سمات النمو الحضري في العالم العربي (2)
هاشم نعمة - الحوار المتمدن-العدد: 2162 - 2008 / 1 / 16 :
تطور مستوى التحضر
هناك من يرى أن أسباب تراجع الحضارة المدنية في الشرق الأوسط والذي أستمر بالرغم من توسع الدولة العثمانية متشعبة ولا زالت تعتبر موضوع للتكهنات التاريخية. وحتى فترة العصور الوسطى، فقد جرى الاعتقاد بأن الشعوب الحضرية كانت قد تقلصت أعدادها عن الفترة الرومانية نتيجة الدمار الذي ألحقته الغارات المتكررة التي انطلقت من آسيا الوسطى.
كان تطور مستوى التحضر بطيئا جدا أو حتى ثابتاً في الفترة التي سبقت القرن العشرين وهذا يعود إلى تخلف البنية الاجتماعية – الاقتصادية في العالم العربي والاعتماد على الزراعة والرعي ومحدودية دور الصناعة الحديثة في الاقتصاد. فمثلاً بقى هذا المستوى ثابتاً في العراق عند 25% من مجموع السكان ما بين عامي 1867- 1930.
وقد تزايدت نسبة السكان الحضر منذ بداية العشرينات من القرن الماضي وتسارعت أكثر بعد منتصفه حيث أصبح مستوى التحضر في العالم العربي من أعلى المستويات الملاحظة في العالم النامي. ويشير الجغرافي جون كلارك إلى أن منطقة الشرق الأوسط، التي تشمل البلدان الواقعة بين ليبيا وإيران وبين تركيا واليمن، هي المنطقة الأكثر تحضراً من أية منطقة رئيسية في العالم الثالث باستثناء أمريكا الجنوبية.( ) وتتأكد حقيقة ذلك بالرجوع إلى جدول وشكل رقم (1). ويعود هذا النمو السريع إلى ارتفاع معدل النمو السكاني بسبب تراجع معدلات الوفيات الناتج من انتشار الخدمات الصحية وتحسن الطب الوقائي والعلاجي وانتشار التعليم والتحديث إضافة إلى الهجرة الريفية- الحضرية.
جدول رقم (1) النسبة المئوية للسكان الحضر من مجموع السكان في منتصف السنة في البلدان العربية للفترة 1950- 2005 .
البلد 1950 2005 نسبة التغيير
البلد 1950 2005 نسبة التغيير
الجزائر 22,2 63,3 41,1
السودان 6,3 40,8 34,0
الصومال 12,7 35,2 22,5
المغرب 26,2 58,7 32,5
تونس 32,3 65,3 33,0
جيبوتي 39,8 86,1 46,3
ليبيا 19,5 84,8 65,3
موريتانيا 3,1 40,4 37,3
مصر 31,9 42,8 10,9
الأردن 37,0 82,3 45,3
الإمارات 54,5 76,9 22,4
البحرين 64,4 94,5 32,1
السعودية 21,3 81,0 59,7
العراق 35,1 66,9 31,8
الكويت 61,5 98,3 36,8
اليمن 5,8 2 7,3 21,5
سوريا 30,6 50,6 20,0
عُمان 8,6 71,5 62,9
فلسطين 37,3 71,6 34,3
قطر 79,2 95,4 16,2
لبنان 32,0 86,6 54,6
التغيير في النسبة المئوية للسكان الحضر في البلدان العربية بين عامي 1950 و2005 .
وهناك تباين واضح في نسبة سكان المدن بين البلدان العربية، فقد تراوحت النسبة بين 27,3% في اليمن و98,3% في الكويت، في عام 2005. ويعود هذا التباين إلى جملة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل طبيعة الإنتاج الزراعي والصناعي ومستوى الدخل الوطني.
وعند استخدام معيار جيراد بيرس Gerad Pierce على العالم العربي، يمكن تصنيف مستويات التحضر إلى ثلاث مراتب. تحضر عال، وذلك عندما يقطن في المناطق الحضرية ما لا يقل عن 50% من مجموع السكان. تحضر متوسط عندما تتراوح النسبة بين 25-49%. تحضر منخفض تكون النسبة أقل من 25%.
وإذا طبقنا هذا المعيار حسب معطيات عام 2005، نجد 17 بلدا ذا تحضر عال، وقد كان عدد البلدان في هذه المرتبة أربعة فقط هي: الإمارات والبحرين والكويت وقطر عام 1950. أما البلدان ذات التحضر المتوسط فعددها خمسة هي: الصومال ومصر والسودان واليمن وموريتانيا بعد أن كان عددها عشرة في ذات العام. في حين اختفت مرتبة التحضر المنخفض بعد أن كان عدد البلدان فيها ثمانية عام 1950.
ويلاحظ ارتفاع مستوى التحضر في البلدان المنتجة والمصدرة للنفط. حيث تستثمر عوائد النفط في المشاريع المختلفة الاجتماعية والاقتصادية، السكن، التعليم، الصحة، الإعلام، التصنيع، الدفاع والمواصلات، التسلية وخدمات أخرى. وأغلب هذه المشاريع والمؤسسات وبرامج التنمية تتركز في المدن الرئيسية ومدن العواصم. وقد أدى هذا إلى سرعة نموها ، باجتذابها أكبر حصة من الهجرة الداخلية وبالأخص من الريف وكذلك الهجرة الدولية.
ويبدو واضحاً من الرجوع إلى جدول رقم (1)، أن سرعة التحضر في البلدان العربية، خلال الفترة 1950- 2005 اختلفت من بلد إلى آخر. وهذه السرعة تعكسها نسبة التغيير في مستوى التحضر. فقد كانت أقل سرعة في مصر (10,9%) وأعلى سرعة في ليبيا (65,3%). وتبدو هذه مفارقة حيث أن مصر من البلدان العربية التي كانت فيها نسبة مهمة من سكان المدن على المستوى الكمي والنسبي. وارتفاع سرعة التحضر في ليبيا يفسر بإنتاج وتصدير النفط وتأثيراته السريعة الاقتصادية والاجتماعية. وهذا أيضا ينطبق على الدول المنتجة الأخرى للنفط بكميات كبيرة . ويبدو أن الأسباب، التي تقف وراء تباين سرعة التحضر، بين البلدان العربية هي نفس الأسباب المسؤولة عن التباين في مستوى التحضر التي ذكرت أنفاً.
ستشهد العقود القليلة المقبلة نمواً حضرياً غير مسبوق في الدول النامية. خصوصاً في دول أفريقيا وآسيا حيث سيتضاعف عدد السكان الحضر حتى عام 2030 أي أن نمو سكان المدن في هاتين القارتين على امتداد التاريخ كله سيتكرر في حياة جيل واحد.( ) وطبعا ضمن هذه الدول تأتي البلدان العربية ولو بمعدلات متفاوتة ولكنها تبقى أجمالاً مرتفعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق