الصفحات

الأربعاء، 16 يوليو 2014

الطــــــاقة - حــاضر صعب ... وغـــد مرتقب ...


طاقة و اقتصاد : الطــــــاقة - حــاضر صعب ... وغـــد مرتقب

دكتور مهندس/ محمد مصطفي محمد الخياط

نشرت في مؤتمر مجلس الوحدة الاقتصادية العربي – جامعة الدول العربية – القاهرة – 
مايو 2008   

 مقدمــة    حمله من هنا

تعد الطــاقة أحد التحديات الحرجة التي تواجه عالمنا في الوقت الحاضر، فأمور من قبيل مواصلة إنتاج النفط بكميات تتناسب مع تزايد معدلات الاستهلاك والطلب المتزايد عليه، وما يستتبعه ذلك من تحديات بيئية تتمثل في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق النفط مما يؤدي إلي تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوي لكوكب الأرض ومؤثراً علي البيئة في صورة ارتفاع مستمر للمتوسط العالمي لدرجة الحرارة لتظهر مجموعة من المشكلات الخطيرة: مثل ارتفاع مستوي سطح البحر مهددا بغرق بعض المناطق المنخفضة ودلتاوات الأنهار التي تكونت عبر آلاف السنين، والتأثير علي الموارد المائية والإنتاج المحصولي بما يهدد الإنسان بشكل مباشر ناهيك عن انخفاض كلا من الثروتين الحيوانية والغذائية، بالإضافة إلي انتشار بعض الأمراض الخطيرة مثل الملاريا.


لقد كانت هذه المؤشرات الخطيرة حافزا لدولة كإنجلترا لكي تجمع فريقا من علمائها لدراسة التأثير الناجم عن تلك التغيرات المناخية والانتكاسات البيئية ونتج عن تلك المجموعة من العلماء –بقيادة سير نيكولاس ستيرن- إصدار تقرير في أواخر عام 2006 يقع في نحو سبعمائة صفحة تحوي مراجعة لاقتصاديات التغيرات المناخية وتأثيرها علي الاقتصاد العالمي من خلال تأثير المنظومة البيئية وكل الأنشطة التنموية في العقود المقبلة، ولقد جاءت نتائج هذا التقرير محبطة لآمال العديدين ممن تشككوا برومانسية في التأثير التدميري لتغير المناخ وساروا وراء مقولة "إن الاتزان البيئي المستقبلي سيحل المشكلات".

قديما، كانت وجهة نظر الاقتصاديين أن مشروعات حماية البيئة وصيانتها هي أمور ذات كلفة عالية وغير ضرورية، ومن ثم فقد تجاهلوا الاعتبارات البيئية عند دراسة مشروعاتهم وركزوا اهتماماتهم علي الاعتبارات الاقتصادية، ولكن مع تزايد الضغوط علي الموارد البيئية وتدهور العديد من هذه الموارد واستنزافها، أدرك الكثير من الاقتصاديين قصر نظرهم وأيقنوا أن إغفال البعد البيئي يؤثر سلبا علي اقتصاديات المشروعات علي المدى البعيد، وهو ما دعا إلي المطالبة بمراعاة الأبعاد البيئية للمشروعات عند وضع خطط التنمية، بهدف حماية البيئة من جهة، وضمان نجاح تلك المشروعات واستمرارها، ففي إجتماع مجموعة الدول الثماني[1] الكبري والذي تم عقده في 7 يونيو 2007 اتفق زعمــاء هذه الدول علي عملية متسارعة من شأنها أن تؤدي في النهاية إلى خفض الانبعاثات التي تساهم في الاحتباس الحراري "بدرجة كبيرة".

وقال الزعماء في إعلان أصدروه في مدينة هايليغندام، بألمانيا "إننا ملتزمون باتخاذ إجراءات قوية ومبكرة لمعالجة قضية التغير المناخي"، كما طالب قادة الدول الصناعية الكبرى -الذين وصفوا تغير المناخ بأنه يمثل "تحديا ملحا"- البلدان الكثيرة الاستخدام للطاقة والتي تمثل مصدرا رئيسيا لانبعاث الغازات الرافعة للحرارة بتكوين إطار عالمي جديد بنهاية العام 2008 للتعامل مع انبعاثات هذه الغازات. ومن شأن هذا الإطار أن يكون بمثابة أساس للتوصل، بحلول نهاية العام 2009، إلى اتفاقية عالمية أوسع نطاقا برعاية الأمم المتحدة لتحل محل بروتوكول كيوتو بمجرد أن ينتهي العمل به في عام 2012.

وهو ما ظهر في القانون الأمريكي الجديد الذي نص علي "وقف جانب من الإعفاءات الضريبية التي تتمتع بها شركات البترول الأمريكية ويبلغ 16 مليار دولار لاستخدامة في البحث عن مصادر بديلة للطاقة، بالإضافة إلي إلزام الشركات باستخدام طاقة ناتجة عن الرياح والشمس بما لا يقل عن 15% من الطاقة المستهلكة بحلول عام 2020"[2].

وعلي هذا فمن الأنسب ألا يتم النظر إلي كل من الجدوى البيئية والجدوى الاقتصادية باعتبارهما نقيضان، وإنما يجب اعتبارهما وجهان لعملة واحدة هي التنمية المستدامة، أو التنمية المدعمة بيئيا. فتقييم المنافع البيئية للمشروعات الرشيدة بيئيا يجعل الاستثمارات في هذه المجالات أكثر جاذبية[3].

ويعتبر المستوي الحالي لمخزون غازات الصوبة الزجاجية في الجو والبالغ نحو 430 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون مرتفعا وخاصة إذا قورن بتركيز 280 جزء في المليون فقط قبل الثورة الصناعية[4]، حيث تسببت هذه التركيزات بالفعل في رفع درجة حرارة الأرض لنحو 0.6 درجة مئوية، هذا إلي جانب زيادات أخري منتظرة خلال العقود القليلة المقبلة بفعل القصور الذاتي في نظام المناخ.

موقف الطــاقة عـــالميــا

يتزايد الاستهلاك العالمي لموارد الطاقة يوما بعد يوم، فعلي صعيد الطاقة الأولية تخطي الاستهلاك حاجز المائتي مليون برميل بترول مكافئ يوميا، تضخ الغذاء والطاقة في الإنسان والحيوان وتمنح الحياة لشبكات الاتصالات والمواصلات وغيرها. ويأتي جُل هذه المصادر من الوقود الأحفوري، في حين تساهم الطاقة الشمسية، والرياح، وحرارة باطن الأرض علي استحياء بنسبة 0.5%. وبحسب ما أورده تقرير السير نيكولاس ستيرن[5] - كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي- فإن قطاع الطاقة يساهم عالميا بنحو 24% من انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية بحسب البيانات المسجلة لعام 2000، وهو ما يضع الطاقة علي رأس مصادر غازات الاحتباس الحراري ويَصِمْ قطاع توليد الطاقة الكهربية من المصادر الأحفورية بسمعة غير طيبة عالميا حتى في البلدان التي تساهم فيها مصادر الطاقة النظيفة بنسب لا بأس بها.

وعلي ذكر غازات الصوبة الزجاجية، تساهم أمريكا وحدها بحوالي 25% من إجمالي هذه الغازات، ومن الجدير بالذكر أنه بزيادة الاستكشافات البترولية خلال خمسينيات القرن الفائت تصدر البترول قائمة مصادر الطاقة الأمريكية، إلي أن وقعت أزمة الطاقة العالمية عام 1973، ليتراجع استهلاك البترول وفي محاولة منها لتعويض نقص الإمدادات تُزيد أمريكا من اعتمادها علي الفحم والغاز الطبيعي، وتطالب إدارة الرئيس بوش مخططي الطاقة بزيادة الاعتماد علي الطاقة النووية لمجابهة تزايد الطلب علي الطاقة[6]، وهو ما تُرجم في ميزانية العام المالي 2007 بنحو 633 مليون دولار، أي بزيادة 18% عن العام السابق.

وبالنسبة لطاقة الرياح، فقد انتشر استخدامها في العديد من بلدان العالم وإن تركزت أكبر هذه المعدلات في البلدان الأوربية، فالدنمرك تحصل علي حوالي 15% من طاقتها الكهربية من توربينات الرياح، وفي أجزاء من ألمانيا يتم توليد حوالي 75% من الطاقة الكهربية من الرياح. هذا وقد بلغ إجمالي القدرات في العالم من توربينات الرياح نحو 59206 ميجاوات[7]، بزيادة مقدارها 20% عن العام 2005. وقد أدت الزيادة العالمية في نمو تركيبات توربينات الرياح إلي تشبع مصانع الإنتاج إلي حد توقيع عقود تنص علي توريد التوربينات بعد عامين علي الأقل، في حين أنها لم تكن تستغرق في الماضي سوي شهور معدودة. هذا علي الرغم من ارتفاع أسعار التوربينات بنحو 35% كنتيجة للزيادة العالمية في أسعار المواد الخام وأيضا لزيادة الطلب علي توربينات الرياح.

تختلف التقديرات المستقبلية للكميات المتوقع إنتاجها من البترول، إلا أنه يمكن القول أنها تتراوح بين 1000  - 2200 مليار برميل، تستحوذ السعودية، والكويت، وإيران، والعراق، والإمارات المتحدة علي 51.2% من هذا الاحتياطي، في حين يبلغ نصيب كل من أمريكا الشمالية وأوربا وباقي دول آسيا مجتمعين حوالي 10%.[8]

الطــاقة محــليا وإقليمـــيا
       أ‌ )  مصــــر
محليا -في مصر- تغطي الشبكة الكهربية الموحدة نحو 99.3% من السكان بإجمالي قدرات مركبة 23 جيجاوات للعام المالي 2006/2007، وتتضمن خطة وزارة الكهرباء والطاقة معدل زيادة سنوي متوسط يبلغ 7.5%، وهو ما يعني تركيب قرابة 1500 ميجاوات سنويا. وإذا نظرنا إلي عناصر حزمة توليد الكهرباء فسنجد أنها 86% من المحطات الحرارية، و 12.6%من المحطات المائية، و1.4 % من مزارع الرياح.   

ولكون الغاز الطبيعي هو الوقود الأساسي –إلي جانب المازوت- في تشغيل المحطات الحرارية التي تمثل عصب مصادر توليد الطاقة الكهربية في مصر، فإن معرفة تقديراته المستقبلية تعد أمرا بالغ الأهمية في ميزان الطاقة والذي تشير الدراسات إلي توافر نحو 67 تريليون قدم مكعب غاز طبيعي تكفي لنحو 35 عام، أي أن مصر ستتحول بعد هذه الفترة إلي دولة مستوردة لوقود المحطات الحرارية، الأمر الذي يعني فاتورة كهرباء باهظة التكاليف.

تمتلك مصر موارد هائلة من مصادر طاقة الرياح والشمس، وهو ما يمكن أن يدعم توجهات الحكومة نحو زيادة الاعتماد علي تكنولوجيات الطاقة المتجددة في توفير الطاقة مستقبليا. وفي هذا الإطـار، تحتل الطاقة المتجددة مكانة متميزة في خطط إنتاج الطاقة، وفي هذا السياق أُنشأت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة عام 1986 لتكون بمثابة نقطة الارتكاز في تقديم وترويج تكنولوجيات الطاقة المتجددة.   

وطبقا لما أظهرته القياسات المبدئية التي أجريت ببعض المواقع علي البحر الأحمر من تمتع مصر بكُمُون طاقة رياح هائل، فقد تم إجراء قياسات تفصيلية ومسح لمنطقة خليج السويس استغرقت الفترة من 1991 حتى 1995، ليصدر بناء عليها في عام 1996 أطلس رياح خليج السويس متضمنا بيانات عن سرعات واتجاهات الرياح خلال تلك الفترة، لعدد أربعة مواقع هي أبو الدرج، الزعفرانة، خليج الزيت والغردقة وكلها تقع علي ساحل البحر الأحمر. ونظرا لتميز هذه المناطق بسرعات رياح عالية فقد شجع ذلك العديد من الجهات الدولية علي التعاون مع مصر لإعداد دراسات وإنشاء مزارع رياح لتوليد الكهرباء مع ربطها علي الشبكة. في مارس 2003 صدر أطلس رياح تفصيلي لخليج السويس بالتعاون مع معامل ريزو الدنمركية، في حين صدر أطلس رياح جمهورية مصر العربية في فبراير 2006.

ومن مشروعات طاقة الرياح التي أنشأت في مصر، مزرعة الرياح التجريبية التي أنشأت في نهاية التسعينات بقدرة 5.4 ميجاوات بالغردقة والتي هدفت إلي اكتساب الخبرات النظرية والعملية المتنوعة في مجال طاقة الرياح، تلي ذلك إنشاء مزارع الرياح التجارية والتي تمثلت في إنشاء مجموعة مزارع بقدرة 305 ميجاوات تم تمويلها بالتعاون بين هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة كممثل للحكومة المصرية وكل من الحكومات الدنمركية والألمانية والأسبانية، وقد تم طرح مزايدة عالمية لبيع شهادات خفض الإنبعاثات المتوقع الحصول عليها من هذه المشروعات.

كما تم بدء تنفيذ مزرعتين بقدرة إجمالية 240 ميجاوات تمول علي النحو التالي: مزرعة رياح 120 ميجاوات بالتعاون مع الحكومة اليابانية، و 120 ميجاوات بالتعاون مع الحكومة الدنمركية. ومن المتوقع الوصول بإجمالي القدرات المركبة من طاقة الرياح إلي 7210 ميجاوات بحلول عام 2020، لتمثل مشاركتها مع باقي المصادر المتجددة 20% من إجمالي الطاقة الكهربية المولدة، منها 12% من طاقة الرياح والباقي من الطاقة المائية.

    ب‌ ) الدول العربيــة
علي الصعيد العربي، تنتج الدول العربية قرابة العشرين مليون برميل بترول يوميا، وإذا أضيف إنتاج إيران إلي إنتاج الدول العربية تصبح المشاركة نحو 31% من الإنتاج اليومي العالمي. من ناحية أخري بلغ إجمالي القدرات المركبة بنهاية العام 2006 حوالي 137 ج.و.، في حين سجل الحمل الأقصى 113 ألف ميجاوات [[9]]، وهو ما يدل علي تزايد معدلات الاستهلاك الناتجة عن التوسع في مجالات البنية التحتية والصناعية وغيرها وأيضا عدم ترشيد الاستهلاك. هذا وتبلغ الطاقة الكهربائية المولدة في العالم العربي نحو 623 ألف ج.و.س. للعام 2006، بزيادة مقدارها 5.4 % عن العام 2005، ويوضح شكل (2) المشاركات المختلفة لمصادر الطاقة الكهربية في الوطن العربي[10].

أيضا، تتمتع الدول العربية بتوافر معدلات مرتفعة من الإشعاع الشمسي الكلي تتراوح بين 4-8 كيلو وات ساعة/م2/يوم، وتتراوح كثافة الإشعاع الشمسي المباشر بين 1700 – 2800 كيلو وات ساعة/م2/السنة، مع غطاء سحب منخفض يتراوح بين 10% إلي 20% فقط علي مدار العام وهي معدلات ممتازة وقابلة للاستخدام بشكل فعال مع التقنيات الشمسية المتوافرة حاليا. ومن الناحية التطبيقية، تنتشر -في بعض الدول العربية- مصانع إنتاج أنظمة التسخين الشمسي للمياه والتي تلبي إلي جانب نسبة من مثيلاتها المستوردة الطلب علي هذه الأنظمة في الأسواق المحلية كما هو الحال في الإمارات العربية المتحدة، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، ومصر.

وفي مصر يجري الإعداد حاليا لبدء الدخول في توليد الكهرباء باستخدام النظم الشمسية الحرارية إلي حيز التطبيق وذلك بطرح مناقصة لتركيب محطة شمسية حرارية بقدرة 140 ميجا وات يبلغ فيها المكون الشمسي 20 ميجا وات.

وبالنظر إلي خريطة الرياح في الوطن العربي نجد مصر والمغرب وتونس في مقدمة الدول العربية بقدرات مركبة 230م.و.، 124م.و.، 20 م.و.، علي الترتيب، وتبلغ مساهمة طاقة الرياح نحو 0.17% من القدرات المركبة بالدول العربية، في حين يبلغ إجمالي القدرات من المحطات المائية في الوطن العربي نحو 9576 ميجاوات تشكل 7.4% من إجمالي قدرات توليد الطاقة الكهربائية، وتتصدر مصر والعراق والمغرب الدول العربية في القدرات المائية المركبة[11].

تحديــات الطــاقة
ستظل الطاقة أحد محاور النشاط والاهتمام الإنساني علي مدي العصور، فالإنشغال بمصادرها وتأمين إمداداتها وتوفير طرق اقتصاديه للحصول عليها والاعتماد علي موارد لا تخل بالنظام الإيكولوجي لا يرتبط ببلد دون آخر، بل هو هم جمعي يكبر بغياب زمن الطاقة الرخيصة. من هنا تأتي التحديات التي تواجه العالم بأسره متمثلة في قضايا تغير المناخ، وتزايد الاعتماد علي الوقود الأحفوري، وتوفير سبل يسيرة للحصول علي الطاقة، كل هذا يستدعي تحالفات وسياسات طويلة المدي بدأته بالفعل كيانات دولية عديدة أخذت طريقها نحو العمل الجاد، كيانات وجدت أن العمل بشكل منفرد لن يؤدي إلي تأمين موارد الطاقة، ولا إلي إنجاز الخطط البحثية التي تطمح إليها، من هنا كانت الضرورة إلي ترابط الجهود والعمل وفق منهج واحد واعتماد ميزانيات تكفل توفير غطـاء مـالي كاف للوفاء بمتطلبات أبحاث تجري علي مستوي عال من الدقة والجودة، وتضمن جذب أصحاب الخبرات المتميزة والأفكار المبدعة إلي هذه البرامج البحثية، في حين نجد الصورة علي الجانب الآخر تضم قدرات وإمكانات هائلة لكنها أشتات، ينظر كل منها صوب هدف يختلف أو يتفق مع غيره، فلا تثمر الجهود غير أمنيات وطموحات  لا تمت للواقع بصلة !!!.

وفيما يلي عرض لعناصر التحديات:-
   
          أ‌ )  تأمين الإمدادات
تسبب إجراءات تأمين إمدادات الطاقة (الغاز والنفط) قلقا وهواجس بالغة للدول المستهلكة، فضمان تأمين الإمدادات له عدة معان هامة، فللحاضر يعني الاطمئنان إلي ما بلغه مستوي الحضارة المعتمد علي استهلاكات متزايدة للطاقة تضمن توفير الاتصالات، وتدفق الأموال نتيجة العمليات الصناعية والتجارية المختلفة المعتمدة علي الطاقة، وللمستقبل يؤدي تأمين الإمدادات إلي تثبيت الأسعار، وإعداد الخطط المستقبلية علي أسس واضحة، والطموح إلي مزيد من التقدم والرقي والرفاه.

يعتبر مصطلح "تأمين الطاقة" معبرا عن إتاحة مصادر الطاقة التي يعتمد عليها بكميات كافية واستقرار نسبي وأسعار مقبولة بالنسبة للدول المستوردة والمستهلكة لهذة المصادر. وقبل أحداث 11 سبتمبر 2001 لم يكن لهذا المصطلح الأبعاد التي يشير لها الآن، فمواقــع من قبيل:
-   محطات الطاقة النووية
-  محطات الطاقة الحرارية (تستخدم النفط والغاز الطبيعى والفحم لإنتاج الكهرباء)
آبــار إنتاج النفط والغاز الطبيعي
-   نقاط التزود بالوقود
-  أنابيب نقل النفط
خطوط نقل الغاز الطبيعي
-  السدود المــائية (لإنتاج الكهرباء من المصادر المائية)
-  شبكات المياه

يمكن أن تمثل أهدافا للهجوم عليها، هذا بخلاف استخدام العالم لنحو 50.000 سفينة نقل وشحن عملاقة يستخدم منها نحو 4000 سفينة تعمل علي نقل البترول المنتج من الحقول العملاقة (116 بئر) والتي ينتج كل منها نحو 100.000 برميل يوميا من البترول، في حين توفي باقي احتياجات العالم من نحو 4000 بئر بترول صغير، بمتوسط 17.000 برميل يوميا[12].

في 15 يونيو، 2004 نشر الشيخ عبد الله بن ناصر الراشد كتاب بعنوان "الأسس العقائدية لإستهداف البترول"، حدد فيه ستة تأثيرات لهذا الإستهداف هي:-
-  رفع أسعار البترول.
-  رفع التكلفة اللازمة لتأمين مصادر الطاقة.
العمل علي تنوع مصادر الطاقة لمجابهة الزيادة في أسعار النفط.
-  زيادة تكلفة الأبحاث في مجالات الطاقة  البديلة.
عدم الإستقرار كمحصلة لإضطراب أسواق النقد المحلية والأجنبية.
التأثيرات الكارثية علي عوائد الاقتصاد في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن الجدير بالذكر أن التنظيمات الإرهابية والعصابات المسلحة يُنظر لها كمصدر تهديد لمصادر الطاقة، ففي نيجيريا والتي تعد أحد أكبر موردي البترول علي مستوي العالم يتواجد بها –في دلتا نيجيريا- نحو 120 تشكيل عصابي مسلح تحارب من أجل زيادة حصة المناطق التي تتواجد بها من عائدات البترول، وتشمل نفس النظرة أيضا تنظيم القاعدة والذي تأتي هذه المواقع ضمن أولوياته وأجندة أعماله.

وفي نظرة تشاؤمية لآليكس شميت (مارس 2007)، تعتمد علي أسلوب تنظيم القاعدة المتمثل في  تنفيذ العديد من الهجمات المتزامنة مع بعضها البعض -وهو ما جعل من هذه الهجمات سمة مميزة للقاعدة- يتخيل شميت سيناريو مستقبلي لمثل هذه الهجمات المتزامنة يمكن وصفه بالموجع إذا استطاعت القاعدة تنفيذه يوما ما بمهــاجمــة:-
تجمع معالجة النفط في أبقيق/السعودية والذي يعالج نحو 6.8 مليون برميل بترول يوميا، بالإضافة إلي ضخه نحو 10.5 – 11 مليون برميل بترول يوميا للسفن التي توزعها علي العالم.
مضيق مالاقا والذي يربط المحيط الهندي بالمحيط الباسيفيكي، حيث يمر منه نحو 20% من التجارة العالمية، تحملها نحو 130 سفينة يوميا.
خط أنابيب دروزهبا والممتد لمسافة 4000 كيلو متر من جنوب روسيا مارا بأوكرانيا ووصولا إلي ألمانيا وغرب أوربا.
مضيق هرمز والذي يتحكم في نقل نحو 15 – 17 مليون برميل بترول يوميا، أي حوالي 20% من الإستهلاك اليومي العالمي.
قناة السويس بإغراق سفينة أو أكثر، وهو ما يمكن أن يسبب خسارة كبيرة لمصر والتي تعتمد بشكل رئيسي علي قناة السويس كأحد مصادر الدخل الأساسية.

إلا أن مصطلح تأمين الإمدادات لا يشمل هذا النواحي فقط لكنه يمتد ليشمل عوامل أخري مثل، عدم استقرار الإنتاج العراقي للنفط – 2.5 مليون برميل يوميا – والخلافات السياسية بين أمريكا وفنزويلا، واضطراب الأوضاع في الخليج العربي، من قبيل التهديدات التي تواجه إيران بسبب سعيها لامتلاك تكنولوجيا الطاقة النووية، أو وقوع بعض الكوارث الطبيعية مثل إعصار كاترينا الذي ضرب أمريكا في أغسطس 2005 أو إعصـار جونو الذي ضرب سواحل عمان وإيران وبعض قري البحرين في يونيو 2007 وتسبب في وفاة نحو سبعين شخصا، ليقفز بسعر البرميل إلي سبعين دولارا للبرميل، حيث لعبت قوته في تحريك أسعار البترول هبوطا وصعودا، وذلك في علاقة طرديه بين سعر النفط الخام وقوة الإعصار.

إننا في حاجة إلي حلول سريعة نجنى نتائجها علي المدي القصيرShort-Term  من أمثلة العمل علي تنويع مصادر الطاقة بهدف تقليل الإعتماد علي البترول والغاز الطبيعي، وذلك في إطار خطة عمل متكاملة تشمل الدول المستوردة والمستهلكة لهذه المصادر، والدخول في شراكات تسمح بتطوير أساليب الحصول علي الطاقة من مصادر نظيفة، مع نقل هذه التكنولوجيا إلي جميع الشركاء علي حد سواء، إننا في حاجة إلي شراكة تقوم علي أساس التعاون والتشارك وليس علي أساس جانب قوي وآخر ضعيف.

       ب‌ ) الاستــدامة
تعرف التنمية المستدامة بأنها "إجراء يتناغم فيه استغلال الموارد وتوجهات الاستثمار وتغيير المؤسسات، تُعزز من خلالها إمكانات الحاضر والمستقبل للوفاء باحتياجات الإنسان وتطلعاته"، وهو ما يعني أنها تتطلب سيادة قيم الاستهلاك التي لا تتجاوز الممكن بيئيا[13]. ومن الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوربي وأمريكا يعتمدان علي الوقود الأحفوري بنسبة لا تقل عن80% لكل منهما من إجمالي مصادر الطاقة الأولية –وهو ما يشكل عبئاً علي مخططي الطاقة- ويؤدي إلي رفع نسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الصادرة من كل منهما، حيث تبلغ 11.3 و 16 مليون طن ثاني أكسيد كربون يوميا علي الترتيب، وبالتالي فإن سياسات الطاقة المتبعة حاليا في كلا الكيانين توصف بأها ليست استدامية.

ومع ارتباط تلوث الهواء بمصادر الطاقة الأحفورية وأيضا بالإنتاج والتصنيع، سلك الكثير من الدول خُطي ناجحة في مجالات التقنين والترشيد الخاص بالإنتاج والإستهلاك للطاقة وذلك بإدخال أساليب وتكنولوجيات نظيفة للإنتاج، واستخدام الأدوات الاقتصادية الحافزة لترشيد الإستهلاك والحد من التلوث. كما اتخذت العديد من الدول عددا من الإجراءات لخفض أو الحد من الإنبعاثات الصادرة عن استخدام الموارد الأحفورية منها الاقتصادية (التدخل في الأسعار)، والترشيدية (ترشيد الإستخدام)، والتكنولوجية (التكنولوجيا النظيفة)، والقانونية (استخدام المعايير والقوانين البيئية)[14]. ومن بين هذه الإجراءات المتخذه في بعض الدول العربية، ترشيد الطلب علي الطاقة بهدف خفض الإستهلاك الفردي. وقد ساعد في ترشيد الطلب علي الطاقة التأكد من أن وفرة الموارد لا تعني رخص وسوء استخدامها، وإنما تسعيرها بغقلانية تتناسب مع الإستخدام.

وبما أن الطاقات البديلة لن توفر ما يستلزمه العالم من البترول المستخدم حاليا، حيث يصعب تعويض الكميات المستهلكة من البترول حاليا علي الأقل في المستقبل القريب، فإنه من المحتمل أن أغلب الدول سترجع لاستخدام الطاقة النووية.

أما وضع الدول العربية من البترول، فمنها من استفاد اقتصاديا (الدول المصدرة) إلا أن معظمها لم يستفد تنمويا إلي مستويات الدول الصناعية، فالدول العربية المصدرة لا تستخدم سوي جزء ضئيل من إنتاجها (1%)، أما باقي الدول العربية غير المنتجة للبترول فنسب استهلاكها من البترول لا يعد سوي جزء قليل من استهلاك الدول الصناعية، وينعكس ذلك علي نسبتها الضئيلة التي لا تتعدي في مجموعها 5% من الإنبعاثات المسببة لتغير المناخ[15].

إن تحقيق الإستدامة يتطلب منا دعم تطوير مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والريـاح والنووية والإيثانول وكذلك التكنولوجيات الجديدة مثل الإنتاج الأنظف وخلايا وقود الهيدروجين. علما بأن هذا الدعم سوف يتزايد عندما تلقي هذه التكنولوجيات رواجا أكبر في السوق العالمي، وهو ما يتطلب طرحها فى السوق بأقصى سرعة.

       ت‌ ) التنافسية
يمثل عدم استقرار أسعار مصادر الطاقة وبخاصة النفط والغاز إلي جانب تركز مصادر هذه الموارد في أيدي بعض الدول دون غيرها قلقا للدول الصناعية، لذا تبدو أمور من قبيل وضع سياسة عامة وقانون يمكن من خلاله السيطرة علي أسعار موارد الطاقة والتقليل من تأثير تقلبات الأسواق علي هذه السلع الإستراتيجية قدر الإمكان أمورا ملحة وضرورية–إلا أن إجراءات من هذا القبيل لم تدخل حيز التنفيذ بعد. 

وفي دول تعتمد علي استيراد نسب مؤثرة من احتياجاتها من موارد الطاقة تترجم أمور من قبيل عدم الاستقرار السياسي في الدول المصدرة للغاز أو البترول، أو ببلدان تمر بها شبكات النقل، إلي قصور الإمدادات عن الوصول إلي مناطق الاستهلاك وبالتالي ارتفاع الأسعار، وهي مخاوف تتحسب لها الدول المستوردة، فعلي سبيل المثال تتكبد الولايات المتحدة نحو 7.3 مليار دولار حال ارتفاع سعر برميل البترول دولارا واحدا فقط لمدة عــام[16].

إن ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يؤثر سلبا على اقتصاديات الدول الصغيرة أو الدول النامية. بينما الإبداع والوصول إلى مصادر جديدة للطاقة، يمكن أن يساعدها على تجاوز التكنولوجيات التي تستند على الوقود الأحفوري الذي يتمتع بأكبر تأثير سلبي على البيئة والصحة العامة. إلا أن هذه الدول لا تستطيع وحدها مواجهة تحديات مستقبل الطاقة الذي يكتنفه الغموض. وهو ما يعني الحاجة إلي وجود حشد من البلدان يعمل علي تخصيص موارد مالية وفكرية كبيرة لتطوير التكنولوجيات الجديدة إذا ما كان للإبداع أن يقدم حلولا جديدة للطاقة على مستوى عالمي.

من ناحية أخري، تعتبر الزيادة في أسعار البترول إيجابية في إعطاء الفرصة لبدائل الطاقة الأخرى للدخول في منافسة مع البترول، فإذا نظرنا إلي البدائل المطروحة عالميا نجد طاقة الرياح تتصدر أنواع الطاقات المتجددة من حيث إنخفاض تكلفة وحدة إنتاج الطاقة ومن حيث إمكانية الحصول علي التوربينات دون وجود موانع سياسية كتلك الموجودة في الطاقة النووية علي سبيل المثال. كما أن الزيادة في أسعار النفط قد أدت إلي الدفع بأبحاث الطاقة البديلة إلي أولويات الكثير من الدول، فقد احتلت كل من ألمانيا والصين المراكز المتقدمة في استثمارات الطاقة بنحو 7 مليار دولار في عام 2005، وهو ما يزيد بنحو 2 مليار دولار عن استثماراتهما في عام 2004، وتتمثل هذه الاستثمارات في طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية الصغيرة، أما في أمريكا فقد بلغت استثمارات الطاقة نحو 3.5 مليار دولار خلال عام 2005، في حين رصد الإتحاد الأوربي نحو 2.35مليار يورو لأبحاث الطاقة من أصل 50 مليار يورو تخصص لجميع نواحي العلوم الإنسانية والتطبيقية من خلال برنامج الأبحاث Framework Program 7, FP7 والذي بدأ في يناير 2007 ويستمر لمدة سبع سنوات.

إن التطور في مجالات الطاقة المتجددة في أوربا يرجع إلي جهود الإتحاد الأوربي الذي أعلن التزامه ودعمه بالوصول بمشاركة طاقة الرياح في عام 2010 بنحو 12% من إجمالي القدرات المركبة لتوليد الطاقة الكهربائية[17].

وهو ما يوضح أن للحكومات دور أساسي في تحديد الأطر العامة للبحث العلمي ورصد الميزانيات لتمويل الأبحاث التي تخدم توجهات الحكومة سواء في الوقت الحاضر أو مستقبليا، ثم يأتي بعد ذلك دور القطاع الخاص لاستكمال هذه الجهود، مع علمنا بأنه من غير المرجح أن تكلل هذه المجهودات بالنجاح دون مشاركة فعالة من قبل الحكومات، إذ يجب على الحكومات قاطبة أن تقود العالم إلى تحول سريع وجريء إلى الطاقة البديلة[18].

فقد أعلنت الحكومة الصينية عن تشجيع إنتاج الوقود الحيوي، بغية خفض اعتمادها على النفط المستورد، والذي تستمد 43 في المائة منه من الخارج، بعد أن كانت تصدره في الماضي. ومن الناحية البيئية، يعتبر الوقود الحيوي بديلا أفضل للنفط، مما حمل المسئولين الصينين على وضع مصادر الطاقة "الخضراء"، في مكانة بارزة ضمن قائمة أولويات خطة التنمية. ويتطلع مخططو التنمية في الصين، إلى أن تمثل مصادر الطاقة "الخضراء" بحلول عام 2020 نحو 15% من كافة أنواع الوقود المستخدم في قطاع النقل[19].

الطــاقة والبيئـــة
"إن تحديات الطاقة الأمريكية تتطلب منا عملا متصلا، إننا في حاجة لمصادر طاقة نظيفة يعتمد عليها حتى نستمر في المنافسة"، جاءت هذه الكلمات علي لسان الرئيس الأمريكي بوش[20] لتصور مدي الحاجة إلي سياسات طاقة تضمن لأمريكا فضل السبق. علي الجانب الآخر كانت أولي التوصيات التي ذيلت تقرير مجلس الأكاديمية الملكية البلجيكية للعلوم التطبيقية تدعو الحكومة إلي دعم وتشجيع الأبحاث والمشروعات الريادية علي مستوي الاتحاد الأوربي في مجال خفض انبعاثات غازات الدفيئة[21]، تأتي هذه الإشارات وغيرها من جهات عديدة في إطار جهود دولية محمومة للحفاظ علي البيئة، فباولا دوبرينسكي[22] –المستشارة الأمريكية لشئون الديمقراطية والعالم- تذكر أن التلوث الكوني يتسبب في وفاة نحو 4400 شخص يوميا، معظمهم لا يتناولون طعاما صحيا ويسكنون مساكن غير جيدة التدفئة.

قديما كان الإنسان يحاول قدر جهده أن يحمي نفسه من أخطار البيئة المحيطة به، فما أن عاث في الأرض فسادا، صار يحاول قدر جهده أن يحمي كوكب الأرض من عبثه، إن ما نعيشه الآن من انفلات بيئي إنما هو حصاد سنين من عبث بني البشر، وهيهات .. هيهات أن تعود للأرض بكارتها المهدرة!!!.

وبحسب ما ذكره كارل باور – مدير المعمل القومي لتكنولوجيا الطاقة بأمريكا- فإن أكبر صعوبتين تواجهان تطوير تكنولوجيا الإنتاج الأنظف للطاقة المقرون بعزل وخزن ثاني أكسيد الكربون، هما تقليص كلفة عزل غاز الكربون وإثبات أمان وفعالية خزنه في التشكيلات الجيولوجية لأمد طويل[23]، وهو ما يضع عقبات أمام جهود العلماء نحو التقليل من تأثيرات تغير المناخ والتي سوف تطال الكثير من الدول وبخاصة الدول النامية، أي التي لم تساهم بشكل مؤثر في التغيرات المناخية، فعلي سبيل المثال لا تمثل  انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحراري سوي 0.57% من إجمالي انبعاثات العالم بحسب المسجل في العام 2005/2006 إلا أن مصر تعتبر من أكثر دول العالم تعرضا لأضرار التغيرات المناخية[24]. يأتي هذا مع أن سكان مصر يبلغون ثلث سكان الولايات المتحدة والتي تتسبب وحدها في حوالي 25% من إجمالي انبعاثات العالم، وبإجراء حسابي افتراضي بسيط نجد أنه في حال تساوي سكان مصر مع سكان أمريكا فإن إجمالي انبعاثات مصر سوف تصل إلي نحو 1.8% من إجمالي انبعاثات العالم، ومع هذا فمن المتوقع أن تدفع مصر فاتورة التغيرات المناخية نيابة عن كثير من دول العالم الذين تسببوا بشكل مباشر في إحداث هذه التغيرات.

أيضا صاحب الزيادة المستمرة في معدلات التصنيع بالبلدان الصناعية زيادة مماثلة في إنتاج النفايات الخطرة. فقد تضاعف الانتاج العالمي السنوي من النفايات بأكثر من مائة ضعف في النصف الثاني من القرن الماضي. ونظرا لما تمثله هذه النفايات من آثار خطيرة وسامة علي الأرض والهواء والماء وكل الكائنات الحية، إذا لم تعالج أو يتم التخلص منها وفقا لمتطلبات الأمان البيئي ولندرة المواقع الآمنة بيئيا لدفن تلك النفايات في الدول الصناعية، تتجه الدول المولدة لتلك النفايات إلي تصديرها للخارج للتخلص النهائي منها، وعادة ما تتلقي الدول الإفريقية النصيب الأكبر منها، فعلي سبيل المثال، نجحت إحدي الشركات الغربية 'سيسكو' في الحصول علي موافقة مكتوبة مسبقة من حكومة دولة بنين علي قيام الشركة بنقل خمسة ملايين طن سنويا من النفايات الخطرة إلي دولة بنين مقابل حصول الحكومة علي دولارين ونصف دولار فقط للطن الواحد، في حين تدفع الشركات الصناعية الأوروبية التي تتولد عن أنشطتها هذه النفايات ألف دولار لشركة 'سيسكو' لقاء التخلص من الطن الواحد. كما تشير التقارير إلي أن حكومة جمهورية بنين قامت، خلال الفترة من 1984 إلي 1988، باستيراد عدة أطنان من النفايات المشعة من الاتحاد السوفيتي لغرض التخلص النهائي منها. كما أجرت في الوقت ذاته مفاوضات ثنائية مع الحكومة الفرنسية من أجل استيراد نفايات مشعة وخطرة فرنسية مقابل حصولها علي 1.6 مليون دولار ومساعدات اقتصادية لمدة 30 سنة. كما وقعت عقدا مع شركة أنجلو- أمريكية 'Sesco-Gibraltar'، تلتزم دولة بنين بمقتضاه بتخزين 50 مليون طن من النفايات السامة لمدة عشرة سنوات[25].

وكما أن الطاقة تؤثر مباشرة في البيئة –حيث تتسبب الطاقة في حوالي 24% من غازات الاحتباس الحراري- فإن البيئة تؤثر أيضا علي استهلاكات الطاقة، ففي حال ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض لدرجتين مئويتين سوف يزيد الطلب علي الطاقة لأغراض التبريد في المنازل وإذا كان هذا التأثير سلبي فمن ناحية أخري سوف تؤدي التغيرات المناخية إلي ارتفاع سرعة الرياح وهو ما يمكن أن يكون تأثير ذي وجهين، فإذا كانت الزيادة في حدود تشغيل توربينات الرياح فإن هذا يعني زيادة الإنتاجية وهو تأثير إيجابي، أما إذا زادت عن تلك الحدود فهي كارثة.

الإستثمارات اللازمة لقطاع الطاقة في المستقبل
لقد نمت الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة علي مستوي كبير نموا لا يمكن إنكاره، إلا أن اندماج الشركات الكبرى والأسواق يظل هو عصب أسواق الطاقة، لقد أجمعت الآراء علي أن الصين والهند والبرازيل هي أكبر أسواق الطاقة المتجددة، إلا أن الشركات مازالت تركز عملها واستثماراتها في أوربا وأمريكا. إن شركات مثل جنرال إليكترك للطاقة GE Electric، وأورمــات للتكنولوجيا Ormat Technologies، ركزت علي أسواق العديد من الدول، إن بعض المستثمرين يختصون بعض الأسواق باستثماراتهم في مجالات مثل طاقة الرياح في وسط أوربا ويرجع سبب ذلك لكونها سوق ضخمة تعرفها الشركات جيدا[26].        

إننا لا نستطيع أن إنكار أن الطاقة البديلة تحتاج استثمارات كبيرة –بالمقارنة بالطاقة التقليدية- في الوقت الراهن، لكننا نستطيع القول أنها الآن مرتفعة التكلفة فهل ستظل هكذا إلي الأبد؟؟، لقد كان سعر الكيلوات ساعة المنتج في عام 1980 من طاقة الرياح 40 سنت دولار أما المنتج من الخلايا الشمسية فقد كان 100سنت دولار/كيلووات ساعة في حين أنها الآن وصلت إلي 5 سنت دولار/ كيلووات ساعة، وحوالي 15سنت دولار/كيلووات ساعة.

إن ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع بحث وتطوير تكنولوجيات الطاقة البديلة سوف يعمل علي تسارع اندماج تطبيقات الطاقة البديلة في المجتمع وعلي إيجاد أدوار أساسية لها بدلا من انتظار الأدوار الثانوية أو التكميلية التي لا يمكن الركون أو الاعتماد عليها. 

وبحسب دراسة مركز[27] Clean Edge Center عن الاستثمارات في مجال الطاقة المتجددة عام 2006 وتوقعاته للعشر سنوات التالية:-
-   السوق العالمي للوقود الحيوي "التصنيع والمبيعات للإيثانول والديزل الحيوي Bio-Diesel" بلغت 20.5 مليار دولار في 2006 ومن المتوقع أن تصل إلي 80.9 مليار دولار في 2016.
بلغ إجمالي قيمة رأس الأعمال لمزارع الرياح التي تم تركيبها في 2006 نحو 17.9 مليار دولار وينتظر أن تصل إلي 60.8 مليار دولار بحلول 2016.
-  الخلايا الشمسية "متضمنة مكونات النظام والموديول والتركيبات" سوف تنمو من 15.6 مليار دولار في 2006 إلي 69.3 مليار دولار في عام 2016.
يتوقع نمو سوق خلايا الوقود Fuel Cells وتوزيع الهيدروجين من 1.4 مليار دولار "بشكل مبدئي: عقود الأبحاث والوحدات التجريبية ووحدات الاختبار" إلي 15.6 مليار في عام 2016.   

أي أن إجمالي الاستثمارات في هذه المجالات الأربعة بلغ 55.4 مليار دولار في عام 2006 ويتوقع لها أن تصل إلي 226.5 مليار دولار خلال عشر سنوات.

توطين تكنــولوجيــا الطــاقة
يُظهر تقرير تم إعداده لصالح منظمة الإسكوا[28] عن إمكانيات التصنيع المحلي لمكونات الطاقة المتجددة في مصر، وجود قدرات لا بـأس بها لتصنيع بعض مكونات مشروعات الرياح ومشروعات الطاقة الشمسية، إلا أن ما تؤكده الدراسة هو أن التحول من مرحلة الأمنيات إلي الواقع يستلزم إعادة تجهيز مسرح الطاقة بصفة عامة ومسرح الطاقة المتجددة بصفة خاصة، ويقصد بإعادة التجهيز: التغلب علي العوائق التي تجابه نشر استخدام الطاقة المتجددة، وتنفيذ حزمة من السياسات القادرة علي جذب مستثمري القطاع الخاص.

فمن أمثلة العوائق التي تجابه نشر الطاقة المتجددة، ارتفاع تكلفة رأس المال مقارنة بالمحطات الحرارية، وغياب الجانب المعرفي لدي الدول النامية في تصنيع مكونات أنظمة الطاقة المتجددة وانخفاض الوعي بأهمية المصادر المتجددة لمواجهة المشاكل البيئية والحد من انبعاثات غازات الدفيئة وخفض الاعتماد علي الوقود الأحفوري.

من ناحية أخري، فعلي الجانب السياسي وللترغيب في التصنيع المحلي وجذب القطاع الخاص للاستثمار في الطاقة المتجددة، يمكن استخدام محفزات مالية وضريبية، تتمثل المحفزات المالية في تفضيل الموردين لأكبر نسبة من المكونات المحلية مع تقديم دعم مالي لهذه المكونات المصنعة محليا (توربينات، خلايا فوتوفلطية، .. إلخ)، أما المحفزات الضريبية فتتمثل في خفض ضريبة المبيعات أو الضريبة علي الدخل من مشتري أو بائعي المكونات المحلية (توربينات الرياح كمثال)، وهو ما يمكن أن يزيد المنافسة بين الشركات وأيضا نسبة التصنيع المحلي. 

إن نقل التكنولوجيا يتضمن نقل تصميمات المكونات المطلوب تصنيعها وبالتالي حقوق الملكية الفكرية لإعادة إنتاج تكنولوجيا بمواصفات محلية، كما أن الاستثمار في البحث والتطوير يجب أن يرتبط بالمتطلبات المحلية لتنمية تكنولوجيا الطاقة المتجددة. وبالتالي يبدو إنشاء مراكز للتميز أمرا حتميا، ليس فقط لتلبية المتطلبات المحلية ولكن لتمتد أنشطتها لتشمل تصدير نواتج المعرفة إلي الدول والأسواق المجاورة، وبخاصة في وجود تنوع من الجامعات الدولية في مصر.  

إن توطين تكنولوجيا "ما" تتطلب ضرورة حفز شراكة القطاعين العام والخاص والتعاون الوثيق مع المؤسسات البحثية، والعمل على تقوية الشركات المحلية وتأهيلها لاستيعاب التكنولوجيا وتطويرها وأقلمتها بما يناسب البيئة المحلية، كما أن أهمية وجود أسواق مستدامة سوف يوفر استمرارية البحث والتطوير ونقل وموائمة التكنولوجيا وجذب الشركات العالمية للدخول في شراكات مع الجهات المحلية، فضلاً عن حتمية قيام المؤسسات البحثية والتنموية بدورها في دعم التقدم التكنولوجي وحل المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وخفض المخاطر التنظيمية، والعمل على إيجاد شبكات معرفية بين المؤسسات السياسية العلمية والتعليمية والصناعية، ومؤسسات المجتمع المدني لنقل الخبرات والتجارب والدروس المستفادة سواء الفنية أو الإدارية أو التنظيمية بما ييسر نقل التكنولوجيا وتوطينها، ويشجع علي الاستثمار. 

الخــلاصــة
تركز الدراسة علي النظر في بعض شئون الطاقة في الوقت الراهن ومستقبليا، وتأثيرات ذلك علي الشأن البيئي سواء محليا –في مصر- أو إقليميا –في الوطن العربي- أو دوليا، وبحسب ما تبينه الدراسة نجد أن التوقعات المستقبلية تشير إلي زيادة الاعتماد علي المصادر المتجددة في الحصول علي الطاقة، ليس فقط بسبب الخوف من نضوب النفط، ولكن للاعتبارات البيئية التي يسببها توليد الطاقة من المصادر الأحفورية، فانبعاثات غازات الدفيئة وما تسببه من زيادة في درجة حرارة الأرض، والخوف من تبعات هذه الزيادة والتي تبدت جلية في تقرير السير نيكولاس ستيرن والتي جاءت متلازمة مع تحديده لأدوات سياسة التخفيف من هذه الآثار والتي تتلخص في النقاط التالية:-
· تسعير الكربون من خلال الضريبة أو التجــارة.
· توفير التكنولوجيــا منخفضة الكربون من خلال تكثيف الأبحاث والتطوير والاستخدام.
· العمل علي إيجــاد فهم مشترك لما يجب أن يكون عليه السلوك المسئول في كافة المجتمعات – بمعني العمل بأسلوب أبعد ما يكون عن سياسة الثواب والعقاب.

فعلي المستوي العالمي أصبح من الطبيعي تخصيص ميزانيات تفي باحتياجات البحث العلمي في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة، وأصبح الانتقال من نجاح إلي نجاح عاما بعد عام شيئا مألوفا عند تقييم تجارب الدول المتقدمة في مجال الطاقة البديلة، حتى أصبح في إمكاننا القول بأننا نتجه إلي مستقبل الطاقة البديلة، فإن ظهور تكنولوجيات جديدة كل عام، وارتفاع كفاءة نظم الطاقة المتجددة، ودخول لاعبين جدد من حين لآخر في سوق الطاقة البديلة، وعمليات الاندماج الكبيرة بين العديد من المصانع العالمية العاملة في مجال الطاقة المتجددة ليؤكد أننا نتجه إلي عصر الطـــاقة الجديدة والمتجددة.
       
أيضا تظهر الدراسة ضرورة توطين ونقل تكنولوجيات الطاقة المتجددة في الدول النامية حتى تستطيع الاستفادة بشكل أكبر مما هي عليه الآن من هذه النظم، وهو ما يستدعي تحرك العديد من الجهات في هذا الشأن، فالحكومات تضطلع بسن القوانين المحفزة علي نقل واستخدام وتطوير نظم الطاقة المتجددة والعمل علي تنفيذ هذه القوانين.

أما الجهات التعليمية فهي مطالبة بوضع نظم تعليم تواكب الحاضر يختلط فيها العلم بمشاكل ومتطلبات الصناعة، أيضا علي المنظمات المدنية العمل علي رفع الوعي لدي الأفراد والمستهلكين وبيان أن الضغط علي زر النور لإطفائه ليس مجرد إجراء بسيط يستدعي ضغطة ببنان طفل، إنما هو إجراء يتبعه إجراءات أخري من قبيل خفض استهلاك الوقود اللازم لتوليد الكهرباء، وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة، والعمل علي إطالة عمر الأجهزة المستخدمة سواء في توليد الطاقة أو في استخدامها، أيضا يستتبع ذلك تباعد فترات الأعطال والصيانة الدورية التي تجري لهذه الأجهزة، ومنح بعض الراحة لفرق الصيانة والتشغيل لتتمكن بناء علي قسط الراحة من استكمال أعمالها بجد ونشاط.

إننا في حاجة لنعلم أن كل عمل بسيط متكرر علي نطاق كبير يمكن أن يؤدي إلي أعمال عظيمة يشارك فيها كل الأفراد صغيرهم وكبيرهم علي حد سواء.

كما أننا مطالبين بأن نوضح أن زيادة الاعتماد علي الطاقة البديلة لن يلغي دور الطاقة التقليدية بين يوم وليلة، بل سيستمر التعاون المشترك بينهما لزمن يطول أو يقصر بحسب جهد كل دولة في مجال الطاقة النظيفة، لكنني أستطيع أن أؤكد أن الطاقة البديلة سوف تقضم كل عام قطعة من كعكة الطاقة التقليدية، وبقدر فعالية سياسات الطاقة المستقبلية تتحدد قوة كلا الطرفين.     

رؤيــة
إنني أتطلع إلي يوم نقرأ فيه كتاباتنا علي ضوء يستمد طاقته من كهرباء نظيفة
 صُنعت منظومتها بالكامل في بلادي.
[DOC]
حمله من هنا
[1]) يشار بمسمي الدول الثماني الكبري إلي كل من: الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وألمانيا، وروسيا الاتحادية، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وكندا. ويمثل مجموع اقتصادات هذه الدول الثماني 65% من اقتصاد العالم.
([2] جريدة الأهرام، مشروع قانون غير مسبوق لإعادة صياغة سياسات الطاقة الأمريكية"، العدد 44072، 6 أغسطس 2007.
[4]) http://www.sternreview.org/, (accessed 20 June, 2007)
[5])  مرجع سبق ذكره.
[6]) Mark Holt (July, 2006), "Nuclear Energy Policy", CRS Report for Congress, received through the CRS web.
[8])محمد مصطفي الخياط (أبريل 2006)، "الطاقة البديلة .. تحديات وآمـال"، مجلة السياسة الدولية، العدد 164– المجلد 41.
[9]) منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) (2007)، التقرير الإحصائي السنوي.
([10] منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (2006)، التقرير الإحصائي السنوي
[11]) منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (2006)، مرجع سبق ذكره.
[12] Alex Schmidt (March 2007), "Terrorism & energy security, targeting oil & other energy sources and infrastructure", Memorial Institute for the Prevention of Terrorism, MIPT- USA.
[13]) أسامة الخولي (سبتمبر 2002)، "البيئة وقضايا التنمية والتصنيع"، عالم المعرفة، العدد 285.
[14] نجاة النيش (يونيو 2001)، "الطاقة والتنمية المستدامة:آفاق ومستجدات"، المعهد العربي للتخطيط – الكويت.
[15] نجاة النيش (يونيو 2001)، مرجع سبق ذكره.
([16] محمد مصطفي الخياط (أبريل 2007 - ب)، "الطاقة المتجددة .. تجارب أوربية"، مجلة السياسة الدولية، العدد 168 – المجلد 42.
[17])Refocus Weekly, "Market for EU renewables pegged at Euro 6100 million a year", BrusselsBelgium13th Dec. 2006.  
[20]) National Economic Council (Feb., 2006), "Advanced Energy Initiative".
[21]) Belgian Academy Council for Applied Science (April 2006), "Hydrogen as an Energy Carrier".
[22]( Paula Dobriansky (July, 2006), "Clean Energy for Tomorrow", e-Journal USA, Economic Perspectives.
([24] وزارة الدولة لشئون البيئة (يونيو 2007)، "التغيرات المناخية وموقف مصر منها".
[25]) خالد السيد المتولي  (يوليو 2007)، "تصدير النفايات الخطرة إلي إفريقيا"، مجلة السياسة الدولية، العدد 169.
[26]) Renewable Energy Policy Network for the 21st Century, REN 21, "Renewables Global Status Report: 2006 Update"
[27]) Joel Makower, Ron Pernick, and Clint Wilder (March 2007), "Clean Energy Trends 2007", Clean Edge Center.
[28]) Mohamed M. El-Khayat et al (July, 2007), "Renewable Energy Technologies Manufacturing Facilities In Egypt", Report submitted to UN/ESCWA.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق