الصفحات

الأربعاء، 1 يونيو 2016

المنظومة التعليمية في ليبيا عناصر التحليل ، مواطن الإخفاق، استراتيجية التطوير ...

المنظومة التعليمية في ليبيا عناصر التحليل
مواطن الإخفاق، استراتيجية التطوير 

ورقة مقدمة إلى المؤتمر الوطني للتعليم

2012 /9/ 17 -15 طرابلس - ليبيا

إعداد عبد السلام القلالي

أستاذ بقسم الرياضيات - جامعة طرابلس مندوب ليبيا لدى اليونسكو 

المحتويات
مقدمة القسم الأول : عناصر تحليل المنظومة التعليمية 
- السكان واقتصاديات التعليم 
- أداء المنظومة التعليمية 
-الإنفاق على التعليم - الفاعلية (الداخلية والخارجية ) - الإنصاف 
- التنظيم الاداري 
القسم الثاني : مواطن الإخفاق في المنظومة التعليمية
- تمهيد 
- نتائج من تقرير التنافسية العالمية 
- ترتيب ليبيا في التقرير عام 2010 
- مؤشرات في التقرير لها علاقة بالتعليم في ليبيا 
• التعليم الابتدائي 
• التعليم العالي والتدريب 
• الاستعداد والتهيؤ التكنولوجي 
- اخفاقات المنظومة التعليمة في سنة 2010 أو ما قبلها 
القسم الثالث : استراتيجية التطوير 
- الحاجة إلى استراتيجية التطوير 
- محددات استراتيجية التعليم 
• القيود المحددة لنشاط المنظومة التعليمية 
• الطلب على الخدمة التعليمية 
• العرض المقدم من المنظومة التعليمية 
• الضوابط الاجتماعية والثقافية 
- تأسيس الاستراتيجية 
- نموذج المحاكاة 
- قرار اعتماد الميزانية 
- التحديات 
- مقترح بتسمية مؤسسات لقطاع التعليم 
خاتمة 

مقدمة
 
  أكاد أجزم بأن الموضوعات المتعلقة بالمنظومة التعليمية من أهم الدراسات التربوية التي ينبغي أن يتصدى لها الباحثون في مجال (مستقبل التعليم) ذلك لأن المنظومة التعليمية بمكوناتها وبرامجها وتفاعلها مع متطلبات العصر من الموضوعات المركبة من ناحية، وهي بذلك تستعصي على الدارسين فلا يقبلوا عليها بالموضوعية والمنهجية المتوخاة، وهي أيضاً – من ناحية أخرى – مؤثرة في الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي يستمد مقومات نشاطه من مخرجات المنظومة التعليمية وإفرازاتها. وهذا يحفز الدارسين للولوج في المنظومة التعليمية لسرب غورها وكشف مكنونها بهدف التحليل والنقد أو التغيير والتطوير. 
  إن المنظومة التعليمية هي الوعاء الذي تنفذ من خلاله الخطط التعليمية المرسومة، والجهاز الذي ينظم آليات التنفيذ لهذه الخطط، والأداة التي تراقب سير التنفيذ، والآلية التي يتم بها تقويم العملية التعليمية برمتها.

  لقد تطورت الدراسات المرتبطة بالمنظومة التعليمية خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وبدأ الاهتمام بالمنظومات التعليمية والشبكات المساندة لها. ومرد ذلك إلى تأثير هذه المنظومة في حرآة سوق العمل المستقبلة لمخرجات المنظومة التعليمية، وفي الترآيبات الاجتماعية المبلورة لنظرة المجتمع إلى عناصر هذه المنظومة (المعلمين والموظفين) ومكانتهم الاجتماعية في الحضر أو الريف ، وفي إحلال لخريجين المكانة الاجتماعية الراقية وغير هذه المكانة للمتسربين من المنظومة دون استكمال مشوارهم الدراسي، وكذلك في المؤسسات والهيئات الثقافية التي تتغذى على ما يصدر عن المنظومة التعليمية من مخرجات ونتائج.

   وينظر إلى المنظومة التعليمية على أنها الجهاز الذي يعد للمستقبل ، فإذا أردنا أن يكون لنا مستقبل في ميدان الفن أو في المجال الرياضي أو في الابتكار والإبداع العلمي أو التميز في المجالات الثقافية والأدبية علينا أن نرتب ذلك في المنظومة التعليمية (استراتيجيتها، أهدافها وسائلها وآلياتها ...الخ) لنكتشف المواهب ونصقلها وندفع بها إلى المؤسسات المختصة لتتولى دورها بعد ذلك.

   فإذا لم تخطط المنظومة التعليمية لهذه الأغراض فلن تجد مؤسسات المجتمع المعنية المواهب المصقولة التي تستهل بها نشاطها الواعد والهادف الى تحقيق الانجازات الطموحة التي تسعى إليها.

  فإذا أردنا - مثلا - أن يكون لنا فريق كرة قدم مؤهل لدخول نهايات كأس العالم سنة 2030 بجدارة، نطلب من المنظومة التعليمية أن تبدأ فورا " للعمل على تحقيق هذا الهدف . نعم، ليست هي التي تعد الفريق في نهاية المطاف وإنما تبدأ بتوفير البيئة المناسبة في صقل المواهب وتوفير وتنويع الخيارات أمام الجهات المعنية والمختصة للحصول على أفضل العناصر الواعدة بتحقيق الهدف المنشود . أما التخطيط لما قبل ذلك – الدورة 2022 في قطر (مثلا) – فإن المنظومة التعليمية غير قادرة على الايفاء بذلك لقصر المدة. 

  لكل هذه المعطيات ظهر الاهتمام بالمنظومة التعليمية، والدعوة إلى إجراء الدراسات والتحليلات لمكوناتها ومراقبة سير العمل فيها واكتشاف مواقع النجاح ومواطن الضعف والخلل وتقديم مقترحات لتطويرها وتأهيلها لتصبح قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الآمال والطمحوات المرتقبة منها . و تأتي هذه الورقة في هذا السياق و نجزئها – لذات الغرض – إلى ثلاثة أقسام هي: 

القسم الأول: العناصر الأساسية التي ينبغي أن يبنى عليها تحليل المنظومة التعليمية 

القسم الثاني: تقويم المنظومة التعليمية ، و إظهار الإنجازات والإيجابيات - إن وجدت - ومواطن الإخفاق والفشل في السابق. 

القسم الثالث : تقديم مقترحات لتطوير المنظومة التعليمية بما يجعلها تتجنب أسباب الإخفاق والفشل وتتجه نحو الأخذ بأسباب التنمية والتطوير .

القسم الأول : عناصر تحليل المنظومة التعليمية

    تتكون عناصر تحليل المنظومة التعليمية من العوامل المؤثرة فيها والمتأثرة بها، والتي تتمحور حول: التسيير، والتمويل، والأداء. ويمكن حصرها في ستة عناصر نستعرضها فيما يلي:

أ – الوضع الديمغرافي : وهو الذي يؤثر كليا في المنظومة التعليمية من خلال تحديد جزء مهم من الاحتياجات التي يجب تلبيتها. إذ لا يستقيم أي تخطيط للمنظومة التعليمية دون معرفة الوضع الديمغرافي وتوفر البيانات السكانية (المعدلات ، أنماط التمدرس) وعندما تكون هذه البيانات ناقصة أو غير حقيقية أو مشوهة يتم اللجوء الى المسوحات الأسرية (مسوحات حول ظروف المعيشة ... ) بغية تقدير وضع التمدرس على الصعيد الوطني .

   وإذا ما لاحظنا اختلاف الكثافة السكانية من منطقة الى أخرى داخل ليبيا ، ودون  الدراسات الإحصائية التحليلية لواقع السكان ، والإهمال الواضح للبيانات الإحصائية المتوفرة - على ندرتها - يمكن أن نقف على الانفصام البين بين خطط التعليم والواقع . لقد وقفت بنفسي في بدايات العقد الماضي على عدد من المدارس المقفلة في بعض مناطق ليبيا بسبب إنشائها في مناطق غير مأهولة بالسكان، في الوقت الذي لاحظت فيه كثافة الفصل الواحد تصل الى 60 طالبا في المرحلة الابتدائية في مناطق أخرى، في الوقت الذي كان قطاع التعليم يعلن فيه أن كل الأطفال الذين هم في سن الدراسة قد التحقوا بالمؤسسات التعليمية أي أن نسبة التمدرس وصلت الى 100 %/ وذلك للدعاية والمباهاة. ولكن حتى في تلك المرحلة بقي السؤال مفتوحا " بالنسبة لنوعية التعليم . 

ب - احتياجات الاقتصاد الوطني (سوق العمل، التنمية البشرية، نقل التقنية ..) : لما كان الوضع الاقتصادي في أي بلد عاملا " مؤثرا " في تمويل الأنشطة العامة وعلى رأسها قطاع التعليم. فإنه يملي تأطير عملية التمويل لتلبية الاحتياجات الملحة ومتطلبات الإصلاح والتطوير. ولكن تمويل التعليم في ليبيا في العقود السابقة مقتصر على بعض الجوانب اعتمادا " على رؤى خاصة ورغبات غير منهجية. اذ لاحظنا - مثلا - تزايد في بناء مدارس التعليم المتوسط في ظل غياب بناء المؤسسات الجامعية مما دفع إدارة التعليم الى احتلال مرافق تعليمية آانت مخصصة للتعليم المتوسط لاستعمالها لمؤسسات التعليم العالي. وفي ذلك إجحاف للمرحلتين وخسارة لكليهما. فضلا عن إغداق ميزانيات بمبالغ غير مبررة لمنشآت التعليم التقني والتكوين المهني الأمر الذي يدفعنا الى التساؤل الآن: يأ ن مخرجات التعليم التقني والتكوين المهني؟ فلو صرفت ميزانيته في العقد الأخير من القرن الماضي على ليبيا بأجمعها لجعلتها في مصاف الدول المتقدمة تقنيا . " وهذا الموضوع يحتاج إلى استقصاء وتحقيق . نتيجة إنفاق بغزارة على مؤسسات التعليم التقني والتكوين المهني على مدى عقدين من الزمن دون الحصول على أي مخرجات مؤثرة في سوق العمل . والحاجة متفاقمة للعمال المهرة والفنيين من الخارج وتخصص البناء والتشييد مثال على ذلك. 

     إن هذا التباين في بنود الإنفاق على التعليم (شح في الإنفاق مع سوء التدبير) أدى إلى: 

• بعثرة المرافق التعليمية في مستوى التعليم الأساسي والمتوسط .

• فقر في المؤسسات الجامعية وقد ظهرت بعض المشاريع في الآونة الأخيرة عندما تفاقم الوضع ولكن بعد فوات الأوان . 

• إفراط في الإنفاق على التكوين المهني دون تحقيق أي انجازات تذكر على أرض الواقع .

• استخلاص غير صحيح للبيانات المتوفرة حول الإنفاق على التعليم، فعلى ضعفه فانه لا يؤشر الى تحقيق معدلات نمو حقيقية للمنظومة التعليمية نظرا " لتشوه في بنود الانفاق وسوء في توزيع الموارد أو توظيفها .

  والآن ينبغي أن تطرح الأسئلة الآتية أمام المخططين وواضعي استراتيجية التعليم : 

• هل سيكون النمو الاقتصادي المتوقع في المستقبل آافيا " لتمويل خطط ومشاريع إصلاح التعليم وتنميته؟ .

• هل نحتاج إلى زيادة في معدلات الانفاق على أولويات التعليم؟ 

• هل ندفع بتسخير الموارد المالية المحصلة من التعليم لإنفاقها على قطاع التعليم باعتبارها موارد إضافية من خارج الميزانية؟ 

   مع التنبيه إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار تداعيات الظروف التي نتجت عن قيام ثورة 17 فبراير المجيدة في عام 2011 وضرورة مساعدة الأيتام (أبناء الشهداء) ومراعاة ذوي الاحتياجات الخاصة (الجرحى) ، وإعادة التأهيل للعاملين ( الثوار ) في قطاع التعليم وخاصة المعلمين منهم ، وذلك بشكل استثنائي لهذه الفئات. مع مداومة المتابعة لإعادة تأهيل أو صيانة أو استبدال المباني التعليمية التي تضررت أثناء تلك الأحداث.
ثانيا : أداء المنظومة التعليمية (الالتحاق، الاستقرار، الانتقال) لقياس مستوى أداء المنظومة التعليمية، لا بد لنا من التعرض للجوانب الثلاثة التالية: الالتحاق بالمنظومة التعليمية والاستقرار فيها والانتقال منها بالإضافة إلى: 

   التعرف على مدى استجابة النظام التعليمي للأهداف التي حددت له بشأن حالة المدرسة (أنماط التمدرس) والمصير المدرسي لمن هم في سن الدراسة، والمصاعب التي تواجه إدارة موجات تدفق التلاميذ إلى مراحل التعليم المختلفة، ومن مرحلة الى أخرى . 

  إن الجانب الذي اهتمت به المنظومة التعليمية في السابق هو محاولة قبول جميع من هم في سن الدراسة دون مراعاة للقدرة الاستيعابية وظهر ذلك واضحا " في: 

• كثافة الفصل الدراسي والتي تجاوزت المستويات المعيارية بشكل غير مقبول تربويا". 

• توجيه التلاميذ والطلاب إلى تخصصات دون مراعاة المستويات التعليمية وملاءمة مرحلة التخصص لأعمارهم . 

• اكتظاظ بعض التخصصات الجامعية ( طب الأسنان مثلا) ونقص في بعض التخصصات الأخرى (العلوم الأساسية مثلا ) 

• عدم الاكتراث بإعداد المتسربين والفاقد من المراحل التعليمية المختلفة وتأثيرهم على النمو الاجتماعي والاقتصادي في البلاد .

 إن وضع التمدرس يملى على الاستراتيجية المرتقبة ما يلي: 

- البحث عن مصادر المصاعب التي تواجه ادارة موجات تدفق التلاميذ الى مراحل التعليم المختلفة ومن مرحلة الى أخرى مع محاولة التمييز بين تلك العوامل المتعلقة بالاستحقاقات التعليمية (العرض) والعوامل الخاصة بطلب الأسر، والاعتبارات الاجتماعية (الطلب) وتقدير حجم كل من هذين العاملين لتحديد الأولويات التي يجب اعطاؤها للسياسات الهادفة الى تعزيز (العرض) مقابل تلك التي تتعامل بإيجابية مع (الطلب . ) .

- قياس الفاعلية الداخلية لكل مرحلة مع مقارنة عدد السنوات (من دون إعادة أو فاقد أو تسرب) وقياس الفاعلية الداخلية الشاملة آتلك المتعلقة بمكونات (الالتحاق والاستمرار والانتقال) في ظروف ( الإ عادة والفاقد والتسرب) .

- مداومة إجراء الدراسات التحليلية والمسوحات المتعلقة بجوانب (الالتحاق والاستمرار والانتقال) في المنظومة التعليمية بشكل منتظم ومقارنة نتائجها بتلك التي تسجل في بلدان أخرى مختارة بغية تقييم أداء المنظومة ومعرفة مواطن ضعفها والاستفادة من ايجابيات المنظومات الأخرى في معالجة الصعوبات التي تواجه المنظومة الوطنية. 

ثالثا: الانفاق على التعليم 

  إن تحليل المنظومة التعليمية يقتضي دراسة عناصر عملية التحكم المالي في إطار قطاع التعليم، وينبغي أن يسمح هذا التحليل بإظهار أولويات الميزانية بين مستويات التعلم، ويميز بين الانفاق في مشاريع التطوير والتنمية وبين النفقات الجارية المعتادة. 
ان المت اتبع لأوجه لإنفاق في العقود السابقة يلاحظ ما يلي:

- استهلاك المستلزمات والأدوات بمعدلات تزيد عن المعدل المعياري مع ملاحظة ارتفاع في التكاليف .

- الاختلاف بين الميزانيات المعتمدة والإنفاق الحقيقي وخاصة في مجال تنفيذ المشاريع والتنمية
- تضاؤل نسبة مخصصات التطوير رغم الحاجة إليه مقارنة بالنفقات في مجال المرتبات والمصروفات اليومية على أهميتها.

- المرونة الزائدة في الإنفاق مع تشعب جهات اتخاذ القرارات الخاصة بالإنفاق على شؤون التعليم.

- التوسع في التوظيف بدون معيار إداري سليم 

- القصور والتقصير في توفير متطلبات العملية التعليمية بشكل متكامل ومناسب في كافة أنحاء البلاد 

- الانحراف في التصرف في المال العام في ظل التسيب الاداري وعدم الانضباطية في الإنفاق 
- عدم الربط بين أداء الخدمة التعليمية وتكلفتها 

  تجدر الإشارة الى أن نشاط التحليل المالي في قطاع التعليم يتعدى جمع المعلومات الى عملية إنتاج المعلومة استنادا " الى مصادر متنوعة وموثقة حول الاحصاءات المدرسية والتعليمية وبنود الصرف الحقيقية، وربط آل ذلك بالكثافة الطلابية وانتشار المؤسسات التعليمية . ونحتاج إلى إجراء دراسات مقارنة في مجال الإنفاق على التعليم تظهر السياسات المختلفة المتبعة في كل مستوى ونوع تعليمي.

  ويمكن تبني المنهجية المستندة على نموذج محاكاة مالية يسمح بتقييم النتائج المالية للسياسات التي يمكن تصورها للمستقبل بدقة . مثلا :" كيف ستكون النتائج المالية عند تقليص حجم الصف، وتدريب المعلمين ورفع كفاءاتهم أو تأهيلهم ورفعهم الى مستوى تعليمي أعلى، وتحسين معدل الانتقال من التعليم الاساسي إلى التعليم الثانوي وإدخال التطبيقات الرقمية في إدارة العملية التعليمية؟

رابعا : الفاعلية (الداخلية والخارجية) 

   إن تقدير نتائج عمل المنظومة التعليمية يقع في مكانة بارزة في عملية تحليل المنظومة التعليمية. ومن أهم الجوانب التي تقدر من خلالها نتائج عمل المنظومة التعليمية معدلات التمدرس وقدرة المنظومة على استقبال الأطفال عند بلوغهم سن الدراسة واستيعاب كل من هو في سن الدراسة ليجد مكانا " له في المرحلة المناسبة له. 

  وفي هذا المستوى لا بد أن نتساءل بالدرجة الأولى عن: نوعية التعليم المقدم وأهميته الاقتصادية والاجتماعية .

يلاحظ في العقود الماضية - فيما يتعلق بهذا الجانب - ما يلي:  

• عدم الرضى عن مستوى الأداء في مجال التعليم، والمبررات صادقة وتصل الى حد اليقين .

• ضعف القدرة على توفير الاحتياجات وتقديم الخدمات التعليمية في جميع المناطق بما يلبي كل متطلبات هذه الاحتياجات والخدمات. 

• إنفاق الأموال الكثيرة وبذل الجهود المضنية في إعداد الخريجين والمتخصصين، للولكن نتيجة تدني في مستوى الأداء وارتباك السياسات المطبقة، فارتفع معدل ال اقد وهبط مستوى معظم الخريجين لدرجة عدم قدرتهم على الايفاء بواجباتهم المنتظرة منهم في مواقع العمل فضلا عن اللامعيارية في التوظيف والإيفاد للدراسة والتدريب في الخارج. 

  إن الفاعلية تكمن في حسن أداء المنظومة، والذي يتم في مستوى التدريس ونوعية التعليم . بيد أن البيانات المتاحة حول نوعية التعليم نادرة و، يرتكز قياسها على التحاليل المنهجية لمستوى الطلاب منها والتي : 

- مراقبة نوعية التعليم 

- الاتجاهات المعيارية في الرياضات والعلوم 

- تقويم مستوى القرائية (محو الأمية ) - برامج تقييم التحصيل التعليمي. 
إذ تقدم هذه البرامج مقارنات تقديرية مباشرة حول عمليات التعليم في سن معينة ( أو في مستوى تعليمي معين) وتمتد هذه الدراسات أحيانا" إلى مستوى (تحليل النظم التعليمية).

  وينجز هذا التحليل على المستوى الوطني من خلال قياس أداء المؤسسات والتعرف على أفضل الممارسات التربوية على هذا المستوى. 

   من المهم الأخذ بالاعتبار: نوعية التعليم في مستويات التعليم لما بعد مرحلة التعليم الأساسي مع الإشارة إلى أهميتها الاجتماعية والاقتصادية على الصعيدين: الفردي والجماعي وهو ما يسمى (الفعالية الخارجية) وهي تكمل قياس (الفعالية الداخلية)، ذات الطبيعة التقنية التي تميز عملية انتاج المعارف.

  و نغفل – بطبيعة الحال – التدريب التقني والتكوين المهني لارتباطه بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي. مع ضرورة التركيز على منافع التعليم الاجتماعية ، وهي آثاره على الصحة . وتنظيم الأسرة وتربية الأبناء، والحياة الاجتماعية والتوجهات الاقتصادية في المجتمع ومتطلبات المواطنة، وسو ،ق العمل وتوجيه الاعلام نحو طلب التعليم النافع، وتعليل تخصيص الموارد المالية لقطاع التعليم، والى المكاسب التي يحق للجميع أن يتوقعها من استثماراته في الرأس المال البشري. 

خامسا : الانصاف 

  يحتل تعزيز الإنصاف في التعليم والاهتمام به مكانة مركزية في توجيه النشاط التعليمي وتمويل المنظومة التعليمية، ويتحقق ذلك في بعدين: 

أ – تحديد ما إذا كان الأفراد (الذكور و الاناث) يتمتعون بفرص التمدرس نفسها من خلال معاينة البيانات في مستويات الالتحاق بالمؤسسات التعليمية وفي المسار المدرسي (التخصص) بالاستناد إلى معايير لا يتحكم فيها الأفراد (كنوع الجنس، أو الموقع الجغرافي أو الوسط الاجتماعي والاقتصادي). 

ب – تحليل ما إذا كانت الموارد العامة في مجال التعليم توزع بإنصاف، وقياس ما إذا كانت نسبة ترآزها لمصلحة بعض المجموعات المعينة دون سواها. 

   ويرتكز تحليل الإنصاف على توزيع الميزانية العامة للتعليم مع مراعاة اختلاف مسار التلاميذ المدرسي والمبالغ التي تنفقها الدولة على كل تلميذ في كل من المراحل التعليمية. ويلاحظ بأن غالبا " ما يستفيد الأطفال من الطبقات الأكثر حظوة أكثر من غيرهم كونهم يمكثون في النظام التعليمي لمدة أطول ولكونهم مهيئين – بحكم وضعهم الاجتماعي والاقتصادي – لتلقي الخدمة التعليمية بطريقة أفضل.

  ويتفاقم انعدام الانصاف في التوزيع غير العادل للمنح الدراسية في التعليم العالي، حيث شاهدنا - في السابق – توزيعا " معكوسا" للموارد المالية من الدولة الى الطبقات الأكثر غنى والأقرب إلى مراكز النفوذ.

  هذا هو الوضع القائم في العقود السابقة. والموقف يتطلب معالجة لإحلال العدل والإنصاف في التعليم عوضا" عن الجور والمحاباة . والمخرج من هذه الإشكالية القائمة في الوقت الحاضر هو البحث عن المعايير المنهجية والواقعية لتوزيع الميزانية وتبني مبدأ اللامركزية الإدارية والتوزيع العادل للموارد والمنح بأسلوب نزيه يخدم المصلحة الوطنية ويرتقي بالمجتمع الى مراتب عليا. 

سادسا : التنظيم الاداري 

  تعتبر مسألة إدارة الموارد مسألة حاسمة في ليبيا شأنها في ذلك شأن أي بلد آخر في العالم، وهذا يبرر إحلال هذه المسألة مكانة خاصة في تحليل المنظومة التعليمية.
  تتعلق مسألة إدارة الموارد بمسألة التسيير الإداري وبالتالي بتوزيع المهام والاختصاصات والموارد على الوحدات الإدارية والمناطق الجغرافية والمؤسسات التربوية.

  ولا عجب إذا نوهت بأن أهم عنصر ينبغي أن يهتم به التنظيم الإداري لقطاع التعليم هو (المعلم) ومن ثم ينبغي أن يكون للمعلم القدح المعلى في التنظيم الإداري سواء من حيث التعيين أو تحديد الواجبات أو الحقوق والاستحقاقات إلى جانب الاهتمام بإعداده قبل الخدمة، وتدريبه أثناءها، والاهتمام به بعد إنهاء الخدمة في الوظيفة العامة، والاستفادة من خبرته في كل مراحل حياته. ويوجد إلى جانب المعلم عناصر أخرى ينبغي أن يهتم بها التنظيم الإداري مثل : التلاميذ، وتخصصاتهم ،ونشاطهم، رستو بهم، وانتقالهم من مرحلة إلى أخرى و إدارة تدفقاتهم للسنوات والمراحل الدراسية. آل ذلك ينتظم بفعل هياكل وكوادر تكتسب أهميتها من الخدمات التي تقدمها إلى هذين العنصرين: المدرس والتلميذ.
إن ملامح المنظومة التعليمية في العقود الماضية تظهر في الآتي:

- تدني مستوى المعلم ماديا " ومعنويا " ومهنيا " .

- النص على إلزامية التعليم لمرحلة التعليم الأساسي دون وضع ضوابط لتنفيذ هذا النص .

- مجانية التعليم في جميع المراحل والانفاق مركزي دون وضع آلية لمعالجة هذا المبدأ في ظل انتشار المدارس والجامعات الخاصة، وقصور ولي الأمر عن مواجهة تكاليف الدراسة للأبناء .

- التباين في فرص التعليم من مسار إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى .

- نمطية المناهج وطرق التدريس وأساليب التقويم.

- افتقار سياسة القبول في المؤسسات التعليمية المعيارية والتوازن والموضوعية .

- وجود معدلات عالية للتسرب دون وجود بيانات موثقة تحدد أعدادهم وقدراتهم .

- المخرجات في عمومها ليست في المستوى المطلوب نتيجة قصور الكثير منها عن أداء الوظائف الموكلة إليها.

  إن العنصر الذي يبرز نتيجة قصور وتقصير التنظيم الاداري في العقود السابقة عن القيام بواجبه على المستوى الوطني وصول كثافة الفصل الدراسي إلى أكثر من 25 تلميذا " ، في المقابل وصول معدل أستاذ / تلميذ الى ما نسبة 5:1 - على وجه العموم - بل إن هذه النسبة وصلت في بعض المناطق إلى 3:1 . 

   لا يمكن القبول في أي منظومة تعليمية يراد لها أن تعمل ولو بالحد الأدنى من الكفاءة وبها هذه المعدلات سواء في اكتظاظ الفصل الدراسي أو وجود عدد من المعلمين الزائدين عن الحاجة. مما يثير التساؤل : العدد الاضافي من المعلمين والنقص الحاد في بعض التخصصات ومن ثم فان الإشكالية القائمة تكمن في: 

أ – المبنى المدرسي (العدد، والتوزيع الجغرافي، والتجهيزات بما يناسب الوظيفة ويغطي الحاجة) .

ب – المعلمين ( إعدادا " وتدريبا" ، و إعادة تأهيل ومعيارية في التوظيف والتوزيع)
ومن نافلة القول التأكيد على الارتباط الوثيق بين الإدارة، والمنظومة التعليمية وما يتعلق بها من توظيف الوسائل والإمكانيات التعليمية المتوفرة على المستوى المحلي لإحداث تعليم فعلي ونوعي تتحقق من خلاله مستهدفات العملية التعليمية. 

  ومن الملاحظ أن الارتباط بين عملية التعليم في المدارس من جهة والمستلزمات التي تمتلكها المدارس من جهة أخرى هو ارتباط بسيط، والمطلوب :

• معرفة كيفية توظيف الوسائل والإمكانيات إلى نتائج ملموسة ومتجانسة في المؤسسات التعليمية . 

• كيفية جعل التلاميذ يحصلون على أكبر قدر ممكن من التعلم من خلال الوسائل المتوفرة في هذه المدارس.

إن العمل المنتظر هو: 

  ربط سير العمل بالتمويل والأداء وإنجاز المقارنات بين ليبيا والدول الأخرى في المؤشرات الرئيسية للتسيير والتمويل والأداء .

  وينبغي أن تتم المقارنات من خلال فريق وطني وليس من خلال الاستشارات الخارجية المنعزلة في غياب العنصر الوطني والعمل الميداني. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق