الصفحات

الأربعاء، 16 يوليو 2014

منبع ومصب «نهر الصحراء الغربية» ...

منبع ومصب «نهر الصحراء الغربية» 

المصري اليوم - الأحد 19-06-2011 - كتب: أشرف جمال - باحثة مصرية ترصد «ممراً مائياً» عملاقاً «أسفل» الصحراء الكبرى.. و«دلتاه» مشتركة بين مصر وليبيا
    أظهرت دراسات حديثة أجرتها الدكتورة إيمان محمد غنيم، مدير معمل أبحاث الفضاء بقسم الجغرافيا والجيولوجيا بجامعة نورث كرولينا بولمنجتون، بالولايات المتحدة الأمريكية، وجود ممر مائي عملاق قديم مدفون أسفل رمال الصحراء الكبرى يربط وسط أفريقيا بساحل البحر الأبيض المتوسط، مروراً بالأراضي الليبية حتى «خليج سرت».

   وذكرت الدراسات أن إحدى الحلقات المهمة جداً من هذا الممر، هو حوض «نهر الكفرة» القديم، الواقع على الحدود المصرية- الليبية، والذي تقدر مساحته بحوالي «236 ألف كيلومتر مربع».
وقالت: «لنهر الكفرة دلتا عملاقة تقدر مساحتها بحوالي 34 ألف كيلومتر مربع بين الحدود المصرية- الليبية (الجزء الأكبر منها يقع داخل الأراضي الليبية)، والتي تعد من المناطق المحتمل احتواؤها على مياه جوفية وفيرة، إضافة إلى خام البترول والغاز الطبيعي».
   وقامت الباحثة المصرية بتحديد ورسم مسار هذا الممر المائي العملاق القديم باستخدام تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية(GIS)، مستعينة- حسب قولها- بالصور الطوبغرافية للأقمار الاصطناعية(SRTM) للتوصل إلى الكشف عن هذا الممر المائي المدفون أسفل الرمال.
وقالت- في خلاصة أبحاثها: «أمكن من خلال هذه الدراسة وباستخدام تقنية النمذجة الهيدرولوجية رسم خريطة مفصلة لهذا الممر المائي القديم (والذي قدر طوله بحوالي 1900 كيلومتر)، شاملة خريطة مفصلة لحوض نهر الكفرة»، موضحة أن واحة سيوة المصرية وما حولها ببحيراتها وآبارها العذبة «ما هي إلا جزء ضئيل من إمكانات هذا الحوض» الذي يمكن أن يمثل «خزاناً عملاقاً» للمياه الجوفية «حسب تأكيدها».
   وأوضحت الدراسات أنه يعتقد أن هذا الممر المائي القديم ذو أهمية بالغة، من الناحية التاريخية، المتعلقة بعلوم الإنسان القديم (الأنثروبولجيا) في كونه واحداً من الممرات المائية القديمة، مرجحة أن يكون الإنسان القديم استخدمه منذ أكثر من 150 ألف سنة في العبور من وسط أفريقيا إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط شمالاً، وانتشاره خارج القارة.
  وتحدثت مدير معمل أبحاث الفضاء بجامعة نورث كرولينا عن أهمية هذا الكشف من الناحية الاقتصادية، قائلة: «يمكن اعتبار الكشف عن هذا الممر المائي القديم العملاق مؤشراً على وجود مياه جوفية وفيرة، بجانب ثروات طبيعية متعددة، خصوصاً في حوض نهر الكفرة».
وأضافت: «يعتقد أن هذا الممر المائي القديم له علاقة وثيقة بتكون بحر الرمال الأعظم في شمال غرب مصر وشمال شرق ليبيا، حيث أدت التعرية النهرية على امتداد هذا الممر المائي القديم إلى تفتيت صخور الحجر الرملي جنوباً، ونقل رماله عبر الشبكة المائية النهرية وترسيبها شمالاً لتكوّن بدورها عبر الزمن الكثبان الرملية العملاقة لبحر الرمال الأعظم بالصحراء الغربية».
وتابعت الباحثة: «هنا تجدر الإشارة إلى الأهمية البالغة لهذا الممر المائي القديم في كونه يخترق الحجر الرملي النوبي المسامي والمنفذ، والذي يعد بوجه عام من أجود خزانات المياه الجوفية في العالم»
   وأفادت الباحثة بأنها كانت أعلنت تفصيلاً لأول مرة عن نتائج هذه الدراسة والخاصة بالممر المائة القديم وحوض نهر الكفرة، كجزء مهم منه في محاضرة ألقتها بمؤتمر الجمعية الجيولوجية الأمريكية، والذي عقد بالولايات المتحدة الأمريكية في الفترة من 23 إلى 25 مارس الماضي، موضحة أن نتائج هذه الدراسة لاقت «اهتماماً بالغاً» من العلماء والمتخصصين في المؤتمر.
   الجدير بالذكر أيضاً أنه سبق للدكتورة إيمان غنيم استخدام نفس تقنية الاستشعار عن بعد، ونظم المعلومات الجغرافية(GIS) في السنوات القليلة الماضية، في اكتشاف بحيرة عملاقة قديمة شمال دارفور بشمال غرب السودان، والفتى قدرت مساحتها بحوالي 30 ألف كيلومتر مربع.
ونُشرت تفاصيل اكتشاف هذه البحيرة وخرائطها التفصيلية عام 2007 بالمجلة العلمية العالمية للاستشعار عن بعد: (International Journal of Remote sensing, 28(22), 5001-5018 (2007، والتي لاقت اهتماماً دولياً بالغاً لما قد يكون لها من دور أساسي في حل مشكلة نقص المياه في شمال دارفور بالسودان.
  وتمكنت الباحثة المصرية أيضاً باستخدام تقنية الاستشعار عن بعد وكذا نظم المعلومات الجغرافية، من رسم خريطة تفصيلية للشبكة النهرية لحوض نهر قديم أُطلق عليه اسم (نهر توشكى) في منطقة شرق العوينات، قٌدّرت مساحته بحوالي 150 ألف كيلومتر مربع، ويعتبر هذا الحوض من حيث المساحة ثاني أكبر الأحواض المائية القديمة بمصر بعد حوض نهر النيل. وقد قامت الحكومة ومازالت بحفر مئات من الآبار فى هذه المنطقة لاستخدام مياهها في أغراض الزراعة حالياً، بعد نشر نتائج هذه الدراسة عام 2007 في المجلة العلمية العالمية للبيئات القاحلة: Arid Environments, 69 658-675 (2007).
   وفى اتصال هاتفي لـ«المصري اليوم» من أمريكا- قالت الدكتورة إيمان غنيم: «رغم أن هذا الممر مطمور تحت الرمال، إلا أنه معروف لدى غالبية علماء الرصد الفضائي والجيولوجيا، أن أى نهر يجف لعوامل التغيرات المناخية والزمن، يتجمع أسفله خزان جوفي، يتوقف حجمه على طبيعة الصخور والأرض الموجود بها»، مؤكدة أن طبيعة أراضى المنطقة المحيطة بهذا الممر تتكون من صخور حجر الرمل النوبي «المعروفة بمساميتها الشديدة».
   وكشفت عن أن المياه المنهمرة منذ عشرات السنين، من بئر كيفارة الموجودة في الصحراء الغربية (والتي رصدتها «المصري اليوم» منذ أيام)، ما هي إلا امتداد لخزان جوفي كبير قابع أسفل بحر الرمال العظيم، موضحة أن هذه المياه مجرد «تسريبات» للممر المائي العملاق.
   وناشدت الباحثة جميع وزارات «الري والزراعة واستصلاح الأراضي والبترول» بتوجيه أقصى اهتماماتها تجاه العمل على الاستفادة من نتائج هذه الدراسة، والعمل بمنطقة شمال غرب الصحراء الغربية بمصر باعتبارها «منطقة مبشرة» كمصدر لمياه جوفية «هائلة».
وقالت: «هذه المياه ممكن أن تترتب عليها طفرة زراعية في مساحات شاسعة بهذه المنطقة، إلى جانب إمكانية الكشف عن خام البترول والغاز الطبيعي، مما يساهم في تعظيم اقتصاد مصر»
    وأبدت الباحثة المصرية استعدادها لوضع جميع ما لديها من نتائج ومعلومات «رهن إشارة الوطن وعلمائه والمسؤولين فيه»- حسب تعبيرها- من أجل رفعة راية «مصر الثورة» وشعبها.
الدكتور مغاورى شحاتة خبير المياه الجوفية يٌعلقّ:الممر قد يعود إلى «علاقات مائية قديمة».. وحفر آبار عميقة «الوسيلة الأنسب» للتأكد من وجوده
   قال خبير المياه الجوفية الدولي، الدكتور مغاوري شحاتة، رئيس جامعة المنوفية الأسبق: «الممر الذي رصدته الباحثة الدكتورة إيمان غنيم، هو جزء من خزان حجر الرملي النوبي، وليس نهراً قديماً، والمشاكل التي صادفناها خلال عملنا في منطقة الوادي الجديد وتحديداً في واحة الداخلة، علّمتنا أن الافتراض الأمثل للتعامل مع هذا الخزان الجوفي، هو أنه مغلق وبلا منبع» ، مؤكداً أن مصدر آبار المياه المتفجرة في مناطق متفرقة من الصحراء الغربية، «مستودع» أو خزان جوفي «قابل للنضوب».
أضاف «شحاتة» لـ«المصري اليوم»: «الإعلان عن أي اكتشافات مائية لآبار أو أنهار مدفونة، يعد كلاماً مرسلاً تنقصه الدقة، حتى وإن حاول البعض الاستشهاد بآلية الاستشعار عن بُعد، أو الصور الفضائية، لأنه من المعلوم أنها وسائل فنية لاكتشاف مظاهر سطح الأرض، أو الأعماق القريبة التي تتراوح بين 10 و15 متراً، في حين أن الوصول لمياه الصحراء الغربية يحتاج الى أعماق تتعدى آلاف الأمتار».
   وشكك الخبير المائي في وجود ما يسمى«النهر الجوفي» في الصحراء الغربية، مؤكدا أن مصدر آبار المياه المتفجرة في مناطق متفرقة من الصحراء، هو «مستودع أو خزان جوفي قابل للنضوب».
وأوضح «شحاتة» أن أراضى الصحراء الغربية ذات طبيعة معقدة، خاصة في باطنها،     لأنها تحتوى على طبقات حاملة للمياه تتداخل مع أخرى مانعة لها، وهو تكوين تتداخل فيه طبقات الأحجار الرملية والطينية، مما يحدث «انفجاراً مائياً هائلاً» - حسب قوله - عند حفر أي بئر.
وقال: «حينما يرى البعض المياه تتدفق من الآبار الصحراوية، يعتقد أنها أنهار جوفية، لكن واقع الأمر أن هذه المياه مصدرها خزانات جوفية من الرمال تتداخل معها رواسب طينية مما يوقع المياه تحت ضغط الطبقات الطينية، وهى ظاهرة سرعان ما تتلاشى مع مرور الزمن، وذلك حينما يقل الضغط الذي يدفع المياه للخروج من الأسفل».
  وأرجع الخبير المائي ما يٌذكر عن وجود ممر مائي قديم فى منطقة حوض الكُفرة في ليبيا، وكيفارة وبحر الرمال العظيم إلى «بعض العلاقات المائية القديمة» خلال الفترات المطيرة، في عصر «البلايستوسين» (العصر الجليدي)، موضحاً أن خزان حجر الرمال النوبي هو نتاج «تاريخ جيولوجي وهيدرولوجي» قديم.
وقال: «حينما نتحدث عن أي كشف مائي يجب الاستناد على عدة قواعد علمية، أهمها حفر آبار عميقة، واستخدام طرق جيوفيزيقية لقياس الجاذبية والمغناطيس والزلزالية والكهربائية، لأنه كلما زادت البيانات والمعلومات عن كل بئر، مع إجراء التجارب اللازمة سنصل إلى تقييم كمي ونوعى آمنين، ويمكن من خلاله التعرف على كميات المياه ونوعيتها».
أضاف «شحاتة»: «يجب أن يكون ذلك مقروناً بدراسات التربة والبيئة، بما يُمكّننا من وضع سياسات استغلال ناجحة دون إفراط في تقديرات، أو تفريط في أخرى، حتى تكون خطط التنمية مبنية على قواعد سليمة».
وتابع: «وجود المياه في باطن الصحراء الغربية بهذا التكوين الضخم، له تفسير علمي، مرتبط بحجر الرمال النوبي الذي يحتفظ بالمياه عذبة، تزداد عذوبتها مع العمق»، مؤكداً أن المياه الموجودة فى بئر كيفارة وما حولها وتحت بحر الرمال العظيم، هي تدفقات معروفة منذ فترة، وليست دليلاً - حسب قوله - يمكن الاستشهاد به على صحة ممر التنمية المنسوب للدكتور فاروق الباز.
   وأشار خبير المياه الى أن أرض منطقة كيفارة تتكون من رواسب «المغرى»، وهى طينية وأحجار رملية و بها مياه، تحتها رواسب حجر جيري، ثم صخور حجر الرمل النوبي، لافتاً إلى أن الممر «الملتقط» قد يكون جزءاً من خزان حجر الرمل، والذي تسير فيه المياه من الجنوب الغربي (ليبيا) إلى الشمال الشرقي (مصر)، بمعدلات متفاوتة طبقاً لنوع الصخور، ووجود فوالق أو صدوع أو أي تركيبات جيولوجية قد تعوق أو تُسهّل حركة المياه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق