آليات تدخل الجهة في التنمية القروية
شكل الإصلاح الجهوي المصادق عليه بالإجماع مخرجا لما عرفته الخريطة المحلية من عوائق تراكمت بفعل سلبية الإدارة الترابية، والاهتمام الخجول بالمجال، هذا بالإضافة إلى صعوبات بنيوية تمثلت في العامل الطبيعي ومخلفات الإرث الاستعماري.
وتندرج الجهة في منطوق ديباجة القانون التنظيمي الجديد [1]... في إطار تشييد مغرب عصري..... بعد أن تراكمت لديه التجارب والنتائج الأولى للديمقراطية واللامركزية قد بلغ مرحلة من النضج ستؤهله لولوج مرحلة جديدة لترسيخ الديمقراطية المحلية التي ستوظفها الجهوية لخدمة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي.... وبالتالي إعطاء ديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة.... بفضل اضطلاع المواطنين بصورة أوسع بطرق تسيير شؤونهم بأنفسهم، وإذا كانت التنمية القروية ضرورة ملحة وتفرض إدخال تغييرات تمس البنى الاجتماعية والاقتصادية من أجل تنمية مندمجة ومستديمة، فان الأمر يتطلب وضع خطط وبرامج في إطار رؤية مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات المحلية والحاجيات وانطلاقا من فرضية تعدد الآليات المتدخلة في تحقيق التنمية القروية سنقوم في هذا المطلب بالوقوف عند الآليات القانونية والإدارية للجهة ودورها في تفعيل التنمية القروية.
الآليات القانونية والإدارية:
شكلت الجهة في ظل ظهير 1971 "إطار للدراسة والنشاط الاقتصادي" ( un cadre d' étude et d'action économique ) [2]، يفتقد لكل شخصية قانونية أو استقلال مالي، مما أدى إلى عقم هذه التجربة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وجعلها بالتالي محل انتقاد كل الفاعلين السياسيين، مما حدا بالمشرع للرقي بالجهة إلى مرتبة جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية والإدارية لتمكينها من لعب دورها في مجال التنمية القروية.
أولا : الآليات القانونية
مما لاشك فيه أن الجهة كجماعة محلية تعتبر تعزيز ا للامركزية وتتميما للبناء المؤسساتي، وذلك لكونها مؤسسة جديدة تبلور صلاحيات وأدوار متميزة بحكم أن مجلسها يتكون من منتخبي الجماعات المحلية وممثلي التنظيمات والهيئات المهنية وأرباب العمل والشغالين قصد التفكير والتداول في تطلعات وإصدار البرامج والمشاريع التنموية المرتبطة بها، وفي هذا الإطار أصبح للجهات إطار قانوني جديد يضعه قانونها رقم 96- 47 الذي جعل من الجهات المحدثة بمقتضى الفصل 100 من دستور 1996 جماعة محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.
فالقانون المنظم لنشاط الجهة يسعى إلى جعل هذه الأخيرة إحدى مراكز صنع القرار في ميدان التنمية القروية على الصعيد الجهوي عبر تمكينها من مجموعة من الآليات من بينها [3]:
المجلس الجهوي : [4] يتكون وفقا لمدونة أحكام الانتخابات من ممثلين للجماعات المحلية والغرف المهنية والمأجورين، ويضم المجلس كذلك أعضاء البرلمان المنتخبين في إطار الجهة، وكذا رؤساء مجالس العمالات والأقاليم الواقعة داخل الجهة الذين يحضرون اجتماعاته بصفة استشارية، ويتولى تدبير شؤون الجهة بحرية ينتخب بطريقة ديمقراطية لمدة ست سنوات وفقا للشروط المحددة في قانون الانتخابات. وينتخب أعضاء المجلس الجهوي عن طريق الاقتراع باللائحة وبالتمثيل النسبي دون استعمال طريقة مزج الأصوات والتصويت التفاضلي. غير أن الانتخاب يباشر بالاقتراع الفردي بالأغلبية في دورة واحدة إذا كان الأمر يتعلق بانتخاب عضو واحد [5].
تنظيم سير عمل المجلس الجهوي: ينص القانون 96-47 المتعلق بالتنظيم الجهوي في فصوله من 10 إلى 38، على انتخاب المكتب (الرئيس ونوابه) الذي يتولى تدبير شؤون الجهة بحرية على إجراءات توقيف وحل المجلس الجهوي وقواعد تسييره فيما يتعلق بالمكتب، وتجدر الإشارة إلى أن أعضاءه ومن ضمنهم الرئيس، ينتخبون لمدة ثلاث سنوات وتختص المحكمة الإدارية بالنظر في النزاع المتعلق بهذا الانتخاب [6].
ويمكن إقالة الرئيس من مهامه بأغلبية الثلثين، وهو إجراء لا يمكن أن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد انصرام أجل سنة من تاريخ انتخابه، ولا يمكن قبول هذه المسطرة من جديد داخل أجل سنة واحدة من تاريخ إجرائها.
وتجدر الإشارة إلى أن المقتضيات المتعلقة بتوقيف وحل المجلس الجهوي تستمد من المقتضيات المعمول بها على المستوى الجماعي، أما بخصوص القواعد المتعلقة بسير عمل المجلس الجهوي الذي يجتمع ثلاث مرات في السنة في دورات عادية لا تتجاوز مدة الواحدة منها 15 يوما متوالية من أيام العمل فتشمل على الخصوص تجديدات ترمي إلى الرفع من مستوى دور ومكانة رئيس المجلس الجهوي في مجال تحديد جدول الأعمال وتسيير الجلسات، وليس للعامل سوى صلاحية الاقتراح، ولا يمكنه التدخل في مناقشات المجلس إلا بطلب من الرئيس [7].
سلطات الوصاية: نلاحظ أن البنود المنظمة للوصاية على المجلس الجهوي والعلاقة مع السلطة المحلية المتمثلة في عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، وكذا السلطة المركزية المتمثلة في وزير الداخلية تبدو محافظة ولا تعكس الغاية التي يتوخاها خطاب إعادة هيكلة الجهة.
بالإضافة إلى الوصاية على أعضاء المجلس الجهوي التي تتجلى في الحل والتوقيف طبقا للمادتين 19 و 20 من قانون 96-47 فإن التدابير المتداول بشأنها من طرف المجلس الجهوي المنصوص عليها في المادة 41،لا يمكن أن تدخل حيز التنفيذ إلا بعد المصادقة عليها من طرف سلطة الوصاية، حيث لا تتمتع هذه الأخيرة بآجال زمنية واسعة سواء في الحالة العادية أو الحالة الاستثنائية [8].
في الحالة العادية: تحال التدابير المتداول بشأنها من طرف المجلس الجهوي عن طريق عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة إلى وزير الداخلية من أجل المصادقة عليها داخل أجل 30 يوما بعد توصل الوزير بالمقرر، أو داخل أجل 15 يوما في حالة تفويض المصادقة من قبل وزير الداخلية إلى عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة [9].
ويمكن تجديد هذه المدة بنفس الآجال الزمنية مرة واحدة بمقتضى مرسوم بناء على اقتراح من وزير الداخلية مع التعليل. وفي هذه الحالة تتطلب المصادقة على المقرر 60 يوما إذا تمت المصادقة من قبل وزير الداخلية إلى عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة [10].
في الحالة الاستثنائية: إذا لم تتم المصادقة على المقررات، فإن الأمر يتطلب إضافة آجال زمنية أخرى إلى الآجال السالفة الذكر للبث في المقرر قضائيا: أي ثمانية أيام لإحالة المقرر من قبل المجلس الجهوي إلى المحكمة الإدارية التي لها صلاحية البث في المقرر المطعون فيه داخل أجل 30 يوما.
وتجدر الإشارة إلى أن السلطة التقريرية للمجلس الجهوي في مجالات واسعة النطاق من تدخله تعتبر محدودة بقوة تدخل سلطة الوصاية الشيء الذي يؤدي إلى صدور المقرر بعد أجال قد تصل إلى 98 يوما (المصادقة من طرف وزير الداخلية مع إحالة النزاع على المحكمة الإدارية) و68 يوما (المصادقة من طرف عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة بموجب التفويض مع إحالة النزاع على المحكمة الإدارية)، الشيء الذي يؤدي إلى إفراغ هذه المقررات من جزء كبير من محتواها [11].
ومن جهة أخرى يتولى العامل تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي ولأجل ذلك يختص باتخاذ التدابير اللازمة لضمان تنفيذ تلك المقررات. وإذا تبين للمجلس في شخص الرئيس أو ثلث الأعضاء، تعارض التدابير المتعلقة بالتنفيذ مع المقررات الصادرة عن المجلس يمكنه أن يطلب اجتماع أعضاء المجلس الجهوي للنظر في المسألة. وإذا ثبت هذا التعارض يجوز للرئيس توجيه طلب توضيحي إلى عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، وفي حالة عدم التوصل بالجواب أو كان غير مقنع، يمكن للمجلس إقرار ملتمس بالأغلبية المطلقة لأعضائه إلى وزير الداخلية دون إيقاف تنفيذ التدابير [12].
و مما سبق، بالإمكان ملاحظة أن سلطات المجلس الجهوي في مواجهة سلطة الوصاية تبدو مقلصة، فمن ناحية نرى أن اعتراض المجلس على تدابير التنفيذ المتخذة من قبل عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة بحجة عدم مطابقتها مع مقرراته لا يؤدي إلى وقف تلك التدابير كما هو الشأن بالنسبة لمقررات المجلس الجهوي التي لا توافق رغبات سلطات الوصاية. ومن ناحية ثانية، فان إحالة الملتمس ضد تدابير التنفيذ المتخذة من طرف عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة يتطلب توفر الأغلبية المطلقة للأصوات التي يتألف منها المجلس الجهوي، وهو ما يتعذر تحقيقه في أغلب الأحيان، مما يفسح المجال واسعا لإمكانية تطبيق تدابير لا تعبر عن طموحات الجهاز التمثيلي للجهة [13].
ومن جهة ثالثة، وفي حالة تحقق النصاب القانوني للتصويت، فان هذا الملتمس يوجه من قبل عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة إلى وزير الداخلية الذي لا يعدو أن يكون مجرد سلطة رئاسية أعلى في مجال الوصاية المفروضة على المجالس الجهوية، وليس جهازا قضائيا محايدا، كما هو الشأن بالنسبة للخلافات حول مضامين مقررات المجلس الجهوي [14].
هكذا يستفاد من القانون المنظم للجهات رقم 96-47 في بابه الرابع أن الوصاية تمارس لآجال محدودة من طرف وزير الداخلية أو من طرف عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة، وتحت مراقبة المحكمة الإدارية في حالة نزاع. غير أن مسطرة القراءة الثانية تمكن من إجراء تشاور من شأنه الحيلولة دون تزايد الطعون القضائية، ومن جهة أخرى، فإن المحكمة الإدارية تتولى عوض سلطة الوصاية الإعلان عن بطلان أو قابلية إبطال بعض المقررات [15].
إذا كان القانون رقم 96-47 جاء ليعلن بداية متطورة في نظام الجهة بالمغرب والتي عرفت طفرة نوعية بعد التعديلات الدستورية الأخيرة (1992 - 1996)، ونظرا لأهمية هذا القانون في التأثيث للتجربة الجهوية بالمغرب لابد من الوقوف على الخاصيات العامة المميزة لقانون الجهة، والتي ستؤطر تحليلنا لدور الجهة في تحقيق التنمية القروية بالمغرب في المحطات اللاحقة، فما هي المستجدات الإيجابية لقانون تنظيم الجهة بالمغرب؟ وما هي الحدود العامة المؤطرة لهذا النص القانوني والمبرزة لنقائصه ؟
1- المستجدات الإيجابية لقانون تنظيم الجهة بالمغرب :
باعتبار الجهة قد ارتقت إلى جماعة محلية [16] فإنها بذلك أصبحت تتوفر على الإطار القانوني اللازم للحديث، مبدئيا عن تنمية قروية [17]، وبالرجوع إلى القانون المنظم للجهوية الحالية نجد أن الإيجابيات التي حملها قانون 96-47 تتمحور حول نقطتين أساسيتين تتمثلان في: اعتبار الجهة إطارا لتمثيل المصالح الجهوية، والتعبير عنها من جهة، ثم أداة مناسبة للتنمية الاقتصادية من جهة ثانية، وفي خضم السعي لبلوغ هذين الهدفين، فقد تضمن قانون 96-47 عدة مستجدات جزئية تميزه عن الأنظمة القانونية السابقة له وتتمثل جل هذه المستجدات الإيجابية في النقط التالية :
* توسيع تركيبة المجالس الجهوية، لتشمل فئات واسعة من النخب السياسية الوطنية والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية.
* التنصيص على انتخاب أعضاء مكتب المجلس الجهوي لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
* توضيح مفهوم الأغلبية المطلقة لانتخاب الرئيس والنائبين الأول والثاني، بحيث استعمل النص القانوني، تعبير الأغلبية المطلقة (أو النسبية) للحاضرين بدل الأغلبية المطلقة أو النسبية فقط.
* حذف مقتضيات منح ظهير الثقة حيث يمارس رؤساء المجالس الجهوية اختصاصاتهم بمجرد انتخابهم دون انتظار ظهير الثقة [18] .
- التوضيح الدقيق لحالات التنافي [19].
- إبراز دور المحاكم الإدارية بخصوص الطعن في انتخاب أعضاء المجلس الجهوي.
- إيجاد حل قانوني نسبي لإشكالية رفض الحساب الإداري، وذلك بالتنصيص على ضرورة تعليل قرار المجلس الجهوي وإلا ترتب على عدم التعليل بطلان القرار.
- إقرار ضرورة تحليل وزير الداخلية لطلب إجراء دراسة جديدة الذي يوجهه إثر الرفض الصادر عن المجلس الجهوي بخصوص الحساب الإداري.
- التخفيف النسبي من الوصاية على أعمال وقرارات المجالس الجهوية.
- السماح للجهة بالطعن في قرار رفض مقرر جهوي من قبل سلطة الوصاية [20].
- التأكيد على تقنية طلب إجراء دراسة جديدة وتكرارها في عدة مواد.
- التأكيد على حضور ممثل الدولة،عامل مركز الجهة أثناء جلسة انتخاب أعضاء المكتب.
- التنصيص على الاختصاص القضائي للنظر في مسألة بطلان القرارات من قبل المحاكم الإدارية.
- إسناد البت في الحسابات الإدارية للمجالس الجهوية للحسابات.
- التنصيص على ضرورة إرفاق نقل اختصاص جديد للجهة بالوسائل اللازمة لممارسته وخاصة المالية منها.
إحياء دور بعض الهيئات الاستشارية العليا (المجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط اللجنة الوزارية لتهيئة التراب الوطني) [21].
- التنصيص على إحداث جريدة رسمية للجماعات المحلية تنشر قرارات المجالس المحلية والأجهزة التنفيذية [22].
- تحديد الإطار القانوني لتعاون الجهة مع الدولة وباقي الجماعات المحلية الأخرى ومؤسسات القطاع الخاص.
- إحداث صندوق الموازنة والتنمية الجهوية.
- منح رئيس المجلس الجهوي صلاحية تعيين أطر عليا بالجهة (الكاتب العام، المكلفين بالدراسات).
- منح الكاتب العام للجهة صلاحيات جديدة تتمثل في إشراكه في عدة لجان واجتماعات.
- منح أعضاء المجلس الجهوي وموظفيه حق الاستفادة من التعويضات [23] عن المهام والتمثيل بالنسبة للرئيس ونائبه والمقرر العام للميزانية ونائبه وكاتب المجلس ونائبه، وتعويضات عن التنقل فقط بالنسبة لباقي أعضاء المجلس.
- إحداث سبع لجان جهوية دائمة.
التنصيص على حل المجلس الجهوي في حالة تغييب أعضاء المجلس الجهوي عن اجتماعات الدورات القانونية، بعد الاجتماع الثالث وتعذر حضور ثلث الأعضاء [24].
2- حدود القانون المنظم للجهة :
على الرغم من المستجدات الايجابية التي حملها قانون 96-47 المتعلق بالجهات، إلا أنه يمكن إبراز بعض الاختلالات التي شابته نظرا لاجتراره لعيوب سابقة، واستجد كذلك بشكل سلبي للغاية في بعض الأمور التي نظمها، والتي لا شك أنها ستقف عقبة أمام الدور المفروض على الجهات أن تلعبه في مجال التنمية القروية فإذا كانت التجربة الجهوية التي عرفها المغرب في مطلع [25] السبعينات قد تم انتقادها ووصفت بأنها ليست بسياسة جهوية بقدر ما هي عمل جهوي للسلطات العمومية، فقد جاءت الجهة بنظامها الحالي(قانون 96-477) لتحاول تجاوز عجز ظهير 16 يونيو 1971 عن بلورة نظام للجهة بالمغرب المستقل، وإلى جانب القانون المنظم للجهة رقم 96-47 تميز نظام الجهة الحالي بالتقسيم الجهوي الذي شكل إحدى نتائج دسترة الجهة والذي تم بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة (1992 - 19966) التي تمثل حلقة مهمة في سلسلة الإصلاحات السياسية والدستورية التي دخل فيها المغرب مؤخرا ويطرح التنظيم الترابي إشكالية في البناء الجهوي إذ هو الإطار التطبيقي له، فالتقسيم الجهوي إذن هو جغرافية النظام مما يتطلب تدبيرا ملائما وترشيدا في التخطيط للإمكانيات والطاقات، فكل إهدار لهذه الأخيرة هو عائق في مسار النظام ككل وأحد المثبطات التي قد تعطل نجاحه. وبالعودة إلى التقسيم الجهوي الحالي الذي جاء كإحدى نتائج دسترة الجهة وإعلانها جماعة محلية، نجد أنه ميز بين مناطق المغرب وجعلها ستة عشر جهة بدل سبع جهات اقتصادية بموجب التقسيم الذي عرفه المغرب في مستهل السبعينات، فغدت الجهات المغربية بموجب هذا التقسيم على الشكل التالي [26]:
جهة وادي الذهب لكويرة (وادي الذهب ).
جهة الحسيمة – تازة – تاونات (الحسيمة)
جهة سوس ماسة درعة (أكاد ير)
جهة العيون – بوجدور (العيون).
جهة الشاوية ورديغة (سطات)
جهة كلميم سمارة (كلميم).
جهة الشراردة بني حسن (القنيطرة)
جهة الدار البيضاء الكبرى (الدار البيضاء أنفا)
الجهة الشرقية (وجدة أنجاد)
جهة دكالة عبدة (أسفي)
جهة الرباط سلا – زمور – زعير (الرباط)
جهة مكناس المنزه
جهة تادلة أزيلال (بني ملال)
جهة تانسيفت مراكش الحوز (مراكش المنارة).
جهة فاس بولمان (فاس الجديدة).
جهة طنجة تطوان (طنجة أصيلة) [27].
وبالنظر إلى هذا العدد لا نملك إلا أن نصفه بأنه ضخم مقارنة بعدد سكان المغرب ومساحته وإمكانياته البشرية والمالية ومتطلبات الهيكلة الجهوية، ذلك أن تقسيما من هذا الحجم يتطلب تكاليف مادية وموارد بشرية كبيرة. وبالنظر إلى الجهة كجماعة محلية جديدة نشير إلى أن التجهيزات الجماعية لازالت ضعيفة إن لم تكن منعدمة أحيانا، فالعديد من الجماعات المحلية تفتقر إلى البنيات الضرورية اللازمة للحياة اليومية للمواطنين إن لم تكن تتوفر على مقرات تأوي موظفيها ومنتخبيها، كما أن تعدد الجهات سيكون مكلفا بخصوص الإدارة المغربية فهي ستة عشر جهة مما يتطلب إعادة الهيكلة للإدارة الجهوية لمجموع الوزارات والمكاتب الوطنية وهذا سيكون ذا كلفة باهظة تتطلب موارد بشرية لتسييرها وتدبير شؤونها.
من جهة أخرى نشير إلى أن تسمية الجهات الحالية على غرار سابقاتها (ظهير 16 يونيه 1971)، لا تحمل دلالة طبيعية وتاريخية اللهم إذا استثنينا بعض الجهات كجهة وادي الذهب – جهة الشاوية ورديغة – جهة مكناس تافيلالت وجهة سوس ماسة درعة وجهة الأطلس المتوسط تادلة تبقى تسمية معظم الجهات تفتقر إلى الحمولة التاريخية وتفتقد ترجمة خصوصيات الجهة الطبيعية والبشرية إذ أن تسمية الجهات بأسماء المدن المكونة لها أو المداشر لا يعبر في الواقع عن التحول من المدن أو الإقليم إلى مستوى من حجم الجهة، بقدر ما يثير الخلط وعدم التمييز وكاقتراح بهذا الخصوص نجد أن أحد الباحثين في الاقتصاد الجهوي [28] قدم تقسيما للجهات المغربية حاول من خلاله إبراز الخصوصيات الطبيعية والتاريخية للجهة ولو أنه تقسيم ضخم العدد إذ فاقت الجهات إحدى عشر جهة وهو رقم يبقى غير بعيد عن نظيره الحالي الذي يبلغ ستة عشر جهة وتكمن ايجابية هذا الاقتراح في إلمامه بالمعطيات التاريخية والطبيعية كما أسلفنا، و يبقى أي تقسيم غير نهائي وغير مكتمل، فإنجاز تقسيم متوازن يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الطبيعية والتاريخية والاقتصادية يتطلب اتخاذ جملة من التدابير وتجاوز أخطاء التقسيمات الإدارية السابقة سواء الإقليمية أو الجماعية أو الجهوية و عدم اجترارها، فالتقسيمات التي عرفها المغرب قبل خروج نظام الجهة بشكله الحالي إلى الوجود تنسجم مع متطلبات العمل التنموي لأن وضعها لم يأخذ بالحسبان التطورات التي سيشهدها نظام الجهة بالمغرب لاحقا و من نتائج ذلك أن الاختلالات والانتقادات التي عرفتها هذه التقسيمات انعكست بشكل كبير على التنظيم الجهوي ككل و لا أدل على ذلك من التقسيم الجماعي الذي عرفه المغرب سنة1992 [29] فكان إحدى نتائج عدم انسجامه مع التقسيم الجهوي الجديد هو عدم توازن عدد الجماعات المحلية لكل جهة على حدة، فلوحظت فوارق كبيرة بين الجماعات المغربية والدليل على ذلك التمييز بين جهة وادي الذهب التي بلغ تعداد جماعاتها المحلية ثلاثة عشر جماعة، وجهة سوس ماسة درعة التي بلغ مجموع جماعاتها المحلية 2399 جماعة، ونجد ترجمة لهذه الاختلالات على مستوى المساحة والسكان لكل جهة على حدة. فبالنظر إلى جهة السمارة – كلميم التي تبلغ مساحتها حوالي 133730 كلم 2، أو جهة العيون – بوجدور التي تصل مساحتها الإجمالية 480139 كلم 2 نجد فرقا كبيرا مقارنة مع جهة الدار البيضاء التي لا تتعدى مساحتها 1615 كلم 2، مع العلم أن هذه الجهة لها [30] أهميتها الاقتصادية وتعرف تمركزا قويا لساكنة مهمة الشيء الذي لا يتماشى ومتطلبات الجهة التنموية فهذا الإطار الجغرافي الضيق لا يمكنه الاستجابة للجهة كمستوى وسيط بين المستوى المحلي والمستوى الوطني فأحيانا يصعب تمييز الدار البيضاء كولاية أو إقليم أو كجهة تسمح ببلورة سياسة إعداد التراب، وإعداد مخطط تنموي جهوي [31].
من جهة أخرى نشير إلى أن التقسيم الجهوي بشكله الحالي أفرز جهات ضعيفة من قبيل جهة الحسيمة – تازة والتي لا يتوقع تحقيق تضامن وتكامل فيما بينهما في الوقت الذي يعتبر فيها الشمال محتاجا لإستراتيجية اقتصادية تنهض به وتحقق نوعا من التوازن التنموي، ولهذا تم إحداث وكالة تنمية الشمال ولا يتصور بالتالي أن تقسيم هذه المنطقة إلى جهات والذي من شأنه خلق بعض الجهات الضعيفة كفيل بالنهوض بالمنطقة اقتصاديا وتنمويا [32].
ومن المؤاخذات على التقسيم الجهوي الحالي التعسفات التي تم خلقها على غرار تقسيم 1971، فإذا كان هذا الأخير قد فصل بين مراكش وورزازات مع العلم أن المساحة الفاصلة بينهما لا تتعدى 200 كلم 2 بينما تتجاوز 400 كلم 2 بالنسبة لأكاد ير، فإن التقسيم الحالي فصل بين مدينتي فاس و تاونات بإلحاق هذا الإقليم بجهة تازة – الحسيمة مع العلم بوجود روابط تاريخية واقتصادية بين فاس وتازة، ويلاحظ الشيء نفسه بخصوص القنيطرة والرباط فقد انعكس التعسف على مستوى خلق جهات إضافية مع العلم أنه تمثل جزء لا يمكن فصله عن الجهات الأصلية ويتعلق الأمر بالجهتين : جهة الشاوية ورديغة ( سطات )، وجهة الوسط الأطلس (أسفي) التي تضم مدينة الجديدة التي تشكل في الواقع إلى جانب مدينة سطات ضواحي لمدينة الدار البيضاء بحكم الارتباطات الاقتصادية والبشرية بين العاصمة الاقتصادية والمنطقتين المذكورتين ويلاحظ نفس التعسف في الفصل بين تافيلالت و درعة مع العلم أن هناك تشابه على مستوى التنمية المحلية ( اقتصاد الواحة ) فإلحاق درعة بجهة سوس ماسة من شأنه أن يخلق اختلالات تنموية، و يحول بالتالي دون تحقيق التضامن و التكافل الاقتصادي المنشود [33].
أما على المستوى السياسي، فالجهة تعتبر قاعدة لمجلس المستشارين إذ بموجب الدستور [34] تشكل المجالس الجهوية ثلاثة أخماس مجلس المستشارين، وما يخشى منه هو التعامل مع الجهة كدائرة انتخابية وهو ما يؤدي الى هيمنة الاعتبارات السياسية على هاجس التنمية القروية، فالجهة تظل مع ذلك نواة لبلورة سياسة تنموية وطنية لمقاومة الاختلالات الجهوية بالدرجة الأولى، وتطوير سياسة منسجمة ومتكاملة تهدف تحقيق التنمية القروية على صعيد كل جهة [35].
كانت هذه جملة ملاحظات حول التقسيم الجهوي الحالي الذي أعقب التعديلات الدستورية الأخيرة (1992 - 1996) ويبقى أي تقسيم غير مكتمل وقابل للنقاش والانتقاد، فإذا حاول التقسيم الإلمام بالمعطيات التاريخية والطبيعية فلا شك أن ذلك سيكون على حساب الإكراهات الاقتصادية ومتطلبات التنمية الجهوية والعكس صحيح، وبالتالي يغدو التقسيم الجهوي [36] من المواضيع المعقدة التي تتطلب إلماما بالمعطيات والعوامل الاقتصادية والطبيعية والبشرية للبلاد، ومدى قبولها للتكامل والتضامن فيما بينها، وما يزيد من تعقيد التقسيم الجهوي هو صعوبة تعديله وتغييره وذلك لطبيعته المستقرة، وبالتالي يصعب تغييره وتعديله بما ينسجم والنقاش السياسي ومتطلبات التنمية القروية.
إن تغيير الخريطة الجهوية عملية صعبة ومعقدة من الناحية المادية والتنظيمية، وذلك على العكس من القانون المنظم الذي كان من السهل تغييره وتعديله وفق الاختيارات السياسية المتفق عليها والتي اعتبرت ضرورية للمرحلة الراهنة، فالتقسيم الجهوي يفرض هيكلة إدارية جديدة وهو ما يفرض إعادة النظر في التنظيم الإداري المغربي خصوصا على مستوى الإدارات الجهوية والمصالح الخارجية للوزارات وكذا الدراسات وتصاميم التهيئة والتنمية الجهوية التي أنجزت في إطار التقسيم الجهوي السابق [37] (جهة السبعينات) ورغم صعوبة التقسيم الجهوي واعتباره قضية شائكة فإن ذلك لا يمنعنا من اتخاذ جملة تدابير ومراعاة مجموعة من المعطيات المادية لإنجاز أي تقسيم ترابي خصوصا إذا كان من حجم التقطيع الجهوي الحالي، ولهذا السبب نميز بين ثلاث مستويات نسميها تجاوزا المستوى المادي المستوى التقني والمستوى السياسي، وهي جوانب نعتقد بأنها تطرح نفسها بإلحاح، خصوصا إذا تعلق الأمر بالتنظيم الترابي الجهوي بغض النظر عن المستوى الذي تندرج ضمنه وذلك لتداخل المستويات المذكورة وصعوبة التمييز فيما بينها والذي جاء لضرورة منهجية صرفة [38]:
أ - على المستوى المادي :
أشرنا أن أي تقسيم إداري لا يخلو من عيوب وأخطاء و بالأحرى إذا كان جهويا خصوصا إذا اقتصر على بعض التدابير الغير الفعالة، كالبحث عن منفذ للبحر أو غير ذلك، ولهذا يجدر بنا في أي تقسيم جهوي أن نأخذ بعين الاعتبار المعطيات المادية الفعلية الحقيقية للمنطقة والكفيلة بإعداد جهة اقتصادية تكون كفيلة بمواجهة إكراهات الإقتصاد العالمي وعولمة الاقتصاد، ولهذا يجب الاهتمام بالسوق المالي للمنطقة أي مداخيل العملة الصعبة وكذا مدى رواج العملة النقدية داخلها، بالإضافة إلى الشبكة الطرقية والمواصلات السلكية واللاسلكية ونسبة مساهمة الجهة في النسيج الإقتصادي للبلاد وأهميتها الفلاحية بالنظر إلى إنتاجها وتساقطاتها المائية والبنيات التحتية التي تحظى بها الفلاحة من سدود وأنهار مجهزة والتركيز على الفلاحة راجع إلى أهميتها بالنسبة لكل جهة على حدة وكذا للاقتصاد الوطني.
من جهة أخرى من الضروري تحديد الفئات النشيطة في المنطقة ولا شك أن استحضار هذه المعطيات بالنظر إلى التقسيم الجهوي الحالي يجعلنا نعيد النظر في التقسيم الجهوي مع الأخذ بعين الاعتبار أن تغيير التقسيم واستبداله يكلف مالية الدولة وأجهزتها التنظيمية على مستوى الموارد المادية والبشرية، ولهذا يعد الأخذ بعين الاعتبار المعطيات المادية المذكورة (السوق المالي والنقدي للجهة، القطاع الفلاحي والغابوي....) إحدى الضرورات الأساسية في أي تقسيم إداري جهوي [39].
ب – على المستوى التقني:
نشير بخصوص هذه النقطة إلى ضرورة إعادة النظر في التقسيمات الإدارية بالمغرب سواء منها الإقليمية أو الجهوية أو الجماعية لأنه لا يمكن تجاوز الأخطاء المادية لهذه التقسيمات بسهولة وليس من شأن ذلك سوى تراكم الأخطاء وفداحتها [40].
ج – على المستوى السياسي :
ما يخشى منه هو تعامل القوى السياسية مع الجهة كدائرة انتخابية بمعنى تغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الحقيقية التي وجدت لأجلها الجهة وهي بلورة سياسة إعداد التراب والعمل على تحقيق عمل تنموي جهوي متوازن ينصهر في مجموع سياسة إعداد التراب الوطني وسياسة التنمية القروية [41].
من جهة أخرى نشير إلى ضرورة إعادة النظر في أشكال الاقتراع المتبعة والسهر على تحقيق انتخابات نزيهة وشفافة، لأنها الرهان الوحيد لإنجاز نظام الجهة بالمغرب حيث لا يمكن بلورة الممارسة الجهوية على أساس مجالس انتخابية جهوية مزورة وعلى أنقاض انتخابات جماعية مليئة بالأخطاء والخروقات القانونية فالانتخابات الجماعية، للإشارة هي قاعدة الانتخابات على الصعيد الجهوي.
ثانيا : الآليات الإدارية
لا أحد يجادل في أن الجهوية الحقيقية تقتضي تجنيد الطاقات والوسائل وتطويرها محليا وجهويا وبلورتها في نشاط مناسب، كما أن الجهوية الحقيقية تقتضي توفير الآليات الإدارية الأنسب للإنتاج والإبداع، ويفهم من خلال الأهداف العامة للتنظيم الجهوي الذي جاء به قانون 96/47 أن الجهة أصبحت تشكل الواقع والأرضية التي ينبغي أن تنطلق منها مشاريع التنمية [42] وحتى يتسنى للجهة القيام بأدوارها التنموية وجب منحها مجموعة من الاختصاصات بغية ضمان نجاح تجربة التنمية القروية.
أ- الاختصاصات الذاتية للجهة في مجال التنمية الجهوية :
شكل موضوع منح الجهة اختصاصات أصلية إحدى أهم مطالب الأحزاب السياسية، كما عبر العاهل الملكي، عن ضرورة منح الجهة، الاختصاصات اللازمة كي تنهض بالدور المنوط بها، في مجال التنمية [43] الجهوية الشاملة والمتكاملة، لذلك جاء القانون الجديد حول الجهوية متضمنا مجموعة من الاختصاصات الرامية إلى تفعيل دور الجهة في مجال التنمية، يمكن إجمالها في 14 اختصاصا وهي [44]:
1 – دراسة ميزانية الجهة والتصويت عليها وكذا دراسة الحسابات الإدارية والمصادقة عليها.
2 – إعداد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة وفقا للتوجهات والأهداف المعتمدة في المخطط الوطني للتنمية.
3 – إعداد التصميم الجهوي لتهيئة التراب وفقا للتوجهات والأهداف المعتمدة على المستوى الوطني.
4 – تحديد كيفية وضع أساس الرسوم والاتاوي، ومختلف الحقوق المحصلة لفائدة الجهة، وتحديد تعريفاتها وقواعد تحصيلها وذلك وفقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
5 – القيام بالأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمارات الخاصة والتشجيع عليها ولاسيما بإقامة وتنظيم مناطق صناعية ومناطق للأنشطة الاقتصادية.
6 – البث في شأن مساهمة الجهة في مقاولات الاقتصاد المختلط وذات الفائدة الجهوية أو المشتركة بين الجهات.
7 – اعتماد جميع التدابير المتعلقة بالتكوين المهني.
8 – القيام بأعمال في ميدان إنعاش التشغيل في إطار التوجهات المحددة على الصعيد الوطني.
9 – القيام بأعمال في ميدان إنعاش الرياضة.
10 – اعتماد كل التدابير الرامية إلى حماية البيئة.
11 – اتخاذ الإجراءات الرامية إلى عقلنة وتدبير الموارد المائية للجهة والمساهمة لهذه الغاية في إعداد المخطط المتعلق بالتهيئة المندمجة لمياه الحوض المائي وذلك حينما يكون تراب الجهة يقع كليا أو جزئيا في الحوض المذكور كما يساهم في تحديد السياسة المائية على المستوى الوطني، إذا طلبت منه السلطات والهيئات المختصة إبداء رأيه [45].
12 – اعتماد جميع التدابير المتعلقة بإنعاش الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
13 – القيام بكل ما يهدف إلى إنعاش ومساندة كل عمل من أعمال التضامن الاجتماعي وكل تدبير ذو طابع إحساني.
14 – السهر على المحافظة على الخصائص المعمارية الجهوية وإنعاشها [46].
- إن دراسة هذه الاختصاصات يبين لنا أنها ليست خاصة بالجهة إذ تسمح بالتدخل في كافة المجالات بدون حدود شأنها في ذلك شأن باقي الجماعات المحلية الأخرى والدولة ومؤسساتها والمتمعن في كل اختصاص من اختصاصات الجهة يتضح له بجلاء أن دور الجهة غير واضح، أو يمكن القول بأنها تقوم بكل شيء ولا تستطيع أن تقوم بأي شيء بشكل واضح ودقيق، فالمشرع استعمل عبارات عامة مثل " إعداد " و"دراسة "و" البث " و"القيام" و " اتخاذ الإجراءات " و " اتخاذ التدابير " و " السهر " و " تقديم الاقتراحات و " إبداء الرأي " فلا يعرف بالضبط ما سيكون دور الجهة في مجال التنمية القروية فرغم التنصيص على لجنة دائمة تهتم بهذا المجال وهي لجنة الفلاحة والتنمية القروية، نلاحظ أن اختصاص هذه اللجنة لا يدخل ضمن الصلاحيات المباشرة للمجلس الجهوي، ومن خلال ذلك يطرح السؤال حول جدوى إحداث هذه اللجنة مادام المجلس الجهوي محروما من إمكانية الخوض في مجال التهيئة القروية رغم مالها من أهمية في تدعيم التوازن الاجتماعي والاقتصادي لكل جهة؟ [47]
يظهر إذن أن الجهة تتمتع باختصاصات ذاتية عامة تهم أغلب المجالات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، غير أن المشرع ودعما منه للعمل الجهوي عمل كذلك على نقل مجموعة أخرى من الاختصاصات التي كانت تتمتع بها الدولة في ظل التجربة السابقة، لفائدة الجهة.
ب- الاختصاصات المحولة للجهة من طرف الدولة :
تقوم التجربة الجهوية الحالية في جزء من فلسفتها العامة على التخفيف التدريجي من الأعباء، ذات الصبغة المحلية والجهوية، الملقاة على عاتق [48] الدولة لذلك اتجهت هذه الأخيرة إلى التخلي عن بعض اختصاصاتها لفائدة الجهة في حدود نفوذها الترابي، ويمكن إجمال هذه الاختصاصات المنقولة للجهة في :
- إقامة وصيانة المستشفيات والثانويات والمؤسسات الجامعية، وتوزيع المنح الدراسية وفقا للتوجهات الوطنية المعتمدة من لدن الدولة في هذا المجال
- تكوين أطر وأعوان الجماعات المحلية.
- إقامة التجهيزات ذات الفائدة الجهوية [49].
كما يمكن للجهة إبداء رأيها – من خلال مجلسها الجهوي – واقتراحاتها بصفة استشارية في الميادين التالية :
- اقتراح الأعمال الواجب القيام بها لإنعاش تنمية الجهة، على الإدارة وعلى الأشخاص المعنوية الأخرى الخاضعة للقانون العام، إذا كانت هذه الأعمال تتجاوز نطاق اختصاصات الجهة المذكورة أو تفوق الوسائل المتوفرة لدى الجهة أو الموضوعة رهن تصرفاتها.
- اقتراح إحداث المرافق العامة الجهوية وطرق تنظيمها وتدبير شؤونها وخاصة عن طريق الوكالة المباشرة أو الوكالة المستقلة وإما عن طريق الامتياز.
- اقتراح كل تدبير يتعلق باختيار الاستثمارات المراد انجازها في الجهة من لدن الدولة أو من لدن أي شخص من الأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام.
- إبداء الرأي في السياسات المتعلقة بإعداد التراب الوطني والتعمير ووسائلها.
- إبداء الرأي في السياسات المتعلقة بإقامة المؤسسات الجامعية والاستشفائية في الجهة [50].
ما يمكن ملاحظته أن تدخل المجلس الجهوي من خلال هذه المادة سيبقى شكليا،إذ يغيب الطابع الإجباري في الإقتراحات التي يقدمها باستعمال عبارات من قبل اقتراح إبداء الرأي مما يفرغ هذه الاختصاصات من محتواها، كما أن القانون المنظم للجهة 96- 47 لم يحدد بكيفية دقيقة مسألة تحويل الموارد المطابقة لكل الاختصاصات المنقولة [51].
كما أن القراءة المتأنية لمضامين المواد 6- 7 – 8 – 9 جعلتنا نسجل أن المشرع لم يتجاوز الصيغة العامة في تحديد الاختصاصات التي اعتمدها منذ 1960، تاريخ صدور أول ميثاق جماعي إذ استعمل عبارات من قبيل : البث، القيام، إعداد، دراسة، اعتماد، .... وهذا ما حدا بأحد الباحثين إلى التخوف من تأثير تنازع الاختصاص بين الدولة وباقي الجماعات المحلية [52] الأخرى على التنمية حيث يلخص الأستاذ محمد بوجيدة [53] الآثار المترقبة عن إشكالية عدم التحديد الدقيق لصلاحيات الجماعات المحلية فيما يلي : صعوبة ممارسة الوصاية، عدم وضوح المسؤوليات عدم وضوح ملكية كثير من البنايات والتجهيزات المنجزة، تشتيت جهود التنمية، عرقلة تكامل أدوار الجماعات العمومية هكذا يتضح إذن من خلال قراءة بسيطة لمختلف تلك الاختصاصات بأنها غير واضحة وتسمح بالتدخل في كافة المجالات بدون حدود، شأنها شأن باقي الجماعات الأخرى والدولة ومؤسساتها. والتمعن في كل واحد من هذه الاختصاصات يبين بجلاء أن دور الجهة غير واضح أو يمكن القول بأنها تقوم بكل شيء ولا تستطيع أن تقوم بأي شيء بشكل واضح ودقيق يكمل [54] أدوار الوحدات الأخرى والدولة. فالمشرع استعمل عدة عبارات غامضة مثل إعداد ودراسة والبت والقيام واتخاذ الإجراءات واتخاذ التدابير والسهر وتقديم الاقتراحات وإبداء الرأي. فلا نعرف بالضبط ما سيكون دور الجهة في المجال الفلاحي رغم التنصيص على لجنة دائمة تتكلف بهذا القطاع. ولا نعرف حدود اختصاصاتها في المجال الصناعي والسياحي والاجتماعي والبيئي والتعمير وإعداد التراب الوطني... علما بأنه إلى جانب الدولة والجماعات المحلية التي تتدخل في الميادين المختلفة، كالمجلس الأعلى والمجالس الجهوية للثقافة والمجالس المكلفة بالبيئة والصحة. فإن الوزارات المختلفة تتدخل في كافة المجالات سواء من حيث التسيير أو التجهيز. فكيف يمكن للمجلس الجهوي إعداد مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجهة إن لم يكن يعرف بالضبط ما هو موكول له سواء للتقرير أو إبداء الرأي؟ ثم ما هي الأعمال اللازمة لإنعاش الاستثمارات وتشجيع إنجازها التي يمكنه النهوض بها ؟ وما هي التدابير التي يمكن أن يعتمدها بخصوص التكوين المهني إلى جانب الدولة [55] ومؤسساتها المتخصصة ؟ وما هي الأعمال اللازمة لإنعاش التشغيل وإنعاش الرياضة وحماية البيئة وعقلنة تدبير الموارد المائية (بالنسبة لهذه الأخيرة هناك أجهزة كثيرة تتدخل كلجنة الماء للإقليم أو العمالة ووكالات الأحواض وغيرها) ؟ ثم ما هي التدابير التي يمكن للمجلس الجهوي اتخاذها لإنعاش الأنشطة الاجتماعية والثقافية وأعمال التضامن الاجتماعي والمحافظة على الخصائص المعمارية الجهوية وإنعاشها ؟ [56]
وفضلا عن الغموض، ثمة تناقضات في قانون الجهة. فكيف يمكن قبول فكرة أن يقترح المجلس الجهوي إحداث المرافق العمومية الجهوية وهي تابعة له وتهم اختصاصاته التي من المفروض أن تكون تقريرية. ثم كيف يمكن تطبيق مقتضيات المادتين 1 و6 اللتان تنصان على أن يمارس المجلس الجهوي اختصاصاته مع مراعاة اختصاصات الجماعات المحلية الأخرى ؟
ومن المنطقي جدا أن نتساءل عما إذا كانت الجهات ستتوفر على إمكانيات هائلة للتدخل في كل الميادين أم أنها ستتخذ موقف المتفرج بخصوص المجالات المختلفة في غياب توفرها على الوسائل الضرورية، بحيث تختص بكل شيء ولا تقدر على القيام بأي شيء أو أن تدخلاتها ستكون محدودة وأنشطتها مشتتة على كافة المجالات. [57]
ولا شك أن عدم حل الإشكالية التي نحن بصددها (عدم تحديد وتوزيع الاختصاصات بين المستويات الأربعة) أو على الأقل عدم محاولة جرد الاختصاصات الممكن إسنادها لكل وحدة تترتب عليه آثار سلبية كثيرة تضر في النهاية بالتنمية القروية.
إن تحقيق التنمية القروية على مستوى الجهة يتطلب أول ما يتطلب إيجاد حل للإشكالية المتعلقة بتحديد الاختصاصات وتوزيعها بين الجهة وباقي الوحدات المتداخلة في التنمية القروية بحيث يكون لكل وحدة اختصاصات واضحة حسب ميادين تدخلاتها، ومثل هذا التحديد والتوزيع يقتضي أيضا إبراز العلاقات بينها وأوجه وسبل التعاون فيما بينها ليكمل دور كل واحدة الدور المنوط بالأخرى بدل التضارب معه أو عرقلته ومن النتائج المترتبة على توضيح اختصاصات كل مستوى من المستويات الآنفة الذكر، إبراز [58] الوحدة التي تمول التجهيزات والأنشطة المختلفة و المسؤولة عنها، وعلى العكس من ذلك فإن أي غموض في الاختصاصات الموكولة لكل هيئة من شأنه أن يفضي إلى التداخل والازدواجية بل إلى تضارب الجهود وتشتيت الوسائل المرصودة في الميزانيات (رغم قلتها) وبالتالي تشتيت جهود التنمية القروية إن لم نقل عرقلتها وهدر طاقتها وإمكانياتها ناهيك عن الاختلاسات التي يشكل غموض الاختصاصات منفذا كبيرا لها [59]، إذن فالوسائل القانونية والمؤسساتية تبقى بدون جدوى إذا لم تواكبها وسائل و إمكانات مالية و بشرية كفيلة بتمويل المشروع الجهوي للتنمية القروية، من هنا فإذا كانت الجهوية اختيار إداري وطني لتعميق اللامركزية أملته تحديات التنمية يبقى التساؤل مفتوحا حول الإمكانيات المالية و البشرية للجهة و دورها في تحقيق التنمية القروية؟
الفقـرة الثانيـة: الآليـات المادية (المالية والبشريـة)
تطرح مسألة التنمية القروية في إطار البحث عن محددات العمل الجهوي من خلال استخدام مجموع الإمكانيات المتوفرة واستغلال المؤهلات المالية والبشرية بهدف الوصول إلى أقصى درجة من الإنتاجية،ويجد كل ذلك دلالته في طريقة العمل الهادفة إلى تحقيق الفعالية، وذلك بمراعاة الشروط الضرورية للتدبير المنتج، في تناسق تلك المؤهلات المتوفرة،سواء كانت ذات أساس مالي أو بشري، فتحقيق التنمية القروية على المستوى الجهوي، لا يتوقف فقط على تخويل مجالسها اختصاصات متعددة، بل كذلك على نطاق الوسائل المادية [60]، ومن ثم فلا نتفق مع الفكرة القائلة بأنه يجب منح الاختصاصات ثم البحث لاحقا وبصفة تدريجية عن الموارد على اعتبار أن إسناد مسؤوليات جديدة لايمكن أن يتم بدون ضمانة، وتتمثل هذه الأخيرة في المبدأ القائل"بأنه لايمكن إسناد المسؤوليات دون إعطاء الوسائل الضرورية المالية منها والبشرية "التي يستلزم أن تكون في مستوى وحجم المسؤوليات والأعباء الملقاة على عاتق المجالس الجهوية.
أولا : الآليــات الماليـة:
إن تأسيس العمل بنظام جهوي فعلي يستلزم منح الجهة [61] الأدوات والوسائل المالية اللازمة لتفعيل الاستقلالية الجهوية في التدبير، فنجاح الجهة في تحقيق التنمية القروية، يرتبط ارتباطا وثيقا بالإمكانيات والوسائل المتوفرة لها، لذا فإن حجم وطبيعة المشاريع الإنمائية التي يمكن أن تقوم بها الجهة يرتبط بتلك الإمكانيات،وحتى تتمكن الجهة من القيام بمهامها في مجال التنمية القروية عمل المشرع على تمكينها من موارد قارة، ويمكن التمييز في هذا الإطار بين الموارد الذاتية ثم الموارد الاستثنائية للجهة [62].
أ- الموارد الذاتية:
تعتبر الموارد الذاتية بمثابة المعيار الذي نقيس على أساسه مدى الاستقلال المالي بالنسبة للجهة، وقد خص المشرع المغربي الجهات بمصادر للتمويل الذاتي كما يلي:
* تستفيد الجهة من حصيلة الضرائب والرسوم والأتاوى المحدثة لفائدتها بالقانون رقم 47.06 المحدد بموجبه نظام الضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها [63]،وكذا من حصيلة الضرائب أو حصص ضرائب الدولة المخصصة لها بمقتضى قوانين المالية ولاسيما فيما يتعلق بالضريبة على الشركات والضريبة على الدخل والضريبة الإضافية على الضريبة السنوية الخاصة غلى العربات ذات المحرك [64].
فنظام التمويل الذاتي للجهة يقوم على أساس الضرائب الجهوية الذي يتم فرضه بناء على أحد أسلوبين:
- الأسلوب الأول: يربط الضرائب الجهوية بالضرائب الوطنية وفق طريقتين:
* خلق ضريبة مضافة إلى ضريبة عامة بحيث تحول نسبة مئوية لفائدة الجهة.
* إشراك الجهة في حصيلة الضريبة العامة الوطنية نسبة من حصيلتها.
- الأسلوب الثاني: يقوم على الضريبة الجهوية المستقلة، غير أن المشرع لم يعتمد هذا المعيار في تحديد الموارد(الضرائب) الجهوية [65] إضافة إلى الضرائب الجهوية،تستفيد الجهة في ظل النظام الجديد من الرسوم الجهوية،أي كل ما تتقاضاه الجهات إجباريا مقابل ما تؤديه من خدمات لفائدة الملتزم بالرسم. وقد نص المشرع على نوعين من الرسوم الجهوية:
- الرسوم الجهوية المضافة: وتضم الرسوم البالغة نسبتها 5 إلى 10 المضافة إلى رسم النظافة والرسم المضاف إلى الرسم المفروض على عقود التأمين ثم الرسم الإضافي إلى الرسم الجماعي المفروض على استخراج مواد المقالع.
- الرسوم الجهوية المستقلة : وتضم الرسوم المفروضة على رخصة الصيد البري المحدد في 600 درهم سنويا،والرسم على استغلال المناجم، ثم الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ والتي تتراوح بين2 %و5% من الضريبة على القيمة المضافة (T.V.A) على أساس رقم المعاملات [66].
ب- الموارد الاستثنائية:
بالإضافة إلى الضرائب والرسوم الجهوية كمصادر للتمويل الذاتي، نص المشرع على مصادر للتمويل الاستثنائي بالنسبة للجهة وتضم :الإعانات والمساعدات، ثم القروض :
* بالنسبة للإعانات والمساعدات، يتعلق الأمر بما تتلقاه الجهة من طرف الدولة أو الأشخاص المعنوية الأخرى حيث تعاني الميزانية من عجز في التمويل، والهدف منها هو تشجيع الجهات على مواصلة تحقيق التنمية على كافة المستويات.
* أما القروض، فقد خول المشرع للجهة اللجوء إلى طلب قروض لتمويل بعض التجهيزات والمشروعات التنموية، التي لا تظهر مرد وديتها إلا على المدى البعيد [67].
كما سبق أن رأينا فيما يتعلق بالآليات المالية الجهوية والتي تتوزع إلى موارد ذاتية تتمثل في الضرائب والرسوم وعائدات أملاكها والضرائب المحولة لها من الدولة التي تستطيع الجهة أن تحول من خلالها ميزانيتها ومن موارد استثنائية تتمثل في الإمدادات من الدولة والقروض التي يمكن للجهة اللجوء إليها. فالتساؤل المطروح يدور حول ما إذا كانت الموارد الذاتية تستطيع تغطية النفقات بشقيها التسييري والتجهيزي وهذا هو حجر الزاوية للموارد المحلية ودعم الاستقلال المالي للجهة [68].
إن الموارد الضريبية المحولة للجهة كما هو شأن النظام الضريبي للجماعات الأخرى يتميز بغياب الوسائل المالية الذاتية، مما يؤثر فعلا على دور الجهة وعلى استقلالها [69].
فمسؤوليات الجهات في تزايد مستمر خصوصا وأن الدولة تستطيع أن تخول لها ما تشاء من الاختصاصات،إلا أنه وأمام غياب موارد ضريبية وموارد ذاتية أخرى سيكون لكل ذلك انعكاسا سلبيا على تنميتها لهذا يجب تفادي سلبيات تمويل الجماعات المحلية التي تتميز بضعف مواردها الذاتية، وما ينجم عنه من تأثير سلبي على سياسة اللامركزية. وتدعيما للاستقلال المالي للجماعات المحلية يجب:
منح الهيئات المحلية سلطات مالية أكثر بإعطائها سلطة جبائية تمكنها من فرض ضرائب ورسوم محلية من جهة، ومنح الإعفاءات الجبائية من جهة أخرى، وذلك وفق متطلبات التنمية المحلية ووفق السياسة الضريبية العامة للدولة [70].
- إعادة النظر في القواعد المنظمة للمالية المحلية، بما يضمن لها المرونة.
- دعم دور الجماعات المحلية في إقامة بعض المشاريع المحلية ذات الصبغة الإقتصادية أو التجارية، مع ما يمكن أن تقوم به المبادرة الخاصة في هذا الشأن، الأمر الذي يحتم على الجماعات المحلية ربط علاقة مع الخواص.
أمام الصعوبات التي تعترض الجماعات المحلية من جراء عدم كفاية الموارد الذاتية لتسديد نفقات التسيير تضطر للجوء إلى مصادر مالية أخرى غير ذاتية الشيء الذي قد يترتب عليه تبعية للجهات الممولة وبالتالي تتجرد الجماعات المحلية من استقلالها المالي والإداري، وهذا الوضع يحد من تطور اللامركزية، ومن أن تلعب الجهة دورها في النهوض بالتنمية القروية وكذا التنمية المحلية.
وتبقى القروض الوسيلة المالية الوحيدة المتبقية أمام الجهة للقيام بوظائفها التنموية، والتي تفرض عليها جهدا دائما ومستمرا في مجال الاستثمار بعد أن تبين أن الموارد الجبائية والمساعدات التجهيزية المقدمة من الدولة لا تمكن الجماعات من مواجهة المصاعب المالية المعترضة لانطلاق تنميتها [71]، فهل تلجأ الجهات إلى الاقتراض؟ و هل تساهم هذه العملية فعلا في تعويض الخصاص المالي؟ حيث يعتبر الاقتراض وسيلة سريعة في يد الجماعات المحلية و مصدرا استثنائيا، يتم اللجوء إليه لتلبية الحاجيات الاستثمارية الملحة، و التي تتطلب وقتا طويلا أو تتجاوز القدرات المالية للجماعات المحلية، و قد كان الاهتمام به من طرف السلطات العمومية منذ السنوات الأولى لعهد الاستقلال [72]، أمام الحاجة لتمويل المشاريع المحلية وضعف موارد هذه الأخيرة، و عدم إقبال القطاع البنكي على منح القروض لها [73]، و نظرا لأهمية هذا المورد فقد مكن المشرع الجهة من حق اللجوء إلى الاقتراض [74]، شأنها في ذلك شأن باقي الجماعات المحلية الأخرى، أما على مستوى الهيئات المكلفة بالاقتراض، و انطلاقا من تجربة الجماعات المحلية منذ الاستقلال، تؤكد احتكار و انفراد مؤسسة صندوق التجهيز الجماعي [75] بمهمة منح القروض، رغم المحاولات العديدة لتنويع الهيئات المتخصصة في الاقتراض لاحقا.
و تتحدد ميادين تدخل هذا الصندوق، و التي يرصد لها أمواله، في المشاريع التجهيزية الأساسية كالطرق و الماء و الكهرباء و التطهير، أو المشاريع ذات المردودية الاقتصادية و المالية كالمركبات التجارية و السياحية والسكنية و النقل الحضري و المجازر و محطات النقل العمومي و اقتناء العربات و شراء الأراضي لإنشاء احتياطي عقاري ... و هي حيوية هذا المورد في إطار تمويل التنمية محليا وجهويا.
إلا أن هذا الصندوق وجهت إليه انتقادات تصب كلها في اتجاه محدودية دوره في عملية الاقتراض [76]، و طالبت بضرورة استبداله بمؤسسات أخرى أكثر فعالية في ميدان التمويل، مثلا "بنك الجماعات المحلية" [77]، إلا أنها قوبلت بالرفض والاعتراض من قبل بعض الجماعات المحلية و المؤسسات البنكية وكذلك الوضعية المالية للدولة، و تم تحويل صيغته إلى "الشركة الوطنية لتهيئة الجماعات المحلية" فيما بعد، إلا أن كل ذلك لم يدخل حيز الواقع [78]، و تم الرجوع إلى صيغة الاقتراض من جديد.
و أمام محدودية اعتماد الجهات على مواردها الذاتية، فإن التمويلات والإمدادات الصادرة عن الدولة تحتل مكانة كبيرة ضمن ميزانيات الجهات لتدارك العجز المالي الذي تعاني منه، لكن هل فعلا تقوم بهذا الدور.
ج- ضعف الموارد المالية المحولة من الدولة:
يستلزم الدور التدخلي للجهة البحث عن وسائل لتمويل المشاريع التي تقوم بإنجازها، لكن متطلبات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و علاقتها بالموارد الجبائية الجهوية تظل مرتبطة بالسياسة الجبائية العامة مما يطرح عدة إشكالات ليس من السهل الفصل فيها.
فقد أدركت الدولة عند وضع الإصلاح الجهوي الجديد، أن القدرات المالية للجهات ستكون محدودة، فعمدت على إشراكها في حصيلة أهم الضرائب المشتركة، و كذا حجم المساعدات رغم هزالتها.
1- محتوى أهم الضرائب المشتركة:
يتعلق الأمر بالضريبة على الشركات و الضريبة العامة على الدخل، وهما ضريبتان ظهرتا مع الإصلاح العام عقب الدخول في برنامج التقويم الهيكلي.
* الضريبة على الشركات:
تم إحداث هذه الضريبة سنة 1986 [79]، و حلت محل الضريبة على الأرباح.
و قد استهدف إحداث هذه الضريبة الاستجابة لهدفين إثنين: إلغاء التعددية الضريبية التي كانت تخضع لها الشركات من قبل، و الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الجديدة في الميدان الاقتصادي القائمة على سياسة التقويم الهيكلي [80]. وينحصر حقل تطبيقها على الشركات، حيث تخضع لها جميعها كيفما كان شكلها وغرضها، جميع المؤسسات العمومية، و مختلف الأشخاص المعنوية الذين يقومون باستغلال أو بعمليات تهدف تحقيق الربح. وتفرض على الشركات أيا كانت جنسيتها بالنسبة للأرباح المحققة بالمغرب ولو بصفة عرضية [81].
* الضريبة على الدخل:
هذه الضريبة تم إحداثها سنة 1982 [82]، لكن لم يتم العمل بها إلا بحلول سنة 1990 [83]، و من المتغيرات الأساسية التي جاءت بها الضريبة الجديدة [84] هو أن وعاءها أصبح يضم خمس مصادر اقتصادية للضريبة على الدخل: و هي كل من المداخيل الفلاحية و العقارية (الكرائية)، و المعدنية و القيم المنقولة والرواتب والأجور. و يخضع الأشخاص الواجبة عليهم هذه الضريبة على أساس مجموع المداخيل و هم: الأشخاص الطبيعيين المقيمين بالمغرب، سواء كان مصدر مداخيلهم مغربيا أم لا، أما الأشخاص الطبيعيين غير المقيمين عادة بالمغرب، فإن مداخيلهم ذات المصدر المغربي، هي التي تخضع فقط للضريبة على الدخل، كما تخضع لها أيضا الشركات الغير خاضعة للضريبة على الشركات، و تطبق هذه الضريبة بأسعار تصاعدية بحسب الشرائح، كما أن الحد الأدنى المعفى ارتفع حاليا إلى 20.000 درهم سنويا.
و إذا كانت هاتان الضريبتان تساهمان بكمية مهمة في تمويل ميزانية الدولة، فإن الأمر جد مختلف بالنسبة للجهات إذ تظل جد متواضعة.
2- تواضع حصة الجهات من الضرائب المشتركة:
إن ضعف مردودية الضرائب و الرسوم الذاتية جعلت عددا من الدول المنتهجة للأسلوب اللامركزي و الجهوي تلجأ إلى معالجة هذا النقص وتصحيح هذا الضعف، من خلال الموازنة عبر إشراك الجهات و الجماعات المحلية في حصيلة أهم الضرائب الوطنية [85].
و اعتبارا لكون التنمية الجهوية تصب في اتجاه تحقيق التنمية القروية على الصعيد الوطني نظرا لكون الشؤون الجهوية جزء لا يتجزأ من الشؤون الوطنية، فقد عمدت أغلب الدول إلى إشراك الجهات في مواردها الجبائية، إما بواسطة تحويل مردودية بعض الأنواع من الضرائب بصفة كلية موازاة مع الاختصاصات الجديدة الموكولة إليها، و هو الأسلوب المتبع من خلال قانون الجهات الفرنسي [86]، أو تدمج بين تحويل الضرائب من الدولة و مشاركتها في أخرى، كوضع المجموعات المستقلة الإسبانية، أو تجمع بين الضرائب الوطنية وتعيد توزيعها بين الجهات، سواء، عبر صندوق يقام لهذا الغرض كما هو الشأن بالنسبة لتمويل الجهات الإيطالية، أو يتم توزيعها بين المركز والجهات بناء على حصص محددة دستوريا كما هو الحال بالنسبة للتجربة الألمانية [87].
و لعل الاستنتاج الممكن استخلاصه مما ذكر، كون القاسم المشترك بين مختلف هذه الأنظمة، أن الكمية المخصصة من الموارد المحولة تعد ذات أهمية بالغة، حيث أن الجهات الإيطالية مثلا تعتمد اعتمادا شبه كلي على الموارد المحولة، أما بالنسبة للجهات السويسرية (الكانتونات Cantons ) واللاندر الألمانية [88]، فإنها تقتسم بالتساوي الضرائب المهمة مع السلطة المركزية. فكيف هو الوضع بالنسبة للجهات المغربية؟.
إن أمر الجهات بالمغرب يختلف اختلافا بينا مع نظيرتها بالدول السالفة الذكر، لكون قانون الجهة لم يواكب الاختصاصات الواسعة المخولة للجهات بالموارد المالية الكافية، و خير دليل على ذلك النسبة المتدنية من أهم مصدر تمويلي يعتمد عليه للنهوض بالتنمية الجهوية، و التي خصتها بها القوانين المالية السنوية، إذ أن حصة 1 % من الضريبة على الشركات و الضريبة العامة على الدخل، و التي عرفت انطلاقاتها مع القوانين المالية لسنة 1999-2000، 2000-2001، و2001-2002 [89]، تبقى ضعيفة و لا تعكس الإرادة الفعلية و الرغبة الأكيدة نحو تحقيق التنمية على المستوى الجهوي و تجسيد طموحات المواطنين على أرض الواقع، بل إن حصة الجهات من الضريبة السنوية الخاصة على العربات ذات المحرك [90] لم تر النور بعد ضمن ميزانية الجهات، مما يعكس حجم الصعوبات المالية التي تقف في وجه الجهات من أجل الاستفادة من مواردها.
3- هزالة الإعانات و الإمدادات المقدمة للجهة:
إن الإدارات المحلية، و نظرا لقلة إمكانياتها المالية الذاتية، إما لكون حصيلة الضرائب و الرسوم لا تكفي لتنفيذ المشاريع و تقديم الخدمات اللازمة، وإما لكون الحكومة المركزية لا تسمح بإرهاق المواطنين و إثقال كاهلهم بعبء الضرائب المضافة للإدارات المحلية، فإن هاته الأخيرة تلجأ إلى موارد أخرى غير ذاتية، تتمثل في قسطها الأكبر من مساهمة الدولة أو الهيئات العامة أو الصناديق المالية لها أو مساهمات المواطنين المالية عن طريق التبرعات والهبات [91].
و يلاحظ أن الموارد المالية للجماعات المحلية تعرف الضعف والعجز، أمام التحديات المرفوعة في وجه التنمية القروية على الصعيد الجهوي، و ما يتطلبه ذلك من اعتمادات مالية مهمة و كافية، فقد أقر قانون الجهة بأن تجود عليها الدولة أو أشخاص عمومية أخرى بمساعدات و إمدادات، دون أن تغفل كذلك ذكر الهبات والوصايا. و يمكن لنظام المساعدات و الإعانات أن يلعب دورا مهما في تمويل الجهة و في تصحيح اللاتوازن الذي يمكن أن تعرفه الموارد الأخرى [92].
إن الحديث عن الإعانات المالية التي تقدمها الدولة هو في حد ذاته اعتراف بمحدودية التمويل الذاتي الداخلي من الضرائب و الرسوم، فمهما كثر الحديث عن تنمية الموارد المالية الذاتية للجماعات المحلية، فإن استمرار تقديم إمدادات مالية من الدولة يكون ضروريا و لا يمكن الاستغناء عنه، نظرا لطموح الجماعات المحلية في تحقيق التنمية بمناطقها من جهة، و لقيام هذه الجهات بالواجبات التي جعلها القانون على عاتقها، سواء في التسيير أو التجهيز، في ميادين حيوية و ملحة بالنسبة لحياة المواطنين و تلبية حاجياتهم اليومية، خصوصا و أن هذه الحاجيات تتطور وتتسع باستمرار [93].
و تشكل الإمدادات العمومية الجانب الأولي من الموارد الخارجية، التي تعمل بشكل رئيسي على تعويض النقص المالي الذي تعرفه الموارد الذاتية للجهة [94]، و يمكن اعتبار الإعانة أو المساعدة المالية عبر مبالغ مالية تقدمها الدولة إلى الجهة قصد مواجهة العجز المالي الذي تعاني منه، و هكذا فإن الجهة التي تسجل مواردها الذاتية عجزا لتغطية نفقاتها تكون أمام حاجة ماسة إلى هذه الإعانات [95]، بهدف تجنب السقوط في كل ما من شأنه عرقلة التنمية القروية على الصعيد الجهوي و المحلي.
و يمكن التمييز بين نوعين من الإعانات: إعانات التسيير أو الموازنة، وتخصص لتغطية التوازن التقديري لميزانيات تسيير الجهات التي قد يلحق عجز بميزانيتها نتيجة ضآلة مواردها [96]، و إعانات التجهيز و تخصص لتمويل أشغال التجهيز من طرف الجهات ذات الصبغة الاقتصادية و الاجتماعية إما كليا أو جزئيا، لكون أغلب الجماعات المحلية لا تتوفر على اكتفاء ذاتي مالي يمكنها من إدخال فائض لتمويل التجهيزات الجديدة، كما أن بعض المشاريع التجهيزية تفوق الإمكانيات المتاحة خصوصا المالية.
و يمكن القول، أنه لا يوجد نظام سواء بالدول المتقدمة أو النامية يسلك النهج اللامركزي، لا يأخذ في تمويله بهذا المصدر التمويلي أي إعانات الدولة، والتي قد تصل إلى نسبة كبيرة تختلف حسب كل نظام، و هي بصفة عامة في ارتفاع مستمر [97].
و هكذا نجد أن الإمدادات تشكل ركيزة أساسية في تمويل الجهة بالدول المتقدمة، و إن كان ذلك بدرجة مختلفة حسب كل بلد، فمثلا إسبانيا و إيطاليا، تعتمد عليها بصفة أساسية في تعويض المردودية الضعيفة للضرائب و الرسوم الذاتية، في حين تتخذ صبغة ثانوية بدول أخرى، و يتخذ شكل تحويل موازي لنقل الاختصاصات الجديدة للجهة كما هو الأمر بفرنسا [98]. أما بألمانيا فإن نظام الإمدادات لا يمكن فصله عن نظام إعادة التوزيع لتصحيح اللامساواة بين الجهات والمناطق .
أما بالنسبة للتجربة المغربية في ميدان التمويل عن طريق الإمدادات والإعانات، فبالنظر إلى حجمها و دورها في التنمية، تتجلى بوضوح العلاقات بين الدولة و الجماعات المحلية و التأثير البالغ لهذه المساعدات في التدبير المالي المحلي و توجيهه.
إن الأهداف و المرامي الأساسية لسياسة المساعدات و الإعانات تتلخص في تشجيع الجماعات المحلية على تنمية طاقتها الاقتصادية و وسيلة للتخلص من الفوارق بينها، خاصة إذا كان التقسيم الإداري قد نتج عنه إحداث وحدات لا تتوفر بها أسباب تحصيل الموارد المتأتية من الضرائب و الرسوم، مما يجعل إمدادات الدولة أداة لتحقيق التنمية المتوازنة بين هذه الوحدات والمناطق [99]، غير أن الجانب السلبي يظل واضحا، فبالإضافة إلى ربط ميزانيات الجماعات المحلية بما تجود به الدولة، إذ بدون ذلك تصاب بالشلل، فتمت صعوبات أخرى تطرح بسبب غياب الإطار القانوني الذي يتولى تحديد معايير و مقاييس موضوعية لتوزيعها، سواء فيما يتعلق بحجمها أو كيفية الاستفادة منها [100]. هذا خلاف للدول المتقدمة، التي تعتمد معايير و مقاييس خاصة في توزيع إمداداتها على الجهات بالنظر إلى حاجيات هذه الأخيرة إلى الأموال العمومية لتغطية نفقاتها، كعدد السكان و المساحة و معدل الدخل الفردي، معدل البطالة، القدرة المالية، و يكون هذا التوزيع على أساس تقسيم كل نسبة مئوية من هذه الاعتمادات على معيار محدد، و هذه المهمة إما تمارسها السلطة المركزية كما هو الحال بفرنسا، أو مؤسسة عمومية كما يجري به العمل بكل من إيطاليا، إسبانيا و ألمانيا [101].
أما بالمغرب، فإن توزيع الإمدادات أخضع لمعايير غير محلية ( Super locaux ) [102]، إذ عوض أن تأخذ بعين الاعتبار معايير موضوعية تهم الجانب المالي والضريبي و الديمغرافي، يتم الاعتماد على معايير ذات طبيعة اقتصادية، بحيث أن نظام التوزيع تهدف من ورائه الدولة إلى إحداث تغييرات على ضوء الأهداف الظرفية و الهيكلية المتبعة من طرف الدولة.
لكن هذه المساعدات تبقى مرتبطة بتدعيم التسيير اليومي للجماعات المحلية دون أن ترقى إلى مستوى تمويل التجهيزات المتعلقة بالبنية التي تعد ركيزة أساسية للتنمية القروية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإمدادات [103] كانت تؤخذ في البداية من منتوج الضريبة الفلاحية و الضريبة المهنية و خاصة منتوج الضريبة على المنتجات و الخدمات، إلا أن الأمر سيعرف تحولا جذريا مع إصلاح الجباية المحلية 89-30 وكذلك قانون 96-47 و الذي سيعوض مختلف المساعدات بحصة 30 % من الضريبة على القيمة المضافة، هذه الأخيرة لم يتم قانونيا تحديد معايير خاصة بتوزيع محصولها على الجماعات المحلية، حيث تتكفل الوزارة الوصية عبر دورياتها بتحديد ذلك. و عموما، فإن المعايير المتخذة لتوزيعها تنصب حول عدد السكان و الوضع الجغرافي و المالي بالإضافة إلى اعتبارات أخرى.
فإضافة الجهة إلى صف الجماعات المحلية في تقسيم الحصة المذكورة، يجعل مساهمتها جد متواضعة، و لا يمكن الاعتماد عليها كثيرا في تمويل البرامج التنموية الجهوية، و لذلك يبقى مطلب الرفع من نسبة 30 % أمرا ملحا وضروريا نظرا لتزايد الأعباء و تنامي حاجيات السكان أمام محدودية وضعف الموارد المالية [104]، إلا أن الإمدادات و المساعدات بجميع أنواعها وسيلة تمويل تبقى بيد السلطات المركزية كأداة للتوجيه، كما أنها تضعف من سلطة المجلس الجهوي مقابل تعزيز سلطة الوصاية و تكريس تبعيته لها.
4- مالية الجهة والوصاية عليها:
يبدو أن الجهة لا تتوفر على موارد ذاتية قارة، فمواردها تتكون من الضرائب المحصلة من قبل الجماعات المحلية ورسوم إضافية لبعض الضرائب (كضريبة النظافة والضريبة على عقود التأمين والضريبة على استخراج مواد المقالع إلى جانب الضريبة على رخص الصيد البري والاستغلال المنجمي والخدمات المقدمة بالموانئ ( انظر الفصول المتعلقة بمالية الجهة 65 – 66 – 67 – 68 ) [105]. وبخصوص النظام الضريبي للجهة نشير إلى أن مقتضيات الفصل 52 وبالتحديد الفقرة الثالثة [106] لا تتماشى مع مضمون الفقرة الرابعة من الفصل 77 من نفس القانون، بحيث تجيز الأولى للعامل حق اتخاذ قرارات لأجل فرض ضرائب في حين يملك المجلس الجهوي حق تحديد وضع مختلف الرسوم و الأتاوى، وهذا الاختصاص أداة لخلق تفاوت بين الجهات فضلا عن أنه يخل بمقتضيات الإطار الموحد لفرض الرسوم و الأتاوى وبالتالي يخالف أحكام قانون الجباية المحلية 06-47 ولا يساير ميثاق الاستثمارات [107] الذي نص على نظام ضريبي جهوي. وتفرض على المجلس الجهوي مراقبة من طرف المحكمة الإدارية والتي تتولى الحسم في شرعية المداولات وتنازع الاختصاص و بذلك يكون القانون 90- 41 [108] قد تفاعل مع نظام الجهة بالشكل الذي وجد لأجله أصلا ولو أن توزيع المحاكم الإدارية بالمغرب لازال يخضع للتقسيم الجهوي الناتج عن الظهير السابق المنظم للجهة 16 يونيه 1971، كما أن المجالس الجهوية تخضع في تدبيرها المالي والمحاسبي لرقابة قضائية من نوع آخر وذلك بموجب المواد 47 و48 من قانون 96-47 ويتعلق الأمر بمراقبة المجلس الجهوي للحسابات الذي يتولى الإشراف على سلامة الحسابات ومالية الجهات، وللإشارة فإن هذه الرقابة منصوص عليها في الفصل 98 من دستور 1996 المحدث لمجالس جهوية للحسابات هي بمثابة محاكم جهوية تعمل على رقابة وتقويم مالية الجماعات المحلية. وتندرج دسترة المجالس الجهوية للحسابات في إطار عقلنة وترشيد هياكل الرقابة العليا في البلاد [109] سواء على المستوى المركزي أو الجهوي كما أن هذه الرقابة تبرز درجة عدم التركيز التي جاء بها القانون المنظم للجهات 96-47.
إلى جانب المراقبة القضائية تمثل سلطة الوصاية نوعا آخر من الرقابة، وقد أولى القانون المنظم للجهة أهمية خاصة للوصاية وذلك بإفراده الباب الرابع لها، وبذلك تزداد أهمية الوصاية بالنظر إلى كونها تحدد علاقة الدولة بوحداتها اللامركزية وبالتالي يتوقف عليها إنجاز العملية الإدارية وقد مثلث الوصاية أحد المشاكل الأساسية لتجربة العمل الجماعي بالمغرب. وهو ما عبرت المناظرات الوطنية للجماعات المحلية عن مختلف الإشكالات التي يطرحها هذا النظام ولعل القيام بجرد للشعارات التي اتخذتها هذه المناظرات الوطنية كفيل بإحاطتها بالإكراهات التي كانت تعوق العمل الجماعي والتي حاولت اختزالها في شعارات من قبيل :
الأمانة [110]، التعايش [111]، التمازج [112]، التشارك [113]، والتطابق [114]. وكلها تمضي في نفس الاتجاه.
وبخصوص الجهة نجد أن الوصاية [115] تسند إلى العامل بواسطة التفويض والذي هو في الآن نفسه الجهاز التنفيذي للجهة ويملك كامل السلطة التقريرية في جميع القضايا الجهوية الإدارية والاقتصادية والمالية والضريبية، فهو الذي ينفذ ميزانية الجهة مادام هو الآمر بصرفها، وهو الذي يتخذ جميع الإجراءات لمتابعة تنفيذ قرارات المجلس الجهوي وهو الذي يقرر في مسألة إشراك مصالح الدولة في مشاريع الجهة و مداولات المجلس الجهوي في إطار دعم سياسة اللاتمركز الإداري، لكن يبدو أن اختصاصات العامل [116] كسلطة وصاية متعارضة إلى حد ما مع تنفيذ مقررات الميزانية (المواد 45-46-51-52-53) كما أن العامل يمكن أن يتولى الموافقة على ميزانية الجهة إذا فوض له ذلك وزير الداخلية وذلك بمقتضى المادة 41 من قانون الجهة 96-477 و هو ما من شأنه أن يؤدي إلى تراكم المسؤوليات لدى العامل خصوصا أنه المسؤول عن تنفيذ الميزانية الجهوية باعتباره آمرا بصرفها.
وتجدر الإشارة من جهة أخرى إلى ضرورة تحديد الآجال لتوجيه مقررات المجلس إلى وزارة الداخلية و ذلك رفعا لكل عائق قد يعترض الإسراع بتنفيذ مقررات المجلس الجهوي، ويلاحظ كذلك أن آجال التوقيف مبالغ فيها وخاصة بالنسبة للمراقبة على الملائمة المفروضة على المجلس الجهوي إلى جانب المراقبة على المشروعية والتي تندرج ضمن اختصاص المحكمة فلا ينبغي لعامل الإقليم أو العمالة مركز الجهة سوى رفع الأمر للمحكمة المختصة [117].
وتبقى إلى جانب هده الوصاية وصاية وزارة المالية التي لا تتقيد بآجال محدودة خصوصا أنها غير مقننة تؤدي إلى بطأ العمل الجهوي وتعثره مما يجعل الممارسة الجهوية إن لم يتم العمل على الحد من مثبطات الوصاية محل- تساؤل [118]. مهما حاولنا تقديم بعض الملاحظات حول قانون الجهة 96-47 فإنها تبقى محددة ومؤقتة وذلك بالنظر لظرفيتها خصوصا أنه لم يتم العمل على هيكلة الإدارة الجهوية بشكل متكامل، مع عدم الحسم في مسألة مقررات معظم المجالس الجهوية [119] وهي أمور تعمل على المساهمة في تفعيل النص القانوني لأن الممارسة هي الاختيار الحقيقي لأي منظومة قانونية أو معرفية وبالتالي تبقى أية ملاحظات حول قانون الجهة 96-477 مشوبة بالثغرات، لكن هذا لا يفيد استحالة سد ولو البعض منها، ولذا يعتبر الحديث عن التقسيم الجهوي كإحدى نتائج دسترة الجهة والذي يمثل جغرافية هذا النظام الجهوي الجديد محاولة لتجاوز بعض الهفوات التي رافقت عملية إبداء وتقديم بعض الملاحظات للقانون المنظم للجهة، فما هو الجديد في التقسيم الجهوي الجديد الذي عرفه المغرب بعد بلورة نظام الجهة عقب التعديلات الدستورية (1992 – 1996) ؟ أين يندرج هذا التقسيم الجهوي الجديد ضمن سلسلة التقسيمات الإدارية التي عرفها المغرب ؟ ماهي الاختصاصات الشاملة. وفي نفس الوقت المدققة والمهمة في ميادين التنمية القروية؟
وهل خول المشرع للجهة الإمكانيات اللازمة لأداء وظيفتها بحيث تبقى الدولة هي الممول الفعلي للمشاريع التنموية على المستوى المحلي كما على المستوى الجهوي، إن محدودية الموارد والخصاص المالي البنيوي. يجعل مبادرة التنمية القروية غير واقعية وبالتالي تكون الاختصاصات المحولة للجماعات المحلية في ظل توجيهات المنظمات المالية المانحة تصورات محاسباتية ضيقة، الهدف منها ضمان استرجاع ديونها بتخفيف العبء المالي على الخزينة وذلك أمام تقلص دور المبادرة المحلية المرتبطة بعدم الحرية في تبني قرارات اقتصادية على مستوى من النضج والتي لن تجد أساسها إلا بتحرر مالي واستقلال إداري في التدبير عن سلطة الوصاية [120]، وفي رئيس جهوي له مواصفات المدبر الحكيم والمقاول المتفتح على محيطه، ذلك أن التدبير الحسن للمالية الجهوية - مع افتراض الخصاص في بنيتها- سيعمل على تحريك موارد متجددة تكون إطارا لفرض توجهات محلية بنزعة ومبادرات خاصة ومستقلة عن المركز [121] .
إن أزمة التنمية القروية وانطلاقا مما قلناه في بداية هذا المبحث ليست أزمة نص قانوني، ربما هذا ما سعينا في تحليلنا إلى تجاوزه بالتركيز على جانب الممارسة باستغلال كون الجهة جماعة محلية، واستغلال الإحالة النصية في الجانب المالي على قانون 06-47، مما تكون معه الأزمة في التدبير بتجاوز الإطار المنظم لممارسته إلى كيفية تصور التنمية القروية من طرف المدبر رئيس الجهة ليطرح جانبا ذا دلالة في مسار التنمية القروية إنها أزمة التنمية القروية من جهة، ومن جهة أخرى مراجعة كل التعقيدات المتواجدة في كل الجوانب الإدارية والمالية سواء في مجال الإنفاق والموارد وما يرتبط بذلك من تمويل للصفقات، والمشاريع إنها دعوة إلى تأسيس الجهة المقاولة.
وهو ما يجعل من المسألة الاستثمارية إطارا لتفعيل عملية التنمية المحلية وبالتالي في فهم إشكالية كيفية تمثل الفاعلين المحليين لمسألة التنمية القروية [122]، فهل يتم حصرها في قضايا انتخابية صرفة أم أن الأمر يتجاوز كل تلك الحسابات الضيقة. وإلى تأطير كل ذلك في برامج ومخططات تتخذ من البعد التنموي إطارا للتفكير في قضايا التنمية القروية مع مراعات جانب المردودية الاقتصادية.
نود أن نشير إلى أن الاستقلال المالي الجهوي يظل، في إطار الوضعية الراهنة، مقيدا و محاصرا و لا يخول الجهة استقلالا حقيقيا و فعليا في ميدان التدبير المالي و تسيير شؤونها بنفسها سواء في ميدان الإنفاق أو الاستثمار وبالتالي التخطيط و البرمجة من أجل النهوض بالتنمية القروية، فالجهة لم تصل بعد إلى مستوى التحكم في تدبير مواردها الجبائية [123]، و لم يتضمن قانونها أي مساهمة في هذا الاتجاه، حيث أن سلطاتها في إحداث و تمديد وعاء ضرائبها ورسومها منعدمة و هذا المنع نابع من مبدأ دستوري (خلق ضرائب وطنية كانت أو محلية من خلال الجهاز التشريعي المؤهل وحده لذلك) [124].
و إذا كان تأسيس العمل بنظام جهوي فعلي يستلزم منح الجهة الأدوات والوسائل المالية اللازمة لتفعيل التنمية القروية، فلا يمكن الحديث عن تنمية قروية فعالة في ظل غياب تمتيع الجهة بالموارد البشرية الكافية، لأن عدم كفاية هذه الأخيرة. و عدم قدرتها على مواكبة نمو و تطور سياسة التنمية القروية سيقف حجرة عثرة أمام هذه الأخيرة، فماذا عن الموارد البشرية الجهوية؟
ثانيا: الآليات البشرية
تعتبر الموارد البشرية إلى جانب الموارد المالية، أحد الركائز الأساسية التي يلزم توفرها كما و نوعا حتى يستطيع أي تنظيم كيفما كان نوعه تحقيق الفعالية والمردودية [125].
إن الموارد البشرية [126] تشكل دعامة أساسية لأي منظمة، حيث تتوقف عليها طاقة الإنتاج أكثر مما يتوقف عليها أي عامل آخر فهي العصب الأساسي والعمود الفقري الذي تقوم على أساسه جميع البرامج و السياسات التنموية، فالتنمية باعتبارها مجموع العمليات الهادفة إلى تغيير المجتمع نحو الأفضل في كافة المجالات، لا يمكن أن يكتب لها النجاح بدون موارد بشرية [127].
انطلاقا من هنا فهذا العنصر يشكل أحد دعائم الإدارة الجهوية لأن له تأثير ظاهر عليها فالإدارة تستمد قيمتها من قيمة العناصر البشرية المكونة لها.
فمهما بلغت من تطور و تقدم من ناحية الإمكانيات التقنية و المالية فإنه لابد من توفرها على الموارد البشرية الكافية و المؤهلة. فما هو دور الموارد البشرية بالجهة في تحقيق التنمية القروية؟.
إذا كان قانون الجهات قد خص المجلس الجهوي باختصاصات تقريرية واستشارية كثيرة، فإنه لم يفرد لرئيس المجلس اختصاصات خاصة به، بل اعتمد ثنائية الجهاز التنفيذي من خلال تمتيع كل من رئيس المجلس والعامل مركز الجهة بمكانة خاصة عبر الاختصاصات التي يتمتعان بها حيث ينبني تعايش الجهازين كما حدده واضعو القانون عبر التوافق، الإخبار و التعاون ويترجم أيضا اختيار اللامركزية الجهوية المحدود و الحذر، فمقابل الدور الهامشي لرئيس المجلس، تم تخويل مهمة التنفيذ لعامل مركز الجهة، مع أنه يمثل السلطة المركزية، مما يعد مسا بالطبيعة اللامركزية للمجلس و بعنصر الاستقلال.
1- هامشية الدور التنفيذي للرئيس:
يحتل رئيس المجلس الجهوي المرتبة الثانية بعد العامل، بالنظر للاختصاصات المحددة له، بدون أن يرقى إلى مؤسسة تنفيذية [128]، حيث يشارك بصفة مباشرة أو غير مباشرة في اتخاذ القرارات، و يعتبر أقل استقلالا في ممارستها حتى أن شخصية المجلس تختفي في كثير من الحالات وراء شخصية العامل مركز الجهة، فإذا كان رئيس المجلس الجماعي يتمتع بسلطات مهمة، فإن رئيس المجلس الجهوي لا يتمتع إلا بدور باهث، و يتجلى هذا بوضوح من خلال الاختصاصات المحدودة التي خولها له قانون التنظيم الجهوي الحالي نذكر منها [129]:
* استدعاء المجلس للاجتماع في دورة عادية أو استثنائية [130].
* وضع جدول الأعمال بتعاون مع أعضاء المكتب [131].
* استدعاء المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات لحضور جلسات المجلس بصفة استثنائية و بخصوص المسائل الداخلة في اختصاصاتهم [132].
* يسهر على النظام في جلسات المجلس [133].
* يقوم بمساعدة أعضاء المجلس بإعداد النظام الداخلي للمجلس [134].
* يعين مندوبي اللجان الدائمة للمجلس من بين أعضاء المكتب، و إن اقتضى الحال من بين أعضاء المجلس الجهوي، و يرأس اللجنة الدائمة المكلفة بمسائل التخطيط و إعداد التراب [135].
* يوجه طلب استقالة كل عضو بالمجلس لم يلب استدعائين متتالين دون سبب يقبله المجلس أو امتنع دون عذر مقبول من القيام بالمهام المنوطة به، إلى وزير الداخلية بواسطة عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة [136].
* يحدد بتعاون مع عامل مركز الجهة عدد المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات [137].
* يعين الكاتب العام للجهة و المكلفين بمهمة بموجب مقرر يؤشر عليه عامل مركز الجهة [138].
كما أن هناك اختصاصات أخرى ينوب عن المجلس في القيام بها:
* يوقع على قرارات المجلس و يؤشر على محاضر الجلسات [139].
* يمثل المجلس في المؤسسات العمومية ذات الطابع الجهوي [140].
* يوقع بالعطف على القرارات التي ينفذها العامل مركز الجهة [141].
يتضح من خلال عرض هذه الاختصاصات أنها جد محدودة و تقتصر على التسيير الداخلي للمجلس، إلا ما كان من تمثيل الجهة من قبل الرئيس أو أحد نوابه في المؤسسات العامة ذات الطابع الجهوي. غير أن فعالية هذه الأجهزة المسيرة لها، و كذا طبيعة السلطة الاستشارية أو التداولية الممنوحة لممثلي الجهة، تستوجب إصدار القوانين اللازمة لضبطها و توضيحها [142]. كما أن النصوص المنظمة لهذه المؤسسات (الوكالات الحضرية، المؤسسات الجهوية للتجهيز و البناء ...) عليها أن تعدل لكي تدمج التمثيلية الجهوية في مجالسها الإدارية [143]. بل أن الرئيس، حتى في ممارسة هذه المهام، يستعين بمصالح الدولة في الجهة و ذلك بواسطة عامل مركز الجهة.
مقابل المركز الضعيف و المحدود لرئيس المجلس الجهوي و مكتبه، يتمتع عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة بدور رئيسي و مركز قانوني قوي يجعل منه الرئيس الفعلي للجهة.
2- العامل الرئيس الفعلي للجهة:
يحتل العامل مركزا مرموقا على صعيد التنظيم الجهوي [144]، نظرا لما تكتسبه وظيفته من صبغة سياسية، إدارية و اقتصادية، تجعله أهم سلطة إدارية بالموازاة مع الجهاز الرئاسي (رئيس الجهة). و هذه التقوية في مركز العامل تجد تفسيرها في كونه يجسد السلطة التنفيذية، باعتباره ممثلا لجلالة الملك ومندوبا للحكومة، ويزكي هذا المركز القانوني المكانة السامية التي جاءت بها مقتضيات الدستور كمدلول أساسي على العناية التي يوليها لهذه الوظيفة [145]. فالفصل 101 احتفظ له بدور هام في تنفيذ مقررات المجلس الجهوي في وقت كان من المفروض (حسب ما ورد في الخطاب الملكي لجلالة الملك الراحل في 24 أكتوبر 1984) [146]، أن يسند إلى رئيس المجلس الجهوي معبرا بذلك عن تطبيق الجهوية في إطار اللامركزية مع عدم التركيز، لكون العامل يؤدي دور صلة الوصل بين الهيئات المحلية من خلال اللامركزية الإدارية وبين السلطة المركزية مع عدم التركيز.
يتولى عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة تطبيقا لمقتضيات الفصل 101 من دستور 1996، و مقتضيات المادتين 54 و 55 من قانون الجهات، تنفيذ القرارات الصادرة عن المجلس الجهوي، و يقوم بإنجاز أعمال الكراء والبيع والشراء و إبرام صفقات الأشغال و التوريدات و تقديم الخدمات، واتخاذ القرارات من أجل فرض الضرائب و الرسوم و الأتاوى لوصايته المالية على المجلس ينفذ الميزانية و يعد الحساب الإداري [147]، باعتباره الآمر بالصرف على مالية الجهة [148].
بالإضافة إلى ما سبق، فعامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة هو الذي يمثل الجهة لدى المحاكم بحيث يقيم الدعاوى بعد موافقة المجلس. كما يجوز له تقديم كل طلب لدى القضاء المستعجل، و تتبع القضية عند استئناف الأحكام التي يصدرها قاضي المستعجلات، و استئناف هذه الأحكام [149]، بل قد يحل محل رئيس المجلس إذا رفض القيام بالأعمال الواجبة عليه بمقتضى القانون أو امتنع عن القيام بها بعد التماسه منه الوفاء بواجبه [150]. و بالمقابل إذا تغيب عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة يخلفه عامل من دائرة نفوذ الجهة يعينه وزير الداخلية.
إن التحليل السريع و الانتقائي لبعض بنود قانون الجهة المتعلقة بقواعد تسييره، تكشف عن اللاتكافؤ بين عامل مركز الجهة المنفذ لقرارات المجلس والعجز النسبي للمجلس و رئيسه [151]، تجعلنا نتساءل عن طبيعة العلاقات التي ستستقيم بها المؤسسة الجهوية.
إن عدم وجود إدارة ذاتية يشكل بدون شك عائقا أمام ممارسة الاستقلال الإداري اللصيق بطبيعة الشخصية المعنوية التي تتمتع بها مما يجعل تنفيذ التوجهات التي تسطرها أجهزتها متوقفا على إدارة و سلطة مصالح الدولة في الجهة، كما أن غياب أطر جهوية كفأة و قلة المتوفرة منها سيؤثر لا محالة على التنمية الجهوية، و ليس الموظفون الجهويون وحدهم الطاقة البشرية المتاحة لتحديث طرق التسيير، بل إن المنتخبين المؤهلين، يمكن أن يحدثوا نفس التحول، كما يمكن أن يشكلوا عائقا له [152].
3- غياب إدارة جهوية ذاتية له تأثير على أدائها العملي:
أقام قانون الجهة تجديدا مقارنة بميثاق العمالات أو الأقاليم، بإحداث مؤسستين تكونان تحت تصرف رئيس المجلس الجهوي، هما الكاتب العام وعدد محدود من المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات ملحقين من الإدارة أو معينين بناء على عقد [153].
أ- الكاتب العام للجهة:
- تناول قانون الجهة الكاتب العام من خلال المواد 22-27-51 و 52. ويعين بقرار يصدره رئيس المجلس الجهوي و يؤشر عليه عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة [154]، من بين المرشحين الحاصلين على دبلوم يخول التوظيف في إطار مرتب في سلم الأجور رقم 11، أو إطار معادل و التوفر على خمس سنوات من الخدمة الفعلية في القطاع العمومي أو شبه العمومي أو الخاص بعد نيل الدبلوم [155].
فوظيفة الكاتب العام للجهة لن تخرج عن القاعدة المتعلقة بتجربة الكاتب العام على المستوى الجماعي [156]. لكن المجال الجهوي يبقى متميزا بعدة خصوصيات، سيما و أن هذا الأخير يشمل مجموعة من الأجهزة الإدارية والعناصر الاقتصادية التي تتفاعل داخل محيط الجهة مما يجعل من وظيفة الكاتب العام للجهة أمرا صعبا و معقدا [157].
و من أهم الاختصاصات المنوطة بالكاتب العام للجهة:
* مساعدة المقرر العام للميزانية في ممارسة اختصاصاته [158].
* حضور أعمال اللجان الدائمة للمجلس الجهوي [159].
* القيام تحت سلطة رئيس المجلس الجهوي بتنشيط و تنسيق أعمال المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات [160].
* العضوية بحكم القانون في اللجنة الخاصة التي تعوض بصفة مؤقتة المجلس الجهوي عند حله أو توقيفه [161].
إلا أن ما يلاحظ على هذه الاختصاصات هو اقتضابها و عدم وضوحها، بحيث لا تبين بوضوح حدود مشاركته في تسيير الشأن العام الجهوي، و بالتالي مساهمته في تنشيط و تنسيق أعمال المكلفين بمهمة والمكلفين بالدراسات. وحيوية منصب الكاتب العام للجهة تتطلب وضع إطار قانوني [162] ينظم هذه الوظيفة.
و في هذا الإطار يجب استصدار نص قانوني يحدد اختصاصات الكاتب العام للجهة، لفعالية هذا المنصب و حساسيته، و لارتباطه بالتسيير الإداري للجهة، كما جاء في المواد 51 و 52 من قانون 96-47. فعدم وجود نظام قانوني للكاتب العام للجهة يجعله تحت نفوذ الرئيس و هيمنته، فدور الكاتب العام للجهة يبقى متميزا، و يعد من أهم ركائز الإدارة الجهوية، فلابد من إتاحة الفرصة لهذا الإطار لكي يعمل في جو يتلاءم و وظيفته [163].
و لأهمية مؤسسة الكاتب العام، يجب أن يوفر له أيضا الحوافز اللازمة لدفعه للقيام بعمله و واجبه بكل فعالية، و هذه الحوافز معنوية، عبر إيلاء المنتخبين الجهويين و كذا عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة أهمية أكبر للكاتب العام، من خلال استشارته و إشراكه في كل أعمال المجلس الجهوي، إضافة إلى تعويضات ومزايا مختلفة [164].
ب- المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات:
يعين المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات بهدف مساعدة الرئيس في ممارسة اختصاصاته، و ذلك بمقرر يصدره رئيس المجلس الجهوي و يؤشر عليه عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة [165]. بحيث يتم إما إلحاقهم بالمجالس الجهوية من إدارتهم الأصلية أو يتم توظيفهم مباشرة عبر عقود.
و قد أحيل في شأن شروط تعيين المكلفين بالدراسات على المرسوم الخاص بإحداث منصب سام للمكلف بالدراسات في مختلف الوزارات، بحيث يعينون من بين المرشحين الحاصلين على شهادة الدراسات العليا أو شهادة تعادلها مع إثبات قضاء خمس سنوات من الأقدمية في القطاع العام أو شبه العام أو الخاص بعد نيل الإجازة أو الشهادة [166]، و تناط بهم مهمة دراسة و بحث و تتبع الملفات و المشاريع المعهود إليهم بها [167]، كما يتم تعيين في منصب مكلف بمهمة لدى المجلس الجهوي من بين المترشحين الحاصلين على دبلوم يخول التوظيف في إطار مرتب في سلم الأجور 10 أو إطار معادل [168].
فالجهة في حاجة إلى أطر عليا ذات خبرة عالية في مختلف المجالات التي لها ارتباط بالعمل الجهوي للإشراف على إنجاز المهام المنوطة بها، إذ أن الإدارة الجهوية ليست إدارة التسيير و إنما إدارة المهام.
و يشرك رئيس المجلس الجهوي عامل العمالة أو الإقليم مركز الجهة في تحديد عدد المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات، و ذلك تبعا لحاجيات المجلس الجهوي، عبر التأشير على ذلك، مع العلم أن المرسوم هو الذي يحدد عدد هؤلاء على غرار ما هو الشأن بالنسبة للإدارة المركزية [169].
على أنه بالرغم من أهمية المكلفين بمهمة و المكلفين بالدراسات فإن وضعيتهم لا تنسجم و المشاكل الجهوية المتراكمة التي قد تمتد بفترة زمنية ليست بالقصيرة، و التي تستلزم توفر خبرة و تجربة، كما تتطلب استقرارا في الوظيفة، وهو ما لا يوجد مع هذه الأصناف من العاملين في الجهة. فحصر العاملين في إدارة الجهة من المؤقتين بموجب عقد و لمدة زمنية محددة لا ينسجم مع ممارسة جهوية فعالة، و التي تتوقف على مدة تنظيم الإدارة الجهوية و استقرارها [170]، من هنا أهمية إقرار إدارة جهوية ذاتية.
4- أهمية الإدارة الجهوية الذاتية:
وجود إدارة جهوية خاصة بها يكرس مبدأ الاستقلال الإداري و التسيير المعترف به للجهة، و يتدعم هذا الاستقلال أكثر مع تكريس وظيفة عمومية ترابية.
أ- إدارة جهوية خاصة دعم لاستقلال و عصرنة تسييرها:
إن وجود إدارة جهوية ذاتية ستسمح لها بالقيام بمهمتها الإدارية والمالية بشكل كامل.
فالجهة التي تتوفر على إدارتها تتحكم في الدراسات التي تحتاجها، وبالتالي فإمكانية التوسع و التطور في المستقبل، إثر معطيات جديدة، سيكون لها بكل مرونة، خصوصا و الجهة مقبلة على تحويل اختصاصات جديدة، يجب أن توضع رهن إشارتها المصالح القديمة للدولة المعنية بهذه الاختصاصات [171].
ففي فرنسا مع قانون 2 مارس 1982 سمح للجهات بتعيين موظفين خاصين، لكن التغيرات التي حدثت مع تحويل الاختصاصات الجديدة للجماعات الترابية لم يكف هذا العدد من الموظفين، مما دفع إلى وضع رهن إشارة السلطات المحلية بعض موظفي الدولة، في البداية، ثم فيما بعد حولت بعض المصالح للجماعات الترابية [172]، و بذلك صارت الجهة تتوفر على مرافق إدارية توازي الاختصاصات التي أصبحت تمارسها. فبالإضافة إلى مديرية الشؤون الإدارية، تتوفر الجهة على [173]:
* مديرية التهيئة الجهوية: مكلفة بتصور و تطبيق و متابعة السياسة الجهوية في ميادين الصحة، الفلاحة، التنمية، التهيئة الحضرية، السكن، النقل، البيئة، والسياحة.
* الوكالة الجهوية للتنمية: مكلفة بإعداد و متابعة عمليات التنمية الاقتصادية و مشاكل الشغل و تمويل و مساعدة المقاولات.
* المندوبية الجهوية للطاقة: مكلفة بإعداد و تنفيذ سياسة جهوية للطاقة، منصبة على إنعاش الطاقات المتجددة.
* مديرية الاتصال و الإعلام: تهتم بالمسائل التي تهم الصحافة والاتصال السمعي البصري، و كذا إعداد و نشر الخبر المتعلق بأنشطة الجهة.
* مديرية التكوين: مكلفة بمتابعة عمليات التكوين التي تقوم بها الجهة.
* قسم الشؤون الثقافية و الرياضية: المكلف بالعلاقات مع الجمعيات والتنشيط في الميدان الثقافي و الرياضي.
ب- الحاجة إلى وظيفة عمومية ترابية:
إن الحاجة إلى وظيفة عمومية جهوية، مطلب عبرت عنه مختلف القوى السياسية و الإدارية و الأكاديمية، بمنحها نظاما استثنائيا يسمح بجلب الأطر العليا المتخصصة و الكفأة نحو العمل بالجهات، بفضل الخبرات التي راكمتها من عملها بالإدارات المركزية لمدة طويلة، و هذا من شأنه أن يساهم في تطوير وتنمية الجهات [174].
لذا فتوفير الضمانات للموظفين الجهويين، لكي يكونوا في مأمن من التيارات السياسية، يتكرس عبر التوفيق بين اختيارات المنتخبين لموظفيهم حسب الحاجيات و ضرورة الحياد في التوظيف والإنفتاح على مناهج التسيير الخاصة، بمنح إمكانية الإختيار للأعوان بالتوظيف.
و يسمح إحداث وظيفة عمومية محلية (جماعية، إقليمية، و جهوية) بتوظيف الأطر العاملة بالجماعات المحلية التوظيف الأمثل. فحتى الآن لا تزال الأطرالجماعية و الإقليمية خاضعة لنصوص الوظيفة العمومية الوطنية و لا يزال تسيير شؤون الموظفين المحليين يتم بشكل مركزي كبير [175].
من الناحية التشريعية نجد أن الوظيفة العمومية المحلية ترتكز على الأقل على ثلاثة نصوص أساسية، منها ظهير بمثابة قانون رقم 1.77.298 بتاريخ 27 شتنبر 1977 متعلق بإدماج بعض الموظفين في سلك الموظفين الجماعيين، مرسوم رقم 2.77.738 المؤسس لنظام الوظيفة العمومية المحلية بتاريخ 27 شتنبر 1977، و مرسوم رقم 2.77.739 بتاريخ 27 شتنبر 1977 المحدد لكيفية إدماج بعض الموظفين في الأطر المناسبة للوظيفة الجماعية [176].
فأهمية إقرار وظيفة عمومية ترابية، لما لها من إيجابيات على التسيير الإداري و المالي للجماعات المحلية، جعلت بعض الدول المتقدمة تسارع إلى إقرارها منذ وقت طويل. ففي فرنسا، الوظيفة العمومية الترابية أوجدت بعد ثلاث سنوات من إصدار قانون 26 يناير 1984، الذي حمل إجراءات نظامية تتعلق بالوظيفة العمومية الترابية و التي استجابت لأربعة أهداف:
- توحيد النظام المطبق على موظفي الأشخاص العمومية.
- ضمان استقرار الشغل لموظفي الجماعات الترابية، و الوظيفة العمومية للدولة.
- احترام خصوصية موظفي الجماعات الترابية [177].
ج- تأهيل المنتخب الجهوي لكسب رهان التنمية القروية:
إن دور الجماعات المحلية، المتمثل بالخصوص في إعداد و تنفيذ ومراقبة وضبط مختلف المشاريع التنموية، لا يمكن أن يحقق النتائج المرجوة إلا بتكوين وإعلام أولئك الذين أوكل إليهم أمر تحقيقها [178]. فالإنجازات التي يتم تحقيقها على الصعيد المؤسساتي و المالي لا يمكن أن تكون ذات تأثير إيجابي إلا إذا صاحبتها تدابير موازية في ميادين الاتصال و الإعلام و التكوين موجهة لفائدة المنتخبين المحليين. فالمهمة المناطة بالجماعات المحلية تستدعي من المسيرين المحليين التوفر على دراية كاملة لحقوقهم و واجباتهم، و على مؤهلات تدبيرية كافية إضافة إلى روح المسؤولية العالية، و كفاءات كبيرة تساعدهم على التواصل واتخاذ المبادرة [179]. هذا التأطير هو الذي سيجعل من الجهة إحدى الفعاليات العمومية التي يمكن الإعتماد عليها في تحقيق التنمية القروية.
د- تحسين النظام الأساسي الخاص بالمنتخبين:
إن الوضعية الهشة، و الخلل في سير آليات عمله، و القصور في التشريع المرتبط بظروف اشتغاله، سواء و هو يمارس المهمة التداولية أو التسييرية، يؤثر على مردودية عمله، و يعيق المجالس المحلية و الجهوية في الاستجابة لحاجيات ساكنتها في المجال الخدماتي، و من تطلعاتها إلى خلق شروط تنمية متوازنة داخل مجالاتها الترابية. لذا الانكباب على وضع نظام خاص بالمنتخب الجهوي، من شأنه أن يهيئ ظروف ملائمة لعمله [180]، و يعرفه بحقوقه و واجباته، فإذا لم تعالج هذه القضايا حتى و لو توفرت المقومات الأخرى لا يمكن للمنتخب الجهوي النهوض بمسؤولياته.
تتجلى أهمية المنتخب في التنظيم اللامركزي من خلال الأهمية القصوى التي يحظى بها، سواء من حيث كمية النصوص التي تتعرض إليه، وكذلك من خلال المناظرات الوطنية التي تؤكد على دوره في تحقيق التنمية. فبفضل تجاربه وتضحياته المتواصلة تبلورت العديد من المبادئ و القواعد اقتضتها ظروف الممارسة اليومية، و انضافت إلى النصوص القانونية لتشكل نظاما يحكم تصرفات و حقوق و واجبات المنتخبين [181].
و قد تضمنت المادة 39 من قانون الجهات، نظاما للتعويضات بما يكفل التعويض عن الخسارة المالية الناتجة عن التفرغ الكلي أو الجزئي لممارسته المهام الجهوية، حيث نصت على أن مهام الرئيس و نائبه و المقرر العام للميزانية و نائبه و كاتب المجلس و نائبه مجانية، على أن تراعى في ذلك تعويضات عن المهام والتمثيل [182] و التنقل.
و يتقاضى المستشارون تعويضات عن التنقل، طبقا للشروط و المقادير المحددة بالمرسوم المشار إليه، و الملاحظ أن القانون لم يعمم التعويضات على جميع أعضاء المجلس، رغم المطالبة بذلك منذ المناظرة الوطنية الرابعة [183]، بجانب مسألة التعويضات، فالتسيير الحسن للمجالس يرتبط بالتفرغ التام للنشاط الجهوي، من هنا ضرورة السماح للرؤساء بالتفرغ و تسهيل مأمورية من يرغب من المستشارين و أعضاء المكتب في ذلك. فبالنسبة للموظفين مثلا الذين يتولون مسؤولية في الجهاز التنفيذي، فإن الإجراءات التي تضمنها منشور الوزير الأول رقم 364 بتاريخ 28 أبريل 1980، و الذي سمح لرؤساء الجماعات، و كذا مساعديهم ممن هو موظف أو للمستشار الحاصل على تفويض بأن يستفيد من رخصة لمدة نصف يوم مرتين، أو يوما كاملا في الأسبوع كرخصة استثنئاية غير قابلة للتراكم، هذا الإجراء إذن غير كاف. كما أن الإجراءات التي بمقتضاها يطلب من الوزارات أن تسهل انتقال الموظفين، الذين يمارسون مهام عمومية بناءا على طلبهم، غير كافية. و يجب تعزيزها بالنص على الأفضلية و الأسبقية لهم عند طلب الانتقال [184]، كما يجب تقنين الاستيداع الإداري بما يسمح لمن يرغب من الرؤساء اللجوء إليه مع ضمان الرجوع إلى المنصب المالي الأصلي بعد انتهاء المدة الانتدابية [185].
إن وعي العضو المنتخب بالقيام بمسؤوليته، سيزيد من مردودية العمل الجهوي و الرفع من مستواه.
و قد أكد على أهمية توعية المنتخب، جلالة الملك الراحل: "فلننظر أولا إلى العنصر الأول أو المتدخل الأول، ألا و هو رئيس البلدية أو الجماعة القروية و مكتبه و من يحيط به من المنتخبين. عليهم أن يكونوا- لا أقول من ناحية الضمير المهني بل من ناحية العلم- على دراية تامة بما لهم من سلطات و ما عليهم من واجبات، و أظن أن النزر القليل فقط من هؤلاء المنتخبين- مع احترامي للجميع لأنهم كلهم مواطنون، و لأنهم كلهم فازوا بثقة منتخبيهم- يعلم ويعرف حق المعرفة ما له من سلطات و إلى أين يمكنه أن يصل و من أي منطلق يجب أن ينطلق" [186].
على أن المستشارين الجهويين لكي يكونوا في مستوى التسيير والرقابة، عليهم أن يكونوا على دراسة و استئناس بتقنيات التسيير الإداري و المالي. فمعالجة الإشكاليات المرتبطة بالنظام الأساسي للمنتخبين، يجب أن ترفق بعملية التكوين وتزويدهم بالمعرفة و القدرات والمهارات الضرورية لتسيير شؤونهم.
ه- أهمية تكوين المنتخب في كسب رهان التنمية القروية:
إن فعالية الأداء لأية مؤسسة أو جهاز يقترن بمدى الجدية في الاهتمام بالعنصر البشري، و هذه الأولوية، إن كانت تصدق على الإدارة سواء كانت عمومية أو محلية، فإنها تصدق أكثر على الجهة، التي يرجى منها إرساء التنمية على المستويين الوطني و الجهوي. و يعتبر المنتخب الجهوي إحدى الدعامات الأساسية لكسب رهان التنمية القروية، فدوره لا يقل أهمية عن باقي المجالات الأخرى، التي تعد من مقومات كل مشروع تنموي. كل هذا يدفع إلى تكوينه، واعتبار ذلك استثمار يحوز على أهمية فعلية و أولوية في برامج التنمية، التي ترتكز على التأطير الفعال و التكوين الملائم للاضطلاع بالمهام التسييرية الاقتصادية و المالية.
يرجع كل نجاح أو إنجاز سواء كان فرضيا أو جماعيا، إلى القدرة المتصاعدة على تحصيل المعارف و مراكمتها و تطوير أساليب العمل، و نحن نعيش اليوم في مرحلة تاريخية مطبوعة بسرعة التطور، بحيث أن كل المجتمعات التي تعجز عن التكيف مع هذه السرعة ستجد نفسها، و قبل أن تنتبه إلى ذلك في انفصال تام عن هذه الدينامية [187].
و كلما أثير موضوع تدني مستوى التنمية القروية إلا و كان أول من يوضع في قفص الاتهام المنتخب، نظرا لضعف مستواه الثقافي والتعليمي، ولرجحان العامل أو العنصر البشري ضمن باقي العناصر التي تتطلبها التنمية على الصعيد القروي [188]، فارتهان التنمية القروية بالمنتخب يجد أساسه فيما يضفي عليها من ذاته ويشرطها بمهارته و يقلص من فعاليتها أو يزيد فيها حسب ما يطبع بها شخصيته وما تنطوي عليها من خصائص نفسية و مكاسب علمية للأدوات التسييرية والتدبيرية العصرية، تجعل من التنمية القروية تقوم باستقامته و صلاحيته و تتدنى باعوجاجه و قلة كفاءته، فقد أصبحت المجالس الجهوية تتحمل مسؤوليات صعبة ومعقدة في إدارة الشؤون الجهوية، التي تضم ساكنة مهمة، و نمو ديمغرافي وحضري سريع و حاجيات تفوق الوسائل المتاحة، مما يفرض عليهم استيعاب النصوص و المساطر و تحليل المعلومات و التفاوض. أكثر من ذلك، فالرئيس يفترض فيه أن يتحلى بصفة القيادي [189] المحاور للدولة ولباقي الجماعات والمؤسسات العمومية، لإقناعهم بالأهداف المسطرة و الطرق التي ينبغي سلكها لتطبيق سياسة المجلس للنهوض بالتنمية، حيث يتطلب القيام بكل هذه الأمور التوفر على مستوى ثقافي معين ومؤهلات و كفاءة ضروريتين ليفرض وجهة نظره واختياراته و مبادراته أمام ممثلي الدولة، التي يتمتع موظفوها بتفوق مهني ساحق [190]، و الدفاع عن اختصاصاته القانونية سواء الاستشارية أو التقريرية في مواجهة سلطة الوصاية و ممثليها على الصعيد الجهوي، فإذا لم يتوفر على مؤهلات ثقافية، و حدا ضروريا من الخبرة المهنية فإنه لا يملك إلا أن يحجم عن ممارسة كثير من اختصاصاته، أو الإذعان لآراء وتوجيهات بل و اختيارات ممثلي الدولة ليفتح لها المجال للحلول محله في جملة من الميادين، خاصة التقنية منها [191].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق