الفصل الخامس: التصريف النهري - كتاب أفريقيا: دراسة لمقوِّمات القارَّة - محمد رياض وكوثر عبد الرسول
الفصل الخامس: التصريف النهري
كتاب أفريقيا: دراسة لمقوِّمات القارَّة
محمد رياض وكوثر عبد الرسول
(١) المميزات العامة للتصريف النهري
كان لموقع أفريقيا بالنسبة لخطوط العرض وعلاقاتها المكانية بالنسبة لكتلة القارة الأوروآسيوية، وامتدادها الكبير في خطوط الطول في قسمها الشمالي، وعدم تعرُّج سواحلها في صورة خلجان وأشباه جزر كبيرة أثَرٌ كبير في تكوين الصورة التي اتخذها التصريف النهري في هذه القارة؛ فلقد أصبح جزء كبير من قسمها الشمالي في ظل أوروآسيا، مما جعلها أكبر إقليم جاف في العالم. وعلى النقيض من ذلك، فإن انتصاف خط الاستواء للقارة على وجه التقريب وامتدادها الجنوبي شبه الجزري المتوغل وسط مسطحات الماء العظيمة لكلٍّ من المحيطين الهندي والأطلنطي، قد جعل هذا القسم من القارة منطقة أمطار وفيرة.
وقد وصف الأستاذ دي مارتون de’Martonne أشكال التصريف النهري، فأوجزها في النسبة التالية:
أولًا: ٤٨ في المائة فقط من القارة ذو تصريف بحري Exoreic — أي إن أنهار هذا الجزء من القارة تنصرف إلى المحيط مباشَرةً.
ثانيًا: ٤٠ في المائة من القارة لا يوجد به تصريف نهري بالمعنى المفهوم Areic، وهذه المساحة تتكون أساسًا من الصحاري الأفريقية العديدة.
ثالثًا: ١٢ في المائة من القارة ذو تصريف داخلي Endoreic — أي إن الأنهار التي تصرف هذه المناطق لا يصل ماؤها إلى البحر، بل إلى بحيرات أو مستنقعات أو دالات داخلية مقفلة.
ونظرًا لطبيعة سطح القارة — الذي يتكون أساسًا من مجموعة من الأحواض الداخلية العالية تحدها شرائط من الهضاب القديمة — فإن هذه الأحواض قد جمعت تصريف المنحدرات الهضبية التي تحيط بها في نظم نهرية محدودة العدد، فحوض الكنغو، على ما فيه من العديد من الأنهار التي تنصرف من كل الاتجاهات إلى داخل الحوض، قد تجمَّعَتْ كلها في نظام نهري واحد مرتبط ببعض يُعرَف باسم نظام الكنغو، ويشغل مساحة هائلة من وسط القارة، وحوض النيل تركيب عجيب لنظام نهري واحد يمتد في مساحة شاسعة، ويصرف أحواضًا وهضابًا عديدة في شرق وشمال شرق القارة، وعلى هذا القياس: النيجر والزمبيزي والأورنج وشاري.
وإذا استثنينا هذه الأنهار الكبيرة في القارة، فإن الأنهار العادية في أفريقيا — أي التي تنبع وتصبُّ في أحواض صغيرة — عبارة عن أنهار صغيرة قليلة الأهمية تنبع من حافات الهضبة الأفريقية، وتسقط مباشَرةً إلى البحر مثل أنهار غرب أفريقيا أو الهضبة الجنوبية وشمال أفريقيا.
ويُلاحَظ أن الخط الفاصل بين تصريف المحيطين الهندي والأطلنطي لا يتناصف القارة، إنما هو أقرب إلى المحيط الهندي، وبذلك فإن المحيط الأطلنطي يخرج بنصيب الأسد من تصريف أفريقيا، وتكفي نظرة إلى خريطة التصريف النهري للتحقُّق من هذه الحقيقة، فالخط الفاصل بين نصيب كلٍّ من المحيطين من تصريف الأنهار الأفريقية يبدأ في الركن الشمالي الشرقي الأقصى عند طرف خليج السويس، ويسير موازيًّا للبحر وليس بعيدًا عنه حتى منطقة الصومال، ثم يبتعد عن ساحل المحيط الهندي ليشمل كل الصومال وجنوب شرق إثيوبيا وشرق كينيا وتنجانيقا، ويتوغل بشدة إلى الوسط في حوض الزمبيزي حتى يقترب من ساحل الأطلنطي في هضبة بيهي في أنجولا، ثم يعود إلى الشرق مرة أخرى ليشمل حوض اللمبوبو، ويضيق بعد ذلك في ناتال وشرق الكاب، وينتهي في إقليم الكاروو وجبال دراكنشتاين.
خريطة رقم (٨).
وبذلك لا يشمل تصريف المحيط الهندي سوى حوضين نهريين رئيسيين من أنهار أفريقيا، هما الزمبيزي واللمبوبو، بالإضافة إلى أنهار صغيرة أو أنهار غير منتظمة الجريان مثل: ويبي شبلي وجوبا في جنوب إثيوبيا والصومال، وتانا في كينيا، وروفيجي وروفوما في تانزانيا، وجوريتز في الكاروو.
وعلى العكس من ذلك يشتمل تصريف الأطلنطي على أكبر الأحواض النهرية الأفريقية وأكثرها مائية وانتظامًا، هذه هي أحواض النيل والنيجر والكنغو، بالإضافة إلى حوض الأورنج والسنغال، وأحواض نهرية صغيرة مثل الجامبيا والفولتا في غرب أفريقيا، وأوجوي في جابون، وكوانزا وكونيني في أنجولا، ويؤكِّد الجدول التالي هذه الحقيقة.
النهر
الطول بالكيلومتر
مساحة الحوض بالكيلومتر المربع
أولًا: أنهار المحيط الأطلنطي الرئيسية
النيل
٦٦٧١
٣٠٠٧٠٠٠
الكنغو
٤٣٧٧
٣٦٩٠٠٠٠
النيجر
٤١٦٠
٢٠٩٢٠٠٠
الأورنج
١٨٦٠
١٠٢٠٠٠٠
الفولتا
١٨٠٠
٣٦٠٠٠٠
السنغال
١٤٣٠
٤٤١٠٠٠
كوينيني
١٢٠٠
١٣٧٠٠٠
أوجوي
١٢٠٠
٣٠٠٠٠٠
كوانزا
٩٥٠
١٤٩٠٠٠
جامبيا
٨٠٠
١٨٢٠٠٠
ثانيًا: أنهار المحيط الهندي الرئيسية
الزمبيزي
٢٦٦٠
١٣٣٠٠٠٠
اللمبوبو
١٦٠٠
٤٤٠٠٠٠
جوبا
١٥٠٠
١٩٦٠٠٠
روفيجي
١٤٠٠
١٧٨٠٠٠
روفوما
١١٠٠
١٤٥٠٠٠
ويبي شبلي
؟
؟
وعلى هذا فإن المحيط الأطلنطي يختص بتصريف مساحة قدرها ١١ مليونًا و٣٧٨ ألف كيلومتر مربع من مساحة الأحواض النهرية الرئيسية في أفريقيا، مقابل ٢ مليون و٢٨٩ ألف كيلومتر مربع يختص بها المحيط الهندي من مساحة الأحواض النهرية الرئيسية.
والسبب في ذلك راجع إلى أن أطوال السواحل الأفريقية المطلة أو التابعة للمحيط الأطلنطي أكبر من تلك التي تطل على المحيط الهندي وتابعه البحر الأحمر، ولكن هناك أسبابًا أعمق من هذا السبب نذكر منها:
أولًا: طريقة انتظام الشكل التضاريسي العام في أفريقيا الشرقية وأفريقيا جنوب خط الاستواء، فهنا نجد الهضاب العالية «الفلد وشرق أفريقيا والحبشة» تقع كلها بالقرب من ساحل المحيط الهندي، مما يجعل الأنهار المنحدرة منها إلى الساحل قصيرة، بينما تلك المنحدرة من سفوحها الغربية أنهارًا أطول، وبديهي أنه كلما طال مجرى النهر — في الأحوال المناخية والتضاريسية الملائمة — كلما كبرت مساحة حوضه.
ثانيًا: في مقابل الهضبات العالية القريبة من ساحل المحيط الهندي نجد أحواضًا طبيعية كبيرة قريبة من المحيط الأطلنطي في أفريقيا جنوب خط الاستواء، ومن الأمثلة على ذلك أحواض الكنغو والأورنج، وهذه الأحواض تجمع مياه السفوح الغربية من الهضاب الشرقية وتضيف إليها أنهار الحواف الهضبية المحيطة بالحوض، والمثال التقليدي المذهل لهذه الحالة هو حوض الكنغو الذي يصرف وحده مساحة تكاد تقرب من ملايين كيلومتر مربع، ويضم شبكة هائلة من الأنهار، ولولا أن الظروف المناخية غير مواتية في حوض الأورنج — وقوع معظم الحوض في منطقة صحراء كلهاري — لَكان هذا أيضًا من الأحواض النهرية ذات المجاري المائية العديدة.
وهناك أيضًا حوض الزمبيزي الذي يشابه حوضَيِ الكنغو والأورنج من حيث موقعه القريب من المحيط الأطلنطي، ولولا وجود هضبة بيهي إلى الغرب منه، ولولا حدوث انكسار وخانق الزمبيزي لما استطاعت مياه الحوض أن تنصرف إلى المحيط الهندي، ولصار حوض الزمبيزي حوضًا مقفلًا ذا تصريف داخلي، شأنه في ذلك شأن الحوض المجاور، ونقصد به حوض نجامي — مكاري كاري.
ثالثًا: وقوع القسم الشمالي الشرقي من أفريقيا — وخاصة سواحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي — في ظل كتلة آسيا القارية، مما جعلها منطقة جافة أو شبه جافة، وأنهارها — إنْ وُجِدت — عديمة الانتظام، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها أهمها وهو ويبي شبلي في الصومال، وبركة في إريتريا.
وحتى الجزء الممطر من هذه المنطقة، وهو هضبة الحبشة، فإن ظروف اتجاه انحدارها قد جعل مياهها جزءًا من التصريف النهري النيلي، ومن ثَمَّ جزءًا من تصريف المحيط الأطلنطي رغم بُعْدها الشديد عن البحر المتوسط وقربها الكثير من المحيط الهندي والبحر الأحمر.
وعلى العكس من ذلك، فإن غرب وشمال غرب أفريقيا منفتحة على المحيط الأطلنطي، وتتلقَّى من الأمطار ما يؤدي إلى سير منتظم للأنهار العديدة في هذه المنطقة.
(٢) أنواع الأنهار وأشكال المناسيب
ترتبط أنواع الأنهار وأشكال مناسيبها ارتباطًا وثيقًا بالمناخ عامة، ونظام سقوط الأمطار على وجه خاص، ونظرًا لموقع القارة بالنسبة لأقاليم المطر، فإن تقسيم أفريقيا من وجهة النظر هذه تقسيم غاية في البساطة كما يتضح من الخريطة (٩)، فالإقليم الأوسط ذو المطر الاستوائي الغزير يتميز بجريان نهري دائم لا ينقطع، والإقليم الذي يحيط به من الشمال والجنوب والشرق يتميز بأمطار موسمية السقوط، مما يؤدي إلى جريان نهري موسمي. أما النطاق الثالث فهو إقليم صحراوي المناخ، ذو أمطار طارئة غير متوقعة وكمية صغيرة، مما يؤدي إلى جريان مائي سطحي مفاجئ لفترة زمنية محدودة جدًّا.
هذه هي الصورة العامة، ولكن الدراسة التفصيلية تؤدي بنا إلى اكتشاف أشكال مختلفة من الأنهار ذات طابع محلي مرتبط بظروف عديدة.
خريطة رقم (٩): نطاقات أنواع الأنهار وأشكال المناسيب.
فنطاق الأنهار الدائمة الجريان ينقسم إلى قسمين رئيسيين، مرتبطًا في ذلك بنظام سقوط المطر الاستوائي. هناك نظام مطر استوائي يُسمَّى النظام ذا القمة الواحدة وآخَر يُسمَّى ذا القمتين؛ أي إن المطر الساقط يبلغ ذروته من حيث الكمية في شهر أو شهرين متلاحقين فقط في نظام القمة الواحدة، أو يكون له ذروتان ليستا بالضرورة متساويتين، ولكنهما يقعان في فصلين مختلفين — الربيع والخريف على وجه التقريب — في نظام القمتين، ونظرًا لأن نظام القمتين المثالي يقع حول خط الاستواء، بينما يقع نظام القمة الواحدة أبعد مكانيًّا عن خط الاستواء، لهذا فإن الجريان النهري الدائم ذا المنسوب المنتظم أو الثابت يقع أقرب ما يكون إلى خط الاستواء، أما الجريان النهري الدائم ذو المنسوب المتذبذب، فيقع في نطاق يحيط بالنطاق الأول بعيدًا عن خط الاستواء بُعْدًا نسبيًّا، هذه الحالة تتضح تمامًا من الخريطة رقم (٩)، فالتذبذب في منسوب الماء في النهر راجع إلى تركُّز سقوط المطر بكمية كبيرة في شهر أو أكثر، وقلة المطر نسبيًّا في بقية الشهور، مما يؤدي إلى ارتفاع وانخفاض في منسوب النهر، وهذا الارتفاع والانخفاض يتفاوت في الكمية حسب الظروف الخاصة لكلِّ نهر على حدة. وتشمل الدراسة الدقيقة لمائية كل نهر دراسة مسطح الحوض النهري من ناحية، لبيان سرعة انحدار المياه أو بطئها، وبالتالي تحدِّد مجرى النهر بوضوح أو انسياب كمية من الماء خارج المجرى في صورة مستنقعات تؤدي إلى زيادة فاقد الماء بالبخر، كما تشمل الدراسة أيضًا التركيب الجيولوجي لصخور الحوض النهري لبيان كمية الفاقد بالتسرُّب، وإلى جانب ذلك دراسة كمية التبخُّر في أجزاء الحوض، ودراسة كمية امتصاص النباتات الطبيعية من ماء الحوض وغير ذلك، بالإضافة طبعًا إلى دراسة كمية المطر المتساقط في الحوض.
ونظرًا لهذا التقسيم فإن الأنهار الدائمة الجريان في أفريقيا — أنهار المنطقة الاستوائية ودون الاستوائية — تنقسم مجاريها إلى أقسام ذات مناسيب ثابتة وذات مناسيب متذبذبة، إذا كانت داخلة ضمن أحواض نهرية كبيرة، ويتضح هذا مما يلي:
شكل رقم (١٠): الأنهار الدائمة الجريان.
أما الأنهار موسمية الجريان فإنها ترتبط بنظام المطر السوداني الذي يسقط في موسم واحد، وتبقى بقية السنة بدون تساقط مطري، ويشمل هذا النوع نطاقًا عرضه قرابة ٤٠٠ كيلومتر، ويمتد من المحيط الأطلنطي في السنغال إلى هضبة الحبشة، وهو ما نسميه الإقليم السوداني، ثم يشمل نطاقًا آخَر في شرق أفريقيا من الحبشة شمالًا حتى شمال موزمبيق جنوبًا، ونطاق ثالث في الجنوب يمتد في جنوب أنجولا ويشمل زامبيا والقسم الأوسط من الأورنج.
وعلى هذا فإن أجزاءً من الأنهار التي تخترق النطاق السوداني موسمية الجريان، بالإضافة إلى غالبية أنهار شرق أفريقيا كما يتضح مما يلي:
جدول ٥-١: الأنهار الموسمية الجريان
أولًا: أقسام من نظم نهرية كبيرة
نظام النيل النهري
النيل الأبيض
النيل الأزرق (المجرى الأوسط والأدنى)
العطبرة (المجرى الأوسط والأدنى)
بحر العرب
النيجر الأوسط
السنغال (المجرى الأوسط والأدنى)
شاري وروافده (المجرى الأوسط والأدنى)
الزمبيزي (المجرى الأوسط)
الأورنج (المجرى الأوسط والأدنى)
ثانيًا: أنهار مستقلة
ويبي شبلي
أوكوانجو أو كوبانجو (المجرى الأدنى)
جوبا
كونيني
تانا
روفيجي
روفوما
ويشتمل نطاق التصريف السطحي الطارئ على الإقليم الصحراوي، فحينما تسقط أمطار مفاجئة تسير أجزاء منها على السطح في شكل سيول، والغالب أن تتخذ هذه السيول من مسار الأودية الجافة مجاري لها لفترة محدودة، وكلما كانت الصخور التي شقت فيها الأودية الجافة قليلة المسامية، كلما سمحت للماء أن يبقى مدة أطول إلى أن يتبخر، كما أنها تؤدي أيضًا إلى مسار الماء السطحي في شكل سيول جارفة عنيفة قد تؤدي إلى غرق أشخاص وحيوان كثير إذا فُوجِئَ باندفاع السيل العارم.
وفي داخل نطاق التصريف السطحي الطارئ نجد منطقتين استثنائيتين يسير فيهما تصريف نهري دائم أو شبه دائم، هاتان هما منطقِتَا النيل الأدنى والأورنج الأدنى، وسبب ذلك راجع إلى أن مصادر مياه هذين النهرين خارجة تمامًا عن النطاق الجاف.
أطول أنهار أفريقيا وثاني أنهار العالم طولًا بعد المسيسبي؛ إذ يبلغ طوله ٦٦٧١ كيلومترًا، ولكن مساحة حوضه أصغر بقليل من مساحة حوض الكنغو؛ وذلك لأن حوض النيل وإنْ كان متسعًا في الجنوب، إلا أنه يضيق في قسمه الأوسط ويضيق جدًّا في قسمه الشمالي، ومع ذلك فالحوض عظيم المساحة؛ إذ يبلغ أكثر قليلًا من ثلاثة ملايين من الكيلومترات المربعة.
وحدود حوض النيل طويلة، فهي تبدأ من جنوب بحيرة فكتوريا عند درجة عرض ٤ جنوب خط الاستواء، وتدخل معظم هضبة البحيرات داخل حدود الحوض، كما يشمل الحوض أيضًا القسم الشمالي من الأخدود الغربي مبتدئًا من سلسلة جبال فيرونجا (موفمبرو) البركانية، وتمتد حدود الحوض في الشرق مع الحافة الغربية للأخدود الشرقي، مما يؤدي إلى دخول الهضبة الشمالية الغربية الحبشية في حوض النيل، فأعطت الروافد الحبشية للنيل القدرة على السير شمالًا واختراق الصحراء الليبية إلى البحر، وبالتالي أنقذت النيل من مصير الأنهار ذات التصريف الداخلي كنهر شاري المجاور. ويدخل في حوض النيل أيضًا كل السودان ما عدا القسم الغربي من هضبة دارفور، وحدود الحوض إلى الشمال من دارفور غامضة؛ لأن المنطقة إلى البحر المتوسط صحراء قاحلة لا توجد فيها من نظم التصريف ما يظهر الحدود الحقيقية، والأغلب أن الحدود هنا تمتد من دارفور إلى البحر في خطٍّ متجه إلى الشمال الشرقي، يقترب من النيل وينتهي عند الإسكندرية على وجه التقريب. أما الحد الشرقي للحوض فهو واضح تمامًا؛ إذ يمتد مع حافة جبال البحر الأحمر من السويس إلى إريتريا، ومع حافة الأخدود حتى هضبة البحيرات.
ينبع النيل من درجة العرض ٤ جنوبًا، وتنتهي الدلتا عند درجة العرض ٣٠ ٣١° شمالًا — أي إن النيل يخترق أكثر من ٣٥ درجة عرضية، وهذه ظاهرة فريدة قلما كان لها مثيل في أنهار أخرى، وقد ترتَّبَ عليها امتداد أقاليم طبيعية مختلفة في الحوض، من النطاق الاستوائي في الجنوب إلى حافة النطاق المعتدل (إقليم البحر المتوسط) في الشمال، مارًّا بأقاليم السفانا المختلفة، والإقليم الصحراوي، كما أنه بذلك ربط دولًا عديدة تمتد من شرق أفريقيا إلى شمالها الشرقي: تانزانيا، بوروندي، رواندا، الكنغو، كينيا، أوغندا، إثيوبيا، السودان، والجمهورية العربية المتحدة.
وتُعَدُّ منابع نهر كاجيرا في دولتَيْ رواندا وبوروندي هي المنابع الحقيقية للنهر، ويتكون نهر كاجيرا — الذي ينصف مصبه الساحل الغربي لبحيرة فكتوريا — من رافدين أساسيين هما: روفوفو ونيافارونجو.
وينبع روفوفو — وهو الرافد الجنوبي الأقصى للنيل — عند درجة عرض ٤ جنوب خط الاستواء من الحافة الشرقية للأخدود الغربي في دولة بوروندي، ولا يفصله عن شمال شرق بحيرة تنجانيقا سوى ٥٠ كيلومترًا، ويتجه روفوفو إلى الشمال الشرقي حتى يلتقي بنيافارونجو قرب نقطة التقاء حدود بوروندي وتانزانيا ورواندا. وينبع نيافارونجو من حافة الأخدود الغربي أيضًا في داخل في داخل دولة رواندا، وليس بعيدًا عن شواطئ بحيرة كيفو، ولكنه على عكس روفوفو، لا يتخذ مسارًا بسيطًا، بل يتجه شمالًا ثم جنوبًا بشرق، ثم شرقًا حتى يلتقي بروفوفو، وبعد ذلك يتجه النهران معًا إلى الشمال باسم نهر كاجيرا، ثم ينحرف النهر بشدة إلى الشرق ويتعرج مجراه في اتجاهات مختلفة، ولكن النهر عامة يواصِل سيره شرقًا حتى مصبه في بحيرة فكتوريا.
وعلى الرغم من أن كاجيرا هو منبع النيل، فإن فكتوريا تتلقى روافد نيلية أخرى كثيرة من كل الاتجاهات، إلا أنها كلها أقصر من كاجيرا.
والمخرج الوحيد لبحيرة فكتوريا يقع في الشمال، ومن هذا المخرج يبدأ نيل فكتوريا مساره بسقطتين متتاليتين على مندفعات ريبون وأوِن، ثم يواصِل مسارًا قصيرًا ليدخل منطقة مستنقعية كبيرة تتوسطها بحيرة كيوجا-كوانيا التي يخرج نيل فكتوريا من طرفها الغربي ليسير مسافة قصيرة أخرى، ثم يسقط بشدة أربعين مترًا من سطح هضبة البحيرات إلى الأخدود الغربي في شلال مرشيزون، ليدخل بعده في هدوء إلى بحيرة ألبرت في طرفها الشمالي الشرقي.
وتكون بحيرة ألبرت نقطة تجميع مياه هضبة البحيرات والقسم الشمالي من الأخدود الغربي، فعند شاطئها الجنوبي تدخل مياه نهر السمليكي الذي يصرف مياه بحيرتي إدوارد-جورج وروافد صغيرة أخرى بعضها يصرف المنحدرات الشمالية لبراكين فيرونجا.
ومن الطرف الشمالي من بحيرة ألبرت يخرج نيل ألبرت البطيء الجريان، الذي يتسع في أحيان ليبلغ حجم البحيرات الصغيرة، وعند الحدود السودانية مع أوغندا يلتقي النيل بنهر أسوا، وهو رافد يصرف الجزء الشمالي من هضبة البحيرات، وبعد ذلك يسقط النيل على شلالات فولا ويتخذ اسم بحر الجبل الذي يسير في مجرى متوسط الانحدار في قسمه الجنوبي، ثم يلقي بنفسه في منطقة شاسعة تبلغ مساحتها قرابة مائة ألف كيلومتر مربع: منطقة السدود التي لا يكاد يسيِّر الماءَ فيها إلا قوة تدافُع الماء من الجنوب. في هذه المنطقة آلاف المسارات المائية وآلاف الجزر النباتية العائمة، وآلاف المخارج والمداخل للنهر بحيث يمكن للإنسان أن يفقد طريقه بسهولة لا مزيد عليها، ومن هذه المستنقعات التي لا حصر لها ينبع رافد صغير هو بحر الزراف، الذي يعود فيلتقي بالنيل الأبيض قرب التقائه بالسوباط، وينتهي بحر الجبل ببحيرة «نو» التي تجمع مياه الجنوب بمياه بحر الغزال، الذي يصرف مياه الهضبة الحديدية، التي تفصل بين حوضَيِ النيل والكنغو، كما يجمع أيضًا مياه جنوب دارفور وجنوب غرب كردفان.
ومن بحيرة «نو» يبدأ النيل الأبيض متجهًا إلى الشرق حتى التقائه بالسوباط أول الروافد الحبشية، وهنا ينحرف النيل إلى الشمال حتى الخرطوم في مسار واسع تكتنف أجزاء منه المستنقعات والجزر الطويلة، وعند الخرطوم يلتقي النيل بأهم روافده: النيل الأزرق — الأزرق بمعنى الداكن لكثرة ما يحمله من طمي — الذي يصرف مساحة كبيرة من الهضبة الحبشية، ويعتبر المنبع الهام الثاني للنيل بعد منبعه من هضبة البحيرات، ولولا النيل الأزرق لما استطاع النيل أن يكون نهرًا دائم الجريان في النوبة ومصر، ولا أدل على ذلك من أن تصريف هذا الرافد الحبشي يبلغ في ذروة الفيضان في أغسطس قرابة ٧٦٠٠ متر مكعب في الثانية، يهبط بعدها إلى ١٨٠ مترًا مكعَّبًا في الثانية قبل موسم الفيضان، وفي الوقت ذاته يبلغ تصريف النيل الأبيض عند الخرطوم ١٠٤٠ مترًا مكعَّبًا في الثانية في نهاية موسم المطر، يهبط بعدها إلى ٣٨٠ مترًا مكعبًا في نهاية الفصل الجاف.
وعلى بُعْد ٣٠٠ كيلومترٍ من الخرطوم يلتقي النيل بآخِر رافد له: العطبرة الذي ينبع من شمال هضبة الحبشة، ويبلغ تصرفه ٢٠٠٠ متر مكعب في الثانية وقت الفيضان، بينما يكاد لا يكون به ماء جارٍ في موسم الجفاف. بعد العطبرة يخترق النيل ٢٥٠٠ كيلومتر وسط صحراء تُعَدُّ من أجف وأقحل صحراوات العالم حتى ينتهي إلى البحر، والحقيقة أن استمرار سريان الماء في النيل هذه المسافة الهائلة دون روافد ودون أمطار يُعَدُّ معجزةً حقيقيةً لا مثيل لها، ولا شك أن النيل يفقد الكثير من مياهه بالبخر والتسرب عبر هذه المسافة الشاسعة، فتصرُّف النيل الأبيض والأزرق والعطبرة مجتمعين في سبتمبر يساوي قرابة ١٠٠٠٠ متر مكعب في الثانية، يصل منها مصر ٧٦٠٠ متر مكعب في الثانية، ويهبط هذا الرقم في أوقات التحاريق إلى ٥٣٠ مترًا مكعبًا في الثانية فقط.
والنيل النوبي من الخرطوم إلى أسوان يتخذ مسارًا معقدًا نتيجة ظروف التركيب الصخري والتضاريسي، وهو في الحقيقة يكاد يرسم شكل Sالإفرنجية، مارًّا بعقبات ملاحية عديدة تسمى شلالات، ولكنها في الواقع الجنادل الستة المعروفة «أسوان – حلفا – دلجو – مروي – بربر – سبلوكه»، وهذه الجنادل عبارة عن صخور جرانيتية صلبة تعترض مسار النهر، مما يجعل النهر يتخذ عشرات المسالك الصغيرة حولها في مسافات تتراوح بين بضع كيلومترات وعشرات الكيلومترات، ونستثني من ذلك سبلوكه الذي يتخذ شكل خانق صخري، ظروف تكوينه لم يُقطَع فيها برأي حتى الآن.
وبعد أسوان لا تعود العقبات تعترض النهر، وتهدأ سرعة جريانه — باستثناء منطقة جبل السلسلة — ويتجه النهر إلى الشمال فيما عدا ثنية قنا، وبعد القاهرة بقليل يتفرع النهر إلى فرعيه دمياط ورشيد ليكون دلتا صغيرة جدًّا، بالقياس إلى الحجم العملاق الذي يصل إليه هذا النهر العظيم طولًا ومساحة.
ونظرًا لأن النيل هو شريان الحياة في قسمه المصري، ولظروف الخصب المتكررة كل سنة مع الفيضان، فلقد أصبح وادي النيل المصري ودلتاه منطقة سكن كثيف منذ أن عرف الإنسان الزراعة، وبما أن الزراعة قد أصبحت عماد الحياة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية حتى اليوم، فلقد دخلت مصر حلقة تكاد أن تكون مفرغة؛ فهي تحتاج إلى ضبط مياه النيل لتأمين الزراعة من ناحية، وللتوسع الزراعي من ناحية أخرى، لمجابهة متطلبات الحاجة المتزايدة للسكان، وكلما زاد الرخاء زاد عدد السكان. ونحن لا نعرف بالضبط الطريقة التي كان المصريون في عصورهم السالفة يحلون بها مشكلة زيادة السكان عن الإنتاج، ولكن لا جدال في أن الهجرة — وخاصة تجاه الجنوب — كانت إحدى هذه الحلول الناجحة، وشواهد الهجرة ماثلة في التأثيرات الحضارية الفرعونية وغير الفرعونية في مساحة كبيرة من أفريقيا — خاصة إقليم السفانا. ولا شك أن هذه الهجرة كانت تأخذ أشكالًا مختلفة، منها الهجرات الفردية وشبه الفردية المستمرة في أي وقت، ومنها الهجرات الجماعية التي كانت تحدث وقت الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الدينية. وفي الوقت الحاضر نجد أن أحد حلول مشكلة السكان في مصر يتمثَّل في الاتجاه إلى التصنيع.
ومع ذلك فإن النيل كان وسيظل محور الحياة في هذا الجزء من حوض النيل، ولذلك أنشئت المشروعات الهندسية العديدة لضبط مياه النيل وتخزينه، مشروعات تمتد من عهد بعيد — ربما من مجهودات الأسرة ١٢ — للاستفادة من منخفض الفيوم كخزان لمياه النيل الفائضة، إلى فكرة استخدام وادي الريان الملاصق للفيوم كخزان لمياه الفيضان، وهي فكرة معاصرة، ومشروعات تمتد من بناء السدود في العهد الفرعوني في النيل النوبي — موضوع وجود خط منسوب مياه عالٍ على صخور الجندل الثاني لم يجد لها الباحثون حلًّا منطقيًّا، سوى أن الفراعنة كانوا قد أنشئوا سدًّا في منطقة سمنة وقمة — إلى السدود الحالية على النيل في أسوان والسد العالي وسنار وجبل الأولياء وأون، ومشروعات سدود مقترحة في مناطق أخرى من أهمها سد بحيرة تانا وسد بحيرة ألبرت.
وإلى جانب أهمية النيل الاقتصادية، فإنه كان وما زال طريقًا ملاحيًّا ممتازًا في أفريقيا يتوغَّل فيها من البحر المتوسط إلى حافة هضبة البحيرات عند جوبا (درجة عرض ٥ شمالًا) باستثناء منطقة الجنادل النوبية، ومعنى ذلك أن هناك طريقًا ملاحيًّا ممتازًا لمسافة ألف كيلومتر من المصب حتى الجندل الثاني، وحوالي ألف وخمسمائة كيلومترٍ أو أكثر من الخرطوم إلى جوبا.
وإذا كان النيل بهذه الأهمية الحيوية، فليس بمستغرب أن يخصِّصَ له الفراعنة إلهًا في مجمع آلهتهم، وأن يقول عنه هيرودوت إن مصر هبة النيل، وأن يتصور الناس له منبعًا في السماء أو في جبال القمر.
الكنغو
ثاني أنهار أفريقيا من حيث الطول، وإن كان أكبرها من حيث مساحة الحوض، ولقد كان البحث عن منابع الكنغو أحد المشكلات الجغرافية الأفريقية، تمامًا كما كان البحث عن منابع النيل والنيجر، وبعد أن تمَّتِ الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، أصبحنا نتكلم عن منبعين للكنغو: الشرقي والغربي. أما المنبع الغربي فهو منابع نهر لوالابا التي لا تبعد كثيرًا عن منابع الزمبيزي، ويسير النهر إلى الشمال مخترقًا منطقة خانقية عميقة في جبال ميتومبا، ويظل نهرًا شديد الانحدار وضيق المجرى حتى بلدة بوكاما التي تعبر عندها السكة الحديدية النهر من إليزابث فيل إلى بورت فرانكي، وبعد بوكاما يصبح لوالابا نهرًا صالحًا للملاحة النهرية الكبيرة، وبعد قليل إلى الشمال يدخل لوالابا منطقة مستنقعات وبحيرات عديدة تكاد تعيد إلى الأذهان — بصورة مصغَّرَة — منطقة السدود الكبرى في السودان الجنوبي، وتُسمَّى منطقة المستنقعات هذه بسهل كامولوندو، وأكبر بحيرات المنطقة «أوبمبا» و«كيسالي»، وبعد كيسالي مباشَرةً يلتقي لوالابا برافِدِه الهامِّ لوفيرا الذي ينبع بالقرب من منابع لوالابا، ثم برافِد آخَر هو لوفوا.
خريطة رقم (١١): مناطق الملاحة في أنهار أفريقيا.
ونهر لوفوا هو الذي يأتي بمياه المنابع الشرقية للكنغو، فهو يصرف مياه بحيرة مويرو التي تصرف بدورها مياه بحيرة بنجويلو، ويصل بحيرتَيْ بنجويلو ومويرو نهر لوابولا، وبعد التقاء لوفوا بلوالابا بقليل يلتقي نهر لوكوجا بلوالابا، ونهر لوكوجا هو الذي يصرف بحيرة تنجانيقا وبحيرة كيفو اللتين ترتبطان بواسطة نهر روزيزي، وبعد إلتقاء لوكوجا بقليل يضيق مجرى لوالابا إلى عرض لا يزيد عن مائة متر، وتندفع المياه بسرعة فوق شلالات هيلنتور، ثم يعود النهر ملاحيًّا بين كاسونجو وكيبومبو مسافة تبلغ ١١٠ كيلومترات، بعدها تعود المندفعات المائية عند كندو، وبعد كندو شمالًا يصبح النهر صحالًا للملاحة حتى بونتير فيل مسافة تبلغ ٣١٠ كيلومترات، وإلى الشمال من بونتير فيل وحتى ستانلي فيل توجد شلالات ستانلي المشهورة، التي تتكون من سبعة مساقط متلاحقة فوق حواجز من صخور الجرانيت وحجر كوندلنجو الرملي.
وبعد ستانلي فيل يطلق اسم الكنغو على النهر حتى المصب، وهذا هو ذلك النهر العظيم الاتساع إلى درجة لا يفوقه فيها من الأنهار العظمى سوى نهر الأمازون، وبين ستانلي فيل وليوبولد فيل — مسافة ١٧٣٤ كيلومترًا — يصبح النهر ملاحيًّا من الدرجة الأولى، حتى إن بلجيكا لم تفكِّر في مد خط حديدي في هذه المنطقة؛ لأن النقل النهري أكثر رخصًا، ولأن النهر بروافده العديدة يكون شبكة مواصلات نهرية تصل إلى أعماق الكنغو الاستوائي بدون تكلفة تُذكَر. وقبل أن يصل النهر موقع ليوبولد فيل يتسع المجرى في صورة بحيرة كبيرة عمقها خمسون مترًا، يسميها الأهالي نكوما، ويسميها الأوروبيون ستانلي بول، وتمتد البحيرة ٣٠ كيلومترًا، ويكون عرضها قرابة ٢٠ إلى ٢٥ كيلومترًا.
وبعد ليوبولد فيل بقليل يضيق مجري الكنغو، وينحدر بسرعة فوق ٣٢ شلالًا وجندلًا تُسمَّى في مجموعها شلالات لفنجستون، التي يبلغ مجموع السقوط فيها ٢٦٥ مترًا، وأعظمها قاطبة شلالات إنجا التي يمكن أن تستغل في توليد أكبر طاقة ممكنة في أفريقيا، وربما في العالم كله من مشروع واحد، وبعد الشلالات يدخل النهر منطقة المصب الخليجي الذي يبلغ عرضه حوالي عشرة كيلومترات، وعمق المياه فيه قرابة ٧٠ مترًا مما يسمح للملاحة البحرية — حتى السفن التي تبلغ حمولتها ٨٠٠٠ طن — أن تتوغل حتى ميناء متادي.
ومتوسط تصريف نهر الكنغو السنوي عند المصب قرابة ٤٠٠٠٠ متر مكعب في الثانية، ولو أنه يتراوح بعض الشيء في المواسم المختلفة، وتأتي الروافد الاستوائية «إيتيمبيري – سانجا – مونجالا – أوبنجي» بمياه الفيضان بين مارس ونوفمبر، أما الروافد الجنوبية «لوالابا – لومامي – كساي» فتأتي بمياه الفيضان من أكتوبر إلى مارس، ولهذا تبلغ مياه الكنغو أقصى تصريف لها في الخريف، وعلى الأخص في شهر أكتوبر حيث تشترك المنابع الشمالية والجنوبية معًا في جلب المياه، بحيث يصل التصريف عند المصب حوالي ٨٠٠٠٠ متر مكعب في الثانية. والسبب في ثبات تصريف الكنغو معظم أشهر السنة، هو أن الروافد الشمالية تحظى بموسم مطر في الربيع والصيف في الوقت الذي تكون فيه الأمطار قليلة في الروافد الجنوبية، وفي الخريف والشتاء تسقط أمطار كثيرة على الروافد الجنوبية، بينما تقل في منطقة الروافد الشمالية، ولا شك أن ذلك كله مرتبط بنظم سقوط المطر شمال وجنوب خط الاستواء في المنطقة الاستوائية، كما سيأتي تفصيله فيما بعدُ.
وللكنغو — كما سبق أن ذكرنا — شبكة هائلة من الروافد تأتيه من مختلف الجهات، وأهمها الشمال الأوبنجي الذي يكاد أن يكون نهرًا قائمًا بذاته، ومنابع الأوبنجي عبارة عن ارتباط نهرين كبيرين، الشمالي منهما هو نهر بومو الذي ينبع من خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو، والجنوبي نهر أويلة الذي ينبع من حافة الأخدود الغربي قرب التقاء حدود السودان والكنغو وأوغندا، ويتجه كلا النهرين غربًا فيلتقيان عند ياكوما، ويسر النهر بعد ذلك باسم الأوبنجي في اتجاه الغرب مكوِّنًا الحدود مع جمهورية وسط أفريقيا، ثم يتجه جنوبًا عند «بانجوي»، ويتسع مجراه حتى التقائه بالكنغو قرب بحيرة تومبا.
أما كساي فهو أهم روافد الكنغو الجنوبية، وهو في ذاته عبارة عن شبكة نهرية ضخمة تصرف منحدرات الهضبة الأفريقية في أنجولا الشرقية وجنوب الكنغو، وينبع كساي من شرق أنجولا ويتجه شمالًا مكوِّنًا حدود أنجولا مع الكنغو، ويلتقي بروافد عديدة تأتيه من شرق أنجولا ووسطها، وعند بورت فرانكي ينحرف كساي إلى الشمال الغربي ليتصل بالكنغو قبل ليوبولد فيل بقليل، وعند بورت فرانكي أيضًا يلتقي كساي برافده الهام زانكورو الذي يجمع مجموعة من الروافد تصرف القسم الغربي من كاتنجا.
النيجر
ثالث أنهار أفريقيا من حيث الطول ومساحة الحوض، ويكاد يشابه النيل من حيث أن مساره يخترق عددًا من الأقاليم الطبيعية تبدأ من الاستوائي وما دون الاستوائي إلى السفانا وإلى منطقة شبه صحراوية، ولكن مساره يختلف عن النيل في أن منابعه ومصباته تقع داخل إقليم طبيعي واحد؛ لأن النيجر في مساره يرسم قوسًا كبيرًا يكاد يحيط بغرب أفريقيا ويحددها.
ينبع النيجر من السفوح الشمالية لهضبة فوتا جالون في أقصى الجنوب الغربي من غرب أفريقيا، وبذلك فإن منابعه ليست بعيدة كثيرًا عن المحيط، ويتجه إلى الشمال ثم إلى الشمال الشرقي حتى تمبكتو، وفي هذا المسار يلتقي النيجر بروافد المنبع العديدة، من أهمها نياتان وميلو اللذان ينبعان من فوتا جالون ويرفدان النهر الرئيسي في ضفته اليمنى، ولكن أهم روافد العليا وأطولها هو باني الذي يلتقي بالنيجر في دلتاه الداخلية، ولنهر باني روافد كبيرة أهمها نهر باوليه ونهر باجوي اللذان ينبعان من منطقة خط تقسيم ضعيف للمياه بين النيجر وأنهار ساحل العاج (ساساندرا وبانداما) في شمال دولة ساحل العاج. وبعد التقاء باجوي وباوليه يسير النهر باسم «باني» موازيًّا لمسار النيجر مسافة طويلة تزيد عن ٥٠٠ كيلومتر، قبل أن ينحرف عند موبتي إلى الشمال، ويتصل بالنيجر في منطقة البحيرات التي تميِّز الدلتا الداخلية للنهر.
عند تمبكتو ينحرف النيجر إلى الشرق، وقبل «جاو» بقليل ينحرف النهر إلى الجنوب والجنوب الشرقي حتى حدود نيجيريا، فيتجه إلى الجنوب، ثم إلى الشرق، وأخيرًا يتصل بأهم روافده قاطبة: نهر البنوي، وتلتحم مياههما متجهة إلى الجنوب لتصبَّ في البحر بدلتا شاسعة عديدة الفروع.
في المنطقة ما بين تمبكتو والحدود النيجرية لا يكاد النهر يلتقي أي رافد؛ لأن هذه المنطقة جافة وشبه جافة، ولكنه في داخل نيجيريا يلتقي بعدد من الروافد الصغيرة التي تصرف المياه القليلة في هضبة جوس وامتدادتها، ومن أهم هذه الروافد الصغيرة نهر سوكوتو ونهر كادونا.
أما البنوي فينبع من هضاب إقليم أدماوا في شمال الكمرون، ويتجه شمالًا، ثم شمالًا بغرب، ثم غربًا حتى «يولا» بعد الحدود النيجيرية بقليل، ثم يتجه إلى الجنوب الغربي حتى «ماكوردي»، ثم إلى الغرب حتى التقائه بالنيجر عند «لوكوجا». وللبنوي روافد عليا مهمة نذكر منها نهر فارو الذي ينبع من أدماوا أيضًا، ويلتقي بالبنوي عند حدود الكمرون ونيجيريا. وهنا نهر آخَر غريب الأطوار، هذا هو نهر كيبي الذي ينبع في منطقة أدماوا ويتجه شمالًا إلى نهر اللوجوني — أحد روافد نهر شاري — ولكن في موسم سقوط الأمطار تنصرف مياه كثيرة من نهر كيبي إلى البنوي الأعلى، وربما كان ذلك بداية لعملية أسر نهري لصالح البنوي، وإلى جانب الروافد العليا فإن للبنوي روافد أخرى، بعضها تصرف مياه هضبة جوسي «جونجلا-شيمانكار»، وبعضها يصرف المنحدرات الغربية لهضبة بامندا في الكمرون «دونجا-كاتسينا».
والنيجر صالح للملاحة في جزئه الأعلى بين باماكو — عاصمة مالي — وكوروسا داخل غينيا في موسم الفيضان، ولكنه غير صالح للملاحة إلى الشمال من باماكو؛ نتيجة وجود بعض المندفعات المائية لمسافة قصيرة يعود بعدها ملاحي طوال موسم الفيضان حتى أنسونجو — قرب جاو — وبعد ذلك لا يصبح ملاحيًّا حتى «جبا» في نيجيريا، نتيجة لوجود مندفعات مائية وشلالات في «فافا» و«لا بزنجا» و«بوسا»، وبعد «جبا» يعود النهر ملاحيًّا إلى المصب، وكذلك البنوى يُعَدُّ طريقًا ملاحيًّا ممتازًا في موسم الفيضان (يوليو–أكتوبر) حتى «يولا» قرب حدود الكمرون.
الزمبيزي
أما نهر الزمبيزي فينبع من منطقة الأمطار في جنوب كاتنجا، بالقرب من منابع نهر الكنغو، وله روافد عديدة تأتي من شمال شرق وشرق أنجولا، ولكن النهر في مجراه الأعلى وروافده الأنجولية قليل المياه، ومن ثَمَّ فإن تصرُّف النهر في هذا الجزء تصرُّف يكاد يكون موسميًّا. ويتجه الزمبيزي جنوبًا من منابعه مخترقًا بعض أجزاء أنجولا الشرقية، ثم يخترق إقليم باروتسي في روديسيا الشمالية، ويغيِّر النهر اتجاهه تدريجيًّا إلى الجنوب الشرقي ثم الشرق، ويسقط على شلالات فكتوريا قبل مدينة لفنجستون بقليل، وقبل شلالات فكتوريا يتصل به أهم رافد له في مجراه الأعلى وهو نهر كواندو، الذي ينبع من المنحدرات الشرقية لهضبة بيهي في وسط أنجولا، وشلالات فكتوريا من الشلالات الكبرى في أفريقيا، وكان يمكن إقامة محطة توليد الطاقة عندها بدلًا من منطقة كاريبا، ولكن الحقيقة أن التصرف الموسمي للزمبيزي الأعلى وروافده وقلة المياه في موسم الجفاف، يجعل من المستحيل إقامة المحطة هنا.
ويتجه الزمبيزي شرقًا ثم إلى الشمال الشرقي في خانق طويل يتعرض فيه لكثير من المندفعات المائية، ونهاية هذا الخانق يسمى منطقة كاريبا التي أنشأت عليه الحكومة سدًّا ومحطة للطاقة، وبعد كاريبا بقليل يلتقي الزمبيزي بأهم روافده، وهو نهر كافوي الذي يأخذ منابعه من منطقة الحدود مع الكنغو، وتقترب هذه المنابع من نهر لوفيرا، ويتجه كافوي جنوبًا، ثم يرسم قوسًا إلى الجنوب الغربي، فالغرب فالجنوب، وأخيرًا إلى الشرق حيث يتصل بنهر الزمبيزي، وفيما بين الزمبيزي الأعلى وكافوي توجد هضبتا باتشو كولومبوي وباتوكا اللتان تكونان معًا باروتسي لاند، ويتراوح ارتفاعها بين ١٣٠٠ و١٧٠٠ مترٍ.
ويتابع الزمبيزي مساره شرقًا في منطقة خانقية أيضًا، ولكنها تتميز بأنها أقل وعورة من خانق كاريبا، وتمهِّد للزمبيزي كي يدخل سهوله الدنيا في موزمبيق، حيث ينحرف مساره إلى الجنوب الشرقي، ويصب في مجرى عريض ودلتا صغيرة في مضيق موزمبيق.
الأورنج
يجري نهر الأورنج في معظمه في منطقة صحراية وشبه صحراوية، ولولا أنه يستمد منابعه من منطقة خارجية عن صحراء كلهاري، لما استطاع أن يكون لنفسه هذا المجرى الواسع الطويل. وينبع الأورنج من هضبة باسوتو أعلى هضاب جنوب أفريقيا، ويتجه جنوبًا بغرب، ثم غربًا، ويلتقي بروافد جبلية عديدة أهمها نهر كاليدون، والنهر هنا جبلي يمر في عدد من المساقط المائية، ثم يدخل منطقة بتشوانا لاند فتقل الارتفاعات والانحدارات، وهنا يلتقي بأهم رافد له وهو نهر فال Vaal الذي ينبع أيضًا من حافة دراكنزبرج في الترنسفال الجنوبي، ويلتقي بعدد كبير من الروافد من جنوب الترنسفال ومن إقليم أورنج، وبعد التقاء النهرين في إقليم جريكو لاند — جنوب كمبرلي — يتقلب مسار النهر بين الجنوب الغربي والشمال الغربي ثم الغرب، وينحدر النهر على عدد من المندفعات المائية والشلالات في مجراه الأدنى منها شلالات أوجرابيس ومندفعات فيللور، ويصب في المحيط الأطلنطي بمجرى كثير الشطوط الرملية، مما يجعل الملاحة في النهر أمرًا متعذرًا.
(٤) بحيرات أفريقيا
تتوزع بحيرات أفريقيا بصورة غير عادلة على أرجاء القارة، فمن بين ١٤ بحيرة كبيرة لا توجد سوى ثلاث خارج شرق أفريقيا، هي تشاد في غرب أفريقيا، وليوبولد الثاني، وتومبا في وسط حوض الكنغو، والإحدى عشرة بحيرة الأخرى مركزة في شرق أفريقيا، وحتى هذه البحيرات تنقسم إلى نوعين: الأقلية بحيرات عادية على سطح الهضاب هي فكتوريا وبنجويلو وتانا، والثماني الباقية بحيرات أخدودية.
بحيرات الأخدود الشرقي
تظهر هذه البحيرات في منطقة شبه جافة مناخيًّا، مما يؤدي إلى ذبذبة كبيرة في مسطح الماء في هذه البحيرات — خاصة الصغيرة منها. كما أن مياه هذه البحيرات، نتيجة لعدم تصرُّف مياهها بواسطة الأنهار، قد أصبحت تحتوي على نسبة كبيرة من الملوحة، وأكبر بحيرات هذه المجموعة هي رودلف التي تقع في شمال غربي كينيا، ويكون طرفها الشمالي نقطة التقاء حدود كينيا وإثيوبيا والسودان، وينتهي إليها تصريف نهر أومو الذي يصرف القسم الأقصى في جنوب غرب الهضبة الحبشية، وإلى الشمال الشرقي من رودلف تقع بحيرة ستيفاني الضحلة التي تتعرض للجفاف كثيرًا. وفي أواخر الثلاثينيات تعرَّضَتِ البحيرة للجفاف تمامًا. وإلى الشمال الشرقي تمتد مجموعة من البحيرات، أكبرها: إبايا، وزفاي، وشالا، وتشامو.
وإلى الجنوب من بحيرة رودلف تقع في وسط أخدود كينيا مجموعة صغيرة من البحيرات هي من الشمال إلى الجنوب: بارينجو، هاننجتون، تاكورو، ألمنتيتا، نيفاشا، ماجادي. وإلى الجنوب منها في تنجانيقا بحيرات نطرون ومانيارا وإياسي، ومجموعة أخرى من البحيرات الصغيرة.
بحيرات الأخدود الغربي
على عكس بحيرات الأخدود الشرقي نجد نسبة الملوحة في بحيرات الأخدود الغربي قليلة جدًّا؛ وذلك لأنها ليست بحيرات مقفلة، بل تنصرف مياهها إلى ثلاثة مجموعات نهرية كبرى: هي النيل والكنغو والزمبيزي، وتتكون هذه البحيرات من المجموعات التالية:
(١)
مجموعة البحيرات النيلية: ألبرت وإدوارد وجورج، ويربط بينها نهر سمليكي.
(٢)
مجموعة البحيرات الكنغولية: كيفو وتنجانيقا، ويربط بينهما نهر روزيزي.
(٣)
مجموعة بحيرات الزمبيزي: نياسا ومالومبي، ويرتبطان بالزمبيزي بنهر شيري.
(٤)
بحيرة روكوا فيما بين نياسا وتنجانيقا، وهي بحيرة مقفلة.
وبحيرة تنجانيقا هي أكبر بحيرات الأخدود الغربي، وواحدة من كبريات بحيرات العالم؛ إذ إن ترتيبها السابعة من حيث المساحة، والثانية في العالم من حيث العمق بعد بحيرة بيكال.
بحيرة فكتوريا
نظرًا لأنها أكبر البحيرات الأفريقية، وثاني بحيرة عذبة في العالم من حيث المساحة بعد بحيرة سوبيرير، فإنها تستحق تخصيص بضعة أسطر لها، فهذه البحيرة عبارة عن انخفاض تكتوني على سطح هضبة البحيرات، ولهذا فإن شواطئها مستوية غير جبلية، كما هو الحال في البحيرات الأخدودية، وتنتهي إليها أنهار صغيرة عديدة من كل الجهات، أكبرها نهر كاجيرا. ونظرًا لمساحتها الضخمة، فهي معرَّضة للعواطف والأنواء، كما أن التبخر من سطحها كبير، وقد اقترح إقامة سد عند مخرج نيل فكتوريا، ورفع منسوب البحيرة ثلاثة أمتار لخزن ٢٠٠ مليار من الأمتار المكعبة من الماء، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه ولضبط التصريف إذا ما نُفِّذَ.
اسم البحيرة
الارتفاع عن سطح البحر بالمتر
المساحة بالكيلومتر المربع
طول الشواطئ بالكيلومتر
متوسط عمق البحيرة بالمتر
أعمق نقطة في البحيرة بالمتر
الموقع
فكتوريا
١١٣٣
٦٨٨٠٠
٣٤٤٠
٤٠
٧٩
شرق أفريقيا
تنجانيقا
٧٧٣
٣٢٨٨٠
١٩٠٠
؟
١٤٣٥
شرق أفريقيا
نياسا
٤٧١
٢٨٤٨٠
١٥٠٠
٢٧٣
٧٠٦
شرق أفريقيا
تشاد
٢٩٥
من ١١٠٠٠ إلى ٢٢٠٠٠
٧٠٠
١٫٥−
٨
غرب أفريقيا
رودلف
٤٠٧
من ٨٠٠٠ إلى ٨٦٠٠
٩٠٠
؟
٧٣
شرق أفريقيا
هويرو
٩٧٠
٤٩٢٠
٤١٠
٦٫٥
١٤
شرق أفريقيا
ألبرت
٦١٨
٤٢٤٦
٥٢٠
١٠
٤٨
شرق أفريقيا
كيفو
١٤٥٥
٣٩٠٠
٥٧٠
؟
٨٠
شرق أفريقيا
تاتا
١٨٠٠
٣١٠٠
٣٠٠
؟
٧٠
شرق أفريقيا
بنجويلو
١١٥٠
٢٣٣٠
؟
٥
؟
شرق أفريقيا
ليوبولد الثاني
٣٤٠
٢٣٢٠
٥٠٠
؟
؟
حوض الكنغو
إدوارد
٩١٤
٢٢٠٠
٢٨٠
٢٥
١١٧
شرق أفريقيا
تومبا
٣٠٠
١٢٧٥
٢٢٠
؟
؟
حوض الكنغو
ستيفاني
٥٨٢
٧٩٠
٢٦٠
؟
٨
شرق أفريقيا
وبحيرة تشاد عبارة عن حوض ضحل جدًّا من الطين، تنتهي إليه مياه نهر شاري، وتتأثر مساحة البحيرة بشدة بكمية الماء التي يجلبها شاري وبالتبخر، لدرجة أنها تزيد أو تنقص بما يعادل ١٠٠٪ من مساحتها السابقة، ورغم أنها بحيرة مقفلة إلا أن نسبة الملوحة فيها قليلة، أما بحيرتَيْ بنجويلو ومويرو فهما أيضًا من البحيرات الضحلة، ويرتبطان بنظام الكنغو النهري، وكذلك الحال بالنسبة لبحيرتَيْ ليوبولد وتومبا في وسط حوض الكنغو.
المستنقعات الملحية
تظهر هذه المستنقعات في المناطق الجافة، وتتراوح بين بحيرات ملحية وتربة ملحية طينية تمامًا، وتتكون بطبيعة الحال نتيجة التصريف الطارئ الداخلي في المناطق الصحراوية. ومن الأمثلة على ذلك بحيرة أتوشا في شمال أفريقيا الجنوبية الغربية، التي تتغذى أحيانًا من فيضان أو انحراف لمياه نهر كونيني. ومثل ذلك أيضًا في جنوب أفريقيا بحيرة نجامي ومستنقعات الدلتا الداخلية لنهر أكوانجو ومستنقع مكاري كاري، وتسمى هذه البحيرات في أفريقيا الجنوبية بالإنجليزية Pans أو بالألمانية Pfannen.
وفي الصحراء الكبرى حيث الحرارة شديدة والنطاق الجاف عريض جدًّا، لا نجد هذه البحيرات الملحية إلا في المناطق القريبة من هامش الصحراء، وخير مثال على ذلك الشطوط جنوب الأطلس أو السبخات في الصحراء الليبية والمصرية. ومن أكبر الشطوط شط الجريد في جنوب تونس (١٦ مترًا فوق سطح البحر) وشط ملغير في الجزائر (٣١ مترًا تحت مستوى سطح البحر) وشطوط هضبة الشطوط. وفي مصر نجد في سبخات واحة سيوة ومنخفض القطارة أمثلة واضحة لهذه التكوينات الملحية.
مراجع لمزيد من الاطلاع (في موضوعي التضاريس والتصريف النهري)
محمد عوض محمد «نهر النيل» القاهرة ١٩٥٢، الطبعة الرابعة.
Bernard, A., 1937 “Afrique septentrionale et occidentale” Tom. XI, Geographie Universelle. Paris.
Dudley Stamp. L., 1964 “Africa, A Study in Tropical Development” London.
Fitzgerald. W., 1961 “Africa” 9th. ed. London.
Harrison Church. R. J., 1960. “west Africa” London.
Harrison Church. R. J., 1964“Africa and the Islands” London.
Hirschberg, W., 1962. Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
Maurette, F. 1939 “Afrique equatoriale, orientale et australe” Tom. XII, Geographie Universelle. Paris.
HaIbfass, W., 1922. “Die Seen der Erde” in Petermanns Mitt. Nr, 185 Gotha.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق