التسميات

الخميس، 15 أغسطس 2013

جغرافية المدن في كتب التراث الجغرافي العربي الإسلامي ...

جغرافية المدن في كتب التراث الجغرافي العربي الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

جغرافية المدن في كتب التراث الجغرافي العربي الإسلامي

مقـدمــــة:
إن التراث الجغرافي العربي الإسلامي ذو قيمة كبيرة في تاريخ تطور الفكر الجغرافي. وقد لفت هذا التراث اهتمام المستشرقين الغربيين منذ أواسط القرن التاسع عشر فبذلوا جهوداً مشكورة في بعثه، وشارك علماء من دول أوربية عديدة في هذه المهمة بينهم الألمان والهولنديون والفرنسيون والروس والإنجليز وقاموا بنشر مخطوطاته وكتبوا التعليقات والدراسات الضافية عنه(1).
والواقع أن التراث الجغرافي العربي الإسلامي قد أسهم إسهاماً فعالاً في إذكاء جذوة العلم الجغرافي خلال العصور الوسطى. فقدمت موضوعات مهمة عن علاقة الإنسان بالبيئة الطبيعية، وعرضت دراسات عن التصنيفات الإقليمية للأرض، وأبرزت مدى الاهتمام بالخرائط الجغرافية.
ولا يمكننا بطبيعة الحال أن نتوقع وجود دراسات متخصصة في الكتابات العربية القديمة. فقد كان التخصص منافياً لطبيعة ذلك العصر، غير أن بعض الباحثين يرى أن الدراسات الجغرافية العربية قد انقسمت منذ البداية، إلى حقلين متميزين الأول: هو حقل الدراسات الفلكية والرياضية والثاني: هو حقل الجغرافية العامة، والذي يطلق عليه أيضاً اسم الجغرافيا الوصفية(2).
وإذا تركنا الحقل الأول لعدم صلته بالبحث الذي بين أيدينا ونظرنا في الحقل الرئيسي الثاني وهو حقل الجغرافية العامة فقد كان مزيجاً من الحقول البشرية ووصف البلدان، وقد انظوت معظم مؤلفات الجغرافية العربية تحت لواء هذا الحقل .
ومن المعلوم أن وصف البلدان، الذي يتولى عملياً مهمة التعريف بالعالم، هو من أبرز وظائف الجغرافيا. وذلك أن هذا الوصف يؤدي في النهاية إلى الكشف عن العلاقة بين الإنسان والأرض. كما يرسم طريقة استثماره لها. والواقع أن كتب الجغرافيا العربية قد اشتملت على مادة غزيرة عن بلدان العالم القديم، كجهات غرب آسيا، وأواسط أفريقيا وأواسط آسيا والهند الصينية والهند وجزر المحيط الهندي، بل وحتى بعض جهات سيبيريا. وكذلك أمدتنا بمعلومات غزيرة عن شعوب تلك الجهات وطريقة حياتها واستغلالها لبيئتها.
أهداف البحث
تناول الجغرافيون العرب المسلمون بالوصف والتحليل مختلف نواحي الحياة البشرية متحدثين عن العادات والتقاليد والحرف والأديان والطبقات الاجتماعية والمأكل والملبس وكل ما يتصل بحياة الإنسان. ولعل من أبرز ما تناوله هؤلاء الجغرافيون ما يتعلق بجوانب المدن المختلفة. وأن نظرة سريعة إلى أحد كتب المدرسة الإقليمية، التي دونها العلماء العرب في القرن الرابع الهجري أو إلى أحد المعاجم الجغرافية التي ظهرت فيما بعد، تظهر لنا مدى الاهتمام الذي كان يوليه الجغرافيون العرب للموضوعات المرتبطة بالمدن، وخاصةً مدن العالم الإسلامي آنذاك.
إن هذا الجانب يدرسه الجغرافيون الآن تحت مسميات مختلفة منها جغرافية الحضر أو جغرافية المدن أو جغرافية العمران الريفي، لا بل تأسست لهذا الفرع من المعرفة علوم خاصة مثل التخطيط الحضري وتخطيط المدن تدرس في معاهد التخطيط التابعة لكليات الهندسة*.
سينصب الاهتمام في هذا البحث على الموضوعات التي تتعلق بالمدن في كتب التراث الجغرافي العربي الإسلامي، من خلال استعراض ما كتبه بعض علمائنا في هذا المجال، خلال مختلف حقب تاريخهم، لإعطاء صورة عن هذا الجانب المشرق من جوانب المعرفة الجغرافية في التراث الجغرافي، والتنبيه إلى محاولة الاستفادة من هذه المعارف في مناهجنا الجغرافية الحالية.
لقد حفظت لنا كتب التراث معلومات متنوعة عن مختلف مدن العلم الإسلامي، وعن مدن أخرى خارج أقطار العالم الإسلامي آنذاك، رسمت لنا صورة واضحة عن وصف المدن، وعن مواقعها ومواضعها ومواصلاتها وأحوالها الاقتصادية، وسجلت تفصيلات مهمة عن سكانها وأديانهم ومذاهبهم وعاداتهم، وهذا ما تهدف إلى إبرازه في هذه الدراسة.
منهج الدراسة  
 إن المنهج المتبع في هذه الورقة هو المنهج الوصفي التحليلي، الذي يحاول رصد نماذج مما كتبه الجغرافيون في مجال المدن، ومقارنتها مع واقع جغرافية المدن الحالي، بهدف إظهار أوجه الشبه والاختلاف بينها ثم محاولة الاستفادة من هذه المعلومات في مجال جغرافية المدن الراهنة.
ولما كان من العسير جداً استعراض جميع ما كتبه علماؤنا في هذا المجال خلال مختلف حقب تاريخهم، فقد كان أسلوب البحث انتقائياً بحيث نختار نماذج معينة مما كتب هؤلاء ودونوه عن أحوال المدن في عصورهم المختلفة. لذا كان علينا أولاً أن نحدد مدارس التراث الجغرافي الإسلامي المتميزة. ونحاول دراسة المدن عند أصحاب بعض هذه المدارس.
يمكن تصنيف المدارس الجغرافية العربية إلى ست فئات متميزة هي:
1-    المدرسة اللغوية.
2-   المدرسة اليونانية-العربية.
3-   المدرسة الإقليمية.
4-   مدرسة الرحالة.
5-   مدرسة المعاجم والموسوعات.
6-   مدرسة الفضائل والخطط*.
       إن التصنيف السابق حدد لنا سمات الفكر الجغرافي العربي الإسلامي في مختلف عصوره التاريخية، وسهل علينا تناول المدن عند أصحاب كل مدرسة. فقد اخترنا نماذج من كتابات بعض أصحاب هذه المدارس، مما يلقي الضوء على السمات العامة لجغرافية المدن عند بعض رواد هذه المدارس. عدا أصحاب المدرسة الإقليمية الذين تناولنا أبرز شخصياتهم، لأن هؤلاء اتبعوا أسلوب المشاهدة والدراسة الميدانية. هذا الأسلوب الذي اتبعه أساتذة الجغرافية الحديثة من أمثال همبولت وراتزل وديفز وهنتنجتون، والواقع أن كبار الجغرافيين العرب كانوا من الجوالين الذين زاروا معظم المدن التي كتبوا عنها. وقد أشاروا إلى هذه الحقيقة في كتاباتهم، ومما زاد في دقة هذه المعلومات كونهم ينتمون إلى بلدان عديدة، فمنهم الشامي، ومنهم العراقي والفارسي والتركستاني والمغربي والأندلسي، وكان كل من هؤلاء يتبارى مع الآخرين في إيراد التفصيلات المختلفة عن مدن العالم الإسلامي. كما كان كل منهم يحاول التفوق على صاحبه فيما يخص المعلومات عن بلده. وهكذا أتيحت الفرصة للجغرافيين العرب والمسلمين أن يدونوا لنا أدباً جغرافياً غزيراً عن المدن يتصف بدرجة عالية من الدقة الأمر الذي يكسبه أهمية خاصة.
ومن هنا ستتم معالجة الموضوعات المتعلقة بالمدن من خلال المدارس الجغرافية السابقة.
الدراسات السابقة:
أخذ الاهتمام بالتراث الجغرافي العربي لدى الجغرافيين العرب بالتزايد منذ الربع الأخير من القرن الماضي (القرن العشرين)، فقد بدأت أقسام الجغرافيا في العالم العربي تهتم بالأبحاث المرتبطة بالتراث الجغرافي. ولعل مرجع هذا الاهتمام المتأخر هو اعتقاد الجغرافيين بأن الفكر الجغرافي العربي القديم ليس من اختصاصهم، بل هو من اختصاص مؤرخي التاريخ الإسلامي. فالعديد من الجغرافيين العرب والمسلمين هم مؤرخون قبل أن يكونوا جغرافيين، ومع أن هذا القول صحيح إلى حد ما، إلا أنه لا يعفي الجغرافيين من مسؤوليتهم، فهم أولى من غيرهم في تقدير قيمة العلم الجغرافي العربي القديم، ومدى إضافاته إلى الفكر الجغرافي العالمي.
وعلى نقيض الإهمال للجغرافية العربية من قبل الجغرافيين العرب، كان اهتمام المستشرقين بها عظيماً وحماسياً، وقد أفرد العلامة كراتشكومسكي في كتابه "تاريخ الأدب الجغرافي العربي" فصلاً ضافياً للحديث عن اهتمامات المستشرقين في هذا الموضوع، والخدمات التي أسدوها في تحقيق ونشر أمهات الكتب الجغرافية العربية. ومن الواضح أن قائمة أولئك المستشرقين    تتضمن العشرات من الأسماء مثل رينو Reinaud ودي جويه De Gaejie وناللينو Nallino وسخاو Sachau وبارتولد Barthold ولي سترانج Le-Strange وكريمر Kramers ومينورسكي Minosrsky ووستنفيلد Wustenfield وغيرهم كثير من هولنديين وإنجليز وألمان وروس ونمساويين وفرنسيين وإيطاليين.
 ولعل أعظمهم خدمة للفكر الجغرافي العربي هو المستشرق الهولندي دي جويه الذي تولى تحقيق ونشر العديد من أمهات الكتب الجغرافية العربية، في سلسلة أطلق عليها اسم "المكتبة الجغرافية العربية" أخرجت للنور تسعة مجلدات، ضمت مؤلفات جغرافية عربية من القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. ويليه في الأهمية كراتشكوفسكي، صاحب كتاب تاريخ الأدب الجغرافي العربي، الذي قدم في مؤلفه عرضاً منظماً للأدب الجغرافي ابتداءً من ظهور التصورات الجغرافية الأولى عند العرب، ثم يتتبع ميلاد الجغرافيا الرياضية وارتباطها بالفكر اليوناني والهندي، ثم يقدم عرضاً مفصلاً لميلاد بقية فروع الجغرافيا الأخرى، مثل الجغرافيا الوصفية والرحلات البرية والبحرية والجغرافية العامة والجغرافية الإقليمية، مع ذكر مراكزها ومدارسها واتجاهاتها وأنماطها المختلفة، وقد حلل كراتشكوفسكي مؤلفات ما يزيد عن 60 مؤلفاً بحثوا في الفكر الجغرافي، وما تحويه من مادة علمية، وأهمية تلك المادة كمصدر لدراسة الجغرافيا التاريخية للأقطار التي تكلموا عنها.

وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى كتاب العالم الهندي نفيس أحمد، الذي صدر عام 1947 باللغة الإنجليزية، عن إسهامات المسلمين في الفكر الجغرافي Muslim Contribution to Geographyوالذي رصد فيه إسهامات الجغرافيين المسلمين في موضوعات الجغرافية الوصفية والفلكية والإقليمية وفن الخرائط مع اهتمام خاص بالموضوعات الجغرافية المتعلقة بشبه القارة الهندية. وقد ترجم الكتاب إلى العربية في سبعينيات القرن الماضي تحت عنوان "الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي".
لقد كان المؤرخون والأدباء العرب وليس الجغرافيين السباقون لدراسة التراث الجغرافي العربي، أمثال حسين مؤنس في كتابه تاريخ الجغرافيا في الأندلس، وزكي محمد حسن في كتابه "الرحالة المسلمون في العصور الوسطى"، ونقولا زيادة "الجغرافيا والرحلات عند العرب"، وشوقي ضيف عن أدب الرحلة، ومحمد بهجت الأثري "الجغرافيا عند المسلمين والشريف الإدريسي".
لقد كان لظهور الترجمة العربية لكتاب كراتشكوفسكي أثر كبير في الأوساط الجغرافية العربية منذ عهد الستينيات. وقد شجع ذلك علماء الجغرافية العربية على دراسة هذا التراث والاعتناء فيه، فظهر عام 1969 كتاب "أعلام الجغرافيين العرب ومقتطفات من آثارهم" لعبد الرحمن حميدة في سوريا، كما ظهر في العراق عام 1975 كتاب شاكر خصباك "في الجغرافية العربية  دراسة في التراث الجغرافي العربي"، وبدأت الجامعات المصرية تفسح المجال لطلبتها في التخصص في مادة التراث الجغرافي العربي الإسلامي، حيث سجلت موضوعات تراثية كرسائل وأطروحات علمية لدرجتي الماجستير والدكتوراة، وأصبح مقرر التراث الجغرافي الإسلامي مادة مقررة على طلبة البكالوريوس في جميع الجامعات السعودية، ومعظم الجامعات الخليجية. وفي أوائل الثمانينات من القرن الماضي عقد المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، الذي نظمته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، قُدِّمَ فيه تسعة عشر موضوعاً، تناولت التراث الجغرافي الإسلامي بمختلف أبعاده، وعالجت موضوعات تتعلق بالخرائط والرحلات والجغرافية الإقليمية وغيرها من الموضوعات الأخرى. كان جميع كتابها من الجغرافيين العرب والمسلمين. وقد فتح هذا المؤتمر المجال واسعاً أمام الدراسات الجغرافية المرتبطة بتراث المسلمين في مجال الجغرافيا.
ويمكن أن يكون البحث الذي بين أيدينا هو ثمرة من ثمرات النقاشات التي كانت تدور في أروقة هذا المؤتمر، الذي حث أصحاب الاختصاص في فروع الجغرافيا المختلفة على التنقيب عن المعلومات التي تخص تخصصاتهم في هذا التراث الضخم، الذي ضم سجلاً حافلاً على مدى قرون عديدة، مرت على الحضارة الإسلامية في أزهى عصورها. إن قيمة البحث الذي نعالجه "جغرافية المدن في كتب التراث الجغرافي العربي الإسلامي" تنحصر في أنه يجمع بين شتات موضوعات متفرقة، وردت في مختلف المراجع التي تحدثت عن التراث الجغرافي، مبرزاً الجانب المتعلق بالدراسات الحضرية، ودراسات المدن، من خلال نظرة متكاملة ومترابطة، بحيث يمكن الاستفادة منها كمقدمة عامة، تبرز إسهامات العرب والمسلمين في مجال الدراسات الحضرية.
جغرافية المدن عند أصحاب المدرسة اللغوية:
منذ بدأ اهتمام العرب في صدر الإسلام بالأمور الثقافية، ولا سيما ما يتعلق منها باللغة العربية، أخذت تظهر طلائع المؤلفات الجغرافية، وكان مؤلفوها علماء لغة أساساً. ولذلك اتفق على تسمية هذه المرحلة من تاريخ الجغرافية العربية بإسم (المدرسة اللغوية) ويمكن القول إن العامل المشجع على ازدهار هذا النوع من التأليف هو الاهتمام بجزيرة العرب التي ظهرت فيها الرسالة السماوية، ومحاولة التعرف على كل ما يتصل بأرضها وسمائها وحيواناتها ونباتها وسكانها. ولعل من المؤلفات المبكرة في هذا الميدان ما نسب إلى هشام الكلبي (توفي 206هـ/820م) من مؤلفات مثل كتاب البلدان الكبير، والبلدان الصغير، وكتاب الأقاليم. ولكن جميع هذه الكتب فُقدت. وكذلك كتاب عرام بن الأصبغ المسمى (كتاب أسماء جبال تهامة ومكانها) وكتاب الجاحظ (المتوفى 254هـ/869م) المسمى ( كتاب البلدان) أو كتاب (الأمصار والبلدان). ومجمل القول إن الكتّاب المذكورين قد كوّنوا مدرسة لها تلامذتها الذين ألّفوا عشرات الكتب التي تتحدث عن جزيرة العرب بالذات أو عن منطقة من مناطقها، وعن معالمها الطبيعية والمناخية والاقتصادية والبشرية(3). والكتاب الذي له قيمة في مباحث المدن هو الكتاب الأخير للجاحظ الذي ذاع صيته في البصرة، أثناء حكم المأمون، وقد ناقش المؤلف خصائص وميزات المدن الهامة في العالم الإسلامي(4) وخاصة مدن العراق وعلى رأسها البصرة، ومدن مصر المختلفة. ويمكن القول إن كتاب الجاحظ يمثل كتب التثقيف التي تسعى إلى كسب الإعجاب والاستحسان وتبرز في ثناياها المسحة الأدبية، التي تمثل الفولكلور الجغرافي في ذاك العصر، والذي يخضع لتأثير الرحالة والبحارة الذين كانوا ينزلون شواطئ العراق ومدنه الرئيسية(5).
جغرافية المدن عند أصحاب المدرسة اليونانية العربية:
بدأت هذه المرحلة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، وهي المرحلة التي بلغ الاهتمام بالفكر الأجنبي أقصاه. حيث أكبّ المترجمون على ترجمة ثمار الفكر الهندي والإغريقي والروماني إلى اللغة العربية. وشهد هذا العصر تأثراً عظيماً بالمعرفة اليونانية–الرومانية. وظهر ذلك واضحاً في مؤلفات الخوارزمي، وابن الفقيه، وابن سينا. وقد اقتبست مؤلفات هؤلاء إما عن اليونانية مباشرة، أو عن الترجمات أو الخلاصات التي نقلت إلى اللغة العربية عن الفارسية والهندية واليونانية. وساعد على ذلك تشجيع الخلفاء، والحرية الفكرية التي تهيأت للعلماء لخوض هذا المعترك. كان معظم التركيز في هذه الفترة على علم الفلك، الذي أصبح هوس الحكام والعلماء، فرمى الجغرافيون بكامل ثقلهم إلى جانبه(6). وقد انعكس ذلك على المدن، حيث نجد أن الخوارزمي (توفي عام 220هـ/835م)(7) في كتابه صورة الأرض والذي تأثر فيه ببطليموس(8) يرتب مدن الأقاليم السبعة على هيئة جداول، يذكر فيها أطوال وعروض هذه المدن، ويذكرها موزعة على الأقاليم المختلفة على أساس ابتعادها عن خط الزوال، الذي يمر بجزر السعادة (جزر الكناري حالياً) في أقصى غرب إفريقيا(9).
برز في منتصف القرن الثالث الهجري، ولأول مرة ما عرف بإسم الوجيزات التي كان يستعملها كتّاب الدواوين. وتصدى معظمها لمشهد الأرض الطبيعي والبشري، مثال ذلك كتاب ابن خرداذبه (توفي 300هـ/912م) الذي كان عاملاً للبريد في الدولة العباسية(10) والذي تأثر أيضاً بجغرافية بطليموس، بل إن بعضهم قال إن كتابه المسالك والممالك، هو ترجمة لبطليموس. وفي الأبواب السبعة التي يشملها الكتاب لا نجد ما يخص المدن، سوى قوائم بالمحطات المتناثرة على الطرق، وعلى المسافات الفاصلة بين هذه المحطات، التي تفصل مدن العالم الإسلامي آنذاك، ونجده أحياناً يعطي بعض التفاصيل التاريخية عن بعض المدن(11).
يقدم ابن رسته (توفي 310هـ/923م) في كتابه "الأعلاق النفيسة" معلومات وافية لوصف مكة والمدينة، ولا يهمل مدن بلاد العرب الجنوبية، وخاصة صنعاء. أما اهتمامه الأكبر فكان لمدن موطنه بطبرستان وخاصة مدينة أصفهان(12)، وكذلك الحال عند ابن الفقيه (توفي 290هـ/903م) في كتابه (البلدان) الذي كدّس فيه المؤلف معلومات من كل نوع، بعضها يمت إلى الجغرافيا بصلة، وربما كان يرمي إلى التثقيف العام، ونأخذ وصف مكة نموذجاً لذلك، فنرى أنه تحدث عن أسمائها المختفة وفضائلها وأهميتها الدينية وثواب الإقامة فيها، والأماكن المقدسة التي تحويها، إضافة إلى ما تميزت به قريش من جراء سكناها مكة. ومعظم ما ذكره ابن الفقيه هو معلومات تاريخية تفتقر إلى الطابع الجغرافي(13).  
ونرى اليعقوبي (توفي 284هـ/897م) في كتاب (البلدان) يقدم تفصيلات أوسع عن عاصمة العالم الإسلامي بغداد، فهو يتحدث عن أهمية المدينة، وكثرة سكانها، والهجرة الدائمة إليها، من جميع ديار الإسلام، وعن تجاراتها، ويعرّج على سبب اختيارها، وخططها المختلفة، وعن تزويدها بالماء والأسوار والأبواب ثم كيفية ترتيب المساكن ابتداءً من وسط المدينة حتى أطرافها(14).
وبجانب اليعقوبي نرى أن معاصره المؤرخ البلاذري قد كتب عن أصول المدن ونموها وتطورها، كما كتب عن أبرز السمات الوظيفية للمدن، وتعرض إلى مظاهر الوظيفة الترويحية لبعض المواضع كمراكز تسلية في مدن معينة، وأشار إلى أماكن أخرى نالت أهمية كبيرة من جراء مواقعها. وهذا لا شك يحمل بصمات جغرافية واضحة تبدو أكثر تطوراً مما سبق من أوصاف للمدن من قبل المؤلفين السابقين، مما حمل البعض على القول أن البلاذري ومعاصره اليعقوبي مسؤولان عن البدايات الأولى لجغرافية الحضر، والتي تشمل المدن والقرى بشكل عام(15) ويمكن القول أن المؤلفين السابقين هم من أبناء المدن، ويحتلون مناصب متفاوتة الأهمية في الجهاز الإداري العباسي. فرضت عليهم اهتماماً خاصاً في المنحى الجغرافي، بالقدر الذي يساعدهم في أعمالهم الإدارية، وهؤلاء جمعوا معلومات استقوها من مصادر رسمية أو من روايات رحالة أو من مؤلفات سابقة نهلوا عنها.
جغرافية المدن عند أصحاب المدرسة الإقليمية:
ظهرت فيما بين القرن الرابع والسادس الهجريين  (10-12م)، وتمثل هذه الفترة قمة ما وصلته الجغرافية العربية من ازدهار، كما تمثل الشخصية الحقيقية الأصيلة للجغرافية العربية. ويمكن القول أن معلومات كتّاب هذه الفترة تعتمد بالدرجة الأولى على الخبرة الشخصية، والدراسة والمشاهدة، والاختبار الشخصي، مما جعلها ذات ثقة وكفاءة عالية، ولم يكن كتّابها في الحقيقة سوى رحالة علميين. وكان على رأس جغرافيي هذه المدرسة البلخي والأصطخري وابن حوقل والمقدسي والإدريسي وغيرهم، الذين وظفوا خبراتهم الجغرافية في خدمة متطلبات الدولة الإسلامية الكبرى عسكرياً وإدارياً واقتصادياً وعلمياً .
لقد أدخل هؤلاء الجغرافيون تقليداً جغرافياً جديداً راسخاً في الكتابة الجغرافية العربية، ألا وهو استخدام الخريطة مع المتن، لتوضيح التفصيلات الواردة فيه. والواقع أن ازدهار هذا الاتجاه الجديد في الجغرافيا كان خلاصة ظروف مساعدة، فقد كان اتساع رقعة الدولة الإسلامية يتطلب معلومات جديدة عن تلك البلدان النائية وشعوبها. فلا بدّ للحكام المسلمين من أن يتعرفوا على طبائع السكان وتقاليدهم، وعلى إنتاج البلاد الزراعي والصناعي، كما لا بدّ من التعرف على أسماء المدن المهمة والطرق المؤدية إليها.
لقد استفاد هؤلاء من إمكانية السفر الجديدة التي سادت رقعة واسعة من العالم القديم، تلك الإمكانيات التي تتمثل باتساع شبكة طرق المواصلات، وتوفر درجة كافية من الأمن؛ إضافة إلى شعور هؤلاء بأنهم يتنقلون داخل مملكتهم، فالتجانس في العقيدة والدين بين أبناء البلدان المختلفة كان خير زاد يمكن أن يتزوده المسافر. وقد تمكن هؤلاء الجغرافيون من جمع معلومات جديدة عن ممالك الإسلام، عن طريق المشاهدة الشخصية، والسؤال والاستقصاء. ولا يمكن القول أن أولئك الجغرافيين قد اعتمدوا على أنفسهم فحسب، فقد ساهم التجار في إغناء معلوماتهم مساهمة عظيمة، ولعبت التجارة دوراً مهماً في تطوير المعرفة الجغرافية لرواد هذه المدرسة، بل أن البعض منهم كان يمارس التجارة فضلاً عن هوايته 
العلمية(16).
لقد شكلت دراسات المدن الجزء الأهم والأكبر في الدراسة الجغرافية الإقليمية، ومن استعراض ما كتبه رواد المدرسة الإقليمية، نجد أنهم بحثوا جوانب متعددة من الدراسات المتعلقة بجغرافية المدن. فعلى سبيل المثال عدد الجغرافيون العرب خمس فئات من المدن، هي الحاضرات Metroplis، والعواصم الإقليمية، والمدن الإقليمية، والضواحيSuburbs  والقرى. وفيا يتعلق بالعاصمة يقولون إنها مدينة ذات عدد كبير من السكان، ولها محاكم قضائية، وحاكم مقيم بها، وتتصف أيضاً بقدرتها على الإنفاق على الخدمات العامة من إيرادها الخاص، وهي مركز السلطة للمنطقة المحيطة. وفي بعض الحالات عرّف العرب العاصمة بأنها الحاضرة التي يقيم فيها كبار الرؤساء، حيث يوجد مقر الأقسام الإدارية، ويتسلم الحكام الإقليميون أوراق اعتمادهم، فتسمى المنطقة بما فيها من مدن صغيرة باسم المدينة الكبيرة مثل دمشق، والقيروان، وشيراز(17). ومما أدخل كمعيار في تحديد المدينة كونها تحتوي على مسجد جامع.
وركز أصحاب هذه المدرسة في دراستهم للمدن على الموقع بصفة خاصة. ومن أمثلة المدن التي تقع في واد وتحيطها التلال يذكر المقدسي مكة في شبه الجزيرة العربية، وعمَّان في بلاد الشام، واصطخر في فارس(18).
ويذكر هؤلاء مدناً ازدهرت بفعل التجارة مثل عمان، وسيراف، والموصل وبغداد، ولم يهمل الموقع الإستراتيجي للمدن، فيذكر المقدسي أهمية آمد من حيث الموقع الإستراتيجي والتحصين. ويقارن بينها وبين أنطاكية بما لها من بوابات وتحصينات، والقلعة المبنية على الجبل(19). وقد ذكر بعض المدن ذات الأهمية الدينية. كمكة والمدينة وبيت المقدس ونراه يربط بين الرخاء الاقتصادي لهذه المدن والأهمية الدينية التي تتمتع بها(20).
ومن الجوانب المهمة التي تم التركيز عليها في دراسة المدن مياه الشرب. ويقول الأصطخري "وقل ما رأيت خاناً أو طرف سكة أو محلة أو مجمع ناس في الحائط بسمرقند يخلو من ماء مسّبل بجمد (ماء مثلج). ولقد أخبرني من يرجع إلى خبره أن بسمرقند، في المدينة وحائطها فيما يشتمل عليه السور الخارج زيادة على ألفي مكان، يسقى فيها ماء الجمد مسبّلاً، من بين سقاية مبنية وجباب نحاس منصوبة"(21).
ويضيف الأصطخري أن الماء في سمرقند يجري في خندق حول القلعة، وينقل الماء منه إلى الأسواق (والمساكن) في أنابيب من الرصاص(22) ويقول اليعقوبي إن المدن الشمالية في فارس مثل قم ونيسابور لها نظام لضبط المياه الجوفية، بحيث تغذي بيوت المدينة بالمياه(23) ويقول المقدسي إن " بمكة ثلاث برك تملأ من قناة شقتها زبيدة من بستان بني عامر. ولهم آبار عذيبية(24).
وتتضمن المراجع الجغرافية لهذه الفترة إشارات كثيرة عن أنماط البيوت، وأوصاف المباني، بحيث يعطي ذلك حقيقة وحيوية لهذه الإشارات. ويقول الأصطخري إنه إلى الشمال في آمل (في الديلم) حيث يسقط المطر باستمرار، تتميز الأسقف بأنها مائلة(25) وبحسب ما ذكر المسعودي فإن الناس قد بنوا عموماً في أواسط القرن التاسع الميلادي بيوتاً على نمط ما كان في الحيرة. ويصف الأصطخري قصر الخليفة من حيث هندسته المعمارية وموقعه بالنسبة لنهر دجلة، والقنوات التي تجري فيه. ويتكلم أيضاً عن بيوت الأغنياء الذين أنفقوا مبالغ كبيرة في البناء(26). ويعدد المقدسي المساجد الجامعة في المدن الرئيسية في الدولة الإسلامية. ويصف الجغرافيون العرب الطرق والرواشن (المشربيات) التي تكون على جانبي الطريق. ويقول المقدسي في وصفه لشوارع شيراز إنها ضيقة لدرجة أنه إذا تقابل حيوانان يصعب مرورهما، ويتزاحم الناس عند الرواشن لقلة ارتفاعها(27).
ومن العجيب مع ذلك أن الجغرافيين العرب في هذه الفترة الذين اهتموا بدقة كبيرة بالتفصيلات الخاصة بموقع المدن، وتوفر موارد المياه، وطراز المباني، وأنماط البيوت، لم يذكروا شيئاً عن عدد السكان في المدن أو الدول، وقد قدر بعض الباحثين سكان المدن على أساس عدد المساجد أو عدد الحمامات(28).
جغرافية المدن عند الرحالة:
من المعروف أن الرحلات هي من أهم وسائل المعرفة الجغرافية. وقد ظلت الأداة الرئيسية للمعرفة الجغرافية حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث تم الكشف عن جميع معالم الأرض. فالجغرافيون اليونان والرومان قد استعانوا بالرحلات استعانة كبيرة في جمع معلوماتهم الجغرافية، وقد اعتمد رواد الجغرافية العلمية الحديثة من أمثال همبولدت وريتر وراتزل وفيدال دي لابلاش على الرحلات الشخصية اعتماداً كبيراً.
وفي التراث العربي الإسلامي كانت الرحلة تمثل العدة الأساسية للجغرافي، ولا نكاد نلتقي بأي جغرافي عربي مرموق، لم يكن قد اعتمد في كتاباته على رحلاته الشخصية، عدا بعض جغرافي العصور المتأخرة. والجغرافيون البارزون هم رحالة أصلاً. كانت الروابط الدينية والسياسية واللغوية، التي تربط رقعة العالم الإسلامي الشاسعة، عوناً لهؤلاء على القيام برحلاتهم. كما حظيت المدن باهتمام هؤلاء الرحالة، ولو قلبّنا صفحات كتاب أي رحالة من هؤلاء، لوجدنا أن القسم الأعظم من نتاجه العلمي تحظى به المدن، لأنها وعاء الحضارة، ومكان الاستقرار، ونهاية الطرق، وملتقى الأمم والشعوب، لذا كثر الحديث عن المدن عند أصحاب الرحلات. غير أن الكتابات الجغرافية عن هذه المدن تتباين وتتفاوت بحسب أمرين هامين هما:
1-   طول الإقامة في المدينة .
2-   الشخصية العلمية للرحالة ذاته .
ويجب أن نسارع إلى القول أنه يجب أن لا نتوقع أن ما عند هؤلاء الرحالة، هو مدون بالصورة التقليدية التي تظهر بها عناوين موضوعات جغرافية المدن، من حيث الموقع والموضع والمناخ والتربة والمناشط الاقتصادية واستعمالات الأرض وخطة المدينة، إلى غير ما هنالك من موضوعات يحفل بها أي كتاب من كتب جغرافية العمران، أو أي بحث عن جغرافية المدن، أو أي منهج لجغرافية الحضر والريف.
إن موضوعات المدن مبثوثة في كتب الجغرافيين المسلمين، وتحتاج إلى جهد في استقصائها وتتبعها، وتختلف هذه الموضوعات من وجهة نظر كتابها، بحسب اهتماماتهم المختلفة وخلفياتهم العلمية المتباينة، فهناك من يرتحل لغرض ديني أو تجاري أو سياسي، ويسجل معلوماته عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وكذلك الجغرافية، تسجيلاً أميناً يعكس صورتها الحقيقية. وهناك من يدون ملاحظاته ومشاهداته دون استقصاء عميق أو بحث دقيق. ومع أن كتابات هذين الصنفين من الرحالة تؤدي في النهاية إلى زيادة حصيلة المعلومات الجغرافية، إلا أن من الواضح أن هناك فروقاً جوهرية تميز بينهما، فالأول يحمل بذور البحث العلمي، بما تنطوي عليه من استقصاء وبحث وملاحظة، في حين نجد الثاني يكتفي بمشاهد عابرة، يرصدها إذا وقعت تحت بصره، دون تمحيص واستقصاء .
منذ البداية يجب أن نسجل تفوق المغاربة على المشارقة في الرحلات عموماً، فما عدا نفر قليل من المشارقة، الذي اشتهرت رحلاتهم كناصرخسرو والسائح الهروي، فإن قائمة الرحالة المغاربة المشهورين تضم أسماء لامعة كابن جبير وابن بطوطة وابن سعيد والعبدري والتجاني وغيرهم . وسبب تفوق المغاربة في هذا الفن، هو أن المحرك الرئيسي لتلك الرحلات كان أداء فريضة الحج، والدراسة على أيدي علماء الفقه والشريعة، في مراكز العلوم الرئيسية في المشرق، مثل بغداد ودمشق والقاهرة . وقد كان لهذا انعكاسات هامة على ما دوّنه هؤلاء الرحالة عن المدن على وجه الخصوص، وعن الأقطار التي ارتحلوا إليها على وجه العموم .
إن جميع المدن التي تحدث عنها هؤلاء قد أبرزوا في دراستها الجانب الديني والعلمي، لذا حفلت دراسات المدن عند هؤلاء الرحالة، بأنباء الفقهاء المشهورين والأولياء وأصحاب الكرامات، وازدحمت بأخبار المزارات والمساجد والمشاهد الدينية المشهورة، وكان هؤلاء الرحالة يتنافسون في ذكر أكبر عدد ممكن من الفقهاء والعلماء، وفي تعداد المساجد والمزارات التي شاهدوها . وقد لقيت كتاباتهم ذات النزعة الدينية إقبالاً من جمهور القرّاء، الذين تغلب عليهم الروح الدينية، ولا شك أن التركيز على هذه الجوانب، جاء على حساب الجوانب الاجتماعية الاقتصادية الأخرى في المدن. ومن الغريب أن هناك إغفالاً كبيراً للمعالم الطبيعية للبلدان إلا فيما ندر(29).
فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ابن جبير يكرس ثلث رحلته للحديث عن المدينتين المقدستين مكة والمدينة، وعن مشاهدهما الدينية، وعن مناسك الحج وشعائره ، وكان يبادر في كل بلد يزوره إلى لقيا العلماء والوعاظ، وتقصي أخبارهم ومجالسهم . وإلى زيارة المشاهد الدينية في تلك البلد، ومع أن رحلة ابن جبير تعتبر وثيقة تاريخية هامة للأحوال الثقافية والسياسية للبلدان التي زارها، إلا أن اهتمامات ابن جبير في النواحي الجغرافية الطبيعية جاءت ضعيفة في مضامينها واستخلاص معلوماتها .
لقد أفاض ابن جبير في ذكر مساجد القاهرة، فقد ذكر أن مساجدها لا يحصيها العدّ، وأن الدولة تتولى الإنفاق عليها بسخاء "وما فيها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد، ولا روضة من الروضات المبنية على القبور، ولا مدرسة من المدارس، إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها . تهون عليه في ذلك نفقات بيوت الأموال"(30).
تناول ابن جبير بالوصف الدقيق مسجد الحسين ، وقلعة القاهرة والأهرام، وأولى اهتمامه مارستان القاهرة(31). وفي مقابل الإفاضة في هذه المعالم الثقافية والتاريخية، نجد أن الصورة الجغرافية للمدينة باهتة تماماً . فقد وصف بعض أحيائها وصفاً موجزاً مثال ذلك وصفه لحي الروضة بقوله : وعلى شط نيلها مما يلي غربها والنيل معترض بينهما قرية كبيرة ويعترض بينها وبين مصر (القاهرة) جزيرة فيها مساكن حسان وعلالي مشرفة، وهي مجتمع اللهو والنزهة، وبينها وبين مصر خليج من النيل يذهب بطولها نحو الميل ولها مخرج له(32).
تكتسب رحلة ابن جبير أهميتها من دقة أوصافها المسهبة لمكة المكرمة والمدينة المنورة وأثارهما ورسومها الإسلامية . ولقد أولى ابن جبير اهتماماً خاصاً للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وسجل صورة واضحة للأحوال السياسية والثقافية في البلاد ، وقد لاحظ أن موسم الحج يكاد يكون قوام حياة السكان الاقتصادية، ففي هذا الموسم تجتمع بمكة التجارات من كل مكان، فتعرض في الأسواق من الدخائر النفيسة الجواهر والياقوت والأحجار الكريمة، ومن أنواع الطيب المسك والكافور والعنبر والعود، كما تعرض العقاقير الهندية والأمتعة العراقية واليمانية والبضائع المغربية …. فما على الأرض سلعة من السلع، ولا ذخيرة من الذخائر، إلا وهي موجودة فيها مدة الموسم(33).
وذكر ابن جبير أن أسواق مكة تغص بالفواكه طيلة الموسم، وهي على أنواع كثيرة كالتين والعنب والرمان والسفرجل والخوخ والأترج والجوز والبطيخ والقثاء والخيار، وتجلب هذه الفواكه من الطائف، ومن القرى المحيطة بها . كذلك تزدحم أسواقها بالخضورات كالباذنجان واليقطين والجزر والكرنب وغيرها ، فضلاً عما يجلب إليها من زبيب ولوز وقصب سكر(34).
أما ملاحظاته الاجتماعية فقد اقتصرت على الجوانب المتصلة بالدين . وقد وصف ما يجري من احتفالات في المناسبات الدينية بإسهاب وتفصيل، فوصف احتفالات العمرة الرجبية، واحتفالات بداية شهر شعبان ومنتصفه، واحتفالات شهر رمضان، وعيد الفطر، كما تناول بإسهاب وصف مناسك الحج وشعائره .
وسجل لنا صورة واضحة عن الوضع السياسي في الديار الحجازية، فذكر أن ولاة مكة يدينون بالطاعة للخليفة العباسي، ولممثله في مصر صلاح الدين الأيوبي، إلا أنهم كانوا يتمتعون بنوع من الإستقلال الذاتي . وقد أشار إلى جشع الحكام وتفشي الفساد والرشوة(35).
أما في الجانب الجغرافي فلم يكن وصفه وافياً وشافياً . فقد وصف مكة بقوله: هي بلدة وضعها الله عز وجل بين جبال محدقة بها، وهي بطن واد مقدس ، كبيرة مستطيلة تسع من الخلائق ما لا يحصيه إلا الله عز وجل ولم يورد أي وصف جغرافي للمدينة المنورة(36).
ولعل الرحلة العراقية فيها فائدة أكبر للجغرافي، فقد وردت فيها ملاحظات هامة تكشف عن الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية في البلاد . فقد أولى اهتمامه بالوضع الزراعي، وازدهار الوضع الإقتصادي للسكان، حيث أشار إلى ازدهار الأسواق وازدحام السكان في بغداد والحلة وتكريت . ولم يتعرض بصورة تفصيلية كما جرى في مكة والمدينة إلى عادات السكان وتقاليدهم ومظاهر حياتهم، بل سجل انطباعه العام وكان انطباعاً عاطفياً يذكرنا براويات الجاحظ في هذا الموضوع . فقد امتدح أهل الموصل، وذم أهل بغداد، وأشار إلى ضعف الروح الدينية لديهم، إذا ما قورنت بظاهرة التدين في بلاد الشام ومصر . وأشار إلى ارتفاع مستوى المعيشة لدى سكان عاصمة الخلافة، وإلى كثرة أسواقها وحماماتها ومدارسها ومستشفياتها ومجالس الوعاظ فيها وألمحَ إلى الوضع السياسي في البلاد، وأبرز ضعف السلاطين، ونفوذ قوة الجيش من المماليك . وتحدث عن جانبي المدينة الشرقي والغربي، اللذين يفصلهما نهر دجلة، وتحدث عن أحياء كل منها وما يحويها كل حي (محلة) من التجارات والمدارس والحمامات والأسواق، وعن الأسوار التي تحيط بالجانب الشرقي، والأبواب الموجودة في هذا السور(37).
ولعل وصف ابن جبير لمدينة الحلة يعطينا صورة واضحة عن الموضوعات التي يتناولها "مدينة كبيرة عتيقة الوضع ، مستطيلة ، لم يبق من سورها إلا حلقة من جدار ترابي مستدير بها. وهي على شط الفرات، يتصل بها من جانبها الشرقي ويمتد بطولها . ولهذه المدينة أسواق حفيلة جامعة للمرافق المدنية والصناعات الضرورية . وهي قوية العمارة ، كثير الخلق، متصلة حدائق النخيل داخلاً وخارجاً ، فديارها بين حدائق النخيل , وألفينا بها جسراً عظيماً معقوداً على مراكب كبار، متصلة من الشط، تحف بها من جانبها سلاسل من حديد كالأذرع".(38) ومن الملاحظ أن هذه المعلومات بالرغم من إيجازها، فهي ذات قيمة جغرافية كبيرة، فقد تحدث فيها بلغة الجغرافيا الحديثة عن عدد من الموضوعات الجغرافية الهامة من أهمها :-
        ‌أ.  الموقع ( هي على شط الفرات ، يتصل بها من جانبها الشرقي ويمتد بطولها ) .
     ‌ب.   حجم المدينة ( مدينة كبيرة ، كثيرة الخلق ) .
      ‌ج.   خطة المدينة وشكلها ( مستطيلة ) .
       ‌د.   اقتصاد المدينة ( ذات أسواق حفيلة بالمرافق والصناعات الضرورية ) .
       ‌ه.  النشاط الزراعي ( متصلة حدائق النخيل داخلاً وخارجاً ، فديارها بين حدائق النخيل ) .
       ‌و.  تحصينات المدينة ( قوية العمارة، لم يبق من سورها إلا حلقة من جدار ترابي مستدير بها).
       ‌ز.  البعد التاريخي للمدينة ( عتيقة الوضع ) .
أما المدن السورية فاوصافها تكتسب أهمية كبيرة نظراً لرصانتها ودقتها . وقد أسهب في وصف مدينتي حلب ودمشق، ولم يترك شاردة ولا واردة من دون أن يصفها أو يتحدث عنها . ويظهر وصفه لدمشق دقة ملاحظات ابن جبير وبلاغة أسلوبه وقوة عباراته ومن أوصافه للمدينة " لهذه البلدة ثمانية أبواب ……… والمسجد الجامع مائل إلى الجهة الشمالية من البلد، والأرباض به مطيفه، وهي أرباض كبار، والبلد ليس بمفرط الكبر، وهو مائل للطول، وسككه ضيقه، وبناؤه طين وقصب طبقات بعضها فوق بعض … وهو كله ثلاث طبقات فيحتوي من الخلق ما تحتوي ثلاث مدن، لأنه أكثر بلاد الله خلقاً، وحسنه كله خارج لا داخل "(39).
لقد وصف أسواق دمشق بأنها أحفل أسواق البلاد، وأحسنها انتظاماً، وأبدعها وصفاً، مما يدل على ازدهارها التجاري، وقد أكد على روح التدين التي يتميز بها أهل دمشق، وضرب أمثلة كثيرة على ذلك، وأولى كعادته اهتمامه بالجوانب الثقافية من أثار ورسوم دينية ومستشفيات ومدارس وأشار إلى اهتمام السلطان والسكان بأمور التعليم . وقد اهتم بالحياة الإجتماعية مصوراً بعض عادات أهل دمشق، فقد لاحظ أن أهل دمشق يخاطبون بعضهم بعضاً بالتمويل ( مولانا ) والتسويد (سيدنا) والتعظيم الشديد، واستنكر طريقة سير أهالي دمشق، فقد لاحظ أنهم يمشون وأيديهم إلى خلف قابضين بالواحدة على الأخرى فكأنهم سيموا تعنيفاً وأوثقوا تكتيفاً .
يرى بعض الباحثين أن رحلة ابن جبير في بلاد الشام هي من أغنى أجزاء الرحلة بمعلوماتها التاريخية والجغرافية ، كما أن أوصاف المدن فيها هي من أفضل ما ورد في الرحلة من أوصاف(40) فهي على جانب كبير من الأهمية، فقد تميزت بالرصانة والدقة. وقد نجح في رسم صورة واضحة وحية للكثير من المدن التي زارها ، ولعلها تمثل أبرز جانب جغرافي في رحلته ، ولا يغض من قيمة وصفه للمدن، ما كان يلحقه ببعضها من مقدمات أدبية أو مبالغات عاطفية(41).
جغرافية المدن عند أصحاب المعاجم والموسوعات :
منذ القرن السادس الهجري (12م) انتقلت الجغرافية إلى طور جديد هو طور (الإقتباس) حيث اقتصرت الكتابات الجغرافية على مجرد الجمع والإقتباس من مؤلفات السابقين ، وقد تنوعت الأنماط الجغرافية لهذه المرحلة، إلا أن التركيز فيها كان على المعاجم والموسوعات .
أما المعاجم والموسوعات فكانت سمة ذلك العهد في جميع حقول المعرفة، ويبدو أنها كانت تخدم أهداف الأمراء والحكام، فضلاً عن إشباع رغبة طبقة المثقفين . وكانت هذه المؤلفات ذات فائدة عملية واضحة بالنسبة لرجال الإدارة، كما أنها ذات فائدة كبرى للباحثين عن المعرفة، لأنها كانت تعالج مختلف نواحي الثقافة في ذلك العصر . ومن أمثلة ذلك معجم البلدان لياقوت الحموي، وتقويم البلدان لأبي الفداء، ونهاية الأرب للنويري، ومسالك الأبصار للعمري، وصبح الأعشى للقلقشندي . وإذا كانت المعاجم قد التزمت ببعض الضوابط التي كانت تسير عليها في سرد المعلومات، فإن الموسوعات كانت تشتمل على معلومات جغرافية وصفية عامة، لا يحكمها ضابط جغرافي معين ، فقد تغلب عليها المعلومات التاريخية أحياناً ، وقد تغلب عليها الأقاصيص الأدبية والحكايات طوراً. وتسهب في الحديث عن مدينة معينة بالذات، وتوجز الحديث عن مدينة أخرى إيجازاً شديداً . وعلى أي حال فالطابع العام للموسوعات هو عبارة عن (جمع معلومات) يمكن اعتبارها ذات صفة جغرافية عامة، تشتمل على تفصيلات مسهبة عن مدن العالم العربي والإسلامي، جمعت من مصادر عديدة سابقة، ومن الخبرات التي اكتسبها هؤلاء أثناء ترحال بعضهم . ولو أخذنا ياقوت الحموي على سبيل المثال في معجم البلدان، لوجدناه تناول مدن العالم الإسلامي، كبيرها وصغيرها، مستخدماً منهجاً واضحاً يذكر فيه أسماء المواضع حسب الترتيب الأبجدي، ثم يتحدث عن الموضع، ويستشهد بما ورد بشأنه من الشعر، ويفسر اسمه تفسيراً لغوياً عربياً، ثم يلي ذلك موقع المكان وفق درجات الطول والعرض، مع تحديد البرج الذي يقع تحته، والقسم التاريخي الخاص بالموضع له مكانة خاصة عنده . فإذا كان الموضع مما فتحه المسلمون، فإنه يعرض لتاريخ هذا الفتح . وإذا كان الموضع قد ذكر في القرآن أو الحديث ساق الشواهد على ذلك . وليس من النادر أن يعطي وصفاً دقيقاً للأماكن والمدن ، ويصف أخلاق أهلها وعاداتهم، أو يذكر أسماء علمائها الأعلام . وهكذا تصبح كل مادة في معجمه مقالاً كاملاً، قد يمتد إلى عشر أو خمس عشرة صفحة، وفي المقابل نجد أن بعض المواقع الأخرى لا يتجاوز الحديث عنها بعض الأسطر أو حتى بعض الكلمات(42).
وللتدليل على طريقة ياقوت في تناول مفردات المعجم، ومنها موضوعات المدن، نسوق ثلاثة شواهد من وصفه للمدن التي زارها، واستقر في بعضها، فقد استقر في مدينة الموصل وعاش في مَرو ثلاثة أعوام، وأقام فترة طويلة في مدينة حلب .
إن تحليل محتوى المادة التي ذكرها عن المدن الثلاثة تظهر التزامه بمنهج واحد في معالجة الموضوعات وفيما يلي لمحة موجزة تبين المنهج الذي التزمه ياقوت:
حلـب:
 يمكن تحليل محتوى المادة العملية التي ذكرها عن حلب على النحو التالي:
- اشتقاق كلمة حلب: ( حَلب مصدر ومن معانيها اللبن الحليب ، سميت كذلك لأن إبراهيم (عليه السلام) كان يحلب بها غنمه في الجمعات ويتصدق به.)
- الموقع على درجات العرض والطول ( تقع على درجة طول 99 درجة وثلاثين دقيقة . وعلى درجة عرض 35 درجة وعشرين دقيقة من رواية بطليموس، وفي رواية أخرى عن أبي عون طولها 63 درجة، وعرضها 34 درجة وثلث).
- الإقليم الذي تنتمي إليه ( الإقليم الرابع ) .
من بنى ومتى بنيت حلب: ( بناها سلوقس بعد موت الإسكندر بـ 12 عاماً، مع عدد من المدن الأخرى، وهناك رأي آخر أن العماليق هم الذين بنوها، إضافة إلى أراء أخرى متناقضة حول هذا الموضوع ) (نقلاً عن أبي نصر يحيى بن جرير الطبيب التكريتي النصراني ) .
 - أوصاف البلدة نقلاً عن ابن بطلان : بعدها عن الرصافة أربع مراحل ، وهي بلدة مسورة بحجر أبيض، وفيه ستة أبواب، وفي جانب السور قلعة في أعلاها مسجد وكنيستان، وفي البلد جامع وست بيع وبيمارستاناً صغيراً. والفقهاء يفتون على مذاهب الإمامية، وشرب أهل المدينة من صهاريج مملوءة بماء المطر ، وعلى باب المدينة نهر يعرف بقويق يجري في الشتاء وينضب في الصيف. ومن عجائب حلب أن في قيسارية البُز عشرين دكاناً للوكلاء، يبيعون فيها كل يوم متاعاً قدره 20 ألف ديناراً، مستمر ذلك منذ عشرين سنة وإلى الآن، وما في حلب موضع خراب أصلاً.
- المشاهد وقبور الأولياء والأضرحة ( مقام إبراهيم الخليل، مشهد علي ابن طالب، حجر عليه كتابة لعلي ابن أبي طالب، قبر المحسن بن الحسي ، الجبانة، حجر يشترك المسلمون والنصارى واليهود... في زيارته لأن تحته قبور لعدد من الأنبياء).
- المسافات التي تفصلها عن المدن المجاورة : ( قنسرين يوم ، المعرة يومان ، انطاكية ثلاثة أيام، الرقة أربعة أيام ، منبج يومان ، حماة ثلاثة أيام ، حمص أربعة أيام ، اللاذقية ثلاثة أيام ، طرابلس أربعة أيام ، دمشق تسعة أيام ) .
- اقتصاد البلدة : ان الله خصها بالبركة، وفضلها على جميع البلاد، فمن ذلك أنه يزرع في أراضيها القطن والسمسم والبطيخ والخيار والدخن والكروم والذرة والمشمش والتين والتفاح عذباً لا يسقى إلا بماء المطر، ويجبى مع ذلك رخيصاً غضاً روياً، يفوق ما يسقى بماء السيح في جميع البلاد . وهذا لم أره فيما طوفت من البلاد في غير أرضها .
- المناطق التابعة لها : طولها مسيرة خمسة أيام من الشمال إلى الجنوب، ومثلها من الغرب إلى الشرق. تشمل على 800 قرية، وفيها 21 قلعة للحماية والأمن، تصل وارداتها إلى 700 ألف درهم.
- طريقة فتحها من قبل المسلمين: ( فتحت صلحاً، فقد طلب هؤلاء الصلح والأمان على أنفسهم وأولادهم، وسور مدينتهم، وكنائسهم ومنازلهم والحصن الذي بها، فأعطاهم عياض بن غنم ذلك . وقد أنفذ القائد أبو عبيدة صلح عياض بن غنم الفهري).
- وصف القلعة التي تقع في المدينة : ( القلعة مبنية في رأس "جبل"، ولها خندق عظيم، وصل بحفرة إلى الماء، وفي وسط القلعة مصانع تصل إلى الماء المعين، وفيها جامع وميدان وبساتين ودور كثيرة ... ولها في أيامنا هذه سبعة أبواب).
- مقتطفات شعرية في وصف المدينة(43) .

الموصل :
- ضبط اللفظ : (الموصل بالفتح وكسر الصاد ).
- اشتقاق الكلمة وسبب تسميتها (سميت بالموصل لأنها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقبل وصلت بين دجلة والفرات، وقيل لأنها وصلت بين سنجار والحديث، وقيل الملك الذي أحدثها اسمه الموصل ) .
- متى بنيت المدينة ومن بناها ( ذكر بناءها الأوائل، ثم ذكر وصفها أيام الفرس، أما أول من عظمها وألحقها بالأمصار العظام، وجعل لها ديواناً، وبنى جسورها وطرقاتها، ووضع عليها سوراً، هو مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية ) .
-   المناطق التابعة لها ( ذكر العديد من أسماء المناطق التي تحيط بها ) .
-   الموقع ( طولها 69 درجة، وعرضها 34 درجة وعشرون دقيقة، في الإقليم الرابع على رواية بطليموس).
- العلماء الذين أنجبتهم المدينة ( أما من ينسب إلى الموصل من أهل العلم فأكثر من أن يحصوا منهم عبد العزيز بن حيان بن جابر، وأبو يعلى أحمد بن علي المثنى … ) .
- أهميتها كعقدة مواصلات : مدينة مشهورة عظيمة، إحدى قواعد بلاد الإسلام، قليلة النظير كبراً وعظماً وكثرة خلق وسعة رقعة، فهي محط رحال الركبان، ومنها يقصد إلى جميع البلدان، فهي باب العراق، ومفتاح خراسان، ومنها يقصد إلى أذربيجان، وكثيراً ما سمعت أن بلاد الدنيا العظام ثلاثة نيسابور لأنها باب الشرق، ودمشق لأنها باب الغرب، والموصل لأن القاصد إلى الجهتين قل ما لا يمر بها .
-  مناخها الجيد : ( كثيراً ما وجدت العلماء يذكرون في كتبهم أن الغريب إذا أقام في بلد الموصل سنة تبين في بدنه فضل قوة . وما نعلم لذلك سبباً إلا صحة هواء الموصل، وعذوبة مائها، فهي شديدة الحرارة في الصيف، وعظيمة البرد في الشتاء ) .
-  مساكنها : أبنيتهم حسنة جيدة وثيقة ، بهية المنظر، لأنها تبنى بالنورة والرخام، ودورهم كلها أزاج وسراديب، ولا يكادون يستعملون الخشب في سقوفهم البتة، ولها سور يحيط بها، يشتمل على جامعين تقام فيهما الجمعة(44).
مرو الشاهجان : اشهر مدن خراسان وقصبتها .
-  اشتقاق الإسم : ( المرو : الحجارة البيض تقدح بها النار، إلا أن الكلمة أعجمية ولا يوجد في مرو حجارة بيضاء . والشاهجان : فارسية معناها نفس السلطان سميت بذلك لجلالتها عندهم ) .
- الأحاديث الواردة في مرو : ( ذكر بعض الأحاديث النبوية في فضائل المدينة).
-   الموقع ( طولها 67 درجة، عرضها 40 درجة، في الأقليم الخامس على رواية بطليموس، وفي رواية أبي عون طولها
 (84) درجة وثلث، وعرضها 37 درجة وخمس وثلاثون دقيقة، وهي في الإقليم الرابع).
-   صفات أهلها : ( البخل وقد أورد أشعاراً كثيرة حول هذا المعنى ) .
-    الأنهار التي تمر بها ( نهران هما الرزيق والماجان، وهما نهران كبيران يخترقان شوارعها، ومنهما سقيا أكثر ضياعها ) .
-     العلماء الذي أنجبتهم المدينة (أحمد بن حنبل ، وسفيان الثوري ، وإسحاق بن راهوية ، وعبد الله بن المبارك ...) .
-     مساجدها : ( وبمرو جامعان للحنفية والشافعية يجمعهما السور ) .
-    صفات أهلها : ( ولولا ورود التتر لما فارقتها، لما في أهلها من الرفد ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها ) .
-   المكتبات العامة وخزائن الكتب : ( فيها عشر خزائن للوقف، منها خزانتان في الجامع، أحدهما تعرف بالعزيزية، والثانية بإسم الكمالية، وفي الأولى 12000 مجلد ، خزانة شرف الملك ، خزانة نظام الملك، وخزانتان للسمعانيين، وخزانة في المدرسة العميرية … وكانت سهلة التناول لا يفارق مكتبتي منها 200 مجلد وأكثر، بغير رهن، فكنت أرتع فيها، وأقتبس من فوائدها، وأنساني حبها كل بلد، وألهاني عن الأهل والولد، وأكثر فوائد هذا الكتاب وغيره مما جمعته هو من تلك الخزائن ) .
-    مقتطفات شعرية في وصف المدينة وأهلها وخاصة صفة البخل التي كان ينعتهم بها الآخرون .
-    قبور الصحابة ( أربعة قبور للصحابة عليها أعلام في ضواحي المدينة ) .
-   المناطق التابعة لها : ريفها (رستاقها) أجل من المدن وكثيراً ما كان يتردد على ألسنة الناس أن رجال مرو من
قراها(45).
إن تحليل محتوى المادة التي ذكرها ياقوت في وصفه للمدن السابقة، يظهر التزام المؤلف بمنهجه في عرض المادة العلمية التي يسوقها، حيث يقوم بتثبيت شكل كتابة الموقع ونطقه واشتقاق الكلمة إن كان عربياً، وذكره إن كان أعجمياً، ثم ينتقل إلى تفاصيل موضع المكان كدرجة العرض والطول، ويذكر بعض الموارد الطبيعية، وأحوال العمران، وموجزاً لأهم الأحداث التاريخية التي شهدها المكان ذاكراً بالتفصيل العلماء الذين عاشوا فيه والأشعار التي قيلت. ثم تحديد التبعية الإدارية للمدينة أو القرية، ونلاحظ غلبة الطابع التاريخي على هذه الأوصاف .
ويمكن القول أن النظرة الموسوعية هي السمة البارزة في هذا المقام، إلا أننا نجد في ثنايا هذه الأوصاف معلومات واستنتاجات تقترب من أفكارنا الحديثة، لدرجة يصعب تمييزها عنها، مما يحملنا على القول أن المعلومات الجغرافية مرتبطة ارتباطاً دقيقاً بالتاريخ، وأحياناً نجد أن الجغرافيا تابعة للتاريخ في هذا المقام .
مدرسة الفضائل والخطط:
برزت أثناء العهد الأموي بعض الكتابات التي عنيت بإبراز فضائل المدن، وقد استندت هذه الكتابات إلى أحاديث نبوية، القسم الأكبر منها ضعيف أو موضوع، وقد بدأت أولاً عن فضائل الأماكن المقدسة كمكة والمدينة وبيت المقدس، ثم توسعت لتشمل مدن الشام ومصر واليمن، وشيئاً فشيئاً بدأت مادة هذه الفضائل تتسع لتشمل بجانب القدسية الدينية الطابع الدنيوي، فظهرت أماكن أخرى كالبصرة وجدة والطائف وتلتها بقية المدن. وبجانب الفضائل بدأت تظهر المثالب أيضاً . ويرى كرانشكوفسكي أن هذا النمط الجديد له صلة بالكتابات المتعلقة بالأنساب، التي اتسمت بإيراد الفضائل والمثالب المتعلقة بالقبائل المختلفة، وتوسيع الدائرة لتشمل المدن المختلفة(46).
لقد تطور طراز الفضائل المبنى على ذكر مناقب البلدان المختلفة، استناداً إلى الأحاديث النبوية الشريفة، إلى ما أصبح يعرف بإسم " خطط المدن " والتي يمكن اعتبارها في الوقت الحاضر نظيره " جغرافية المدن " وقد ساهم المؤرخون بقسط وافر من هذه الكتابات . ومن الطبيعي أن يتجه الإهتمام إلى المدن المقدسة حيث نلتقي في القرن الثالث الهجري بمؤلفين كتباً عن مكة أحدهما: الأزرفي ( المتوفى عام 244هـ/858م) في كتابه " أخبار مكة وما فيها من الآثار " والثاني الفاكهي ( المتوفى حوالي عام 272هـ/885م ) الذي ألف كتاب " تاريخ مكة " .
هناك العديد من المؤلفات التي بحثت في وصف المدن وتاريخها وحفلت بالمعلومات الطبوغرافية والاقتصادية والبشرية ومن أمثلتها كتاب ( خطط بغداد ) لأحمد بن أبي طاهر طيفور ( توفى عام 280هـ/893م ) وكتاب المقريزي ( المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ) والمعروف بخطط المقريزي ( توفى عام 845هـ / 1441 ) . وكتاب 
(الإحاطة بأخبار غرناطة) للسان الدين بين الخطيب، وكتاب الرازي (أحمد بن محمد الرازي توفى عام 344 هـ/955) في وصف قرطبة وخططها. وقد برع الأندلسيون على نحو الخصوص في وصف المدن الكبيرة وأقاليمها .
إن نظرة على كتاب أخبار مكة للازرقي تظهر لنا الجوانب الجغرافية المتعددة التي بحثها هؤلاء في كتاباتهم عن المدن، حيث نجد وصفاً طبوغرافياً مفصلاً للمدينة المقدسة، ثم يتناول ذكر الطرقات والدروب والأحياء المختلفة. وبالرغم من الطبيعة الدينية للمدينة التي فرضت دراسة الشعائر الدينية المرتبطة بالحج، إلا أن المؤلف تحدث بالتفصيل عن موقع المدينة وجبالها وأبارها وبيوتها وعن أحيائها المختلفة، وسكان تلك الأحياء، والشوارع التي تخترق المدينة، واصفاً مساجدها المختلفة، وخاصة المسجد الحرام والكعبة المشرفة، الأمر الذي يمكن من القول أن كتابات الخطط تمثل خطوة نحو التخصص في أبحاث المدن، بالرغم من أن هذه الكتابات قد اقترنت وتلازمت مع المعلومات التاريخية المرتبطة بهذه المدن(47).
أورد العلامة ابن خلدون في ( مقدمته ) دراسة فذّة عن نشأة المدن وتطورها، وشرح مقومات المدينة، وأثر البداوة في هدمها أو مدها بدم جديد(48). يُعدّ ابن خلدون ( 732 – 808هـ / 1332 – 1406م ) من أبرز العلماء العرب المسلمين، بل ربما كان من أعظم العلماء الذين عرفتهم البشرية ، وليس في ذلك مغالاة إذ أن عبقريته واتقاد فكره وقوة ملاحظاته لا تقتصر فقط على الآراء التي أتى بها، والتي كانت ولا تزال مثيرة للنقاش ، ولكن أيضاً لسببين آخرين : الأول أنه من العلماء الذين ركزوا كثيراً على أهمية ربط الظواهر الاجتماعية بأسبابها المنطقية، وثانيهما لأن ابن خلدون هو منشئ علم جديد سماه العمران البشري أو الاجتماع الإنساني ، وهو في أساسياته نفس العلم الذي نسميه حالياً علم الاجتماع(49).
آراء ابن خلدون متضمنة في مقدمته التي قصد بها أن تكون مقدمة لكتابه في التاريخ المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) . وقد جاءت هذه المقدمة شاملة لمعلومات كثيرة، تهدف إلى بيان القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية في المجتمع . وقد توخى أن تكون هذه القوانين متمشية مع منطق السببية، لذا نجد أن هذه القوانين لا تخص علم الاجتماع أو التاريخ فقط، ولكن تشمل كل المظاهر الاجتماعية بما فيها الجغرافيا البشرية بفروعها المختلفة، ومن ضمنها جغرافية المدن التي نحن بصدد بحثها في هذا البحث.
هناك الكثير من الجوانب الجغرافية التي ناقشها ابن خلدون في كتاباته، مع التسليم بأن هناك الكثير من الجوانب المشتركة بين الجغرافيا البشرية وعلوم اجتماعية أخرى . وسنختار من بين أبحاثه الجغرافية الجزء الخاص بجغرافية المدن، وخاصة ما ذكره في البابين الرابع والخامس اللذين يقعان تحت عناوين :
1-   في البلدان والأمصار والمدن وسائر العمران الحضري .
2-  في المعاش ووجوهه .
لقد تميز الأول بالأصالة وعمق التفكير ، وسعة الإطلاع ، وقوة التحليل والربط، ويرى الخوجلي أن هذا الفصل جاء فيه ابن خلدون بالكثير من القوانين عن العمران الحضري والصناعات والأسعار، مما جعل الفصل ثرياً في أفكاره، ومثيراً للنقاش عند عدد من المشتغلين في العلوم الاجتماعية . ولا شك أن المشتغلين بالجغرافية البشرية في فروعها المختلفة ومنها جغرافية المدن يجدون فيه الكثير مما يهمهم .
إن بحث ابن خلدون في العمران الحضري يبدأ حقيقة مع بداية الباب الأول من كتاب المقدمة، وذلك عندما ذكر أن الإنسان مدني بطبعه، أي لا بد من الاجتماع الذي هو المدينة ، وهو معنى العمران . ولكن تفصيل الكلام جاء في الباب الرابع من المقدمة ، وهو حديث مركز شمل المدن في معظم جوانبه، ونرى أن ابن خلدون ينظر للمدينة وكأنها كائن حي تولد ثم تنمو، ثم تتعرض لأمراض تؤثر فيها اضمحلالاً أو اندثاراً ، وان كان في كثير من الأحوال يتجدد شبابها.
لقد ركز الفصل الأول من هذا الباب عن أن الدول أقدم من المدن، وأنها توجد في المرحلة التالية بعد قيام الدول . والنقطة المحورية في هذا المجال أن المدن نحتاج إلى كثرة اجتماع الأيدي، وكثرة التعاون والحكم. وقيام الدول ضروري لأنه يلزمهم بذلك . ومن هنا فإن العلاقة قوية بين نشأة الدول وقيام المدن وعمرها وسكانها والصناعات القائمة بها، فهو يقول : فعمر الدول حينئذ عمر لها (للمدن) فإن كان أمد الدولة قصيراً، وقف الحال فيها عند انتهاء الدول، وتراجع عمرانها وخربت ، وان كان أمد الدولة طويلاً، فلا تزال المصانع فيها تشاد، والمنازل تكثر وتتعدد ، ونطاق الأسواق يتباعد وينفسح إلى أن تتسع الخطة وتبعد المسافة(50).
ويرى الخوجلي أن ابن خلدون يقصد بالمدينة هنا عاصمة الدولة أو المدينة الأولى فيها ، ولا يعني مدينة أخرى أو مدناً أخرى داخل الدولة . ولذا فحياة المدينة مرتبطة بحياة الدولة . وإذا كان عمر الدولة مديداً عاشت المدينة طويلاً . وضرب ابن خلدون مثلاً بمدينة بغداد التي نمت واتسعت حتى أصبحت مشتملة على مدن وأمصار متلاصقة ومتقاربة تجاوز الأربعين ، ولم تكن مدينة واحدة يجمعها سور واحد لإفراط العمران .
غير أن ابن خلدون استدرك وجاء بقانون مهم استثنى فيه أن يكون عمر بعض المدن مثيلاً لعمر الدولة . وذلك في حالتين : الحالة الأولى : أن يكون ظهير المدينة غنياً. وعبر عن الظهير بكلمة ( بادية ) . والحالة الثانية أن ينزل المدينة بعد انقراض مُختطّيها الأُول دولة ثانية (ملك آخر) يتخذ المدينة عاصمة، بدلاً من إقامة عاصمة جديدة فهو يقول :
" وأما بعد انقراض الدولة المشُيِّده للمدينة ، فإما أن تكون لضواحي تلك المدينة وما قاربها من الجبال والبسائط بادية يمدها العمران دائماً ، فيكون ذلك حافظاً لوجودها، ويستمر عمرها بعد الدولة". وربما يترك المدينة بعد انقراض مختطيها الأوليين ملك آخر ودولة تابعة يتخذها قراراً أو كرسياً يستغني بها عن اختطاط مدينة ينزلها"(51).
ولا يهمل ابن خلدون وسطية العاصمة أي أن يكون موقع العاصمة متوسطاً بالنسبة للدولة بقدر الإمكان . وقد أشار إلى ذلك بقوله : " ولا بد من توسط الكرسي بين تخوم الممالك التي للدولة، لأنه شبه المركز للنطاق" (52).
ثم إن ابن خلدون أشار إلى علاقة مهمة بين المدن الكبيرة وبين السكان والأيدي العاملة، وذلك لاجتماع الفعلة وكثرة تعاونهم . وزاد على ذلك "أن الهياكل العظيمة لا تشتغل ببنائها دولة واحدة ، وإنما عدد من الدول على التتابع وذلك في حشد الفعلة والأيدي العاملة "(53).
وتحدث بالتفصيل عن المواقع التي تبنى فيها المدن وأنه لا بد أن يراعي في ذلك "دفع المضار بالحماية من طوارقها، وجلب المنافع، وتسهيل المرافق " ثم فصّل دفع المضار بالحماية حيث تأخذ حماية المدينة أشكالاً عديدة منها :
1-    أن يبنى للمدينة سور حولها .
2-  أن تكون في موقع حصين إما على " هضبة متوعرة في جبل ، وإما باستدارة بحر أو نهر بها . وفي المناطق الساحلية أن تكون بين جبل أو تكون بين أمة من الأمم موفورة العدد " .
3-    أن تكون محمية من الآفات السماوية بأن يكون هواؤها طيباً .
أما جلب المنافع فقد فسره بوجود:
1-    الماء العذب .
2-    المرعى الطيب (طيب المراعي).
3-    المزارع فإن الزروع هي الأقوات.
4-    الشجر للحطب والبناء.
نخلص إلى القول أن ما أورده ابن خلدون يمثل تطوراً كبيراً في مناقشة الموضوعات المرتبطة بجغرافية المدن . وهي لا تختلف في شيء عن المواضيع الحالية لجغرافية المدن.

الخاتمة
إن موضوعات المدن كغيرها من موضوعات كتب التراث الجغرافي الإسلامي المتعلقة بالجغرافيا الوصفية والإقليمية كانت تخضع لنمط الكتابة العربية الذي ساد مختلف حقول المعرفة في ذلك العهد .
1-  فلم يكن التخصص مفهوماً بمعناه الحديث، ولكي نتفهم أدبنا الجغرافي في العصر الوسيط، لا بد أن نصرف النظر مؤقتاً عن معظم الأفكار التي هي ثمرة الثقافة الحديثة ، ومن المناسب أن نتخلى عن التقسيمات التي طرأت على الجغرافيا في أيامنا هذه، والتي تقضي بأن نميز على حده مجموعة من التخصصات الطبيعية والبشرية والإقتصادية والسياسية والتاريخية إلخ … .
لقد كانت النظرة الشمولية هي السائدة في التراث الجغرافي العربي الإسلامي ، غير أننا نجد في ثنايا هذا التراث نظريات واستنتاجات يقول بها العرب القدامى تقترب من أفكارنا الحديثة لدرجة يصعب تمييزها(54).
2-  كانت الإرهاصات الأولى للجغرافيا مرتبطة بالأدب . وكان علينا أن ننتظر حتى مطلع القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي ) كي نجد المحاولات الأولى والجادة التي تمثلت بها الجغرافيا في أول عهدها، ويمكن القول أن النتاج الجغرافي ظهر عند العرب مثلما ظهر عند غيرهم من جغرافيي الأمم الأخرى شديد الإرتباط بالتاريخ، وأحياناً تابعاً له، فقد كان الجغرافيون مؤرخين في أغلب الأحوال . ومن المعلوم أن التاريخ والجغرافيا اقترنا منذ البداية في كتابات الجغرافيين القدماء، بدءاً بالكتاب الإغريق ثم الرومانيين ثم العرب. فهيرودوت وهيكاتيوس هما من أكبر وأقدم الجغرافيين الإغريق، وهما مؤرخان أساساً، وكذلك الحال لدى الكثير من أعلام الجغرافية العربية، وعلى أية حال فإن هذا الاقتران بين الجغرافيا والتاريخ أمر غير بعيد عن الصواب، كما أنه ليس بمستغرب. وقد ظل هذا الاتجاه مقبولاً حتى لدى أساطين الجغرافية الحديثة، فكارل ريتر مثلاً بدأ أستاذاً للتاريخ، وانتهى جغرافياً، كما أن فيدال دي لابلاش بدأ دارساً للتاريخ، وانتهى أستاذاً للجغرافيا، ويمكن تلخيص الترابط بين الجغرافيا والتاريخ، بأن الجغرافيا تمثل المسرح الذي يلعب الإنسان عليه أحداثه التاريخية. ونجد في جميع كتب الجغرافيا لدى المسلمين مبالغةً في التفصيلات التاريخية، التي تطغى في كثيرٍ من الأحيان على المعلومات الجغرافية.
3-  لم يكن التخصص العلمي قد بلغ درجة عالية من النضج ، لذا كان الكتاب والبحاثة يتقبلون بعض المعلومات ويعتبرونها مسلمات بالرغم من مناقضتها للمنطق والعقل . لذلك لا يكاد يخلو أي كتاب من كتب الجغرافيين من نقاط ضعف، إذا ما تعرض للفحص بمنظار النقد والعلم الحديثين .
4-  كانت معظم الكتب الإقليمية وهي تتحدث عن الأقاليم عموماً وعن مباحث المدن على وجه الخصوص تنحو إلى الوصف الجامع الشامل، بدلاً من العرض المفصل العميق للمدن والمناطق المعروفة على أساس الملاحظة المباشرة . غير أنه يستثنى من ذلك المناطق التي خبرها الجغرافي خبرة طويلة ومباشرة، وخاصة بلدان هؤلاء، والمناطق التي عاشوا فيها أو رحلوا إليها، فتجد فيها عمق التجربة، ودقة المعلومات . إضافة إلى أن هذه الكتابات كانت موجهة لخدمة أغراض الإداريين والحكام والتجار بالدرجة الأولى، ولم تكن تلك الأهداف تتطلب الدراسة العميقة(55).
5-  ان محاولة استقراء ما كتبه الجغرافيون المسلمون في مناحي العمران وجغرافية المدن يشمل جوانب عديدة ومتنوعة، ولكن هذه المعلومات مبثوثة في ثنايا الكتب بطريقة تحتاج معها إلى بذل مزيد من الجهد لاستخراجها، بسبب الطبيعة الموسوعية في الكتابة وعلى العموم يمكن القول أن معلومات الجغرفيين العرب والمسلمين قد غطت الموضوعات التالية :-
   ‌أ.   وصف المدن وصفاً دقيقاً مفصلاً، مع معلومات عن تأريخها وبنائها وسكانها، وأهم آثارها .
 ‌ب.    الكلام على طرق المواصلات، من حيث اتجاهاتها وطبوغرافيتها، والمدن التي تقع عليها، والأبعاد بين تلك المدن، ومدى درجة الأمن فيها .
  ‌ج.   الاهتمام بوصف الظواهر الطبوغرافية، والتركيز بصورة خاصة على مجاري المياه ( الأنهار والنهيرات ) والبحار والبحيرات .
   ‌د.   الاهتمام بذكر الصناعات والمعادن والأحوال الاقتصادية .
 ‌ه.  إيراد المعلومات التاريخية المتعلقة بالبلدان والمدن وحكامها مشتملة على تفصيلات عن سكان البلاد وأديانهم ومذاهبهم وعاداتهم وتقاليدهم(56).
ويمكن القول أن الكثير من هذه الموضوعات يتناولها جغرافيو المدن المعاصرون، مما يفرض المزيد من الاهتمام بهذا الجانب الهام من تراثنا المتعلق بالمدن كما يتطلب المزيد من الجهد لإبرازه إلى النور ومحاولة الاستفادة منه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش :

(1)خصباك، شاكر: الخصائص العلمية للجغرافيا العربية الإسلامية القديمة، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1404هـ/1984م، ص161-180.
(2)المرجع نفسه، ص170. وانظر أيضاً: أحمد، نفيس ترجمة فتحي عثمان: الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي، الطبعة الثانية، دار القلم، الكويت، 1978م.
(3)   خصباك، شاكر: في الجغرافية العربية  دراسة في التراث الجغرافي العربي، مطبعة دار السلام، بغداد، 1975، ص9.
(4)علوي، ضياء الدين: تعريب وتحقيق عبدالله يوسف الغنيم وطه محمد جاد: الجغرافيا العربية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (الثالث والرابع الهجريين)، منشورات وحدة البحث والترجمة  قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، الكويت، 1401هـ/1980م، ص56.
(5)حميدة، عبد الرحمن: أعلام الجغرافيين العرب، ومقتطفات من آثارهم، دار الفكر، دمشق، 1969م، ص55.
(6)أطلق الدكتور نقولا زيادة اسم المدرسة اليونانية-العربية، والواقع أن العرب خلال هذه الفترة لم يقتصروا على نقل التراث اليوناني فقط بل نقلوا عن الهنود والفرس وغيرهم من الأمم. وإطلاق المدرسة اليونانية-العربية هو من باب التغليب فقط. (انظر نقولا زيادة: الجغرافيا والرحلات عند العرب، 1962: 17).
(7)هناك خلاف في تاريخ وفاة محمد بني موسى الخوارزمي فبعضهم يرى أنه توفي عام 220هـ، والبعض الآخر يرى أنه توفي على 230هـ/844م، وهناك فريق ثالث يرى أنه توفي عام 232هـ/846م 
(أنظر محمدين، 1401هـ : 401).
(8)يرى بعض المؤرخين أن كتاب صورة الأرض للخوارزمي هو ترجمة حرفية لكتاب (جغرافيا) لمؤلفه بطليموس.
(9)الخوارزمي، محمد بن موسى: صورة الأرض، منشورات مكتبة المثنى عن طبعة هانس فون مجيك. وانظر أيضاً: محمدين، محمد محمود: التراث الجغرافي الإسلامي، مطبعة شريف، الإسكندرية، 1401هـ.
(10)هناك اختلاف حول سنة وفاة ابن خرداذبه حيث أورد بعض الباحثين أنـه توفـي عـام 280هـ/892م 
( أنظر: محمدين، 1401 : 402)
(11)ابن خرداذبة، أبي القاسم عبيدالله بن عبدالله: المسالك والممالك، وزارة الثقافة، دمشق، 1999م.
(12)ابن رستة، أبو علي أحمد بن عمر: الأعلاق النفسية، منشورات مكتبة المثنى عن طبعة ليون.
(13)ابن الفقيه، الهمداني: مختصر كتاب البلدان، منشورات مكتبة المثنى عن طبعة ليون، 1885م.
(14)اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، كتاب البلدان، نشر دي خويه، ليدن، 1892.
(15)الشامي، عبد العال: جغرافية المدن عند العرب، مجلة عالم الفكر، المجلد التاسع، العدد الأول، 1978م. ص123.
(16)خصباك: في الجغرافية العربية ، 1975: 1-12. وانظر أيضاً: حواله، يوسف بن أحمد: ابن حوقل ورحلاته الجغرافية للجناح الغربي من الدولة الإسلامية، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت، والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (142)، 1412هـ/1992م.
(17)المقدسي، شمس الدين أبو عبدالله: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، منشورات دي خويه، ليدن، 1906 : 47.
(18)المصدر نفسه ، ص71.
(19)المصدر نفسه ، ص140.
(20)المصدر نفسه ، ص166-167.
(21)الأصطخري، أبو إسحاق إبراهيم: المسالك والممالك، منشورات دي جوبة، ليدن، 1927. ص140.
(22)المصدر نفسه ، ص216.
(23)اليعقوبي: كتاب البلدان،  ، ص274.
(24)المقدسي: ، أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص74.
(25)الأصطخري: المسالك والممالك ، ص211.
(26)المصدر نفسه ، ص 127.
(27)المقدسي: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ، ص429.
(28)علوي: الجغرافيا العربية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (الثالث والرابع الهجريين)ص172-175 وقد كان هذا المرجع عمدتنا في بحث المدن عند أصحاب المدرسة الإقليمية. وقد أثبتنا المراجع التي نقل منها المؤلف كما أوردها للرجوع إليها عند الحاجة.
(29)خصباك: في الجغرافية العربية ، ص240-260 وانظر أيضاً حسين، حسني محمود: أدب الرحلة عند العرب، الهيئة المصرية للكتاب، 1976، وكذلك انظر: مينورسكي، م.ف. ترجمة عبد الرحمن حميدة: الجغرافيون والرحالة المسلمون، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (73)، 1405هـ/1985م. وكذلك انظر: مؤنس، حسين: تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس، مدريد، 1967م.
(30)ابن جبير، أبو الحسن محمد: رحلة ابن جبير،  منشورات  دار  التراث  العربي، بيروت. وانظر أيضاً: عبدالله، نوال محمد: العمران في المشرق العربي في القرن السادس الهجري  قراءة في رحلة ابن جبير، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1404هـ/1984م.، ص375-381.
(31)رحلة ابن جبير، ص24.
(32)المصدر نفسه ، ص27.
(33)المصدر نفسه ، ص86-87.
(34)المصدر نفسه ، ص87-89.
(35)المصدر نفسه ، ص129.
(36)خصباك: : في الجغرافية العربية 1975: 261.
(37)ابن جبير:  ، ص173-184.
(38)المصدر نفسه: ص196.
(39)المصدر نفسه: ص229-230.
(40)خصباك: في الجغرافية العربية ، 1975: 279.
(41) المرجع نفسه ، ص281.
(42)التوانسي، أبو الفتوح محمد: ياقوت الحموي  الجغرافي والرحالة والأديب، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1971م.
(43)ياقوت الحموي: معجم البلدان ح2، ص282-290.
(44)المصدر نفسه ، ح5، ص222-224.
(45)المصدر نفسه ح5، ص110-116.
(46)كراتشكوفسكي، أغناطيوس، ترجمة صلاح الدين هاشم: تاريخ الأدب الجغرافي العربي (جزآن)، منشورات الجامعة العربية، القاهرة، 1961. ص56-75.
(47)الأزرقي: أبي الوليد محمد بن عبدالله: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، تحقيق رشدي ملحس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1979.
(48)ابن خلدون، عبد الرحمن: مقدمة ابن خلدون، تحقيق وتقديم علي عبد الواحد وافي، ط(3)، القاهرة، دار النهضة للطبع والنشر (د.ت).
(49) خوجلي، مصطفى أحمد: ابن خلدون جغرافيا 0 عرض ونقد لآرائه الجغرافية، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (201)، 1417هـ/1997م. ص3.
(50)ابن خلدون: المقدمة، مرجع سابق، ص413.
(51)المصدر نفسه 414.
(52)المصدر نفسه: 453.
(53) الخوجلي: ابن خلدون جغرافيا 0 ص60-62.
(54)حميدة: أعلام الجغرافيين العرب، ، ص24-25.
(55)خصباك: في الجغرافية العربية 1975، ص128-129.
(56)خصباك: . الخصائص العملية للجغرافيا العربية الإسلامية القديمة ، 1984، ص177.

المصادر والمراجع

1.    ابن جبير، أبو الحسن محمد.  ،رحلة ابن جبير، منشورات دار التراث العربي، بيروت. (1999)
2.    ابن خرداذبة، أبي القاسم عبيدالله بن عبدالله: المسالك والممالك، وزارة الثقافة، دمشق.
3.    ابن خلدون، عبد الرحمن  ، مقدمة ابن خلدون، تحقيق وتقديم علي عبد الواحد وافي، (ط3)، القاهرة، دار النهضة للطبع والنشر. (د.ت).
4.    احمد، نفيس. ترجمة فتحي عثمان، الفكر الجغرافي في التراث الإسلامي، الطبعة الثانية، دار القلم، الكويت. (1976
5.  إسماعيل، احمد علي.. المدينة العربية والإسلامية – توازن الموقع والتركيب الداخلي، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (102). (1987)
6.    الاصطخري، أبو إسحاق، إبراهيم. ،المسالك والممالك، منشورات دي خويه ليدن، 1927.
7.  ايبش، احمد والشهابي، قتيبة. دمشق في وصف الرحالين والجغرافيين البلدانيين الغرب والمسلمين، منشورات وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق (جزاءان). 1998).
8.    التوانسي، أبو الفتوح محمد.. ياقوت الحموي – الجغرافي والرحالة والأديب، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر. (1971)
9.    حسين، حسني محمود. أدب الرحلة عند العرب، المكتبة الثقافية، الهيئة المصرية العامة للكتاب. (1976).
10. حميدة، عبد الرحمن. أعلام الجغرافيين العرب، ومقتطفات من آثارهم، دار الفكر، دمشق. (1969).
11.حواله، يوسف بن احمد. ابن حوقل ورحلاته الجغرافية للجناح الغربي من الدولة الإسلامية، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت، والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (142). (1992).
12. خصباك، شاكر. في الجغرافية العربية – دراسة في التراث الجغرافي العربي، مطبعة دار السلام، بغداد. (1975).
13.خصباك، شاكر.. الخصائص العملية للجغرافيا العربية الإسلامية القديمة، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ص 161-180. (1984).
14. خضر، عبد العليم عبد الرحمن. المسلمون وعلم الجغرافيا، كتاب المدينة، منشورات مؤسسة المدينة للصحافة، (ط1). (1983).
15. الخوارزمي، محمد بن موسى. (د.ت). صورة الأرض، منشورات مكتبة المثنى عن طبعة هانس فون مجيك.
16. خوجلي، مصطفى احمد. ابن خلدون جغرافيا، عرض ونقد لآرائه الجغرافية، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (201). (1997)
17. الشامي، عبد العال. جغرافية المدن عند العرب، مجلة عالم الفكر، المجلد التاسع، العدد الأول. 1978).
18. الشامي، عبد العال عبد المنعم. جهود الجغرافيين المسلمين في رسم الخرائط، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (369). (1981).
19.عبدالله، نوال محمد. (1984). العمران في المشرق العربي في القرن السادس الهجري – قراءة في رحالة ابن جبير، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1984). ص 375-381.
20.علي، شفيق عبد الرحمن.. مدارس الجغرافيا عند المسلمين، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (1984)ص 233-267.
21. علوي، ضاء الدين. تعريب وتحقيق عبدالله يوسف الغنيم وطه محمد جاد: الجغرافيا العربية في القرنين التاسع والعاشر الميلاديين (الثالث والرابع الهجريين)، منشورات وحدة البحث والترجمة – قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، الكويت. (1980).
22.غلاّب، محمد السيد. الجغرافيون المسلمون ودورهم في تطور الفكر الجغرافي، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،(1984) ص 129-157.
23.الفيل، محمد رشيد.. أثر التجارة والرحلة في تطوير المعرفة الجغرافية، بحوث المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، المجلد الثالث، منشورات جامعة الإمام محمد سعود الإسلامية، (1984)ص 439-472.
24.القضاة، احمد محمد علي الحاج. الأردن في كتابات الجغرافيين العرب بين القرنين الثالث والتاسع الهجريين، رسالة ماجستير، مقدمة إلى معهد الدراسات الإسلامية، القاهرة. (1997).
25.كحاله، عمر رضا. التاريخ والجغرافيا في العصور الإسلامية، المطبعة التعاونية، دمشق. (1972).
26.كواتشكوفسكي، اغناطيوس. ترجمة صلاح الدين هاشم، تاريخ الأدب الجغرافي العرب،ي (جزان)، منشورات الجامعة العربية، القاهرة. 1961).
27.لومبارد، موريس. ترجمة عبد الرحمن حميدة، الجغرافيا التاريخية للعالم الإسلامي خلال القرون الأربعة الأولى، دار الفكر، دمشق. (1979).
28. محمدين، محمد محمود. التراث الجغرافي الإسلامي، مطبعة شريف، الإسكندرية. (1401).
29. المقدسي، شمس الدين أبو عبدالله. احسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، منشورات دي خويه، ليدن. (1906).
30.  مؤنس، حسين. تاريخ الجغرافيا والجغرافيين في الأندلس، مدريد. (1967).
31. الميداني، محمود عصام. خطوط الطول والعرض وقياس محيط الأرض في الجغرافية العربية، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (158). (1993).
32.مينورسكي، م.ف. ترجمة عبدالرحمن حميدة، الجغرافيون والرحالة المسلمون، نشرة دورية يصدرها قسم الجغرافيا بجامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية، عدد (73). (1985).
33. اليعقوبي، احمد بن أبي يعقوب. كتاب البلدان، نشر دي خويه، ليدن. (1892).


* توجد في كليات الهندسة في الغرب أقسام خاصة تدعى Urban and Regional Planning وقد برز هذا الاتجاه في الجامعات العربية التي قامت باستحداث مثل هذه التخصصات. ويكفي أن نذكر أنه في الآونة الأخيرة تم في كلية الهندسة بجامعة العلوم والتكنولوجيا، افتتاح قسم خاص بالتخطيط الحضري الإقليمي، وكذلك الحال في جامعة البلقاء التطبيقية.
* ورد هذا التصنيف ضمناً في كتاب كراتشكوفسكي تاريخ الأدب الجغرافي العربي وأورده نقولا زيادة في كتابه الجغرافيين والرحلات عند العرب وتابعهم على ذلك بعض من كتب عن التراث الجغرافي العربي الإسلامي كعبد الرحمن حميده ومحمد محمود محمدين وغيرهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا