الصفحات

الخميس، 2 يونيو 2016

كتاب ليبيـا: الفرص الضائعة والآمال المتجددة

كتاب ليبيـا: الفرص الضائعة والآمال المتجددة

Summary2_Merza_Libya_Lost_Opportunities_&_Renewed_Hopesالناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, www.airpbooks.com, أغسطس/آب 2012, 500 صفحة. صدر في شهر آب من هذا العام Summary2_Merza_Libya_Lost_Opportunities_&_Renewed_Hopes كتابي المعنون “ليبيا: الفرص الضائعة والآمال المتجددة”. وسأعرض فيما يلي خلاصة للكتاب, في […]
د. علي خضير مرزا

الناشر: المؤسسة العربية للدراسات والنشر, www.airpbooks.com 

أغسطس/آب 2012 
شبكة الاقتصاديين العراقيين - صدر في شهر آب من هذا العام Summary2_Merza_Libya_Lost_Opportunities_&_Renewed_Hopes كتابي المعنون “ليبيا: الفرص الضائعة والآمال المتجددة”. وسأعرض فيما يلي خلاصة للكتاب, في أولاً, وهي مستلة من مقدمة الكتاب, ومحتوياته الرئيسية في ثالثاً. وفي ثانياً اقدم الشكر والتقدير للسادة الذين راجعوا الكتاب وقدموا مقترحات بناءة ساهمت بتحسينه بدرجة ملموسة.

وبالرغم من التباعد الجغرافي والمجتمعي بين العراق وليبيا غير أن قراءة الخلاصة, وبشكل اوسع قراءة الكتاب, ستبين أنه بالرغم من الاختلافات هناك مشتركات عديدة في التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التاريخية والتحديات المستقبلية.
أولاً: خلاصــة الكتاب (المقدمــة)
يحاول هذا الكتاب تقديم نظرة شاملة للتطورات الاقتصادية خلال العقود الخمس التي انتهت بتغيير نظام الجماهيرية في عام 2011. كما أنه ينصرف أيضاً إلى عرض تطورات سياسية واجتماعية ذات تأثير فاعل في المجال الاقتصادي خلال تلك العقود. وبحكم حقيقة أن أغلب هذه الفترة يقع خلال عهد الجماهيرية فإن الكتاب بطبيعة الحال يخصص جزءه الغالب لتغطية هذا العهد. ويمكن أن تساعد هذه النظرة على تفهم التطور اللاحق بعد تغيير النظام. إذ أن الممارسات والقواعد وأنماط السلوك التي سادت في ذلك العهد ستستمر في تأثيرها لسنوات عديدة في المستقبل. ففي ضوء حقيقة أن حوالي 81 بالمئة من الشعب الليبي يبلغ من العمر 50 سنة فأقل, فإن هذه النسبة الغالبة من المجتمع قد تعودت على تلك الممارسات والقواعد بالرغم من معرفتها, من خلال وسائل الأعلام والسفر, بوجود أنماط سلوك وقواعد ومؤسسات مختلفة بدرجة كبيرة في مجتمعات أخرى. إن طبيعة الممارسة والتكرار والتلقين اليومي المستمر تفرض أنماطاً من السلوك تتركز في اللاوعي وقد تظهر في ممارسات مستقبلية مشابهة.
وسيتناول الكتاب مواضيع متعددة ربما تتخطى قدرة الكاتب في بعض جوانبها. غير أن أثارتها وإخضاعها للنقاش والتدقيق سيقترب من توضيح الصورة الفعلية للمقومات الاقتصادية للمجتمع الليبي وتأثرها وتأثيرها في التطورات الاجتماعية والسياسية خلال الخمسة عقود المنصرمة بعيداً عن بعض التصورات والتبسيطات التي تُطرح في بعض وسائل الإعلام وفي بعض الكتابات.
ومن المناسب ابتداءً أن نلاحظ في كافة فصول هذا الكتاب أن درجة دقة البيانات والأرقام ومدى توفرها ستكون مشكلة بارزة بحيث تفرض دائماً الحذر في العرض وفي استخلاص النتائج والعبر والتعميم. ولعل مختلف الأنظمة السياسية الشمولية, ومنها ليبيا الجماهيرية, قد أدركت ضرورة الابتعاد عن بناء منظومة متماسكة وذات صدقية من البيانات والمعلومات. ففي نظام شمولي يصبح من المناسب للحاكم أن يكون المجتمع في وضع لايقيني. إذ أن عدم اليقين يتيح المناخ لتجنب التقييم والمراقبة والمقارنة ومن ثم المسائلة الموضوعية. لذلك تخلخلت البنية المؤسسية للبيانات بعد إعلان ما أُطلق عليه “سلطة الشعب” في 1977. وهناك حقيقة أثبتتها التجربة في مختلف الدول وهي أنه مهما انتشرت وتواصلت الجهات الخارجية والدولية التي تعد البيانات المختلفة عن دولة معينة تبقى الدولة وأجهزتها الإحصائية وحدها الجانب المؤهل لتوفير البيانات الأولية الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن الاعتماد عليها. وبغياب أو انعدام صدقية ودقة هذا المصدر الأولي فإن المعلومات الثانوية من أي جهة كانت تكون انطباعية في أحسن الأحوال. ومع ذلك فلقد توفر حد أدنى من البيانات والمعلومات الأولية أعدتها الأجهزة الإحصائية الرسمية وبما يساعد على أعطاء صورة تقريبية مناسبة لوصف التطورات خلال الفترة موضوع البحث بما في ذلك السنوات التي أعقبت عام 1977.
وبالرغم من مواضيعه المتعددة والمختلفة, فإن الكتاب يتبع مساراً مترابطاً مبتدأً من الباب الأول الذي يصف ويحلل تبعات كل من تغير تركيبة السكان والتغير السريع نسبياً في التوزيع الحضري/الريفي/البدوي وهيمنة النظام الجماهيري على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ثم ينتقل إلى العلاقات الخارجية ويبين الارتباط الوثيق بينها وبين التركيبة السكانية/الجغرافية ومتطلبات بقاء النظام (الباب الثاني). بعد ذلك يتطرق إلى إدارة اقتصادية تبدلت وتقلبت خلال أدوار ثلاثة تتابعت من مد ثوري ثم ركود اقتصادي/سياسي طويل الأمد ثم انصياع لتبدل الظروف الدولية (الباب الثالث). لقد صبت نتيجة التطورات المعروضة في الأبواب الثلاث السابقة في زعزعة أسس التنويع الاقتصادي. أولاً, في عدم تطوير الاحتياطات النفطية وإهمالها لفترة طويلة. ثانياً, في تعريض المصادر المائية للتدهور خاصة باستخدامٍ زراعي واسع غير مبرر. ثالثاً, في بناء هيكلٍ صناعي يستنفد من الموارد أكثر مما يضيف إليها. وأخيراً في خلخلة أسس الملكية الخاصة وإهدارها (الباب الرابع). وبالنتيجة وقع الاقتصاد والمجتمع والنظام السياسي في فخ ريعي أثبتت التجربة الدولية أن من الصعوبة الإفلات منه. وبعد أن قامت الانتفاضة وأطيح بنظام الجماهيرية فإن النظام البديل سيتأثر طويلاً بظروف وقواعد ومقومات الدولة الريعية التي ورثها (الباب الخامس).
في الباب الأول المعنون “السكان والنظام السياسي” يغطي الفصل الأول (من صيد الصحراء إلى الصيد الحضري) التطورات السكانية في ليبيا لنجد أن عدد السكان بلغ 6.4 مليون نسمة في 2010 (منهم 5.7 مليون ليبيون). ويعيش معظم سكان ليبيا في الشريط الساحلي الشمالي المحاذي للبحر المتوسط. كما يعيش في حواضر المدن 89 بالمئة من السكان أما الباقي ففي الريف وقسم يكاد أن يتلاشى من القبائل شبه الرحل. إن مجتمعاً تعوزه الأرض الزراعية/الماء لا يمكن أن يستمر بهذه النسبة من الحضرية بدون الريع النفطي. ومنذ أجراء أول تعداد سكاني في 1954 (وحتى آخر تعداد في 2006), تُبَيِن قصة الانتقال من البداوة/الريف إلى المراكز الحضرية أن جزءً مهماً من السكان أنتقل مباشرة من البداوة إلى هذه المراكز بدون المرور بالتوطن الريفي/الزراعي. وكان ذلك يمثل انتقالا من صيد الصحراء إلى صيد الريع النفطي ونقل القيم البدوية/القبلية إلى المدينة. ذلك أن تجربة الدول الأخرى, بما فيها ليبيا, بينت أن المرور بالريف/الزراعة يتيح مجالاً لتخفيف القيم البدوية الرعوية من خلال اكتساب قيم الجد والعمل التي تتطلبها الزراعة. وفي الوقت الحاضر فإن الهرم السكاني يتسم بانتفاخه الوسطي, إذ أخذت نتائج توسع الولادات خلال الفترة 1954-1984, تتبين في توسع وسط الهرم وضيق قاعدته الآن. ويؤدي التوسع أو الانتفاخ الوسطي للهرم السكاني إلى زيادة عرض العمل بأسرع من النمو السكاني. ولقد زاد من هذا العرض مشاركة أوسع للمرأة في سوق العمل. وكان نتيجة ذلك توسع البطالة وزيادة معدلها حتى وصل إلى 21 بالمئة عام 2006.
يتناول الفصل الثاني تاريخ ليبيا وجغرافيتها والنظام السياسي وتطور الطبقة المتوسطة في عهد الجماهيرية. ويلاحظ أن ليبيا عبر تاريخها لم تكون وحدة متماسكة, بل كانت تنقسم إلى ثلاث أقاليم؛ إقليم شرقي أقرب للمشرق العربي وآخر غربي أقرب للمغرب العربي وثالث جنوبي أقرب إلى أفريقيا. وبالرغم من أن نظام الجماهيرية حاول فرض وحدة جامعة إلا أن الاختلافات بين هذه الأقاليم استمرت إلى يومنا الحاضر. لقد تحول النظام السياسي الذي أعقب النظام المَلَكي في عام 1969 إلى نظام الحزب الواحد بعد أن وعد بالإصلاح والحرية. فبعد تجربة فاشلة في إقامة حزب واحد, على غرار الاتحاد الاشتراكي الناصري, بدأ القذافي “بثورة ثقافية” في 1975/1977 لتأسيس حكم الحزب الواحد من خلال اللجان الثورية. ولقد أصبحت الجماهيرية, بعد إعلان سلطة الشعب, مثالاً لدولة شمولية يسيطر عليها “الأخ الكبير” من خلال بنية رسمها في “الكتاب الأخضر” وطبقها في تكوين هياكل وتنظيمات سياسية ومناطقية أتاحت له الهيمنة على النظام السياسي والتأثير في التطورات الاجتماعية والاقتصادية الفاعلة بدون أن يخضع للمسائلة. ولاشك أن هذه الهيمنة وانعدام المسائلة ما كان يمكن أن تكتمل بدون سيطرة موازية على الطبقة المتوسطة. فمن خلال توسع الاستخدام في أجهزة الدولة ومنشآت القطاع العام, فأن هذه الطبقة ترعرعت في “قفص” الدولة وتحت سيطرتها. ولقد نتجت هذه السيطرة من تبعية اقتصادية تعود إلى مصدر الدخل وتبعية سياسية/أمنية تعود إلى القضاء على التيارات السياسية المناوئة بالقوة والعنف وفرض الإيديولوجية الجماهيرية وقيام نظام شمولي أمني. ويلاحظ في هذا الفصل أن الطبقة المتوسطة في ليبيا قد تستمر بمتبقٍ من هذه التبعية لفترة قد تطول أو تقصر, مع كل ما يعنيه ذلك من تأثير على إمكانية التغيير السياسي والاقتصادي في المستقبل (وهذه النقطة ستثار مجدداً في فصل 17).
في الباب الثاني المعنون “العلاقات الخارجية والحفاظ على النظام السياسي”, يتطرق الفصل الثالث إلى السياسة الخارجية التي ارتبطت ارتباطا وثيقاً بالنظام السياسي الذي تعرض له الفصل الثاني. ولقد تراوحت العوامل التي أثرت في السياسة الخارجية من العوامل الموضوعية التي تتعلق بالأمن الوطني والعلاقة مع الدول المجاورة إلى العوامل الإيديولوجية والتوجهات الشخصية للقذافي. إن الحفاظ على وحدة ليبيا وضعف التماسك الداخلي قاد في مختلف العهود إلى سياسات خارجية وترتيبات إقليمية اُتبعت لحماية النظام القائم والحفاظ على وحدة البلاد. ففي العهد الملكي كانت القوى الغربية تحمي النظام وتماسك البلاد من خلال القواعد العسكرية. وعندما تغير النظام الملكي, ومن خلال منصة التوجه العروبي, لجأ النظام الجديد إلى ترتيبات مختلفة تمحورت على التقارب مع الدول المجاورة في محاولات لإسناد النظام وشرعيته. لقد كانت جميع هذه المحاولات آنية يستهدف منها الجمهور الداخلي وليس الوحدة التي تنطوي على التخلي عن السيادة الوطنية. ولإدامة زخم المد الثوري, الذي كان أساسياً للقضاء على التهديد الداخلي, لجأ النظام إلى المغامرات الخارجية مستنداً إلى وجود الإتحاد السوفيتي كموازن للمعسكر الغربي, من ناحية, وتوفر التمويل النفطي, من ناحية أخرى. فلقد قام بتمويل حركات تحرر وكذلك عمليات إرهابية ودخل في مغامرة عسكرية في تشاد. واستمر الأمر بعد انهيار الإتحاد السوفيتي بمحاولة بناء برنامج نووي (وكيمياوي وبيولوجي) الذي تبين بعد التخلي عنه أنه كان مشروعاً استطلاعياً صغيراً. كل هذه المحاولات كان هدفها إسناد وإضفاء شرعية للنظام أمام التهديد الحقيقي للجماعات المناوئة وخطر انفصام الوحدة الوطنية ووحدة التراب الليبي من الداخل. وبعد التغيير, سيزداد تفاعل الانقسام الداخلي, التي ظهرت بوادره, والتدخل الخارجي لدول الناتو والدول الأخرى في التأثير في السياسة الخارجية.
ويلاحظ في أغلب الدول أن السياسة الخارجية تتأثر بشكل أو بآخر بالتطورات التي تتعلق بالدول المُستلمة لصادراتها وتلك التي تُجهزها بسلع أساسية وإستراتيجية. غير أن هذا الأمر يبدو مختلفاً في الحالة الليبية. وينبع ذلك من حقيقة أن ليبيا تُصَدِّر مجموعة سلعية واحدة في حين تستورد تقريباً جميع السلع الأخرى. إن هذا النمط من التجارة أعطى السياسة الخارجية حرية ما كان يمكن أن تتوفر في ظل نمط آخر. إن الطلب على النفط الليبي المرغوب خاصة في أوربا, من ناحية, وعضوية ليبيا في الأوبك, من ناحية أخرى, جعل من أسواق التصدير مناطق “آمنة”. وبالنتيجة فإن الحفاظ عليها لم يكن من أسبقيات السياسة الخارجية طالما كان يمكن تصدير النفط الليبي فعلياً إلى أي سوق. أما في حالة الواردات ونتيجة لتعدد مناشئها فلقد كان الاستيراد ممكناً لمعظم السلع بدون خشية من المقاطعة. لهذه الأسباب كانت السياسة الخارجية الليبية مستقلة عن اتجاهات تجارتها الخارجية. وحتى انهيار الإتحاد السوفيتي وفرض العقوبات الدولية  في 1992, لم تؤدي التقلبات في العلاقة مع الدول الأخرى في التأثير عموماً في اتجاهات التجارة الخارجية.
فمن استعراض نمط الصادرات السلعي والجغرافي في الفصل الرابع يلاحظ تركزاً شديداً في السلع والمناطق الجغرافية. فخلال الثلاث عقود والنصف الماضية لم يتغير النمط السلعي للصادرات. فلقد استمرت ليبيا بتخصصها الشديد بتصدير السلع النفطية. وبالرغم من بعض التغير الجغرافي خلال هذه الفترة استمرت ليبيا في صادرتها (النفط) بخدمة الأسواق القريبة. من ناحية أخرى, تستورد ليبيا السلع المختلفة من مناشيء متعددة. وفي خلال العقد الأخير تعرض النمط الجغرافي للواردات إلى تغير بارز. إذ استطاعت المناشيء الآسيوية أن تزيد حصتها في السوق الليبية من ما يعادل ربع واردات ليبيا من أوربا في 2001 إلى حجم مساوي لهذه الواردات في 2009. وتبرز الصين وتركيا كمصادر متنامية. ويؤشر ذلك السياسة التركية الفعالة في توسيع حصتها ليس فقط في السوق الليبية ولكن في السوق العربية عموماَ. ونتيجة لتنفيذ البرنامج التنموي 2008-2012 والتوسع الاستثماري الذي سبقه تضاعفت حصة المعدات والسلع الرأسمالية في مجمل الواردات من حوالي الثلث في بداية العقد إلى أكثر من الثلثين في نهايته.
وقبل الانتقال إلى الباب الثالث, قد يستفيد القارئ من قراءة ملحق الباب الثاني (فصل 18) والمتعلق بعضوية منظمة التجارة الدولية, في نهاية الكتاب. ويندرج ذلك الملحق في باب العلاقات الخارجية, ولكن بسبب طبيعته الفنية الاقتصادية المتخصصة, آثرنا وضعه في نهاية الكتاب.[i]
يشتمل الباب الثالث المعنون “أدوار الإدارة والسياسات الاقتصادية” على خمسة فصول. يتعرض فصل (5), من ضمن هذا الباب, إلى الهيكل المؤسسي للإدارة الاقتصادية والتخطيط في ظل نظام اقتصادي هجين يقوم على هيمنة الدولة الاقتصادية والسياسية وعلى قطاع خاص تابع في الاقتصاد الرسمي وفي اقتصاد الظل. ومنذ بداية ستينات القرن الماضي حتى سقوط الجماهيرية يمكن تمييز ثلاثة أدوار (متداخلة): الأول يغطي الفترة 1963-1977, والثاني 1975-1999 والثالث 1999-2010. ففي خلال العهد الملكي حاولت الإدارة الاقتصادية قبل عام 1961 إدامة المستوى المعيشي وتأمين حد أدنى من الاستثمارات في البنى الأساسية من خلال موارد مالية متواضعة تمثل المعونات الخارجية التي ربطتها بالدول الغربية المانحة نسبة مهمة منها. وبعد بداية تصدير النفط في 1961 أخذت الإدارة الاقتصادية برسم الخطط للإنفاق على البنى الأساسية والاجتماعية. وأستمر ذات الأمر بعد انقلاب 1969 حتى إعلان “سلطة-الشعب/الجماهيرية” في 1977. وبعد هذا العام ولأكثر من عقدين من الزمن وحتى نهاية القرن العشرين تخلخل هيكل الدولة ومعه الإدارة الاقتصادية والتخطيط ليتواءم مع المد الثوري الذي استمر عنفوانه من 1977 وحتى انهيار عوائد النفط في منتصف الثمانينات. بعد ذلك فقد الجهاز الإداري والإدارة الاقتصادية المركزية عنصر المبادرة والتخطيط وضمر دور وزارة التخطيط التي كانت رمزاً للتنمية في العهد الملكي وتَوَسُعْ دور القطاع العام في العهد الجمهوري/الجماهيري. وكان نقل الجهاز الإداري للدولة في أواخر ثمانينات القرن الماضي إلى سرت شاهداً على ضمور الإدارة المركزية. ولقد تأصل هذا الضمور بعد فرض العقوبات الدولية في 1992. وأستمر الحال كذلك حتى أدركت القيادة السياسية, بعد انهيار الإتحاد السوفيتي, أن المغامرات الدولية لن تكون بمنأى من العقاب. لذلك ترافق التنازل عن السياسات التدخلية الخارجية مع تنشيط الإدارة الاقتصادية والبدء بسياسات حذرة لإعادة بعض المجال للنشاط الخاص. وفي هذه الأثناء أخذ دور وزارة التخطيط بالانتعاش تدريجياً. وبعد عام 2002 تسارعت خطى الانفتاح. وسمح ارتفاع أسعار ومن ثم عوائد النفط بالابتداء ببرامج استثمارية كبيرة كان لوزارة التخطيط دور متنامي في المشاركة بإعدادها من ضمن برامج تنموية توِجَت بالبرنامج التنموي 2008-2012.
ومن ضمن أدوار الإدارة الاقتصادية الثلاث هذه يتناول الفصل السادس أثر الإدارة الاقتصادية/التخطيط في النمو الاقتصادي وتطور المستوى المعيشي. إذ يلاحظ تطور سريع في النمو الاقتصادي والمستوى المعيشي في الدور الأول ثم ركود في النمو وتدهور في المستوى المعيشي في الدور الثاني إلى استعادة النمو وتحسن المستوى المعيشي في الدور الثالث. كل ذلك يبين بشكل واضح تأثر النمو الاقتصادي والمستوى المعيشي بفعالية أو ركود الإدارة الاقتصادية. ويتبين من العرض أيضاً أن النصف الثاني من العقد الأول في هذا القرن شهد نقلة كمية في حجم النشاط الاستثماري العام من خلال البرنامج التنموي 2008-2012, الذي ركز على البنى الأساسية والإسكان ورأس المال الاجتماعي بالإضافة للقطاع النفطي. وكانت ليبيا بحاجة شديدة للاستثمار في هذه المجالات بعد سنوات الركود وتدهور الأصول الرأسمالية المختلفة خلال أكثر من عقدين, منذ منتصف الثمانينات. لقد توقف تنفيذ هذا البرنامج بعد سقوط نظام الجماهيرية. ومن المناسب التشديد على الحاجة لتفعيل هذا البرنامج أو صورة معدلة منه وضرورة ذلك لإعادة الأعمار في الأمد القصير/المتوسط واستمرار البناء في الأمد الطويل. كما لا ينبغي تصوير هذا البرنامج وكأنه تركة من تركات النظام السابق التي يمكن التخلي عنها.
وبما أن ما يميز معظم الدول النفطية هو الثروة المالية المتجمعة خاصة في صناديقها النفطية/السيادية يحاول الفصل السابع تقدير هذه الثروة في ليبيا والتي تتألف من احتياطي العملات الأجنبية (بما فيه ما يسمى حساب “المُجَنَبْ” أو صندوق الاحتياطي النفطي) والاستثمارات الخارجية. ذلك أن وسائل الإعلام تمتلئ بتقديرات غير محددة يختلط بها الواقع والمبالغة. وتتراوح التقديرات المعروضة في هذا الفصل لهذه الثروة كما كانت في نهاية 2010 بين 149 و184 مليار دولار. وسيلاحظ في فصل (17) أن أحداث 2011 من مدفوعات للاستيراد وللمجاميع المسلحة والحرب وما أشيع عن استيلاء بعض أفراد العائلة الحاكمة, عند فرارهم إلى خارج ليبيا, لن يغير من حجم هذه الثروة بشكل جوهري. بعبارة أخرى سيكون لدى العهد الجديد مخزون كبير مما تبقى منها وهو ليس قليلاً. وبالإضافة لتقدير حجم الثروة النفطية عرض الفصل لمؤسسية إدارة هذه الثروة من خلال مصرف ليبيا المركزي (الاحتياطي) والمؤسسة الليبية للاستثمار (المجنب والاستثمارات الخارجية) وأورد بعض الملاحظات حول تواضع الشفافية في الإدارة وإستراتيجية الاستثمار وتوفر البيانات.
يستعرض الفصل الثامن تاريخ التضخم في ليبيا خلال الأربعة عقود الماضية التي توفرت عنها البيانات. ويلاحظ بشكل عام أن التضخم يتأثر بأسعار الواردات وفجوة الطلب/العرض المحلية بالإضافة للتوقعات حول التضخم نفسه. وبالإشارة لأدوار الإدارة الاقتصادية والتخطيط التي عُرضت في الفصل السادس, فإن التضخم كان معتدلاً نسبيا خلال الدورين الأول والثالث. وكان يرتفع خلال هذه الفترات عندما ترتفع أسعار الواردات وينخفض بانخفاضها. أما خلال الدور الثاني فكان لسياسات الحماية الكمية وبعد ذلك انخفاض عوائد النفط وتقييد الاستيراد ثم شيوع الأسواق الموازية تأثير كبير في ارتفاع معدل التضخم خلال هذا الدور. وقد لوحظ أنه خلال الدور الثالث (1999-2010) فإن ارتفاع النفقات الاستثمارية (والنفقات) الأخرى في الميزانية العامة بشكل كبير لم يؤدي إلى تخطي قيود الطاقة الاستيعابية للاقتصاد. وبالنتيجة فإن معدل التضخم خلال تلك الفترة الفرعية كان يقرره أيضاً تغير أسعار الواردات أكثر منه ضغط الطلب (أو الإنفاق) المحلي. ولقد ساعد في تخفيف أثر ضغط الطلب على المستوى العام للأسعار, الذي كان يمكن أن ينشأ من ارتفاع لإنفاق الاستثماري, إتباع سياسة مالية تجنبت التمويل بالعجز, من خلال تحقيق ميزانية متوازنة. هذا بالإضافة إلى سياسة نقدية محافظة تابعة للسياسة المالية. وبالنتيجة يمكن القول أن التحذير الذي كان صندوق النقد الدولي يثيره ضد زيادة النفقات في الميزانية العامة في ليبيا خلال العقد المنصرم, خشيةً من تسارع التضخم,  لم يكن مبرراَ.
يتعرض الفصل التاسع إلى الخصخصة. إن توجه ليبيا نحو الخصخصة مسألة فرضتها الظروف الدولية من ناحية وتواضع أداء المنشآت العامة, عموماً, من ناحية أخرى, بالرغم من أنها تتناقض مع أيديولوجية النظام. فالجماهيرية “اشتراكية” وفسح المجال أمام القطاع الخاص يتيح هامشاً من التأثير الاقتصادي الذي قد يتحول إلى تأثير سياسي لا يتوافق مع توجهات النظام الشمولية. غير أن العبء الذي أخذت ترتبه إعانة منشآت القطاع العام على الميزانية العامة منذ ثمانينات القرن الماضي دفع إلى تخليص القطاع العام من بعض المنشآت الخاسرة. ولقد تركزت التجربة خلال نهاية الثمانينات/بداية التسعينات في نقل الملكية إلى العاملين ليتجنب النظام أي إنعاش حقيقي للقطاع الخاص. ولكن نتج عن ذلك استمرار خسائر هذه المنشآت بعد التمليك. بعد ذلك توقف نشاط الخصخصة لمدة عقد ونصف. ولكن نتيجة لاستمرار تراكم الخسائر/الديون للعديد من منشآت القطاع العام وتمشياً مع سياسة الانفتاح في بداية الألفينات تم تبني برنامج جديد للخصخصة وهو برنامج 2004-2008. وحتى نهاية 2010 فإن الإقبال على تملك المنشآت العامة المعروضة للخصخصة كان ضعيفاً كما أن معظم الوحدات التي تمت خصخصتها (82 بالمئة من قيمة أصول المنشآت المعروضة) تملكتها المؤسسة الليبية للاستثمار التي هي في النهاية جزء من القطاع العام. ويلاحظ أن الفئة الحاكمة ومستفيديها لم تحاول جدياً تملك أو المساهمة في المنشآت المعروضة للخصخصة. وربما كان للديون المتجمعة التي تعاني منها ومشاكل العمالة فيها, الخ, أثر في عزوف القوى المتنفذة عنها.
يتطرق الباب الرابع إلى أسس زعزعة التنويع الاقتصادي التي نتجت عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتقلبات السياسية والمؤسسية خلال العقود المنصرمة. ولقد أمتد ذلك من إهمال تطوير الاحتياطيات والطاقة الإنتاجية النفطية إلى الاستخدام الجائر للمياه واستنفاد مصادره المتجددة, خاصة من قبل الزراعة, إلى أتباع سياسات أحلال الواردات وسوء الإدارة والسياسة الصناعية وأخيراً خلخلة أسس الملكية الخاصة ودفع القطاع الخاص/العائلي نحو اقتصاد الظل بعيداً عن النشاط الإنتاجي طويل الأمد.
يبدأ هذا الباب في الفصل العاشر بأهم النشاطات الإنتاجية وهو النفط الخام والغاز. فمنذ اكتشافه في الخمسينات وبداية الإنتاج والتصدير في أوائل ستينات القرن الماضي كانت عوائد الدولة من هذا النشاط تمثل أهم عامل في التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ومع ذلك فإن الطاقة الإنتاجية والإنتاج تدهورا بشكل ملفت للنظر خلال العقود الأربعة الماضية. فبينما بلغ الإنتاج حوالي 3 م ب ي (مليون برميل/يوم) في 1970 فإنه أنخفض إلى 2.1 م ب ي في 1979 ووصل إلى اقل من مليون برميل في 1984 ليرتفع باعتدال إلى متوسط مقداره 1.62 م ب ي في العقد المنصرم (2001-2010). وكان ذلك انعكاسا لعملية تفاعلية من إهمال تطوير الاحتياطيات والطاقة الإنتاجية, من ناحية, والتوقعات بشأن حجم هذه الاحتياطيات, من ناحية أخرى. وفي الوقت الحاضر يلاحظ في هذا الشأن اختلاف الآراء حول حجم الاحتياطيات ويثار شك حول تفسير الأرقام المنشورة بخصوصها. ففي الوقت الذي تعني الأرقام المنشورة للاحتياطيات النفطية هي تلك المتبقية أو المتاحة منذ تاريخ نشرها إلى المستقبل, يرى بعض الخبراء الليبيون أن هذه الأرقام تمثل كمية النفط عند اكتشافها وليس المتبقي منها. بعبارة أخرى للوصول إلى الرقم المتبقي ينبغي طرح ما تم أنتاجه منذ بداية ستينات القرن الماضي حتى الآن. إن هذه الشكوك حول الاحتياطيات وحقيقة تدهور الطاقة الإنتاجية منذ السبعينات وضعف آفاق اكتشافات كبيرة في المستقبل ترجح تزايداً معتدلاً لإنتاج النفط والغاز مستقبلاً (من مستواه البالغ 1.69 م ب ي في 2010). كما أنها تثير التساؤل حول المدى الزمني المتبقي لإنتاج النفط. يتعرض الفصل بعد ذلك إلى طبيعة الاتفاقيات النفطية مع الشركات الأجنبية. حيث يلاحظ أن ليبيا استمرت باتفاقيات المشاركة في الإنتاج لأغلب حقولها النفطية والغازية. ولقد مرت هذه الاتفاقيات بتغييرات خلال الأربعين سنة الماضية, من ناحية نسبة المشاركة والإتاوة والضريبة وغيرها. واعتبارا من 2005 أخذت الدولة بتبني ما يطلق عليه شروط الجولة الرابعة:
Exploration and Production Sharing Agreement, EPSA-4
حيث في مقابل زيادة حصة المؤسسة الوطنية للنفط في الإنتاج (عن النسب السائدة في الاتفاقيات القائمة) تتحمل المؤسسة الإتاوة والضريبة على الشريك الأجنبي. وحتى نهاية 2010 طُبِقت شروط هذه الجولة على العقود الجديدة وبعض العقود القائمة. ويتم في هذا الفصل مقارنة العوائد من شروط الجولة الرابعة مع شروط الجولة الثالثة على العقود القائمة. ويتوصل إلى نتيجة مفادها أن تطبيق شروط الجولة الرابعة على بعض العقود القائمة لم يؤدي إلى تغيير مهم في عوائد الدولة (المؤسسة الوطنية للنفط والخزانة) من هذه العقود بين الجولتين.
يتعرض الفصل الحادي عشر بعد ذلك إلى أهم مصدر طبيعي مع النفط, وهو الماء. ويتسم هذا المصدر بالشح في ليبيا. ويتبين في هذا الفصل أن المصادر المتجددة للمياه في ليبيا في تدهور مستمر نتيجة لندرة هذه المصادر أولاً والاستخدام الجائر ثانياً. حيث يظهر أن 17 بالمئة فقط من الاستهلاك السنوي للشخص (835 م3/شخص) في 2008 تم تجهيزها من مصادر متجددة (الأمطار والآبار والعيون المتجددة, الخ). ومع أن تشييد النهر الصناعي أدى إلى إشباع قسم مهم من الحاجة المائية إلا أنه مصدر ناضب ومحدود. كما أن الأرقام التي  نشرت حول حجم المخزون فيه ومدى استدامة السحب منه تتسم بالضبابية وعدم اليقين. لهذه الأسباب فإن مستقبل الموازنة المائية يمثل في ليبيا منظوراً حرجاً ينبغي مواجهته بحزمة من الاستثمارات والسياسات. فمن ناحية المصادر الإضافية التي يمكن أن تشبع الطلب المستقبلي, يتبين أن هناك مصدرين هما تحلية مياه البحر واستيراد المياه من أفريقيا. إن المشاكل السياسية والتكنولوجية واللوجستية والثمن العالي الذي يجب دفعه لمثل هذه الاستيراد يُرجح الاعتماد على تحلية المياه مستقبلاً لإشباع جزء متزايد من الحاجة أليها. أما من ناحية السياسات فينبغي تغيير نمط وبنية الاستخدام باتجاه ترشيد استخدامه من خلال الإرشاد وتطوير طرق الترشيد والسياسة السعرية. وأخيراً وليس آخراً تقرير مدى وحجم الاستخدام الزراعي للمياه. وهذا ينقلنا إلى الفصل الثاني عشر.
يبدأ هذا الفصل بمؤشرات مثيرة عن استخدام الزراعة للمياه حيث تستنفد الزراعة أكثر من ثلاثة أرباع المياه المُستعملة (في 2008) في الوقت الذي بلغت مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي أقل من 3 بالمئة كما أن نسبة سكان الريف من مجموع السكان هي أقل من 11 بالمئة ويؤلف العاملون الليبيون في الزراعة حوالي 9 بالمئة من مجموع العاملين الليبيين ككل. كما أن مساهمة الزراعة في إشباع الاستهلاك المحلي من الغذاء انخفضت من الثلاثة أرباع في بداية العقد المنصرم إلى النصف في نهايته. بهذه المساهمات المنخفضة للزراعة كيف يمكن تبرير تجهيزها بأكثر من ثلاثة أرباع الاستعمال الكلي السنوي لمصدر ناضب وأخذ يتسم بالندرة بمرور الزمن؟
بعد ذلك يستعرض الفصل توزيع الأراضي الزراعية واستخدامها وأنظمة حيازتها. ويلاحظ أن الإصلاح الزراعي الذي أعقب عام 1969 حوَّل الحيازة من ملكيات خاصة وسيطرة قبلية في العهد الملكي إلى حيازات خاصة صغيرة وملكية الدولة لحيازات كبيرة والذي نتج عنها أضعاف السيطرة والنفوذ القبلي. وفي أواخر العهد الجماهيري (2007) كانت الحيازات الخاصة تؤلف 99.93 بالمئة من عدد الحيازات مع متبقي ضئيل لمزارع الدولة. وبالنتيجة أدى صغر الحيازات الخاصة وهيمنتها على مجمل المساحة الزراعية إلى إتباع أساليب إنتاج لا تشجع على استغلال وفورات الإنتاج الكبير ولا الكفاءة في استخدام المياه.
ويمكن تشخيص ثلاثة عهود في دور القطاع الزراعي في إشباع الحاجة للغذاء أو ما أصبح يطلق عليه في عهد الجماهيرية “الاكتفاء الذاتي”. ففي العهد الأول الذي أستغرق الفترة 1962-1977 أخذ الاكتفاء الذاتي (نسبة الطلب المحلي الذي يشبعه الإنتاج المحلي) بالتناقص مبتدأً من 66 بالمئة في عام 1962 ومنتهياً بحوالي 28 بالمئة في عام 1977. وبعد بداية عهد الجماهيرية في 1975/1977 أخذ النظام بتشجيع الاكتفاء الذاتي من خلال مزيج من زيادة الإنتاج وتحديد الاستيراد بحيث ارتفعت النسبة إلى 81 بالمئة عام 1999. أما في العهد الثالث الذي ابتدأ في 2000 فلقد عادت درجة الاكتفاء الذاتي إلى الهبوط حيث انخفضت إلى 52 بالمئة عام 2009. ومن الجدير ذكره أن زيادة درجة الاكتفاء الذاتي خلال الفترة 1977-1999 رافقها انخفاض حصة الشخص من الغذاء.
ينتهي الفصل في جواب عام على التساؤل المطروح في بدايته حول استهلاك الزراعة المفرط من المياه باقتراح ترشيد التوسع في الإنتاج الزراعي من خلال الموازنة بين الاعتبارات الاقتصادية (كلفة توفير المياه مع كلفة استيراد الأغذية) والاعتبارات الإستراتيجية والسياسية والاجتماعية.
يعرض الفصل الثالث عشر لتجربة التصنيع في الجماهيرية ليستشف منه بالنهاية خيبة الأمل من نشاط أثبت لحد الآن أنه, بشكل عام, يستهلك أكثر مما يضيف. وبذلك فقد فشل في أن يكون ركناً من أركان التنويع الاقتصادي. فبالإضافة للمنتجات النفطية والبتروكيماوية ركز عهد الجماهيرية على صناعات أحلال الواردات ليتبع مساراً أتبعته العديد من الدول النامية. لقد أثبتت تجارب الدول الصناعية والدول الآسيوية الصاعدة أن تسريع نمو إنتاجية العمل في الصناعة التحويلية يعتبر أهم وسيلة لتسريع النمو الكلي وتغيير الهيكل الاقتصادي من هيكل متخلف إلى آخر متقدم. ولكن بدل أن تكون القائد في نمو الإنتاجية في الاقتصاد ككل فإن الصناعة في ليبيا تخلفت عن باقي القطاعات ولم تستطع من جر الاقتصاد معها إلى نمو مستديم. هذا بالرغم من أن إنتاج الصناعة التحويلية نما بشكل سريع خلال الفترة 1970-1993. ويتبين من العرض أن النمو السريع خلال تلك الفترة كان بسبب الحماية الكمية وإعانات الميزانية ونمو صادرات المنتجات النفطية والبتروكيماويات. غير أن هذا النمو لم يكن مستديماً. ذلك أن النمو المستديم لا يكون بالنمو الكمي فقط وإنما ينبغي أن يكون الإنتاج مجزياً أي مربحاً. ويبين الفصل أن المنشآت الصناعية كانت, في المتوسط, غير مربحة كما يدل عليه ارتفاع نقاط التعادل وانخفاض استغلال الطاقات الإنتاجية في كافة الفروع الصناعية التي عرضت فيه. إضافة لذلك فإن مشاكل الاستخدام الزائد وتخلف الإدارة الصناعية العامة وتقزيم القطاع الخاص والحماية الكمية كلها ساهمت في هذا الأداء الاقتصادي المتواضع بالرغم من النمو الكمي المرتفع نسبياً. وبعد الانفتاح وإزالة الحماية الكمية وتخفيض التعرفة (إلى صفر بالمئة عدا عن ضريبة استهلاك منخفضة) تدهور الإنتاج الصناعي كمياً بعد عام 2001, هذا إضافة لاستمرار انخفاض كفاءته.
ومن استعراض الهيكل الصناعي يتبين أن 60 بالمئة من الإنتاج مصدره صناعات نفطية (منتجات التكرير والبتروكيماويات) مع وحدات أخرى موجهة حصراً (عدا الحديد) لإشباع السوق المحلي. وبالارتباط بهذه الحقيقة, فإن الصناعات التصديرية هي بمعظمها منتجات نفطية. لقد تحقق التصدير لبعض منتجات التكرير نتيجة لاختلاف نمط الإنتاج في وحدات التكرير (التي تتسم عموماً ببساطتها) عن نمط الطلب المحلي. أما البتروكيماويات فإنها أساساً منتجات أولية (أثلين, بوليأثلين, بروبلين, سماد, الخ) موجهة للتصدير ولا يتسع الطلب المحلي لاستيعابها. ويلاحظ الفصل أن الصناعات البتروكيماوية قد تكون صناعات واعدة ولكن بعد تطويرها من خلال التوجه نحو المنتجات الوسيطة وربما بعض المنتجات النهائية والتي قد يمكن تسويقها من خلال النفاذ إلى الأسواق الواسعة لدول منظمة التجارة الدولية. وتبرز منتجات الحديد كصناعة تصديرية يمكن تطويرها إذا ما تم إعادة هيكلتها لتخليصها من الخسائر والعمالة الزائدة فيها. إن محاولة خصخصة هذه الصناعة بالشكل الذي جرى فيه للصناعات الأخرى قد لا يحل مشاكلها وإنما ينبغي إيجاد المستثمرين الراغبين (محليين وأجانب) لتخليصها من مشاكلها وأدارتها على أسس تجارية سليمة.
ويخلص الفصل إلى نتيجة مركزية وهي أنه بعد سياسة أحلال الواردات التي سادت في السبعينات والثمانينات فإن السياسة الصناعية انتهت إلى دور سلبي تمثل في التخلص من تبعات السياسة السابقة بشكل تعثري من خلال التمليك (الخصخصة) في نهاية الثمانينات/بداية التسعينات وأوائل الألفينات. وأمتد هذا الدور إلى تبني سياسات عامة وإصدار تشريعات وقوانين وتعليمات هدفت إلى حفز الاستثمار في القطاع الخاص. غير أن هذا الدور السلبي لا يمثل سياسة صناعية فعالة, وذلك بسبب أولاً, صغر هذا القطاع وعدم ثقته بجدية سياسات الدولة وبالذات استمرار شبح مقولات الكتاب الأخضر في معاداة الملكية الخاصة, وثانياً فإن السياسات والتشريعات المتبناة كانت إجراءات منعزلة غير منسقة. في حين كان ينبغي توفير خلفية لتطبيق القوانين والتعليمات تبدأ في تغيير البنية المؤسسية من جهاز إداري فعال وشفاف وكفوء يقوم على تشخيص المستثمرين وجذبهم وزيادة ثقتهم بجدية السياسات وتوفير متطلبات نجاحهم ومتابعة وتقييم التطبيق. إن وجود سياسة صناعية فعالة في ليبيا لتشجيع ومساعدة القطاع الخاص وتطور الإنتاج الصناعي تتطلب توجه وإجراءات واضحة جرى التعرض لها في هذا الفصل.
يتعرض الفصل الرابع عشر إلى ما يطلق عليه اقتصاد الظل أو الأسواق الموازية أو غير الرسمية أو غير المنظمة أو غير الملاحظة أو الرمادية لوصف نشاط مهم وكبير من النشاطات الاقتصادية الذي لا تتوفر عنه مشاهدات أو إحصاءات أو سجلات نظامية مستمرة. وتشمل هذه النشاطات الوحدات التحت-أرضية (لغرض التهرب من الضريبة أو تجنب دفع رسوم التسجيل أو استخدام العمالة غير المسجلة لتجنب المشاركة في رأس المال أو مدفوعات الضمان الاجتماعي, الخ) أو نشاطات في القطاع العائلي الصغير أو نشاط الاستهلاك الذاتي أو النشاطات غير القانونية (كالتهريب, الكحول, الخ).
وُيعْتَقد أن اقتصاد الظل كبير ومهم في ليبيا. أولاً, لأن معاداة النظام الجماهيري للمِلْكية الخاصة لعبت دوراً كبيراً في أتساع هذا الاقتصاد. ثانياً, فإن القيود الإدارية والقانونية والمؤسسية على النشاط الاقتصادي تدفع دائماً إلى توسعه (كما حدث بشكل واضح خلال الفترة 1986-2001 في أتساع الأسواق الموازية للسلع والعملة). ثالثاً, أتساع التعامل بالنقود والابتعاد عن التعامل المصرفي تخوفاً من المصادرة أو تهرباً من الضريبة أو لعدم توفر وثائق رسمية, الخ. رابعاً, ميل الوحدات العائلية الإنتاجية الصغيرة الابتعاد عن الولوج في دائرة الاقتصاد الرسمي عموماً. هذا إضافة لعوامل أخرى تعرض لها الفصل الرابع عشر. وليس هناك مشاهدات مباشرة عن حجم  هذا النشاط في ليبيا. ولكن اعتمادا على العناصر التي تُشمل في هذا النشاط فإن التقديرات غير المباشرة المتوفرة تضعه ما بين 31 و40 بالمئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي في ليبيا. إن السياسات التي تهدف إلى دفع هذا الاقتصاد المهم إلى دائرة الضوء (الاقتصاد الرسمي) تنطوي على إجراءات وخطوات أهمها تحديد حدود ومأسسة الملكية الخاصة وتوفير التمويل الصغير وتوفير الأرضية والحوافز لتطبيق السجلات المنظمة والتعامل المصرفي, الخ. ويقود هذا الشمول إلى توفير المناخ الاستثماري المناسب لتسريع النمو والاستخدام وربما يساهم في تمهيد الطريق للوصول إلى التنويع الاقتصادي.
يتعرض الباب الخامس, المعنون “جذور الانتفاضة والمستقبل في الدولة الريعية”, إلى جذور الانتفاضة في فصل (15) ثم لنظرة توقعية حول المستقبل في ظل الطبيعة الريعية للدولة من حيث إمكانية التحول الديمقراطي (فصل 16) والتنويع الاقتصادي (فصل 17).
يلاحظ ابتداءً في الفصل الخامس عشر أن تَمَكُن النظام من السيطرة على الدولة والمجتمع لأكثر من أربعة عقود أوقعت الكثير من المراقبين (بما فيهم الكاتب) إلى الظن أن التغيير أصبح عصياً في ليبيا. وبعد عرض الأسباب المباشرة التي أدت في النهاية إلى انهيار النظام في أغسطس-أكتوبر 2011 يعرض الفصل للأسباب الكامنة أو “غير المباشرة” التي كانت تختمر خاصة خلال العقدين المنصرمين لتقود إلى الانتفاضة. أول هذه الأسباب الجذور الديمغرافية. لقد تعرض الفصل الأول لتغير الهرم السكاني من خلال توسع قوة العمل (التوسع أو الانتفاخ الوسطي للهرم) ومن ثم توسع عرض العمل وقصور الاقتصاد عن استيعاب هذا العرض وبالنتيجة تنامي البطالة. وفي هذا الفصل يركز على توسع فئة الشباب (15-39 سنة) من ضمن فئة قوة العمل وعرضه. حيث زادت نسبة هذه الفئة من السكان من 38 بالمئة عام 1984 إلى حوالي نصف السكان (49 بالمئة) عام 2006. في هذه الأثناء فإن معدل البطالة الذي أخذ بالارتفاع بعد عام 1995 أصاب هذه الفئة بأكثر من غيرها. وبالرغم من انخفاض معدل البطالة في 2007 فإن التخلص من حوالي 300-350 ألف من الموظفين والمستخدمين في الدولة وأغلبهم من الشباب (بالرغم من استمرار دفع رواتبهم) في أوائل 2008 كان خطأُ سياسياً فادحاً. إذ أنه ألقى إلى بطالة فعلية أعداداً كبيرة من الشباب لها تطلعات عالية في الحياة ومستاءة من النظام في ظل مظاهر الاستهلاك الواسع وتصاعد تكاليف تكوين أسرة وإمكانية استقلال سكني. ينتقل الفصل بعد ذلك إلى تباطؤ النمو على المدى الطويل خاصة خلال الثمانينات والتسعينات, الذي تعرض له الفصل (6), كسبب آخر غذى جذور الانتفاضة. إذ بالرغم من استعادة النمو في المستوى المعيشي خلال العقد المنصرم غير أن متوسط حصة الشخص الليبي من الناتج المحلي الإجمالي كان في عام 2010 يساوي 83 بالمئة منه في عام 1975. أي أن متوسط الشخص الليبي فقد 17 بالمئة من مستواه المعيشي بعد 35 سنة من الحكم الجماهيري. ولا شك أن السبب في هذا التدهور, في المخيال الاجتماعي, اُرجِعَ إلى الدولة حيث أن حوالي 80 بالمئة من العاملين الليبيين تستخدمه الدولة (62 بالمئة  في جهاز الدولة و18 بالمئة في منشآت القطاع العام). إضافة لذلك فإن الدولة الريعية ذات النظام الشمولي كان يُنظر لها في هذا المخيال على أنها أصل الأشياء والمُبادِرة الأولى. وبطبيعة الحال فإن كافة الإخفاقات كانت تُرْجَع إلى الدولة. وهكذا كانت أهم وسيلة للسيطرة على المجتمع (فصل 2, الاستخدام العام/الطبقة المتوسطة) أصبحت الآن أهم وسيلة للنقمة عليه!
يتعرض هذا الفصل بعد ذلك إلى أسباب أخرى قد تكون غذت جذوة الاستياء وهي التفاوت في الدخول والثروات والفقر ومستوى الحرية والحقوق السياسية. ويمثل عدم توفر بيانات حديثة عن التفاوت والفقر عقبة في التحليل. حيث أن ما يتوفر يقف عند عام 2003 مع العلم أن مستوى النشاط الاقتصادي بعد هذا العام تصاعد بشكل كبير وانطلقت معه مظاهر الغنى والإنفاق التي كانت ملجومة اجتماعياً قبل هذا العام. تبين البيانات أن مستوى التفاوت في الدخول أنخفض في الحقيقة خلال الفترة 1969-2003 ولعل أهم سبب لذلك يعود إلى سياسات الدولة في توزيع الاستثمارات بما يتناسب مع الحاجة السكانية لمختلف المناطق إضافة لهيكل وجداول الرواتب العامة في جهاز الدولة الذي لا تسمح بتفاوت كبير. أما مؤشرات الفقر فتبين تصاعداً بين 1993 و2003. حيث أن نسبة السكان تحت خط الفقر تصاعدت من 15 بالمئة إلى 22 بالمئة. غير أن هذه المؤشرات مشكوك بها. إذ أن سياسات الدولة في الإعانة وتوزيع المعاشات الأساسية لا يمكن أن تتوافق مع نسب للفقر بهذا الحجم. لذلك فإن هذه النسب قد تعود إلى مشاكل في المسوحات الإحصائية التي أُسست عليها هذه المؤشرات, وهي ذات المسوح التي اُحتسبت على أساسها مؤشرات التفاوت. إن عدم التوافق بين مؤشرات التفاوت (التي تبين انخفاضا في التفاوت) ومؤشرات الفقر (التي تبين ارتفاعا في نسبة الفقر) تلقي بظلال من الشك على صدقية البيانات. من ناحية أخرى فإن انتقال ليبيا, حسب دليل التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي, من دولة ذات تنمية بشرية متوسطة إلى دولة ذات تنمية بشرية عالية في عام 2005 واستمرارها كذلك بعد هذا العام يشير إلى إنجازات مناسبة في التعليم والصحة. حيث زاد العمر المتوقع من 63 سنة عام 1993 إلى أكثر من 74 سنة عام 2009.
وبالمحصلة يمكن القول أن انتشار الاستياء بين فئة الشباب والانخفاض طويل المدى في المستوى المعيشي وتدهور مستوى التعليم والصحة وغياب الديمقراطية وانتشار الفساد وتدخل العائلة الحاكمة في الحياة العامة وفسادها, كلها عوامل تغلبت على الإنجازات التي تحققت في مجالات الإعانة الاجتماعية وانتشار التعليم والتأمين الصحي لأغلبية الليبيين. يتعرض الفصل بعد ذلك إلى حقيقة أن ليس كل الليبيين انحازوا إلى الانتفاضة بل أن قسم مهم منهم قاومها إلى النهاية مما يقود إلى حقيقة أن هذه الانتفاضة تحولت إلى نزاع مسلح. ولقد أعقب انهيار النظام ظهور بوادر تجريم لجماعات ومدن محسوبة على العهد القديم في طرابلس وتاورغاء وسرت والغرب الليبي مما يهدد استقرار العهد الجديد ومستقبله وإمكانية الوصول إلى عقد اجتماعي يؤمن السلام والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
يتعرض الفصل السادس عشر إلى سؤال أساسي هو: هل أن التحول الديمقراطي ممكن بعد التغيير في ظل دولة ريعية؟ والدولة الريعية هي تلك التي تعتمد بمعظم صادرتها وتمويل ميزانياتها العامة على تصدير النفط. إضافة لذلك تمتلك أو تسيطر الدولة فيها على معظم العوائد النفطية. ولقد أُقيمت في هذه الدولة, ليبيا أو غيرها من الدول الريعية, آليات لاستخدام الريع النفطي في مكافأة الولاء وفي الحرمان منه واستخدام العنف في معاقبة المعارضة لغرض استمرار نظام الحكم والتحالفات السياسية والاجتماعية المساندة له. ومن الناحية الاقتصادية تتسم هذه الدول بما يسمى “المرض الهولندي” الذي يقود إلى المبالغة في سعر صرف العملة ومن ثم إلى انخفاض التنافسية وبالنتيجة غلبة الأنشطة غير التصديرية. ومن الناحية الاجتماعية, ساندت المجتمعات الريعية أعداداً متزايدة من العاملين لدى الدولة والذي يتسم أغلبهم بضعف المبادرة والعمل الجاد. ومن الناحية السياسية, انتشرت الممارسات والمؤسسات غير الديمقراطية. إن الاستقلال المالي للدولة وقابليتها في ترويض المعارضة وتجنب المسائلة ساهم في تقوية النظام الاستبدادي وخلق مناخ معادي للمشاركة الديمقراطية ومعرقل لوجود آليات للمراقبة والموازنة.
ولقد لوحظ أن أغلب الدول المنتجة/المصدرة للنفط تتسم بالاستبداد, كما يبدو من تقرير عن الديمقراطية في عام 2010 في العالم. غير أن ذات التقرير يبين وجود دول منتجة للنفط ولكنها ديمقراطية مثل النرويج وكندا. ويخلص الفصل إلى نتيجة مفادها أن تأثير الريع النفطي في المجتمع والسياسة يعتمد على الظروف الأولية. فإذا كان المجتمع ناضجاً والمؤسسات المدنية والديمقراطية راسخة والهيكل الاقتصادي عالي التنويع فإن الريع النفطي, لا يضعف الحكم الديمقراطي. ولكن في بلدان ذات مؤسسات ضعيفة وقطاع تصديري يعتمد على المواد الأولية فإن تدفق الريع النفطي يضعف المجتمع ومؤسساته ويساعد على الاستبداد وتأصله.
ويعرض هذا الفصل إلى حقيقة أن العديد من الدول المنتجة للنفط قد وقع في الفخ أو الحلقة المفرغة الريعية واستمرت فيها الممارسات التسلطية مما يشير إلى أن استمرار المظاهر الريعية سيكون قيداً على تحقيق الديمقراطية. لهذا السبب, وفي ظل غياب ضمان إقليمي أو دولي ضد عودة الاستبداد, يثار الشك في إمكانية التخلص من الممارسات التسلطية في ليبيا بعد التغيير. ففي ضوء ضعف المؤسسات وغياب المجتمع المدني فإن القوى التي تسيطر على الحكم, بعد التغيير, ستواجه بذات الظروف قبل التغيير. إذ سيكون تحت تصرفها العوائد والثروة النفطية. وهي التي ستقرر من خلال الميزانية التي تحدد, في إنفاقها الجاري (إضافة لأنفاق ميزانيات منشآت القطاع العام) دخل 80 بالمئة من العاملين, أو أغلبية الشعب الليبي. بعبارة أخرى ستقرر أو تتحكم بمعيشة الجزء الأكبر من الطبقة المتوسطة التي يفترض أنها ستكون الأداة التي تستطيع من الدفع باتجاه الديمقراطية. من ناحية أخرى, فأن الصراع الذي بدأ حول التصرف بالثروة النفطية سيخلق دافعاً أساسياً ليس من أهدافه إقامة نظام ديمقراطي ودولة مؤسسات. ذلك إن مثل هذا الصراع يقود إلى اتفاقات ومعارضات فوقية تتجه في أغلب الأحيان نحو عرقلة التغيير الديمقراطي. لذلك يبدو مستقبل التطور السياسي غير واضح ومتسم بعدم اليقين. فهناك عناصر كثيرة للاختلاف وربما النزاع نتيجة لتواجد مجموعات مختلفة مثل الثوار الشباب, الإسلاميون, قبائل الشرق والغرب, التي عارضت أو ساندت القذافي, التكنوقراط والإداريون, الأمن والجيش, منظمات المجتمع المدني, الخ. هذا إضافة لظهور بوادر المطالبة باللامركزية في الشرق. فالمجموعات والمناطق المختلفة لا تغير من مواقفها لدوافع وطنية فقط وإنما تتوقع تأمين منافع واضحة وموثوقة لها.
لذلك, بغية التخفيف من تأثير الريع النفطي باتجاه الاستبداد, ينبغي التوصل إلى تسوية مقبولة للجماعات الفاعلة في ظل عقد اجتماعي جامع. ويقدم الفصل بعض من المبادئ العامة التي قد تساعد إلى التوصل إلى تسويات عامة بين الجماعات والمناطق في طريق تحقيق الحكم الديمقراطي. وينتهي باستعراض التأثير الممكن للجماعات والتوجهات الإسلامية السياسية في ليبيا بما في ذلك التعليق على إمكانية تطبيق النموذج التركي.
وبعد أن يعرض للتحديات الاقتصادية التي تواجه العهد الجديد في إعادة تأهيل المنشآت النفطية ورأس المال الإنتاجي المُدَمَر, نتيجة للنزاع المسلح, وفي إعادة تفعيل البرنامج التنموي 2008-2012 أو برنامج استثماري آخر خلال الأمدين القصير والمتوسط, يثير الفصل السابع عشر سؤلاً معادلاً في أهميته لتساؤل الفصل الذي سبقه, وهو: هل يمكن تحقيق التنويع الاقتصادي بعد التغيير في ظل دولة ريعية مثل ليبيا؟
يمكن تعريف التنويع الاقتصادي بأنه ذلك الهيكل الاقتصادي الذي تُوَلَد فيه غالبية العوائد بالعملة الأجنبية من أنشطة متنوعة غير نفطية ويعمل في هذه الأنشطة النسبة العظمى من العاملين. في ضوء هذا التعريف يجيب الفصل على التساؤل المطروح بأن تحقيق التنويع الاقتصادي يعتمد على تغيير نمط الاستخدام السائد بشكل جوهري بعيداً عن أجهزة الدولة ومنشآت القطاع العام. ولكنه يلاحظ أن تغيير نمط الاستخدام واستيعاب البطالة بشقيها المكشوفة والمقنعة وتوليد فرص عمل جديدة للداخلين إلى سوق العمل خارج استخدام الدولة يثير معضلة يصعب حلها. فمن ناحية, فإن استمرار ملكية الدولة لعوائد النفط سيدفع دائماً لتوسع الاستخدام الحكومي لأسباب سياسية ومجتمعية. ومن ناحية أخرى, فإن تغيير نمط الاستخدام, بعيداً عن الاستخدام الحكومي, يحتاج إلى تغيير جوهري في نمط الإنتاج من نمطه الحالي إلى آخر يعتمد على طلب متنامي ومستديم. ولا تتحقق هذه الاستدامة إلا من خلال طلب خارجي كبير وليس طلب داخلي محدود. وفي هذا الإطار فإن النشاطات المرشحة لتحقيق هذا التغيير هي الصناعة والخدمات الإنتاجية (بما فيها السياحة). غير أن التغيير المنشود في الحجم والهيكل وسرعة النمو (خاصة في الصناعة) من الضخامة بحيث يصعب تصور تحقيقه في ظل القيم والمؤسسات السائدة والتجربة التاريخية. ويقدم الفصل مثالاً رقمياً على ضخامة التغيير المطلوب وصعوبة تحقيقه. ومع ذلك, وبالرغم من الشك الذي أثير في الفصل حول إمكانية الوصول إلى تغيير من هذا النوع, يتم عرض بعض التوصيات المناسبة التي قد تساعد في طريق التنويع الاقتصادي.
ثانياً: شكر وتقدير
أود أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى السادة التالية أسمائهم, الذين قدموا ملاحظات وتصحيحات وتساؤلات وتعليقات مهنية وتنظيمية على فصول الكتاب بقراءة كلية أو جزئية أدت إلى تحسينه بشكل ملموس. أبدأ بالدكتور نبيل النواب الذي قدم مقترحات تفصيلية وعامة وتنظيمية بناءة. كما أتقدم بالشكر إلى فلاح الخواجة الذي قرأ وعلق على أغلب فصول الأبواب الأربعة الأولى وقدم اقتراحات وتساؤلات وتصحيحات مثمرة. وأشكر كل من د. أحمد جيهاني وطارق الهيمص ود. بارق شبر,الذين علقوا بشكل فعال ومفيد على فصول الباب الخامس. كما أشكر محمد خالد الغويل الذي راجع بعض الفصول وصحح بعض ما ورد فيها وأبدى تعليقات مفيدة, ود. زيد حبة الذي قرأ جميع الفصول وقدم تعليقات واقتراحات عامة مناسبة عليها, وكذلك موفق حسن محمود الذي قرأ فصول من الباب الثالث وقدم تعليقات وتصحيحات مفيدة. وأخيراً وليس آخراً أشكر د. كامل مهدي الذي قدم اقتراحات وتساؤلات عامة على هيكل محتويات الكتاب.
ثالثاً: محتويـات الكتاب الرئيسيـة
1المقدمة والملخص.
24الباب الأول: السكان والنظام السياسي.
25الفصل الأول: السكان وسوق العمل: من صيد الصحراء إلى الصيد الحضري.
40الفصل الثاني: الأخ الكبير في الجماهيرية العظمى: النظام السياسي.
56الباب الثاني: العلاقات الخارجية والحفاظ على النظام السياسي.
57الفصل الثالث: السياسة الخارجية والشرخ الداخلي.
76الفصل الرابع: نمط التجارة الخارجية: تصدير النفط واستيراد كل شيء آخر.
98الباب الثالث: أدوار الإدارة والسياسات الاقتصادية.
99الفصل الخامس: الإدارة الاقتصادية والتخطيط: الهيكل المؤسسي.
128الفصل السادس: الإدارة الاقتصادية والتخطيط: اتجاهات النمو الاقتصادي والمستوى المعيشي.
165الفصل السابع: تجميع الثروة المالية النفطية.
188الفصل الثامن: التضخم والإنفاق العام: خشية غير مبررة.
219الفصل التاسع: الخصخصة: تبعات فشل القطاع العام.
234الباب الرابع: زعزعة أسس التنويع الاقتصادي.
235الفصل العاشر: النفط الخام والغاز: المصدر الذي قد ينفد بأسرع من المتوقع.
270الفصل الحادي عشر: الماء والموازنة المائية: المصادر المتداعية.
281الفصل الثاني عشر: الزراعة والغذاء: النشاط الذي يستنفد الماء بدون مبرر.
301الفصل الثالث عشر: التصنيع: النشاط الذي أستهلك أكثر مما أضاف.
346الفصل الرابع عشر: اقتصاد الظل وحقوق المِلْكِِية المهدورة.
359الباب الخامس: جذور الانتفاضة والمستقبل في الدولة الريعية.
360الفصل الخامس عشر: جذور الانتفاضة.
391الفصل السادس عشر: الدولة الريعية في ليبيا: إمكانية التحول الديمقراطي.
415الفصل السابع عشر: الدولة الريعية في ليبيا: إمكانية التنويع الاقتصادي.
437ملحق الباب الثاني: عضوية منظمة التجارة الدولية: الدوافع والتبعات.
438الفصل الثامن عشر: عضوية منظمة التجارة الدولية: الدوافع والتبعات.
466المصــادر

قراءة - وتحميل من هنا
لشراء الكتاب neelwafurat

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق