الصفحات

الجمعة، 22 أغسطس 2014

محاضرات في جغرافية الزراعة .. المحاضرة الثالثة ...

المحاضرة الثالثة

نشأة الزراعة
         مقدمة
         مهد المحاصيل الزراعية ونشأة الزراعة
         آراء العلماء (دي كاندول ، فافيلوف ... الخ)
يعتقد كثير من الباحثين أن الحضارة الإنسانية ما كان لها أن تصل إلى ما هي عليه الآن بدون الزراعة. ولا شك أن اكتشاف الإنسان للزراعة عملية معقدة لم تنشأ بين يوم وليلة، ولكنها تطورت عبر سنوات طويلة. لقد كان الإنسان ، قبل أن يكتشف الزراعة ، متطفلاً على بيئته يعيش على مجرد الجمع والالتقاط والصيد، كان مستهلكاً ولم يكن منتجاً للغذاء، كان يقضي معظم وقته بحثاً عن الطعام، وحينما تعلم الإنسان الزراعة قلت نسبة الوقت الذي يقضيه في توفير الطعام، وقل عدد المشتغلين بتوفير الطعام. ولكن أين نشأت الزراعة لأول مرة ومتى نشأت؟ وكيف نشأت؟.

... إن مثل هذه التساؤلات أثارت فضول كثير من العلماء، وأضحت موضوع بحث واهتمام لدى كثير من المتخصصين في الجغرافيا، والتاريخ، وعلم النبات، وعلم الاجتماع، وعلم الآثار.
ولعل كثرة المهتمين بهذا الموضوع، واختلاف مناهجهم وأساليبهم في البحث، قد أدى إلى تضارب في الآراء، وساعد على ذلك أن حدث اكتشاف الزراعة قد تم في العصر الحجري الحديث، أي في عصور ما قبل التاريخ . وعلى الرغم من تكاثر المواد التي يعثر عليها إلا أن كثيراً من الغموض ما زال يحيط بعض الجوانب المتعلقة بالإجابات القاطعة عن مهد الزراعة الأول، وأول المحاصيل التي بدأ الإنسان زراعتها، حتى لقد قال ((همبولت)) : نحن لا نعرف شيئاً عن مصادر نباتاتنا المفيدة، إن أصل هذه النباتات سر لا يكشف.
وحتى بداية هذا القرن كانت آراء ترى الزراعة من حيث نشأتها ذات أصل أوروبي، أي أنها نشأت في أوربا، ولم يكن ذلك شيئاً غريباً أو تحيزاً من جانب الباحثين الأوربيين، وإنما يرجع إلى عثورهم على شواهد كثيرة في أوربا، ولكنه سرعان ما وجدت آثار في افريقيا وآسيا تثبت سبقهما في مجال الزراعة.
مهد المحاصيل الزراعية ونشأة الزراعة
وقبل أن نتطرق إلى موضوع نشأة الزراعة ينبغي أن نتناول موضوع مهود المحاصيل الزراعية، وأن نستعرض أهم الآراء التي حاولت تحديد هذه المهود، والأسس التي اعتمدت عليها.
آراء العلماء (دي كاندول ، فافيلوف ... الخ)
(أ) آراء دي كاندول:
من الآراء الجديرة بالذكر بشأن اصل النباتات المزروعة آراء ((دي كاندول)) Candolle في كتابه ((أصل النباتات المزروعة)) الذي نشره سنة 1882م، والذي اعتمد فيه على الأدلة الأثرية والتاريخ، وعلى فقه اللغة لدراسة أصول أسماء النباتات.
ميز ((دي كاندول)) ثلاث خطوات بين مرحلة جمع الطعام والزراعة على النحو التالي:
1.     لابد من سهولة الحصول على النباتات.
2.     لابد أن تكون البيئة ملائمة للزراعة.
3.     لابد أن يكون هناك ضغط وحاجة لإنتاج مزيد من الطعام.
درس ((دي كاندول)) منشأ 247 نوعاً من النباتات، فوجد أن 199 منها قد نشأ في قارات العالم القديم (آسيا – أفريقيا – أوربا)، و45 في الأمريكتين، أما الثلاثة الباقية فلم يصل بشأن نشأتها إلى رأي قاطع.
  و اعتمد ((دي كاندول)) في دراسته لتحديد منشأ المحصول على أساسين :
الأول: وجود النبات المزروع في مكان ينبت فيه برياً، أو وجود نباتات برية من نفس فصيلة النبات الذي نريد تحديد منشأه.
الثاني: المعلومات التي تتوافر من المصادر الأثرية والتاريخية واللغوية.
ومن الواضح أن ((دي كاندول)) قد أسرف في تبسيطه لهذا الموضوع الذي يكتنفه الغموض، وعلى سبيل المثال فهو يعتقد أن جميع أصناف القمح المزروعة ترجع إلى نوعين أو على الأكثر أربعة أنواع، ويعتقد كذلك أن جميع التغيرات التي تحدث في النباتات تكون نتيجة الزراعة المباشرة
(ب) فافليوف ومهود المحاصيل الزراعية :
تعد آراء ((نيكولاي فافيلوف)) Nicolai Vavilov في مجال تحديد مهود المحاصيل الزراعية من أكثر الآراء تداولاً بين الباحثين. وفافيلوف من أحسن الباحثين في مجال جغرافية النباتات. وقد قام بجمع أعداد عظيمة من مختلف أنواع النباتات من أقطار العالم المختلفة ، وعمل ((فافيلوف)) رئيساً لأكاديمية لينين للزراعة، ومديراً لمعهد علم النبات التطبيقي
بدأ ((فافيلوف)) دراسته لأصل النباتات المزروعة بانتقاد منهج ((دي كاندول)) ونشر سنة 1951م رأياً مفاده أن توزيع أنواع النباتات على سطح الأرض ليس متجانساً، حيث أننا نجد ببعض المناطق أعداداً كبيرة من الأنواع، مثل : جنوب شرقي الصين، والصين الهندية، والملايو، والهند، وجنوب غربي آسيا، وإثيوبيا، وأمريكا الوسطى، ومنطقة جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية وجنوبي المكسيك. كل تلك المناطق السابقة تتميز بتنوع غير عادي في نباتاتها، وعلى النقيض من ذلك هناك مناطق أخرى تتميز بقلة أنواع نباتاتها، ومعظم هذه المناطق تقع في الشمال، مثل سيبيريا، ووسط وشمالي أوربا وأمريكا الشمالية. ويبدو أن التنوع النباتي بلغ أقصاه في منطقة القوقاز وفي جبال وسفوح التلال في أفغانستان وشمال غربي الهند.
ولقد اعتمد ((فافيلوف)) في تحديد مهود النباتات الأولى على المجموعات الهائلة من أنواع النباتات التي جمعها، وعلى الدراسات الدقيقة التي أجراها عليها والتي استمرت ربع قرن من سنة 1951م.
يرى ((فافيلوف)) ان هناك ثمانية مهود للنباتات الزراعية، وأن من بين هذه المهود ما يشهد حالياً تكوين أنواع جديدة كما هي الحال في منطقة القوقاز والمناطق القريبة منها مثل شمال غربي إيران وشمال شرقي تركيا، حيث تظهر أنواع جديدة من القمح والبرسيم والكمثرى والرمان. ويشير ((هارلان)) Harlan بأنه لا يمكن الجزم بأن عملية التنوع تشير إلى الموطن الأساسي لنشأة النباتات، فقد تشير إلى مهد ثانوي لتطور حديث.
ويعتقد ((فافيلوف)) أنه قد تمكن من تحديد المناطق الأساسية التي نشأت فيها أنواع القمح والشعير والذرة والقطن، وهي المحاصيل التي تزرع على نطاق واسع في كل القارات. أما المهود الثمانية التي نشأت فيها النباتات المزروعة كما يراها ((فافيلوف)) فهي على النحو التالي:
o        منطقة الصين :
وهي أكبر وأقدم المراكز المستقلة لنشأة النباتات الزراعية، وتشمل المناطق الجبلية في وسط وغربي الصين، وتضم كذلك الأراضي المنخفضة المجاورة، وقد أورد ((فافيلوف)) 136 نباتاً نشا في هذه لمنطقة، ومن أهم هذه النباتات: ذرة المكانس، بعض أنواع الدخن – الشعير – فول الصويا – اليام – الكرنب الصيني – البصل – الخيار –المشمش – قصب السكر – الأفيون.
o       منطقة الهند :
من المراكز الرئيسية، وتشمل أسام وبورما، فيما عدا شمال غربي الهند والبنجاب، وتعد هذه المنطقة الموطن الأول لنشأة 117 نباتاً أهمها : الأرز، الحمص – لوبيا العلف ، الباذنجان ، الخيار ، الفجل ، التارو (القلقاس) – المانجو – البرتقال – الموالح – التمر الهندي – قصب السكر – جوز الهند – السمسم – القطن – الجوت – الفلفل الاسود – اللبان – القرفة.
وتشمل منطقة الهند منطقة فرعية تتمثل في الصين الهندية وأرخبيل الملايو، وهذه المنطقة موطن النشأة لخمسة وخمسين نباتاً أهمها : الليمون الهندي – الموز – قصب السكر – جوز الهند – الفلفل الاسود – قنب مانيلا.
o       منطقة وسط آسيا :
وتضم شمال غربي الهند، والبنجاب ، وكشمير ، وأفغانستان ، وطاجيكستان  وأوزبكستان ، غربي تيان شان . وتعد هذه المنطقة المهد الأول لثلاثة وأربعين نباتاً أهمها : عدة أنواع من القمح – البازلاء – العدس – الحمص -  الفاصوليا – القطن – السمسم – البصل  - الثوم – السبانخ – الجزر – العنب – التفاح.
o        منطقة الشرق الأدنى :
تضم هذه المنطقة وسط آسيا الصغرى وبعض أجزاء القوقاز وإيران ومرتفعات التركمان، وهذه المنطقة موطن لنشأة ثلاثة وثمانين نوعاً من النباتات الزراعية أهمها : تسعة أنواع من القمح – الشعير – العدس –الحلبة – البرسيم – التين – الرمان- التفاح – الكمثرى.
o       منطقة البحر المتوسط :
وتشمل المناطق المحيطة بالبحر المتوسط، وقد نشأ بها أربعة  وثمانون نباتاً زراعياً أهمها : بعض أنواع القمح – البازلاء – الترمس – البرسيم – الكتان – الزيتون – الكرنب – الخس – الشكوريا.
o        منطقة الحبشة :
وتضم الحبشة إرتريا وبعض اجزاء الصومال، وشهدت هذه المنطقة نشأة ثمانية وثلاثين نباتاً زراعياً أهمها : عدة أنواع من القمح – الشعير – الذرة – الرفيعة – الكتان – السمسم – الخروع – البن – البامية – المر.
o       منطقة جنوبي المكسيك وأمريكا الوسطى :
تشمل هذه المنطقة جنوبي المكسيك وجواتيمالا، هندوراس، وكوستاريكا، وأهم النباتات الزراعية التي نشأت بتلك المنطقة : الذرة – الفاصوليا – القطن – السيسال – البطاطا – الفلفل – الباباظ –الجوافة – الكاكاو –الطباق .

o        منطقة أمريكا الجنوبية :
وتشمل هذه المنطقة بيرو وأكوادور وبوليفيا، نشأ بهذه المنطقة اثنان وستون نباتاً أهمها : البطاطس (أكثر من 14 نوعاً) – الذرة – الفاصوليا – الطماطم – القرع العسلي – الفلفل – القطن – الجوافة – الكينين – الطباق. 
وهناك مناطق ثانوية أخرى هي المنطقة البرازيلية البارجوايية، وقد نشأ بها : المانيوق – الفول السوداني – المطاط.
ومن دراسة القوائم التي أعدها ((فافيلوف)) يتضح لنا أن الغالبية العظمى من نباتات الزراعة نشأت في آسيا، وبصورة رقمية أورد ((فافيلوف)) أسماء أكثر من ستمائة نبات، نشأ منها أكثر أربعمائة في جنوبي آسيا فيما بين درجتي عرض20 °و40° شمالاً. بينما نشأ مائة نبات في أمريكا الوسطى والجنوبية. وقد عرف ((فافيلوف)) مركز نشأة النبات أو مهده بأنه المكان الذي يوجد به أكبر عدد من الأنواع والأصناف.

منتدى جامعة الملك فيصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق