الصفحات

السبت، 20 أغسطس 2016

الإسكان العشوائى ...


الإسكان العشوائى

مهندس إستشارى: عمرو صلاح تركى خبير بشركة المقاولون

   يقصد بالإسكان العشوائي " بأنة ظاهرة نمو الإسكان الشعبي الحر وذلك من منطلق محايد. نشأ بإرادة كاملة للشعب وتنمو طبقاً لأنماط محددة ومتكررة ولا تتغير تقريباً. سواء بالنسبة لتخطيطها الخطي linear أو عروض شوارعها أو أبعاد قطع الأراضي بها وقد استعمل التعبير informal أو الغير رسمي لكونه بدون ترخيص " .

(1) ويمكن تعريف الإسكان العشوائي على أنه " نمو مجتمعات وإنشاء مباني ومناطق لا تتماشى مع النسيج العمراني للمجتمعات التي تنمو بداخلها أو حولها ومتعارضة مع الاتجاهات الطبيعية للنمو والإمتداد وهي مخالفة للقوانين المنظمة للعمران " .
(2) وبالنظر إلى هذة التعريفات نجد أن الإسكان العشوائي يقوم بتخطيطة وتشيدة الأهالي بأنفسهم على الأراضي الزراعية والصحراوية أو أراضي الدولة وغالباً ما تكون هذه الأراضي . على أطراف المدينة وهي غير مخططة وغير خاضعة للتنظيم ولا يسمح بالبناء عليها .

الأسباب التي أدت إلى ظهور الإسكان العشوائي

   تعود مشكله ظهور الإسكان العشوائي إلى بدايات القرن العشرين وذلك متواكباً مع التوسع العمراني السريع للمدن وأعادة التعمير بعد الحرب العالمية الثانية. ومع تمركز الخدمات والمصالح الحكومية في المدن الرئيسية وظهور العديد من الصناعات الحديثة أدى إلى زيادة الهجرة الداخليه للأفراد والنزوح من الريف إلى المدن سعياً وراء الحصول على فرص العمل. ومع سعي هؤلاء النازحين من الريف إلى المدن للحصول على مسكن ملائم حسب مواردهم الضئيله داخل الكتلة السكنية للمدن. فقد لجؤوا إلى أطراف المدينه حيث الأراضي الزراعيه أو الصحراوية فأقاموا تجمعات عشوائية بتكاليف أقل ولكن بلا أى خدمات وذلك بعد أن عجزت مواردهم عن تدبير تكاليف السكن داخل الكتلة السكنية الرسمية للـمدينــة. ولم تتنبه أجهزة هذه الدول إلى خطورة المشكله في حينها ولم يتم أتخاذ أي أجراء لمواجهتها في البداية وترك الإسكان العشوائي ينمو وينتشر داخل الكتلة السكنية القائمة وعلى أطراف المدن. وقد كانت هناك بعض العوامل القوية التي ساعدت على نمو وانتشار الإسكان العشوائي يمكن أن نلخصها فيما يلى :-

• عدم إستعداد المدن لإستقبال كل هذة الأعداد الوافدة من الريف .

• النقص في عدد الوحدات السكنية وزيادة الطلب عليها نتيجة الهجرة السريعة من الريف إلى المدينة .

• أصبحت المدن الرئيسية شديدة الجذب نتيجة تمركز الخدمات وفي المقابل أصبحت المدن الريفية شديدة الطرد نتيجه ندرة الخدمات والإمكانيات بها .

• ارتفاع أسعار الأراضي والشقق السكنية في المناطق الرسمية والتي تتمتع بالمرافق العامة (مياه نقية – صرف صحى – كهرباء – شوارع مناسبة) .

• ضعف الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص في مجال الإسكان المنخفض التكاليف .

• التهاون مع منتهكي القوانين ومغتصبي الأراضي من قبل الجهات الرسمية نتيجة لعدم توافر بدائل أخرى مناسبة. 

  فأصبحت هذه المناطق تفرض أمر واقع وشكلت جماعات ضغط أجبرت الحكومات على مد المرافق إليها.
_________
1- ا.د / عبد المحسن برادة " الجوانب الأيجابية في عمليات النمو العشوائى "
2- أكاديميه البحث العلمى والتكنولوجى " الملامح العريضه للمدن المصريه عام 2000م "

أليات التصميم والبناء

  تتسم عمليات تصميم المباني في أغلب الأحيان بطريقة إجتهادية عن طريق مالك قطعة الأرض أو عن طريق صغار المقاولين الذين يسيطرون على أعمال البناء في هذه المناطق. فيقوم المقاول بأعمال التصميم والتنفيذ وتعتبر الوحدة السكنية المكونة من ثلاثة غرف هي المفضلة وهي التي تمثل أيضاً غالبية هذة الوحدات. إذ أن هذا التصميم يتلائم مع طبيعة الأسرة ويقتصر دور المالك على أعمال الإشراف والتوجيه أو شراء المواد الخام وتأجير العمالة اللازمة للبناء.

  وفى أغلب الأحيان يعتمد السكان في تمويل عمليات البناء على مواردهم الخاصة فيتم في المرحلة الأولى بناء دور يصلح للسكن وينتقل إليه هو والأسرة للمعيشة وعند توافر الإمكانيات يتم الإمتداد الرأسى.

  وأغلب المباني في هذه المناطق بارتفاع دور أو أثنين وبعضها يصل إلى ثلاثة وأربعة أدوار ولكن يندر أن نجد مبنى يتجاوز هذا الأرتفاع. ولا تختلف طريقة البناء في هذه المناطق عن مثيلاتها في الكتلة السكنية الرسمية حيث تستخدم طريقة البناء بالهياكل الخرسانية أو الحوائط الحاملة ولكن يترك أغلبها بدون بياض خارجي والبعض منها يستخدم مواد رخيصة في التشطيبات ويغلب على هذه المناطق الذوق الريفي.

  أما بالنسبه للمرافق العامة فأن هذة المناطق تعاني من نقص شديد في المرافق العامة ويعتمد السكان على دق طلمبات لسحب المياة الجوفيه واستعمالها في حياتهم اليومية. أما الصرف الصحي فهو يتم عن طريق عمل(الترنشات أو البيارات) للصرف الجوفي في باطن الأرض وعند اللإمتلاء يتم النزح بالطريقة اليدوية أو الألية.

  أما الكهرباء فيستعوض عنها بالأجهزة التي تضاء بالكيروسين. ويبدوا على هذه المناطق أن مشكلة القمامة لم تجد لها حل حيث يتم القائها في الشوارع أو في الأراضي التي لم يتم البناء عليها بعد ويساعد هذا الوضع على جعل هذه البيئه غير صحيه ومصدراً دائماً للناموس والحشرات الضارة والقوارض والحيوانات الضالة.

  وتخطيط هذه المناطق تغلب عليه سمات تكاد تكون موحدة من حيث عرض الشوارع الذي يتراوح ما بين 4م للشوارع الجانبية و6م للشوارع الرئيسية وأطوالها من(300م – 400 م) وقطع الأراضي تتراوح مساحتها ما بين (40 م – 60 م) وبالنسبة للفراغات والمساحات الخضراء فلا وجود لها وذلك بخلاف التتابع البصري والفراغي فهذه تعتبر رفاهية لا مكان لها في هذه المناطق والاستخدام الأكثر شيوعاً هو الاستخدام السكني.

  أما الخدمات الأجتماعية مثل المنشأت (الصحية – والتعليمية – أقسام الشرطة -...) فلا وجود لها على الإطلاق. ويغلب على هذه المناطق الطابع الريفي ويظهر ذلك في العادات والسلوكيات السائدة بين السكان مثل تربية الطيور والمواشي داخل المنازل أو على أسطحها وجلوس السيدات للتسامر على أبواب المنازل أو القيام ببعض الأعمال المنزلية مثل الطهو أو الغسيل.

  ومن خلال استعراض الملامح العامة للبيئة العمرانية للإسكان العشوائي نلاحظ أنه يؤثر تأثيراً سلبياً على المجتمع وحياة الأسر القاطنة فيه بشكل مباشر. فهو يحتوي على أقل ما يمكن لتوفير مأوى سكني للفرد والأسرة. وتسجل هذه المناطق معدلات عالية جداً في التزاحم سواء داخل الكتلة السكنية أو خارجها حيث أن المساحة الداخلية للوحدة الواحدة تتراوح ما بين 40 م-60 م بما فيها السلالم والمناور وهي التي يصعب تصميمها وتقسيمها من الداخل لكي تتلائم مع احتياجات الأسرة المكونة من 5 أفراد وذلك يؤثر بالسلب على درجة الخصوصية المحققة للمسكن سواء كان ذلك من الداخل أو الخارج فنجدها في أدنى مستوياتها إذا ما قورنت بدرجة الخصوصية المرغوب فيها.

  كما تفتقر هذه المباني إلى التهوية الصحيحة نظراً لأن المبنى الواحد يحيط به المباني من ثلاثة جهات مما يجعل مسأله دخول أشعه الشمس والتهويه الطبيعيه أمراً في غاية الصعوبة. كما يؤثر هذا النسيج العمراني على أخلاقيات الأفراد وأحساسيسهم ونفسياتهم وطبائعهم. وقد أثبت الباحثون أن الفراغات العمرانية وتشكيلاتها وأبعادها وأسلوب توظيفها يؤثر بشكل واضح ومباشر على نشاط وسلوك السكان وكذلك في العلاقات الاجتماعية بينهم .

  ويمكننا رصد بعض السلبيات الناتجة عن الإسكان العشوائي في عدة نقاط :-

• إضافة نسيج عمراني مشوهة إلى الكتلة العمرانية الأساسية .

• النقص الشديد في المرافق العامه وبخاصة الصرف الصحي أدى إلى إضافة كتلة عمرانية ملوثة للبيئة نتيجة الصرف الجوفي عن طريق البيارات أو الترنشات في باطن الأرض .

• عدم وجود كهرباء أدى إلى فرض حياة بدائية على السكان واستخدامهم للكيروسين في الإضاءة ومواقد الطبخ.

• التزاحم الشديد للمباني وعدم ترك فراغات أدى إلى فقدان الخصوصية وزيادة درجة التلوث السمعي والبصري فساعد ذلك على زيادة الأمراض البدنية والاجتماعية والنفسية أيضاً بين هذه الفئات من السكان .

• نتج عن التخطيط العشوائي القائم على إجتهادات شخصية سواء كان ذلك في التخطيط العام أو مساحات قطع الأراضي المخصصة للوحدة السكنية أو التصميم الداخلي للوحدة السكنية مناطق مشوهة عمرانياً ومعمارياً يصعب معها الإصلاح ومحاولة الارتقاء بها .

• أسفرت هذه المناطق عن ضياع أجزاء كبيرة من الأراضي الزراعية التي تم تحويلها إلى أراضي للبناء مما أثر على الناتج القومي لهذة الدول وبالرغم من محاولات الحد من انتشار الإسكان العشوائى وبخاصه تجريم البناء على الأراضي الزراعية إلا أن هذه المحاولات تعتبر ضعيفة جداً إذا ما قورنت بسرعة انتشار ونمو هذا القطاع في ظل قوانين وتشريعات ورقابة ضعيفة. إلا أن بعض المحاولات الدولية والحكومية والفردية أيضاً للارتقاء بهذه البيئة السكنية تواجهه صعوبة شديدة جداً نظراً للنسيج العمراني المعقد وزيادة الكثافة السكانية والبنائية لهذه التجمعات وعلى ذلك فقد اقتصرت محاولات الارتقاء على إمداد هذه المناطق بالمرافق العامة (المياه النقية الصالحة للشرب – الصرف الصحي – الكهرباء) دون أن تمتد إلى النواحي التخطيطية والفراغات العمرانية والنواحي الاجتماعيه لهذا المجتمع. وبالرغم من ذلك فقد سجل هذا النمط بعض الإيجابيات يمكن الإستفادة منها لتوجيه هذا النمط نحو أساليب عمرانية تتناسب مع النسيج العمراني للمدن وتتلافى السلبيات التي نتجت عنه ومنها :-

• أن الإسكان العشوائي جاء مميزاً من الناحية الإنشائية حيث أعتمد البناء على أسلوب الهيكل الخرساني أو الحوائط الحاملة كمثيله في الكتلة العمرانية المخططة رسمياً .

• الإلتزام الجماعي في المناهج البنائية من حيث التخطيط وأبعاد قطع الأراضي وأنتظام الارتفاعات تمشياً مع العرف السائد في المنطقة وهو يعتبر بديلاً أو مكملاً للقوانين والإشتراطات التشريعية الخاصة بالبناء .

• يسمح النمو التدريجي للمسكن بالمرونة حيث يتوافق المسكن مع إحتياجات الأسرة المستقبلية ويراعي الإمكانيات الاقتصادية للمستغليين للوحدة السكنية .

• اعتمد هذا القطاع على الجهود الذاتية من حيث التمويل والحصول على مواد البناء ولا يلجأون إلى دعم أو معونه من الجهات الرسمية ومن خلال ما تقدم يمكننا استنتاج بعض الحلول العملية للحد من انتشار ظاهرة الإسكان العشوائي ومنها :- 

• طرح أراضي مخططة ومخصصة للبناء تتناسب مع إحتياجات الأسرة الحالية والمستقبلية وبأسعار مناسبة ومزودة بالمرافق العامة الأساسية .

• توفير نماذج تصميمية معمارية تراعي العادات والتقاليد الشعبية لهذه المناطق والإلتزام بتنفيذها وذلك للحد من الإجتهادات الشخصية .

• أحكام الرقابة على حدود المدن والأراضي التابعة للدولة وتجريم البناء عليها .

• إصدار قوانين وتشريعات بنائية حاكمة تتلافى الثغرات الموجودة في القوانين الحاليه كل ذلك من أجل الحفاظ على جمال الهوية العمرانية للنسيج العمراني للمدن والحفاظ على هيئتها وثقافتها وتاريخها الذي يميزها عن بقية المدن بالإضافة إلى تحقيق توازن للحياة الاجتماعية التي هي نتاج قيم إنسانية متوارثة وأن توضع تشريعات بنائية تحترم ظروف المجتمع وتاريخه وأحتياجاته الحالية والمستقبلية وصيانتها وهى التي تختلف من مكان إلى آخر في جميع مدن العالم .

المراجع العربية

1. د/ عبد الباقي إبراهيم " كيف يقوم الساكن بإستكمال مسكنه بنفسه " مجلة عالم البناء العدد 2- أبريل 1980.

2. م/ سهير زكي حواس " إحتياجات السكان ومدى تأثيرها على المشروعات السكنية القائمة " رسالة ماجستير.

3. د/ ليلى أحمد محرم " مؤشرات ومظاهر النمو العشوائي للمجتمعات العمرانية " ندوة حماية البيئة والسكن القانوني 1990.

4. د/ ميلاد حنــا " الإسكان والمصيدة – المشكلة والحل " دار المستقبل العربي – القاهرة.

5. أ/ ممـدوح الـولي " سكان العشش والعشوائيات – دراسة أعدتها نقابة المهندسين – مصر " مطابع روز اليوسف.

6. د/ مـحـمد علي " المرونة في الإسكان – النظرية والتطبيق " رساله دكتوراه.

المراجع الأجنبية

1. Goodman;William(ed.) Principles and Practice of Urban Planning. Washington .

2. Keeble، Lewis Principles and Practice of Twon and Country Planning. London.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق