الصفحات

الثلاثاء، 7 فبراير 2017

التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة مع الإشارة إلى التجربة الجزائرية ...

الجمعية التونسية المتوسطية للدراسات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية
بطاقة مشاركة في اشغال الملتقى الدولي الثاني
السياسات والتجارب التنموية بالمجال العربي والمتوسطي
التحديات ، التوجهات ، الافاق
باجة (تونس ) 26-27 افريل 2012

الاسم واللقب: اسيا قاسيمي
المهنة: استاذة جامعية دائمة
الاختصاص: العلوم الاقتصادية
المؤسسة الجامعية : جامعة البويرة ( الجزائر )
عنوان المداخلة المقترحة: التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة مع الإشارة إلى التجربة الجزائرية
لغة تحرير وتقديم المداخلة: العربية
هل تحتاجون لجهاز عرض أم لا أثناء تقديم المداخلة : نعم
ملخص البحث
  نستعرض في هذا البحث موضوع التنمية المستدامة الذي استحوذ على اهتمام العالم منذ أن طرح في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والإنسان في استكهولم  1972، ولا يخفي على أحد أن البيئة أصبحت من أهم التحديات التي تواجه عالمنا اليوم، وبعد أعوام من الدراسات على مؤتمر استكهولم انتهت اللجنة الدولية للبيئة والتنمية برئاسة السيدة  برونتلاند من وضع تقرير نشر بعنوان "مستقبلنا المشترك"، يرى ضرورة إتباع أنماط بديلة للتنمية لتحقيق ما يسمى بالتنمية المستدامة، وقد احدث ذلك نقلة نوعية في مفهوم العلاقة بين التنمية من جهة والاعتبارات البيئية من جهة أخرى، كاستجابة طبيعية لتنامي الوعي البيئي العالمي ، وأمام هذا الطرح تتبلور معالم إشكالية هذا البحث كالتالي:
  ماهي مختلف الجوانب المتعلقة بالتنمية المستدامة؟، وكيف يمكن استغلال الموارد الطبيعية ضمن  إطار  حماية البيئة، وماهو موقع مصطلح التنمية المستدامة ضمن المخططات التنموية الجزائرية؟
  تكمن أهمية البحث إلى تحليل التنمية المستدامة وعرضها بصفة مبسطة، إضافة إلى كونها ضرورة إلى الجزائر لتقليل الفجوة الاقتصادية والتقنية  بالمقارنة مع الدول المتقدمة.
من أهداف البحث إظهار واقع التنمية المستدامة في الجزائر من خلال الوقوف على مختلف الانجازات المحققة وآفاقها المستقبلية.

المقدمة
  لقد أسهم النمو السريع وغير المتوازن للتقدم الصناعي و التطورات غير المنضبطة المصاحبة له في تنامي سلسلة من المشاكل ذات الطابع البيئي، حيث أضحت قضايا التدهور البيئي- التصحر- الضغوطات الإنسانية على البيئة - الفقر- البطالة، تمثل واقعا مؤلما ملازما للحياة في العصر الحديث، وخاصة مع تعزيز نموذج الحداثة المعولم والتقنيات المتطورة لقدرة البشر على الأضرار بالبيئة، ومما لاشك فيه أن جلّ هذه المشكلات ناتج عن سوء تسيير الإنسان للبيئة، بحيث لم تعد تكتسي صبغة محلية محدودة، ولكنها تفاقمت لتصبح  انشغالاً جهوياً ودولياً.
  وبسبب تعاظم خطر تلك المشاكل من جهة، وتقلص نسبة الموارد على الأرض وإضعاف قدرتها على تجديد ذاتها من جهة أخرى، فإن هناك حاجة ملحة لترشيد التعامل الإنساني عن طريق تبني ما يعرف بالتنمية المستدامة.
وأمام هذا الطرح تتبلور معالم إشكالية هذا البحث كالتالي:
ماهي مختلف الجوانب المتعلقة بالتنمية المستدامة؟، وكيف يمكن استغلال الموارد الطبيعية ضمن  إطار حماية البيئة وماهو موقع مصطلح التنمية المستدامة ضمن المخططات الجزائرية ، ؟
  يعتمـد البحـث الأسلوب النظـري الوصفـي في تناولـه للتنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة ضمـن المـحاور التاليـة:
أولا - المبادرات الدولية لتبني مصطلح التنمية المستدامة
ثانيا - التنمية المستدامة: المفهوم والأهمية و المتطلبات
ثالثا - أبعاد ومبادئ التنمية المستدامة
رابعا: واقع وأفاق التنمية المستدامة في الجزائر
أولا: المبادرات الدولية لتبني مصطلح التنمية المستدامة
  بداية يمكن ذكر أهم المبادرات والمحطات لظهور التنمية المستدامة في شكل السياق التاريخي لظهور هذا المصطلح، و التي جاءت كما يلي:
1968: إنشاء نادي روما الذي جمع عدد كبير من رجال الأعمال من مختلف الدول، دعا النادي إلى ضرورة إجراء أبحاث تخص مجالات التطور العلمي لتحديد حدود النمو في الدول المتقدمة.[1]
1972: نادي روما ينشر تقريرا مفصلا حول تطور المجتمع البشري وعلاقة ذلك باستغلال الموارد الاقتصادية، وينشر توقعاته لسنة 2100، ولعل من أهم نتائجه عن مسار النمو الاقتصادي في العالم، أنه سوف يحدث خللا خلال القرن الواحد والعشرون بسبب التلوث وتعرية التربة.....الخ.[2]
1972: انعقاد مؤتمر استكهولم حول البيئة الإنسانية الذي نظمته الأمم المتحدة، حيث ناقش المؤتمر البيئة وعلاقتها بواقع الفقر وغياب التنمية في العالم، وتم الإعلان أن الفقر وغياب التنمية هما أشد أعداء البيئة، ومن جهة أخرى انتقد المؤتمر الدول و الحكومات التي لا تزال تتجاهل البيئة عند التخطيط للتنمية.
1992: قمة الأرض في ريودي جانيرو، حيث أصبح واضحا أن اهتمام العالم يجب أن يكون موجها ليس لتأثير الاقتصاد على البيئة، وإنما على تأثير الضغط البيئي ( تآكل التربة أنظمة المياه  الغلاف الجوي) على المفاهيم الاقتصادية.
في ريو أصبحت التنمية المستدامة تركز على سبعة مكونات تشكل التحدي الأكبر أمام البشرية:[3]
 التحكم في التعداد السكاني؛
 تنمية الموارد البشرية؛
 الإنتاج الغذائي؛
 التنوع الحيوي؛
 الطاقة؛
 التصنيع؛
 التمدن.
1994:المؤتمر العالمي المعني بالتنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية (بريدجتاون، بربادوس)، يعتمد برنامج عمل بربادوس، الذي نصّ على إجراءات وتدابير محدّدة لأغراض التنمية المستدامة للدول الجزرية الصغيرة النامية.
1997: دورة الجمعية العامة الاستثنائية (مؤتمر قمة الأرض + 5) بنيويورك، تعتمد برنامج مواصلة تنفيذ جدول أعمال القرن 21، بما يشمل برنامج عمل لجنة التنمية المستدامة للفترة من 1998 إلى 2002.
2002: القمة العالمية للتنمية المستدامة بجوهانسبرغ بجنوب إفريقيا : بالرغم من أن هذه القمة قد خلت من ولادة أية اتفاقية بيئية جديدة، إلا أنها قد وضعت الأساس، ومهدت الطريق لاتخاذ إجراءات عملية لتمكين دول العالم من تنفيذ المبادئ والاتفاقيات التي تمخضت عن المؤتمرات البيئية العالمية السابقة[4]، من خلال النقاط التالية:
 تقويم التقدم المحرز في تنفيذ جدول أعمال القرن 21 والصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والبيئة عام 1992؛
 استعراض التحديات والفرص التي يمكن أن تؤثر في إمكانيات تحقيق التنمية المستدامة؛
 اقتراح الإجراءات المطلوب اتخاذها والترتيبات المؤسسية والمالية اللازمة لتنفيذها؛
 تحديد سبل دعم البناء المؤسسي اللازم على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.
ثانيا - التنمية المستدامة: المفهوم والأهداف والمتطلبات
1 - مفهوم التنمية المستدامة
  قبل التطرق إلى مفهوم التنمية المستدامة، يجب إزالة اللثام عن الاستدامة كنقطة مبدئية، حيث يعود أصل الاستدامة إلى علم الايكولوجي، حيث استخدمت الاستدامة للتعبير عن تشكل وتطور النظم الديناميكية، التي تعرضت إلى تغيرات هيكلية، تؤدي إلى حدوث تغير في خصائصها وعناصرها، وعلاقات هذه العناصر ببعضها البعض، وفي المفهوم التنموي استخدم مصطلح الاستدامة للتعبير عن طبيعة العلاقة بين علم الاقتصاد وعلم الايكولوجي.[5]
  و نظرا لحداثة وعمومية مفهوم التنمية المستديمة، فقد تنوعت معانيه في مختلف المجالات العلمية والعملية، فالبعض يتعامل مع هذا المفهوم كرؤية أخلاقية، والبعض الآخر كنموذج تنموي جديد، وهناك من يرى بأن المفهوم عبارة عن فكرة عصرية للبلدان الغنية، مما أضفى على مفهوم التنمية المستديمة نوع من الغموض، ولإزالة ذلك يتعين عرض مختلف التعاريف ووجهات النظر السابقة والحديثة.
   لقد أصبح مفهوم التنمية المستديمة واسع التداول ومتعدد المعاني، والمشكل ليس في غياب التعاريف، وإنما في تعددها واختلاف معانيها.
التنمية المستدامة: développement durable هو ترجمة لا تستجيب للمصطلح الإنجليزي  sustainable development  الذي يمكن ترجمته أيضا بالتنمية ( القابلة للإدامة ) أو (الموصولة)،  ولقد تم اختيار مصطلح (مستديمةلأنه المصطلح الذي يوفق بين المعنى والقواعد النحوية.
كما يعرفها Edwerd barbier : "بأنها ذلك النشاط الذي يؤدي إلى الارتقاء بالرفاهية الاجتماعية اكبر قدر ممكن، مع الحرص على الموارد الطبيعية المتاحة وبأقل قدر ممكن من الأضرار والإساءة إلى البيئة ، ويوضح ذلك بان التنمية المستدامة تختلف عن التنمية في كونها أكثر تعقيدا وتداخلا فيما هو اقتصادي واجتماعي و بيئي.[6]
  إن التنمية المستدامة تقوم أساسا على وضع حوافز تقلل من التلوث وحجم النفايات والمخلفات والاستهلاك الراهن للطاقة، وتضع ضرائب تحد من الإسراف في استهلاك الماء والهواء والموارد الحيوية الأخرى.
  ولقد توصل تقرير بروتلاند[1] عام 1987 إلى تعريف التنمية المستدامة كالأتي " التنمية المستدامة هي عملية التنمية التي تلبي أماني وحاجات الحاضر، دون تعريض قدرة أجيال المستقبل على تلبية حاجاتهم للخطر.[7]
  يهدف هذا المفهوم الجديد إلى تحسين نوعية حياة الإنسان، من منطلق العيش في إطار قدرة الحمل آو القدرة الاستيعابية البيئة المحيطة [8] ، وترتكز فلسفة التنمية المستدامة على حقيقة هامة، مفادها أن الاهتمام بالبيئة هو الأساس الصلب للتنمية بجميع جوانبها، فهذا النوع من التنمية هو الذي يركز على بعدين مهمين هما الحاضر والمستقبل، حيث تكمن أهمية التنمية المستدامة، حسب هذا التعريف في قدرتها على إيجاد التوازن بين متطلبات التنمية للأجيال الحاضرة، دون أن يكون ذلك على حساب الأجيال القادمة.
أما اللجنة العالمية للتنمية المستدامة، فقد عرفتها على أنها: هي التنمية التي تفي احتياجات الحاضر دون المجازفة بموارد أجيال المستقبل، و قد انتهت اللجنة العالمية للتنمية في تقريرها المعنون "مستقبلنا المشترك" إلى أن هناك حاجة إلى طريق جديد للتنمية، طريق يستديم التقدم البشري لا  في أماكن قليلة، أو بعض السنين بل للكرة الأرضية بأسرها وصولا إلى المستقبل البعيد.[9]
إن هذا النوع من التنمية هو الذي يجسد العلاقة بين النشاط الاقتصادي واستخدامه للموارد الطبيعية في العملية الإنتاجية، وانعكاس ذلك على نمط حياة المجتمع، بما يحقق التوصل إلى مخرجات ذات نوعية جيدة للنشاط الاقتصادي، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية، بما يؤمن استدامتها وسلامتها، دون أن يؤثر ذلك الترشيد سلبا على نمط الحياة وتطوره.
و من هنا فالتنمية المستدامة تستلزم تغيير السياسات والبرامج والنشاطات التنموية بحيث تبدأ من الفرد وتنتهي بالعالم مرورا بالمجتمع.[10]
و الملاحظ أن البعض يتعامل مع التنمية المستدامة كاتجاه جديد، يتناسب واهتمامات النظام العالمي الجديد، والبعض يرى أن التنمية المستدامة نموذج تنموي بديل مختلف عن النموذج الصناعي الرأسمالي، وربما أسلوب لإصلاح أخطاء وعثرات هذا النموذج في علاقته بالبيئة.
  ونلاحظ إجمالا أن الإنسان هو محور جل التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة، حيث تتضمن تنمية بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم و الرفاه الاجتماعي ومحاربة البطالة، وهناك اعتراف اليوم  بالتنمية البشرية على اعتبار أنها حجر أساسيللتنمية الاقتصادية.
  من خلال ما سبق يمكن القول أن التنمية المستدامة، هي التنمية التي تحقق التوازن بين النظام البيئي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي، وتساهم في تحقيق أقصى حد من النمو في الأنظمة الأربعة السابقة، و أن لا يكون له تأثير جانبي على الأنظمة السابقة، وفي جوهرها ترتكز على  النقاط التالية :
 التأكيد على ضرورة الاستغلال الأمثل للإمكانيات والموارد المتاحة في الاقتصاد؛
 المحافظة على البيئة، عن طريق التقليل قدر الإمكان من الآثار السلبية الناتجة عن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على مصادر الاقتصاد وعلى البيئة؛
 السعي لتحقيق تنمية اقتصادية متوازنة قادرة على إحداث تقارب في مستويات المعيشة لمختلف الفئات.
2 - متطلبات التنمية المستدامة
لتحقيق تنمية مستدامة فعالة يتطلب الأمر التوافق والانسجام بين الأنظمة التالية: :
 نظام سياسي:  يضمن الديمقراطية في اتخاذ القرار.
 نظام اقتصادي : يمكن من تحقيق الفائض، ويعتمد على الذات.
 نظام اجتماعي: ينسجم مع المخططات التنموية وأساليب تنفيذها.
 نظام إنتاجي: يكرس مبدأ الجدوى البيئية في المشاريع.
 نظام تكنولوجي: يمكن من البحث و إيجاد الحلول لما يواجهه من مشكلات.
 نظام دولي: يعزز التعاون وتبادل الخبرات في مشروع التنمية.
 نظام إداري: مرن  يملك القدرة على التصحيح الذاتي .
 نظام ثقافي : يدرب على تأصيل البعد البيئي في كل أنشطة الحياة عامة، والتنمية المستدامة خاصة.
3 أهداف التنمية المستدامة
تسعى التنمية المستدامة إلى جملة من الأهداف جاءت من خلال النقاط التالية:[11]
 آن التنمية المستدامة عملية واعية – معقدة – طويلة الأمد – شاملة- ومتكاملة في أبعادها الاقتصادية –الاجتماعية – السياسية – الثقافية؛
 مهما كانت غاية الإنسان، إلا انه يجب أن يحافظ على البيئة التي يعيش فيها، لذا فان هدفه يجب أن يكون إجراء تغيرات جوهرية في البني التحتية والفوقية، دون الضرر بعناصر البيئة المحيطة؛
 هذا النموذج للتنمية يمكن جميع الأفراد من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حد ممكن، وتوظيف تلك القدرات أحسن توظيف لها في جميع الميادين؛
 نموذج يحمي خيارات الأجيال التي لم تولد بعد، ولا يستنزف قاعدة الموارد الطبيعية اللازمة لدعم التنمية في المستقبل.
ثالثاأبعاد ومبادئ التنمية المستدامة
1 - أبعاد التنمية المستدامة:
تستند التنمية المستدامة إلي أبعاد، يمكن ذرك أهمها كما يلي:
ا - البعد البيئي:
يوضح هذا البعد الاستراتجيات التي يجب توافرها واحترامها في مجال التصنيع، بهدف التسيير  الأمثل للرأسمال الطبيعي، بدلا من تبذيره واستنزافه بطريقة غير عقلانية، حتى لا تؤثر على التوازن البيئي، وذلك من خلال التحكم في استعمال الموارد وتوظيف تقنيات تتحكم في إنتاج النفايات، واستعمال الملوثات ونقل المجتمع إلي عصر الصناعات النظيفة.[12]
ومن أجل الوصول إلى صناعة نظيفة، تقدم الأمم المتحدة الخطوات التالية:
 تشجيع الصناعة المتواصلة بيئيا في إطار خطط مرنة؛
 إلزام الشركات العالمية بنفس المعايير خارج وداخل أوطانها؛
 التوعية بكل الوسائل بالخسائر والأخطار الناجمة عن التلوث، سواء المباشرة أو غير المباشرة؛
 إدخال مفاهيم البيئة الآمنة، وإلزامية المحافظة عليها، من طرف الفرد والمجتمع في كافة مراحل التعليم؛
 إشراك المجتمعات في آلية التنمية المستدامة بجهود وسائل الإعلام والثقافة للجميع ؛
 تشجيع الإنتاج النظيف بيئيا، من خلال آليات السوق والسياسة الضرائبية.
إضافة إلى تبني الصناعة النظيفة مثلما سبق ذكره، نرى أنه من المفيد إلقاء الضوء على مفهوم المشاريع البيئية: وهي تلك التي تراعي البعد البيئي كركيزة أساسية لقيامها، وهناك من يرى بأنها المشاريع التي تساهم في التنمية الاقتصادية بالموازاة مع الحفاظ على البيئةنوالعمل مع المستخدمين والمجتمع بشكل عام بهدف تحسين جودة الحياة لجميع الأطراف.[13]
  أما إذا كان المشروع اقتصاديا، فإننا لا يجب إغفال دراسة الجدوى البيئية و تعني: " دراسة التأثير المتبادل بين مشروعات برامج التنمية والبيئة، بهدف تقليص أو منع التأثيرات السلبية، أو تعظيم التأثيرات الايجابية "[14]
و يمكن اختصارا ذكر أهم العناصر التي تكون ضمن البعد البيئي وهي:
 النظم الايكولوجية؛
 الطاقة؛
 التنوع البيولوجي؛
 الإنتاجية البيولوجية؛
 القدرة على التكيف؛
 الإعلام والثقافة للجميع ؛
 الصناعة النظيفة.
ب - البعد الاقتصادي
إذا كان مفهوم التنمية المستدامة بالنسبة لدول الشمال الصناعية، هي السعي إلى خفض كبير ومتواصل في استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وإحداث تحولات جذرية في الأنماط الحياتية السائدة في الاستهلاك والإنتاج، والحد من تصدير نموذجها الصناعي إلى الدول المتخلفة، فإن وجهة نظر الدول الفقيرة بخصوص التنمية المستدامة، تعني توظيف الموارد من أجل رفع المستوى المعيشي للسكان الأكثر فقرا. [15]
و يمكن تلخيص أهم النقاط التي تؤخذ بعين الاعتبار في البعد الاقتصادي كما يلي:
 حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية؛
  مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث وعن معالجته؛
 تبعية البلدان النامية؛
 المساواة في توزيع الموارد؛
 الإنفاق العسكري؛
 التفاوت في المداخيل.
د - البعد الاجتماعي
  على الصعيد الإنساني والاجتماعي فان التنمية المستدامة، تسعى إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة، مع المحافظة على استقرار معدل نمو السكان، حتى لا تفرض ضغوطات شديدة على الموارد الطبيعية،  ووقف تدفق الأفراد إلى المدن، وذلك من خلال تطوير مستوى الخدمات الصحية والتعليمية في الأرياف ، وتحقيق أكبر قدر من المشاركة الشعبية في التخطيط للتنمية.
ومن هنا فالبعد الاجتماعي يسوقنا إلى تسليط الضوء على النقاط التالية:[16]
 المساواة في التوزيع؛
 الحراك الاجتماعي؛
 المشاركة الشعبية؛
 التنوع الثقافي؛
 استدامة المؤسسات؛
 نمو وتوزيع السكان؛
 الصحة والتعليم ومحاربة البطالة .
ه - البعد التكنولوجي
  و يعني نقل المجتمع إلى عصر الصناعات النظيفة، التي تستخدم تكنولوجيا منظفة للبيئة، وتنتج الحد الأدنى من الغازات الملوثة و الحابسة للحرارة والضارة بطبقة الأزون. [17]
و يمكن تعزيز التكنولوجيا من أجل التنمية المستدامة كما يلي:[18]
 تطوير أنشطة البحث بتعزيز تكنولوجيا المواد الجديدة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و اعتماد الآليات القابلة للاستدامة؛
 تحسين أداء المؤسسات الخاصة، من خلال مدخلات معينة مستندة إلى التكنولوجيات الحديثة؛
 استحداث أنماط مؤسسية جديدة تشمل مدن وحاضنات التكنولوجيا؛
 تعزيز بناء القدرات في العلوم والتكنولوجيا والابتكار، بغية تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الاقتصاد القائم على المعرفة، لاسيّما أن بناء القدرات هو الوسيلة الوحيدة لتعزيز التنافسية، وزيادة النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة ومحاربة الفقر.
 وضع الخطط والبرامج التي تهدف إلى تحويل المجتمع إلى مجتمع معلوماتي، بحيث يتم إدماج التكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بالموازاة مع تحقيق أهداف عالمية كالأهداف الإنمائية للألفية.
ويؤكد تقرير الموارد الطبيعية أن القاسم المشترك لهذه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، هي أن التنمية لكي تكون مستديمة يجب مراعاة ما يلي :
  أن لا تتجاهل الضوابط والمحددات البيئية؛
 أن لا تؤدى إلى دمار واستنزاف الموارد الطبيعية؛
 تؤدى إلى تطوير الموارد البشرية، كمحاربة البطالة والفقر وتحسين وضعية المرأة في المجتمع؛
 تحدث تحولات في القاعدة الصناعية السائدة.
2 - مبادئ التنمية المستدامة
بدأت تتبلور عقيدة بيئية جديدة مع بداية القرن الواحد والعشرين، تبناها البنك العالمي، و تقوم هذه العقيدة على عشر مبادئ أساسية:[19]
المبدأ  الأول :  تحديد الأولويات بعناية
  اقتضت خطورة مشكلات البيئة وندرة الموارد المالية، التشدد في وضع الأولويات، وتنفيذ إجراءات العلاج على مراحل، وهذه الخطة قائمة على التحليل التقني للآثار الصحية والإنتاجية والإيكولوجية لمشكلات البيئة، وتحديد المشكلات الواجب التصدي إليها بفعالية.
المبدأ الثاني: الاستفادة من كل دولار
  كانـت معظم السياسات البيئية، بما فيها السياسات الناجحة مكلفة بدون مبرر، وبدأ التأكيد على فعالية التكلفة.
إن هذا التأكيـد يسمح بتحقيق انجازات كثيرة بموارد محدودة، وهو ما يتطلب نهجا متعدد الفروع،  ويناشد المختصين والاقتصاديين في مجال البيئة، العمل معا على تحديد السبل المثلى للتصدي للمشكلات البيئية الرئيسية.
المبدأ الثالث: اغتنام فرص تحقيق الربح لكل الأطراف
إن  بعض المكاسب في مجال البيئة سوف تتضمن تكاليف و مفاضلات، والبعض الآخر يمكن تحقيقه كمنتجات فرعية لسياسات صممت لتحسين الكفاءة والحد من لفقر، ونظرا لخفض المـوارد التي تكرس لحل مشكلات البيئة، منها خفض الدعم على استخدام الموارد الطبيعية.
المبدأ الرابع: استخدام أدوات السوق حيثما يكون ممكنا
  إن الحوافز القائمة على السوق والرامية إلى خفض الأضرار الضريبية، هي الأفضل من حيث المبدأ والتطبيق، فعلى سبيل المثال تقوم بعض الدول النامية بفرض رسوم الانبعاث وتدفق النفايات، رسوم قائمة على قواعد السوق بالنسبة لعمليات الاستخراج.
المبدأ الخامس : الاقتصاد في استخدام القدرات الإدارية والتنظيمية
  يجب العمل على تنفيذ سياسات أكثر تنظيما وقدرة، مثل فرض ضرائب على الوقود، أو قيود على الاستيراد لأنواع معينة من المبيدات الحشرية، إدخال مبدأ الحوافز على المؤسسات الصناعية التي تسعى إلى التقليل من الأخطار البيئية.
المبدأ السادس: العمل مع القطاع الخاص
  يجب على الدولة التعامل بجدية وموضوعية مع القطاع الخاص، باعتباره عنصرا أساسيـا في العملية الاستثمارية، وذلك من خلال تشجيع التحسينات البيئية للمؤسسات وإنشاء نظام (الإيزو) الذي يشهد بأن الشركات لديها أنظمة سليمة للإدارة والبيئة.
المبدأ السابع: الإشراك الكامل للمواطنين
  عند التصدي للمشكلات البيئية لبلد ما، تكون فرص النجاح قوية بدرجة كبيرة، إذا شارك المواطنون المحليون، ومثل هذه المشاركة تكون ضرورية للأسباب الآتية :
1   قدرة المواطنين على المستوى المحلي على تحديد الأولويات؛
2  أعضاء الجماعات المحلية يعرفون حلولا ممكنة على المستوى المحلي؛
3  أعضاء الجماعات المحلية يعملون غالبا على مراقبة مشاريع البيئة؛
4  مشاركة المواطنين يمكن أن تساعد على بناء قواعد جماهيرية تؤيد التغيير.
المبدأ الثامن : توظيف الشراكة التي تحقق نجاحا
ينبغي على الحكومات الاعتماد على الارتباطات الثلاثيــة التـي تشمل ( الحكومة – القطاع الخاص – منظمات المجتمع المدني)، والعمل بخطط متكاملة للتصدي لبعض قضايا البيئة.
المبدأ التاسع: تحسين الأداء الإداري المبني على الكفاءة والفعالية
بوسع المديرين البارعين إنجاز تحسينات كبيرة في البيئة بأدنى التكاليف، فمثلا أصحاب المصانع  يستطيعون خفض نسبة التلوث للهواء والغبار من 60%إلى 80 % بفضـل تحسين تنظيم المنشآت من الداخل.
المبدأ العاشر: إدماج البيئة من البداية
عندمــا يتعلـــق الأمــــر بحماية البيئــــة، فإن الوقاية خير من العلاج بكل تأكيد، وتسعى معظــــم البلدان الآن إلى تقييم تخفيف الضـــرر وتبني ما يعرف بالجدوى البيئية، وباتت تضع في الحسبان التكاليف والمنافع النسبية عند تصميم إستراتيجيتها المتعلقة بالطاقة، كما أنها تجعل من البيئية عنصـــرا فعالا في إطار السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتجارية.             
رابعا: واقع وأفاق التنمية المستدامة في الجزائر
1- تحديات التنمية المستدامة في الجزائر
  أدركت الجزائر على غرار باقي دول العالم أهمية إقامة توازن بين واجبات حماية البيئة و متطلبات التنمية من خلال الإدارة الحكيمة للموارد، و لتجسيد هذا الهدف اتخذت إجراءات و سياسات من شأنها تحسين الأوضاع المعيشية و الاقتصادية و الاجتماعية و الصحية للمواطن لكنها اصطدمت بمعوقات حالت دونها تحقيق الهدف المنشود ومن بين المعوقات نجد[(15)]
 مشكل التصحر: يعد التصحر مشكلة رئيسية تؤثر في مستقبل الزراعة بالجزائر، فهناك الكثير من مساحات الأراضي المعرضة إلى هذا الخطر.
 مشكلة التوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية: هناك مساحات هائلة يتم تحويلها إلى مباني، مع فقدان كميات كبيرة من الغابات بفعل الحرائق و الطفيليات و لقد انخفض نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، من 1.1 هكتار في عام 1962 م إلى0.35 هكتار في عام 1980 م، و يتوقع أن يقل عن 0.15 هكتار مع منتصف القرن الحالي.
 تلوث البيئة: تفاقم مشكل التلوث في الجزائر بشكل مقلق، ونظرا للنمو السكاني المتزايد، إذ ينمو السكان بشكل لا يمكن للموارد البيئية المتوفرة أن تتحمله، فضلا عما تولده من ضغوط في مجالات السكن، والعناية الصحية، الطاقة و المياه، والخدمات وغيرها منالمتطلبات الأساسية. فلقد تضاعف عدد السكان في الجزائر أكثر من 5 مرات ما بين عامي 1962 م – 2002 م من 6 مليون إلى أكثر من 30.6 مليون نسمة بمعدل زيادة يفوق 0.3 % سنويا، حيث يتوقع أن يصل حوالي 42 مليون نسمة مع حلول عام 2020 م.
 تلوث الهواء: تشكل السيارات خاصة القديمة منها أهم ملوث للبيئة في المدن الكبرى، ففي الجزائر هناك نسبة عالية من السيارات المفترض إبعادها عن الاستعمال، إضافة إلى الحجم الهائل للنفايات الطبية التي يتم حرقها بطريقة غير سليمة و غير صحية لتقليلالتكلفة  و التهرب من دفع الضرائب، و يقدر حجمها بحوالي 124 ألف طن سنويا، منها 22 طن فضلات متعفنة شديدة الخطورة على الصحة، و 29 ألف طن فضلات سامة.
 تلوث المياه: يجمع علماء البيئة على المستوى العالمي أن الألفية الثالثة هي ألفية الذهب الأبيض (الماء الصالح للشرب)، هذا نظرا لتوقع نقص في عرض هذا الأخير مقابل الزيادة في الطلب العالمي عليه، ومن أهم عوامل تلوث المياه قصور خدمات الصرفالصحي   و التخلص من مخلفاته، التخلص من مخلفات الصناعة بدون معالجتها، وإن عولجت فيتم ذلك بشكل جزئي، وتسرب المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية في الأرض وتلويث المياه الجوفية. وتبين دراسة حديثة قامت بها الوكالة الوطنية للموارد المائية في الجزائر، عن نوعية  المياه المستهلكة أن 40 % منها ذات نوعية جيدة، و45 % ذات نوعية مرضية بينما 15 %   ذات نوعية رديئة. و فيما يخص الحد من مشكل نقص المياه على مستوى الجزائر العاصمة و بعض المدن الساحلية الكبرى، لجأت الحكومة إلى إنشاء محطات تحلية مياه البحر والتي كلفت حوالي 25 مليون دولار أمريكي، تصل قدرتها إلى 200 ألف متر مكعب يوميا.
2-  واقع التنمية المستدامة في الجزائر
     تعتبر مهمة حماية البيئة والمحيط من مهام الأفراد و مؤسسات المجتمع الحكومية و غير الحكومية، و لا يتأتى ذلك إلا بتكريس مبادئ التنمية المستدامة، فهي مهمة الكل، والجميع معني بهذه القضية، وهنا يأتي دور المنظمات في التعاون مع باقي الأطراف، كون هذه الأخيرة مسئولة إلى حد كبير عن بعض الآثار الجانبية التي تخلفها العملية الاقتصادية على البيئة.
     خلال السنوات الخمس الأخيرة، وضعت الجزائر آليات مؤسسية وقانونية ومالية وداخلية لضمان إدماج البيئة والتنمية في عملية اتخاذ القرار، منها على الخصوص كتابة الدولة للبيئة ومديرية عامة تتمتع بالاستقلال المالي والسلطة العامة، والمجلس الأعلى للبيئة والتنمية المستدامة وهو جهاز للتشاور المتعدد القطاعات ويرأسه رئيس الحكومة، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي الوطني، وهو مؤسسة ذات صبغة استشارية.
      وقد تم إنجاز العديد من الأعمال المهمة في إطار مجهودات التنمية خلال السنوات الأخيرة والتي تدخل ضمن تطبيق جدول أعمال القرن 21، أعطت نتائج جديرة بالاعتبار في العديد من الميادين، منها على الخصوص محاربة الفقر ، والحماية والارتقاء بالوقاية الصحية وتحسين المستوطنات البشرية والإدماج في عملية اتخاذ القرار المتعلقة بالبيئة. وقد لوحظ مع ذلك، أن معوقات كبيرة منها على الخصوص صعوبات تمويلية ومشاكل ذات صلة بالتمكن من التكنولوجيا وغياب أنظمة الإعلام الناجعة، قد أدت إلى الحد من مجهودات الجزائر من أجل تطبيق جدول أعمال القرن 21. [(16)]
  من هذا المنطلق سنت الجزائر العديد من الرسوم، التي من شأنها الحد من التجاوزات الخطيرة لبعض المنظمات، ومن بين هذه الرسوم نجد الرسم على النشاطات الملوثة للبيئة، وذلك ابتداء من قانون المالية لسنة 1992 م، الذي أسس رسم سنويا يتراوح ما بين 3.000 دج إلى 30.000 دج على النشاطات الملوثة أو الخطيرة على البيئة، والتي تزاولها المنظمات. يكون مبلغ الرسم الواجب تحصيله من طرف الإدارة الضريبية المحلية ( قباضة الضرائب للولاية ) مساويا لحاصل المعدل الأساسي ومعامل مضاعف يتراوح بين 1 و 6 عن كل نشاط من النشاطات الخطيرة أو الملوثة، حيث يحدد المعامل من طرف التنظيم حسب طبيعة و أهمية تلك الأنشطة.
     و في قانون المالية لسنة2000 ، تم تعديل المادة المتعلقة بتأسيس الرسم على الأنشطة الملوثة أو الخطيرة على البيئة، وقد تمثل التعديل في إحداث تغييرين، الأول يتعلق برفع المبلغ السنوي للرسم و الثاني يتعلق بفرض مبلغ رسم (معدل) لكل صنف من أصناف المنظمة الخاضعة للترخيص. وحيث أن هذه الأخيرة ترتب حسب درجة الأخطار أو المساوئ التي تنجم عن نشاطها.
     إلى جانب فرض إتاوة المحافظة على جودة المياه، حيث جاء قانون المالية لسنة 1996 م ليؤسس إتاوة على جودة المياه والتي تجبى لحساب الصندوق الوطني للتسيير المتكامل للموارد المائية، وهي تحصل لدى مؤسسات إنتاج المياه وتوزيعها (بلدية ، ولائية و جهوية) أو لدى دواوين المساحات المسقية (ولائية و جهوية) و بصفة عامة لدى المنظمات العامة أو الخاصة التي تملك و تستغل آبارا أو تنقيبات، و توجه هذه الأتاوى لضمان مشاركة المنظمات المذكورة في برامج حماية جودة المياه
و الحفاظ عليها، و تطبق المعدلات الآتية:
* 4 % من مبلغ فاتورة المياه الصالحة للشرب أو الصناعة أو الفلاحة بالنسبة لولايات شمال البلاد، بالنسبة للإتاوة الخاصة.
* 2 % من مبلغ فاتورة المياه الصالحة للشرب أو الصناعة أو الفلاحة بالنسبة لولايات الجنوب الآتية: الأغواط، غرداية، الوادي، تندوف ، بشار، إيليزي، تامنراست، أدرار، بسكرة و ورقلة. ومن أجل أخذ الشروط الخاصة بكل منطقة بعين الاعتبار (حجم المدن، كثافة المياه المصرفة، نوعية مياه مجاري الصرف، المناطق الخاصة الواجب حمايتها من آثار التلوث، هشاشة وسط استقبال المياه).
     و يمكن كذلك تطبيق معاملات زيادة على النسب المذكورة أعلاه، تراوح ما بين 1 و 1.5 كحد أقصى، إذا استدعى الأمر ذلك.
     أما فيما يخص خطر الرصاص على الصحة العامة، تسعى السلطات العمومية مؤخرا إلى تعميم استعمال البنزين الخالي من الرصاص على اعتبار أنه غير ملوث بالمقارنة مع أنواع الوقود الأخرى، بالإضافة إلى محاولة تخفيض سعره كسياسة تحفيزية. وفي المقابل فرض قانون المالية لسنة 2000 الرسم على الوقود المحتوي على الرصاص - سواء كان بنزين عادي أو ممتاز - بحيث حدد بـ 1 دج لكل لتر، وهو يحصل لحساب التخصيص الخاص بالصندوقين: الصندوق الوطني للطرق و الطرق السريعة والصندوق الوطني للبيئةوإزالة التلوث و ذلك مناصفة (أي 50 % لكل صندوق).[(18)]
   وفي هذا الصدد  أصدرت الجزائر قانون تهيئة الإقليم الجزائري في 2001 الذي بموجبه  انطلقت وزارة تهيئة الإقليم والبيئة في إحصاء وطني شامل لكل النفايات الخاصة، من خلال تنظيم ورشات عمل لتدريب أشخاص من القطاعات المنتجة لهذا النوع من النفايات يقومون بعملية الإحصاء وفق منهجية مدروسة و بالفعل، شهدت سبع ولايات في البلاد، هي الجزائر، سكيكدة، غرداية، تلمسان، المسيلة، باتنة و تنظيم ورشات دامت كل واحدة منها يومين تحت إشراف خبراء دوليين، وشملت المهندسين المكلفين بملف النفايات الخاصة على مستوى المفتشيات الولائية للبيئة، وكذلك المسئولين داخل المنظمات التي تفرز النفايات الخاصة وقد تضمن جدول عمل الورشات الوضعية الحالية لتسيير النفايات الخاصة في الجزائر، والتسهيلات التي يقدمها القانون الجديد و كذلك وضع مخطط لتنسيق العمل بين مختلف الجهات.
كذالك صادق المجلس الشعبي الوطني 2003 على مشروعي القانونين التنمية المستدامة للسياحة ومناطق التوسع و المواقع السياحي ، و قد أخذت التعديلات المقترحة على المشروع بعين الاعتبار ضرورة الارتقاء بقطاع السياحة إلى مصاف القطاعات المدرة للثروة و تسييره عقلانيا [20]. 
و تمحورت التعديلات حول ضرورة وضع حد للفوضى و عدم الانسجام السائدين في التنمية السياحية الذين تعرفهما المؤسسات السياحية الوطنية عن طريق تبني أسلوب جديد في تسيير هذه المؤسسات يضمن الاستمرارية في العمل و يعتمد على تثمين الثروات الطبيعية و الثقافية و الحضارية المتاحة ،
3 آفاق التنمية المستدامة في الجزائر 
   بادرت وزارة المالية في إطار البرنامج الموجه لدعم النمو و تهيئة الإقليم بتخصيص 36.5مليار دينار كغلاف مالي لدعم التنمية المستدامة من خلال إنجاز المشاريع التالية : [21]
 مشروع حماية الساحل
  مشروع حماية التنوع البيولوجي
 إنجاز مشروع خاص بالبيئة
 وضع دراسة خاصة بالبيئة وتهيئة الإقليم
 مشاريع خاصة بتوفير الماء الشروب
 عمليات تحسين المحيط الحضري
 مشروع لإعادة تصريف الفضلات المنزلية
في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي ، تم إنجاز عمليات تخص إنهاء أشغال أكثر من 10مراكز دفن النفايات "CET " في أهم المراكز الحضرية للبلاد
إضافة إلى هذا هناك أعمال هي قيد الإنجاز نذكر منها :
 تشخيص الوحدات الملوثة قصد تحويلها من أماكنها .
 وضع جهاز مراقبة للهواء
 مشروع إنجاز الحظيرة الطبيعية " دنيا " والتي تمتد على مساحة تفوق 200هكتار بين الجزائر العاصمة و المدينة الجديدة سيدي عبد الله.
 إعداد مخطط تهيئة الشاطئ في إطار مخطط عمل تهيئة البحر الأبيض المتوسط "PAM "و الذي يهدف إلى الحماية و الاستعمال العقلاني و الدائم لموارد الشواطئ في منطقة الجزائر العاصمة.
 تسجيل 26 موقع للمناطق الرطبة ذات أهمية دولية بعنوان اتفاقية رام سار RAMSAR في أحواض أبيرة ، العصافير ملاح ،و طونقا بولاية الطارف .
كما تم الشروع في مشاريع التنمية المستدامة على مستوى 7 مناطق نذكر منها :
  غابات الأرز بخنشلة
  وحاتن تيوت بالنعامة
 غابات السنبلة بالجلفة
 منطقة واد الطويل بتيارت
 منطقة تين هنان بتمنراست
الخاتمة
  من خلال البحث اتضح أن مفهوم التنمية المستدامة قد لقي قبولا وتبنيا دوليا واسعا منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي، إلا أن العالم لم ينجح حتى الآن في تبني خطوات فعلية جادة على طريق الاستدامة الحقيقية نحو التوفيق بين تلك التناقضات بين التنمية والبيئة الناتجة عن نموذج التنمية المهيمن منذ منتصف القرن العشرين، مما يجعل البشرية تواجه مستقبلا محفوفا بالمخاطر وعدم اليقين، ومن هنا يخلص هذا البحث إلى  أن التحول نحو الاستدامة المنشودة لا يبدو ممكنا بدون حدوث تغير رئيس وجذري على مستوى النموذج المعرفي السائد بعيدا عن قيم الاستعلاء، والاستغلال المتمركز حول الإنسان، باتجاه بلورة نموذج معرفي جديد يتصف بالشمول ولا يتمركز حول الإنسان وينظر للعالم كوحدة كلية مترابطة، بدلا من أن يكون مجموعة متناثرة من الأجزاء، ويمكن من خلاله دمج جهود التنمية المستدامة وجهود الحفاظ على البيئة بطريقة مفيدة للطرفين من أجل الصالح العام للجيل الحالي والأجيال القادمة.
ورغم أن الجزائر على غرار العديد من دول العالم التي تبنت المفاهيم المتعلقة بالتنمية البيئية المستدامة   إلا أنها عموما تتصف بــ:
 ضعف الثقافة البيئية لدى المسؤولين والمواطنين على حد سواء.
 ارتباط مفهوم دراسة التأثير في البيئة بالنسبة لبعض المشاريع التي تصنف بان لها مخرجات خطيرة على البيئة كالنشاطات الاستخراجية والمحروقات ...الخ، في حين أن هناك العديد من النشطة الأخرى المتعلقة بالعديد من الموارد البيئية الحساسة كالغابات/ مصائد الأسماك والسدود، المياه، مصادر الطاقة الأخرى، التوسع العمراني ...الخ، لم يطلها التشريع بالعناية الكافية بعد.
 ضعف القاعدة التشريعية بصورة عامة، وهي الكفيلة بتبني وتجسيد المفاهيم والتطبيقات البيئية السليمة.
 ضعف الجانب الرقابي في الجزائر الأمر الذي لم يسهم في تحقيق نتائج ايجابية من الناحية البيئية ولا من ناحية الاستدامة التنموية
الهوامش                                                                                                                           


[1] نسبة إلى رئيسة وزراء النرويج رئيسة اللجنة )

[1] حدة فروحات، استراتجيات المؤسسات المالية في تمويل المشاريع البيئية من اجل تحقيقي التنمية المستدامة، مجلة الباحث، العدد 7، 2009/2010، ص ص125، 126.
[2] مرجع سابق
[3] نبيل إسماعيل أبو شريحة، التوعية البيئية والتنمية المستدامة، المنظمة العربية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، مصر، ص ص 126 ،127.
[4] عبد الآله الوداعي، القانون الدولي ودوره في حماية البيئة، المنظمة العالمية للتنمية الإدارية، جامعة الدول العربية، مصر، ص ص  112 ،113.
[5] ماجدة احمد أبو زنط وعثمان محمد غنيم، التنمية المستدامة فلسفتها وأساليب تخطيطها وأدوات قياسها،  دار الصفاء للنشر والتوزيع، الأردن، 2007، ص 23 .
[6] عمار عماري، إشكالية التنمية المستدامة وأبعادها، ورقة بحث مقدمة ضمن المؤتمر العلمي الدولي حول التنمية المستدامة والكفاءة الإستخدامية للموارد المتاحة، 07-08 أفريل 2008 ، جامعة سطيف، ص 4.
[7]دوجلاس موسشين، مبادئ التنمية المستدامة، ترجمة بهاء شاهين، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، مصر،2000، ص 63.
[8] غادة على موسى، مخاطر غياب الأمن الإنساني على البيئة والتنمية المستدامة، بحث مقدم  المؤتمر العربي السادس للإدارة البيئية بعنوان التنمية البشرية وأثارها على التنمية المستدامة، مصر ، ماي 2007، ص 159.
[9] ماجدة احمد أبو زنط ، مرجع سابق.
[10]   http://www.shathaaya.com     
[11] زرنوج ياسمينة، إشكالية التنمية في الجزائر، رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادية، فرع تخطيط، جامعة الجزائر، 2005-2006
[12] ذهبية لطرش، متطلبات التنمية المستدامة في الدول النامية في ضل قواعد العولمة، ورقة بحث مقدمة ضمن المؤتمر العلمي الدولي حول التنمية المستدامة والكفاءة الإستخدامية للموارد المتاحة، 07-08 أفريل 2008 ، جامعة سطيف، ص 4.
[13]    GUYONNARD Françoise Marie, WILLARD Frédirique le Management environnemental au développement durable des enterprises  , ADEME, France, 2005, p : 05
[14] اوسرير منور و بن الحاج جيلالي مغروة فتيحة، دراسة الجدوى البيئية للمشاريع الاستثمارية، مجلة اقتصاديات شمال إفريقيا، العدد التاسع ، ص338 .
[15] كربالي بغداد وحمادي محمد، إستراتجيات والسياسات التنمية المستدامة في ظل التحولات الاقتصادية والتكنولوجية بالجزائر، مجلة العلوم الإنسانية ، العدد45، شتاء 2010 ، ص ص 11،12.
[16] حرفوش سهام وآخرون، الإطار النظري للتنمية الشاملة المستدامة ومؤشرات قياسها، ورقة بحث مقدمة ضمن المؤتمر العلمي الدولي حول التنمية المستدامة والكفاءة الإستخدامية للموارد المتاحة، 07-08 أفريل 2008 ، جامعة سطيف .
[17] مقدم عبيدات و بلخضر عبد القادر، الطاقة وتلوث البيئة والمشاكل البيئية العالمية، مجلة العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، العدد 07، 2007، ص 51 .
[18] http://ar.wikipedia.org
[19]  أنجدرو سيتر، المبــادئ العشــرة للعقيــدة البيئيــة الجديـــدة، مجلــة التمويــل التنمية، ديسمبر 1996، ص-ص : 4 – 5-6.نقلاسالمي رشيد، اثر تلوث البيئة في التنمية الاقتصادية في الجزائر، أطـروحة مقدمـة ضمن متطلبات الحصول على شهادة دكتوراه في العلوم الاقتصاديـة فــرع التسييـــر، جامعة الجزائر ، 2006 .

[(15)](1www.isesco.org. op.cit5
[(16)] بوزيان الرحماني هاجر- بكدي فاطمة، " التنمية المستدامة في الجزائر بين حتمية التطور وواقع التسيير "، ( المركز الجامعي بخميس مليانة )، ص 5.

[(18)] www.islamfin.net.

[20] مجلة البيئة و التنمية التلوث بالكومبيوتر ، يونيو 2002 .
[21]Fonds national de l environment et de de pollution Cnes ، commission du developpement humain 4 rapport national sur le devloppement humain، 2002.




أو



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق