إطار عام للتخطيط
الشامل للنقل بمكة المكرمة
المهندس/ أحمد بن علي
بايزيد
وكيل أمانة العاصمة
المقدسة للتعمير والمشاريع – المملكة العربية السعودية
ahmedbayazeed@hotmail.com
الملخص : حمله من هنا
مكة المكرمة هي مهبط الوحي وقبلة
المسلمين ومقصد كل حاج ومعتمر وضمن هذا الإطار فقد تميزت عن باقي المدن في العالم
بأنها نقطة جذب ومقر توطين بمعدلات متزايدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ،
بخلاف المدن الأخرى في العالم والتي على مر التاريخ تنمو ثم تتراجع وقد تختفي وذلك
بحكم المؤثرات الاقتصادية والسياسية أو البيئية ، أماّ مكة المكرمة فقد شهدت نمواً
متزايداً منذ عهد سيدنا إبراهيم عليه السلام ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير
ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم
وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ) .
وخلال العقدين الماضيين شهدت مكة
المكرمة أمرين مهمين أثرا بشكل كبير على تزايد حركة النقل فيها وهما : توسعة خادم
الحرمين الشريفين للمسجد الحرام وتضاعف طاقته الاستيعابية ، والتطور العالمي للإتصالات والمواصلات . فهذان
الأمران أديا إلى زيادة حجم النقل بمكة المكرمة من خلال تزايد أعداد الحجاج
والمعتمرين نظراً لزيادة سعة الحرم الشريف وسهولة سـفر المسلمين لمكة المكرمة فعدد
الحجاج بلغ عام ( 1425هـ ) أكثر من مليوني حاج في حين أن عدد الحجاج في
عام(1404هـ) أي قبل 20 عاماً كان أقل من مليون حاج ، كما أن الحد الأعلى للمعتمرين
في رمضان بلغ أكثر من مليوني معتمر في عام (1425هـ) هـ في حين كان العدد قبل 20 عاماً أقل من 500 ألف
معتمر .
كما أن عدد السكان في مكة المكرمة في
تزايد مستمر فمن عام (1404 هـ) إلى عام ( 1425هـ ) زاد من حوالي 500 ألف نسمة
إلى ما يقارب مليون وأربعمائة ألف نسمة . هذا ومن ناحية ثانية وبالتوازي مع
هذا النمو الكبير فقد استثمرت الدولة مئات الملايين لتطوير شبكة طرق وشوارع مكة
المكرمة بما في ذلك ( الطرق السريعة والجسور وشبكة الأنفاق عبر الجبال الشاهقــة
والتي تبلغ (54) نفقاً بطول يزيد عـن (31 )كم ويبلــغ إجمالي أطــوال الطرق
والشوارع في مكة المكرمة أكثر من (3
)آلاف كلم .
وتهدف هذه الورقة العلمية إلى
تقديم إطار عام للتخطيط الشامل للنقل بمكة المكرمة وتشمل تحديد الأهداف والغايات ،
وضمن هذا الإطار سيتم بناء خطة لتطوير قطاعات النقل المختلفة لتحقيق الاحتياجات المستقبلية
وتنتهي الورقة باختيار وتقويم الخطة وفق أسس علمية وإيجاد نموذج رياضي إحصائي قادر
على التنبؤ بظروف النقل المستقبلية في مكة المكرمة .
مقدمـة
:
مكة المكرمة شرفها الله بأن تكون قبلة
للمسلمين، ومهوى لأفئدتهم فكل مسلم يتوجه إليها خمس مرات في اليوم على الأقل في
الصلوات المكتوبة ويقصدها مرة على الأقل في العمر حاجاً ومعتمراً تلبيه لدعوة
سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقال الله تعالى ( إن أول بيت وضع للناس للذي
ببكة مباركاً وهدى للعالمين ) ، كما قال الله تعالى (رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير
ذي ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم
وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ).
ومكة المكرمة هي أم القرى ومدينة
تختلف عن بقية مدن العالم لما لها من مميزات مختلفة لا تتوفر في أي مدينة أخرى
والتي من أهمها وظيفتها الدينية التي تمتاز بها عن سواها من مدن العالم وما تشهده
من مواسم دينية متعددة وهي موسمي الحج ورمضان وموسم العمرة طوال العام وهي في نمو
متزايد ومستمر دون تراجع أو انقطاع على مر التاريخ من عهد سيدنا إبراهيم الخليل
إلى تاريخنا هذا، ومرت بأطوار متعددة عبر العصور المختلفة ، وبعد أن فرض الله عز
وجل الحج زادت أهميتها مما رسخ دعائم التنمية الحضرية بها وأخذت في الأتساع
المضطرد ، وقد توالت وتتابعت عملية تخطيطها وفي جميع مراحل التخطيط يمثل الحرم
الشريف النقطة المركزية وهو مركز الثقل
الحضاري بمكة المكرمة وجميع استراتيجيات التنمية في مكة المكرمة تأخذ في الاعتبار
خلفيتها التاريخية والدينية وخلال العقود الثلاثة الماضية شهدت مكة المكرمة أمرين
مهمين :-
الأول: التطوير الشامل الملموس لشبكة الطرق والذي
اعتمد على تنفيذ شبكة للطرق تربط أطراف مكة المكرمة بعضها البعض والذي تغلب عليها
الطبيعة الجبلية القاسية وذلك بتنفيذ الطرق الدائرية والطرق الشعاعية التي ركزت
على شق أنفاق تحت جبال شاهقة الارتفاع كانت تفصل تلك المناطق عن منطقة الحرم المكي
الشريف وقد اشتملت شبكة الطرق على (54) أربعة وخمسين نفقاً جميعها تم شقها في تلك
الجبال ويزيد طولها على واحد وثلاثين كيلومتراً تربط مكة شمالها بجنوبها وشرقها
بغربها وكذلك تربط مكة المكرمة بمنطقة المشاعر المقدسة وتربط مناطق المشاعر
المقدسة ببعضها ، وقد خصص بعض هذه الأنفاق لحركة المشاة فقط التي تربط منطقة
الجمرات مروراً بأحد الأحياء بمكة المكرمة وحتى ساحة الحرم المكي الشريف .
والأمر
الثاني الهام: هو التوسعة السعودية للحرم المكي الشريف التي بدأت منذ عهد الملك
عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله ، واستمرت في عهدي الملك سعود ثم
الملك فيصل رحمها الله ،والتوسعة الكبرى التي تمت في عهد خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله والتي وضع حجر الأساس لها في شهر صفر لعام
1409هـ وهي التوسعة الثانية للمسجد الحرام بعد أربعة سنوات من بدء العمل في توسعة
المسجد النبوي الشريف.
بلغت مساحة تلك التوسعة للمسجد الحرام
وساحاته 206 ألف متر مربع ، وبذلك تكون مساحة المسجد الحرام وساحته بعد
توسعة خادم الحرمين 366 ألف متر مربع
والتي كانت قبل التوسعة 160 ألف متر مربع مما أدى إلى زيادة الطاقة الاستيعابية
للحرم إلى مليون مصلي في أوقات الذروة ، وقد نتج عن هذين الأمرين تشجيع الكثيرين
على القيام بإعادة نسكهم وزيارة الحرم ، وقد كان للطفرة العالمية التي شهدها
العالم في مجالي الاتصالات والمواصلات أثراً كبيراً في زيادة عامل الجذب والرغبة
في الحج والعمرة وأهمها نقل الصلوات والشعائر الدينية في موسمي الحج ورمضان عبر
الأقمار الصناعية لجميع دول العالم ، وكذلك توفر وسائل النقل والمواصلات الجوية
والبرية سهل عملية السفر لمكة المكرمة من خارج وداخل المملكة فقد بلغ عدد الحجاج
في العام 1423هـ أكثر من مليوني حاج ، وقد كان قبل 30عاما لا يتجاوز 900.000 حاج ، وكذلك زاد عدد المعتمرين في موسم رمضان
1424هـ إلى أكثر من مليوني معتمر ، بينما كان قبل ثلاثين عاماً لا يتجاوز الثلاثمائة ألف معتمر،وبزيادة النمو السكاني
بمكة المكرمة الذي وصل حالياً إلى أكثر من مليون ونصف في حين كان لا يتجاوز
500.000 ألف قبل ثلاثون عاماً، لذا كان لزاماً أن تصاحب هذه الزيادات في أعداد
السكان والحجاج والزوار والمعتمرين أن تشهد شبكة الطرق بمكة المكرمة والمشاعر
المقدسة تطوراً يتناسب مع حجم هذه الزيادة ، وقد أنفقت الدولة بسخاء في هذا المجال
مما أدى إلى تنفيذ شبكة حيوية للطرق بمكة
المكرمة شملت طرقاً دائرية حول الحرم المكي الشريف وطرقاً شعاعية من الحرم الشريف
إلى المناطق المحيطة به مكونة من أنفاق وجسور وذلك خلاف الطرق الرئيسية والشريانية
والفرعية للمدينة والأحياء بها ، وقد بلغ طول شبكة الطرق التي تم تنفيذها على أحدث
المواصفات العالمية أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر .
تعريف المشكلة :
يشكل
النقل والمرور أهم القضايا الرئيسية لمكة المكرمة حيث تختلف في ذلك الشأن عن جميع
مدن العالم وذلك من حيث احتياجات النقل فيها نظرا للتغيرات الكبيرة التي تحدث في
مواسم الحج والعمرة، حيث تشهد المدينة أعلى كثافة نقل فيها خلال موسم الحج وكذلك
خلال مواسم العمرة في رمضان والإجازات الرسمية . ونظرا للزيادة المستمرة في أعداد
الحجاج والمعتمرين فإن المدينة تشهد تزايداً في معدلات الازدحامات المرورية مما يترتب على ذلك المزيد من تأخير المركبات
وتلوث الهواء وحدوث الضوضاء. لذلك فالحاجة دائماً قائمة لتوفير أنظمة نقل فاعلة
وكذلك توفير حلول مرورية علمية لرفع كفائة شبكات ووسائط النقل .
الأهـداف:
بشكل عام فإن قضية النقل والمرور في
مكة المكرمة مرتبطة بجوانب تقليدية وهي تلك التي تشكل الجوانب الاقتصادية
والتنموية للمدينة ومكة المكرمة شهدت في السنوات الأخيرة معدلات نمو عالية
وتزايداً في عدد السكان ، ومن ناحية ثانية فإن قضية النقل والمرور في مكة المكرمة
مرتبطة بجوانب غير تقليدية وهي تلك المرتبطة بطبيعة المدينة الدينية وما يشكل ذلك
من كونها نقطة جذب متزايد للحجاج والمعتمرين .
ولتوسع وكثر تعقيدات موضوع النقل والمرور في
مكة فقد تم تحديد أهداف هذه الورقة بما يلي :
1
- تحليل خصائص النقل في مكة المكرمة من حيث الأنماط والوسائط وعلاقة ذلك بمستويات
ومعايير الأداء المروري للمدينة .
2- مناقشة وعرض خيارات الحلول العلمية لرفع كفاءة
النقل بمكة المكرمة طوال العام وفي المواسم المختلفة وبالذات بين المسجد الحرام
والمناطق المحيطة به .
الخلفية النظريــة :
نظراً لحجم الاهتمام بالنقل والمرور في
مكة المكرمة من قبل أمانة العاصمة المقدسة وكذلك من قبل بقية الجهات المختصة فقد
تم تنفيذ عدد من الدراسات العلمية المتخصصة كما تم تنفيذ عدد من الحلول الفنية ،
هذا وقد نفذ معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج عدد من البحوث والدراسات
العلمية المتخصصة شملت معظم مكونات النقل والمرور وتفاوتت تلك البحوث والدراسات من
حيث الحجم والمدد الزمنية وكذلك نطاق ومحتويات البحث . وقد تركز نطاق
الدراسات على الدراسات العلمية للنقل
العام وكذلك المشاة وخيارات النقل بين المشاعر خلال أيام الحج .
يعتبر التنقل بالمشي أحد الأنماط
الرئيسية للنقل بمكة المكرمة سواء حول منطقة الحرم الشريف أو بين المشاعر خلال
موسم الحج وذلك لقرب المسافات وكذلك لزيادة
أعداد الحجاج والمعتمرين وكذلك لعدم قدرة وسعة نظام النقل العام
بالحافلات لخدمة جميع حجم الطلب . وقد
تناولت إحدى الدراسات تقويم حركة المشاة على بعض الشوارع المؤدية إلى الحرم الشريف
(1 ) حيث شمل البحث دراسة التداخل بين
حركة المشاة وحركة المركبات في بعض الشوارع المؤدية إلى لحرم الشريف حيث حددت
الدراسة تلك الشوارع المؤدية إلى لحرم والتي يتطلب توفير المتطلبات الهندسية فيها
إلى فصل حركة المشاة عن حركة العربات من
خلال إعادة تنظيم مكونات تلك الشوارع ومن خلال تنظيم حركة المرور وإعطاء الأفضلية
لحركة المشاة ومنع حركة المرور خلال أوقات الصلوات الخمس . كما انتهت الدراسات
بعدد من النتائج من حيث تحديد عوائق حركة المشاة سواء تلك المرتبطة بأرصفة المشاة
أو تلك المرتبطة بالنواحي الاجتماعية والسلوكية للمشاة .
ومن تلك الدراسات التي اهتمت بالمشاة
دراسة استخدام المسارات المتحركة في المشاعر ( 2 ) حيث هدف البحث إلى دراسة إمكانية استخدام
تقنية المسارات المتحركة لرفع قدرة السعات وأحجام النقل من ناحية ورفع مستوى
الخدمة من ناحية أخرى ، وقد شمل البحث على تقييم التقنيات المستخدمة في الأسواق
والمطارات في عدد من المدن العالمية من خلال زيارات تقييم ميدانية ، وقد بينت الدراسة
أن 80% من عينة الدراسة استخدموا السلالم المتحركة التي كانت متوفرة . وهذا يوضح
أن استخدام السلالم المتحركة أحد الخيارات الواعدة لتكون ضمن أنماط النقل بين
المشاعر وحول الحرم الشريف.
كما تم تنفيذ دراسة ( 3) لبحث حركة
المشاة واستعمالات الأراضي وشملت الدراسة مراقبة ومسح ميداني لحركة الحجاج بين
المشاعر وتبين أن انتقال الحجاج لرمي الجمرات يعتبر الأكثر نسبة من المشاة ، كما
تبين أن استخدام الأراضي ونوعية المسارات والطرق والمنشآت المحيطة لها أثر كبير في
رفع كفاءة الانتقال بالمشي . وقد خلصت الدراسة إلى أهمية تطوير مخطط استراتيجي
شامل للتعامل مع المؤثرات والمتغيرات التي تواجه النقل والمرور في المشاعر المقدسة
، بحيث يركز المخطط على عملية التكامل بين المشاعر المقدسة وبين العناصر الرئيسية
للمخطط وهي استعمالات الأراضي والخدمات وشبكة النقل.
يعتبر النقل العام أحد المكونات
الرئيسية للنقل في أي مدينة ، وفي مكة المكرمة فقد اهتمت الدراسات والبحوث في هذا
الجانب ومن أهم الدراسات في هذا الشأن تلك التي بحثت نقل الحجاج بين المشاعر
بالحافلات الترددية ( 4 ) وهو برنامج لنقل الحجاج بالحافلات خلال مسارات محددة بين
المشاعر وبنظام نقل ترددي ، وقد بينت الدراسة كفاءة النقل الترددي بالنسبة للنقل
التقليدي القائم سابقا والذي يتمثل باستخدام أسطول الحافلات باتجاه واحد وللنقل
لمرة واحدة حيث بينت الدراسة أن النقل الترددي ساعد على تقليل عدد الحفلات وزيادة
حجم النقل وهذا هدف رئيسي لبرامج تطوير النقل بين المشاعر حيث أمكن تقليص عدد
الحافلات إلى 62 % مع زيادة عدد تردد الحافلات بنسبة 180% كما أوضحت الدراسة بأن برنامج النقل الترددي
بالحافلات يمكن أن يكون بكفاءة النقل بالقطارات من حيث القدرة الاستيعابية .
ويشكل نشاط الأجرة العامة أحد أنماط
النقل المتوفرة الرئيسية في مكة المكرمة وينظم هذا النشاط من خلال عدة لوائح
وأنظمة صادرة من وزارة النقل وإدارة المرور وقد اهتمت إحدى الدراسات بهذا
الجانب ( 5 ) من حيث دراسة حجم نشاط
الأجرة العامة في مكة المكرمة وتشكل الأجرة العامة أحد مكونات النقل في أي مدينة
بخلاف توفر النقل العام بالوسائط ذات السعات الكبيرة مثل الحافلات والقطارات وذلك
لما توفره هذه الخدمة من الخصوصية والسرعة
وإمكانية الوصول لجميع أجزاء المدينة ، وقد انتهت الدراسة بأهمية تفعيل
النقل بالأجرة العامة في مكة المكرمة وضرورة رفع كفاءة النظام القائم من عدة جوانب
أهمها زيادة التنظيم المؤسسي والمهني لشركات الأجرة العامة وكذلك أهمية إدخال نظام
الطلب الهاتفي للأجرة العامة وتحديد مواقف محددة لتقليل حركة سيارات الأجرة العامة
وتقليل الضغط على حركة المرور ، كما أشارت الدراسة إلى أهمية تحديد التسعيرة
وتفعيل آلية تطبيقها من خلال العدادات ومحاسبة عدم استخدامه وذلك لرفع مستوى
الخدمة .
التحليـل :
انتهت جميع الدراسات والبحوث في مجال
النقل والمرور في مكة إلى خصوصية النقل في مكة المكرمة وتأثره بالطابع الديني
للمدينة ، لذا فإنه من الضروري هيكلة مكونات النقل في مكة ودراسة كل جانب بشكل
شامل مع تكامل تلك العناصر والمكونات بشكل
فني ، وضمن هذا الإطار فإنه كان من الضروري ولتحقيق أهداف هذه الورقة من حيث تحليل
خصائص النقل ومناقشة وعرض خيارات الحلول العلمية أن تتم مراجعة الدراسات السابقة
التي أجريت في هذا المجال للاطلاع على ما توصلت إليه من نتائج وتوصيات والاستفادة
من المعلومات التي تم جمعها والتي تشمل تحديد خصائص النقل بمكة المكرمة. وفي هذا
الشأن فقد بينت مراجعة الدراسات السابقة أن هناك حاجة كبيرة لتنفيذ مزيد من
الدراسات المتخصصة والشاملة بهدف بناء قواعد معلومات بكفاءة نوعية وكمية قادرة على
تقدير التوقعات المستقبلية للحركة المرورية مع اعتبارات النمو للمكونات الرئيسية
للنقل بمكة المكرمة وهي أعداد الحجاج والمعتمرين (في رمضان وغير رمضان)، وكذلك
لأعداد السكان والحركة التجارية في المدينة، وأثر ذلك على مجالات النقل المختلفة .
كما أنه من الضروري أن يؤخذ بعين الاعتبار كل مجالات النقل في المدينة (مركبات
صغيرة ، حافلات ، سيارات أجرة ، شاحنات ) . كما أنه لابد من إعطاء اهتمام خاص
لحركة المشاة التي تشكل جزءا أساسيا من عمليات التنقل داخل المدينة، خصوصا خلال
موسمي الحج والعمرة في رمضان . هذا ويشكل النقل العام البعد الرئيسي لأي حلول أو
برامج لتطوير النقل في مكة لما له من قدرة لنقل أحجام كبيرة من المسافرين (Mass-Movement) ، وهذا يحقق متطلبات خصوصيات النقل في مكة والتي تتم من خلال
انتقال أعداد كبيرة خلال مسافات محددة وبوقت محدد حسب متطلبات وشروط الشعائر
الدينية .
هذا
وقد بينت جميع الدراسات أهمية تطوير نموذج
رياضي وإحصائي قادر على التنبؤ بظروف النقل المستقبلية في مدينة مكة المكرمة ، حيث
إنه يساعد المدينة في تقويم بدائل التنمية وإعداد خطط تحسينات النقل المستقبلية ،
وكذلك يعتبر آلية علمية لدراسة التأثيرات المرورية للمشاريع الكبرى وتقويم مشاريع
الطرق والنقل قبل التنفيذ . كما تساعد النماذج الرياضية أمانة العاصمة المقدسة على
رسم سياسات واستراتيجيات النقل، وبناء نماذج تمكن من إجراء التحليلات المناسبة على
مختلف المستويات وفي مختلف الأزمان الحالية والمستقبلية ، مع ضرورة وضع الآليات
المناسبة للتقييم المستمر والمتابعة .
هذا وقد بينت نتائج البحوث والدراسات
المتخصصة التي تمت أن النقل في مكة المكرمة يختلف عنه في بقية مدن العالم من حيث
الجوانب الهندسية والبيئية والاجتماعية، وضمن هذا الإطار فإنه من الضروري تحديد
الجوانب الرئيسية التي تحدد خصائص النقل في مكة لتكون الأساس لأي حلول وبرامج
تطوير .
ويمكن تحديد خصائص النقل والمرور في مكة
المكرمة على النحو التالي :
1- ارتباط طبيعة النقل
والمرور بجانبي الحج والعمرة بشكل مباشر وبشكل كبير .
2- خلال الثلاثة عقود
الماضية شهدت مكة تزايداً كبيراً في معدلات الحج والعمرة وذلك بحكم تأثير التوسعة
الكبيرة للحرم الشريف وتطوير شبكة الطرق وبتأثير تطور وسهولة السفر لمكة المكرمة
وزيادة برامج البث الفضائي للمشاعر ، الأمر الذي
جعل من الضروري تحديد معدلات النمو السكاني لمكة المكرمة وتزايد عدد الحجاج
والمعتمرين وبالتالي وضع خطط واستراتيجيات للنقل والمرور لمواكبة ذلك الطلب
المتزايد .
3-
يشكل المشاة عنصراً رئيسياً للحركة المرورية في مكة المكرمة سواء خلال أيام الحج
أو حول منطقة الحرم الشريف لبقية أيام السنة .
4-
الطابع الموسمي يشكل أحد الخصوصيات الرئيسية للنقل والمرور في مكة المكرمة، حيث
تحدث مستويات الذروة في أربع مستويات وهي فترة الحج وهو أعلى مستويات الذروة ،
وموسم العمرة في رمضان وموسم العمرة خلال أيام الإجازات الرسمية ، كما تشكل عطلة
نهاية الأسبوع وخصوصا يوم الجمعية فترة ذروة للحركة المرورية وذلك لسكان مكة
والمناطق المحيطة بها أثناء الانتقال من صلاة الجمعة بالحرم الشريف والعودة منه .
5-
تباين نوعيات وشرائح الحجاج والمعتمرين وغالبيتهم من كبار السن يجعل من الأهمية
اعتبار ذلك في أي برامج تطوير أو حلول هندسية خصوصا إذا كانت تلك مرتبطة بسلوكيات
ووعي المستخدمين لها .
6-
يشكل الجانب البيئي جانباً مهماً للنقل والمرور في مكة المكرمة لوجود حركة مشاة
كبيرة حول منطقة الحرم وتكون متأثرة بأي مستويات ونوعيات تلوث هوائي أو سمعي أو
بصري .
خيارات
الحلول العلمية :
قطاع النقل والمرور في مكة المكرمة
وبحكم أهمية المشاعر المقدسة يتطلب
تطويراً أدائياً وتوسعة استيعابية بشكل مستمر وذلك بحكم التزايد المستمر في عدد
الحجاج والمعتمرين وكذلك بحكم النمو العمراني وزيادة عدد السكان المضطرد للمدينة ،
كما أن التقدم العلمي والتطور التقني في مجال النقل والمرور رفع مستويات المقاييس
وهذا أوجد بعداً آخر لزيادة الطلب على التطوير والتوسعة في القدرة الإستيعابية لوسائل النقل .
وبشكل عام يمكن إيجاز خيارات الحلول
العلمية للتطوير الأدائي وتوسعة القدرة والإستيعاب لأنظمة ووسائط النقل في مكة
وذلك في سـتة حلول وهي؛ 1- تطوير استراتيجية لتخطيط النقل وإدارة المرور ، 2- تطوير وتفعيل النقل العام ، 3- إدخال النقل
بالقطارات ، 4- رفع كفاءة النقل بالمشي ، 5- ربط وتكامل التخطيط العمراني للمدينة
مع برنامج وإستراتيجية شاملة للنقل والمرور ، 6- تطوير برنامج لتطبيق التقدم
العلمي والتطور التقني في مجال النقل والمرور وهو مايعرف بالـ ITS .
فيما يلي شرح مختصر للمكونات الرئيسية
لكل حل من تلك الحلول العلمية .
أولاً
: تطوير إسترتيجية لتخطيط النقل وإدارة المرور:
نظراً لزيادة حجم المدينة
وزيادة حجم المرور مع ارتباط ذلك بمواسم
الحج والعمرة فقد أصبح الوضع المروري لمكة المكرمة معقداً وهذا أدى إلى حقيقة أن
الحلول التقليدية والوقتية غير مجدية ، وإنما لتطوير تخطيط النقل وإدارة المرور
بتلك المعطيات وتلك الخصوصية . إن هذا الأمر يحتاج إلى منهجية علمية متخصصة يتم من
خلالها تطوير إستراتيجية للنقل والمرور لتلبية احتياجات أمانة العاصمة المقدسة في
المتابعة المستمرة لتخطيط النقل والقدرة على إجراء تحاليل بالمستويات المختلفة
(طويلة المدى، قصيرة المدى، على نطاق المدينة ككل أو على نطاقات جزئية أصغر,
نمذجة الازدحامات المرورية بدرجة دقة
مقبولة) ولوسائط النقل المختلفة (سيارات صغيرة، نقل عام، نقل بضائع ، ...) .
يجب أن تشمل إستراتيجية النقل
والمرور تطوير نموذج تخطيطي للنقل يأخذ في
الاعتبار نظام النقل الحالي بكافة أنماطه (السيارات الخاصة ، الحافلات، سيارات
الأجرة، نمط المشي ) وجميع مكونات شبكة النقل (الطرق الدائرية والرئيسة والشوارع،
خطوط نقل الحافلات ) ، وتعديلاتها المستقبلية، ومصفوفة الطلب على النقل فيها
ومتغيرات هذه المصفوفة. كما يجب أن يوفر النموذج إمكانية تقديم حلول مختلفة للازدحام
المروري ، إما عبر تحليل التعديلات المستقبلية في الشبكة (بناء المزيد من الطرق أو
توسعتها أو التوسع في شبكة النقل العام و/أو توفير خدمة مترو جديدة) و/أو دراسة
نمو الطلب على النقل (تغيرات في مصفوفة الطلب). ينقسم النموذج إلى أربعة عناصر
أساسية مترابطة فيما بينها: نموذج تولد الرحلات ((Trip Generation
Model)، نموذج توزيع الرحلات
(Trip Distribution Model)، نموذج اختيار الأنماط (Modal-Split Model)، و نماذج تعيين الحركة (Traffic Assignment Model). وتتطلب هذه النماذج
تمثيلا دقيقا لشبكة النقل الحالية (Network Model) ومصفوفة الطلب على النقل (Demand Matrix) .
نموذج تولد الرحلات (Trip Generation Model) يتم من خلاله تقدير عدد
الرحلات المتولدة من والمنجذبة إلى كل منطقة تحليل مرورية (Traffic
Analysis Zone). حيث يتم تكوين
معادلات رياضية تربط عدد الرحلات المتوقع تولدها عن أو انجذابها إلى كل منطقة
مرورية مع مجموعة من العوامل (مثلا: دخل العائلة ، معدل ملكية المركبات، عدد
السكان ، الموقع، الوقت خلال اليوم، عدد العمال، استخدامات الأراضي، طلبة المدارس،
وسائط النقل المتوفرة، وأغراض الرحلات). هذا وتصنف الرحلات حسب الغرض منها إلى
الأصناف الرئيسة وذلك مثل : (منزل-عمل،
منزل-تسوق، منزل-غرض اجتماعي، منزل-مدرسة، منزل-متعدد الأغراض، رحلة ليس المنزل
طرفا فيها ،،،،،، ). ويتم تقسيم استخدامات
الأراضي إلى مجموعات عامة (مثلا: سكني، تجاري، صناعي، مكاتب أهلية، مصالح حكومية،
أماكن ترفيهية، أماكن خدمية، صحة، تعليم، ...)، كما يتم تقسيم هذه المجموعات
العامة إلى مجموعات فرعية حسب الحاجة .
نموذج توزيع الرحلات (Trip Distribution Model) ويتم من خلاله توزيع
الرحلات المتولدة في كل منطقة تحليل مروري على مختلف المناطق في الشبكة. حيث يتم
بناء مصفوفة مكونة من عدد الرحلات المتوقعة بين كل منطقتي تحليل مروري، ناتجة من
توزيع الرحلات المتولدة (Productions) من كل منطقة على أهدافها في المناطق الأخرى، والرحلات
المنجذبة (Attractions) إلى كل منطقة على
مصادرها في المناطق الأخرى. ويتم ذلك من خلال المعادلات المعتمدة علميا لتوزيع
الرحلات مثل نموذج التجاذب (Gravity Model) الذي ينص على أن عدد الرحلات يتناسب طرديا مع الجذب النسبي
لمناطق التحليل المرورية (بدلالة كل من عدد الرحلات المتولدة في منطقة المصدر
والرحلات المنجذبة إلى منطقة الهدف)، وعكسيا مع عامل البعد المكاني بين مناطق
التحليل المروري (بدلالة مجموعة من العوامل الاجتماعية، والجغرافية، والاقتصادية).
نموذج اختيار الأنماط (Modal-Split Model) ويتم من خلاله تقدير
نسبة الرحلات التي تتم بوسائط النقل المختلفة (بين مناطق التحليل المروري) كالنقل
بالسيارات الخاصة عبر الطرق أو النقل بوسائل النقل العام على اختلاف شبكاتها. تقدر
نسبة الرحلات لكل نوع من وسائط النقل من خلال نماذج عالمية، ومنها على سبيل
المثال: نماذج نهايات الرحلات (Trip End Models): والتي تحدد نسب الرحلات لوسائط النقل المختلفة على مصادرها
وأهدافها قبل توزيعها بين المناطق المرورية. ويتم ذلك بالاعتماد على معطيات
استعمال الأراضي والخصائص الاجتماعية – الاقتصادية لكل منطقة . ومن تلك نماذج تداخل الرحلات (Trip Interchange Models):والتي تحدد نسب الرحلات لوسائط النقل المختلفة بعد
توزيعها بين المناطق المرورية. ويتم ذلك بالاعتماد على متغيرات تتعلق بمستويات
الخدمة لأنظمة النقل (كزمن الرحلة النسبي, كلفة الرحلة النسبية, الوضع الاقتصادي
للمسافر و الفروق بمستويات الخدمة لأنظمة النقل).
نموذج تعيين الحركة المرورية (Traffic Assignment Model ) الذي
يتم من خلاله تقدير الغزارة المرورية على
شبكة الطرق وعدد ركاب وسائل النقل العام. ويتم ذلك بالاعتماد على أساس معادلات
رياضية معروفة عالميا وعلى أساس المعلومات التي يتم جمعها من خلال المسوحات
المرورية. ومن النماذج المعروفة عالميا في مجال تعيين الحركات على الطرق:
1.
طريقة المسار الأقل زمنا (Minimum Time Path
Method): حيث تفترض أن السائق
يختار المسار الأقل زمنا وليس بالضرورة الأقصر مسافة .
2.
طريقة المسار الأفضل حسب السعة المرورية (Capacity Restraint
Method): التي تعتمد على
الطريقة السابقة في تعيين أعداد المركبات على مختلف الطرق في البداية، ولكن بعد
التحقق من نسبة الحجوم المرورية إلى السعة على كل طريق يتم إعادة التوزيع للحجوم
لغاية الحصول على حالة اتزان لتوزيع الحجوم المرورية .
ثانياً
: تطوير وتفعيل النقل العام :
خلال الخمسة عقود الماضية زاد الاهتمام
بالنقل العام في المدن كبديل للسيارة الخاصة وذلك لما يمثله النقل العام من خيار
رئيس لتقليل الاختناقات المرورية وازدحام شبكات الطرق والشوارع بالمدن ، والنقل
العام يوفر قدرات استيعابية عالية وسرعة لوصول المسافرين بخلاف النقل بالسيارات
الخاصة ، وعلى هذا الأساس اتجهت إدارات النقل بالمدن لتشجيع الإنفاق على مشاريع
كبيرة ومكلفة لإرساء أنظمة نقل عامة فعالة. ونظراً لطبيعة إقامة الحجاج والمعتمرين
بمكة والتي غالبا تكون قصيرة ومرتبطة بالمشاعر فإن النقل العام يعتبر خياراً
رئيسياً لتنقلاتهم ، وبقدر ما يكون النقل العام شاملاً وفاعلاً بقدر ما يوجد طلب
كبير لاستخدامه بخلاف النقل العام في المدن الأخرى التي يحتاج فيها النقل العام
إلى تحفيز وتشجيع لاستخدامه بديلاً عن السيارة الخاصة . والنقل العام يشمل عدة
وسائط وأهمها النقل بالحافلات والقطارات ، ونظرا لأهمية كل من النقل بالحافلات
والقطارات فقد تم اعتبارهما ضمن خيارات
حلول النقل بمكة المكرمة .
الازدحامات المرورية في شوارع وطرق مكة
المكرمة تعتبر مصدر تأثيرات سلبية على المقيمين والحجاج والمعتمرين وخيار النقل
العام يعمل على تخفيف تلك الانعكاسات الشديدة التأثير على الإنسان و جودة محيطه عن
طريق التقليل الفعال لأعداد السيارات الخاصة في الشوارع والطرق. هذه الانعكاسات
تشمل الحوادث المرورية وما ينتج عنها من خسائر مادية وبشرية, استهلاك الطاقة,
والتأثيرات السلبية على البيئية المتمثلة بالتلوث الناتج عن احتراق الوقود,
والضجيج . بالإضافة إلى ذلك, فإن أنظمة النقل العام أقل استهلاكاً للأراضي مقارنة
بالاعتماد على النقل بالسيارة الخاصة .
يعتبر النقل العام أحد الخيارات المكلفة
من حيث التطبيق حيث يجب توفير عدد كبير من الحافلات وتخصيص مسارات محددة ضمن شوارع
المدينة وهذا يعتبر خيار صعب التنفيذ في مكة المكرمة لوضع الشوارع والطرق المحيطة
بالحرم الشريف وعدم اعتبار مسارات للنقل
العام ضمن شبكة الطرق ، وبالتالي عملية نزع الملكية يعتبر خيار عالي التكاليف
.
ضمن هذا الإطار يعتبر النقل العام أحد
الخيارات الرئيسية للمساهمة في حل مشكلة النقل في مكة المكرمة وإنه من الضروري
تنفيذ وتفعيل أنظمة نقل عام جيدة التخطيط والإدارة لتعمل على تخفيف المشاكل
المرورية بالمدينة عن طريق توفير خدمات ذات مستوى عال, يقنع الناس بالتخلي عن
سياراتهم, واستعمال النقل العام, وبالتالي تخفيض الحجوم المرورية في الشوارع,
والتقليل من آثارها ، ويجب أن تعتمد خطة تطوير النقل العام على عدة محاور وهي كما
يلي :
·
تحقيق
زيادة كبيرة في حصة المسافرين بالنقل العام
·
التركيز
في توفير نقل عام وبتردد مناسب في المحاور الرئيسية المؤدية للحرم ومراكز المدينة
.
·
تحقيق
انتشار شامل على مكة المكرمة وخصوصا تلك التي تشمل كثافات سكانية أو مراكز جذب .
·
توفير
خدمات النقل للمسنين والمعوقين والأطفال.
·
تحديد مسارات مخصصة للنقل العام
·
تحديد مواقف مخصصة لحافلات النقل العام
·
توفير عدد كاف من الحافلات والتردد ليغطي
الشريحة والحجم المستهدف
ثالثاً
:إدخال نظام النقل بالقطارات:
يعتبر النقل بالقطارات أحد وسائط النقل
العام، وفي معظم المدن الكبيرة في العالم يعتبر النقل بالقطارات جزءاً رئيسياً في
منظومة النقل ، وتختلف أنظمة النقل بالقطارات فمنها تلك التي تعمل تحت الأرض
وبسعات وسرعات وترددات عالية وتلك التي لها القدرة في تحقيق أعداد ضخمة من
المسافرين تصل إلى ملايين ، ومنها تلك التي تعتبر قطارات خفيفة تعمل بقدرات
استيعابية قريبة من أنظمة النقل بالحافلات . إن بناء البنية التحتية لشبكة سكك
حديدية للقطارات يعتبر عالي التكاليف وصعب التنفيذ في مدينة مثل مكة المكرمة، ولم
يدرج ذلك في تخطيط شوارعها وطرقها خلال مراحل نمو المدينة ، إن القطارات الخفيفة عبارة عن قطارات أخف من القطارات المستعملة خارج المدن (أو داخل
المدن تحت الأرض- ميترو) بمواصفات مسارات مختلفة،وبسرعات أقل ، ومواصفات عربات
مختلفة, تتيح سهولة أكبر في عمليات الصعود والنزول وهي تعمل بالكهرباء كمصدر طاقة
وتتم التغذية من أسلاك خاصة علوية توازي المسار الأرضي. وميزة هذه الأنظمة أنه
يمكن أن يوضع مسار القطار في حيز خاص من الشارع أو يمكن ان يرفع على مسار خاص
لزيادة السرعة وذلك يعتمد على وضع شبكة طرق المدينة وتكاليف المشروع . ويمكن أن
يكون خيار النقل بالقطارات الخفيفة خياراً واعداً للتطبيق في مكة المكرمة وذلك
للأسباب التالية :
1- إمكانية تنفيذ
المسارات من خلال تخصيص جزء الشارع أو استخدام نظام الشبكة المرتفعة .
2- انخفاض التكاليف
بالنسبة لأنظمة السكك الحديدية تحت الأرض.
3- إمكانية تطويعه
لطبيعة المستخدمين في مكة المكرمة الذين يغلب عليهم كبر السن، وضعف التعليم .
4- أكثر أماناً من
الحافلات ولا يعتبر مصدر تلوث بسبب عمله على الكهرباء وكذلك لا يعتبر مصدر ضجيج.
5- يحسن مستوى صورة
المدينة من خلال تقليل أرتال الحافلات والاختناقات المرورية بالسيارات الخاصة .
يتطلب تطبيق نظام النقل بالقطارات بمكة
المكرمة تنفيذ دراسة شاملة لتحديد خيارات النقل بالقطارات ونوع النظام المناســب
وكذلك تحديد منهجية تكامل نظام النقل بالقطارات مع منظومة النقل بمكة المكرمة
بجميع أنماطه ووسائطه .
رابعاً
: تطوير ورفع كفاءة النقل بالمشي :
يعتبر النقل بالمشي أحد الأنماط
الرئيسية للنقل بمكة المكرمة وذلك لقرب المسافة بين المشاعر في حالة الحج ، ولتركز
الحركة المرورية حول الحرم الشريف في أوقات العمرة والصلوات مما يجعل الانتقال
بالمشي أحد الخيارات الرئيسية بالنسبة للمستخدمة ، وضمن هذا الإطار فإنه من
الضروري دراسة الجوانب المرتبطة بالانتقال بالمشي ومعالجة أي عوائق تؤثر سلباً في
كفاءة الجانب النوعي والكمي للمشاة . ويجب أن تشمل الدراسة تحديد المسارات
والمواقع القابلة لتفعيل النقل بالمشي وكذلك تحليل خصائص وقدرات وثقافات الحجاج
والمعتمرين والمصلين بالحرم من حيث إمكانية المشي وذلك من حيث معرفة المسارات
وكذلك إمكانية المشي لمسافات بدون تعب أو إجهاد ويمكن تحديد ذلك من خلال معرفة
الفئات العمرية للحجاج والمعتمرين والمصلين بالحرم ، كما ويجب أن تشمل الدراسة الجوانب التالية :
1-
دراسة الأوضاع الحالية لحركة المشاة في المنطقة المركزية والمشاعر
المقدسة وداخل الأحياء السكنية .
2-
دراسة مدى كفاية الأرصفة الجانبية لحركة المشاة عليها، وحصر الممرات
التي تشهد التقاء المركبات مع حجوم عالية من المشاة ودراسة مدى حاجة تلك الأماكن
إلى إشارات ضوئية، جسور، أو أنفاق .
3-
إعداد خطط قصيرة وطويلة المدى لرفع كفاءة وسلامة طرق المشاة وإعداد
قواعد معلومات تفصيلية لشبكة طرق المشاة
مع التركيز على أماكن المشاعر المقدسة .
4-
مسح وتقويم لعوائق المشي في
المسارات المحددة للمشاة .
5-
إدخال حلول فنية لتفعيل
المشي وتسهيل ورفع كفاءته ومن تلك الحلول تركيب سلالم متحركة في المناطق القابلة
لهذا النوع من الحلول .
خامساً
: ربط وتكامل التخطيط العمراني مع برنامج وإستراتيجية شاملة للنقل والمرور:
هناك ارتباط كبير بين التخطيط العمراني
ونظام وأداء النقل بالمدينة ، ومن هذا الإطار فيجب تنفيذ برامج وخطط التخطيط
العمراني ضمن منظور شامل لرؤية مستقبلية لتأثير ذلك الواقع الجديد العمراني
للمدينة على حركة النقل والأداء المروري لجميع أنماط ووسائط النقل .
سادساً : تطوير برنامج
لتطبيق الـ Intelligent Transport Systems
(ITS)
تقنيات النقل الذكي (ITS)
هي عبارة عن تطبيقات متقدمة ومتكاملة لأجهزة
استشعار, أجهزة حاسب آلي , برمجيات, الكترونيات, وتقنيات واستراتيجيات إدارة الغرض
منها أن توفر للمسافر والنقل معلومات وأنظمة اتصالات ترفع من كفاءة الإنتاجية
والرفاهية والأمان ، وبشكل عام تنقسم العناصر المكونة لنظم النقل الذكية إلى ثلاثة
أقسام وثيقة وآلية الترابط وهي:
1- وسائل تجميع المعطيات: وتشمل
الأجهزة التي تقوم بجمع مختلف المعطيات اللازمة كحساسات المرور و كاميرات التعداد
والتصوير المركبة على الأوتوسترادات والطرق المدنية , وكذلك كاميرات المراقبة
للمواقف ولوسائل النقل العام , وكذلك مكاتب الحجز لمختلف وسائل النقل العام ,
مختلف التقارير والأنباء عن أعمال الصيانة أو الحوادث من الشرطة, التقارير البيئية
أو تقارير الطقس .
2- وسائل معالجة البيانات: وتشمل
مختلف البرمجيات والأجهزة القائمة على معالجة البيانات والمعطيات التي تم جمعها,
وذلك بغرض إدارة نظم النقل بشكل يتجاوب مع المتغيرات التي تطرأ على هذه النظم , و
يتلائم مع واقعها الراهن . ومن جهة أخرى تقديم مختلف المعلومات لمستخدمي هذه النظم
بشكل يحقق الأمان لهم , والفعالية في استخدامهم مختلف وسائط النقل .
3- وسائل التحكم وإيصال المعلومات:
وتشمل الوسائط المسؤولة عن تحويل نتائج معالجة المعطيات إلى أرض الواقع , هذا يشمل
مختلف وسائط التحكم (الإشارات المرورية, الإشارات الإرشادية والتحذيرية , التنسيق
مع وسائل النقل العام والهيئات القائمة على مختلف فعاليات النقل, إنشاء غرف تحكم
وبنوك معلومات المرور والنقل...), ووسائل إيصال المعلومات المختلفة إلى مستخدمي
نظام النقل المعني مثل وسائل إيصال المعلومات للمستخدم أثناء الرحلة كالراديو
والجوال والـ GPS
, وسائل إيصال المعلومات قبل القيام بالرحلة عبر التلفزيون والصحف والانترنيت, الوسائل الالكترونية المعتمدة لإيصال معلومات النقل العام في محطاته
ومواقفه .
إنه من المهم أن يكون هناك خطة
أو برنامج لاستخدام البرمجيات والنظم المتكاملة المستخدمة لإدارة مختلف فعاليات
النقل، و كذلك استخدام البرمجيات التي تقدم طيفاً واسعاً من المعلومات لمختلف
مستخدمي شبكات النقل المتنوعة . تختلف تسمية هذه البرمجيات حسب الشركات
المصنعة، وحسب المشاريع التي صنعت لأجلها
. وعلى سبيل المثال والتوضيح من تلك :
·الأنظمة
المتقدمة لمعلومات المسافرين (Advanced Traveler Information
Systems,ATIS).
·عمليات
تشغيل مركبات الشحن (, CVO Commercial Vehicle Operations).
·الأنظمة
المتقدمة للتحكم بالمركبات (Advanced Vehicle Control Systems , AVCS).
·الأنظمة
المتقدمة لمساعدة السائقين (Advanced Driver Assistance
Systems, ADAS ).
ضمن هذا الإطار يتطلب تطوير
برنامج شامل لاستخدام تقنيات النقل الذكي في شبكة النقل بمكة المكرمة ولجميع
الوسائط وأنماط النقل وذلك بهدف رفع كفاءتة ومستويات الأمان وقدراته الاستيعابية .
النتائج والتوصيات :
هذه الورقة العلمية عبارة عن دراسة
تحليلية لوضع النقل والمرور في مكة المكرمة، وقد هدفت إلى تحديد خصائص النقل من حيث الأنماط والوسائط ، كما
هدفت إلى تقديم عرض لخيارات الحلول العلمية لرفع كفاءة النقل بمكة المكرمة ، وضمن
ما تقدم فيمكن إيجاز النتائج والتوصيات بالنقاط التالية :
1-
النقل والمرور في مكة المكرمة ينفرد بعدة معطيات وخصائص مرتبطة بشعائر الحج
والعمرة تجعله يختلف بشكل كبير عن النقل والمرور في بقية مدن العالم .
2-
توسعة خادم الحرمين الشريفين للحرم الشريف بمكة المكرمة رفعت الطاقة الاستيعابية
إلى أكثر من الضعف مما نتج عنه عامل جذب
للحجاج والمعتمرين وبالتالي أدى إلى زيادة كبيرة في الحركة المرورية للمدينة .
3-
تطور المواصلات والاتصالات سهلّت عملية السفر لمكة المكرمة ، والنقل التلفزيوني
الفضائي للمشاعر بالحج والصلاة في رمضان والجمعة ساعدت على زيادة الجذب للحج
والعمرة .
4-
خصائص النقل بمكة المكرمة تتمثل بأن التنقل بالمشي يشكل عنصراً رئيسياً للحركة المرورية ، كما أن
الحركة المرورية للمدينة لها طابع موسمي مرتبط بمواسم الحج والعمرة، والإجازات
الرسمية والعطل الأسبوعية .
5-
تنوع شرائح الحجاج والمعتمرين واختلاف لغاتهم وعدم إلمام معظمهم للغة العربية
وكذلك لغالبية كبار السن فيهم، كل ذلك يجعل من الضروري وضع تلك المعطيات في
الاعتبار في تخطيط أنظمة النقل والمرور بمكة لمكرمة.
6- يشكل الجانب البيئي جانباً مهماً للنقل
والمرور في مكة المكرمة لوجود حركة مشاة كبيرة حول منطقة الحرم وتكون متأثرة بأي
مستويات ونوعيات تلوث هوائي أو سمعي أو بصري .
7- خيارات الحلول العلمية للتطوير الأدائي وتوسعة
القدرة والاستيعاب لأنظمة ووسائط النقل في مكة المكرمة متعددة ويمكن إيجاز أهمها
في ستة حلول وهي؛ 1- تطوير إستراتيجية لتخطيط النقل وإدارة المرور ، 2- تطوير وتفعيل النقل العام ، 3- إدخال النقل
بالقطارات ، 4- رفع كفاءة النقل بالمشي ، 5- ربط وتكامل التخطيط العمراني للمدينة
مع برنامج وإستراتيجية شاملة للنقل والمرور ، 6- تطوير برنامج لتطبيق التقدم
العلمي والتطور التقني في مجال النقل والمرور وهو ما يعرف بالـ ITS .
المراجـع :
1- عبدالرحمن ، أنيس
خليل ، " تقويم حركة المشاة على بعض الشوارع المؤدية إلى الحرم الشريف بمكة
المكرمة " المؤتمر الهندسي السعودي الخامس ، مكة المكرمة ، 1499 ( 1999) .
2-
أحمد ، عبدالمجيد ، فاضل ، عثمان " استخدام المسارات المتحركة في المشاعر
المقدسة في مكة المكرمة " ، معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج ، مكة
المكرمة ، 1410 .
3-
مساعد ، المسيند " حركة المشاة واستعمالات الأراضي في مشعر منى " معهد
خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج ، مكة المكرمة ، 1417 .
4-
معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج
" نقل الحجاج بين المشاعر بالحافلات الترددية " التقرير النهائي
1416 .
5- مدني ، محمد توفيق ، " نشاط الأجرة العامة في منطقة مكة
المكرمة " ندوة خدمات نقل الركاب بالأجرة العامة والتأجير ، الرياض ، 1420.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق