الصفحات

الجمعة، 22 أغسطس 2014

محاضرات في جغرافية الزراعة .. المحاضرة الرابعة ...

المحاضرة الرابعة

مناطق نشأة الزراعة وانتشار المحاصيل
         مناطق نشأة الزراعة
         انتشار المحاصيل الزراعية
مناطق نشأة الزراعة
إن موضوع تاريخ نشأة الزراعة من الموضوعات التي تتعرض باستمرار لتغيرات بسبب كثرة الأبحاث وما تسفر عنه أعمال التنقيبات الأثرية. ولا يقتصر مصطلح الزراعة على زراعة النباتات، وإنما يشمل تربية الحيوانات كذلك.

ويميز المهتمون بزراعة النباتات بين نوعين من تكاثر النباتات هما : التكاثر الخضري او اللاجنسي vegeculture، وفيه يعتمد الزراع على جزء من النبات في الزراعة مثل : العقلة في قصب السكر، والدونات في البطاطس. أما النوع الثاني من التكاثر فهو التكاثر بالبذور أو التكاثر الجنسيseed agriculture ، ويعتمد في هذا التكاثر على البذور.
ومن الغريب أن المهتمين بدراسة نشأة الزراعة لم يهتموا بالزراعة الخضرية Vegecultrue في بداية الأمر، وركزوا أبحاثهم على الزراعة بالبذور. وقد أصبح من المعتقد حالياً ان نوعاً من الزراعة الخضرية قد نشا في المناطق المدارية على الحدود بين نطاق الغابات والحشائش في جنوب شرقي آسيا وأفريقيا وامريكا الجنوبية والوسطى.
إن أفضل أمثلة مناطق الزراعة الخضرية المعروفة هي منطقة جنوب شرقي آسيا، إذ إنها موطن كثير من المحاصيل الشجرية والجذرية مثل : اليام و الموز وجوز الهند، وقد استؤنست في هذه  المنطقة الدواجن والخنازير.
وفيما يلي بعض الآراء التي رجحت مناطق معينة على أنها مناطق نشأة الزراعية.
o       آراء تشايلد وساور :
من بين الآراء الهامة التي تناولت طبيعة المناطق التي شهدت نشأة الزراعة لأول مرة، رأي المؤرخ ((تشايلد Childe )) و((بريدوود Braidwood )) الأنثروبولوجي، وهما يفضلان ترجيح أودية الأنهار، وأراضي تربة اللوس Loess  ، ويحتمل وفقاً لاعتقادهما أن تكون منطقة إيران وما بين النهرين lranian-Mesopotamian المهد الأول للزراعة.
وهناك رأي آخر لـ ((كارل ساور)) Carl Sauer  و ((وسمان)) Wissmann يقترحان فيه أن تكون تلال وجبال جنوب شرقي آسيا المدارية هي الموطن الأصلي للزراعة.
ويضع ساور عدة أسس للإجابة عن : أين ولماذا بدأت الزراعة ؟ على النحو التالي :
1.      لم تبدأ الزراعة نتيجة لمجاعة أو لنقص في الطعام، لأن الذين يعيشون في ظل المجاعات ليس لديهم من الوسائل أو الوقت ما يمكنهم من إجراء التجارب غير المضمونة. وعلى ذلك فلابد أن تكون الزراعة قد نمت على أيادي اناس لديهم من الطعام ومن الوقت ما أتاح لهم هذا الإنجاز العظيم. أما القول بأن الحاجة ام الاختراع فليسا صادقاً، إذ إن المجتمعات المحتاجة البائسة ليست مخترعة لأن وقت الفراغ الذي يتيح لهم التفكير والتجارب والمناقشة غير متاح.
2.     إن البحث عن مهود أو مواطن نشأة الزراعة لابد أن ينحصر في مناطق تنوع النباتات والحيوانات، حيث يتسع مجال التجربة باختلاف الأنواع، أو بمعنى آخر يتوافر رصيد كبير من الأصناف التي يمكن إجراء التجارب عليها.
3)    لم يكن بمقدور الزارعين البدائيين أن يقيموا في أودية الأنهار الكبيرة التي تتعرض للفيضانات وتتطلب إقامة سدود تحميهم من أخطار تلك الفيضانات، وتحتاج إلى إقامة نظم للري والصرف. ويذكر ((ساور)) أنه كان مهتماً بموضوع ((النشأة النهرية للزراعة))Potamic Origin ، وذلك في أودية الأنهار العظيمة في الشرق الأوسط ، حتى أكد له ((فافيلوف)) Vavilov أن كل الأدلة التي توصل إليها فريق بحثه تشير إلى نشأة الزراعة في أراضي تلال وجبال.
4)    بدأت الزراعة في أراضي الأشجار، وتمكن الزارعون البدائيون من تنظيف بعض المناطق من الأشجار عن طريق إتلاف تلك الأشجار، وذلك لزراعتها بالمحاصيل. وقد اعترض ((ساور)) على وجهة النظر الأوربية التي تفترض نشأة الزراعة في العصر الحجري الحديث بأراضي اللويس، بسبب أن هذه الأراضي مغطاة بالحشائش، لأن الزارعين الأوائل لم يكن بوسعهم الحفر في أراضي الأعشاب أو اقتلاعها.
5)     إن مبتكري الزراعة لابد وأن يكونوا قد استفادوا من تجارب سابقة أعانتهم على معرفة أسرار الزراعة، وفي رأي ((ساور)) أن مستخدمي البلطة أو ساكني الغابات هم أسلاف الزراع القدامى.
6)    علاوة على كل ما سبق، فإن مبتكري الزراعة كانوا جماعات مستقرة وليست متنقلة، لأن الزراعة تتطلب الاستقرار، وزراعة حقل وتركه دون رعاية حتى وقت الحصاد قد يعني خسارة المحصول.
انتقد بعض الباحثين آراء ((ساور)) الخاصة بترجيح منطقة جنوب شرقي آسيا لأن تكون المهد الأول للزراعة، ويستندون في ذلك إلى أنه لم يعثر على أدلة أثرية تدعم هذا الرأي، لكن ((هارس)) Harris دافع عن ذلك على أساس أن منطقة جنوب شرقي آسيا تتحلل فيها المواد بسرعة نتيجة ارتفاع الحرارة وازدياد نسبة الرطوبة، إلى جانب قلة الاهتمام بالحفر بحثاً عن الآثار بتلك المناطق.
ومن الاعتراضات الأخرى التي توجه إلى الذين يقولون بأن جنوب شرقي آسيا هو مهد الزراعة الأولى – على أساس أنه منطقة تنوع في المحاصيل الزراعية – ما ينادي به ((هلبيك)) وآخرون من أن تنوع المحاصيل قد ينشأ عن أسباب كثيرة منها هجرات الإنسان ونقل النباتات معه، وعلى هذا فقد يكون التنوع وافداً وليس أصيلاً.
انتشار المحاصيل الزراعية والحيوانات المستأنسة
إن دراسة طرق انتشار المحاصيل الزراعية والحيوانات المستأنسة موضوع هام بالنسبة لدراسة الجغرافيا الزراعية، ويتحكم في هذا الانتشار مدى ملائمة الظروف الطبيعية والبشرية لتلك المحاصيل . ولم تنتشر المحاصيل الزراعية قديماً انتشاراً واسعاً، وذلك لوجود عوائق تمثلت آنذاك في المحيطات الواسعة والغابات الكثيفة والصحاري القاحلة.
أما الآن فقد انتشرت المحاصيل الزراعية بصورة كبيرة واسعة، حتى لقد قال أحد المتخصصين إنه في الوقت الحاضر نجد تقريباً كل شيء في كل مكان. وعلى النقيض من ذلك فإن مجموعة النباتات البرية التي أخذ عنها الإنسان محاصيله الزراعية كانت تقتصر على مساحة محدودة لا تتعدى في رأي ((فافيلوف)) 10 في المائة من سطح الأرض . ومعظم المحاصيل التي يزرعها الإنسان الآن ترجع إلى 2000 ق.م. أو قبل ذلك، ولكن زراعة معظم هذه المحاصيل كانت مقصورة على مناطقها التي نبتت فيها لأول مرة . وحتى بداية القرن الخامس الميلادي كان انتشار المحاصيل الزراعية بطيئاً، ولم يكن هناك تبادل للمحاصيل الزراعية بين العالم الجديد والعالم القديم.
وفي نهاية القرن السابع عشر الميلادي انتشرت البساتين والمحطات الزراعية من أجل العمل على نشر نباتات الزينة والمحاصيل، ومع نهضة الصناعة الحديثة في القرن التاسع عشر الميلادي زاد الطلب على المحاصيل الزراعية التي تعتمد عليها الصناعة، مما أدى إلى سرعة انتشار هذه المحاصيل.
ولقد انتشرت المحاصيل الزراعية في القرون الميلادية الأولى بين جنوب غربي آسيا وأوروبا وشمالي أفريقيا وشمال غربي الهند، وانتقلت نباتات جذرية وأرز من جنوب شرقي آسيا إلى الهند وماليزيا. وبعد سقوط روما قل انتشار النباتات بسبب انعزال الحضارات بعضها عن البعض الآخر
ولعب المسلمون دوراً كبيراً في انتشار المحاصيل الزراعية، حيث عملوا على نشر زراعة الموالح وغيرها في دول البحر المتوسط. ومعروف أن البرتقال والنارنج والليمون كلها محاصيل موطنها الأصلي جنوبي الصين وجنوب شرقي آسيا. أدخل العرب زراعة النارنج إلى أسبانيا في القرن العاشر الميلادي، والليمون في القرن الثاني عشر الميلادي، ولم يكن البرتقال الحلو معروفاً في أقطار البحر المتوسط حتى في القرن الخامس عشر الميلادي حينما عمل البرتغاليون على انتشاره. وعملت الحروب الصليبية على اتصال الأوروبيين بشرقي البحر المتوسط في القرن الثالث عشر الميلادي، فنقلوا زراعة الموالح وبدؤوا في زراعة بساتين البرتقال شمالي الألب في القرن الرابع عشر الميلادي.
وكانت زراعة الأرز والقطن وربما قصب السكر، معروفة في بلاد ما بين النهرين في الألف الأولى قبل الميلاد، وربما زرعت على الساحل الشرقي للبحر المتوسط في العصر الروماني، لكن هذه المحاصيل لم تصبح مهمة إلا بعد أن هزم المسلمون الفرس في القرن السابع الميلادي حيث عمل المسلمون على نشرها صوب الغرب إلى شمالي أفريقيا وأسبانيا وصقلية. ولما كانت معظم المحاصيل التي نقلها المسلمون من جنوب شرقي آسيا تعتمد في ريها على أمطار صيفية وأدخلوها في أقطار البحر المتوسط ذات الأمطار الشتوية، فإنه لم يكن من الميسور زراعتها بدون ري، وهنا نجد المسلمين يقيمون مشروعات الري التي توفر المياه في فصل الصيف لهذه المحاصيل.
ولقد عرف العرب قبل ظهور الإسلام الرحلات التجارية فيما بين الهند في الشرق وشرقي أفريقيا في الجنوب. وفي القرن الثامن الميلادي بنوا مستوطنات لهم على ساحل أفريقيا في الجنوب. وفي القرن الثامن الميلادي بنوا مستوطنات لهم على ساحل أفريقيا الشرقي حيث أدخلوا زراعة الأرز والموالح ونخيل جوز الهند والخيار والمانجو، وكلها نباتات موطنها الأصلي جنوب شرقي آسيا.
o       انتشار المحاصيل الزراعية في العالم القديم منذ القرن 15م
زاد انتشار المحاصيل منذ القرن الخامس عشر الميلادي، ومن أهم أحداث هذا القرن اكتشاف كولومبس لأمريكا الوسطى والجنوبية سنة 1492م مما أدى إلى تبادل المحاصيل الزراعية وانتشارها بسرعة بين العالمين القديم والجديد. وقبل رحلات كولومبس عرف البرتغاليون طريقهم إلى ساحل أفريقيا الغربي ونقلوا معهم قصب السكر والموز والعنب.
ونقل الأسبان العبيد من أفريقيا حيث تم إرسال أول سفينة من العبيد سنة 1505م إلى جزر الهند الغربية، وإلى البرازيل سنة 1525م، وتوالت عمليات نقل العبيد والمحاصيل الزراعية بين أفريقيا وأوروبا والعالم الجديد. وحتى بداية القرن السابع عشر الميلادي ظل جنوبي المحيط الهادي معزولاً على الرغم من أن ((تاسمان)) Tasman طاف حول أستراليا سنة 1642م ورأي نيوزيلندا في نفس السنة. ولم يأت القرن الثامن عشر حتى كانت أستراليا معروفة، ومع انتشار الاستعمار الأوربي عمل المستعمرون على نقل المحاصيل الزراعية إلى مستعمراتهم.
وبالنسبة لأوروبا فإنه حتى سنة 1500م كانت المحاصيل التي تزرع فيها قد نقلت من جنوب شرقي أو جنوب غربي آسيا، واقتصرت زراعة بعض المحاصيل على منطقة  البحر المتوسط لاعتبارات مناخية. وبعد سنة 1500م نقلت زراعة الذرة والبطاطس إلى أوروبا، كما نقلت زراعة بعض الحشائش والنباتات الجذرية. وتعزى زيادة السكان في أوروبا في القرن السابع عشر الميلادي إلى زيادة إنتاج البطاطس والذرة، وقد بدأت زراعة البطاطس في أسبانيا سنة 1570م لأول مرة ثم انتشرت إلى إيطاليا سنة 1587م ووصلت إلى بريطانيا وألمانيا سنة 1588م.
وكان الأوربيون قد شاهدو البطاطس لأول مرة في بيرو سنة 1537م، ولم تكن زراعة البطاطس ناجحة في اول الأمر حتى تم اختيار أنواع ملائمة. وظلت البطاطس لا تؤكل حتى القرن التاسع عشر، وكانت تزرع كأعلاف فيما عدا إيرلندا حيث بدأ استخدام البطاطس كغذاء قبل القرن التاسع عشر الميلادي.
أما بالنسبة للذرة الشامية فبدأ إحضارها إلى اوروبا بعد رحلة كولومبس الأولى، وانتشرت زراعتها بسرعة في أقطار البحر المتوسط. وفي القرن السادس عشر نقل الأتراك زراعة الذرة إلى مصر وأقطار الساحل الشرقي للبحر المتوسط. ونقلت الذرة إلى البلقان في القرن الثامن عشر، وهي الآن محصول مهم في أقطار شرقي أوروبا.
أما الطماطم فموطنها الأصلي أمريكا الجنوبية، وقد نقلت إلى أيبيريا فيما بين سنة 1535م وسنة 1554م، وفي القرن التاسع عشر تم استنبات أصناف جيدة منها. وتنتج أوروبا حالياً نحو 40 في المائة من إنتاج العالم من الطماطم، ويتركز إنتاجها في أقطار البحر المتوسط، بينما لا تسهم أمريكا  اللاتينية وهي الموطن الأصلي للطماطم بأكثر من 8 في المائة من الإنتاج العالمي . ومعظم المحاصيل التي تزرعها أوروبا الآن كانت معروفة بها منذ القرن السابع عشر فيما  عدا الحشائش المزروعة والبقول والنباتات ذات الجذور.
وبالنسبة لأفريقيا فقد كان عدد المحاصيل المزروعة فيها جنوبي الصحراء محدوداً حتى وصول الأوربيين في القرن الخامس عشر الميلادي . وكان أهم المحاصيل المعروفة : الذرة الرفيعة (السرغوم)، وفي بعض أجزاء أفريقيا عرفت محصولات مثل ((اليام)) والأرز الأفريقي . وبعد اكتشاف الأمريكتين دخلت محاصيل أخرى مثل الذرة الهندية العريضة التي نقلت عن طريق الأتراك إلى مصر سنة 1517م، وعن طريق البرتغال إلى غربي أفريقيا فيما بين سنة 1525م وسنة 1535م . ولم يأت منتصف القرن 19 حتى كانت الذرة تزرع في معظم أقطار أفريقيا.
جلب البن إلى الهند لأول مرة 1600م تقريباً، وزرع في تلال ميسور Mysore  ، لكنه لم يصبح محصولاً مهماً إلا في ((سيلان )) حيث زرعه الهولنديون في نهاية القرن السابع عشر الميلادي. ووصل الطباق إلى الهند سنة 1607م وإلى ((سيلان)) سنة 1610م.
وربما كان الشاي أحد المحاصيل الأصلية في جنوب شرقي آسيا ، لكن زراعته كانت مقصورة على الصين واليابان حتى القرن التاسع عشر الميلادي، وأدخلت زراعته إلى ((سيلان)) سنة 1845م. وقد أصبح الشاي محصولاً مهماً في شبه القارة الهندية.
ومن الطريف أن الحكومة الهندية قد أشرفت على محاولة للحصول على بذور المطاط من البرازيل ، تلك البذور التي حصل عليها ((ويكهام)) H. A. Wickham  في سنة 1876م، إلا أن هذه البذور نقلت إلى سيلان ولم تنقل للهند، ومن سيلان نقلت إلى بساتين سنغافورة النباتية، وكانت أساس زراعة المطاط الناجحة في الملايو جزر الهند الشرقية. وعلى النقيض من ذلك فإن الهند لا تنتج أكثر من 3 في المائة من إنتاج المطاط العالمي.
وكان القطن مستخدماً ومعروفاً في وادي السند، ولكنه كان عبارة عن شجيرات دائمة. وفي القرن الثامن عشر انتشر زراعته من إيران إلى شمال غربي الهند. ومن هذا القطن أنتجت أصناف جيدة. أما قطن المناطق المرتفعة الذي يزرع في جنوبي الهند فقد استجلب من المكسيك عن طريق الفلبين وكمبوديا.
ونقلت زراعة القول السوداني إلى الصين في النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي، والذرة في بداية النصف الثاني من القرن السادس عشر الميلادي.
أما البن والكاكاو قلم يحظيا بأهمية كبيرة لأن الشاي له مكانة في الصين. وزرعت البطاطس قس مناطق التلال الجنوبية في الصين في الستينيات من القرن السادس عشر. ولقد أضحت زراعة محاصيل الفول السوداني والذرة والبطاطس ذات أهمية كبيرة كمحاصيل غذائية إضافية في الصين، إلى جانب الأرز والقمح.
ومع أن جنوب شرقي آسيا قد ازدهر اقتصادياً بالمحاصيل الزراعية التي نقلت زراعتها إليه، إلا أن 70 في المائة من مساحة الأراضي الزراعية في تلك المنطقة ما زالت تزرع بالمحاصيل الأصلية، وخصوصاً الأرز الذي يعتمد عليه السكان في غذائهم.
ولعل أهم المحاصيل الزراعية التي نقلت إلى آسيا من الأمريكتين: الطباق الذي كان أول محصول تجاري أحضره الإنسان إلى الفلبين سنة 1600م، وزرع في جاوة سنة 1601م، وانتشرت زراعته في أقطار عديدة من شرقي آسيا في القرن السابع عشر. ومن المحاصيل الأخرى المهمة المطاط وزيت النخيل الذي نقل من أمريكا وإفريقيا وانتشرت زراعة المطاط في سنغافورة سنة 1908م، والفلبين سنة 1928م.
o       انتشار المحاصيل الزراعية في الأمريكتين:
أما في انتشار المحاصيل الزراعية في أمريكا الجنوبية والوسطى، فقد وصل إليها الأوربيون سنة 1492م، وتلى ذلك الاستعمار الأوروبي. وكان من نتائج وصول الأوروبيين جلب محاصيل العالم القديم إلى أمريكا الجنوبية، ونقل محاصيلها إلى العالم القديم.
وقد نقل الأسبان والبرتغاليون محاصيل البحر المتوسط الزراعية مثل العنب والتين والزيتون والموالح إلى الأمريكتين، وصادف بعضها نجاحاً محدوداً مثل الزيتون في شيلي والبرازيل، والعنب في بيرو في الستينات من القرن السادس عشر.
وكان البرتغاليون قد زرعوا قصب السكر والموز في الجزر الأفريقية التابعة لهم، واستخدموا العبيد في زراعتها. ولم يلبث ال
برتغاليون أن نقلوا هذه المحاصيل والعبيد إلى الأمريكتين.
أما المحصول المهم الذي أصبح له شأن كبير في أمريكا الوسطى والجنوبية فهو البن الذي لم يصل إلا سنة 1718م، حيث نقلت زراعته إلى ((سورينام)) Surinam ومنها إلى شمال البرازيل سنة 1727م، وإلى جمايكا سنة 1730م، وكوبا سنة 1848م. ولم يقتصر أثر وصول الأوروبيين إلى الأمريكتين على نقل بعض المحاصيل الزراعية من قارات العالم القديم، بل لقد توسع الأوروبيون في زراعة المحاصيل الأصلية كما هو الحال بالنسبة للكاكاو والقطن في أمريكا الجنوبية.
أما انتشار المحاصيل الزراعية في أمريكا الشمالية، فإنه حينما وصل المكتشفون إلى أراضيها لم يكن بها محاصيل زراعية هامة، اللهم إلا الذرة والقرع والبقول. وقد أسهم المستوطنون في إحضار محاصيل زراعية جديدة من غربي أوروبا ومن جزر الهند الغربية وأمريكا الوسطى. وحينما استقر الأسبان في كاليفورنيا والجنوب الغربي من أمريكا الشمالية، أدخلوا زراعة القمح والعنب والموالح إلى تلك المناطق. أما المستعمرات البريطانية الجنوبية فقد دخلتها بعض المحاصيل التي جلبت من جزر البحر الكاريبي، مثل الفول السوداني والمانيوق في بداية القرن السابع عشر، وأدخل الطباق إلى فيرجينيا بعد أن جلب من ترينداد، ونقل البريطانيون زراعة البطاطس.
وأدخلت زراعة فول الصويا إلى الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1804م بعد أن جلبت من الصين، ولم تنتج على نطاق تجاري إلا في العشرينيات من القرن العشرين. وفي خلال عشرين سنة بعد ذلك فاقت الولايات المتحدة الصين في إنتاج فول الصويا
o       انتشار المحاصيل الزراعية في أستراليا وجزر المحيط الهادي
حينما نتتبع انتشار المحاصيل الزراعية في أستراليا ونيوزيلند وجزر المحيط الهادي، نجد أنها تتشابه مع أمريكا الشمالية في أنها مناطق لا يوجد بها محاصيل أصلية ذات قسمة اقتصادية. ومعظم المحاصيل التي تزرع في أستراليا ونيوزيلندا قد أدخلها المستوطنون الأوائل الذين قدموا عن طريق مدغشقر ورأس الرجاء الصالح، فأحضروا معهم الموز والعنب وقصب السكر والموالح. وكل هذه المحاصيل زرعت خلال الثلاثين سنة الأولى من وصول المستوطنين، لكن القليل منها هو الذي استمرت زراعته.
أما جزر المحيط الهادي (بولينزيا وميكرونيزيا وميلانيزيا) فقد بقيت جزراً معزولة حتى القرن السادس عشر، وازدهرت في بعضها زراعة الأرز (في غوام Guam ومارايانا Mariana)، وانتشرت بها كذلك زراعة الذرة والمانيوق. وعلى الرغم من المحاولات العديدة لزراعة قصب السكر والموز والبن والكاكاو والمطاط والموالح، إلا أنها لم تحقق إلا بعض النجاح الذي اختلفت درجته من محصول إلى آخر. ويعد محصول جوز الهند الذي جلبه المهاجرون من الملايو محصولاً نقدياً في كثير من جزر المحيط الهادي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق