المنهـج الجغـرافي
من خــلال أطــروحة امحـمد زكــــور:
Géographie et Formation intellectuelle :
Contribution à l’élaboration d’un modèle didactique et à son application au niveau de l’évaluation de licenciés Marocains au seuil de la profession d’enseignant
د.السهلي محمـد.
تحت إشراف : د.عامر كنبور - مفتش المادة
مقدمــة:
عرفت الجغرافيا في السنوات الأخيرة عدة محاولات ترمي إلى تطويرها على مستوى البحث الإبستمولوجي والممارسة الديداكتيكية,وفي هذا الإطار التفت عدد من الجغرافيين المغاربة إلى تناول القضايا الإبستمولوجية والديداكيكية لاختصاصهم, ويأتي اهتمام الأستاذ امحمد زكور في إطار تلك الدراسات التي أعطت للجغرافيا أهمية ومكانة خاصة[7]باعتبارها علما قادرا على المساهمة في تكوين الإنسان المتفاعل مع المجال الجغرافي, وتستمد هذه الدراسة أهميتها –كما يقول زكور –في كونها تقترح على المهمتين بتدريس الجغرافيا أداة للتفكير والفعل تسعى إلى تطوير العملية التربوية نظريا وعمليا وذلك في علاقة وتكامل مع مكاسب البيداغوجيا المعاصرة ومع خصوصيات المادة[8].
نظرا لحجم الأطروحة الضخم (346 صفحة) وسعة مكونات الخطاب الجغرافي المتضمن فيها, ارتأيت الاقتصار على خطوات المنهج الجغرافي وفق التصميم التالي:
-I التعريف بأطروحة امحمد زكور.
1- موضوع الأطروحة.
2- إشكالية البحث.
-II المنهج الجغرافي من خلال الأطروحة.
1- الوصف الجغرافي.
2- التفسير الجغرافي.
3- التعميم الجغرافي.
-Iالتعريـف بأطـروحة امحمد زكــور:
هي أطروحة تقدم بها امحمد زكور لنيل درجة الدكتوراه في علوم التربية, وقد نوقشت سنة 1990 بكلية علم النفسuniversiteit Brussel vrije تحت إشرافHubert Rigaux و Corneel de Bulpaep , وهي مكتوبة باللغة الفرنسية وغير منشورة ومرقونة بالمركز التربوي الجهوي بمكناس تحت رقم 9785 .
1- موضوع الأطروحة:
إضافة إلى مقدمة وخاتمة عامتين ولائحة بيبليوغرافية ضافية, تتكون الأطروحة من قسمين هما:
- القسم الأول: مساهمة في بناء نموذج ديداكتيكي.
- القسم الثاني: تقويم المجازين المغاربة المرشحين لمهنة التدريس (على ضوء النموذج الديداكتيكي).
بهذا... يهدف هذا البحث/الأطروحة إلى المساهمة في بناء نموذج ديداكتيكي خاص بالجغرافيا وتهدف الدراسة من جهة ثانية إلى تحقيق غايتين هما:
- الأولى نظرية تتوخى انطلاقا من حقل المعرفة الجغرافية تأسيس نموذج ديداكتيكي لتأطير التفكير والفعل الديداكتيكي الخاصيين بهذه المادة.
- الثانية تطبيقية توظف النموذج الديداكتيكي المؤسس على المجازين المغاربة المرشحين لمهنة التدريس.
2- إشكالية البحث/ الأطروحة:
إن المربين (مقررين ومدرسين) الذين يهدفون إلى توسيع وتعميق المشاريع التربوية على مستوى تدريس الجغرافيا يجدون أنفسهم أمام نوعين من الخطابات: واحد تقليدي يركز على المواد في غياب البعد البيداغوجي, وآخر يركز على المقاصد البيداغوجية المحددة خارج تداخل التخصصات[9].
أ- الخطاب التقليدي المتمركز حول المادة:
تملك الجغرافيا حسب هذا الخطاب عدة مزايا حيث يمكن عبر تدريسها تنمية لدى التلميذ معنى الملاحظة وكفاءة التحليل وفكر التركيب إلا أن هذه المزايا لا تعتمد على أي تحديد إجرائي بقدر ما تصاغ بكلمات عامة, وينتج عن عدم التحديد الإجرائي للأنشطة الفكرية المرتبطة بالجغرافيا اختصار منتوجها في تهيئ الوسط لحل نهائي وبالتالي تحدد الجغرافيا باعتبارها معرفة الوسط الذي نعيش فيه. وبهذا تقتصر الجغرافيا على شحن ذهن التلميذ بالمعلومات المعرفية, ولا تمكنه من تكوين يتجاوز الذاكرة إلى العمليات الذهنية المعقدة.
ب- الخطاب المتمركز حول المقاصد البيداغوجية.
بدأ الخطاب البيداغوجي المعاصر في إبراز مساوئ التدريس التقليدي المتمحور حول التلقين الإلقائي للمعارف, وقد اتجه التدريس في هذا الخطاب الجديد نحو تنمية مهارات أخرى (معرفية, حركية, وجدانية) في شخصية المتعلم الذي أصبح مركز الاهتمامات التربوية, ولتجسيد هذا التوجه التربوي ظهرت عدة نماذج ديداكتيكية تراعي مختلف أنواع الأهداف وشروط التعلم وطرائق التقويم, وبرزت عدة صيغ للأهداف منها تحديد الأهداف وفق تدرج من العام إلى الإجرائي (دولاندشير, دينو...) وحسب أبعاد الشخصية (بلوم, كراثهول, هارو),
وحسب الدور الذي يلعبه المدرسون في مختلف وضعيات التعليم والتعلم, وفي هذا السياق ظهرت عدة مصنفات للأهداف البيداغوجية حددت على مستوى سيرورة التكوين الفكري عمليات عديدة محددة بطريقة اصطلاحية وصارمة يمكن في إطارها وضع المضمون الخاص بأي تخصص لذلك أغري المكلفون بتدريس الجغرافيا بهذه المصنفات إلا أن ذلك لا يخلو من نقائص عديدة.
ج- النموذج الديداكتيكي المؤسس من طرف ذ.زكور.
لتجاوز نقائص الطرق البيداغوجية السابقة, والتي تتضمن مخاطر عديدة لتدريس فعال لمادة الجغرافيا يرى ذ.زكور انه من المهم قبل كل شيء إثارة الرهانات التالية:
- الرهان الأول: يهم مكاسب البيداغوجيا المعاصرة خاصة منها النسقية التي تأخذ بعين الاعتبار تفاعل مكونات المشروع التربوي.
- الرهان الثاني: يتعلق بمادة الجغرافيا التي هي تخصص يمكن به وعبره تحقيق وتخطيط وتطبيق ومراقبة تكوين مواطن المستقبل وذلك في توافق مع تخصصات أخرى تعتمد على مكاسب البيداغوجيا المعاصرة.
يمر هذا المشروع التربوي حسب ذ.زكور عبر تفكير ديداكتيكي ينظر إلى الجغرافيا كمادة للتكوين الفكري, وينطلق هذا التفكير الديداكتيكي من معالجة مكونات الخطاب الجغرافي الذي يملك موضوعا خاصا به والذي يتمثل في المجال , والذي يملك منهجية تضبط مجال للبحث والدراسة وتقوم هذه المنهجية على ثلاثة أنشطة فكرية هي الوصف التفسير والتعميم, ويتم التعبير عن المعرفة الجغرافية بوسائل مختلفة يخضع كل واحد منها لمقاييس وضوابط محددة واخيرا تتميز المعرفة الجغرافية بمنتوجها (حقائق, مفاهيم, اقتراحات تجريدية) الذي يساهم في الرأسمالي المعرفي.
في هذا الإطار, يرى ذ.زكور أن تدريس الجغرافيا بالمغرب لا يرتكز على نموذج ديداكتيكي مستخرج من المادة (الجغرافية) باعتبارها حقلا معرفيا ضروريا اجتماعيا واعتبارها موضوعا له منهجية ووسائل تعبير ومنتوجات خاصة به, وفي غياب هذا النموذج القائم في مرجعيته على منطق المادة يواجه تدريس الجغرافيا عدة ثغرات رغم المجهودات المبذولة لهيكلنها وتنظيمها.
-II المنهج الجغـرافي من خـلال أطـروحة ذ.زكــور
يشمل المنهج الجغرافي العمليات الفكرية التي من خلالها يتم تسليط الأضواء على الظواهر المجالية باعتبارها منتوجا اجتماعيا يترجم العلاقات الاجتماعية من خلال الممارسة المجالية ومختلف أشكال إنتاج وهيكلة المجال وذلك برصد ميكانزماته والقوى الاجتماعية الفاعلة في إنتاجه وهيكلته5.
رغم اختلاف التوجهات الفلسفية والايديولوجية فإن المنهج الجغرافي يرتكز على ثلاثة عمليات فكرية أساسية هي الوصف والتفسير والتعميم.
on géographique.
- تعريف الوصف الجغرافي:
الوصف عملية قديمة قدم الجغرافيا وقد هيمنت هذه العملية على الإنتاج الجغرافي منذ انطلاق هذا العلم الى القرن التاسع عشر, ورغم بقائه الوظيفة المهيمنة على الجغرافيا فقد عرف الوصف تطورا في هويته, فبعد ان كان خلال العصرين القديم والوسيط هدفا في حد ذاته أصبح خلال العصر الحديث في خدمة التفسير والتنظير6, ومر الوصف في تطوره بثلاثة مراحل متكاملة هي:
on.
on encyclopédique :اهتم بوصف المناخ والتضاريس وتاريخ المجتمعات البشرية وأنظمة الحكم والعادات... وقد أدخل هذا الوصف مفاهيم الشكل والتطور والأبعاد والتدرج على كل ظاهرة جغرافية موصوفة إلا انه تميز بتشتيت الموصوف وهيمنة البعد الأدبي في وصف الظواهر مما لم يسمح بعملية التركيب بين هذه الظواهر وبالتالي ربطها بحتمية قوية للوسط الطبيعي على الإنسان.
on raisonnée : على خلاف النوعين السابقين يتميز هذا الوصف بكونه عملية فكرية تتم عبر سيرورة من التحليل والتركيب تهدف إدراكا المنبهات Stimulu التي تسمح بتحديد مورفولوجية ومكان وحركة الظواهر الجغرافية
من خلال معالجته للأدبيات الجغرافية عرف ذ.زكور الوصف الجغرافي بأنه "عملية فكرية يتم من خلالها رصد وتقديم المنبهات المتعلقة بالظواهر المجالية من حيث مورفولوجيتها ومكانها وحركتها"8.
من مزايا هذا التعريف أنه يربط الوصف بالمفاهيم المهيكلة للخطاب الجغرافي (المورفولوجيا, التوطين, الحركة) ويحدد بدقة الجوانب التي ينكب عليها الوصف ونوع المعالجة الفكرية التي تنحصر في إبراز الأشياء من حيث هي كذلك دون تفسيرها واكتشاف مبادئها لأن ذلك من اختصاص عمليتي التفسير والتعميم9.
- خطوات الوصف الجغرافي:
تتم عملية وصف الظواهر الجغرافية على مرحلتين هما المرحلة التحليلية الاستكشافية والمرحلة التركيبية.
أ- المرحلة التحليلية: تعني برصد المعطيات وهذا يقتضي استكشاف العناصر عن طريق الملاحظة والمقارنة وبالتالي يتم الاقتصار خلال هذه المرحلة على تعدد العناصر وتصنيفها وترتيبها في مجموعات.
ب- المرحلة التركيبية: لا يقتصر الوصف خلال هذه المرحلة على وضع لائحة للمواد والعناصر التي تدخل في تركيب الموضوع الموصوف بل تقتضي وضع بنيان (خطاب) تحدد بدايته ومراحله وخلاصته, ويستعمل في هذا الخطاب مفاهيم ملائمة ووسائل تعبير مناسبة.
إذا كانت منهجية الوصف تقوم أساسا على استخراج المواد وتصنيفها وترتيبها فإن زكور يرى انه لا توجد قاعدة واضحة لمنهجية الوصف لخضوعه لمجموعة من العوامل التي يصعب ضبطها ومراقبتها مثل طبيعة المعطيات الموصوفة, ذاتية الباحث...
عموما يهدف الوصف الجغرافي تقديم الظواهر الجغرافية ويقترح بشكل إجرائي تفسيرا للمنبهات في علاقتها مع مفاهيم المورفولوجيا والتوطين والحركة وبذلك فإن الوصف بمرحلتيه التحليلية والتركيبية يعبد الطريق لعملية التفسير التي تلعب دورا أساسيا في عمليات التكوين الفكري.
2- التفسير الجغرافي L’explication géographique :
عرفت الجغرافيا منذ منتصف القرن العشرين نقلة نوعية على مستوى اهتماماتها وتوجهاتها حيث لم تعد تقتصر على الوصف وترتيب الظواهر بل تعدت ذلك الى تفسيرها عبر الاهتمام بالعامل أو العوامل المسببة في وجود ظاهرة جغرافية معينة أو الصفات التي تتصف بها من حيث المورفولوجيا والمكان والحركة.
أ- تعريف التفسير الجغرافي:
على خلاف الوصف, لم تعط الأدبيات الجغرافية تعريفا دقيقا للتفسير لاختلاف الجغرافيين حوله حيث يرى راتزلRatzel أن الطبيعة تحدد السلوك البشري وتفسر أهم الحقائق الجغرافية (الحتمية)وفي المقابل يرى ريتر Ritterأن بإمكان الإنسان اختيار ما يناسبه من الإمكانيات الطبيعية (الإمكانية ) ويذهب فيدال دولابلاش Vidal de la Blache إلى أن المركز الأساسي للعوامل المفسرة يوجد في الماضي (التاريخ) ويري بيير جورج P.George أن العامل الاقتصادي هو الأساس في التفسير... وقد نجم عن هذا الاختلاف انتماء عوامل التفسير إلى حقول معرفية مختلفة ( اقتصادية, سياسية, ثقافية, دينية...).
من خلال تحليله للأدبيات الجغرافية عرف ذ.زكور التفسير بأنه "عملية فكرية يتم بمقتضاها توضيح السبب أو الأسباب التي أدت إلى وجود ظاهرة مجالية أو ما تتصف هذه الظاهرة المذكورة سواء من حيث مورفولوجيتها أو مكانها أو حركتها".
من مزايا هذا التعريف أنه ينكب على ظواهر ملموسة شأنه في ذلك شأن الوصف الذي يقدم العناصر للتفسير الذي يبحث على نوع العلاقة بين العناصر المذكورة إلا أن هذه العلاقة ليست دائما أحادية الاتجاه ذلك أن الظاهرة الواحدة تؤثر وتتأثر في إطار شبكة من العلاقات تربطها بباقي الظواهر المجالية لذلك تتعدد أصناف التفسير الجغرافي.
ب- أنواع التفسير الجغرافي:
يمكن التفسير الجغرافي من إدراك وفهم وضعية ما حيث يتركز الاهتمام على عامل جغرافي محدد إلا أن امحمد زكور عمل بناء تفسير مؤسس على معالم قادرة على تسهيل توجيه البحث الجغرافي لغايات ديداكتيكية لذلك أبرز نوعان من الوضعيان تتمثل الأولى في تأثير الطبيعة على الإنسان والثانية في تأثير الإنسان على الطبيعة ويمكن أن تؤثر الطبيعة على الطبيعة والإنسان على الإنسان .
أن هذه الطريقة في تخطيط الأنواع الأربعة للتفسير تبدو أكثر ملائمة لأغراض ديداكتكية حيث تمكن أولا من تفريد النماذج الأربعة وتمكن ثانيا مكن ابراز اتجاه العلاقة (اتجاه السهام) وتمكن تبسيط الخطاطة السابقة بخطاطة أخرى تبرز التفاعل الموجود بين الظواهر الطبيعية والبشرية .
هكذا تدل أنواع التفسير الجغرافي على النماذج الأساسية للعلاقات القائمة بين الفعاليات المجالية الكبرى التي تصنف إلى فعاليات أساسية بمفهومها الكلاسيكي حيث يشكل المجال الجغرافي حسبها مسرحا لتفاعلات بين الإنسان في بعده المجتمعي وبين الطبيعة وفعاليات تعتمد المفاهيم المهيكلة للخطاب الجغرافي قصد إبراز التفاعلات القائمة بين الظواهر اعتمادا على مفاهيم المورفولوجيا والتوطين والحركة، وتعتبر هذه الفعاليات أكثر قدرة على مسايرة النظريات المجالية الحديثة وهذه الفعاليات هي التي يقترحها أحمد زكور.
3- علاقة التفسير بالوصف:
لا يقوم التفسير بذاته بل يرتبط مع الوصف والتعميم ويتمفصل معهما، ويتلخص دور الوصف في تقديم العناصر حتى يتسنى للتفسير الوقوف على نوع العلاقة التي تربط بين عناصر الظاهرة الجغرافية المدروسة وبالتالي فإن الوصف يشكل نقطة انطلاق التفسير حيث يقدم له معطيات عن خصائص الظاهرة المراد تفسيرها ومعطيات تخص العامل المفسر، ويتلخص دور التعميم – الذي يهتم بالنماذج النظرية التي صممت في ضوء دراسة العديد من الحالات الخاصة- في وضع إطار نظري مرجعي رهن إشارة التفسير حتى يتسنى لهذا الأخير اقتناء وتطبيق الجهاز النظري الملائم قصد إبراز نوع ومتانة العلاقة التي تربط بين الظواهر المجالية 11
4- التعميم الجغرافي: La généralisation géographique
عرفت الجغرافيا خلال القرن 19 خاصة النصف الثاني منه نقلة جذرية حيث لم تعد تهتم فقط "بجمع الأشياء المأثورة" بل أصبحت تهتم في مضمونها بالتفسير وحددت حقل أبحاثها ومناهجها، ورغم ذلك يرى ذ.زكور ضرورة الانتقال إلى مرحلة بناء النماذج والمبادئ في إطار ما يعرف بعملية التعميم الجغرافي.
عرف ذ.زكور التعميم بأنه " عملية فكرية يتم بمقتضاها وضع أو استعمال أجهزة نظرية تنير سبيل الوصف والتفسير الجغرافيين".
شكلت العناية بالتنظير مرحلة حاسمة في تطور الجغرافيا والتحاقها بركب العلوم.
1- أنواع التعميم الجغرافي:
ميز امحمد زكور بين نوعين من التعميم: الأول يعنى بمعالجة وصقل المفاهيم المستعملة في تحديد الظواهر الجغرافية ويطور في النهاية الوظيفية للجغرافيا والثاني يهتم بوضع أطر مرجعية تخدم الوظيفة التفسيرية للمادة الجغرافية.
أ- التعميم الخاص بالمفاهيم:
ينبني على تعريف مفهوم معين له خصائص موحدة وبالتالي فإنه ينكب على اقتناء المنبهات التي تدخل في تركيب المفاهيم التي تستعمل في تحديد الكيانات المجالية. وقد أبرز ذلك عبد الحق أمغار من خلال التمييز بين مفهوم الزراعة البورية والزراعة المسقية اعتمادا على منبه مصدر المياه ذلك أن الأولى تعتمد على مياه الأمطار في حين تعتمد الثانية على مصادر مائية أخرى غير الأمطار، كما تميز أنواع التضاريس حسب الارتفاع ومدى تعمق المجاري المائية.
ب- التعميم المرتبط بالتفسير:
يهتم هذا النوع بوضع مبادئ وقوانين ونظريات قصد إبراز العوامل التي تتحكم في ظاهرة أو مجموعة من الظواهر المجالية، وتستند عملية التعميم في بعدها التفسيري على تجربة غنية بالعبر المستخلصة من خلال وصف وتفسير العديد من الظواهر إن على مستوى الزمان أو على صعيد مجال الكرة الأرضية، ويميز في هذا التعميم التفسيري بين نوعين هما:
· التعميم التفسيري على مستوى المبادئ: يستغل نتائج النشاط الوصفي والتفسيري، مثال إن التضاريس المرتفعة هي تضاريس حديثة أو مكونة من صخور حديثة والعكس إن التضاريس الأقل ارتفاعا هي تضاريس قديمة أو مكونة من صخور هشة، إن هذا المبدأ لم يوضع انطلاقا من حالة فردية بل انطلاقا من عينة معبرة عن الحالات التي تمت معالجتها.
· التعميم التفسيري على مستوى النظريات: يتطلب تأسيس وبناء نظرية ما اشتقاق مجموعة من المفاهيم الإجرائية لضمان الدقة والصرامة في الوصف، والإعلان عن بعض المبادئ المؤطرة للعمل التفسيري إضافة إلى تجريب هذه الأدوات في دراسات ملموسة للتأكد من صلاحيتها ومنفعتها.
مثال: نظرية الأماكن
المفاهيم
منطقة التأثير، التراتبية الحضرية، العاصمة الجهوية، قطب الاستقطاب ...
المبادئ
وجود علاقة متبادلة بين أهمية الخدمات وأهمية مركز حضري معين.
المنهجية
وصف المراكز الحضرية والخدمات ومقارنتها بمعطيات متعلقة بمراكز حضرية عديدة
وسيلة التعبير
يعتبر عن النتيجة كارطوغرافية لإبراز الظاهرة.
ميدان التطبيق
الجغرافية البشرية (الحضرية والاقتصادية)
2- منهجية التعميم الجغرافي:
لا تقترح الأدبيات الجغرافية المكتوبة بالفرنسية منهجية تامة ومنظومية تحدد المراحل التي تؤدي إلى التعميم بل تقتصر على بعض الملاحظات الجزئية والاعتبارات العامة حول الموضوع لذلك قام ذ.زكور بجمع معطياتها المتنوعة والمتناثرة مما مكنه من اقتراح منهجية تقوم على مرحلتين هما تطبيق العتاد النظري وبناء هذا العتاد.
1- تطبيق العتاد النظري L' application dun matériel théoriqueيتطلب هذا التطبيق في البداية التحكم في مستوى التعميم مثلا لا تمكن تحديد هضبة أو سكن مجتمع إذا كنا نجهل المعايير الضرورية والكافية التي نعرف بها الظواهر، ويرتبط تطبيق المفاهيم بالوصف والمبادئ بالتفسير، ويمر تطبيق العتاد النظري حسب زكور بأربعة مراحل:
مرحلة استكشافية
تتطلب تحديدا مضبوطا لمجال الدراسة وهي خاصة بالأنشطة الثلاثة (الوصف، التفسير، التعميم) مثلا إذا كان الأمر يتعلق بتحديد شكل التضاريس فإن التعميم لا يتجاوز المستوى المفاهمي، وإذا كان الأمر يتطلب تفسيرا لهذه التضاريس فيجب الرجوع إلى قائمة العوامل التي تؤثر على هذه الظاهرة، وإذا تعلق الأمر بإبراز مورفولوجية وتوطين وحركة الكتلة الجبلية فإن ذلك يستدعي الرجوع إلى نظرية مفسرة
مرحلة تحليلية
ترتكز على التعميم على مستوى المفاهيم وتستلزم التسلح بجهاز مفاهيمي يهم المجالات الجغرافية لوصف الظاهرة المدروسة بالتالي تهتم هذه المرحلة بفصل المنبهات وتصنيفها وتطبيق المعايير التي تدخل في تركيب المفاهيم المستخرجة من الميدان الجغرافي، نقول سهل لان مساحته منبسطة وأن المجاري المائية التي تخترقه غير متعمقة.
مرحلة تطبيقية
ترتكز على التعميم على مستوى المبادئ وتستلزم التسلح بالمبادئ التي تهم مختلف المجالات الجغرافية لتفسير الظاهرة المدروسة، مثال تبدأ دراسة توزيع الحرارة بالمغرب من وصف هذه الأخيرة ثم بعد ذلك تفسيرها يتم استحضار المبدأ الذي تتوزع الحرارة حسب عوامل عالمية ( الدورة الهوائية) أو جغرافيا (تضاريس، بحار...) ويتطلب تطبيق هذا المبدأ ملاحظة مدى اختلاف الحرارة حسب الارتفاع والبعد والقرب من البحر.
مرحلة تركيبية
يتم خلالها التأكد من مدى صلاحية النظرية أم لا مثال إذا كانت نظرية الأماكن المركزية صالحة لبعض المناطق في الدول المتقدمة مثل بفاريا الألمانية فإنها غير كذلك في الرور والغرب الأمريكي وفي الدول المتخلفة.
2- بناء عتاد نظري: L élaboration d'un Matériel théorique
يفترض بناء عتاد نظري جديد أن يكون البناء النظري القديم قد طبق بكفاءة ولوحظ فيه نوع النقص الواضح مما يستدعي التعديل والتجديد، ويمر بناء النظرية بأربعة مراحل هي.
المرحلة الأولى
تتطلب تحديد المجال الذي طبق فيه العتاد النظري السابق وتمكن أن يتعلق الأمر بتقطيع واقع جغرافي لم يخضع للدراسة الجغرافية.
المرحلة الثانية
تتطلب البرهنة على أن العتاد النظري السابق غير قابل كليا أو جزئيا للأجرأة في هذا المجال، مما يفترض الاضطلاع على كل النظريات القابلة أن يكون جزء منها أو كلها قاعدة لدراسة الظاهرة الجغرافية المدروسة.
المرحلة الثالثة
تقتضي تقديم عناصر ومكونات العتاد النظري الجديد (مفاهيم، مبادئ...) ويعتمد هذا التقديم على لغة دقيقة ومضبوطة.
المرحلة الرابعة
تتطلب تطبيق العتاد النظري الجديد على عينة ممثلة من الحالات المستقاة من حقل الدراسة والذي أعدت النظرية من أجله، ويسمح هذا التطبيق بتدقيق المفاهيم وإضافة بعض المعايير وإبراز حدود النظرية.
يعتبر التعميم الجغرافي روح كل عمل علمي لكونه يركز اهتمامه على استعمال وإنتاج المفاهيم والمبادئ والنظريات ويسمح بتجاوز الحالات الفردية للتموضع على المستوى العالمي وقد ركز ذ.زكور على نوعين من التعميم الأول على مستوى المفاهيم يؤطر الوصف والثاني على مستوى المبادئ والنظريات يوجه في المقام الأول التفسير.
خــــاتمة:
يتشكل المنهج الجغرافي من عمليات فكرية متكاملة تفي بمهمة الكشف عن الظواهر المجالية من وجه النظر الجغرافية، فالوصف يقدم الظواهر من حيث مورفولوجيتها وتوطينها وحركتها والتفسير يبرز أسباب تواجد الظواهر بالصفات التي هي عليها في حين يعمل التعميم في إطار جدلية تربطه بالوصف والتفسير على بناء أجهزة نظرية مشكلة من مفاهيم ومبادئ ونظريات من أجل الرفع من متانة ومردودية الدراسات الجغرافية.
في ختام هذا العرض لا يسع المرء إلا أن يشيد بالقيمة العلمية والوزن التربوي لأطروحة زكور التي تشكل نقلة نوعية في مجال البحث الجغرافي بالمغرب وطفرة متميزة في مجال البحث الديداكتيكي لهذه المادة، لذلك تطرح تساؤلات جوهرية تستمد مشروعيتها من واقع تدريس الجغرافية بالإعدادي والثانوي التأهيلي، منها*
- لماذا لا يتم تبني مثل هذه الأعمال الجادة في البرامج المستقبلية لبرامج الجغرافيا؟
- ألم يحن الوقت لتفاعل وتكامل عمل الأستاذ الجامعي بنظيره في الإعدادي والثانوي التأهيلي؟
- متى ستزول الحواجز الوهمية بين المعارف العالمةSavoir Savant والمعارف المدرسة Savoir Enseigné ويتم الارتقاء إلى نقل ديداكتيكي هادف وفعال؟
- لماذا لا يتم ترجمة هذه الأطروحة وطبعها ونشرها تعميما للفائدة بدل أن تظل سجينة رفوف خزانات بعض المراكز التربوية؟
_____________
المراجع:
1- Zagor M’hamed : Géographie et Formation intellectuelle. Contribution à l’élaboration d’un modèle didactique et à son application au niveau de l’evaluation de licenciés Marocains au seuil de la profession d ‘enseignant
thèse de doctorat en sciences de l’éducation – 1990 - .
2- عبد الحق أمغار: توظيف الكتاب المدرسي في تدريس المنهج الجغرافي، آفاق تربوية، العدد 5/6.
3- علي باصدق: مكونات الخطاب الجغرافي من خلال أطروحة الدكتور زكور معالم تربوية – العدد 16- أكتوبر 1998.
إعداد : د. السهلــي محمـد أستاذ بثانوية أم الربيع –مريــرت-
[7] باصدق علي: مكونات الخطاب الجغرافي من خلال أطروحة الدكتور زكور, معالم تربوية, العدد 16, اكتوبر 98.
[8] أطروحة ذ.زكور صفحة 14 .
[9] نفس المرجع ص 8 .
5 أمغابر (عبد الحق) توظيف الكتاب المدرسي في تدريس المنهج الجغرافي, افاق تربوية العدد 5/199926 ص 42 .
6 امغابر (عبد الحق ) مرجع سابق نقس الصفحة
7 (M’hamed) Zgor Ibid P44
8 Ibid P 45
9 - أمغابر (عبد الحق ) مرجع سابق ص 43
_________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق