الصفحات

الجمعة، 22 أغسطس 2014

محاضرات في جغرافية الزراعة .. المحاضرة الثامنة ...

المحاضرة الثامنة

تابع أنماط ونظم الزراعة
ثانياً – الزراعة الراقية وأنماطها
         المقدمة
         ثانياً – الزراعة الراقية وأنماطها :
o       وفق المساحة وعدد السكان
o       أنماط الزراعة وفق الغرض من الإنتاج
o       أنماط زراعة أخرى متنوعة
o       بعض الأقاليم الزراعية الكبرى
         كنا قد ناقشنا في المحاضرة السابعة أقسام الزراعة التي اتضح تقسيمها إلى قسمين رئيسين من حيث الأسلوب والمستوى. حيث تطرقنا خلالها إلى  الزراعة البدائية. وسوف نواصل الحديث في هذه المحاضرة عن القسم الآخر ألا وهو الزراعة الراقية.

         يعتقد كثير من الباحثين أن الزراعة الراقية وليدة السهول النهرية، حيث يتوافر الماء وحيث تتوافر التربة الخصبة التي تتجدد خصوبتها كل عام بسبب الإرسابات الفيضية التي تجلبها مياه الفيضان.
         وللزراعة الراقية أنماط عديدة وفق أسس متنوعة سوف نستعرضها على النحو التالي :
وفق المساحة وعدد السكان
         الزراعة الكثيفة Intensive Agriculture (Farming)
عبارة عن نظام لزراعة الأراضي الزراعية يعتمد على كثير من المدخلات مثل عدد الأيدي العاملة الكبير. وأهم ما تعتمد عليه الزراعة الكثيفة هو زراعة الأرض الزراعية أكثر من مرة بأكثر من محصول على مدار العام مما بطبيعة الحال يضر بالأرض الزراعية، ومثل المحصول الزراعي فإن الزراعة الكثيفة تطبق أيضا على الحيوانات والأسماك فهي تعتمد أيضا على تربية عدد كبير من الحيوانات على مساحة صغيرة إلى جانب الأراضي الزراعية وتتطلب بقاء أكبر عدد ممكن من الحيوانات حية في تلك الظروف الصعبة، كما تعتمد أيضا على تربية عدد كبير من الأسماك والكائنات البحرية.
وبالطبع فإن أكثر الدول التي تستخدم ذلك النظام هي الدول النامية التي تعاني من تضخم في عدد السكان وقلة في مساحة الأراضي الزراعية فتحتاج إلى كمية كبيرة من الغذاء والعائد المادي حتى لا تتعرض لأخطار المجاعة والانهيار الاقتصادي.
ينتشر هذا النمط الزراعي في البلاد المزدحمة بالسكان وحيث تقل الأراضي الصالحة للزراعة كما هي الحال في الصين والهند ومصر وأجزاء من غربي أوروبا وشرقي الولايات المتحدة الأمريكية.
ويتميز هذا النمط الزراعي بعدم استعمال الآليات الزراعية، بل يكون الاعتماد أساساً على الأيدي العاملة التي تؤدي كثرتها إلى رخصها بخلاف أجور عمال الزراعة في الدول الصناعية التي تتميز بارتفاعها مما أدى إلى استخدام أنواع من الآلات الزراعية المناسبة.
الملاحظ على نمط الزراعة الكثيفة أن إنتاجية الفرد من المحاصيل الزراعية منخفضة إذا قورنت بمناطق الزراعة الواسعة، وذلك لزيادة عدد الأفراد الذين يعملون في الزراعة، وأحياناً يزيد عدد الأفراد العاملين بالزراعة على حاجة العمل، مما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الفرد ويتيح وجود بطالة مستترة.
ونتيجة لزيادة عدد السكان في مناطق الزراعة الكثيفة، وقلة نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، فإن جميع السبل المؤدية إلى زيادة الإنتاج الزراعي تتبع، ومن هذه السبل : استخدام الأسمدة، واستخدام الدورات الزراعية لأنها تعطي أكثر من محصول واحد، وأكثر من غلة واحدة في السنة. وتستخدم وسائل  الري المختلفة في المناطق التي تقل فيها الأمطار، فيعتمد على الأنهار كما هي الحال في مصر والسودان والعراق، وأحياناً يعتمد على الآبار والعيون كما هي الحال في جنوبي الجزائر وفي بعض مناطق المملكة العربية السعودية (الأحساء – الخرج – القصيم ).
الزراعة الواسعة Extensive Agriculture (Farming)
يرتبط وجود الزراعة الواسعة بالمناطق التي عمرها الإنسان حديثاً والتي تتميز بوجود مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية كما هي الحال في : سهول البراري في أمريكا الشمالية، وسهول الأرجنتين في أمريكا الجنوبية ( البمباس) وسهول مري دارلنج في أستراليا وسهول سيبيريا.
وتتميز المناطق التي تمارس فيها الزراعة الواسعة بوفرة رؤوس الأموال، ووفرة الأراضي الصالحة للزراعة، وتوفر وسائل النقل بأسعار معقولة، إلى جانب وفرة الخبرة الفنية والتقدم التكنولوجي في مجال الزراعة. وغالباً ما تتميز الزراعة الواسعة بالتخصص في محصولات معينة.
وإذا ما قارنا الزراعة الواسعة بالزراعة الكثيفة لاتضح لنا أن الوحدة المساحية من أراضي الزراعة الواسعة تعطي إنتاجاً أقل من مثيلتها من أراضي الزراعة الكثيفة.
ومن ناحية أخرى فإن نصيب الفرد من المحاصيل الزراعية في أراضي الزراعة الواسعة يزيد على نصيب الفرد في مناطق الزراعة الكثيفة، وتسهم أراضي الزراعة الواسعة بنصيب كبير في التجارة الدولية .
وعموماً فإن معدلات إنتاج وحدة الأرض في الزراعة الواسعة – وهي عنصر الإنتاج المتوافر – منخفضة، أما معدلات إنتاج الأيدي العاملة (عنصر العمل) وهو العنصر النادر، فهي مرتفعة.
شكل توضيحي للمقارنة بين النظم الزراعية الثلاثة من حيث نسبة الأيدي العاملة ومساحة الأرض إلى جانب رأس المال.
أنماط الزراعة وفق الغرض من الإنتاج
يمارس النشاط الزراعي وفق أهداف وأغراض متنوعة، بعضها يتصل بالأفراد، وبعضها يتصل بالسياسات الزراعية للدولة، ويمكن أن نميز بين أنماط زراعية متنوعة وفق هذا المعيار على النحو التالي :
          الزراعة المعاشية أو زراعة الاكتفاء الذاتي
ساد هذا النمط الزراعي في معظم دول العالم في أزمنة ماضية، ولاتزال الزراعة المعاشية تمارس في المناطق المنعزلة كالمناطق الجبلية أو المناطق التي لا ترتبط بوسائل نقل رخيصة تسهم في نقل المحاصيل الزراعية من مناطق الإنتاج إلى الأسواق.
وجدير بالذكر أن كثيراً من الدول التي تعمد إلى توفر احتياجاتها من المحاصيل الزراعية كنوع من الأمن الغذائي تلجأ إلى ممارسة هذا النوع من الزراعة. ولقد ظهر مثل هذا الاتجاه بعد الحرب العالمية الأولى لأن كثيراً من أقطار العالم كانت تتوقع اندلاع حرب أخرى.
ومن بين الدول التي شجعت زراعة القمح المملكة العربية السعودية التي قفز إنتاجها قفزة كبيرة في سنوات قليلة من أقل من 39 ألف طن سنة 1971م إلى أكثر من 1.7 مليون طن سنة 1998م ، أي تضاعف نحو 44 مثلاً. وتشتري الدولة من المزارعين السعوديين الكيلو جرام من القمح بثلاثة ونصف ريال، وهذا السعر يعادل أضعاف ثمن شرائه من الخارج، لكن سياسة الدولة هي تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح حتى لا تصبح تحت رحمة الدول المصدرة له .
         الزراعة التجارية 
تنتشر الزراعة التجارية في كثير من دول العالم، وتتخصص معظم مزارع الزراعة التجارية في إنتاج محاصيل معينة توصف أحياناً بالمحاصيل النقدية، وتعتمد الزراعة التجارية على إنتاج المحاصيل التي تحقق ربحاً كبيراً ، ويقوم التخصص اعتمادً على توفر الظروف الطبيعية والعوامل البشرية التي تحقق مزايا متنوعة مثل زيادة الإنتاج وانخفاض تكاليف الإنتاج. وحتى تحقق الزراعة التجارية المتخصصة أغراضها، فلابد من أن تتوافر وسائل النقل الرخيصة، وأن تسود حرية التجارة بين الدول دون وجود نظام للحصص أو ضرائب جمركية أو تكتلات تجارية، لأن كل هذه الأمور لا تشجع على قيام التخصص في إنتاج المحاصيل الزراعية لأن مثل هذه المحاصيل ستجد صعوبات كبيرة في التسويق.
ولقد قامت الشركات الغربية بإنشاء المزارع التجارية في كثير من المناطق المدارية المطيرة في قارتي آسيا وأفريقيا، والمصطلح الشائع الذي تعرف به مثل هذه المزارع ((المزارع العلمية التجارية))، وهذه المزارع لها دور كبير في إنتاج المحاصيل المدارية منذ خمسمائة سنة. ولقد تغيرت خصائص هذه المزارع مع استمرارها هذه المدة الطويلة.
وتهدف هذه المزارع العلمية التجاريةPlantation Agriculture  إلى توفير الغلات التي تقوم عليها كثير من الصناعات ، ومن هذه الغلات : المطاط وقصب السكر والشاي والبن والكاكاو. وتستفيد الزراعة العلمية التجارية من وجود الأراضي الرخيصة من ناحية، ومن توفير الأيدي العاملة المحلية من ناحية أخرى. وتقوم الزراعة في مثل هذه المزارع على أسس علمية حيث تقاوم الآفات وتستنبت الأصناف التي تتميز بإنتاج وفير.    
ولقد استند نظام المزارع التجارية في الأمريكتين على دعامتين أساسيتين هما:
o        وفرة الأراضي. 
o        استيراد الرقيق.
وقد بدأت المزارع التجارية في الزوال والاضمحلال في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي بعد إلغاء تجارة الرقيق، حيث قسمت بعض هذه المزارع إلى مزارع صغيرة بين عدد من الملاك .
وتشغل المحاصيل التي تصدرها المناطق المدارية أي نحو10% من أراضي المحاصيل في العالم (لا يشمل هذا التقرير أراضي القطن). وتتميز المزارع التجارية العلمية بإنتاج محصول أو اثنين من المحاصيل المدارية وشبه المدارية، وأحياناً تزرع محاصيل غذائية لتوفير غذاء العاملين بالمزارع. ولا تربى الماشية في المزارع التجارية إلا للعمليات الزراعية مثل جر المحاريث، وتختلف مساحات المزارع التجارية باختلاف المناطق المختلفة.
وجدير بالذكر أن المزارع التجارية في القارات المختلفة تتميز بإنتاج غلات معينة، فالقطن في أمريكا وآسيا، وقصب السكر في أمريكا الوسطى، والمطاط في آسيا 90% من الإنتاج العالمي، والكاكاو في أفريقيا 72% من حجم الإنتاج وزيت النخيل في أفريقيا 69% من الإنتاج، والبن في أمريكا الجنوبية 96% من الإنتاج العالمي.
ومما يجدر ذكره هنا أن للتخصص الزراعي عيوبه ومزاياه، ومن أهم مزاياه: الاستفادة من الظروف المناسبة ، وتحقيق الخبرة في مجال إنتاج محصول معين كما هي الحال في إنتاج القطن في مصر، والبن في البرازيل. وعلى هذا تصبح الدول المتخصصة في إنتاج محصول معين – لطول خبرتها – أكفأ من غيرها.
كما أن التخصص يحقق الاستفادة من مزايا الإنتاج الكبير مثل انخفاض نفقات الإنتاج والتسويق، وبالتالي زيادة الأرباح
أما فيما يتعلق بعيوب التخصص في إنتاج نوع معين من المحاصيل الزراعية، فإنها تتمثل في خطورة النتائج التي تعود على أصحاب المزارع لو أصيب المحصول بآفة، أو تعرض سعره للهبوط نتيجة لوفرة الإنتاج. ومن ناحية أخرى فقد يؤدي التخصص إلى زيادة المنافسة على مستوى الدول أو البدائل. ولتوضيح ذلك فإن احتكار المطاط الطبيعي أدى إلى ابتكار المطاط الصناعي.
ومن العيوب كذلك أن الاستمرار في زراعة محصول معين في نفس التربة ولسنوات متوالية يؤثر في التربة ويقلل من خصوبتها، وينعكس ذلك بطبيعة الحال في انخفاض إنتاجها.
وإزاء هذه المشكلات التي يمكن أن تتعرض لها الزراعة التجارية فقد ظهر اتجاه وسطي لا يعتمد على محصول معين بصورة أساسية ويمكن أن يطلق على هذا النمط الزراعي تعبير ((الزراعة المتنوعة)).
الزراعة المختلطة Mixed Farming  
إن الزراعة المختلطة هي نمط زراعي يجمع بين إنتاج المحاصيل الزراعية التجارية وتربية الماشية. وقد انتشر هذا النمط في أوروبا من ايرلندا غرباً إلى سهول روسيا شرقاً، وامتد أيضا من أمريكا الشمالية ويصل إلى أوجه في نطاق الذرة. وتنتشر الزراعة المختلطة كذلك في سهول البمباس في الأرجنتين، وفي جنوب شرقي أستراليا، وجنوبي أفريقيا ونيوزيلندا. وقد قسم ويتلسي Whittlesey  أوروبا إلى ثلاثة نطاقات من حيث الزراعة المختلطة هي : الجزر البريطانية (ماعدا الأجزاء الشرقية) واسكنديناوه، والمناطق الساحلية في فرنسا وألمانيا والأراضي المنخفضة، وتمثل نطاق الألبان.
أما أوروبا الغربية والوسطى فتجمع بين إنتاج المحاصيل الزراعية والماشية، ويتمثل النطاق الثالث في شرقي أوروبا ودول البلقان، وقد وصف وتلسي هذا النطاق بأنه نطاق زراعة محاصيل وتربية ماشية لسد الاحتياجات
وتتميز الزراعة المختلطة في شمال غربي أوروبا بأنها تجارية إلى حد كبير تعتمد على الآلات وتستخدم الأسمدة والمخصبات.
ولا يستعان بالعمال المستأجرين في مثل هذه المزارع إلا على نطاق ضيق، وتمثل العمالة اليدوية الأسرية ما بين 70 إلى 85% من إجمالي العمالة في المزارع العائلية في غربي أوروبا . وتختلف مساحة المزارع العائلية ما بين نطاق الذرة في الولايات المتحدة (حيث تتراوح بين 40 و100 هكتار)،
وتخصص الزراعة المختلطة في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا أقل من 20% من المساحة المزروعة للحشائش، وبعض هذه الحشائش دائم، وبعضها يستمر لمدة سنتين أو ثلاث ثم تزرع المحاصيل الأخرى .
وأهم المحاصيل التي تزرع في الزراعة المختلطة الحبوب، وتحتل الذرة المكانة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية ، ويليها فول الصويا فالقمح الشتوي والشعير. أما في أوروبا فنجد أن القمح يحتل المكانة الأولى في أراضي الزراعة المختلطة وفي المناطق التي تتميز بقصر فصل النمو كما هي الحال في سكنديناوة، فإننا نجد الشعير كما نجد البطاطس والبنجر
وفي أستراليا تجمع المزارع المختلطة بين زراعة القمح وتربية الأغنام والماشية.
وبالنسبة لنيوزيلندا فقد انتشرت بها مراعي تخصصت في إنتاج الصوف لمصانع برادفوردBradford  حتى بعد سنة 1870م حينما بدأ حرث سهول كنتربري Canterbury  لزراعة القمح.
          أنماط أخرى متنوعة :
ويمكن أن تصنف الزراعة وفق نظام الري إلى أنماط مثل : زراعة على المطر (بعلية – جافة) وزراعة على مياه الأنهار (فيضان – مروية - أو ري منظم بقنوات) وزراعة على مياه الآبار، وزراعة على مياه العيون.
ويمكن تصنيف الزراعة إلى: زراعة شتوية وزراعة صيفية. ومن الأسس الأخرى التي تصنف وفقها الزراعة نوع المحاصيل مثل : الحبوب، الفاكهة، الخضروات، الغلات الصناعية مثل : محاصيل الألياف، المطاط، قصب السكر والمشروبات.
وأحياناً تصنف الزراعة إلى أنماط وفق الأقاليم المناخية، فنقول : زراعة مدارية، زراعة موسمية، زراعة بحر متوسط.
بعض الأقاليم الزراعية الكبرى
1- الإنتاج الزراعي في إقليم البحر المتوسط :
تنتشر المناطق الزراعية حول البحر المتوسط، وتتميز هذه المناطق بسمات مناخية معينة أبرزها وجود شتاء رطب معتدل، وصيف حار جاف. وهناك مناطق أخرى في العالم تتميز بهذه السمات في وسط وجنوب كاليفورنيا، ووسط شيلي، وفي جنوب غربي إقليم الكاب بجنوبي أفريقيا وجنوبي أستراليا، وعموماً فإن المساحات التي يسودها هذا المناخ لاتتجاوز 2% من مساحة اليابس في العالم، وقد يكون صغر المساحة من أبرز الأسباب التي جعلت قيمة الإنتاج في هذا الإقليم محدودة.
ولعل أهم المحاصيل الزراعية في إقليم البحر المتوسط الحبوب، وخصوصاً القمح. ومن السمات الأخرى التي تميز الزراعة في منطقة البحر المتوسط، أن معظم المحاصيل تزرع للاستهلاك المحلي. ويُعد الزيتون والأعناب أهم الأشجار المثمرة بالإضافة إلى الموالح والتين والنخيل
وتخصص أسبانيا نحو 80% من أراضيها المطلة على البحر المتوسط لزراعة أشجار الزيتون.
ومن المحاصيل الأخرى التي تزرع في منطقة البحر المتوسط التفاح والكمثرى بالإضافة إلى الخضروات مثل البصل والخس والبطاطس والبقول. ومعظم أراضي الفواكه والخضروات تزرع على الري، ولا تتعدى المساحة التي تعتمد على الري في منطقة البحر المتوسط 9%.
ومما هو جدير بالذكر أن نسبة العاملين بالزراعة في منطقة البحر المتوسط آخذة في النقصان عاماً بعد آخر. وهذه حقيقة وملاحظه هامة نستخلصها من الجدول التالي في تراجع أعداد الأيدي العاملة الزراعية في عينة من دول المتوسط.
الدولة
النسبة المئوية للعاملين بالزراعة
عام  1970م
عام 1999م
الجزائر
60,7%
24,6%
اليونان
46%
17,3%
إيطاليا
18,8%
5,6%
مصر
54,4%
34%
تونس
48,8%
25%

وتتميز المزارع في معظم أقطار البحر المتوسط بصغر مساحتها، ففي اليونان تقل مساحات81% من المزارع عن خمسة هكتارات، وفي أسبانيا يقل ثلثا مساحات المزارع عن خمسة هكتارات، ومعظم الزارعين هم أصحاب المزارع في كثير من أقطار البحر المتوسط .
الإنتاج الزراعي في المناطق التابعة لإقليم البحر المتوسط :
هناك أربع مناطق أخرى تتميز بمناخ البحر المتوسط وتقع بعيداً عن حوض البحر المتوسط ، وهذه المناطق هي كاليفورنيا ، ويتميز الإنتاج هنا بالتنوع حيث تنتج الموالح والكروم والخضروات، كما تربى الماشية لإنتاج الألبان واللحوم. وقد مر الإنتاج الزراعي بثلاث مراحل هي : مرحلة الرعي ثم إنتاج القمح فإنتاج الخضروات والفواكه.
ويتمثل مناخ البحر المتوسط وإنتاجه الزراعي وسط شيلي وهي الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي تزيد فيها المساحات المزروعة قمحاً على مساحات الذرة الهندية (الشامية) .
وتصل مساحة أراضي الحبوب في شيلي إلى ثلاثة أرباع الأراضي المزروعة، ويشغل القمح أربعة أخماس أراضي الحبوب، ولا تستخدم الآلات الزراعية في شيلي إلا في المزارع الكبيرة Haciendas  
ويتمثل إقليم البحر المتوسط في الأجزاء الجنوبية الغربية من أستراليا وبعض الأجزاء الجنوبية الشرقية، ولقد اشتهر هذا الإقليم في أستراليا بإنتاج القمح وتربية الأغنام.
مقاطعة الكاب في اتحاد جنوب افريقيا.
 2- الإنتاج الزراعي في المناطق المدارية :
وتشغل المناطق المدارية مساحات واسعة من قارة أفريقيا وجنوبي آسيا، وجنوبي الولايات المتحدة ومعظم أمريكا اللاتينية فيما عدا الأرجنتين وأورجواي واراجواي، وشرقي وشمالي أستراليا .
وتتميز المناطق المدارية  بأنها تتخصص في إنتاج كثير من الغلات مثل المطاط والبن والكاكاو وقصب السكر والقطن وزيت النخيل. وتسود في بعض المناطق المدارية المزارع العلمية Plantation .
وكان الإشراف على هذه المزارع أوربياً، إلا أنه بعد أ نالت كثير من الدول استقلالها استبدلت بالمشرفين الأوربيين مشرفين وطنيين . وعلى الرغم من أن كثيراً من الدول الأفريقية والآسيوية نالت استقلالها وبالتالي أصبحت تشرف على المزارع العلمية، إلا أنه مازال كثير من المزارع العلمية المدارية يمول من الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أنشئت المزارع المدارية في إندونيسيا (شركة الهند الشرقية الهولندية) فزرع قصب السكر والبن والمطاط.
وفي بداية القرن العشرين ازدهرت زراعة المطاط في الملايو وقامت شركات إنجليزية وفرنسية وأمريكية بإنشاء مزارع المطاط نحو1,4 مليون هكتار في الملايو . وعلى الرغم من أن المطاط يغطي الآن 60% من المساحات المزروعة إلا أنه ليس الغلة الوحيدة في الملايو ، فهناك مزارع قصب السكر والبن ونخيل الزيت الذي زادت زراعته في الخمسينات من القرن العشرين.
وعموماً يمكن أن نوجز أهم خصائص الإنتاج الزراعي في الأقاليم المدارية في النقاط الآتية :
1- تنوع الإنتاج الزراعي بين محاصيل تجارية هامة كالمطاط والشاي والكاكاو، ومحاصيل معاشية مثل الذرة بنوعيها حيث يعتمد عليها في الغذاء في كثير من الأقطار الفقيرة، وهناك أيضاً المحاصيل الزراعية الصناعية مثل الجوت والقطن وقصب السكر.
2- تنوع الهدف الإنتاجي في الزراعة المدارية بين زراعة معاشية وزراعة تجارية تعتمد على رؤوس أموال كبيرة كما هي الحال بالنسبة لمزارع المطاط التي تحتاج إلى عدة سنوات حتى تنتج وتدر عائداً.
3- كثيراً ما تتعرض الزراعة المدارية للآفات كما حدث بالنسبة لمزارع البن في جاوه ومزارع المطاط في ليبريا.
4- يمكن اعتبار المزارع المدارية مصدراً هاماً لكثير من المحاصيل الغذائية مثل الأرز والذرة بنوعيها ومحاصيل الزيت والفواكه مثل الموز، والمحاصيل الصناعية كمحاصيل الألياف (قطن ، جوت) .
5- تتميز مناطق زراعية مدارية كثيرة بالتخصص في الإنتاج، ولهذا فهي كثيراً ما تتعرض لمشكلات خاصة بالتسويق أحياناً وبالآفات الزراعية أحياناً أخرى، أو نتيجة لتقلب الأسعار وانخفاضها.
3- الإنتاج الزراعي في الأقاليم الجافة :
تغطي الأقاليم الجافة ما بين 33% إلى 36% من مساحة اليابس ، ويعيش في تلك المناطق 4% من سكان العالم .
ولعل أهم ما يعوق استغلال كثير من الأراضي الصالحة للزراعة في المناطق الجافة هو قلة المياه .
إن توفر المياه اللازمة للزراعة أدى إلى قيام أنماط من الزراعة في الأقاليم الجافة على النحو التالي :
الزراعة النهرية :
يقصد بالزراعة النهرية تلك الزراعة التي تعتمد في ريها على الأنهار، وهناك زراعة نهرية ذات نظم ري حديثة كما هي الحال في غربي الولايات المتحدة الأمريكية في كاليفورنيا وباكستان والعراق ومصر .
الزراعة الجافة :
تعتمد الزراعة في بعض المناطق الجافة على الأمطار، إلا أن للاعتماد على الأمطار كثيراً من المشكلات أهمها تغير كميات الأمطار من سنة إلى أخرى، وجدير بالذكر أن نحو 78% من الأراضي الزراعية بالوطن العربي تعتمد في زراعتها على المطر، ولا يعتمد على مياه الأنهار إلا نحو 22% من مساحة الأراضي الزراعية.
وتتباين أساليب الزراعة على المطر في الأقاليم الجافة، لكن أشهر محاصيلها القمح والشعير والذرة الرفيعة والبرسيم .
وأهم ما يميز الإنتاج الزراعي على المطر في الأقاليم الجافة انخفاض غلة الهكتار إذا ما قورن بالإنتاج الزراعي في المناطق الرطبة، وتتباين المساحات المزروعة ما بين سنة وأخرى تبعاً لكمية الأمطار التي تسقط. وهناك نمط من الزراعة في الأقاليم الجافة يعتمد على السيول التي تنشأ بسبب الأمطار، وتزرع مناطق السيول بسبب ما يتراكم فيها من طمي، ويبلغ عدد المزارع التي تروى بالسيول في المملكة العربية السعودية نحو تسعين ألف مزرعة .
الزراعة على مياه الآبار :
تعتمد كثير من الأراضي الزراعية في الأقاليم الجافة على  مياه الآبار كما هي الحال في  المملكة العربية السعودية ، وقد دلت الدراسات الجيولوجية الحديثة التي قامت بها الشركات الاستشارية العالمية على وجود أكثر من 21 تكويناً جيولوجياً يحتوي على مياه جوفية ، وتحفر في كثير منها الآبار العميقة التي تصل أحياناً إلى أكثر من ألفي متر .
 الزراعة على ري القنوات والأفلاج :
مارس كثير من شعوب الأقاليم الجافة شق قنوات أفقية تحت سطح التربة عند سفوح الجبال أو في مناطق السهول الإرسابية للدالات المروحية . وقد عرفت هذه القنوات بأسماء متباينة مثل الفجارات والسراديب ، والفلج في شبه الجزيرة العربية .
ويعيب نظام هذه القنوات أنه لا يوفر الماء إلا للأراضي المنخفضة، كما أن مياه القنوات تحتوي على نسبة عالية من الأملاح، كما أنه لا يتيح قيام الزراعة إلا في مساحات محدودة، وتتمثل المحاصيل الزراعية في النخيل وبعض الحبوب والخضروات. وتهدف الزراعة على مياه القنوات إلى توفير بعض المحاصيل الغذائية .
          أقاليم إنتاج زراعي أخرى :
هناك أقاليم إنتاج زراعي أخرى متنوعة مثل : إقليم الزراعة المختلطة في غربي أوروبا وأمريكا الشمالية، وهذا الإقليم يعتمد على إنتاج المحاصيل التجارية وتربية الماشية، وإقليم الأرز في جنوب شرقي آسيا، ونستطيع أن نعدد أقاليم أخرى وفق أسس متنوعة مناخية كانت أو محصوليه. وبطبيعة الحال هناك تداخل بين الأقاليم المختلفة، فأقاليم الأرز (محصول) يدخل في إطار الأقاليم المدارية (مناخ) ، ولهذا اكتفينا بهذه الأمثلة كنماذج لأقاليم الإنتاج الزراعي.

منتدى جامعة الملك فيصل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق