناك عوامل تؤثر في إنتاج الخدمات واستهلاكها، وأخرى في احتياجـات السكان إلى هذه الخدمات، وهناك أيضاً عوامل تؤثر في توطن الخـدمات وتنظيمهـا المكاني، وهناك تداخل كبير بين هذه العوامل يظهر جلياً فـي تنـوع الموضـوعات والاتجاهات والأهداف والمستويات المكانية للدراسة في جغرافية الخدمات.
أولاً- العوامل البشرية المؤثرة في مستوى استهلاك السكان للخـدمات، ويمكن حصرها بالآتي:
1- حجم إنتاج السلع الاستهلاكية المختلفة كماً ونوعاً.
2- عدد السكان الذين تقدم لهم الخدمة وتراكيبهم (بناهم).
3- مستوى دخل – أو معيشة السكان( فعندما تتعاظم الدخول تتجه فوائضها إلـى قطاع الخدمات).
4- نسبة سكان المدن إلى إجمالي عدد السكان.
5- مدى ارتفاع أسعار الخدمات أو انخفاضها.
6- مستويات السكان العلمية والمعرفية، وكذلك مستوى التقدم العلمـي والتقـاني للمجتمع.
7- العادات والتقاليد والمعتقدات والقيم1 .
8- تؤثر في النشاط الاستهلاكي الخدمي للسكان أيضاً السياسة الحكومية في مجال الخدمات السكانية.
ثانياً- العوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني في احتياجات السكان إلى الخدمات، وتتمثل في :
- حجم السكان ومعدلات نموهم.
- تراكيب السكان( بناهم) العمرية والنوعية والعائلية والاجتماعية والمهنية والتعليمية والدينية والقومية والعرقية.
- حركة السكان (الطبيعية والاجتماعية والمكانية أو الميكانيكية).
- أنماط السكان ( حضر، ريفيون، بدو). - حجم مداخيل السكان وتركيبها.
- طابع العمران في المكان.
- إمكانية بلوغ الخدمة أو الحصول عليها. - التقدم العلمي والتقني للمجتمع.
- السياسة الحكومية 2 .
ثالثاً- العوامل المؤثرة في توطن الخدمات داخل المراكز العمرانية:
تتمثل هذه العوامل في : مرونة الخدمة وخصائصها ومقوماتها وخصائص زبائنهـا3، فضلاً عن حجم المركز العمراني ذاته، إذ تندر الخـدمات فـي المراكـز العمرانيـة الصغرى في حين تكثر في المراكز الأكبر حجماً وتتجه نحو الاكتمال فـي المراكـز العمرانية الأكبر ولاسما العواصم.
(1 فتحي محمد إمصيلحي، جغرافية الخدمات- الإطار النظري وتجارب عربية، ط1، جامعة المنوفيـة، مصر،2001م، ص27
2 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص145-152.
3 فتحي محمد مصيلحي، جغرافية الخدمات- الإطار النظري وتجارب عربية، مرجع سابق، ص37 .)
يمكن الإشارة هنا إلى أن كل مركز عمراني مهما كان حجمه هو مركز خدمي بطبيعة الحال.
رابعاً- العوامل البشرية المؤثرة في التنظيم المكاني لقطـاع الخـدمات السكانية في المراكز العمرانية الريفية، ويمكن حصرها بالآتي:
- أنماط العمران، وتوزع المراكز العمرانية وكثافتها وأحجامها وقرب القـرى مـن المدن، ونشير هنا إلى الدور الحاسم لنمط العمران في تحديـد التنظـيم المكـاني المناسب والملائم لإقليم ريفي معين.
- الخصوصيات الديموغرافية للسكان، وخارطة توزعهم الجغرافي 1 .
خامساً- العوامل المؤثرة في زيادة وقت الفـراغ عنـد الـسكان وفـي استغلالهم لهذا الوقت، وهي:
- مستوى تطور فروع الخدمات السكانية.
- نمو حجم الخدمات المقدمة للسكان والتحسن التدريجي لنوعيتها.
- التجهيزات والأدوات التقنية المستخدمة في الأعمال المنزلية .
- نمو الاحتياجات المادية للسكان، وكذلك نمو الطلب على الراحة والرفاهية.
- التركيب العائلي للسكان وأنماطهم(حضر، ريفيون، بدو).
- مساحة المسكن وما تتطلبه من ترتيب وتنظيف.
- مدى دخول المكننة والأتمتة في حياة المجتمع ونشاطاته.
- مدى امتلاك السكان للحاجات والتجهيزات ذات الاستخدام الطويـل الأمـد (مثـل الأثاث المنزلي، والحلي، والسيارة، والألبسة الجاهزة، والأمتعة الشخـصية التـي تتطلب عناية واهتماماً وإصلاحاً)2 .
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص206 -207 .
2 المرجع السابق نفسه، ص ص106-107.) .
- عدد ساعات العمل اليومية والأسبوعية الضرورية لتأمين حاجات السكان بما فـي ذلك لمن يعملون بأجر.
يتضح من العوامل التي ذكرناها أنها تختلف في تأثيرهـا بـاختلاف موضـوع الدراسة والهدف منها، كما تتباين قوة تأثيرها بحسب نوع الدراسة الجغرافيـة لقطـاع الخدمات السكانية( هل هي دراسة لفرع خدمي واحد أم لفرعين أم لكامل طاقم فـروع الخدمات السكانية في المكان)؟ وأيضاً بحسب المستوى المكاني للدراسة (هل هو إقليم، محافظة، مدينة، قرية، أجزاء من إقليم أو مدينة... الخ): فمراعاة النـواحي البـشرية لسكان المدينة أو زوارها عند توزيع الخدمات وتوفيرها كماً ونوعاً وتنوعاً، أمر فـي غاية الأهمية، وإلا فستظهر مشكلات خدمية كثيرة، وبعضها عصي على الحـل، لأن الخدمات السكانية تهدف في النهاية إلى تحسين شروط حياة الـسكان ونوعيتهـا فـي مراكزهم العمرانية وأقاليمهم، ولابد لها أن تراعي خصوصيات الـسكان وحاجـاتهم الفعلية بحسب المكان والزمان1.
إن الدراسة العلمية المتكاملة لجغرافية قطاع الخدمات السكانية بفروعـه كلّهـا، تستدعي عمل لوحة شاملة للعوامل البشرية للمكان المدروس (إقليماً كـان أم مركـزاً عمرانياً)، مع تقييم هذه الظروف ودرجة تأثيرها في جغرافية الخدمات (مـن حيـث احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني)، ومن المهم هنا تـسليط الضوء على أثر العوامل البشرية في الظاهرة الخدمية المدروسة.
يجب على الباحث في أثناء الدراسة العلمية القائمة على التحليل والتفسير وربـط السبب بالنتيجة، للظروف المحلية البشرية للمكان وأثرها في جغرافية الخـدمات مـن حيث الحاجة والاستهلاك والتنظيم المكاني في هذا المكان، مراعاة الأمور الآتية:
(1 محمد إبراهيم صافيتا، عدنان سليمان عطية، جغرافية المدن والتخطيط الحضري، منشورات جامعة دمشق ‘2005 -2006 م ، ص ص 325-326).
1- طبيعة الفرع الخدمي المدروس وخصوصيته:
يشتمل قطـاع الخـدمات السكانية على 13 فرعاً خدمياً تشكل مجالاً وميداناً للدراسة في جغرافية الخدمات السكانية، وهي( خدمات السكن والمرافق، وتجارة التجزئة أي المفرق، وخدمات التغذية العامة- أي محلات تقديم الطعام والشراب للعامة، والخـدمات المعيـشية العامة والشخصية، وخدمات التربية والتعليم المدرسي العام وما قبله، وخـدمات الرعاية الصحية، والخدمات السياحية والترويحية، وخدمات الرعاية الاجتماعيـة والتأمين الاجتماعي، والخدمات الثقافية والروحية والرياضية، وخـدمات حمايـة حياة وممتلكات وحقوق المواطنين، وخدمات الاتـصالات فـي جزئهـا الخـادم للسكان، والخدمات المالية- المصرفية والضمان الاجتمـاعي، وخـدمات نقـل الركاب1. ويمكننا أن نضيف إلى هذه الفروع فرعاً خدمياً آخـر هـو خـدمات الإدارة والبلديات أو الحكومات الالكترونية.
إن لكل فرع من فروع الخدمات السكانية هذه خصوصيته وعناصره، وارتباطاته بين عناصره وبينه وبين الفروع الخدمية الأخرى، وكذلك منشآته الخدمية التي تميـزه عن غيره من الفروع، وهذه أمور بالغة الأهمية عند تقييم أثـر الظـروف البـشرية المحلية في تباين احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكـاني فـي منطقة معينة (إقليماً كان أم مركزاً عمرانياً). يضاف إلى ما تقـدم مرونـة الخدمـة وكفاءتها، وتعني مرونة الخدمة القدرة على تلبية الطلب المتزايد والمستمر عليهـا أو المتذبذب بحسب الأيام والشهور والفصول بما يضمن توفيرها للسكان جميعـاً، ودون التأثير في حصة السكان الأصليين، أي القدرة على مواجهة التغيرات المتوقعـة فـي الطلب عليها ولاسيما الارتفاع الحاد أحياناً، أما كفاءة الخدمة فتعني توفير الخدمة لكل شخص وفق المواصفات والمعايير ودون مشكلات تذكر2 . فمثلاً أن قصور تقنيات التعليم وعدم كفاءة المعلِّم ورداءة المنهج يؤثر في كفاءة خـدمات التعلـيم المدرسـي وتطورها وأدائها لوظيفتها، كما أن عدم كفاية الأطباء والمختبرات وغيرها من أمـور يؤثر في كفاءة المنشآت الصحية وتطورها وأدائها لوظيفتها بالشكل الأمثل.
(1 الكسييف. أ. ي، كوفاليف. س.أ، تكاتشينكو.أ.أ، جغرافية الخدمات- المناهج والمفـاهيم الأساسـية، مرجع سابق، ص ص4 -20.
2 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية- أسس، معايير، تقنيات، ط1، دار صفاء، عمان، 2009، ص55.)
2- مستوى الخدمات السكانية:
يؤثر هذا الأمر بشدة فـي تطـور الطلـب علـى الخدمات. وفي هذا الإطار يقول أحد علماء الاجتماع: إن هواة المسرح يعيـشون في المسارح، أي إنّ الطلب على الزيارات المنتظمة للمسارح تتم فقـط عنـدما تتوافر الإمكانية لذلك والشيء نفسه بالنسبة إلى كثير من الخدمات السكانية مثـل التغذية العامة والخدمات المعيشية والثقافية وغيرها1 .
3- أنواع الدراسة الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية:
هناك ثلاثة أنواع للدراسـة في جغرافية الخدمات، أولها- الدراسة الفرعية وتتضمن دراسة فـرع خـدمي واحد، وثانيها- الدراسة بين الفرعية، وتربط هذه الدراسة بين الفروع الخدميـة التي ترتبط مع بعضها بعضاً ارتباطاً قوياً أو التي تتشابه بوظائفها (مثل تجـارة التجزئة- المفرق والتغذية العامة)، وثالثها- الدراسة المركبة والشاملة لكل فروع المجمع الخدمي في المكان، وتحتاج هذه الدراسة المركَّبة إلى الدراسات الفرعيـة وتستند إليها.
4- المستويات المكانية للدراسة والبحث في جغرافية الخدمات (أي الحيّز المكـاني للدراسة):
ويمكن حصرها عملياً في أربعة مستويات هي:
أ- على مستوى الدولة بأكملها.
( 1 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، منشورات جامعة تشرين، 2005- 2006م ، ص ص416 -417.).
ب- على مستوى المحافظات أو المناطق.
ج- على مستوى جزء من المحافظة أو المنطقة أو على مستوى النواحي.
د- على مستوى محلي، أي على مستوى المراكز العمرانية الحضرية(المـدن) أو أجزاء معينة منها، وكذلك على مستوى المراكز العمرانية الريفية"القرى".
يضعف أثر العوامل الطبيعية على مستوى المراكـز العمرانيـة الحـضرية أو الريفية، أو على مستوى أجزاء مـن المـدن، ويقـوى أثـر العوامـل البـشرية والاقتصادية في التنظيم المكاني للخدمات السكانية والحاجة إليها واستهلاكها، فـي حين يقوى أثر العوامل جميعها في أثناء الدراسة على مستوى المحافظة أو المنطقة أو على مستوى البلد بكامله.
يجب عند دراسة أثر العوامل البشرية وتقييمها الأخذ بالحـسبان الحيـز الزمـاني للدراسة، أي المدة الزمنية التي تتناولها الدراسة، فتأثير بعض هذه العوامل وقوتها يختلف من مدةة زمنية إلى أخرى.
5- اتجاهات الدراسة في جغرافية الخدمات:
هناك أربعة اتجاهات للدراسة الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية هي:
أ- دراسة احتياجات السكان إلى الخدمات وتقييم المستوى الفعلي لهذه الخدمات.
ب- دراسة التنظيم المكاني لقطاع الخدمات الـسكانية (للمراكـز والمنظومـات الخدمية المكانية) ومدى توافقها مع أعداد السكان وتلبيتها لاحتياجاتهم.
ج- دراسة النشاط الاستهلاكي الخدمي للسكان، ونشير هنـا إلـى أن اسـتهلاك السكان للخدمات يرتبط بعدة عوامل أهمها: حجم السكان( أعدادهم)، وتـوافر الخدمات من حيث الكم والكيف والتنوع بما يلبي حاجات الـسكان ورغبـاتهم المختلفة من الخدمات، يضاف إلى ما تقدّم المستوى المعيشي للسكان، والسياسة الحكومية في مجال الخدمات السكانية.
د- دراسة جملة الظروف والعوامل المؤثرة في تباين قطاع الخدمات الـسكانية وتقيمها، من حيث الحاجة إلى هذه الخدمات وإنتاجها واستهلاكها وأيضاً فـي تنظيمها المكاني.
تُشكِّل دراسة هذه الاتجاهات منفردة أو مجتمعة، هدفاً واضحاً لجغرافية الخدمات، وتتباين -إلى حد ما- العوامل البشرية المؤثرة في كل اتجـاه مـن الاتجاهـات الثلاثة الأولى للدراسة الجغرافية لقطاع الخدمات السكانية.
6- التباين في قوة تأثير كل عامل من مجمل العوامل البشرية في الظاهرة الخدمية المدروسة (وهي فرع أو فرعان أو مجمّع فروع الخدمات السكانية)، فمثلاً عند دراسة توطن الخدمات وتوزعها الجغرافي وتطورهـا- أي تنظيمهـا المكـاني، يظهر واضحاً قوة تأثير العامل الديموغرافي (السكاني) في هذا المجال أكثر مـن العامل الطبيعي أو الاقتصادي، ولكن هذا لا ينفي أو يبرر مطلقاً إهمال أثر هـذه العوامل أو التقليل من أهميتها في توزع فروع الخدمات السكانية وتطورها.
إن موضوع الدراسة هو الخدمات السكانية، أي الخدمات التـي تخـدم الـسكان وتُحسّن من شروط حياتهم، إذْ تهدف هذه الخدمات إلى الارتقاء بحياة السكان في مكان ما، فالسكان هم غاية هذه الخدمات، فجغرافية الخدمات تسعى في النهاية إلى تحقيـق التوزع الجغرافي الأمثل لمنشآت الفروع الخدمية بما يجعلها سهلة المنـال مـن قبـل السكان (مسافياً، زمنياً، دخلياً، نفسياً، حياتياً وقانونياً) ومن ثم زيادة وقت الفراغ عنـد السكان واستغلال هذا الوقت في تنمية المواهب الثقافية والرياضـية، وفـي الـسياحة والترويح أيضاً. وقد عدّ كارل ماركس وقت الفراغ الذي يتمتع به الناس بعد عملهـم" كثروة حقيقية للمجتمع". كما تدرس جغرافية الخدمات مدى تأمين احتياجـات الـسكان من الخدمات كماً وكيفاً بما يتناسب مـع رغبـاتهم وأذواقهـم وعـاداتهم وتقاليـدهم ومعتقداتهم وإمكانات المجتمع المادية. إن التوزع الجغرافي الحكيم للمنشآت الخدميـة، بما يجعل خدماتها سهلة المنال، وكذلك توفر الخدمات الكافية في كميتها والجيدة فـي نوعيتها، يرفع من مستوى حياة السكان، ويحسّن شروط هذه الحياة، كما يساعد علـى تأمين النشاط الحياتي للسكان وتطورهم، أي التطور المتناسق والمنـسجم لشخـصية الإنسان جسماً وعقلاً وروحاً في آنٍ واحدٍ.
يتضح ممّا تقدم الأهمية الكبيرة للعامل البشري بعناصره كلّهـا عنـد الدراسـة الجغرافية لفروع قطاع الخدمات السكانية في إقليم أو مركز عمراني معين مهما كبـر أو صغر حجم هذا الإقليم أو المركز العمراني، إذْ يؤثر هذا العامل بقوة فـي التبـاين المكاني في احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني في المراكـز العمرانية والأقاليم، ولذلك فمن الطبيعي أن يّولى هذا العامل أهمية كبيـرة فـي هـذا المجال.
تختلف العوامل في قوة تأثيرها باختلاف اتجاه الدراسة والهدف منها، هـل هـي دراسة التباينات المكانية في حجم الاحتياجات إلى الخدمات وفي درجـة تـأمين هـذه الاحتياجات، أم خصوصيات استهلاك السكان للخدمات أم دارسة قـضايا ومـشكلات التنظيم المكاني لقطاع الخدمات السكانية أم غيرها من الاتجاهـات والأهـداف، كمـا تختلف قوة تأثير العوامل باختلاف عناصر الفرع الخدمي، فمثلاً بالنسبة إلى خـدمات الرعاية الصحية نجد عوامل تؤثر في توزع المنشآت الصحية وتطورها، وأخرى تؤثر في درجة توافر الإطار الصحي ومستوى تأهيله وتدريبه، وهناك أيضاً عوامل تـؤثر في مستوى تطور البنية التحتية الصحية وأخرى تؤثر في أعداد المستفيدين من خدمات الرعاية الصحية وخصوصياتهم.
يتضح مما سبق أنه عند دراسة تأثير العوامل المحلية البـشرية فـي جغرافيـة الخدمات وتقيمها من حيث الاحتياجات والاستهلاك والتنظيم المكاني لفروع الخـدمات السكانية، تجب مراعاة طبيعة كل فرع خدمي وخصوصيته، وعدد الفـروع الخدميـة المدروسة، وأيضاً الحيز المكاني والزماني للدراسة، واتجاه الدراسة والهـدف منهـا، فضلاً عن التباين في قوة تأثير العوامل في جغرافية الخدمات السكانية.
يعدُّ من الضرورة بمكان عند دراسة تأثير العوامل البشرية وتقييمها في ظـاهرة جغرافية خدمية معينة مهما كان نوعها، أن لا يكون الحديث من الوجهـة الجغرافيـة الإقليمية، وإنما يجب تسليط الضوء على كل عامل يـؤثر فـي الظـاهرة الخدميـة المدروسة وإبراز مدى تأثيره في هذه الظاهرة هذا من جهة، ومن جهة أخرى يجـب التقيد بالحيز المكاني للدراسة (أي منطقة الدراسة) وعدم تخطي حدوده وعلى أسـاس هذه الاعتبارات جميعها، يمكن عمل لوحة متكاملة للظروف والعوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني في احتياجات السكان إلى الخدمات السكانية واستهلاكها وتنظيمهـا المكاني( أي توزعها وتطورها)، وتتمثل هذه اللوحة على النحو الآتي:
1- حجم السكان وتزايدهم.
2- حركة السكان العامة ( التغيرات السكانية) وتشمل:
أ- الحركة الطبيعية ( الفرق بين المواليد والوفيات).
ب- الحركة الميكانيكية أو المكانية( أي الهجرة الوافدة والمغادرة بأشـكالها وأنواعها كلّها وأيضاً التحركات ضمن حدود المكان – بـين مراكـزه العمرانية).
ج- الحركة الاجتماعية( الزواج والطلاق).
3- بنى السكان( تراكيب السكان): وتشمل مجموعة كبيرة من الخصائص الـسكانية، تحدّد أهميتها بحسب أهداف الدراسة ومن أهم عناصرها1 :
أ- البنى العمرية للسكان: يصنف السكان من خلالها بحسب فئات أعمارهم (أطفال، شباب، شيوخ).
ب- البنى النوعية( الجنسية): يصنَّفُ السكان من خلالها بحـسب جنـسهم (ذكور، إناث)، ويعبّر عن البنى العمرية والنوعية مـن خـلال هـرم السكان الذي يقوم على توزيع السكان في مكـان مـا بحـسب فئـات الأعمار وبحسب الجنس أيضاً، وهذا يساعد على حساب نسبة كل فئـة من الفئات السكانية( أطفال، شباب، شيوخ)، بحسب النـوع والجـنس والحالة الزواجية ونسبة العمالة وغيرها مما يتعلق بالبنية السكانية.
( 1 محمد صافيتا، محمد رفعت المقداد، عدنان عطية، أسس الجغرافية البـشرية، منـشورات جامعـة دمشق، 1999 -2000م ، ص ص61-63.).
ج- البنى الزواجية( العائلية): وتتـضمن عـدد المتـزوجين والعـازبين والمفترقين والأرامل، وكذلك قوام العائلة( أي عـدد أفـراد العائلـة) وغيرها.
د- البنى الاقتصادية (المهنية): ويصنف السكان من خلالها بحسب مهـنهم أو عملهم في القطاعات الاقتصادية المختلفة، أو بحسب دخول الـسكان في قوة العمل أو خارجها وغيرها.
ه- البنى الاجتماعية: تتضمن تصنيف السكان إلى مـدنيين وريفيـين، أو بحسب الحالة الاقتصادية للسكان( فئات غنية، متوسطة، فقيرة).
و- البنى التعليمية: تتضمن تصنيف السكان بحسب الحالة التعليميـة فـي مختلف مراحل سنوات التعليم، وكذلك تـصنيف الملمـين والأميـين ونسبتهم إلى مجموع السكان.
ز- البنى الدينية: تُصنِّف السكان بحسب معتقداتهم الدينية.
ح- البنى اللغوية: تتضمن تصنيف السكان بحسب لغاتهم الأصـلية التـي نشأوا عليها ويتطابق هذا التصنيف عادة مع البنى القومية للسكان.
ط- البنى الصحية: تستخدم كمعيار لقياس المستوى الصحي، ومدى انتشار الأمراض والأوبئة بين مجموعات سكانية دون أخـرى، كمـا تهـتم بالناحية الصحية وعدد الأطباء والممرضين والممرضات والعاملين في المجال الصحي.
يرتبط معيار البنى الصحية -إلى حد كبير- بمعيار البنـى التعليميـة، فكلما ارتفع الوعي الصحي كانت هناك منجزات كبيـرة فـي مجـال التعليم والعكس بالعكس.
ي- البنى القومية والعرقية: يصنف السكان من خلالها بحـسب قوميـاتهم وأعراقهم. تظهر دراسة البنى السكانية على شكل جداول إحصائية أو رسوم بيانية أو صور إيضاحية، غير أن أهم تلك الأشكال وأكثرها شيوعاً هو مـا يعرف بشجرة أو هرم الأعمار1.
4- أنماط حياة السكان: يقسم السكان تبعاً لأنماط معيشتهم إلى حضر وريفيين وبدو.
5- حجم مداخيل السكان وتركيبها ومستواهم المعيشي: وتتضمن دراسـة المـداخيل النقدية والعينية في آن معاً.
6- خارطة التوزع الجغرافي للسكان وكثافتهم في المكان.
7- المستوى الثقافي والحضاري للسكان .
8- إمكانية بلوغ الخدمات أو الحصول عليهـا (مـسافياً، زمنيـاً، دخليـاً، نفـسياً، حياتياً،قانونياً).
9- أحجام المراكز العمرانية وكثافتها ووظائفها وتخصصها وبنيتهـا واسـتعمالات الأراضي.
10- التقدم العلمي والتقني للمجتمع: ويقصد بذلك الإنجازات العلمية والتقنية في مجال الخدمات السكانية، وكذلك مدى مواكبة السكان لهـذه الإنجـازات والتطـورات العلمية والتقنية.
( 1 محمد صافيتا، محمد رفعت المقداد، عدنان عطية، أسس الجغرافية البشرية، منشورات جامعة دمشق، 1999-2000، ص ص 61-63.).
11- الإدارة: إن الإدارة المتطورة والحكيمة هي القادرة إدارياًَ وتنظيمياً على تنـسيق العمل في كل فرع خدمي، بما يلبـي احتياجـات الـسكان، ويحقـق الجـدوى الاقتصادية والاجتماعية لفروع الخدمات.
12- النظام السياسي، والسياسة الحكومية في مجال الخدمات السكانية.
13- الأمن والاستقرار السياسي: لا خدمات دون توافر الأمن والاستقرار في المراكز العمرانية والأقاليم.
14- الوضع البيئي( حالة البيئة). ويقصد بذلك حالـة البيئـة الطبيعيـة والحـضارية وسلامتها من الملوثات.
تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك تداخلاً بين العوامل البشرية بحيث يصعب الفصل بينها أحياناً، كما أن هناك تكراراً لبعض جوانب هذه العوامل، ولذلك يجب أخذ ذلـك كلّه بالحسبان عند دراسة أثر هذه العوامل وتقييمها في جغرافية الخدمات. وفي أثنـاء دراسة العوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني وتقييمها في احتياجات السكان إلـى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني، لابدّ من الأخذ بالحسبان طبيعة الخدمات التي يقدمها كل فرع من حيث مرونتها وخصائصها ومقوماتها ومدى الحاجة إليها وغيـر ذلك.
وتتعلق مرونة الخدمة بمدى الحاجة إليها والطلب عليها، ودورية تسوقها ومدى ارتباطها بأماكن سكن المنتفعين منها، أمّا خصائص الخدمـة فتتمثـل فـي إمكانيـة تخزينها ونقلها أو الانتقال إليها، ووجود بدائل لها، ومـدى حاجـة الـسكان إليهـا، فالخدمات التي يتعامل معها السكان كلّهم تنتشر في أنحاء المركز العمراني كلّه، أمّا التي يتعامل معها عدد محدود من السكان، فتميل نحو التركز فـي منـاطق محـددة. ويقصد بمقومات الخدمة الاشتراطات الوظيفية لتوطنها، إذْ إنَّ لكل خدمة مقومات لكي تقوم وتنمو وتتركز في مناطق دون غيرها، ويمكن حصر أهم هذه المقومات في حاجة الخدمات إلى الأراضي، والحاجة إلى المركزية بتكبير المناطق التـسويقية للخـدمات،وحاجة الخدمات إلى الهدوء والسكون، وأيضاً تأثير الوفورات الناجمة عن التجمع في توطن الخدمات، إذْ تميل بعض الخدمات نحو التوطن في أطراف المدن أو الضواحي لحاجتها إلى مساحات واسعة من الأراضي وإلى بيئة نظيفة وجميلـة لقيامهـا مثـل خدمات الرعاية الصحية، نظراً إلى انخفاض أسعار الأراضي فـي أطـراف المـدن وضواحيها، نظراً إلى انخفاض عوائد هذه الخدمات أيـضاً، بينمـا تميـل الخـدمات المعيشية العامة والشخصية نحو التوطن في داخل المدن، كما أن الخدمات التي يتعامل معها السكان كلّهم تنتشر وتتناثر في أنحاء المركز العمراني كلّه، فـي حـين تميـل الخدمات التي يتعامل معها عدد محدود من السكان إلى التوطن في مناطق محدودة1 .
يمكن القول بعامة: إن الموقع المناسب للخدمة يعدُّ مطلباً تخطيطياً مهمـاً لأنـه يحقق أقصى جدوى اقتصادية واجتماعية ممكنة، ومن الضروري في هذا المجال أيضاً (أي من أجل تحقيق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية) أن تتناسب القـدرات الـسعوية (أي القدرة التخديمية) لفروع الخدمات السكانية مع عدد الأفـراد الـذين تقـدم لهـم خدماتها، وهذا ما يعرف بالعتبـة الحديـة2. ونظـراً إلـى أن المراكـز العمرانيـة الكبيرة(المدن الكبيرة) تشكل مراكز خدمية كبيرة لساكنيها ولأعداد غفيرة تفد إليها من الأرياف والمدن الأخرى القريبة والبعيدة أحياناً ولاسيّما مراكز هذه المدن التي تـسمى أحياء المال والأعمال أو الأحياء التجارية فمن الأهمية بمكان أن تكون مقدرة(سـعة) هذه الأجزاء الخدمية كافية لتلبية الطلب العالي دون اختناقات حادة.
- منظومة العوامل البشرية المؤثرة في التباين المكاني في احتياجات السكان إلـى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني في المراكز العمرانية والأقاليم:
تمثل الخدمات السكانية عنصراً أساسياً وهدفاً رئيساً في حياة الإنـسان، فقـد سـخّر الإنسان طاقاته وإمكاناته كلّها من أجل تطويرها، لأنها مصدر راحته ورفاهيته وتقدمه وتطوره. فالإنسان هو غاية الخدمات ومبتغاها.
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص 182-187.
2 المرجع السابق نفسه، ص122.).
وتتمثل منظومة العوامل البشرية المؤثرة في احتياجات السكان إلى الخدمات استهلاكها وتنظيمها المكاني في الآتي:
1- حجم السكان وتزايدهم:
يعدُّ توفير الخدمات بشكل يتوافق مـع أعـداد الـسكان وتزايدهم في المركز العمراني أو الإقليم، عاملاً حاسماً فـي التبـاين والتنظـيم المكانيين لفروع الخدمات السكانية في هذا المركز العمراني أو الإقليم. توجد عتبات حدية لكل مجال من مجالات الخدمات الـسكانية مـن الـضروري مراعاتها في كل مركز عمراني بـشري حتـى تتحقـق الجـدوى الاقتـصادية والاجتماعية لكل خدمة. ولكي تحقق مجالات( فروع) الخدمات السكانية جـدواها الاقتصادية والاجتماعية يجب أن تتناسب قدراتها السعوية (أي طاقاتها التخديمية) مع عدد الأفراد الذين تقدّم لهم خدماتها، فمثلاً يجـب أن تكـون دار الحـضانة مخصصة لـ 36 طفلاً على الأقل، وأن تتسع روضة الأطفـال لــ18 طفـلاً، والمطعم لـ40 شخصاً على الأقل... الخ،
وهكذا بالنسبة إلى بقية المجالات (الفروع) الخدمية، ولهذا كله لا يمكن أن تتحقق الجدوى الاقتصادية والاجتماعية لمجالات أو فروع الخدمات السكانية في المراكز العمرانية الصغيرة، ولكن يمكن تزويد هذه المراكز الصغيرة بـبعض المنـشآتالخدمية الضرورية ذات الاحتياجات اليومية1 .
يتضح ممّا سبق أن عدد السكان يحدد حجم الخدمات ونوعيتهـا والحاجـة إليهـا ودرجة استهلاكها وخارطة توزعها الجغرافي ضمن المراكز العمرانية والأقاليم، حيث يزداد حجم حاجة السكان إلى الخدمات وتخصصها واستهلاكهم لها، وكذلك توزعها الجغرافي مع ازدياد أعداد السكان في المركز العمراني أو الإقليم.
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص121-123.).
2- حركة السكان العامة ( التغيرات السكانية):
يوجد نوعان من الحركة أو التغيرات السكانية أولها الحركة الطبيعية، وتتمثل في الولادات والوفيات، والفارق بينهما يحدد معدل النمو الطبيعي في مركز عمرانـي أو إقليم معيّن، وثانيها الحركة الميكانيكية أو المكانيـة، وتتمثـل بـالهجرة، أي بأعـداد الوافدين والمغادرين في مركز عمراني أو إقليم معين، وأن الفارق بين الوافدين يحـدد صافي الهجرة، إيجابياً كان أم سلبياً؟.
ونتيجة جمع معدل النمو الطبيعي مع صافي الهجرة نحصل على معـدل النمـو السكاني في مكان ما. يمكننا أن نضيف إلى ما تقدم نوعاً ثالثاً من الحركة هو الحركة الاجتماعية( أي الزواج والطلاق) وسنتكلم عنها تحت فقرة البنى العائلية أو الزواجيـة للسكان.
يحدد معدّل الولادات الاحتياجات إلى منشآت خدمية لرعاية الأمهات والحوامـل والأطفال، كما يحدد مدى الحاجة إلى رياض الأطفال ودور الحضانة ومدارس التعليم الأساسي الحلقة الأولى وغيرها. ويؤثر معدل الوفيات الخام ووفيـات الأطفـال دون الخامسة من العمر وكذلك وفيات الأطفال الرضع والأمهات في جعل الحاجة ماسة إلى مزيد من المنشآت الخدمية للرعاية الصحية والاجتماعيـة وأيـضاً تجـارة المفـرق والخدمات المعيشية العامة والشخصية التي تكفل للإنـسان الوقايـة مـن الأمـراض والتغذية الجيدة، الأمر الذي يسهم إسهاماًَ كبيراً في خفض معـدل الوفيـات، كمـا أن ارتفاع معدل الوفيات يزيد من احتياجات السكان إلى خدمات مكتب دفن الموتى.
تؤدي هجرة السكان وسهولة (مرونة) حركتهم، مثل تغيير مكان الإقامة والهجرة الموسمية للعمل وأيضاً التنقل وراء الخدمات ومن أجل الـسياحة والاسـتجمام، دوراً مهماً في تحديد احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمهـا المكـاني فـي المركز العمراني أو الإقليم، وبقدر ما تكون الحركة سهلة ومرنة، يكون المستوى العام للحاجات كبيراً، وتزداد الحاجة لبناء المزيد من المنشآت الخدمية لتلبية هذه الحاجـات الخدمية للسكان. فالإنسان عندما يتنقل ويسافر فإنه يرى ويقارن بين الأمكنة ويـصبح لديه معايير لما يجب أن تكون عليه الخدمات في المكان وإيجاد ما هو غائـب منهـا، فالانتقال وخاصة إلى المدن الكبرى ذات الخدمات المتخصصة والمتطورة يزيـد فـي الطلب على الخدمات1.
يشعر المهاجرون العائدون إلى قراهم من المدن الكبرى، أو العائدون إلى بلدانهم من البلدان المتقدمة أن لديهم شراهة للخدمات الجديدة والراقية، ولديهم شعور ورغبـة وطلب على الخدمات الكمالية وكذلك بالحاجة إلى خدمات أكثر وأجود2 .
يشكل نقص الخدمات السكانية أو عدم وجودها في المراكز العمرانيـة الريفيـة والنائية سبباً في هجرة بعض السكان من الريف إلى المدن. وبخاصـة إلـى المـدن الكبرى منها وبالتحديد إلى العاصمة. وينجم عن الهجرة الكبيـرة والمـستمرة وغيـر المنتظمة من الأرياف إلى المدن في البلدان النامية اختلالات فـي توزيـع الخـدمات السكانية، ونتيجة للهجرة المستمرة وارتفاع نسبة سكان المدن، تتعرض الخدمات فـي هذه المدن إلى الإجهاد والضغط على منشآت الخدمات السكانية الشبكية والنقطية مثـل الماء والكهرباء والهاتف والصرف الصحي و التعليم والصحة ونقل الركاب وغيرها، وكثيراً ما تعجز قدرة البلد عن توفير مثل هذه الخدمات على الوجه الأكمل.
تعدُّ التنمية الريفية إحدى الاستراتيجيات الشائعة في كثير من البلدان النامية للحـد من الهجرة من الريف إلى المدينة، وذلك من خـلال تحـسين الخـدمات والأحـوال المعيشية لسكان الريف3.
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص 148 -149.
2 المرجع السابق، ص ص170-171.
3 تقرير المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة – جدول الأعمال. ص ص107-111.)
وتوثر وتائر نمو السكان في الحاجات المستقبلية لتطوير قطاع الخدمات بحيـث يجاري هذه الوتائر أو يتفوق عليها من أجل تحسين الأوضاع الخدمية فـي المراكـز العمرانية الريفية والحضرية، فأي تغير في حركة الولادات والوفيات والهجرة الوافـدة والمغادرة له منعكسات خدمية محددة1. تجدر الإشارة هنا إلى أن التغير في حركة السكان والعمـران وتطـور شـبكة الطرق يؤدي إلى التغير في جذب السكان إلى الخدمات، وهذا يؤدي بدوره إلى تغيـر في التنظيم المكاني لقطاع الخدمات2.
3- بنى السكان( تراكيبهم):
تقوم دراسة البنى السكانية على تحليل خصائص المجموعات البشرية3، وتتضمن دراسة البنى السكانية مجموعة كبيرة من الخصائص السكانية تؤثر في الحاجـة إلـى الخدمات السكانية واستهلاكها وتنظيمها المكاني، وأهم البنى السكانية التـي اعتمـدها الباحثون في مجال الدراسات السكانية هي:
أ- البنى العمرية:
تختلف الحاجة إلى الخدمات إنتاجاً واستهلاكاً وكماً ونوعاً وتنوعاً باختلاف الفئات العمرية للسكان، فهناك الأطفال والشباب والشيوخ، ولكـل فئـة خدماتها التي تقدمها منشآت خدمية معينة، مثل رياض الأطفال ودور الحـضانة ومشافي الأطفال والمدارس للأطفال، ودور المسنين والعجـزة للفئـة العمريـة المسنة ممن تتجاوز أعمارهم السبعين أو الثمانين سنة، والمنشآت الرياضية للفئة العمرية الشابة4. وإن الحاجة إلى المنشآت الخدمية الخاصة بالأطفال أو الـشيوخ أو الشباب يجب أن تتوافق مع أعدادهم بما يلبـي احتياجـاتهم مـن الخـدمات السكانية.إن كل ما ذكرناه لا ينفي وجود منشآت خدمية تقدم خدماتها إلى الفئـات العمرية كلّها مثل منشآت الرعاية الصحية، وكذلك خدمات تجارة المفرق والتغذية العامة والخدمات المعيشية العامة والشخصية وغيرها، لكن مـع تبـاين الطلـب بحسب الفئة العمرية.
(1 محمد ابراهيم صافيتا، عدنان سليمان عطية، جغرافية المدن والتخطيط الحـضري، مرجـع سـابق، ص325.
2 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، مرجع سابق، ص ص423 -424 .
3 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية الوطن العربي البشرية والاقتصادية، منشورات جامعة دمشق، 2003-2004 م، ص 159.
4 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص147 .).
ب- البني النوعية:
تتضمن تصنيف السكان بحسب نوعهم أو جنسهم إلى ذكـور وإناث، ويؤثر هذا العامل في الحاجة إلى بعض أنواع من الخـدمات تخـص الإناث، مثل خدمات رعاية الأمهات والحوامل، ومحـلات بيـع العطـورات وأدوات التجميل النسائية، وكذلك الملابس النـسائية والحلـي والمجـوهرات وغيرها، والشيء نفسه بالنسبة إلى الذكور، فهناك خدمات خاصة بهـم مثـل صالونات الحلاقة الرجالية والحمامات الرجالية، ومحلات بيع الألبسة والأحذية الرجالية وغيرها.
ج- البنى العائلية (الزواجية):
يقصد بها الحالة العائلية التي تتضمن عدد المتزوجين والعازبين والمطلقين والأرامل ونسبتهم إلى مجموع السكان في سن الـزواج1، كما تتضمن البنى العائلية قوام العائلة (أي عدد أفراد العائلة)، ويحدد هذا النـوع من بنى السكان مساحة المساكن أو الشقق( شقق لشخص واحد، شـقق لعـائلات متباينة في أحجامها وتركيبها)، كما يحدد الحاجة إلى موضوعات الانتفاع الـدائم الطويل الأمد في المسكن( مثل الأثاث المنزلي، والأجهزة الكهربائية وغيرهـا)، إنَّ وجود أفراد في الأسرة يعملون في تدبير شؤون المنزل يقلّص من الاحتياجات إلى بعض أنواع الخدمات السكانية (مثل رياض الأطفال ومحلات التغذية العامـة والحمامات وغيرها)2 . تؤثر هذه البنى في الحاجة إلى المؤسـسات التـي تهـتم بقضايا الزواج والطلاق وانتقال الإرث والتبني ورعاية الصغار.
(1 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية الوطن العربي البشرية والاقتصادية، مرجع سابق، ص60.
2 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرج سابق، ص147.)
د- البنى التعليمية والاقتصادية ( المهنية) :
تظهر آثار المستوى التعليمي والثقافي للسكان في مجتمع ما في سلوكية الإنسان وتصرفاته ضن مجتمعه وانعكاس ذلك على الحياة العامة، ففي المجتمعات ذات المستوى التعليمـي والثقـافي المرتفـع تتطور الحياة ضمن الأنظمة والقوانين والمعتقدات العامة، ومن ثمَّ تكون الحيـاة رتيبة يتحقق فيها متطلبات الحياة الأساسية كلّها، وخاصة الخدمية منها، أمّا فـي المجتمعات المتخلفة تعليمياً وثقافياً فنجد العكس، حيث تنتشر الفوضى والأفكـار المتخلفة المتوارثة وذلك بعيداً عن الأنظمة والقوانين، وينتج عـن ذلـك حيـاة فوضوية غير منتظمة يديرها الجهل، ولا تتوافر فيها المتطلبات الأساسية للحيـاة مثل الخدمات، حتى وإن توافر بعضها فهي ليست ضمن المعايير والمواصـفات المحددة1 .
يمكن الإشارة هنا إلى أنه بقدر ما يكون التحـصيل العلمـي للفـرد مرتفعاً، ونصيب المشتغلين بالعمل الماهر وخاصة الذهني منه مرتفعـاً أيـضاً، يكون المستوى العام للحاجات الخدمية واستهلاكها مرتفعاً وأكثر تنوعـاً ورقيـاً، خاصة الحاجات الثقافية والروحية، ومع ارتفاع المـستوى التعليمـي والثقـافي للسكان تزداد الحاجات الخدمية المرتبطة بتـوفير النـوادي والمراكـز الثقافيـة والمكتبات العامة والنوادي الرياضية والنقابات والجمعيات الأهليـة والمعـارض والمهرجانات المختلفة... وغيرها2، ويحدد التركيب المهنـي دخـل العامـل أو الموظف أو حتى الأسرة بالكامل، ومن ثمَّ تختلـف الحاجـات والنفقـات علـى الخدمات بشكل كبير بين أسرة عامل عاطل عن العمل أو موظف براتب زهيـد أو محام أو تاجر أو متعهد بناء .. الخ 3 .
(1 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية، مرجع سابق، ص 73.
2 محمد ابراهيم صافيتا ، عدنان سليمان عطية، جغرافية المدن والتخطيط الحضري، مرجـع سـابق، ص 325.
3 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق ، ص ص 147 -148)
ه- البنى الدينية والعرقية للسكان:
تؤثر البنى الدينية والعرقية والعـادت والتقاليـد الاجتماعية والثقافات المختلفة في الحاجة إلى أنواع محددة من الخدمات الدينية- الروحية مثل المساجد أو الكنائس أو المعابد، والحاجة إلى أنـواع محـددة مـن الطعام أو تحريم بعض الأطعمة والأشربة، فالمدن أو الأحياء الإسلامية تختلـف في ذلك عن المسيحية أو اليهودية، كما تختلف عن البوذية أو غيرها من الديانات الوثنية1.
لا يقتصر تأثير المعتقدات الدينية والعادات والتقاليـد القوميـة علـى الحاجـات الخدمية للسكان فحسب، وإنما أيضاً فـي طريقـة الحـصول علـى الخـدمات واستهلاكها الفعلي وتوزعها الجغرافي في المكان، فهناك قوميات تحرّم أكل لحم البقر وأخرى تحرم لحم الخنزير وثالثة تحرم المـشروبات الكحوليـة أو تعـدد الزوجات، وبالمقابل هناك شعوب تفضل الأرز علـى القمـح وأخـرى تفـضل البطاطا أو المعكرونة على الاثنين معاً 2.
4- أنماط حياة السكان:
تختلف حاجات السكان للخدمات واستهلاكهم لها بـاختلاف أنماط حياتهم (مدنيون، ريفيون، بدو)، فالبدوي الذي يعيش حياة تنقل وترحال لا يحتاج إلى خدمات السكن الثابت والمرافق، فحياته تنقل وسعي وراء الماء والكلأ لإطعام قطيعه، وخيمته سهلة الفك والنقل وإعادة التركيب حيث يحلّ مؤقتاً، كمـا أنه لا يحتاج إلى الكهرباء ويؤمن احتياجاته من الماء بالصهاريج ويقضي حاجاته في العراء.
(1 بوكشيشيفسكي. ف.ف، الحاجة إلى الخدمات بحسب تراكيب السكان وأنماط العمران، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو.1974، نقلاً عن محمد إبراهيم صافيتا، عدنان سليمان عطيـة، جغرافيـة المـدن والتخطيط الحضري، مرجع سابق، ص325.
2 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق ص148 .)
تستوجب حياة التنقل والترحال هذه وجود خدمات متنقلة تتماشى مع حياة البداوة وتلبي حاجاتهم الخدمية المختلفة التعليمية والصحية وتجارة المفرّق وغيرها، ولا يتطلب النمط البدوي خدمات البنى التحتية الأساسية- التقنية التـي تأخـذ شـكلاً خطياً أو شبكياً، ولا تتطلب الخدمات الثابتة في المكان وهذا يعني أنه لا يمكن أن تكون خدماته كاملة وراقية، كما أن كثيراً من الحاجات الخدمية التي لا يقيم لهـا سكان الريف أهمية تذكر هي ضرورية غالباً عند سكان المدن( مثـل حـضور المسرحيات والسياحة و الاستجمام في أيام العطل.. الخ )، إن هذا يستدعي وجود المنشآت الخدمية الخاصة بهذه الحاجات في المدن أكثر من الأرياف بكثير.
ينظر الريفيون إلى أن إقامة المسنين في دور رعاية المسنين، علـى أنهـا أمـر معيب بحق المسنين، بسبب حب السكان الريفيين المسنين للعيش مع ذويهم، فـي حين يعدُّ هذا الأمر مألوفاً وطبيعياً عند كثير من سكان المـدن . وتعـدُّ خـدمات مكتب دفن الموتى حكراً على سكان المدن فقط.
يعدُّ الاقتصاد الشخصي المنزلي ذا أهمية خاصة في حياة سكان الأرياف، لـذلك فإن المطاعم لا تحتل أية أهمية في حياتهم، كما أن ازدياد عدد أفـراد الأسـرة الريفية وعدم عمل المرأة في النشاطات غير الزراعية يجعل الحاجـة إلـى دور الحضانة ورياض الأطفال شبه معدومة في كثير من القرى1 .
وهكذا وبحسب نمط أو أسلوب معيشة السكان يكون لدينا أنماط من المـستهلكين للخدمات بحسب شراهة أو أحجام السكان عند استهلاك هـذه الخـدمات، مـن المستهلك المتخلف (أو المحجم عن الاستهلاك) إلى الراضي، إلى الباحـث عـن الخدمات في مكان آخر إلى المنتظر ظهور الخدمة كي يستهلكها إلى المـستهلك النهم... الخ .
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق ، ص149.).
5- حجم مداخيل السكان وتركيبهم ومستواهم المعيشي: تـؤثر مـداخيل الأفـراد والأسر في حجم الاستهلاك للخدمات المختلفة. وفي نوعية الخدمات المطلوبـة، فكلّما ازدادت المداخيل ازدادت الحاجة إلى الخدمات المأجورة الراقيـة والغاليـة الثمن، وأيضاً إلى الخدمات المعمرة والكمالية والثقافية والأثاث الفاخر والسيارات والسياحة..الخ. ويحدد هذا العامل أيضاً درجة التناسب بين الخدمة الذاتية (التـي يقوم بها الفرد بذاته) والخدمة الاجتماعية ( التي يقوم بها المجتمع)، إذ مع ارتفاع المداخيل تسقط وتزول ضرورة الخدمة الذاتية في تدبير شؤون المنزل والأسرة1. كما أن ارتفاع نسبة النساء العاملات يزيد من الحاجة إلى رياض الأطفـال ودور الحضانة وإلى المطاعم تقديم الطعام الجاهز، وإلـى المغاسـل ووسـائط النقـل والمؤسسات القضائية التي تبت في الخلافات العائلية وإلـى مكاتـب المحـامين وغيرها2 .
تعدُّ ظاهرة الأسواق الرأسية ( المول) ظاهرة خدمية تكاد تقتصر على الأحيـاء الراقية التي يسكنها الأثرياء، وفي المقابـل تعـدُّ أسـواق الأرصـفة والباعـة المتجولون ظاهرة مميزة للأحياء الشعبية التي يسكنها الفقراء ومتوسطو الحال3.
إن امتلاك العائلة لمداخيل عينية( مثل إنتاج الغذاء من اللحم والبيض والحبـوب والخضار والفاكهة وغيرها) يخفّض حاجاتها إلى خدمات تجارة التجزئة والتغذية العامة4 . ويخص هذا الأمر سكان الريف الذين ينتجون معظم ما يحتاجون إليـه، وخاصة في فصل الصيف( فصل جني معظم المحاصـيل الزراعيـة) كمـا أن التموّن بالمواد الغذائية يقلل الحاجة إلى شراء الغذاء في بقيـة فـصول الـسنة، وأيضاً التموّن بالحطب يقلل من الحاجة إلى المشتقات النفطية شتاء.
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص150.
2 محمد إبراهيم صافيتا، عدنان سليمان عطية، جغرافية المدن والتخطيط الحـضري، مرجـع سـابق، ص ص 324-325.
3 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص187.
4 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، مرجع سابق ، ص416 وممـدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص150.).
6- التوزع الجغرافي للسكان وكثافتهم في المراكز العمرانية والأقاليم:
يؤدّي هـذا العامل دوراً حاسماً في توزع فروع الخدمات السكانية ومنشآتها داخل المراكـز العمرانية والأقاليم، إذ من الضرورة أن تتوافق خارطة تـوزع الخـدمات مـع خارطة توزع السكان وتغير كثافتهم، بما يلبي حاجات الـسكان مـن الخـدمات واستهلاكهم لها، كما أن الطلب على الخدمات يزداد حيث ترتفع كثافة الـسكان، لذلك من الضروري في أماكن الكثافة السكانية المرتفعة وجود شبكة كثيفة مـن المنشآت الخدمية تتوافق وتنسجم مع كثافة السكان في هذه الأماكن.
يُفضَّل وجود الخدمات المتنقلة لتلبية الحاجات الخدمية للسكان، في المناطق ذات التوزع الجغرافي المخلخل (المبعثر) والكثافة المنخفضة للسكان، فمـثلاً بالنـسبة إلى المدارس يستحسن نظام الدراسة الداخلي (أي أن يقيم التلاميذ في المدرسة أو بجانبها مع تقديم الطعام والشراب للدارسين والسماح لهم بزيارة الأهل في عطلة نهاية الأسبوع فقط)، أو من خلال نقل هؤلاء الدارسين بوسائط نقل من بيـوتهم إلى المدارس وبالعكس1. كما أن الكثافة السكانية العالية تعيق تطور الخـدمات، وتقلل من كفاءة أدائها ومن العمر الزمني للمنشآت الخدمية على اختلاف أنواعها، ونتيجة لذلك تعاني البلدان النامية مشكلات في الخدمات، خاصة في المدن الكبيرة التي تظهر فيها الأحياء العشوائية والتوسع العمراني العـشوائي داخـل المـدن وخارجها.
تعدُّ من الأهمية بمكان عند دراسة التنظيم المكاني العقلاني للخدمات الـسكانية في المدينة، دراسة توزع السكان في الفترتين النهارية والليليـة، بخاصـة فـي الأجزاء المركزية والإدارية للمدينة التي تشهد أعداداً كبيرة من الوافدين، حيـث تختلف الكثافة السكانية النهارية بشكل واضح عن الكثافة الليلية2. ومن الأهميـة بمكان مراعاة أوضاع المراكز والمواقع التي يزورها السواح بكثافة في الموسـم السياحي الصيفي غالباً حيث يتضاعف الطلب عدة مرات على بعض الخـدمات مثل: المبيت، والطعام، والشراب، والنقل، والترفيـه، والجـولات، والمـسابح، والمتاحف، ومكاتب الاستعلامات... الخ .
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص60.
2 علي محمد دياب، مناهج البحث العلمي وطرائقه في الجغرافية البشرية، منشورات جامعـة دمـشق ، 2009 -2010م، ص 350. ).
7- المستوى الثقافي والحضاري للسكان:
يشتمل العامل الثقـافي علـى المعرفـة والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والأعراف التي يكتسبها الإنسان في مجتمع ما، ويمكن التمييز بين نوعين من الثقافة، أولهما الثقافة الماديـة التـي أنتجتهـا التكنولوجية وأحدثت التطور والتقدم البشري، وثانيها الثقافة اللامادية المتمثلة في العادات والتقاليد التي تعبر عن القيم والأفكار والمعتقدات1، حيث تـنعكس آثـار ثقافة أبناء المجتمع سلباً أو إيجاباً على نوع الخدمات وكفاءتها. فعنـدما يكـون المجتمع مثقفاً ومتحضراً يكون أفراده على درجة عالية من الترتيـب والالتـزام بالأنظمة والقوانين التي تنعكس إيجاباً على بيئته، فهم يحافظون علـى المنـشآت الخدمية ومحتوياتها لشعورهم بأنها ملك لهم، ولذلك يجب الحفاظ عليهـا وعـدم العبث فيها، أمَّا في المجتمعات المتخلفة ثقافيـاً وحـضارياً فيـسود مراكزهـا العمرانية الإهمال والتخريب والتخلف في جوانب الحيـاة الإنتاجيـة والخدميـة بفروعها كلّها، فمعظم أبناء هذه المجتمعات يفتقرون إلى الشعور بالمسؤولية حيث يعبثون ويخربون المنشآت الخدمية ومحتوياتها، وهذا ما يجعـل أداء الخـدمات وكفاءتها ضعيفاً في هذه المجتمعات2 ويلجأ قسم كبير من سـكان المجتمعـات المتخلفة إلى التبول والتغوط في مقصورات الهاتف وأنفاق عبور المـشاة، كمـا يلجأ هؤلاء إلى سرقة الماء والكهرباء والهـاتف وصـنابير الميـاه ومـصابيح الكهرباء وإلقاء الأوساخ في الشوارع أو من النوافذ وغير ذلك.
(1 علي الميلودي عمورة، المعايير التخطيطية في المجال الحضري، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمـي لهيئة المعماريين العرب، طرابلس،2001م، ص19 .
2 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية، مرجع سابق ، ص65.).
يسود الانحلال الخلقي الذي يؤدي إلى انتشار كثيـر مـن الأمـراض المتعلقـة بالاتصال الجنسي عندما يقل التمسك بالقيم ، مثل الإيـدز والـسفلس والـسيلان وغيرها، كما يؤدي إلى الانتشار الواسع لمتعاطي المخدرات والكحول في أوساط الشباب، وتسود الجريمة، وهذا يتطلب إنشاء المزيد من المـشافي والمـصحات لمعالجة الأمراض الناجمة عن الإدمان، وكذلك إنـشاء الإصـلاحات لمعالجـة المدمنين على المخدرات والكحول، والسجون للمجرمين أيضاً، وهذا ما يزيد من نفقات الدولة على مثل هذه الخدمات بدلاً من أن تتجه هذه الأموال نحو تحـسين المستوى المعيشي والثقافي للسكان.
تجدر الاشارة إلى أن الحاجة إلى الخدمات كماً ونوعاً وتنوعاً تزداد مـع زيـادة تطور المجتمعات ثقافياً وحضارياً.
8- إمكانية بلوغ الخدمة أو الحصول عليها (مسافياً، زمنياً، دخلياً، نفسياً، حياتياً، قانونياً):
يعني هذا إمكانية الوصول إلى الخدمة بأقصر مسافة وأقل زمن وبأقـل النفقات وبشكل مريح للنفس والجسد ودون مشقة وتعب، وأن يكـون الحـصول على الخدمة ميسّراً وغير محفوف بالمخاطر، ولا يهدد حياة المـستفيدين منهـا، وأخيراً أن لا يكون مخالفاً للقوانين والدساتير في الدولة.
يؤثر هذا العامل تأثيراً كبيراً في نمو الاحتياجات لخدمية للسكان. ويفيد الإنـسان من الخدمة عندما تتوافر له المنشأة التي تقدم هذه الخدمة، وكذلك عندما تتـوافر لديه الإمكانية والفرصة والوقت لذلك (مثل خدمات التغذية العامـة، والخـدمات المعيشية العامة والشخصية والخدمات الثقافية وغيرها). تجدر الإشارة هنا إلـى أن لكل خدمة معينة إمكانية بلوغ مسافية، وزمانية وقانونية، ودخلية (إمكانية دفع تكلفتها أو ثمنها)، ونفسية وحياتية مختلفة، فهناك خدمات تمنع عن بعض الناس، أو يحتكرها بعضهم بقوة القانون (تشريعات تجيز لبعضهم وتمنع الآخـر) مثـل خدمات بعض النوادي، وبعض التخصصات العلمية تحتاج إلى معدل محدد وإلا لذهب الطلاب كلهم إلى كلية الطب، وبعض المنشآت الصحية، وبعض الحدائق، وبعض الشواطئ والمسابح، والمرائب، والمخيمات... الخ، وتؤدي المسافة التـي يقضيها المستفيد (الزبون) للوصول إلى الخدمة دوراً كبيراً في إقبال الزبائن على هذه الخدمة من عدمه، ولعلّ توسط الخدمة لإقليمها الخدمي تمكِّن الزبـائن مـن التمتع بإمكانية وصول متساوية، أمَّا إذا تطرف هذا الموقع فإنه لن يـؤدي دوره بالشكل الأمثل، وتعدُّ إمكانية بلوغ الخدمة من المعايير المهمـة التـي توضـح مستوى تطور الخدمة وكفاءتها وتأديتها لوظيفتها 1 .
9- أحجام المراكز العمرانية واتجاهات توسعها، وكثافتها، ووظائفها وتخصـصها، وأنماطها وبنيتها الداخلية واستعمالات الأراضي فيها :
تؤثر أحجـام المراكـز العمرانية ووظائفها في إنتاج الخدمات واستهلاكها، وإن توافر الخدمات الجيـدة والمتناسبة مع أحجام المراكز أمر ضروري جداً، فلا يمكن مثلاً إقامة جامعة أو مشفى تخصصي أو مصرف في قرية أو مدينة صـغيرة، فالخـدمات الـسكانية تتطور مع ازدياد أحجام المراكز العمرانية وتطور مجتمعاتها( سكانها).
يضاف إلى الحجم السكاني الحجم الأفقي المساحي للمركز العمراني، ويتمثل فـي الحيز المكاني الذي تشغله أبنية ومنشآت ومرافق المركز العمراني، وهناك الحجم الشاقولي ويتمثل في ارتفاع الأبنية أو تعدد طوابقها وبحسب اسـتخدام المجـال تحت الأرضي في البناء والخدمات المختلفة2 .
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص151.
2 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية العمران، منشورات جامعة دمشق 2003 -2004، ص211.).
إنَّ التوسع في إقامة شبكة المنشآت الخدمية السكانية ضرورة تقتـضيها عمليـة التطور الاجتماعي، وذلك لتلبية حاجات السكان المتزايدة في المراكز العمرانيـة ذات الأحجام المختلفة والوظائف المتنوعة، وهناك عتبات حدية لعدد السكان لكل مجال من مجالات الخدمات السكانية، ويتحدد هذا العدد السكاني بالطلب المتكرر على الخدمة وبنسبة المستهلكين من السكان، وكلما كان عدد الزبائن قليلاً وجـب إيجاد شبكة أكثر كثافة للمنشآت الخدمية، ولما كان من المتعذر تلبيـة حاجـات السكان في مكان إقامتهم فقد كان من الضرورة وجود درجات متعددة لتلبية هـذه الحاجات؛ وذلك بحسب أحجام المراكز العمرانية مـن أجـل تحقيـق الجـدوى الاقتصادية والاجتماعية لكل خدمة1.
توجد على هذا الأساس مراكز للخدمات المحلية، وأخرى للخـدمات الإقليميـة، وثالثة للخدمات على المستوى بين الإقليمي، ورابعة على مستوى البلد أو البلدان المجاورة، ولا يخلو الأمر من وجود مراكز للخدمات على مستوى العالم2. مثـل مراكز السياحة الدولية المشهورة، والمراكز التجارية الدولية، ومراكز الموضـة المتميزة، ومراكز السينما العالمية .. وغيرها، ولكي تحقـق فـروع الخـدمات السكانية جدواها الاقتصادية أو عتباتها الحدية يجب أن تتناسب قدراتها الـسعوية (أي طاقاتها التخديمية) مع عدد الأفراد الذين تقدم لهم خدماتها، ولهـذا كلـه لا يمكن أن تتحقق الجدوى الاقتصادية لكل فروع الخدمات السكانية فـي المراكـز العمرانية الصغيرة3 .
(1 ممدوح شعبان، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص121.
2 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية العمران، مرجع سابق، ص 344.
3 ممدوح شعبان، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص122.).
أما في المدن الكبرى ذات الوظائف الإدارية المتعددة، فنجد تشكيلة خدمية واسعة ومتطورة ومتخصصة. يمكن الإشارة هنا إلى أن حاجـات السكان إلى الخدمات تتباين باختلاف حجم المركز العمراني، كمـا تتبـاين بـين القرى النائية وتلك التي تقع في ضواحي المدن الكبرى، فألف من سكان المدينـة احتياجاتهم أكثر من ألف من سكان منطقة ريفية.
تقسم وظائف المركز العمراني إلى قسمين: الوظائف الخادمة للمركز العمرانـي، والوظائف المشكّلة والمطوّرة للمركز العمراني، وتحت كل منهما تندرج وظائف ونشاطات إنتاجية وخدمية عديدة. فبالنسبة إلى الوظائف الخادمة (أو الاستهلاكية) يقوم عدد من سكان المدينة بخدمة بقية سكانها من خلال نـشاطهم الإنتـاجي أو الخدمي (مثل خدمات السكن والمرافق، وكـذلك الخـدمات الأمنيـة والـصحية والتعليمية والمعيشية والثقافية والمالية والرعاية الاجتماعية ونقل الركاب والتغذية العامة وغيرها من الخدمات)، إن هذه الخدمات جميعها موجهة لتلبية حاجة سكان المركز العمراني وإشباع رغبات ساكنيه بالدرجة الأولى، أمَّا الفائض عن الحاجة فيوجه لخدمة سكان ضواحي المدينة أو منطقة نفوذها، ويـدخل فـي الوظيفـة المشكلة للمركز.
تتمثل الوظيفة المشكّلة والمطوّرة للمركز العمراني فـي النـشاطات الإنتاجيـة والخدمية التي يقوم بها سكان المدينة والتي تفيض عـن حاجـة سـكانها ويـتم تصديرها إلى ظهير المدينة القريب أو البعيد (أي نطاق نفوذ تأثير المدينـة)، أو بيع هذه السلع والمنتجات ضمن أسواق المدينة ليس لسكان المدينة وإنما للقادمين إليها، ولذلك تسمى الوظائف المشكِّلة والمطوّرة للمدينة بالوظائف التـصديرية أو القاعدية أو الرئيسة أو التطويرية، فهي تشكّل الركيزة الاقتصادية لتنمية المركـز العمراني وتطويره1.
إن وظائف المراكز العمرانية تؤثر في أحجامها، فالوظائفاالزراعية والرعوية والصيدية وإلى حد ما السياحية والتعدينية واستثمار الغابـة، ينتج عنها مراكز عمرانية صغيرة إلى متوسطة الحجم. ولكن إذا تم استكمال مـا تقدّم بالصناعات التحويلية، فينتج عن ذلك مراكز عمرانية كبيـرة، ومثـل ذلـك بالنسبة إلى مراكز متعددة الوظائف التي تكون فيها الوظائف الخدمية متطورة.
يمكن الإشارة هنا إلى أن هناك علاقة بين المركز العمراني وتعدد وظائفه مـن جهة وبين تشكيلة الخدمات السكانية الموجودة فيه من جهة ثانية، وهذا ما ينعكس على حاجة السكان للخدمات واستهلاكهم لها، فكلمـا كبـر المركـز العمرانـي وتعدّدت وظائفه تنوعت تشكيلة طاقم الخدمات السكانية وتحسنت نوعيتها2.
تُشكِّل أغلب المدن مراكز خدمية مهمة بالنسبة إلى محيطها (لظهيرهـا) الريفـي ومن الصعوبة بمكان توفير كامل الخدمات في الأرياف، بسبب عدم توافر العتبة الضرورية من الزبائن في المراكز الريفية قليلة السكان، وهذا عامل مهم جداً في التنظيم المكاني لقطاع الخدمات السكانية في الأرياف، وبالمقابل تعتمد المدن على ظهيرها الريفي في السياحة القريبة.
تعدُّ كثافة المراكز العمرانية عاملاً مهماً في تباين حاجات السكان إلى الخـدمات واستهلاكهم لها، إذْ إنَّ تبعثر المراكز العمرانية وتخلف النقل فيما بينها يزيد مـن درجة الاستقلالية والعزلة(أي الاعتماد على الذات في تأمين حاجات السكان مـن الخدمات)، مما يضاعف من الطلب على زيادة طاقة المنشآت الخدميـة وأعـداد العاملين في القطاع الخدمي3 . وعندما تزداد كثافة المراكـز العمرانيـة تتقـوى العلاقات المكانية الخدمية بين هذه المراكز، الأمر الذي يسهم في تلبية حاجـات السكان إلى الخدمات واستهلاكهم لها وتنظيمها المكاني أيضاً، وتختلف الخـدمات السكانية كماً ونوعاً وتنوعاً تبعاً لنمط المركز العمرانـي، فـالمراكز العمرانيـة الحضرية (المدن) ذات تشكيلة واسعة ومتنوعة من الخدمات السكانية، بخـلاف المراكز العمرانية الريفية التي تتميز عموماً بقلة خدماتها ورداءة نوعيتهـا، فـي معظم الأحيان، فهي تفتقر إلى وجود كثير من الخدمات السكانية.
(1 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية العمران، مرجع سابق ، ص 66.
2 المرجع السابق، ص ص274 -275.
3 علي محمد دياب، جلال بدر خضرة، جغرافية السياحة والخدمات، مرجع سابق ، ص 416.).
إنَّ تطور الخدمات في المراكز العمرانية يجب أن يكون منسجماً ومتوافقـاً مـع النمو السكاني والتوسع العمراني في هذه المراكز1، وتتوسع المراكز العمرانيـة، بخاصة الحضرية منها(أي المدن) باتجاهات مختلفـة بحـسب طبيعـة الأرض المحيطة بها، وبحسب المخطط التنظيمي لها، فبعض المدن تتخذ شكلاً دائرياً أو مربعاً أو مستطيلاً، وبعض المدن تتوسع بشكل متواصل دون انقطاع وبعـضها الآخر بشكل مشتت لوجود أودية وجبال ومنخفضات و طرق سـريعة وسـكك حديدية. هذا كلّه يؤثر جلياً في توافر الخدمات السكانية وتنظيمها المكاني، حيـث تعاني أطراف المدن غالباً من قلة الخدمات وانعدام بعضها أحياناً، كما أن الطابع التشتتي لبعض المدن يجعل توفير الخدمات للسكان كلّهم أمراًً صعباً، لذا تعـاني المناطق (أو الأحياء) المشتتة من قلة بعض الخدمات أو انعدامها 2.
تعاني المراكز العمرانية في البيئات الجافة من مشكلات في توفير المياه، تتمثـل في قلة مصادر المياه وسوء توزيعها وزيادة السكان دون تطوير لخدمات تـأمينالمياه، فتتفاقم مشكلة تأمين المياه لسكان هذه المراكز3 . يؤثر تنوع البنية الداخلية واستخدامات الأراضي داخل أجزاء المدينـة، فهنـاك الجزء السكني والمركزي التجاري والخدمي والإنتاجي والترويحي وغير ذلـك،في توزع منشآت الخدمات السكانية، حيث نجد تركزاً للخدمات في الجزء السكني والمركزي من المدينة، وتقل الخدمات السكانية وتتشتت وتكاد تنعدم في الجـزء الإنتاجي حيث تتركز المصانع والمعامل والورشات الصناعية، وتـنعكس آثـار التداخلات والتجاوزات في استعمال الأراضي داخل المدن، على عمليـة تـوفير الخدمات بأنواعها كلّها، مثل وجود ورشات الحدادة والنجارة ومحـلات غـسيل السيارات داخل المناطق السكنية، حيث تحتاج هذه الورشـات والمحـلات إلـى كهرباء ومياه وفيرة تكون على حساب المنطقة السكنية ، هذا فضلاً عن الضجيج والازدحام الذي تحدثه هذه الورشات والمحلات.
(1 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية، مرجع سابق ،ص79.
2 المرجع السابق، ص ص66-67.
3 المرجع السابق، ص59.) .
10- التقدم العلمي والتقني للمجتمع:
يمثل العلم الحلقة الأساسية في بنـاء المجتمـع وتطوره وتقدمه، فتوفير الأطر في مجال الإنتاج والخدمات يعتمد على العلم، وإن تخلف النظام التعليمي يعني هدم المجتمع وانهياره، لذلك عملت البلدان المتقدمـة على تطوير نظمها التعليمية، وتأمين المتطلبات الأساسية كلّها بهدف تحقيق التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والإداري والتقني، أمَّا تردي أنظمة التعليم فـي البلـدان المتخلفة تعليمياً فأبقاها في دائرة التخلف والتخبط والظلام في المجـالات كلّهـا ومنها المجال الخدمي، كما أبقاهـا دون فهـم وإدراك حقيقـي للأمـور، ودون استيعاب للتطورات الحاصلة في العالم في مجال الإنتاج والخدمات1 .
توصّل الإنسان في مجال التقدم التقاني إلى تقنيات عالية في مجال عمـل وإدارة الخدمات وبناها التحتية مثل نظم المعلومات الجغرافية GIS والاستشعار عـن بعد ونظام تحديد المواقع العالمي GPS، واستخدام الأجهزة الالكترونية والتقنيات الحديثة2. ومع ذلك فإن تجاوب الفروع الخدمية للمكننة والأتمتة قليـل مقارنـة بالفروع الإنتاجية، وعليه فهي قليلة التأثر بالتطورات التكنولوجيـة، واسـتطاع الإنسان بفعل تقدمه العلمي والتقني خلق بيئة مناسبة ومريحة بعيداً عن المؤثرات المناخية الخارجية، فبفعل التقنية ظهرت أجهزة متنوعة يستخدمها الإنـسان فـي تطوير نوعية الخدمات، حيث استخدم تقنيات متطورة في التخلص من شدة الحر والبرد، فاستخدم التكييف أو التبريد في البيت والسيارة والمؤسسة التـي يعمـل فيها، كما أن التطور في مجال الخدمة الترفيهية والنقـل والاتـصالات جعلـت عمليات التنقل والاتصال بسيطة ومحدودة التكاليف، كما توصّل الإنـسان إلـى طاقة نظيفة خالية من التلوث مثل الغاز والكهرباء والطاقة الشمسية، واستخدمت تقنيات جديدة في تنقية المياه ونقلها وخزنها، وأيضاً فـي الـتخلص مـن ميـاه الصرف الصحي والنفايات3 ، ومع استمرار التقدم والتطـور العلمـي والتقنـي السريع في البلدان المتقدمة والبطيء في البلدان النامية، أدى ذلك إلى فجوة كبيرة بينهما في مجال توفير الخدمات السكانية ومستوى تطورها.
(1 المرجع السابق ، ص74.
2 المرجع السابق، ص49.
3 المرجع السابق، ص75.).
إن الاستخدام الصحيح للطاقات والإمكانات والظروف في البلدان المتقدمة مكنهـا من تخطيط الخدمات وتوفيرها وفق المعايير الدولية، كما أن استخدام منجـزات التقدم العلمي والتقني في استثمار المواد المتاحة وحل المشكلات البيئية والتصدي للأخطار التي تواجه الإنسان ينعكس انعكاساً إيجابياً وكبيراً على حيـاة الإنـسان بخاصة في مجال توفير الخدمات بفروعها كلّها1، أمَّا البلدان النامية التي تعـاني من تخلف علمي وتقني واجتماعي فإنها تجد صعوبات ومشكلات كبيرة في توفير الخدمات بما يلبي حاجات السكان واستهلاكهم لها2. تؤدي مواكبة السكان للتطورات والمنجزات العلمية والتقنية( التكنولوجية) إلـى زيادة الحاجة للتقانات مثل الأدوات الكهربائية المنزليـة والهواتـف المحمولـة والحواسب والإانترنت( الشابكة) وغيرها3. وهذا بدوره يجعل حياة الإنسان أغنى وأجمل ويزيد من وقت فراغه ويرفع من مستوى معيشته.
(1 المرجع السابق ، ص72.
2 المرجع السابق، ص76.
3 ممدوح شعبان، جغرافية الخدمات، مرجع سابق، ص ص 151-152).
ينعكس التقدم العلمي والتقني الواسع الذي شهده ويشهده العالم في مجالات الحياة كلّها على فروع الخدمات السكانية حيـث ازدادت كميتهـا وتحـسنت نوعيتهـا وكفاءتها، فالإنسان يتطلع إلى الإفادة من كل ما هو جديد، ليواكب ما يشهده العالم من تطورات في مختلف جوانب الحياة. فعملية تقديم الخدمات يجـب أن تكـون مستمرة ومنسجمة مع التقـدم العلمـي والتقنـي ومـع التغيـرات الاقتـصادية والاجتماعية للدولة وقد قُُسِّمَ العالم على أساس امتلاك التكنولوجيـة إلـى بلـدان متقدمة ومتخلفة.
11- الإدارة الخدمية:
تعدُّ الإدارات المسؤولة عن قطاع الخدمات السكانية، الموجـه الأساسي لهذا القطاع الذي يحتل أهمية بالغة في حيـاة الـسكان فـي المراكـز العمرانية والأقاليم على اختلاف أحجامها وأنوعهـا، وبـصلاح الإدارة يـصلح المجتمع وبفسادها يدب الخراب فيه1.
تعدُّ إدارة الخدمات التي تعتمد المنهجية والتخطيط من العوامـل المهمـة جـداً والركيزة الأساسية في توفير الخدمات والحد من مشكلاتها، أمَّـا سـوء الإدارة فيحول دون تلبية حاجات السكان من الخدمات وعدم تطـور أسـاليب توفيرهـا ومعالجة مشكلاتها. كما أن قلة الخبرة التخطيطية للجهاز الإداري أو الـسلطات المحلية المسؤولة عن الخدمات وجهلها بالمعايير التخطيطية والتصميمية، وجهلها كذلك باستخدام التقنيات الحديثة في إدارة المنشآت الخدمية ومعالجة مـشكلاتها، وإهمالها للمنشآت الخدمية ومحتوياتها، ينعكس سلباً على تلبية حاجات السكان من الخدمات واستهلاكها والتخطيط لها في المراكز العمرانية والأقاليم.
يعدُّ التخطيط الخطوة الأولى في سلم التطور التي ترتبط بالخلفية العلمية للمجتمع. وكل مشروع خدمي يجب أن يوضع وفق خطة معدة مـسبقاً، وأي خطـأ فـي التخطيط يؤدي إلى خسائر باهظة على صعيد الاقتصاد والمجتمع، ويجـب أن لا يكون التخطيط آنياً وإنما يجب أن يأخذ بالحسبان المستقبل أيضاً. يحتـاج تقـدم الخدمات السكانية بفروعها كلّها إلى تخطيط مسبق بهدف رفع كفاءة كل فـرع خدمي وأدائه، لذا تستخدم البلدان المتقدمة أسلوب التخطيط بهدف تحقيق التقـدم المتوازن في جوانب الحياة كلّها بما فيها الجانب الخدمي من أجل سعادة الإنسان، وهناك وزارات بخصوص الرفاهية والخدمة الاجتماعية في بعض هذه البلـدان، أمَّا في البلدان النامية التي لا تتوافر في كثير منها برامج تخطيطية فإنها تعتمـد أسلوب القرارات غير المدروسة، لذلك يسود هذه البلـدان الفوضـى والتخلـف والتراجع في القطاعات الإنتاجية والخدمية كلّها، ويكون الإنسان ضحية القرارات غير المنطقية والجهل في التخطيط 2.
(1 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية، مرجع سابق، ص72 .
2 المرجع السابق، ص 74.).
إن وجود إدارة حكيمة موحدة تنسق بين الجهات والهيئات المسؤولة عن فـروع قطاع الخدمات السكانية يعدُّ مطلباً تخطيطياً، فوجود مثل هذه الإدارة يقلـل مـن الوقت والجهد والمال عند إقامة المنشآت والشبكات الخدمية أو تطويرها، وعندما تعمل كل جهة أو إدارة خدمية بشكل منفرد ومـستقل يـزداد الوقـت والجهـد المبذول، كما تزداد التكلفة والهدر أيضاً. فمثلاً عندما تقوم الجهات المسؤولة عن الماء والكهرباء والهاتف والصرف الصحي بأداء عملها بمفردها فإن النتيجة هي لوحة فسيفسائية للطريق نتيجة حفره أربع مرات، وهذا أمر غير مقبـول علـى الإطلاق. كما أن استخدام التقنيات الحديثة في إدارة الخدمات وتوفيرها يعدُّ عاملاً مهماً في تطورها وزيادة كفاءتها. لذلك فمن الضروري أن يكون هنـاك تنـسيقاً عالي المستوى بين الإدارات والمؤسسات ومديريات التخطيط ومراكـز اتخـاذ القرار والهيئات الإقليمية والمحلية ذات الصلة بشبكات ومنشآت الخدمات والبنية التحتية، من حيث الإنشاء والعناية والصيانة بوصفها إرثاً حضارياً ينتقل من جيل إلى آخر، ولا يستطيع جيل واحد أن يقوم بمد شبكات وإقامة منـشآتها إلا فـي حالات نادرة1.
12- النظام السياسي، والسياسة الحكومية في مجال الخدمات السكانية:
إن النظـام السياسي يعني سلطة الحكم في مجتمع ما، ويؤدي النظام لسياسي دوراً مهماً في عملية التنمية المستدامة واستغلال الموارد وتوفير الخدمات السكانية وتطويرهـا كماً ونوعاً في المجتمع، ويمثل النظام السياسي قمة الهـرم فـي إدارة شـؤون الدولة، فإذا كان هذا النظام صالحاً صلحت حياة المجتمـع، وإذا فـسد انهـارت مؤسسات الدولة واستشرى الخراب في جوانب الحياة الإنتاجية والخدمية كلّها2.
إنَّ رفع مستوى معيشة السكان وتحسين ظروف حيـاتهم مـن خـلال تـأمين حاجاتهم الخدمية كماً ونوعاً وتنوعاً لا يكون بالتمني ولا يأتي فجأة بل يحتاج إلى جهود صادقة منظمة وهادفة تقوم بها حكومات رشيدة تـضع الخطـط الـسليمة المدروسة المختلفة في أمدها، وتنفق المال العام في الأوجه الـصحيحة وتوجـه جهود الناس ومدخراتهم من أجل حل مشكلاتهم، بما فيها المشكلات الخدمية على اختلاف أنواعها من خلال تقديم مختلف أوجه الدعم المادي والمعنـوي لتحقيـق ذلك3.
(1 محمد صافيتا، البنية التحتية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المجلة الجغرافية السورية، العدد 24، للعام 2004م، ص78.
2 خلف حسين علي الدليمي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية، مرجع سابق، ص71 .
3 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية العمران، مرجع سابق، ص ص158-159.) .
إن السياسة الحكومية السليمة والهادفة تتطلب من الحكومات الـسهر ورعايـة حقوق الوطن والمواطن مغتنمة كل فرصة للتطوير والتحديث والعـصرنة فـي المجالين الإنتاجي والخدمي للحاق بركب الحضارة. يمكن الإشارة هنـا إلـى أن الجزء الأكبر من الخدمات في المجتمع الرأسمالي هي خـدمات مـأجورة تقـدم عندما يّدفع ثمنها، وترتبط غالباً كميات استهلاك الخدمات ونوعياتها بمقدار دخل الزبون، وهذا ما جعل توزع الخدمات على السكان متبايناً جداً. أمَّا الخـدمات المجانية التي تقدمها الدولة الرأسمالية على حساب دخلها القومي فمحدودة جـداً، وتتمثل في التعليم الابتدائي والأشـكال الأوليـة البـسيطة للرعايـة الـصحية والاجتماعية1. أمَّا في البلدان الاشتراكية فإن الخدمات المجانية هي السائدة فـي كثير من فروع الخدمات السكانية، مثل التعليم والصحة والسكن والطفولـة ودور العجزة والمسنين وحتى السياحة والاستجمام، وعلى الرغم من مجانية الخـدمات إلا أن السكان في هذه البلدان غير راضين عن القطـاع الخـدمي كمـاً ونوعـاً وتنوعاً، وذلك بسبب رداءة نوعية هذه الخدمات من جهة، وعدم كفايتها وتلبيتها لحاجات السكان من جهة أخرى. وقد كان الهدف الأسمى لهذه البلـدان تحقيـق العدالة الاجتماعية في الممارسة بهدف تقريب مستوى حياة الناس في أقاليم البلـد الواحد، ويمكن القول هنا: إن إزالة الفروق بين الأماكن أو بين المدن والأريـاف أو بين الطبقات الاجتماعية أمر صعب المنال؛ لذا يجب تقليـل هـذه الفـروق، فالناس درجات ويختلفون في مقدراتهم وحاجاتهم الاستهلاكية، فالعدالة هي فـي إعطاء كل ذي حق حقه بحسب جهده وبحسب ما يقدمه للمجتمع. تجدر الإشارة هنا ونحن في صدد حديثنا عن السياسة الحكوميـة فـي مجـال الخدمات السكانية إلى أن النظم الضريبية التي تفرضها الدولة علـى الخـدمات السكانية أو على الأرباح السنوية للمنشاة الخدمية تؤثر في ثمن الخدمة، ومن ثـمَّ في إمكانية استهلاك السكان لها في المراكز العمرانية والأقـاليم. وقـد تـتحكم الحكومات في استهلاك الخدمات عن طريق إبقاء أجـور العمـال والمـوظفين منخفضة كي لا تقدر إلا نسبة ضئيلة من السكان على شراء الـسلع النفيـسة أو السيارات الحديثة أو الشقق الفاخرة.. الخ. ويضطر الناس إلى اسـتهلاك المنـتج الوطني ولو كان رديئاً في نوعيته أو غالياً في ثمنه أحياناً مع وجود هذه الـسلع ووفرتها في الأسواق، لأن الناس غير قادرين على الشراء ...الخ . ومن الـشائع في البلدان النامية أن الطلب يكون أكثر من العرض على المـساكن الرديئـة أو الرخيصة، بينما المساكن الفاخرة يكون جزء مهم منها شاغراً ينتظر المشترين أو المستأجرين لكن بأموال طائلة، إن هذا الأمر لا يقتصر على المساكن فحسب بل يتعداه إلى أنواع الخدمات السكانية كلّها2 .
(1 ممدوح شعبان دبس، جغرافية الخدمات، مرجع سابق ، ص99.
2 المرجع السابق، ص ص133-134).
13- الأمن والاستقرار السياسي:
إن الاحتلال والحروب والاضـطرابات والفوضـى وغيرها من الأمور التي تعكّر صفو الأمن والاستقرار في بلد أو مجتمـع مـا، تؤثر بصورة مباشرة في قطاع الخدمات السكانية، حيث تصيبه بالشلل الجزئي أو الكلي أحياناً، ويجعل نيل الخدمة (الحصول عليها) محفوفاً بالمخاطر والـصعاب التي قد تهدد حياة الزبون وتكلفه حياته أحياناً. فاضطراب الأمن وعدم الاستقرار السياسي بأشكاله كلّها هو عامل مُضر جداً في تأمين احتياجـات الـسكان مـن الخدمات واستهلاكهم لها، وأيضاً في تطور أداء هذه الخدمات وكفاءتها وتنظيمها المكاني.
يتمثل تأثير الحروب والنزاعات العرقية والدينية والقومية وغيرهـا، فـي عـدد الضحايا والمشوهين وهؤلاء هم من الفئة الشابة العاملة في المجالات الاقتصادية الإنتاجية والخدمية، ونتيجة لذلك تزداد أعداد اليتامى والأرامل، كما أن الحروب تصيب المناطق التجارية والبنى التحتية الخدمية بالـشلل، فـضلاً عمّـا تخلفـه الحروب من انتشار للأمراض والأوبئة والفقر وأحياناً يصل الأمر حد المجاعـة وارتفاع أسعار السلع الغذائية والكساء والعجز الاقتـصادي، فـالحروب تفلـس الميزانيات وتعطل عمل القطاعات الاقتصادية بأنواعها كلّها، وتؤثر الحروب في حركة السكان من جراء الهجرة حيث تزداد أعداد اللاجئين والمـشردين، الأمـر الذي يؤدي إلى خلل في توزع السكان وتأمين احتياجاتهم من الخدمات1 . يـضاف إلى كل ما تقدم أنه مع انعدام الأمن والاستقرار تسود الفوضى ويغيب أو يضعف دور السلطة السياسية والإدارية فتكثر عمليات الـسطو والـسرقة والاغتـصاب وزراعة النباتات التي تصنع منها المخدرات كالحـشيش والخـشخاش وغيرهـا فتزداد أعداد المدمنين عليها كما في أفغانستان. وفي مقابل ذلك إن توافر الأمـن والاستقرار السياسي في مجتمع ما يعدُّ حافزاً على توافر الخدمات وتطورها فيه، إذْ إنَّ استتباب الأمن يزيد من حرية حركة السكان ونشاطهم الإنتاجي والخـدمي، كما أنه عامل مهم في ازدياد النفقات الأهلية والحكومية وكذلك الاستثمارات في قطاع الخدمات بدلاً من إنفاقها في الحروب والنزاعات، الأمر الذي يـسهم فـي تأمين حاجات السكان من الخدمات واستهلاكهم لها، فتتطور الخدمات كماً ونوعاً وتنوعاً وهذا سينعكس على مستوى حياة السكان في المراكز العمرانية والأقاليم. فالمنشآت الخدمية تشاد في وقت السلم حيث تنمو وتزدهر وتتنوع تشكيلة طـاقم الخدمات السكانية، أمَّا الحروب فتدمر كل ما شيده الإنسان في مدة قصيرة جداً.
14- الوضع البيئي أو حالة البيئة:
تعد البيئة النظيفة والهادئة مطلباً ضرورياً في أثناء اختيار مواقع المنشآت الخدمية، حتى تؤدي وظائفها بالشكل المطلـوب، ولـذلك تميل كثير من الخدمات نحو التوطن في ضواحي المدن مثل الخدمات التعليميـة والصحية والسياحية والترويحية والرياضية وغيرها من فروع الخدمات السكانية. إن تلوث بيئات المراكز العمرانية الحضرية والريفية ومحيطها بالملوثات البشرية على اختلاف أنواعها مثل الضجيج، القمامة (النفايات)، التلوث بالغازات الضارة التي تطلقها المصانع والمعامل ووسائل التدفئة، ما يتدفق مـن ميـاه الـصرف الصحي في الأنهار والأقنية والمنخفضات دون معالجة، وكذلك استخدام المبيدات الحشرية والهرمونات في إنتاج الخضار والفاكهة، هذه الملوثات كلّها تتسبب فـي كثير من الأمراض التنفسية والمعدية والسرطانية وغيرها، وهذا مـا يـستدعي وجود المزيد من منشآت الرعاية الصحية لمعالجة المرضى الذين تـأثروا بهـذه الملوثات، كما يستدعي توافر الأدوية اللازمة لعلاجهم، وهذا ما يزيد من الإنفاق في مجال الرعاية الصحية، حيث تصبح حاجة الـسكان ماسـة إلـى الخـدمات الصحية.
(1 محمد صافيتا، عدنان عطية، جغرافية الوطن العربي البشرية والاقتـصادية، مرجـع سـابق ، ص ص. 155-156.).
إن الاختيار العقلاني الأمثل لمواقع المنشآت الخدمية يشترط وجود بيئـة هادئـة ونظيفة خالية من الملوثات البشرية، حتـى تـستطيع هـذه المنـشآت أن تلبـي احتياجات السكان من الخدمات بالشكل المطلوب ودون مشكلات أو معوقات، مع الأخذ بالحسبان أن هناك بعض الخدمات ذات متطلبات بيئية عالية المستوى مثل: الخدمات السياحية، وبعض الخدمات الطبية الصحية التي تتطلب مساحة واسـعة ونظافة وهدوءاً وإطلالات على مناظر جميلة مريحة للروح والعقل والجسد تعبق فيها روائح الأزهار والورود.
النتائج:
1- يتضح مما سبق أن تقييم جملة العوامل البشرية المؤثرة في احتياجات السكان إلى الخدمات واستهلاكهم لها والتنظيم المكاني لهذه الخدمات في المراكز العمرانيـة والأقاليم تشكل أحد الاتجاهات الرئيسة ومجالاً مهمـاً للدراسـة فـي جغرافيـة الخدمات، وتضفي هذه العوامل على الدراسة الطابع الجغرافي، فـدون دراسـة تحليلية وتقييمية للعوامل المؤثرة في أي ظاهرة جغرافية كانت لا تكتمل الدراسة الجغرافية لهذه الظاهرة بما فيها الظواهر الجغرافية الخدمية.
2- تشكل العوامل البشرية منظومة متكاملة تتألف من 14 عنصراً (عـاملاً) هـي حجم السكان وحركتهم العامة، وبناهم( تراكيبهم) وأنمـاطهم، وحجـم وتركيـب مداخيلهم ومستوى معيشتهم، وخارطة توزعهم الجغرافي وكثافتهم في المكـان، ومستوى تطورهم الثقافي والحضاري، وأحجام مراكزهم العمرانية وخصوصيات هذه المراكز من حيث كثافتها ووظائفها وتخصصها وبنيتها، يضاف إلـى ذلـك إمكانية بلوغ الخدمة، والتقدم العلمـي والتقنـي للمجتمـع، والإدارة، والـسياسة الحكومية في مجال الخدمات السكانية، والأمن و الاستقرار الـسياسي، وأخيـراً حالة البيئة الطبيعية والحضارية.
3- تتفاعل هذه العناصر (العوامل) فيما بينها مشكلة منظومة متكاملة، وإن فقدان أي عنصر من عناصر هذه المنظومة يؤدي إلى خلل فيها ويجعلها قاصرة عـن أداء مهمتها في تحديد ملامح الشخصية الخدمية للمركز العمراني أو الإقليم من حيث الحاجة إلى الخدمات واستهلاكها وتنظيمها المكاني.
4- تشكل منظومة العوامل البشرية جزءاً لا يتجزأ من منظومة أكبر تشمل العوامـل المؤثرة في توزع الخدمات السكانية وتطورها في مكان ما، حيث تشكل كل مـن العوامل الطبيعية وكذلك الاقتصادية منظومتين متكاملتين أيضاً، وهذا يعنـي أن منظومة العوامل الطبيعية والبشرية والاقتصادية مجتمعة تشكل منظومة شـاملة ومتكاملة تتألف من ثلاث منظومات طبيعية وبشرية واقتصادية، وتـسهم هـذه المنظومة الشاملة والمتكاملة في إعطاء ملامح الشخصية الخدمية العامة للمراكز العمرانية أو الإقليم.
5- تختلف قوة تأثير العوامل البشرية في حاجة السكان إلى الخدمات واستهلاكهم لها و التنظيم المكاني للخدمات السكانية بـاختلاف هـدف الدراسـة وموضـوعها واتجاهها ومستوياتها المكانية، حيث يختلف هذه التأثير بحـسب طبيعـة الفـرع الخدمي المدروس وخصوصيته، ومستوى تطور الخدمات السكانية في المركـز العمراني أو الإقليم، وبحسب أنواع الدراسة في جغرافية الخـدمات، هـل هـي دراسة لفرع خدمي واحد أم لكامل فروع المجمّع الخدمي في المكان، وبحـسب المستوى المكاني للدراسة( بلد، محافظة، منطقة، مدينة، قرية، جزء من مدينة... الخ) كما تتباين قوة تأثير العوامل البشرية بحسب اتجاه الدراسة فـي جغرافيـة الخدمات( دراسة حاجة السكان للخدمات، استهلاك السكان للخـدمات، التنظـيم المكاني لفروع قطاع الخدمات السكانية) .
6- يتضح مما تقدم أن هناك تداخلاً وتبايناً كبيرين بين العوامل البشرية ذاتها المؤثرة في جغرافية الخدمات من حيث الحاجة والاستهلاك والتنظيم المكاني ويظهر هذا التداخل والتباين واضحاً وجلياً في تنوع الأهداف والاتجاهـات والموضـوعات والمستويات المكانية للدراسة في جغرافية الخدمات.
المقترحات:
1- تطوير الدراسات الخاصة بالعوامل البشرية المـؤثرة فـي جغرافيـة الخـدمات وتعميقها للتقليل من احتمال الخطأ والخلل في توزع قطاع الخـدمات الـسكانية وتطوره في المراكز العمرانية والأقاليم.
2- ضرورة العمل الجماعي المثمر والبنّاء، والاستفادة مـن خبـرات الجغـرافيين والمختصين في علم الاجتماع والاقتصاد وتخطيط المـدن والتخطـيط الإقليمـي وغيرهم، والإفادة كذلك من خبرات البلدان المتقدمة علمياً في مجـال الدراسـات السكانية والعمرانية والخدمية من أجل تعميـق الدراسـات المتعلقـة بالجوانـب البشرية لإظهار أثرها في توزع الخدمات السكانية وتطورها في المكـان بـشكل دقيق ومتكامل فالإنسان هو غاية الخدمات وهدفها.
3- إعطاء منهج التحليل العاملي أهمية كبيرة في أثناء دراسـة العوامـل البـشرية المؤثرة في جغرافية الخدمات، ودراسة هذه العوامل كمنظومة متكاملة ومتفاعلة بين عناصرها، حيث تتفاعل العوامل البشرية ضمن منظومتها ومـع منظومـة العوامل الأخرى الطبيعية والاقتصادية في تحديد ملامـح الشخـصية الخدميـة للمراكز العمرانية والأقاليم.
4- تختلف العوامل البشرية في قوة تأثيرها في جغرافية الخدمات السكانية، باختلاف هدف الدراسة وموضوعها، لذلك يجب أن تعطى هذه العوامل قوة تأثير متباينة.
5- إن دراسة العوامل البشرية على اختلاف أنواعها يجب أن تسبق بنـاء المنـشآت الخدمية، وإذا كانت هذه المنشآت قائمة يجب توسيعها وتطويرها وتوزيعها على قاعدة هذه العوامل، ولا يمكن للتخطيط الخدمي أن يكون ناجحاً ومثمـراً وملبيـاً لحاجات السكان من دون ذلك.
6- العمل على إيجاد قاعدة بيانات إحصائية متطورة لكل ما يتعلق بالجوانب البشرية على اختلاف أنواعها، وخاصة ما يتعلق بحجم السكان وحركتهم وبناهم وأنماطهم ودخلهم وخارطة توزعهم الجغرافي وكثافتهم وخصائص مراكـزهم العمرانيـة وغير ذلك، فصحة البيانات ودقتها وحداثتها عامل مهم في إيصال الباحـث إلـى نتائج صحيحة ومفيدة، والعكس صحيح، فما بني على خطأ فنتائجه خطأ، والإفادة كذلك من تقنيات وبرامج الحاسوب والشابكة والاستشعار عن بعد فـي تعميـق الدراسات الخاصة بالسكان والعمران والخدمات.
المراجع
1- آلاييف. أ. التخطيط الإقليمي في البلدان النامية، باللغة العربية العربية، ترجمـة بشير الناشئ، دار التقدم، موسكو،1980م .
2- امصيلحي، فتحي محمد . جغرافية الخدمات- الإطار النظري وتجارب عربيـة. ط2، جامعة المنوفية، مصر،2001م.
3- دبس،ممدوح شعبان. جغرافية الخدمات، منشورات جامعة دمشق، 2005-2006م .
4- الدليمي، خلف حسين علي، تخطيط الخدمات المجتمعية والبنية التحتية- أسـس، معايير، تقنيات، ط1، دار صفاء، عمان، 2009.
5- دياب، علي محمد. خضرة، جلال بدر .جغرافية السياحة والخدمات، منـشورات جامعة تشرين ،2005 -2006م .
6- دياب، علي محمد، مناهج البحث العلمي وطرائقـه فـي الجغرافيـة البـشرية، منشورات جامعة دمشق، 2009 -2010م .
7- صافيتا، محمد . المقداد، محمد رفعت . عطية،عدنان. أسس الجغرافية البشرية، منشورات جامعة دمشق،1999 -2000م.
8- صافيتا، محمد. عطية، عدنان . جغرافية المدن والتخطيط الحضري، منـشورات جامعة دمشق، 2005 -2006 م.
9- صافيتا، محمد. عطية، عدنان. جغرافية العمران، منـشورات جامعـة دمـشق . 2003 -2004 .
10- صافيتا،محمد. عطية،عدنان جغرافية الوطن العربـي البـشرية والاقتـصادية، منشورات جامعة دمشق، 2003-2004م .
الأبحاث باللغة العربية
1- عمورة، علي الميلودي. المعايير التخطيطية في المجال الحضري، بحث مقـدم إلى المؤتمر العلمي لهيئة المعماريين العرب، طرابلس2001م .
2- صافيتا،محمد. البنية التحتية ودورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المجلة الجغرافية السورية، العدد 24، للعام 2004م .
المراجع باللغة الروسية
1- أبراموف.م.أ، جغرافية الخدمة، قطاع الخدمات في الاتحاد السوفيتي،دار الفكر، موسكو، 1985م .
2- الكسييف.أ.ي، كوفاليف .س.أ، تكاتشينكو.أ.أ،جغرافية قطاع الخدمات- المناهج والمفاهيم الأساسية، تفير، روسيا، 1991م .
3- بارانسكي ن.ن، الجغرافية الاقتصادية والمقولة الاقتصادية، المطبعة الحكومية، موسكو، 1956 م .
4- بوكشيشيفسكي. ف.ف، الحاجة إلى الخدمات بحسب تراكيب الـسكان وأنمـاط العمران، أكاديمية العلوم السوفيتية، موسكو،1974.
5- ساوشكين. يو. ك، الجغرافية الاقتصادية- التاريخ، النظرية، المنهج التطبيـق، . دار الفكر، موسكو، 1973م.
للقراءة والتحميل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق