وجهة نظر
السكن العشوائي داخل المدن
جريدة الرياض : د. خالد بن عبدالعزيز الطياش :
الرياض مدينة جميلة تنمو بتعقل وفق مخطط عمراني متوافق إلى حد ما مع معدل النمو السكاني السريع لها تتوزع أحياؤها بانتظام متوازن إلا أن الملاحظ وجود عدد من المناطق داخل تلك الأحياء تشكل نشازاً عمرانياً ومعمارياً واضحاً يؤثر بشكل سلبي على شكل الحي وساكنيه وبالتالي الشكل العام للمدينة ويظهر جلياً كندب قاتمة في خد حسناء صافية البياض تلك المناطق هي بؤر الإسكان العشوائي داخل الأحياء والتي تنتشر في عدد من أحياء مدينة الرياض والتي ظهرت في البداية بشكل محدود ما لبثت أن امتدت لتشكل أجزاء كبيرة من الأحياء لا يمكن تجاهلها ومدينة الرياض مثلها كمثل كبريات عواصم ومدن العالم واجهت نمواً حضارياً سريعاً وهجرة داخلية وخارجية فاقت التوقعات فظهرت تلك المساكن العشوائية في غفلة من ملاك الأراضي والبلديات.
إن النمو الحضري السريع يؤدي في معظم المدن إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية وصحية وغيرها كنتيجة طبيعية لعدم الاستعداد المسبق لهذا النمو المفاجئ فتظهر في معظم الأحيان مناطق ذات بناء عشوائي تفتقر إلى الخدمات الضرورية اللازمة لأي مسكن كالكهرباء والماء وشبكات الصرف الصحي يتم ذلك بشكل تدريجي في غفلة من البلديات ومن أصحاب الأراضي لا تلبث تلك المناطق أن تكبر مع الزمن وتلتهم ما حولها دون رادع مما يجعلها بتخطيطها العشوائي وعدم قانونية تملكها للأرض بؤرة مناسبة لأي أعمال ضد القانون وقد شهدت معظم المدن السعودية نمواً حضارياً متسارعاً نتيجة لتدفق موجات الهجرة الداخلية إلى المدن والقرى المجاورة طلباً للعمل أو الدراسة أو العلاج ليكونوا أقرب لتلك الخدمات المدنية ولافتقار المدن الصغيرة والقرى للخدمات الضرورية وقلة فرص العمل والدراسة والعلاج بها وهذا ناتج عن قصور برامج التنمية المتوازنة بين المدن الكبيرة وغيرها من المدن الصغيرة والقرى.
الرياض وجدة والدمام أكبر المدن السعودية سكاناً وبالذات مدينة الرياض حيث واجهت منذ زمن موجات متعددة من النزوح إليها والإقامة علِى أطرافها دون التقيد بقوانين ملكية الأرض ودون التقيد بنظام ولوائح التخطيط العمراني حيث يبدأ الإسكان العشوائي عادة بوضع اليد على الأرض ووضع سور من الزنك أو الخشب حولها ثم تبدأ مرحلة أخرى وهي البناء داخل الحوش بشكل غرف متلاصقة من الصفيح أو الزنك أو الخشب أو الكرتون تتحول فيما بعد إلى مبان من البلوك والأسقف الخشبية يتخلل تلك المساكن البسيطة أزقة ضيقة متفاوتة الاتساع وغريبة الاتجاهات والأبعاد يصعب تحرك المركبات داخلها ويصعب على الإنسان الغريب عنها تحديد الاتجاه والهدف عند دخوله إليها بخلاف أصحابها وساكنيها حيث يعرفون تلك الممرات بتفاصيلها وهذه أهم عوامل نجاح تلك المناطق في اخفاء كل ما هو غير قانوني إضافة إلى افتقارها إلى العديد من الخدمات الأساسية والأمنية وتشكل بذلك معوقاً قوياً للتنمية وبؤرة مناسبة للمشاكل الاجتماعية والصحية والأمنية وفي حال تطورها وازدياد رقعتها تتحول خلال سنوات قليلة إلى مناطق مغلقة يصعب السيطرة عليها من قبل الأجهزة الأمنية.
تاريخ وبدايات ظهور الإسكان العشوائي في مدينة الرياض يرويها معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم أمين مدينة الرياض السابق ورئيس مجلس أمناء المعهد العربي لانماء المدن عبر ورقة عمل بعنوان (الأحياء العشوائية وانعكاساتها الأمنية) والتي قدمت في ندوة (الانعكاسات الأمنية وقضايا السكان والتنمية) والتي عقدت في مدينة القاهرة في 22 ديسمبر 2004م يذكر معاليه «أنه بعد توحيد البلاد على يد جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وتثبيت الرياض عاصمة للمملكة توافدت على المدينة أعداد هائلة وخاصة من البادية والمناطق الريفية طلباً للعمل في أجهزة الدولة المختلفة كما كان ندرة المعيشة في ذلك الوقت عاملاً هاماً في جذب الناس لمدينة الرياض، كما أدى فتح باب التوظيف في أجهزة الحكومة وإقامة المشاريع الحكومية المختلفة إلى قدوم أعداد كبيرة من الناس بشكل لم تستطع مساكن المدينة استيعابهم واحتاجت هذه المشاريع عند تنفيذها وتشغيلها إلى عمالة وعمال حراسة.. هؤلاء الوافدرن الجدد لم يجدوا في مدينة الرياض الناشئة آنذاك مساكن جاهزة لتؤويهم كما أنهم لو وجدوا لا يجدون الإيجارات فاضطروا إلى إقامة مساكن عشوائية حول المنشآت الحكومية والشركات هذه المساكن أيضاً اجتذبت إليها أقارب الساكنين من غير العاملين في تلك الأجهزة فنشأت مناطق عشوائية منها حول الكلية الحربية في شارع المطار القديم وحول منشآت الاتصالات وحول المستشفى العسكري وحول شركة الأسمنت وشركة الجبس وحول منشآت الحرس الوطني في خشم العان، وعندما بدأ التطور في مدينة الرياض واتسعت ضمت بين جنباتها هذه المناطق العشوائية التي أصبحت داخل المدينة.
أمانة مدينة الرياض فكرت في حل هذه المشكلة وذلك بتخطيط تلك المناطق تخطيطاً حضرياً وقامت بتمليك قطع الأراضي للساكنين فيها لكنها احتفظت بالصكوك الشرعية لحين اخلائها وذلك بالتنسيق مع عمد تلك المناطق أو وجهاء الساكنين فيها وبعد اخلائها أزيلت المساكن العشوائية وسلمت الصكوك الشرعية لأصحابها وحصلوا على قروض من صندوق التنمية العقارية لإقامة مساكنهم.
هذا في بعض مناطق الإسكان العشوائي أما البعض الآخر فلا يزال كما هو فلا زالت المناطق التي خلف منشآت الاتصالات من الجنوب وأجزاء كبيرة من حي الفيصلية وحول شركة الأسمنت وخلف معسكرات الحرس الوطني في خشم العان من الجهة الجنوبية تشكل وجهاً غير حضاري لمدينة الرياض وبؤر إنتاج فعالة لكل ما هو غير قانوني.
لقد آن الأوان للالتفات لتلك المساكن العشوائية ودراسة وضعها وطرح الحلول لإزالتها فقد يأتي يوم يكون حلها صعباً وعسيراً وأحياناً غير ممكن وللبدء في أولى خطوات الحل أرى مراعاة النقاط التالية:
- حصر مناطق الإسكان العشوائي داخل الأحياء أو على أطراف المدينة والقيام باحصاء دقيق لعدد المساكن ومكوناتها ومساحاتها وعدد الساكنين ووضعهم الاجتماعي القانوني.
- معرفة ملاك الأراضي المغتصبة والتي أقيم عليها الإسكان العشوائي (حكومية أو خاصة) وتثبيت وضعها القانوني.
- الاستفادة من مشاريع إسكان ذوي الدخل المحدود ومشاريع لإسكان أصحاب المساكن العشوائية بعد ترحيلهم عنها وإزالتها.
- إعادة تخطيط مناطق الإسكان العشوائي بعد إزالتها لتضاف للنسيج العمراني للمدينة وتكون جزءاً متجانساً منه.
وللحيلولة دون نشوء مناطق إسكان عشوائية مستقبلاً داخل الأحياء السكنية أو في مناطق المدينة المتطرفة حيث ما زالت اغراءات الهجرة الداخلية للمدن قائمة لا بد للقائمين على التخطيط مراعاة النقاط التالية:
- زيادة دور الرقابة البلدية المتخصصة بتطبيق أنظمة واشتراطات البناء بحيث تكون أكثر فعالية للحد من الاستمرار في إنشاء المباني العشوائية المخالفة لنظام البناء والتأكيد على استيفاء متطلبات تراخيص البناء النظامية.
- حث ملاك الأراضي ذات المساحات الكبيرة داخل المدن ووسط الأحياء على ضرورة تطويرها وتخطيطها وتسويقها تجارياً حماية لها من التعديات العشوائية عند اهمالها.
- تفعيل الدور القانوني والشرعي ضد مغتصبي الأراضي العامة والخاصة مع دراسة آلية جديدة فعالة لملكية الأراضي.
- تشجيع الحد من الهجرة الداخلية للمدن وذلك بالتوزيع المتوازن للخدمات التنموية على المدن الصغيرة والقرى والبعد عن تركيز كل مقومات التنمية في المدن الرئيسية الكبرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق