الصفحات

الخميس، 27 أكتوبر 2016

النمو السكاني وأثره على التنمية الاقتصادية ...


النمو السكاني وأثره على التنمية الاقتصادية


مؤسسة 14 أكتوبر للصحافة و الطباعة و النشر - العدد رقم : (14226) , الموافق 4 سبتمبر 2008 , يوم الخميس -  كفاح داود علي :

  في واقع الأمر المشكلة السكانية ليست مشكلة تنموية حقيقية لأنها ناجمة عن أسباب أخرى وهي مشكلة مزيفة أوجدتها بشكل طوعي المنظمات والوكالات التابعة للدول المهنية لإبقاء الدول النامية على تخلفها ، ولكن يمكن أن تكون الزيادة السكانية عاملاَ ذا تأثير سلبي في المسيرة التنموية إذا لم تستطع عملية الإنتاج في المجتمع استيعاب الزيادة السكانية وتأمين مقدرات مشاركتها في دفع عجلة التنمية للأمام فمن الخطأ أن ننظر لهذه الزيادة على أنها كعامل يؤدي إلى زيادة الأعباء وعلى الموارد المتاحة ومن الأجدر أن ننظر إليها كعامل رئيسي في زيادة قوة العمل وعملية الإنتاج فالزيادة السكانية تتحول إلى عبء حقيقي على التنمية عندما لا يجري استغلال الموارد المتاحة بما فيها قوة العمل بصورة صحيحة ومنطقية إذ تنبع أهمية التنمية في استيعاب الفائض من السكان وتنظيم المسألة السكانية من خلال تحقيق تنمية المجتمع ،فالنجاح في تحقيق التنمية الاقتصادية لا يعتمد على الموارد الطبيعية الفنية بقدر ما يعتمد على الكفاءة في تحفيز شعبها على المشاركة بجدية وفعالية في التنمية ومن هذا المنطلق سنحاول أن نوجز هنا أهم أثار النمو السكاني على التنمية الاقتصادية وذلك على النحو التالي:

أولاَ : أثر النمو السكاني على سوق العمل : حيث يزيد النمو السكاني من عرض قوة العمل لكن هذا العرض الإضافي لا يساهم في زيادة الإنتاج إذا لم يتناسب مع الموارد المتاحة وإنما سيؤدي إلى زيادة معدلات البطالة ويخفض من مستوى الأجور وبالتالي تدني المستوى ألتأهيلي لقوة العمل المستقبلية بسبب تأثير انخفاض الأجور على التركيب التعليمي للسكان .

ثانياَ : أثر النمو السكاني على الادخار والاستثمار : حيث يؤدي زيادة عدد السكان إلى انخفاض الادخار والاستثمار وبالتالي انخفاض معدل النمو الاقتصادي والدخل الفردي وتفيد هذه الآراء إلى معدلات الخصوبة والمواليد حيث أن التزايد السكاني يؤثر سلباَ على عملية خلق التراكمات اللازمة لعملية التنمية فارتفاع عدد السكان يؤدي إلى عدد المواليد في المجتمع ، وهذا يؤدي بدورة إلى انخفاض نصيب الفرد الواحد مما يضعف مقدرة الأسر والأفراد على الادخار وانخفاض مستوى دخل الأسرة بالمقارنة مع عدد أفرادها يجعلها تكاد ولا تفي باحتياجات هؤلاء الأفراد من المادة الاستهلاكية الأساسية ويمنعهم من أي مدخرات ذات معنى وعندما يكون حجم الادخار في المجتمع ضعيفاَ فسيكون بالتالي حجم الاستثمار ضعيفاَ أيضاَ والنتيجة ستضعف قدرة المجتمع على المشاريع الاستثمارية والتي ستعرقل عملية التنمية الاقتصادية .

ثالثاَ : أثر النمو السكاني على الاستهلاك : حيث يؤدي هذا إلى زيادة الطلب الإجمالي على السلع بنوعيها الضروري والكمالي مقابل محدودية الدخل وزيادة الحاجات مما يشكل ضغوطاَ على المسيرة التنموية للمجتمع .ومن ناحية أخرى فإن بعض المفكرين من علماء السكان والاجتماع يرون أن النمو السكاني يسهم في زيادة الطلب على الإنتاج والتي من شأنها أن تزيد من الإنتاجية ويسهم أيضاَ في تنظيم فعالية الإنتاج بفضل تحسين تقسيم العمل ويؤدي النمو السكاني إلى تخفيض الأعباء العامة للمجتمع بتوزيعها على عدد أكبر من السكان .

أثر التنمية على النمو السكاني 

  وهنا يمكن القول أن للتنمية أثر كبير على النمو السكاني وذلك من خلال ما تحدثه في تغيير في معدلات الولادات والوفيات في المجتمع ولمعرفة هذا الأثر نقوم بقياس أحد المؤشرات التنموية الأساسية والاسترشادية لنتمكن من معرفة تأثيره على النمو السكاني ومن ثم نعمم النتيجة التي تم التوصل إليها على المؤشرات التنموية المختلفة فنأخذ مثلاَ مستوى الدخل الفردي والذي هو من أهم مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات فارتفاع مستوى الدخل يعتبر مظهراَ من مظاهر التنمية ونتيجة من نتائجها والذي يؤدي ارتفاعه إلى انخفاض معدل الوفيات من خلال زيادة حصة الفرد المخصصة للإنفاق بسبب تحسين الخدمات الصحية والنوعية الغذاء فهناك علاقة عكسية بين مستوى الدخل ومعدل الوفيات فكلما زاد مستوى الدخل كلما أدى لانخفاض معدل الوفيات والعكس صحيح ، أيضاَ يؤثر تحسن مستوى الدخل على معدلات الولادات ولكن تأثيره يختلف سواء سلباَ أو إيجابا من مجتمع لأخر فقد يؤدي تحسن مستوى الدخل إلى تأخير سن الزواج وبالتالي إلى انخفاض الخصوبة أو قد يؤدي إلى تعدد الزوجات وبالتالي ارتفاع الخصوبة كذلك فإن رفع مستوى الخدمات في المجتمع يؤدي إلى زيادة الاستثمارات وتحسين مستوى الدخول والحد من البطالة ورفع مستوى معيشة الأفراد وهذا ينعكس على المستوى التعليمي للأفراد من خلال توفير المؤسسات التعليمية وانخفاض مستوى الأمية علماَ بأن التعليم بدوره يؤخر سن الزواج ويرفع من مستوى الوعي مما ينقص من فترة الخصوبة وبالتالي يميل معدل النمو السكاني للانخفاض في سبيل محافظة الأفراد على مستوى معيشة مرتفع.

   فالمشكلة السكانية تعرف بعدم التوازن بين عدد السكان والموارد والخدمات وهي زيادة عدد السكان دون تزايد فرص التعليم والمرافق الصحية وفرص العمل وارتفاع المستوى الاقتصادي فتظهر المشكلة بشكل واضح وتتمثل بمعدلات زيادة سكانية مرتفعة ومعدلات تنمية لا تتماشى مع معدلات الزيادة السكانية وانخفاض مستوى المعيشة بهذا المعنى نجد إن المشكلة السكانية لا يوجد لها قانون عام ولا تأخذ نفس المعنى والنتائج نفسها في كل المجتمعات وعلى اختلاف المراحل بل لكل مجتمع ولكل مرحلة معطياتها الاقتصادية .. الخ هي التي تحدد طبيعة هذه المشكلة السكانية .

علاقة المشكلة السكانية بالتخلف والتنمية في بلدان العالم الثالث 

   من خلال ما سبق نقف عند بعض التساؤلات التي تطرح نفسها وهي : هل صحيح ما يقال في أن النمو السكاني يشكل عقبة في طريق التنمية ؟ وهل هو سبب تخلف بلدان العالم الثالث أم هو نتيجة لهذا التخلف ؟ وهل صحيح أن مشكلة السكان تكمن في إعدادهم المتزايدة وإن حل هذه المشكلات يتوقف على تخفيض هذه الأعداد ؟ أم أن هناك جذوراَ أخرى ربما تكون بعيدة عن الجانب السكاني ؟ ولابد الإشارة إلى أن البلدان النامية ومنها الدول العربية تشهد اليوم مرحلة الانفجار السكاني ولكن مع فارق بينهما وبين الدول الأوربية هو أن الأخيرة جاء نموها الانفجاري بعد تقدمها الصناعي في حين أن انفجار البلدان النامية السكاني سبق تقدمها الصناعي فلم تشهد تلك الثورة الصناعية ولا ذلك التقدم الاقتصادي .

  من هنا نلاحظ أن طبيعة المشكلة تختلف من بلد إلى أخر ففي البلدان النامية جاءت نتيجة التخلف ولم تشهد تقدماَ صناعياَ وهنا يكمن مربط الفرس كما يقال فالمشكلة تتجسد في التخلف والتبعية - استيراد العلم من الدول المتقدمة التي جاء بعدها الانفجار السكاني وبالتالي حل المشكلة يتجه باتجاه الأساس وهو التخلف وليس تخفيض عدد السكان كما يروج له فهذه المشكلة هي نتيجة للتخلف وليست سبباَ له ، فالحل يكمن في الخلاص من التخلف وهذه بعض المؤشرات التي تدل على تلك الخسائر التي تتكبدها دول العالم الثالث والتي لا علاقة لها بالتزايد السكاني والتي ق تكون العامل الأساسي في تخلف هذه البلدان وإعادة إنتاج تخلفها :

خدمة الديون: فالكثير من دول العالم الثالث لا يكفي كل ما لديها من واردات ودخل قومي لسداد ما هو مترتب عليها من ديون فيسجل ميزانها التجاري عجزاَ نتيجة عدم المقدرة على دفع تلك الديون التي تأخذ شكل فوائد وأقساط.

  تدهور التبادل الدولي حيث تصدر هذه البلدان المواد بأسعار زهيدة جداَ لتستورد مواد مصنعة بأسعار تفوق الخيال.

   أثر العوامل الداخلية في البلدان نفسها التي تكرس التخلف وتعيد إنتاجه كالنفقات الغذائية والعسكرية والمصاريف الباهظة على السلع الاستهلاكية. 

   مع الإشارة إلى 20 % نسبة سكان البلدان المتقدمة من سكان العالم و 80 % يشكلون سكان البلدان النامية في حين أن 80 % من الدخل العالمي هو من نصيب سكان البلدان المتقدمة و20 % فقط هو من نصيب سكان البلدان النامية.

  يرى البعض أن مواجهة المشكلة السكانية عن طريق دفع الدخل والبعض الأخر يرى ذلك عن طريق تغيير العادات والتقاليد والبعض الأخر يعتبر أن المشكلة السكانية أمر حيوي ويعني ان تحتل برامج تنظيم الأسرة الأهمية العظمى في ظل خطط التنمية ولكن حل المشكلة السكانية يتطلب عدة خطوات أهمها التحرر الاقتصادي ويعني ذلك في التبعية الاقتصادية بكافة أشكالها سواء التبعية النقدية لنظام النقد الدولي أو التبعية التكنولوجيا أو مشاركة رأس المال الأجنبي أو عدم السيطرة على النظام المصرفي المحلي .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق