المياه في الصراع العربي- الإسرائيلي
مركز المعلومات الوطني الفلسطيني - وفا : تناول العديد من الباحثين والدارسين مسألة موقع المياه في الصراع العربي الإسرائيلي بالدراسة والتحليل، إلا أننا نرى أن هناك حاجة لإلقاء مزيد من الضوء على مكانة المياه في خضم هذا الصراع الذي بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر، بسبب ما تشهده منطقة الشرق الأوسط الآن من انعطاف حاد في تاريخها منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في الأراضي الفلسطينية، وما أحدثته من إفرازات لعل أهمها تهديد إسرائيل للعديد من الدول العربية المجاورة، وصعود حزب الليكود بزعامة شارون إلى الحكم، وإطلاقه للتصريحات العدائية ليس للفلسطينيين فحسب بل للعرب جميعاً، ومن أبرزها إن حرب الاستقلال التي بدأت عام 1948 لم تنته بعد.
إن هذه اللهجة التي اتسم بها الخطاب الإسرائيلي تدل على أن الأطماع الإسرائيلية في الأراضي العربية ما زالت قائمة، وأن حكام إسرائيل مهما اختلفت اتجاهاتهم السياسية، ما زالوا يمضون في تنفيذ المبادئ والأفكار الصهيونية التي نشأت منذ زمن، ولعل أهم ما تدعو إليه هذه المبادئ هو أن السيطرة على الأراضي يجب أن تكون مصاحبة للسيطرة على المياه، ولهذا فإن المحاولات الصهيونية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كانت تقوم دائماً على المزج بين الخريطة المائية والخريطة الأمنية، أو بمعنى آخر كانت تضع مصادر المياه في اعتباراتها عند تخطيط الحدود.
إن هذا المزج ما زال قائماً حتى الآن، فما زالت إسرائيل تسيطر على هضبة الجولان السورية لا لشيء، إلا لأنها تضم منابع نهر الأردن الحيوي بالنسبة لإسرائيل، أما غير ذلك فحجج واهية خصوصاً وأن التطور الذي حدث في تقنيات السلاح وانتصار الجيوش العربية على إسرائيل عام 1973، قد أسقط نظرية الأمن الإسرائيلية، وكذلك سيطرتها على الجنوب اللبناني مدة 20 عاما،ً وما زالت تطمع في العودة إليه بسبب مياه نهر الليطاني الذي دخل ضمن دائرة الأطماع الإسرائيلية منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها التفكير بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، كذلك محاولات إسرائيل فتح آفاق من العلاقات مع كل من تركيا وأثيوبيا ما هي إلا جهود تصب في محاولة استغلال الموارد المائية للتأثير على أكبر الدول العربية في المنطقة، مصر وسوريا والعراق، ولما كان الصراع العربي الإسرائيلي مستمراً نجد أنه من الضروري تناول هذا الموضوع للكشف عن أخطاره المستقبلية التي تهدد حياة الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص.
المياه في الفكر الاستراتيجي الصهيوني :
احتلت المياه موقعاً هاماً في الفكر الاستراتيجي الصهيوني منذ بدء التفكير بإنشاء دولة إسرائيل، وقد استند هذا الفكر إلى ادعاءات دينية وتاريخية باطلة ناتجة عن اعتقادها بما جاء في التوراة: "كل موقع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته... كما كلمت موسى من البركة ولبنان.. هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات... وإلى البحر الكبير نحو المغيب يكون تخمكم". (1) ولاعتقادها أن الحدود المثالية لدولة إسرائيل من النيل إلى الفرات كما ورد في التوراة أيضاً (2)، وبناءً على هذه الادعاءات قامت الحركة الصهيونية بإيفاد الخبراء واللجان العلمية خلال القرن التاسع عشر لدراسة الموارد المائية في فلسطين، ومدى الاستفادة من مياه نهر الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية بسبب انخفاض البحر الميت عن البحر المتوسط، وقد قام بهذه الدراسات خبراء فرنسيون وأمريكيون عام 1850، ومن بينهم هريس أحد مؤسسي الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر، والجمعية العلمية البريطانية عام 1875، التي أوصت بإمكانية إسكان خمسة ملايين مهاجر يهودي في فلسطين، إلا أن أهمية المياه في الفكر الصهيوني أخذت تتبلور بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، حيث صرح ثيودور هرتزل بقوله في أعقاب المؤتمر: "إننا وضعنا في هذا المؤتمر أسس الدولة اليهودية بحدودها الشمالية التي تمتد إلى نهر الليطاني". (3)
وفي عام 1903، حاولت الدوائر الصهيونية الاتصال بالحكومة البريطانية لإرسال البعثات الفنية لإجراء الدراسات حول إمكانية سحب جزء من مياه نهر النيل إلى سيناء، ومن ثم جر هذه المياه إلى النقب لتطويره وبناء المستعمرات اليهودية فيه. (4)
وفي عام 1919، كان من أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقد بمدينة بازل بسويسرا: "يجب تذكير عصبة الأمم أنه لا بد من إدخال المياه الضرورية للري والقوة الكهربائية ضمن الحدود وتشمل نهر الليطاني وثلوج جبل الشيخ" (5). وقد مارست الدوائر الصهيونية ضغوطاً كبيرة على المجتمعين في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، لجعل حدود فلسطين تضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسهل حوران في سوريا إلا أن هذه المطالب قوبلت بالرفض خصوصاً من الفرنسيين الذين وضعوا سوريا ولبنان تحت انتدابهم، وفي عام 1941، قال بن غوريون: "علينا أن نتذكر بأنه لابد أن تكون مياه نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء" (6). وهكذا يتضح أن المياه وقفت على قمة المخططات لإنشاء الدولة اليهودية، لأن قضية المياه ترتبط بقضية الوجود الصهيوني نفسه، كما يتضح أن الاهتمام الصهيوني انصب بشكل كبير على المناطق المتاخمة للحدود الشمالية لفلسطين، لأن معظم مصادر المياه التي تغذي فلسطين تنبع من كل من سوريا ولبنان، حيث يقع نهر الليطاني في الأراضي اللبنانية والذي تذهب مياهه هدراً في البحر على حد تعبير بيجن عندما غزت إسرائيل لبنان عام 82 (7)، لذلك بذلت الحركة الصهيونية جهوداً كبيرة لتوسيع الحدود الشمالية للاستحواذ على منابع المياه، وقد أكد ذلك العديد من الزعماء الصهيونيين أمثال حاييم وايزمان في رسالته بتاريخ 30/10/1920 إلى لويد جورج رئيس الوزراء البريطاني، حيث أشار إلى أن مياه نهر الأردن واليرموك لا تفي بحاجة الدولة اليهودية، ونهر الليطاني يمكنه أن يسد هذا العجز ويؤمن المياه لري الجليل، كما اقترح هربرت صموئيل أول مندوب سامي بريطاني على فلسطين وهو يهودي جعل الحدود الشمالية لفلسطين تتوغل داخل لبنان ليمتد من الضفة الشمالية لنهر الليطاني حتى أقصى ينابيع نهر الأردن قرب راشيا، ولتحقيق أهدافها فقد عملت الدوائر الصهيونية على إرسال العديد من البعثات خلال فترة الانتداب البريطاني إلى فلسطين لإجراء عمليات مسح للمصادر المائية واقتراح المشاريع المائية لتشجيع الاستيطان اليهودي فوضعت المشروع تلو المشروع ومنها مشروع روتنبرغ عام 1927، ومشروع أيونيدس عام 1938، ومشروع لاودرملك عام 1944، ومشروع هيز عام 1948 (8).
إسرائيل والمياه الفلسطينية :
ظلت المياه على رأس أولويات الدولة اليهودية حتى بعد قيامها عام 1948، إذ تم إعداد الخطط لاستثمار كل ما يقع في أيدي الإسرائيليين من موارد مائية تمهيداً لاستقبال أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إليها، وقد وضعت السياسة الإسرائيلية نصب عينيها عدم إهدار أي نقطة ماء يمكن الحصول عليها في فلسطين، ولذلك كان قرار تأميم المياه في شهر أغسطس عام 1949 الذي أصدرته حكومة إسرائيل، ويقضي باعتبار المياه ملكاً عاماً، للدولة فقط حق التصرف فيها، ولا يحق للأفراد ذلك، وأسندت مهمة الإشراف على هذا القرار لوزير الزراعة، يساعده مفوض للمياه وظيفته حصر صلاحية الترخيص للأفراد بالحصول على كمية من المياه من مصادرها المختلفة (9).
إن مثل هذه الإجراءات إنما هي امتداد لعمليات التطبيق العملي للفكر الصهيوني فيما يتعلق بقضية المياه، وقد ظهر ذلك جلياً في المذكرات الشخصية لموسي شاريت أول وزير خارجية لإسرائيل في مباحثاته مع إريك جونستون المبعوث الأمريكي من قبل الرئيس أيزنهاور لترتيب مسألة المياه في منطقة غور الأردن، حيث اهتم بضمان سيطرة إسرائيل على جميع المنابع المائية ومصادرها بما في ذلك مياه نهر الليطاني، ويجب أن تتكيف الحدود الجغرافية وفق هذا المفهوم.
وفي عام 1955، قال ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت: "إن اليهود يخوضون مع العرب معركة المياه وعلى نتائج هذه المعركة يتوقف مصير إسرائيل وإذا لم ننجح في هذه المعركة فإننا لن نكون في فلسطين (10).
وبعد احتلال إسرائيل لبقية الأراضي الفلسطينية في أعقاب حرب 1967، سارعت قواتها إلى السيطرة الكاملة على الموارد المائية الفلسطينية، حيث أصدرت عدداً من الأوامر العسكرية، كان أولها قبل انتهاء العمليات العسكرية يوم 7/6/1967، يتم بمقتضاها نقل جميع الصلاحيات بشأن المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي، ثم تلا هذا الأمر سلسلة من الأوامر العسكرية منها:-
1ـ الأمر رقم 92 بتاريخ 15/8/1967، وينص على منح كامل الصلاحية في السيطرة على كافة المسائل المتعلقة بالمياه لضابط المياه المعين من قبل المحاكم الإسرائيلية.
2ـ الأمر رقم 158 بتاريخ 19/8/1967، وينص على أن يمنع منعاً باتاً إقامة أي إنشاءات مائية جديدة بدون ترخيص، ولضابط المياه حق رفض أي ترخيص دون إعطاء الأسباب. (11)
3ـ الأمر رقم 291 الصادر عام 1967، وينص على أن جميع مصادر المياه في الأراضي الفلسطينية أصبحت ملكاً للدولة وفقاً للقانون الإسرائيلي عام 1959.
4ـ الأمر العسكري رقم 948 الذي ينص على إلزام كل مواطن في قطاع غزة بالحصول على موافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي إذا أراد تنفيذ أي مشروع يتعلق بالمياه، بالإضافة إلى الأمر رقم 457 عام 72، 715 عام 77، 1336 عام 91 (12).
وقد مكنت الأوامر العسكرية الإسرائيلية السابقة القوات الإسرائيلية خلال العقود الثلاثة الماضية من إحكام سيطرتها على موارد فلسطين المائية حارمة الشعب الفلسطيني من حقوقه المائية من خلال العديد من الإجراءات ومنها:-
1. فرض القيود على استغلال الفلسطينيين لحقوقهم المائية في الضفة وغزة.
2. تقييد حفر الآبار الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة.
3. حفر إسرائيل العديد من الآبار داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة وغزة.
4. حفر سلسلة من الآبار على طول خط الهدنة مع قطاع غزة لاستنفاذ المياه العذبة والتقليل من المياه المنسابة إلى الخزان الجوفي الساحلي في قطاع غزة.
وقد أدت هذه السياسة إلى تزايد نسبة الأملاح في معظم آبار المياه الجوفية سواء كانت في الضفة الغربية أو قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي.
أما عن كمية المياه الفلسطينية في الخزان الجوفي فتقدر في الأوضاع المثالية بحوالي 895 مليون متر مكعب، منها 835 مليون متر مكعب في الضفة الغربية، و60 مليون متر مكعب في قطاع غزة (13)، وهناك تقديرات أخرى مختلفة، ويرجع ذلك إلى اختلاف الجهات التي تقوم بالتقدير، وتذبذب كميات المطر السنوي، وأياً كانت هذه التقديرات فإنها جميعاً تتراوح بين 700-900 مليون متر مكعب، وقد حددت اتفاقية أوسلو الثانية الموقعة في 28/9/1995 كميات المياه الفلسطينية على النحو التالي: (14).
كميات المياه في الخزان الجوفي الفلسطيني حسب ما أوردته اتفاقية أوسلو:
المنطقة
|
كمية المياه- مليون متر مكعب
|
أحواض الضفة الغربية الحوض الشرقي
|
172
|
الحوض الشمالي الشرقي
|
145
|
الحوض الغربي
|
362
|
مجموع الضفة الغربية
|
679
|
قطاع غزة
|
55
|
مجموع الأراضي الفلسطينية
|
734
|
كما حددت اتفاقية أوسلو كمية استهلاك المياه على النحو التالي: (15)
المنطقة
|
كمية المياه- مليون متر مكعب
|
الضفة الغربية
|
127.4
|
قطاع غزة
|
108
|
المجموع
|
235.4
|
المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة
|
60
|
المجموع الكلي
|
295.4
|
إذن فإن كمية المياه المستهلكة في الضفة الغربية، بلغت حسب اتفاقية أوسلو 127.4 مليون م3، هذا يعني أن الكمية الباقية وهي 552 مليون م3 تذهب جميعها إلى إسرائيل، منها 50 مليون م3 تذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، أما في قطاع غزة فإن مياه الخزان الجوفي تقدر بـ55 مليون م3، إلا أن احتياجات القطاع المائية أكبر من ذلك بكثير إذ تم ضخ 103 مليون م3 بالإضافة إلى 10 مليون م3 يتم ضخها في المستوطنات.
إن قطاع غزة يعاني عجزاً مائياً يقدر بـ 50 مليون م3، وإسرائيل تستنفذ 562 مليون م3 من المياه الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل مباشر. بالإضافة إلى استيلائها على حقوق فلسطين المائية في نهر الأردن والتي تقدر بـ50 مليون م3.
ولقد تركت الإجراءات الإسرائيلية آثارها الخطيرة على الحقوق الفلسطينية في المياه، فمعدلات الاستهلاك الفردي للمواطن الفلسطيني أصبحت تقل كثيراً عن معدلات الاستهلاك الفردي في إسرائيل كما في الجدول التالي:-
نوع الاستهلاك
|
فلسطين
|
إسرائيل
|
النسبة
|
عدد السكان- مليون
|
2.87
|
5.7
|
1.96:1
|
كمية المياه للاستهلاك الآدمي م3/ سنوياً
|
91
|
571
|
2.3:1
|
نصيب الفرد من مياه الشرب م3/ سنوياً
|
30
|
101
|
3.36:1
|
كمية المياه للاستهلاك الزراعي م3/ سنوياً
|
171
|
1252
|
7.3:1
|
كمية المياه للاستهلاك الصناعي م3/ سنوياً
|
5
|
136
|
27:1
|
إجمالي نصيب الفرد من المياه م3/ سنوياً
|
93
|
344
|
3.7:1
|
ويتضح من الجدول أن معدل نصيب الفرد الفلسطيني من المياه يصل إلى 27% بالمقارنة مع نصيب الفرد الإسرائيلي، وهذا راجع إلى اعتماد إسرائيل الكبير على المياه الفلسطينية لتلبية متطلباتها المائية الكبيرة، وتستغل إسرائيل مياه الخزان الجوفي الفلسطيني عبر شبكة من الآبار العميقة يصل عددها إلى 300 بئر غرب الخط الأخضر، بالإضافة إلى 51 بئراً (17) موجودة في المستوطنات الإسرائيلية بالضفة، و43 بئراً موجودة في المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة. (18)
وخلاصة القول فإن إسرائيل تستنفذ 86.5% من إجمالي المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية (نهر الأردن) فيما لا يشكل الاستهلاك الفلسطيني أكثر من 13.5% (19). وبالإضافة إلى هيمنة إسرائيل الكاملة على المياه الفلسطينية، فإنها لم تعمل على تطوير المرافق المائية طوال سنوات احتلالها للأراضي الفلسطينية، إذ تشير نتائج إحصاءات المياه في الأراضي الفلسطينية التي قام بها الجهاز المركزي للإحصاء بأن عدد التجمعات السكانية الفلسطينية التي لا يوجد فيها شبكات مياه عامة قد بلغ 264 تجمعاً سكانياً في الضفة الغربية، أي ما يعادل 38.5% من مجموع التجمعات السكانية وفي قطاع غزة هناك 8 تجمعات لا يوجد فيها شبكات مياه عامة أي بنسبة 19.5% من جملة عدد التجمعات (21)، ولذلك يقوم المواطنون في هذه المناطق بالاعتماد على شراء صهاريج المياه بأسعار عالية، وعلى حفر آبار جمع مياه الأمطار كمصادر بديلة مما يسبب الكثير من المعاناة لهم، ليس هذا بل قامت إسرائيل ومنذ أيلول 2000 بتدمير أجزاء كبيرة من المرافق المائية مثل هدم الآبار وتدمير شبكات الري والخزانات وخطوط المياه خلال أعمال التجريف التي قامت بها إثر اندلاع انتفاضة الأقصى.
إن هذه الإجراءات الإسرائيلية من استنزاف للمياه وتدمير المرافق المائية ألقت بظلالها على الأوضاع المائية في الأراضي الفلسطينية ما أدى إلى بروز الكثير من المشاكل أهمها:-
تناقص المياه :
إن ما تستنفذه إسرائيل من مياه جوفية وسطحية من الأراضي الفلسطينية يفوق كمية المياه الواردة والمغذية للخزان الجوفي، الأمر الذي جعل الخزان الجوفي يعاني من العجز في كمية المياه التي يحتويها ما يهدد الحياة الحيوانية والنباتية، وزيادة تملح التربة بالإضافة إلى المعاناة التي سيواجهها السكان الفلسطينيون، ومن أبرز صور تناقص المياه التناقص الذي تشهده أحواض الخزان الجوفي في الضفة الغربية وقطاع غزة، ففي الضفة الغربية نجد أن هناك عجزاً مائياً يساوي 5.5 مليون م3 في حوض بردلا الواقع ضمن الأحواض الشرقية، ويوجد عجز يتراوح بين 20-30 مليون م3 في مياه الحوض الغربي، أما الأحواض الشمالية فتعاني من عجز يصل إلى حوالي 20 مليون م3 (20). وفي قطاع غزة فإن العجز المائي كبير إذ يصل إلى حوالي 50 مليون م3 سنوياً.
إن العجز المائي من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض منسوب الخزان الجوفي، ما يؤدي إلى تزايد نسبة الأملاح في المياه من جهة وزيادة عمقها من جهة أخرى، الأمر الذي سيجعل من عملية استخراجها أمراً صعباً ويتسبب في كثير من الأحيان في نضوب الآبار، ما يؤدي إلى إغلاقها وبالفعل أغلقت العديد من الآبار في الضفة وغزة.
أما مياه نهر الأردن فبالإضافة إلى ما تأخذه إسرائيل من مياه فإنها استولت على حقوق الفلسطينيين من ماء هذا النهر والبالغة 250 مليون م3، وهو ما أقرته الاتفاقيات الدولية (اتفاقية جونستون)، وتقوم بتحويلها إلى بحيرة طبريا ومن ثم تنقلها إلى داخل إسرائيل عبر الخط الإقليمي، ولقد كانت مياه نهر الأردن تصل إلى مليار م3 قبل عام 1967، وبدأت الآن في التناقص بسبب الضخ الزائد للمياه من الجانب الإسرائيلي الأمر الذي يهدد البيئة في هذه المنطقة، فمستوى البحر الميت بدأ في الانخفاض ومهدد بالنضوب والجفاف ليتحول إلى سبخة ملحية وبدأ الخزان الجوفي في منطقة أريحا والغور يتأثر بزيادة نسبة الأملاح فيه (22).
ومن جهة أخرى فإن إسرائيل أخذت تماطل في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه حول المياه إذ أعطت اتفاقية أوسلو الفلسطينيين ما بين 70- 80 مليون م3 من المياه إلا أن ما تقدمه إسرائيل الآن هو 37 مليون م3 سنوياً (23)، بل إنها أصبحت تهدد المدن الفلسطينية بعدم تزويدها بالمياه من خلال شركة ميكروت الإسرائيلية، وحسبما ورد في تقرير منسق الجيش الإسرائيلي لشؤون المياه فإن إسرائيل لا تستطيع تزويد كل من بيت لحم والخليل وجنين بالمياه بسبب النقص الحاصل في مياه الخزان الجوفي فيما تتجاهل أسباب النقص العائدة إلى استنزافها للخزان الجوفي. إن هذه المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مرشحة للزيادة مع زيادة حاجات الفلسطينيين المائية في المستقبل بسبب زيادة عدد السكان، فمن المتوقع أن ترتفع هذه الزيادة بشكل كبير في السنوات القادمة كما يوضحها الجدول التالي: (24)
السنة
|
نوع الاستخدام/ مليون متر مكعب
|
المجموع
| ||
أغراض منزلية
|
الزراعة
|
أغراض صناعية
| ||
2000
|
158.8
|
245
|
33
|
436.6
|
2010
|
231.3
|
286
|
43
|
560.3
|
2020
|
337.9
|
306
|
53
|
696.9
|
2040
|
641.1
|
361
|
63
|
1065.1
|
وما زالت إسرائيل تحاول إحكام سيطرتها الكاملة على الموارد المائية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فبالإضافة إلى الأوامر العسكرية الصادرة بهذا الشأن والتي سبق ذكرها فقد حاولت في مفاوضات الحكم الذاتي التي بدأت في أعقاب زيارة الرئيس السادات أن تبقى إدارة المياه في يدها، وقد عبر عن ذلك رئيس وزرائها مناحيم بيجن في خطابه أمام الكنيست في 26/12/1977، كما كشفت دراسة أصدرتها الأمم المتحدة عام 1980 حول مفهوم الحكم الذاتي توصيات لجنة شكلتها الحكومة الإسرائيلية لبحث الموقف من الحكم الذاتي، حيث أوصت اللجنة بضرورة سيطرة إسرائيل على الموارد المائية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك للخطر المحدق باحتياطي المياه داخل الخط الأخضر. وفي دراسة سرية مشابهة كشف عنها المعلق العسكري زئيف شيف في صحيفة هآرتس في 6 تشرين أول 1999، طالبت بضرورة سيطرة إسرائيل على مناطق محددة في الضفة الغربية للحيلولة دون إفراط الفلسطينيين في استخدام المياه الجوفية التي يمكن أن تمد القدس والسهل الساحلي، وحتى في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية ما زالت إسرائيل تصر على تأجيل موضوع المياه واعتباره من موضوعات الحل الدائم لكون مسألة المياه مسألة معقدة فهي مسألة وجود لكلا الطرفين، كما أن إسرائيل لم تنفذ ما وقعت عليه من اتفاقات حول المياه في اتفاقية أوسلو 2 الموقعة في 28 أيلول 1995 المادة 40 والتي جاء فيها: ضرورة تزويد الفلسطينيين بكميات مياه إضافية. كما أنها منعت الفلسطينيين من حفر آبار للمياه أو إقامة أي منشآت مائية بالإضافة إلى تحديدها كمية المياه المستخدمة من قبل الفلسطينيين، وعلى ذلك فإنها تقوم ببيع الفلسطينيين كمية من مياههم التي استولت عليها، حيث تقوم شركة ميكروت الإسرائيلية بضخ ما بين 4.5 – 5 مليون م3 من المياه إلى قطاع غزة.
أطماع إسرائيل المائية خارج الحدود :
لقد باتت الأهمية الكبرى للمياه واضحة في الإستراتيجية الصهيونية التي انبثقت منها سياسة تعمل ضمن مخطط الكيان الصهيوني الذي يعمل ضمن إطار عقائدي يعتقد بموجبه ضرورة العمل على تحقيق حلم إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات، ومن هنا بدأت المياه تظهر جنباً إلى جنب مع الحدود منذ بدء التفكير في إنشاء الكيان الصهيوني، ومن هنا انصبت الجهود الصهيونية في محاولة توسيع حدود فلسطين الشمالية حتى تضمن السيطرة على نهر الليطاني ومنابع نهر الأردن مثل الحاصباني والدان وبانياس، ولم تتوقف هذه الأطماع حتى بعد إقامة دولة إسرائيل، فعلى الرغم من سيطرتها على الموارد المائية الفلسطينية، إلا أنها ما زالت تتطلع إلى المياه العربية القريبة منها والبعيدة، وقد انصبت جهودها لتحقيق أطماعها في اتجاهين رئيسين تمثل الأول في محاولاتها الدائبة للسيطرة على الموارد المائية القريبة من الحدود الفلسطينية كنهر الأردن ومنابعه ونهر الليطاني في لبنان ومياه نهر النيل في مصر. أما الثاني فعبر عنه التنسيق المائي الإقليمي مع كل من تركيا ودول حوض النيل مثل أثيوبيا في أفريقيا، وذلك في محاولة لسحب كميات كبيرة من المياه إلى إسرائيل خصوصاً من تركيا، وتهديد بعض الدول العربية في المنطقة من خلال التأثير على إمكانياتها المائية المتاحة من أجل الابتزاز السياسي، وعدم تصديها للمشروع الصهيوني في المنطقة وسوف نتناول هذين الاتجاهين.
الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية :
لم يغفل الزعماء الإسرائيليون للحظة حلمهم بتوسيع حدود الدولة اليهودية، فبعد قيام دولة إسرائيل صرح ديفيد بن غوريون عام 1950: "إن هذه الخريطة ـ أي خريطة فلسطين ـ ليست خريطة دولتنا بل لنا خريطة أخرى عليكم أنتم مسؤولية تصميمها، خريطة الوطن الإسرائيلي الممتدة من النيل إلى الفرات" (25).
ويذكر مناحيم بيجين في كتابة الثورة الذي نشره عام 1950، وفي تحليله لقرار التقسيم: "بأنه منذ أيام التوراة وأرض إسرائيل تعد الأرض الأم لأبناء إسرائيل، وقد سميت هذه الأرض فيما بعد فلسطين، وكانت تشمل ضفتي نهر الأردن!!.. إن تقسيم الوطن عملية غير مشروعة، ولم يحظ هذا العمل باعتراف قانوني وإن توقيع الأفراد والمؤسسات على اتفاقية التقسيم باطلة من أساسها وسوف تعود أرض إسرائيل إلى شعب إسرائيل وإلى الأبد"، وفي عام 1966 قال ليفي اشكول مخاطباً الفيلسوف الفرنسي سارتر: أن إسرائيل قسمت ثلاث مرات وكانت المرة الأولى عندما وضع نهري الحاصباني وبانياس خارج حدودها (26).
وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي بذلتها الحركة الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل من أجل توسيع حدود الدولة لتضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وعلى الرغم من استغلالها الجيد لفترة الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث حصلت على امتياز لصالح شركة روتنبرغ من الحكومة البريطانية لاستغلال مياه نهر الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية وذلك لمدة 70 عاماً، ما أثر تأثيراً كبيراً على الأردن وحرمها من الاستفادة من مياهها، كما حاولت الحركة الصهيونية الاستعانة بالمهندس الأمريكي والتر كلاي ملك الذي وضع كتابه "أرض الميعاد" عام 1944، وجاء فيه أنه يمكن تأمين المياه لإسرائيل من مياه نهر الأردن واليرموك ونهر الليطاني، وكذلك يمكن توليد الطاقة الكهربائية بالاستفادة من الانخفاض الشديد للبحر الميت مع إمكانية إسكان أربعة ملايين يهودي. كما استطاعت إدخال مساحات هامة من الأراضي اللبنانية القريبة من بانياس واليرموك والمحيطة ببحيرة طبريا وأجزاء من الأراضي اللبنانية القريبة من الحاصباني، إلا أنه يمكن القول بأن الحركة الصهيونية لم تنجح في تحقيق مآربها في ضم جميع ما تصبوا إليه لأسباب كثيرة منها سياسية كالرفض الفرنسي في سوريا ولبنان واشتعال الثورات الفلسطينية المتوالية، والتي بدأت منذ اليوم الأول لإعلان الانتداب البريطاني على فلسطين، ولم تتمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها إلا بعد قيامها عام 1948، حيث أخذت على عاتقها تطبيق ما جاء في أفكار وأطروحات منظريها ومخططيها، وكان أول مشروع تتبناه إسرائيل هو مشروع خطة السنين السبع، الذي يهدف إلى زيادة الموارد المائية في إسرائيل من 810 مليون م3 عام 1953 إلى 1730 مليون م3 في نهاية الخطة عام 1960، بزيادة قدرها 920 مليون م3 لري ما بين 600-1800 ألف فدان، على أن يتم تدبير كمية الزيادة من المصادر التالية: (27)
380 مليون م3 من مشاريع استثمار مياه الينابيع والمياه الجوفية والسطحية المختلفة داخل فلسطين المحتلة.
540 مليون م3 من مياه نهر الأردن وروافده وتتضمن الخطط إنشاء ستة مشاريع تشمل المناطق الرئيسة في إسرائيل:
1- تجفيف بحيرة الحولة.
2- مشروع الجليل الأعلى.
3- مشروع غور الأردن.
4- مشروع الجليل الغربي.
5- مشروع العوجا ـ اليركون لخدمة القسم الغربي من النقب.
6- مشروع العوجا – اليركون لخدمة القسم الشرقي من النقب.
إلا أن أهم مشاريع الخطة على الإطلاق هو مشروع تحويل مجرى نهر الأردن التي حاولت إسرائيل تنفيذه عام 1953، وقد اعتبر هذا المشروع هو المشروع المركزي الذي تستند إليه جميع المشاريع المائية الأخرى.
ويهدف المشروع إلى تحويل مياه نهر الأردن إلى النقب، وقد أوكلت إسرائيل شركة ميكروت اليهودية بتنفيذه، ويتضمن المشروع العمليات التالية: (28)
1- تحويل مياه نهر الشريعة من موقع جسر بنات يعقوب جنوب بحيرة الحولة وإنشاء سد تحويلي لهذه الغاية وشق قناة مكشوفة بطاقة 435 مليون م3 سنوياً تمتد جنوبي الأرض المجردة من السلاح ثم إلى قرية الطابعة شمال غرب بحيرة طبريا.
2- إسقاط 236 مليون م3 من منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر من نهاية القناة إلى منسوب 210م تحت مستوى سطح البحر في بحيرة طبريا لتوليد الكهرباء.
3- رفع 173 مليون م3 بالاستفادة من جزء من الطاقة المولدة إلى منسوب 42م فوق مستوى سطح البحر لمتابعة نقلها مع القسم المتبقي من تصريف القناة الأصلي إلى خزان صغير ينشأ في موقع سلمة "تسالمون".
4- رفع كميات المياه المراد تحويلها إلى الجنوب من محطة ضخ تنشأ في سلمة إلى 110م لتصل إلى منسوب 150م فوق سطح البحر، ثم نقلها عبر نفق عيلبون إلى خزان البطوف الكبير، وهو مصمم لاستيعاب مليار م3 من المياه.
5- نقل المياه من خزان البطوف عبر قناة من الإسمنت قطرها 2.75م لتصل إلى ضواحي تل أبيب للالتقاء بمشروعي العوجا ـ اليركون للنقب الشرقي والغربي لري مختلف الأراضي المعدة للاستثمار من منطقة النقب، ويهدف المشروع إجمالاً إلى الاستفادة من 602 مليون م3 تتجمع في نهر الأردن من المصادر التالية: 157 مليون م3 من نهر الحاصباني، 157 مليون م3 من نهر بانياس، 158 مليون م3 من نبع الأردن، 130 مليون م3 من ينابيع الحولة.
إلا أن هذا المشروع فشل بسبب الشكوى السورية للأمم المتحدة، وصدور قرار مجلس الأمن الدولي لوقف المشروع في 24 سبتمبر 1953 (29)، وضغوط الولايات المتحدة على إسرائيل لوقف المشروع وإلا أوقفت المساعدات عنها، وهناك أسباب فنية تمثلت في عدم صلاحية مواقع التخزين بسبب نفاذية الطبقات الجيولوجية، ما يعمل على زيادة التسرب في المياه وعلى هذه الخلفية أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية إريك جونستون لبحث ترتيب الأوضاع المائية في المنطقة، فوضع مشروعاً عرف بخطة جونستون عام 1953، وتقضي الخطة بتوزيع مياه نهر الأردن المقدرة بـ 1213 مليون م3 على النحو التالي: (30) 774 مليون م3 للأردن، 45 مليون م3لسوريا، 394 مليون م3 لإسرائيل.
وتضمنت هذه الخطة العديد من المشاريع لاستغلال مياه نهر الأردن وهي كالآتي: (31)
1- إنشاء سد على نهر الحاصباني لتخزين فائض الوارد الشتوي لنهر الأردن.
2- إنشاء قناة لحمل مياه أنهار بانياس والدان لري أراضي حوض الحولة.
3- تحويل مياه نهر اليرموك إلى قناة الغور الشرقية إلى بحيرة طبرية.
4- إنشاء قناة رئيسة شرق الأردن وقناة أخرى غربه.
5- تجفيف مستنقعات الحولة لزراعتها.
6- إنشاء الخزانات لحفظ مياه فيضانات الأودية على حسب ما تظهره الأبحاث التفصيلية.
7- استثمار مياه الآبار لأغراض الري في المناطق التي تتضح فيها صلاحية ذلك كما في أودية الغور.
8- إنشاء قناة تأخذ مياهها من أمام سد الحاصباني ويقام عليها محطة لتوليد القوة الكهربائية بالقرب من تل حي.
9- توليد الطاقة الكهربائية من نهر اليرموك وذلك بإنشاء سد المقارنة على النهر المذكور.
10- إنشاء ما يلزم من قنوات للتحكم في المياه الدائمة بالوديان جنوب بحيرة طبرية.
وقد رفض هذا المشروع من قبل الدول العربية للأسباب التالية:-
1- اعتبار الخطة لحوض نهر الأردن وحدة جغرافية واحدة دون مراعاة الحدود السياسية.
2- اعطاء إسرائيل نسبة كبيرة من كمية مياه النهر ـ 32.4% ـ من مياه النهر في حين أن كمية المياه التي تساهم في تزويد النهر الواردة من داخل الأراضي الفلسطينية لا تتجاوز 23.1%.
3- حرمان الأراضي العربية من مياه نهر اليرموك القريبة.
4- الاختلاف في تقدير كمية مياه نهر الأردن، حيث قدرتها الدول العربية بـ 1429 مليون م3 توزع على النحو التالي: 977 مليون م3 للأردن، 232 مليون م3لسوريا، 35 مليون م3 للبنان، 285 مليون م3 لإسرائيل.
وفي ضوء فشل مشروع تحويل مجرى نهر الأردن ومشروع جونستون اضطرت إسرائيل للبحث عن بدائل لهذه الخطة، فاستعاضت عنها بخطة السنين العشر التي تنتهي عام 1963، وهي خطة معدلة عن خطة السنين السبع.
وجاء التعديل في إعادة تصنيف المشاريع المتضمنة للخطة، وإدخال مشروع تحويل نهر الأردن من الشمال إلى النقب ومشروع تحويل مياه البحر المتوسط إلى وادي الأردن لتوليد الطاقة الكهربائية. ثم رفع كمية المياه المراد استخراجها من حوض الأردن من 540 مليون م3 إلى 700 مليون م،3 على أن تسحب 500 مليون م3 من مياه بحيرة طبريا إلى النقب بدلاً من الـ 340 مليون م3 المعتمدة سابقاً.
والخطة في مرحلتين:-
الأولى: نقل 180 مليون م3 من بحيرة طبريا إلى النقب وتنتهي عام 1964.
والثانية: نقل 320 مليون م3 إلى النقب وتنتهي عام 1966.
وقد هدفت إسرائيل من وراء هذه الخطة إلى زيادة طاقتها المائية من 1250 مليون م3 إلى 1850 مليون م3 عام 1970. وتنطوي الخطة على أضرار كبيرة تلحق بالدول العربية إذ ستعمل الخطة على ري مساحات واسعة من أراضي النقب البعيدة عن حوض نهر الأردن ما يسمح باستيعاب أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود، كما ستحرم ضفتي نهر الأردن من مياه النهر بسبب انقطاع انسياب المياه من بحيرة طبريا، وحرمان مساحات كبيرة من الأراضي السورية شرق بحيرة طبريا.
وقد حاولت الدول العربية مواجهة هذه الخطة بمشاريع مضادة منها إمكانية تحويل مياه نهر الأردن لاستثماره في كل من لبنان وسوريا والأردن، وحرمان إسرائيل من الاستفادة منه، وقد قررت الجامعة العربية تنفيذ هذا المشروع القاضي بتحويل روافد نهر الأردن إذا ما قامت إسرائيل بتحويل مجرى النهر، إلا أن الدول العربية أهملت المشروع، في حين واصلت إسرائيل إصرارها على تحويل مجرى النهر، وأعلنت أنها على وشك استكمال المرحلة الأولى من المشروع الأمر الذي دفع بالرئيس جمال عبد الناصر للدعوة إلى مؤتمر قمة عربي انتهى بعدة قرارات أهمها:-
* تنفيذ المشروعات العربية بشأن استغلال مياه نهر الأردن وروافده لصالح الأقطار العربية تحت إشراف هيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية لاعتماد الأموال اللازمة لهذا الغرض، وتهدف هذه المشروعات إلى تحويل روافد نهر الأردن الأساسية بانياس والحاصباني والحد من صبهما في بحيرة طبريا ولقد كانت المشاريع الإسرائيلية لتحويل مياه نهر الأردن والمشاريع العربية المضادة أحد الأسباب الرئيسة لقيام حرب الخامس من حزيران 1967، والتي أكملت إسرائيل بموجبها احتلالها للأراضي الفلسطينية وأجزاء من الدول العربية الأمر الذي أتاح لإسرائيل الفرصة لتنفيذ مشاريعها ومخططاتها للاستيلاء على مياه نهر الأردن وروافده واستمرارها حتى عام 1994، عندما وقعت اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية في 26/10/1994، والتي تناولت قضية المياه في مادتها السادسة وجاء فيها: (32)
أ) يتفق الطرفان بالتبادل على الاعتراف بتخصيصات عادلة لكل منهما من مياه نهر الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة.
ب) التعاون بالعمل على ضمان عدم تسبب إدارة تنمية الموارد المائية لأحدهما بأي شكل من الأشكال بالإضرار بالموارد المائية للطرف الآخر.
ج) يعترف الطرفان بأن مواردهما المائية غير كافية للإيفاء باحتياجاتهما الأمر الذي يستوجب من خلاله تجهيز كميات إضافية بغية استخدامها، عبر وسائل وطرق مختلفة بما فيها مشاريع التعاون على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي ضوء الفقرة الثالثة من المادة السادسة تم الاتفاق على:-
أ) تنمية الموارد المائية الموجودة فيهما والجديدة، والعمل على زيادة وفرة كميات المياه بما في ذلك تحقيق التعاون على المستوى الإقليمي كما هو ملائم.
ب) منع تلوث الموارد المائية.
ج) التعاون المتبادل في مجال التخفيف من حدة النقص في كميات المياه.
د) نقل المعلومات والقيام بنشاطات البحوث والتطوير المشتركة في الموضوعات المتعلقة بالمياه.
وعلى الرغم من قبول الأردن لهذه الاتفاقية، إلا أنها تعتبر تنازلاً ورضوخاً من الأردن للطروحات الإسرائيلية القديمة وأطماعها في استغلال نهر الأردن، حيث سيضطر الأردن إلى وقف مشروعاته القديمة التي من شأنها تحقيق مصالحه ويضع نفسه في مواجهة عدائية مع سوريا ولبنان، وتأتي الفقرة (ج) لتوضح هذا المعنى. وقد عملت إسرائيل على تلويث مياه نهر الأردن وزيادة نسبة الملوحة فيه وهو مخالف للبند رقم "2" من الفقرة "3" من المادة السادسة للاتفاقية.
الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية:
يتميز لبنان بطبيعة جغرافية متميزة أهلته لأن يتمتع بثروة مائية لا بأس بها، ففيه عدد كبير من الأنهار والينابيع، بالإضافة إلى الثلوج التي تتراكم فوق الجبال، كما أن جباله الشاهقة تساعد على تكاثف الغيوم، وبالتالي سقوط كمية جيدة من المطر، لهذا دخلت لبنان ضمن دائرة الأطماع اليهودية، منذ بدء التفكير في إنشاء الوطن القومي اليهودي، وبذلت الحركة الصهيونية في ضوئها مساعٍ حثيثة للاستحواذ على المياه اللبنانية، خصوصاً من الأنهار القريبة مثل أنهار الليطاني والحاصباني والوزاني، وذلك عن طريق محاولاتها توسيع الحدود الشمالية لفلسطين، وبدأت هذه المحاولات منذ العام 1896، عندما قام ثيودور هرتزل بعرض مبلغ 2 مليون ليرة تركية على السلطان عبد الحميد الثاني لمساعدة الدولة العثمانية في تجاوز أزمتها المالية مقابل منح اليهود حق العيش في منطقة الجليل امتداد لبنان الجنوبي، وإقامة المستعمرات اليهودية، إلا أن هذا الطلب قوبل بالرفض الحازم والقاطع من السلطان عبد الحميد في رده على هرتزل إذ قال: "ليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل، وإننا لن نقسم إلا على جثثنا ولن أقبل بتشريحنا لأي غرض كان"، وعلى الرغم من فشل الحركة الصهيونية في توسيع الحدود الشمالية في مؤتمر السلام بباريس عام 1919، إلا أن الحركة الصهيونية استغلت اتفاقية الحدود الفرنسية البريطانية في 23/12/1920، واتفاقية بوليه نيوكمب، ومعاهدة حسن الجوار 20/2/1926، في إحداث تغيير في الحدود بين لبنان وفلسطين وتوسيع الأراضي الفلسطينية للسيطرة على مصادر المياه. (33)
وفي 23/3/1949 قامت إسرائيل بضم مساحة من الأراضي بلغت 2000دونم بعد أن طردت سكانها منها ودمرت منازلهم، وفي عام 1953 رفضت إسرائيل مشروع "ماين" لتقسيم مياه نهر الأردن بين إسرائيل والدول العربية "الأردن وسوريا"، وطرحت بدلاً منه مشروع كوتون الذي يقضي بتحويل جزء من مياه نهر الليطاني عبر نفق إلى نهر الحاصباني، ومن ثم إلى بحيرة طبريا تحت زعم أن لبنان لا يستفيد من مياه نهر الليطاني التي تذهب هدراً إلى البحر.
وهكذا استمرت إسرائيل في محاولاتها للسيطرة على مياه نهر الليطاني لاستخدامها في ري مساحات واسعة من الأراضي وجلب أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود، ولم تكتف إسرائيل بهذه المحاولات بل أخذت ترصد حتى المشاريع المائية اللبنانية لمنع لبنان من الاستفادة من مياهه، ففي أيلول 1965 قامت الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على خزانات المياه وبعض المنشآت المائية في الجنوب اللبناني، وعندما شنت هجومها على لبنان عام 1978، أسمت هذا الهجوم بعملية الليطاني طمعاً في تأمين 800 مليون م3 من المياه يمكن جرها إلى داخل إسرائيل، ولتحقيق هذه المطامع قامت بعدة إجراءات منها السيطرة على خمسة آلاف دونم حول نبع الوزاني، وجعلت منه منطقة عسكرية وأحاطتها بالأسلاك الشائكة، كما وضعت مضخات قوية للمياه بقوة 150 مليون م3 سنوياً على نهر الليطاني لضخ المياه عبر نفق طوله 18 كلم قرب جسر الخردلي لتصب في بحيرة طبريا.
في عام 1982 صرح أريئيل شارون بأن الظروف أصبحت مواتية للقيام بعمل عسكري واسع على الأراضي اللبنانية بغية إحداث تغييرات جغرافية وديموغرافية هامة تتجاوز أمن سلامة الجليل الحالية.
إذن فالاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي اللبنانية واحتلالها لجنوب لبنان مدة عشرين عاماً لم تكن لأسباب أمنية بقدر ما كانت رغبة في التوسع والسيطرة على جزء من الأراضي والمياه، وبالفعل تمكنت إسرائيل من ري 25 ألف هكتار من الأراضي بعد احتلالها للجنوب.
وفي ضوء تمسكها بالجنوب اللبناني فقد اشترطت إسرائيل ضمان الحصول على حقها في مياه الليطاني علماً بأن نهر الليطاني من منبعه إلى مصبه يجري في الأراضي اللبنانية.
الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل:
رغم أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لم تتطرق إلى مسألة المياه، إلا أن إسرائيل تتطلع إلى جر كميات من مياه نهر النيل لتصل إلى حوالي 800 مليون م3 وهذه الكمية تعادل 1% من تصريف مياه النيل، وفي نظر إسرائيل فإن هذه الكمية لا تعني الشيء الكثير لمصر في حين تعني الكثير لإسرائيل علماً بأن الكمية التي تسمح بها مصر للذهاب هدراً إلى البحر أكبر بكثير. إلا أن إسرائيل في وجهة نظرها هذه، نسيت أن هذه الكمية تذهب لأسباب فنية منها لمعادلة ملوحة المياه، ومنع مياه البحر من التقدم على حساب الشواطئ المصرية، وتطمع إسرائيل في جر المياه عبر قناة تمر أسفل قناة السويس وهذه الكمية يمكنها ري 2.16 مليون دونم في النقب ما يمكنها من استيعاب ملايين المهاجرين اليهود. (34)
إن الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل ليست وليدة الظروف الحالية وإنما تعود إلى عام 1903، عندما مارست الحركة الصهيونية ضغوطها على الحكومة البريطانية صاحبة السيادة على مصر في ذلك الوقت، لإرسال بعثة فنية لإجراء دراسات حول إمكانية تحويل مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء لتطويرها وبناء المستعمرات ثم جر هذه المياه إلى منطقة صحراء النقب لتوطين اليهود، وفي عرض آخر على السلطات البريطانية تأجير شبه جزيرة سيناء لمدة 99 عاماً إلا أن الحكومة المصرية رفضت بشدة هذه الضغوط.
التنسيق المائي الإسرائيلي ـ الإقليمي:
يستهلك الإسرائيليون جميع مياه الأنظمة المائية في الأراضي الفلسطينية، وقدرت بعض الدراسات أن ما يستهلكه الإسرائيليون قد بلغ 2460 مليون م3 (35)، وما زالت إسرائيل ترى أنها في حاجة إلى المزيد من المياه لري المزيد من الأراضي وإسكان المزيد من المهاجرين وتحقيق الرفاهية لهم، لذلك أخذت تتطلع إلى الحصول على المياه من أماكن بعيدة خارج الحدود خصوصاً وأن الظروف والمعطيات الحالية لا تشير إلى إمكانية حصول إسرائيل على المياه من نهر النيل أو الفرات حسب مخططاتها القديمة، ولذلك اتجهت لتأمين حاجاتها المائية من خلال التنسيق مع دول تتمتع بموارد مائية كبيرة، ووجدت ضالتها في تركيا. فتركيا كانت محط أنظار الحركة الصهيونية منذ بدء التفكير في إنشاء وطن قوي لليهود، حيث جرت العديد من المراسلات بين هرتزل والسلطان عبد الحميد تم خلالها عرض المساعدة المالية للدولة العثمانية مقابل منحها فلسطين، ورفضت هذه المطالب في حينها، كما لعبت الحركة الصهيونية دوراً كبيراً في الأحداث التي جرت في تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، ودعمها لجماعة الاتحاد والترقي وغيرها ما أدى في النهاية إلى صعود نجم كمال أتاتورك الذي قام بإلغاء الخلافة الإسلامية وتحويل تركيا إلى دولة علمانية عام 1924، وبدأت تركيا بعدها في الابتعاد عن العالم الإسلامي والتقرب إلى الغرب طمعاً في مساعداتهم لدرجة أنها كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل عام 1949، وربطتها بإسرائيل علاقات قوية، وقد زادت أهمية تركيا في نظر الغرب خصوصاً الولايات المتحدة منذ عام 1979 بعد قيام الثورة الإيرانية، حيث حاولت الولايات المتحدة تشكيل حلف إقليمي تركي ـ إسرائيلي لمواجهة حركة التحرر الوطني في المنطقة العربية، وفي ضوء هذه العلاقة جاء التعاون التركي ـ الإسرائيلي الحالي ليدخل مرحلة جديدة من مراحل العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، ومع هذه العلاقة بدأت إسرائيل تسعى لإيجاد الحلول لأزماتها المائية المتوقعة بإقامة مشاريع بديلة عن الاتفاقات مع سوريا أو العراق، وفي خضم هذه العلاقة قام الرئيس التركي تورجوت أوزال عام 1987 بزيارة إلى الولايات المتحدة عرض خلالها استغلال المياه التركية عبر مشروع سمي في حينه مشروع أنابيب السلام تنقل بموجبه المياه من تركيا عبر أنبوبين، أنبوب غربي يمتد من تركيا إلى سوريا ولبنان وإسرائيل بطول 2700 كلم وبقطر 4.3 متر، وأنبوب شرقي يمتد إلى دول الخليج العربي بطول 3900 كلم، وينقل الأنبوبان مياه نهري سيحون وجيحون الذي يصل تصريفهما إلى 29.77 مليون م3 يومياً (37)، وقد لاقى هذا المشروع ترحيباً أمريكياً للأسباب التالية:-
1- المساهمة في إمداد إسرائيل بالمياه.
2- تقوية الموقف التركي في ترتيبات الشرق الأوسط.
3- إتاحة الفرصة للشركات الأمريكية للاطلاع بدور رئيس في مثل هذه المشاريع التي يتوقع أن تكلف 20 مليار دولار.
إلا أن هذه المشاريع لم يتم تنفيذها لارتفاع تكاليف الإنشاء أولاً، ثم المشكلات الفنية أو الطبوغرافية، واعتراض كل من العراق وسوريا على هذه المشاريع ثانياً، وما زالت إسرائيل ترى إمكانية استيراد المياه من تركيا، حيث تواصل وزارة الخارجية الإسرائيلية إجراء دراسات الجدوى الاقتصادية من وراء هذه المشاريع. (38)
التنسيق الإسرائيلي الأثيوبي حول مياه نهر النيل:
استغلت إسرائيل تقاربها مع أثيوبيا في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي وقامت بتوظيف هذه العلاقة من أجل تهديد مصر من زاوية المياه، لأن 85% من احتياجات مصر المائية تنبع من أثيوبيا، حيث بلغت حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار م3 ارتفعت إلى 70 مليار م3 عام 2000، ما شكل عجزاً مائياً بمقدار 14.5 مليار م3، أما السودان فحصتها 18.5 مليار م3، وتهدف السودان إلى زيادة مساحة الرقعة الزراعية من 4.5 مليون فدان إلى 9 مليون فدان، وهذا يحتاج إلى 14.8 مليار م3، وبذلك يكون العجز المائي عند مصر والسودان 38 مليار م3 من المياه، وهذه الكمية لا يمكن تدبيرها إلا بعد الانتهاء من مشروعات أعالي النيل التي تتولاها مصر والسودان معاً. وتلعب إسرائيل من خلال علاقتها مع أثيوبيا والدول الأفريقية في حوض النيل دوراً تحريضياً ضد مصر والسودان، بحجة أنهما تستهلكان كميات كبيرة من المياه دون الحاجة إليها على حساب الدول الأخرى وفي ضوء هذا التحريض سيطرت الشركات الأمريكية والإسرائيلية على معظم المشاريع المائية في المنطقة، وتولت الأبحاث العلمية الخاصة بموارد المياه، وأسفرت العلاقات الأثيوبية الإسرائيلية عن تهجير أعداد كبيرة من يهود الفلاشا، كما قامت إسرائيل بإنشاء ثلاثة سدود مائية كجزء من برنامج أمثل يستهدف بناء 26 سداً على النيل الأزرق لري 400 ألف هكتار، وإنتاج 38 مليار كيلو واط ساعة من الكهرباء، وهذه المشاريع ستحرم مصر من 5 مليار م3 من المياه، كما قامت إسرائيل ببناء سد على منشأ أحد فروع النيل الأزرق الذي يمد النيل بحوالي 75% من المياه لحجز نصف مليار م3 من المياه مقابل قيام أثيوبيا بتسهيلات لإسرائيل في جزيرة دهلك وفاتيما لإقامة قواعد عسكرية فيها، تحولت إسرائيل بعدها إلى أرتيريا لقربها من باب المندب، كما بدأت أثيوبيا ترفع دعاوى إعادة توزيع مياه نهر النيل وفق مبدأ عدالة التوزيع، كما أنها لم تشترك حتى الآن في مجموعة الأندوجو الخاصة بالاستفادة من مياه نهر النيل. (39)
مستقبل المياه في المنطقة العربية:
يرى الكثير من الدارسين والسياسيين، أن المياه سوف تكون محور الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين الجهات التي تعنى بهذا الأمر الاستخبارات الأمريكية التي لمست الخطر المائي منذ زمن عندما حددت عشر مناطق مرشحة لأن تكون مناطق صراع حول المياه، ويقف الشرق الأوسط في مقدمة هذه المناطق إذ قد تشتعل فيه حروب المياه في المستقبل القريب (40)، ويرجع ذلك إلى مظاهر الجفاف التي حلت بالمنطقة وتدني كمية الأمطار وتزايد أعداد السكان وبالتالي زيادة متطلباتهم المائية بالإضافة إلى اعتماد منطقة الشرق الأوسط في تلبية متطلباتها المائية على ثلاثة أنظمة مائية هي: نهر دجلة والفرات، ونهر النيل، وأنظمة نهر الأردن وروافده، بالإضافة إلى أنهار كالعاصي والليطاني، ولما كانت هذه الأنهار جميعاً أنهاراً دولية ما عدا نهر الليطاني، تستفيد منها أكثر من دولة عربية وغير عربية، فسوف يحتدم الصراع وخصوصاً وأن إسرائيل العدو الأول للعرب بدأت تلعب دوراً في هذا الصراع طمعاً في الحصول على نصيب من هذه الأنهار بالتحريض ضد الدول العربية المستفيدة من هذه الأنهار وخلق المشاكل المائية لها، ما يهدد استقرارها وأمنها كما هو الحال في سوريا والعراق ومصر والسودان، وذلك من أجل رضوخ هذه الدول لأطماعها والتغلغل في المنطقة العربية لتحقيق أطماعها التوسعية وقد رأينا في معرض تناولنا للأطماع الإسرائيلية في المياه العربية كيف استطاعت إسرائيل أن تستغل كل النظام المائي في فلسطين، وكيف أنها مدت أطماعها إلى كل من حقوق سوريا والأردن في مياه نهر الأردن وروافده، بالإضافة إلى توجهاتها وأطماعها تجاه المياه اللبنانية.
أما مياه نهر النيل فإن إسرائيل وجدت نفسها غير قادرة من الناحية اللوجستية والطبوغرافية على جر مياه النهر إليها، إلا من خلال تنسيق إقليمي واتفاقات مع مصر لهذا الغرض وخاصة أن جهودها في التأثير على مصر عبر تنسيقها مع أثيوبيا والتي دفعتها لإقامة بعض المشاريع المائية بهدف تهديد الأمن القومي المصري والسوداني، بالإضافة إلى بروز الدعوات الأثيوبية في المؤتمرات واللقاءات الأفريقية بضرورة إعادة توزيع مياه نهر النيل على أساس من العدل ورفضها الانضمام إلى جماعة الأندوجو للاستفادة من مياه نهر النيل، وبالطبع جميع إجراءات التحريض التي تدخل في سياق الحرب الباردة التي تخوضها إسرائيل مع مصر نقول: إن هذه المحاولات الإسرائيلية قد باءت بالفشل حتى الآن للأسباب التالية:-
1- عدم تأثير المشاريع الأثيوبية للاستفادة من مياه نهر النيل على المياه الذاهبة إلى مصر، فعلى سبيل المثال إن كمية المياه المختزنة في سدين على النيل الأزرق أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل يبلغ 92 مليون م3 سنوياً وهذا يعادل تصريف مدينة القاهرة في يوم واحد.
2- التكلفة الباهظة التي ستتكلفها أثيوبيا لإقامة السدود بسبب العوامل الفنية الناجمة عن الانحدار الشديد لهضبة الحبشة تجاه الغرب.
لهذا فإن إسرائيل تتجه إلى محاولة جر مياه النهر إلى سيناء ومن ثم إلى النقب عبر قناة مائية تمر أسفل قناة السويس ومنطق إسرائيل يوضحه خبير المياه الإسرائيلي أليشع كالي في كتابه "المياه والسلام"، حيث يقول: (41)
"إن المنطق الأساسي في فكرة هذا المشروع هو أن كميات ضئيلة بالمقياس المصري ـ نحو نصف في المائة من الاستهلاك ـ لا تشكل عنصراً مهماً في الميزان المائي المصري وغير مستهلكة اليوم ويمكن نقلها بصورة مجدية اقتصادياً في اتجاه الشمال أي إلى إسرائيل"، ويعتقد كالي أن تكاليف نقل المياه من النيل إلى النقب أرخص بكثير من نقلها من طبريا إلى النقب، ما يوفر على إسرائيل ملايين الدولارات ويمكنها من ري 2.16 مليون دونم واستيعاب المزيد من المهاجرين اليهود إلا أن تنفيذ مثل هذه الاقتراحات مرهون بالأوضاع السياسية في المنطقة وتطوراتها.
وتبقى المشكلة الكبرى هي المشكلة القائمة بين كل من تركيا من جهة والعراق وسوريا من جهة أخرى حول مياه دجلة والفرات، حيث بدأت تركيا تدرك أهمية المياه كسلاح للضغط السياسي كما بدأت تدرك أن المياه مورد اقتصادي لا يقل أهمية عن النفط العربي، ولهذا بدأت تبحث عن مسوغات قانونية لاستغلال مياه دجلة والفرات فخرجت بقوانين غريبة اعتبرت فيها أن أنهار دجلة والفرات أنهاراً عابرة للحدود، وذلك في مخالفة للقانون الدولي للأنهار الذي يعتبرها أنهاراً دولية إذ لا يوجد شيء في القانون الدولي اسمه أنهار عابرة للحدود، وبموجب القانون التركي هذا اعتبرت تركيا أن مياه نهر الفرات هي مياه مملوكة للدولة لها كل الحق في التصرف فيها منكرة بذلك الحق التاريخي المكتسب منذ آلاف السنين لكل من العراق وسوريا، وبدأت تركيا بتخطيط وتنفيذ عدد من المشاريع المائية على نهر دجلة والفرات ومن شأن هذه المشاريع تخزين كميات كبيرة من المياه تصل إلى 90 مليار م3، في حين أن الكمية التي يمكن تخزينها في السدود السورية تصل إلى 16 مليار م3، والسدود العراقية 12 مليار م3، أي أن كمية التخزين التركية تصل إلى ثلاثة أضعاف كمية التخزين السورية والعراقية.
ومن أكبر المشاريع التركية مشروع جنوب شرق الأناضول "غاب" الذي سيرفع كمية المياه التي تحصل عليها تركيا من نهر الفرات من 10% إلى 53% من أصل تصريف النهر البالغة 31.4 مليار م3، هذا يعني فقدان سوريا لـ 40% من كمية المياه الواردة إليها وفقدان العراق 80% من كمية المياه التي يتلقاها. ما يلحق أضراراً كبيرة بالبلدان العربية في الوقت الذي تعاني فيه من الجفاف وقلة الأمطار وزيادة السكان، وبالتالي زيادة متطلباتها المائية. وفي الوقت الذي تقوم فيه تركيا بحرمان البلاد العربية من حقها التاريخي في المياه، تقوم بمحاولة تسويق هذه المياه تحت اسم مشروع أنابيب السلام لصالح إسرائيل وبتشجيع أمريكي.
الخاتمة :
إن مستقبل المياه العربية ينذر بالخطر، ففي دراسة للبنك الدولي يتوقع أن يرتفع الطلب على المياه في الوطن العربي من 212.277 مليار م3 من المياه عام 1985 إلى 301.501 مليار م3 عام 2030، لزيادة عدد السكان وزيادة المتطلبات المائية للغذاء والصناعة، وأياً كانت التوقعات فإنه من الضروري للدول العربية أن تأخذ مسألة المياه مأخذ الجد من الآن فصاعداً، لأنها تمس حياة الإنسان العربي وتجعله عرضة لأطماع الدول الأجنبية التي لم تنته منذ عهود الاستعمار وفي ضوء ذلك فإننا نرى:-
1- لابد من تبني إستراتيجية مائية عربية تأخذ في اعتبارها البعد القومي لهذه القضية وذلك من خلال تجاوز الخلافات العربية العربية على الأصعدة السياسية، والتوجه للعمل العربي المشترك بما يخدم المواطن العربي ويؤمن مستقبله. وكذلك من خلال التركيز على مسألة المياه عند إعادة هيكله الجامعة العربية وذلك بإنشاء هيئة عربية للمياه تطلع بمسائل المياه، من حيث الدراسات والأبحاث واقتراح المشاريع المختلفة التي تخدم الشعوب العربية واستغلال مواردهم المائية استغلالاً أمثل.
2- محاولة احتواء المشكلات التركية العراقية السورية من خلال عمل جماعي عربي وبنظرة جيدة إلى المصالح المشتركة العربية التركية والعلاقات التاريخية بين الشعب التركي والشعوب العربية.
3- لابد عند تناول ملف المياه في المفاوضات مع إسرائيل الاستناد إلى أحكام القانون الدولي في هذا المجال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1- محمد نبيل محمود فؤاد: "المياه ومفاوضات السلام في الشرق الأوسط" (المؤتمر السنوي الثالث، "المياه العربية وتحديات القرن الحادي والعشرين")، 24-26 نوفمبر 1998 أسيوط، ص 287.
2- جورج المصري: "الأطماع الإسرائيلية في المياه العربية"، مركز الدراسات العربي- الأوروبي، 1996، ص 34.
3- محمود زنبوعة: "الأمن المائي في الوطن العربي" (المؤتمر السنوي الثالث)، مصدر سابق، ص 615.
4- فيصل الرفوع السعودي: "الإستراتيجية المائية والصراع العربي- الإسرائيلي" (المؤتمر السنوي الثالث)، مصدر سابق، ص 333.
5- وليد سرحان- بسام عويضة: "ملف المياه، اللغم الرابع" صحيفة القدس، 24/6/2000، ص 10.
6- مصدر سابق.
7- مصدر سابق.
8- عادل عبد السلام: "المياه في فلسطين" الموسوعة الفلسطينية، المجلد الأول، بيروت، 1990.
9- محمد نبيل محمود فؤاد، مصدر سابق، ص 297.
10- مصدر سابق، ص 295.
11- مركز غزة للحقوق والقانون: "المياه في الأراضي الفلسطينية"، 24/8/1999، ص 2.
12- Applied research Institute. Water Resources and Agriculture Irrigation the west Bank March- 1998 , page 4
13-Water Conservation in Palestine, Ramallah, 1994,
14- Palestinian Water Authority, Back ground Information, 1997, page 11.
15- Ibid.
16- دائرة شؤون المفاوضات: "الاستهلاك المائي بين الإحصاءات الإسرائيلية وإحصاءات فلسطين 1996".
17- Applied Research Institute, Ibid, page 4.
18- وزارة شؤون البيئة: "الانتهاكات الإسرائيلية للبيئة الفلسطينية"، أيلول 2000، ص 20.
19- سلطة المياه الفلسطينية: "التقرير السنوي الثالث لعام 1999"، ص 56.
20- الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: "إحصاءات المياه في الأراضي الفلسطينية"، أبريل 2000، ص 22-23.
21- مركز التخطيط الفلسطيني: "المياه في الضفة الغربية"، سلسلة دراسات وتقارير، العدد 53، إعداد سوزان عقل، 1998، ص 9-10.
22- حسن شعبان: "تحويل إسرائيل مياه نهر الأردن"، صحيفة الحياة الجديدة، كانون أول 2000، ص 7.
23- سلطة المياه الفلسطينية: "التقرير السنوي الثالث لعام 1999"، ص 7.
24-Palestinian Water Authority. Ibid, Page 12.
25- فيصل الرفوع السعودي، مصدر سابق، ص 340.
26- مصدر سابق.
27- مركز التخطيط الفلسطيني: "مشكلة المياه في فلسطين"، سلسلة دراسات وتقارير، العدد 1، فبراير 1995، ص 47-48.
28- منظمة التحرير الفلسطينية- دائرة الثقافة: "وثائق فلسطين"، 1987، ص 473.
29- محمد نبيل محمود فؤاد: مصدر سابق، ص 302.
30- منظمة التحرير الفلسطينية: مصدر سابق، ص 463.
31- مصدر سابق، ص 479.
32- عبد العاطي حامد: "التقرير السنوي الثالث"، مصدر سابق، ص 279.
33- د. غادة عطفت ناجي: "الأطماع الإسرائيلية في المياه اللبنانية" (التقرير السنوي الثالث)، مصدر سابق، ص 420.
34- محمد زنبوعة: مصدر سابق، ص 616-614.
35- صحيفة القدس: في دراسة صدرت بالأردن، 28/8/1998.
36- محمد زنبوعة، مصدر سابق.
37- صحيفة الحياة الجديدة: "إسرائيل تعتبر استيراد المياه من تركيا ممكناً"، 25/11/1999.
38- مصدر سابق.
39- السيد عليوة: "البعد المائي في التهديد الإسرائيلي للأمن القومي المصري والسوداني" (التقرير السنوي الثالث)، مصدر سابق، ص 624
40- أليشع كالي: "المياه والسلام"، وجهة نظر إسرائيلية، ترجمة رندة حيدر، بيروت 1999، ص 86.
41- هيثم الكيلاني: "قضية نهري دجلة والفرات بين تركيا وبين سوريا والعراق" (التقرير السنوي الثالث)، مصدر سابق، ص 51.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق