الصفحات

الأربعاء، 16 يوليو 2014

التنمية المكانية في ليبيا: قراءة في مؤشرات التفاوت "البطنان أنموذجاً" ...

بسم الله الرحمن الرحيم
التنمية المكانية في ليبيا: قراءة في مؤشرات التفاوت
"البطنان أنموذجاً" 


ليبيا المستقبل :الأستاذ: فتح الله خليفة حسين الكيلاني :
إقليم البطنان: 
  يقع إقليم البطنان شمال شرق ليبيا، بين خطي طول (38-53ْ شرقا)، ودائرتي عرض (28-32ْ شمالا)، مطلاً على البحر المتوسط بواجهة بحرية تصل إلى 300كم تقريباً، ويمتد من مستوطنة أمساعد شرقاً إلى مستوطنة عين الغزالة غرباً بطول يصل إلى (230) كم على امتداد الشريط الساحلي، ويمتد جنوبا بعمق يصل إلى (350) كم؛ حيث تقع واحة الجغبوب، وبهذا يعتبر إقليم البطنان إقليماً مترامي الأطراف، ينتشر على سطحه 20 مستوطنة سكانية.
   تضم كل مستوطنة العديد من التجمعات السكنية الصغيرة، تقع جميعها على أبعاد متفاوتة ما عدا المدينة والناظورة اللذان يشكلان سويا (مركز الإقليم). وتبلغ المساحة الكلية لإقليم البطنان (83860 كم2)، وهذه المساحة تشكل ما نسبته(4.75%) من مساحة ليبيا.
   وهكذا تبرز سمة أساسية وهي التفاوت الكبير بين المساحة الشاسعة وعدد السكان المحدود، حيث لا يظهر التوزيع السكاني إلا على شكل مستوطنات صغيرة أغلبها على طول امتداد الشريط الساحلي ما عدا المستوطنات الثلاث (جمال عبد الناصر، الشعبة، الجغبوب) الواقعة إلى الجنوب من مركز الإقليم بمسافات متفاوتة (30كم، 120كم، 300كم) على التوالي.
   تنتشر حول معظم هذه المستوطنات العديد من التجمعات السكانية الصغيرة، ويتوزع أغلب سكان الإقليم  على مسافة لا تتجاوز (50)كم من ساحل البحر المتوسط، وتظل بقية أجزاء الإقليم شبه خالية من السكان. ويستثنى من ذلك مركز الإقليم ( مدينة طبرق)  يتركز بها أكثر من (60%) من سكان الإقليم.
   زادت الأهمية النسبية للمنطقة الساحلية، وخاصة مركز الإقليم؛ وكان التطور الاقتصادي والبشري الذي شهدته ليبيا بعد اكتشاف النفط والاهتمام المتزايد بالتنمية وراء هذه الأهمية، فأقيمت بها الكثير من المشاريع التنموية التي أصبحت سبباً لتركز السكان بها.ولهذا نلاحظ بوضوح أن جميع المستوطنات ذات كثافة سكانية منخفضة ماعدا مركز الإقليم.
   إن العوامل الجغرافية الطبيعية والبشرية وخاصةً المناخ والعامل الاقتصادي قد حددت منذ زمن بعيد ملامح التوزيع الجغرافي في إقليم البطنان كغيره من باقي أجزاء ليبيا، فالظروف الجغرافية السائدة لم تكن تسمح إلا بوجود بعض نقاط التجمع السكاني الصغيرة بما في ذلك مركز الإقليم الآن.
   لقد تطور عدد سكان الإقليم تطوراً ملحوظاً خلال العقود الخمسة الماضية حيث كان في سنة 1954(19891) نسمة، وبلغ في سنة 1964 (28804) نسمة، أما حسب تعداد 1973فكان عدد سكان الإقليم (58384) نسمة، وفي سنة 1984 وصل عدد السكان إلى (94384) نسمة، وأما حسب تعداد 1995 بلغ سكان الإقليم (126880) نسمة. الجدول (1).
جدول (1)
تطور عدد السكان في منطقة البطنان خلال التعدادات المختلفة.

السنة
عدد السكان بالألف
معدل النمو %
1954
19891
-
1964
38804
7
1973
58384
4.5
1984
94006
4.4
1995
126880
2.7

المصدر: مصلحة الإحصاء، التعدادات المختلفة.
   وكانت معدلات الزيادة السنوية في التعدادات المختلفة على التوالي (7%)، (4.5 %)، (4.4 %)و (2.7%).
   أما في آخر مسح اجتماعي شامل للأسر الليبية لعام 2000ف بإقليم البطنان فقد أظهر أن سكان الإقليم يتوزعون على عشرين تجمعاً سكانياً. أكبرها تجمع المدينة والذي يقطنه (60796) نسمة أي ما نسبته (47.4%) تقريبا من إجمالي عدد سكان الإقليم، يليه تجمع الناظورة والذي يشكل مع تجمع المدينة مركز الإقليم ويبلغ عدد السكان به (22283) أي ما نسبته (16.9%).
   أما بقية سكان الإقليم فيتوزعون على ثلاثة محاور رئيسة، المحور الأول: ويمتد شرق مركز الإقليم بطول قدره (140كم) تقريبا ويضم احد عشر تجمعاً سكانياً وهي: أمساعد، البردي، قصر الجدي، رأس عزاز، الساحل، رأس دفنة، بئر الأشهب، كمبوت، الغرابات. القعرة، وباب الزيتون، ويقطن هذه التجمعات (31581) نسمة أي بنسبة قدرها (14.9%) تقريبا من إجمالي سكان الإقليم، والمحور الثاني: ويمتد حوالي (300 كم) جنوب مركز الإقليم ويضم ثلاثة تجمعات وهي الجغبوب، الشعبة، وجمال عبد الناصر، ويقطنها(8516) نسمة أي بنسبة (6.7%) تقريبا من إجمالي سكان الإقليم. والمحور الثالث: يمتد غرب مركز الإقليم حوالي (70كم)، ويضم أربعة تجمعات وهي عين الغزالة، القرضبة، بالخاثر، والمرصص، ويقطنها (4303) نسمة أي ما نسبته (3.4%) تقريبا من سكان الإقليم. ويلاحظ تركز أغلب هؤلاء السكان في مسافة لا تزيد عن (50) كيلومتر بعيداً عن الساحل.
   كما أن المراقب لما عليه واقع حال الأنشطة الإنتاجية والخدمية والمرافق العامة في  إقليم البطنان يمكنه ملاحظة أن هناك اختلافات مكانية واضحة في توزيعها يدل على أن مدينة طبرق قد استأثرت بالنصيب الأوفر من الأموال المخصصة لتنمية إقليم البطنان خلال خطط وبرامج التنمية المختلفة؛ حيث تحولت إلى مركز جذب، فأصبحت عند معظم سكان الإقليم المكان الأمثل الذي يستطيعون فيه تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. ما ترتب عليه تفاوتٌ مكانيٌ في مستويات المعيشة بين المركز والهامش داخل إقليم البطنان.
   والجدير بالذكر فإن هيمنة مدينة طبرق كمركز للإقليم باتت واضحة؛ إذ يقطنها معظم سكان الإقليم بنسبة (63.1%)،في الوقت الذي لا تزيد مساحتها عن (2%) من مساحة الإقليم.كما تتركز فيها معظم الأنشطة الإنتاجية والخدمية والمرافق العامة.
لقد سعت هذه الدراسة إلى قياس إنجاز التنمية البشرية في إطارها المكاني "إقليم البطنان" محاولةً الكشف عن أهم التفاوتات المكانية بين مركز الإقليم "مدينة طبرق" والهامش. ومن أجل أن تكون نتائج هذه الدراسة قابلة للمقارنة مع نتائج في أماكن أخرى أو على فترات زمنية فقد استخدمت فيها مؤشرات نمطية وفق المنهجية المتبعة في التقارير الصادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واستناداً أيضاً إلى ما جاء في التقرير الأول للتنمية البشرية في ليبيا، وقد اشتملت هذه المؤشرات على ثلاثة عناصر رئيسة وهي: التحصيل المادي والتحصيل المعرفي والتحصيل الصحي.
أولاً / التفاوت المكاني في التحصيل المادي:
   لقد أُستخدم في الكشف عن التفاوت في التحصيل المادي مؤشر الأنفاق الاستهلاكي بدلاً من الدخل؛ لأنه ومن وجهة نظر كثير من البحاث أكثر ارتباطا  بمستوى معيشة الأسرة، مع أمكانية تقدير الأنفاق على نحو أدق، وإن ما ينفق فعلاً هو من بين أهم المحددات الرئيسة التي تؤثر في مستوى المعيشة، أما الدخل فقط؛ فقد لا يكون كله مستثمراً في رفع مستوى معيشة الأسرة أو يُنفق منه على أوجه صرف أخرى من الممكن أن تكون غير ذات جدوى.
   لهذا تم تناول السكن كحاجة من الحاجات الضرورية؛ وتنبع أهميته من كونه المكان الملائم لصون الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية في المجتمع، ويمثل إشباع حاجة السكن الملائم أحد الأركان الأساسية للرفاه الأسري، وقياس المستوى المعيشي، وأن نوعية حياة الأسرة تعتمد بإحدى أركانها على خصائص السكن الذي يتوجب توفيره لكل أسرة، وقد أتضح أن هناك تفاوتاً واضحاً في نوعية السكن؛ حيث كان عدد الذين يسكنون بأكواخ في المركز(16.7%) بينما وصل هذا العدد إلى (32.8%) في الهامش. أما الذين يسكنون بمساكن جيدة (شقق وفيلات) فقد بلغوا (39.9%) في المركز و (10.2%) في الهامش، وهذا مؤشر آخر له دلالته على حدة هذا التفاوت.
ولكي تتمكن من تحليل الجوانب الكمية والنوعية للمسألة السكنية تحاول الدراسة إلى جانب توفير بيانات عن نوع المسكن، توفير بيانات أيضاً عن حالته، وطبيعته، وحصة الفرد من مكونات المسكن، كما يجب أن يرقى السكن إلى المستوى الذي تستطيع أن تحيى فيه الأسرة حياة كريمة، وأن يكون بيئة صحية صالحة تمارس فيه متطلبات الحياة اليومية بسهولة ويسر، وأن يكون قادراً على حماية الأسرة من ظروف الطقس المختلفة. وقد وجدت الدراسة أن نسبة من يسكنون مساكن متدنية بالمركز (16.7%)؛ منها (12%) مساكن متهالكة، بينما وصلت هذه النسبة في الهامش إلى (32.8%)؛   منها(7.3%) مساكن متهالكة. 
   بالإضافة إلى أن ظاهرة السكن الجماعي واحدة من الظواهر غير المرغوب فيها في المجتمع، فقد أوجدتها الظروف الاقتصادية الصعبة؛ لها نتائجها السلبية على كل فرد من أفراد الأسر التي تعيش في السكن الواحد، وكثير من المشاكل الاجتماعية تشير إلى الخطورة الكامنة وراء هذه الظاهرة. واستناداً إلى نتائج الدراسة فقد بلغت نسبة من يسكنون بمساكن مشتركة (24%)في المركز، بينما بلغت هذه النسبة (38%) في الهامش. ذلك يعني أن كل (1.31) أسرة مقابل مسكن واحد، أما في الهامش فيرتفع هذا المعدل ليصل إلي (1.89) أسرة لكل مسكن واحد.مع العلم بأن نسبة إشغال الأسر للوحدات السكنية في تعداد 1995 كان (1.01) أسرة لكل مسكن.
    من الأشياء الضرورية التي يجب توافرها في السكن اللائق هي وجود عدد من الحجرات يتناسب مع أفراد الأسرة، وكذلك المطابخ والحمامات والمراحيض، وهي جميعاً مكونات لا غنى عنها ولها دلالتها في إبراز المستوى المعيشي للأسرة. وفي هذه الدراسة بلغت حصة الفرد من الحجرات(0.6) حجرة في المركز، و(0.58) حجرة في الهامش، وينسحب هذا التفاوت على مختلف منافع المسكن الأخرى(المطبخ، الحمام، المرحاض)، وهي على التوالي في المركز(0.19)، (0.29)، (0.21)، وفي الهامش (0.17)، (0.26)، و(0.14).
   ولعل من المؤشرات المهمة التي يمكن استخدامها لقياس التفاوت في مستوى المعيشة بين الأسر المعيشية هو تبيان طبيعة وامتلاك السلع المعمرة؛ فهي توضح بجلاء مستوى معيشة الأسرة، كما هي انعكاس لعدالة توزيع الدخول. وعليه فان الدراسة قد أظهرت أن ملكية السلع المعمرة (غسالة، ثلاجة، موقد غاز، مكنسة كهربائية، آلة خياطة، دفاية، مكيف) تميل في صالح المركز، وكانت نسبها على التوالي: في المركز(0.95.75)، (107.8%)، (98.1%)، 47.3%)، (25.2%)، (71.3%)، (16.3%). أما في الهامش فكانت(73.%)، 98.5%)، (92.7%)، (17.5%)، (16.8%)، (54.7%)، (1.5%). 
ثانياً/ التفاوت المكاني في التحصيل المعرفي:
   إن تحسين مستوى معيشة الأسرة وتعدد الخيارات أمامها رهن بمدى قدرتها على اكتساب المعرفة سواء كان عن طريق التعليم المنهجي أم غيره من وسائل التعلم الأخرى. لذلك حرصت الدراسة على معرفة مستوى تعليم أفراد الأسر بمنطقة الدراسة؛ حيث أوضحت النتائج إن نسبة الأميين في المركز كانت (5.5%) بينما وصلت في الهامش إلي (9.7%)، ويلاحظ أن نسبة الأمية أكبر في الهامش وهذه النسبة ترتفع بين كبار السن، وخاصة بين النساء؛ الذي يمكن أن يعزى إلى عدة أسباب موضوعية منها تركز المدارس في المناطق الساحلية، وانعدام حركة المواصلات العامة، وانشغال السكان بظروف الحياة الصعبة، وخاصة في عقدي الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن المنصرم. كذلك بينت الدراسة ارتفاع نسبة الحاصلين على مؤهل جامعي في المركز والبالغة(15.2%) مقابل (5.2%) فقط في الهامش.
   جانب آخر لا يقل أهمية عن المستويات التعليمية وهي الدورات التدريبية التي تكسب الإنسان مزيداً من المعرفة والمهارة وتسهم بدور كبير في تحسين مستوى معيشة الأسرة، يبرز فيه التفاوت واضحاً ؛حيث يتبين أن عدد من تحصلوا على دورات تدريبية في مجال اللغات الأجنبية بلغ في المركز (17.8%) بينما كان في الهامش(7.3%) وتزداد الفجوة اتساعا بين من حصلوا على دورات في الحاسوب حيث تبلغ في المركز(30.25%) بينما كانت في الهامش(9.5%). وعندما كانت نسبة الحاصلين على دورات في الإنترنت (7.4%) في المركز كانت في الهامش (1.5%) فقط.أما عن الدورات في التطريز والحياكة فالهوة واضحة بكل جلاء حيث كانت نسبة المتحصلات على دورات تدريبية في المركز (12.0%) وفي الهامش (3.6%).
   تفسر الدراسة هذا التفاوت في ضوء تركز المراكز والمعاهد الخاصة التي تعطي هذه الدورات أغلبها في المركز، مع أن جل من يدركون المعرفة الرقمية قد تحصلوا عليها عن طريق التعليم الذاتي والقطاع الخاص والغير متوفر في الهامش، ولذا يحرم جزء كبير من سكان الهامش من هذه الخدمة المهمة، وخاصة المعرفة بشبكة الإنترنت التي باتت من أهم الوسائل للتواصل مع العالم والتزود بالمعرفة. لاشك أن ذلك سيكون له بالغ الأثر في اتساع الهوة الرقمية بين أبناء المركز والهامش إذا لم يعالج هذا الأمر على المستوى الوطني على أن يبقى القطاع الخاص عاملاً مساعداً فقط.
    وضع آخر قائم يدعم هذه الحقيقة يتمثل في الفرق الشاسع في المسافات بين كل من المركز والهامش والتي يقطعها التلاميذ والطلبة بالهامش للوصول إلى المؤسسات التعليمية. ما يسبب عزوف الكثير منهم عن الذهاب إلى المؤسسات التعليمة نتيجة ما يتكبده هؤلاء الطلبة من مشقة وعناء.ففي المركز تبلغ متوسط المسافة بين البيت والمدرسة في مرحلة التعليم الأساسي (0.7) كم بينما تبلغ في الهامش (2.4) كم، أما التعليم الفني فتصل في الهامش إلى (25) كم بينما في المركز (2.7) كم، كما تبلغ متوسط المسافة بالنسبة للثانويات التخصصية (1.9) كم في المركز و(5.8) كم في الهامش. مع العلم بأن المسافة بين البيت والمدرسة حسب المعايير الليبية هي للمرحلة الابتدائية من(0.4- 0.8)، كم وللمرحلة الإعدادية (0.8-1.2) كم، وللثانوية (1.2-1.6) كم.
   ومن العناصر المهمة أيضاً التي تلعب دوراً متميزاً في نشر الوعي واكتساب المعرفة الوسائط الحديثة مثل: الحاسوب والإنترنت والتلفزيون والراديو والفيديو، كما أن امتلاك هذه الوسائط يدل في نفس الوقت على مستوي المعيشة لدى الأسرة، ويتبين أن(9.7%) من الأسر التي تقطن بالمركز تمتلك أجهزة حاسوب، بينما تبلغ هذه النسبة في الهامش (2.2%) فقط .
    من بين أهم الوسائط التي تساهم في تغذية الزاد المعرفي شبكة الإنترنت والتي بلغت نسبة الممتلكين لها في المركز (2.7%) بينما كانت النسبة في الهامش (0.0%). كذلك يلعب كل من التلفزيون والراديو أدواراً مهمة في هذا المجال فقد بلغت النسبة على التوالي في المركز (114.1%)، و(84.9%) وفي الهامش (97.8%) و(55.5%).
    كما يعد الكتاب من بين وسائل المعرفة المهمة والتقليدية؛ حيث يتبين من نتائج الدراسة أن هناك(41.5%) من المركز يملكون مكتبات بمنازلهم بينما كانت هذه النسبة في الهامش( (12.4%) فقط، والتفاوت واضح في هذا المضمار. ويزداد وضوحاً عندما نحسب متوسط الكتب لكل أسرة فنجده في الهامش(6.5) كتاب لكل أسرة، بينما تصل هذه النسبة إلى (23.9%) في المركز.
   بالرغم من أن معظم الأسر في منطقة الدراسة تولي اهتماماً ملحوظاً بتعليم أبنائها على أرقى مستوى ممكن، وتعي أهميته تماماً، ويظهر هذا الاهتمام بأشكال مختلفة كإعطاء الدروس الخصوصية، والالتحاق بالمدارس والمعاهد الخاصة، وتوفير بعض الوسائط المساعدة في عملية التعليم كالحواسب وشبكة الإنترنت، إلا أن ذلك يرهق بشكل كبير ميزانيات هذه الأسر. وتعجز أسر أخرى على تلبية هذه المتطلبات.
ثالثاً/ التفاوت المكاني في التحصيل الصحي:
   من المعروف أن الصحة تمنح أسباب القوة للأسرة، وتحسن فرص المشاركة للعاملين منها في سوق العمل، كما تعزز لديهم الشعور بالأمن والثقة، وتوفر لهم القدرة على البذل والعطاء في مختلف الميادين التي تحتاج إلي ذلك.
   أما المرض فيستنزف جهداً ووقتاً ومالآً من الممكن أن يوظف لصالح الأسرة في مجالات أخرى تعود بالنفع والفائدة عليها، وبذلك يقف المرض حائلا دون تحقيق كثير من الطموحات والوصول إلى العديد من الأهداف.
   لذلك اهتمت الدراسة بالتحصيل الصحي لسكان الإقليم وقد بينت نتائجها إن نسبة من يتمتعون بحالة صحية جيدة في المركز قد بلغت (94.6%) وفي الهامش(93.9%). أما من هم بحالة صحية متوسطة فقد بلغ في المركز (1.9%) وفي الهامش (2.1%)، كما بلغت نسبة من يعانون من أمراض(2.5%) في المركز و(1.9%) في الهامش.
   وأوضحت الدراسة التفاوت الكبير بين المركز والهامش في أغلب المسافات التي يقطعها المريض حتى الوصول إلى الوحدات الصحية، حيث يقترب متوسط المسافة فقط في الوصول إلى المستوصفات والتي كانت في المركز(2.1) كم وفي الهامش (1.9)كم ،أما بقية الوحدات الصحية فإن الفروقات هائلة حيث تبعد  العيادات المجمعة مسافة (2.3) كم في المركز و(69.1) في الهامش، وتبعد العيادات الخاصة (2.0)كم في المركز و(74) كم في الهامش، والصيدليات (1.7) كم في المركز، (10.8) كم في الهامش، وتبعد مراكز التحليل (2.2) كم في المركز و(80.5) كم في الهامش، ويبعد المستشفى العام (3.4) كم في المركز و(81.7) كم في الهامش.
    كما أن توفر مكان العلاج في نفس المحلة له أهمية كبيرة بالنسبة لصحة الأسرة؛ حيث يوفر الكثير من الجهد والمال، أما عدم توفره فذلك يعنى تحمل الأسر أعباء إضافية قد تشكل عوامل سلبية على حالة المريض وتساهم في تردي وضعه الصحي،  وقد بينت الدراسة أن نسبة من يعالجون داخل المحلة بلغ في المركز (86.4%) وفي الهامش (32.1%) حيث يؤشر ذلك إلى توافر جل الخدمات الصحية في المركز،     وخاصةً الأطباء الاختصاصين, التحاليل، الأشعة، والأدوية. 
    ربط المنزل بالمرافق العامة أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأسرة، ومن بين هذه المرافق شبكة المياه، الكهرباء، والصرف الصحي، وكلها تشكل عناصر حيوية يساهم امتلاكها في إصحاح البيئة بوجهه عام، والبيئة المنزلية على وجه الخصوص.
    يلاحظ أن هناك فروقاً بين المركز والهامش في الحصول على معظم المرافق العامة، حيث أن (91.5%) من الأسر في المركز مربوطة منازلهم بشبكة المياه منهم (88.0%) مياه صالحة للشرب، بينما (50.4%) فقط من سكان الهامش مربوطة منازلهم بشبكة المياه منهم فقط (1.5%) تصلهم مياه صالحة للشرب.
    أما شبكة الصرف الصحي فالهوة أيضا كبيرة حيث لا تبلغ الأسر المربوطة منازلها بالشبكة في الهامش سوى (23.4%) في نفس الوقت الذي تصل فيه هذه النسبة إلى (77.9%) في المركز. لكن هذا الفرق يتذلل بالنسبة لشبكة الكهرباء حيث تصل النسبة إلى(99.2%) و(92.7%) في المركز والهامش على التوالي.
    معظمنا يدرك المخاطر الصحية والبيئية التي يمكن أن تنتج عن القمامة المنزلية مثل الإصابات؛ بسبب وجود الأدوات الحادة، وتسببها في انتشار بعض الأمراض،كما أنها مكان مناسب لتكاثر الحشرات والقوارض،وتجمع الحيوانات الضالة، ومصدر لانتشار الروائح الكريه، وتساهم في تلوث الهواء الناتج عن احتراق هذه النفايات،بالإضافة إلى المناظر المؤذية لأكوام القمامة المنزلية التي تشمئز منها النفس البشرية وتعافها الفطرة السليمة.
    إن عملية جمع القمامة المنزلية بالطرق الصحيحة، ووضعها في الأماكن المخصصة لها هي مساهمة فعالة في المحافظة على البيئة نظيفة خالية من التلوث والأمراض.
    وعند النظر في نتائج الدراسة يتبين لنا أن (28.7%) من أسر المركز يتخلصون من القمامة بواسطة جهاز حماية البيئة، بينما تتقلص هذه النسبة إلى (5.1%) في الهامش، أما من يضعون القمامة في نقاط تجمع ومن ثم يأتي الجهاز لنقلها فقد بلغت نسبتهم في المركز (44.2%) وفي الهامش (17.5%)، أما بالنسبة لمن يرمون القمامة حيثما اتفق فقد كانت نسبتهم في المركز (26.7%) و(76.6%) في الهامش.
خاتمة:
   من خلال نظرة عامة إلى إقليم البطنان، وبعد استقراء الواقع، وإجراء التحليلات الممكنة، تبين إن المحاولات التنموية بالإقليم لم تُقدر أهمية البعد المكاني وما يحويه من متغيرات بشرية وطبيعية، ما قادت إلى مضاعفات استفحلت درجة حدتها بشكل تراكمي أدت في نهاية المطاف إلى تباينات يصبح من الصعب على المسؤولين حلها في المدى المنظور.
    لذا، يجب الاهتمام بمسألة التنمية المكانية، والعمل على خلق دليل منهجي يتناغم مع التبدل المستمر في العلاقة بينها وبين عناصر أخرى مهمة كالسكان والبيئة.وتناولها كميدان وثيق الصلة بهذه الميادين.
    لقد أصبح من الضروري على الجهات المهتمة بتنمية الإقليم أن تتبنى في سياساتها وبرامجها التنموية فكراً ومنهجاً للتنمية المكانية يضم البعدين الاقتصادي والاجتماعي معاً في إطار الحيز المكاني، مع ضرورة ربط علاقة عضوية قوية بين التنمية والمكان على كل المستويات الأكاديمية والتطبيقية، وترجمتها إلى مضامين ذات مغزى إنساني وتنموي وسياسات تنموية مكانية واضحة، إن ذلك بلا شك سيؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين المستوي المعيشي لسكان الإقليم كافةً.


(1) عوض يوسف الحداد، أبحاث في الجغرافيا البشرية، (الزاوية: المركز القومي للبحوث العلمية، 1998)، ص58.
(2)الجمهورية العربية الليبية، وزارة التخطيط، الخطة الثلاثية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، 73-75، طرابلس ص ص9-10.
(3)المرجع السابق، ص ص34-35.
(4)اللجنة الشعبية العامة للتخطيط، الإطار العام لخطة التحول الاقتصادي والاجتماعي 81-85، ص ص 59- 60.
(5)سعد خليل القزيري، "التحضر"،  في كتاب الجماهيرية دراسة في الجغرافية، تحرير: الهادي بولقمة، سعد القزيري، ( سرت: الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة الأولى، 1995 ف )، ص 455.
(6) مصلحة الإحصاء والتعداد، تعدادات، (54، 64، 73، 84، 95).
(7) الهيئة الوطنية للمعلومات والتوثيق، الإدارة العامة، (بيانات غير منشورة)المسح الاجتماعي لعام2000فبشعبية البطنان.


  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق