التسميات

الثلاثاء، 3 ديسمبر 2013

مفهوم الإدارة الحضرية في فلسفة الحضارات القديمة والفكر المعاصر ...

 مفهوم الإدارة الحضرية في فلسفة الحضارات القديمة والفكر المعاصر  

بحث مقدم من قبل  د.علي كريم العمار - جامعة بغداد - المعهد العالي للتخطيط الحضري والإقليمي .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
) فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ  وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) صدق الله العظيم طه: 114.

إلى خاتم النبيين وسيد المرسلين) محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم (.
   
مشكلة البحث

     يعد تراكم المشاكل المعاصـــرة والتي تعاني منها مدننا وبكافــة المتغيرات       ( الاجتماعية- الاقتصادية- البيئية) والناشئة بسبب ارتفاع حجم السكان والضغط المتزايد على الخدمات المتاحة يستوجب البحث عن أداة تهتم بإعادة التوازن بين المتطلبات الحالية والمستقبلية وضمن حيز مكاني واضح ومحدد المعالم ومحاولة التنسيق بين عوامل مختلفة تتمثل بـ( السكان والنشاطات ومصادر التمويل).

هدف البحث

 يحاول البحث في التمعن في الفكر القديم وكيفية أدارة شؤون المستقرات الحضرية وأنماطها والرؤيا الفلسفية لها في محاولة للتطويع والاستفادة في التطبيقات المعاصرة للإدارة الحضرية.


منهجية البحث

 يستعرض البحث التطورات الفكرية لمفهوم الإدارة الحضرية وفق ثلاث مباحث:
· المبحث الأول: يتناول تطور مفهوم الإدارة الحضرية عبر المراحل التاريخية القديمة وانتهاء بالعصر الإسلامي.
· المبحث الثاني: فيتناول أهم مقومات الإدارة الحضرية المعاصرة
·  أما المبحث الأخير : عقد مقارنة وصفية ما بين الفكر القديم والمعاصر
· ثم الاستنتاجات والتوصيات التي تم التوصل إليها.

المستخلص :
يتناول هذا البحث التمعن والاستكشاف في الفكر القديم المرتبط بحضارات ساهمت في مد المعرفة والفكر الإنساني بشتى صنوف المعرفة والتطور المبني على سلسلة من التجارب والتواصل الحضاري ولكون البعد ألزماني يحاكي الأبعاد المكانية اللازمة في التطبيق والبناء فلابد أن يدفع هذا الهاجس ان كان مخططاً له، أو بدافع عفوي إلى إيجاد شكل من إشكال الأسس الأولية للعناية بالعلوم المتخصصة بالبيئة وكافة إبعادها الفيزيائية والبشرية سواء أكانت بيئة مسيطراً عليها تحكمها أبعاد منظورة تبدأ بشكل ومكان مزاولة الفعاليات المحددة منها إلى البيئة الأولية والتي تضطلع الطبيعة في تأمين مهامها وفي التمعن بهذا النهج نرى إن طرق تأمين النظم في كيفية السيطرة الإيجابية التي تؤمن حركة وعلاقة العناصر المكانية (المادية والبشرية) وتأمين سبل الحماية  والاستقرار لها فقد تطورت معها نظم التفكير في كيفية السيطرة على السلوك البشري المبني في أولياته على السلوك العدائي إلى سلوكيات متحضرة وفي بيئة مسيطراً عليها تهدف إلى تأمين معيشة ملائمة للسكان في ممارسة طقوسهم اليومية ضمن رقعة محددة مكانياً وذلك من خلال  الوسائل التي اعتمدت لبناء تراتيبية بين عناصر الهيكل المكاني وعلاقاته المكانية، وما هذه السبل إلا تعبيراً وتجسيداً عن شكل من إشكال الإدارة والتي أدخلت في مضمونها فكرة الحاوي والمحتوى لهذه العناصر وكيف يتم وظيفياً التعامل معها وعلى هذا الأساس فأن موضوعنا ولأجل تحقيق فرضية الأساس في كيفية الاستفادة من الفكر القديم في التطبيق المعاصر فسيعرج  إلى توضيح،ماهي فلسفة الإدارة الحضرية ومبرراتها وأنماطها وإشكالها ثم وصف ملامح الإدارة الحضرية في فلسفة الحضارات القديمة فيما ينتقل المبحث الأخير التحليل وتبيان المقارنة الوصفية مابين الاتجاهات الحالية والمعاصرة للإدارة الحضرية وفلسفتها في الحضارات القديمة وأخيرا فأن البحث قد وضع جملة من الاستنتاجات العلمية والتوصيات.   
Abstract :
This research deals with exploring and deep see in ancient related to civilizations which contributed in provide human knowledge and thinking in various knowledge and development built on series of empyreans and civilized communication. As time dimension imitate place dimension in application and building. This tendena either it was planned or unintended must find a from of primary base to take care of specialized in environment and all its aimension, physical or human if it is controlled environment governed by visual dimensions began in from and place of practicing determined to the primary environment which the nature secure its tasks. In deep look of this course we find that the methods of securing systems in how the positive control which secure movement and relation of place pelmets and secure methods of protection and stability. With it thinking systems developed in how to control human behavior built in its principles on civilized behaviors in controlled environment which aimed to secure life suitable for habitants in practicing their daily traditions in place limited throng the methods which depended to construct its arrangement between place structure and its place structure. These methods is only expression and emphasizing on of administration forms which entered in its inclusion the idea of container and contents of these elements and how it deals with them functionally on this base. Thus our subject in order to achier basic hypothesis in how to benefit from old thinking in modern application it tend to explain what is modern administration philosophy, its pattern forms and description of civilized administration in ancient civilizations phglosopng. The last stnag analyzes and explain description comparison between current and modern tendencies for civilized administration and its philosophy in ancient civilization finally the research made several scientif

المبحث الأول

 الإدارة الحضرية في فكر الحضارات القديمة

مقدمة

إن اهتمام الحضارات القديمة وعبر مراحلها بالإنسان دفعها إلى التفكير في كيفية التواصل الحضاري بين شعوبها وكيف يحدث ولكون البعد الزماني يحاكي الأبعاد المكانية لمخيلة التفكير في البناء والتغيير، فقد دفع هذا الهاجس أن كان مخططاً له أو بشكله العفوي إلى إيجاد السبل والأسس الأولية للعناية بالمكان سواء أكان مكاناً مسيطراً عليه تحكمه أبعاد منظورة تبدأ بأماكن مزاولة الفعاليات المحددة منها الى المكان الأولي الابتدائي والتي تضطلع الطبيعة في تأمين مهام الديمومة والبقاء والصراع بينهما.

   وبهدف تأمين النظم ولإيجاد الطرق التي تؤمن الحماية والاستقرار فقد تطورت نظم التفكير في كيفية السيطرة على السلوكيات العدائية المرتبطة ببيئة مسيطرة إلى السلوك المتحضر وببيئة مسيطرُ عليها، ومن هنا يمكن وصف الفترات التي تلت هذه السلوكيات بأنها مرحلة ظهور النظام المخطط في إدارة شؤون المجتمع ومنها النظام الإداري بمعناه الواسع، فإدارة الملك للرعية والقدسية المفترضة له ومن ثم الشرعية المفروضة بقوانين تعبر عن شكل من أشكال الحكم وهي تعني بجوهرها إدارة الحكم، وفي مجال تنفيذ الأحكام ومتطلباتها نرى أن إدارة المستقرات الحضرية هي إحدى وسائل التنفيذ تلك والشكل الأكثر تعاملاً مع الرعية والآثار التي تركت تعبيراً واضحاً عن سبل الوصول إلى تحقيق بيئة ملائمة مسيطراً  عليها لتأمين معيشة ملائمة للسكان في ممارسة طقوسهم اليومي والتي اعتمدت مبدأ الترابتية بين عناصر الهيكل المكاني والتي تدخل في مضمون الحاوي والمحتوى لهذه العناصر وكيف يتم وظيفياً التعامل بينهما.

   وبناء على ما تقدم سنحاول في هذا المبحث أن نستطلع ملامح هذا الأسلوب في إدارة مجتمعات ما قبل التأريخ من خلال التعرف إلى السمة البارزة لمدن هذه المرحلة وكيف أمكن تطويع الفكر التخطيطي في الإدارة والتشريع في الفكر القديم وصولاً إلى المرحلة  الإسلامية والي تعبر عن أحد الأوجه المشرقة في إدارة المستقرات الإسلامية وفق قوانين سبق وطبقت تعجز عن تطبيقها الإدارات المعاصرة شكلاً مضموناً.

1-1  ملامح الإدارة الحضرية عبر التأريخ:-

1-2 :- الفترة ما قبل الإسلام:

قبل الولوج في فهم هذا الموضوع لا بد من التطرق إلى النشأة والأشكال التي ظهرت عليها المدينة القديمة والسمات الأساسية التي برزت فيها ثم نعرج إلى أهم المحددات التي أظهرت الحاجة إلى تطور وتبني الوسائل الإدارية والتنظيمية لإدارة الفعاليات في تلك المدن وحسب المراحل الزمنية التي مرت بها.

 -1-1-1:- بماذا اتسمت المدن في هذا الفترة؟

نقصد بالفترة هذه، المراحل التاريخية( للحضارات القديمة التي قامت في حوضي الرافدين والنيل) حيث نستطيع أن نصف المدينة في هذه المرحلة بأنها( مصطلح يطلق على نمط حياتي جديد غير المعروف عنه كالقرى) وأن السمات التي اتصفت بها كانت متناقضة فقد جمعت بين مفهومين هما الحماية( لمستوطنيها) وبواعث العدوان وقد كان لهذا التناقض ما يبرره حيث جعلت من التهيؤ( وعلى نطاق واسع) جزءاً من حرية التصرف والتنوع والتنظيم، فالساكن وسط تلك المستقرة لا بد أن يكون( متمدناً بقدر ما) مع احتفاظه بميوله البايلوجية الأصلية التي تحتوي على صفات التهيؤ للعدوان الحربي والتدمير.. وخلاصة هذا أن المدينة وطبقاً للتخطيط البشري الساكن فيها كان له طابعان ([1]):

الأول: طابع أستبدادي

الثاني: طابع رائع

فقد كانت من ناحية حصناً منيعاً أو مركز سيطرة الملك وسلطانه وكانت من ناحية أخرى صورة من الجنة تتحول فيها قوى الكون البعيدة إلى نظم فعالة، فأنتقال مركز الجاذبية من الحصن إلى المعبد ومن القلعة إلى السوق وما يجاورها كلها تغيرات تبعتها الكثير من المشاكل التي أصبحت جديدة مما يتطلب تجاوزها وبشيء من الهدوء والألفة ومن كل ذلك لا بد من توقع ظهور العديد من الحاجات الإنسانية المتباينة بمرور الوقت.

أن تلك المؤشرات وما يمكن ظهوره من تفاعلات مكانية أوجبت ظهور الحاكم أو المسؤول عن كيفية إدارة تلك المستقرات الحضارية بمرونة لم يألفها سابقاً.

1-1-2:- الأشكال والتخطيطات التي ظهرت عليها المدينة؟

أن الحاجة تبرر الوسيلة، فكما أن للمدينة خطتها الخاصة التي جاءت من خلال اعتماد نوع أو آخر من التخطيط وبغض النظر عن الفترة التي تطورت فيها الخطة، فأن المدينة يندر أن تكون بنمط تخطيطي واحد، فالسمة الغالبة لها انما تملك أكثر من خطة تتفاعل مع بعضها لتكون بنمط تخطيطي واحد وبالنسبة للخطط فهنالك القديمة وهنالك الأحدث، وكثيراً ما تستلهم الخطط الحديثة من الخطط القديمة، وعموماً يمكن القول بأن هنالك مدناً نشأت غير مخططة وأخرى أقيمت أو طورت وفق خطط موضوعية( أي أن نمو المدن وإعادة النظر بخططها تم على ضوء التطور الوظيفي) ([2])

 خطة المدينة في مناطق مهد الحضارات:-
خضعت المستقرات البشرية الدينية وباستمرار إلى عمليات( تخطيط وإعادة تخطيط) وكان السبب في ذلك هو التباين في القوى المسيطرة والموجهة للحياة في مراحل تطور المدن ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما بقي من آثار معمارية تخطيطية وعلى الرغم من ذلك فقد لا تعكس تفاصيل المدن واقع العلاقات الوظيفية التي كانت سائدة فهي بالتأكيد لم تكن مقتصرة على المعابد والقصور والقلاع مثلاً، كما أنها بذات الوقت ليست مجرد نفائس وأطلال، فالمدينة هي للسكان وليس مجردة للحكام كما هي أماكن للسكن والعمل والحركة والترفيه، فهي كائن حي وأن التقدم الحضري فيها لا يقاس بالأبنية الشاهقة والضخامة وتطورها التقني فحسب وأنما من خلال قياس درجة النفع لسكان المدينة وشموليته.
وبالنسبة للمدن الأولى في تأريخ الحضارة الإنسانية والتي ظهرت حوالي سنة 4000ق.م في وادي الرافدين Mesopotamia مثل( نينوى وآشور وبابل ولكش وأكد ونيبور واور واريدو) وفي وادي النيل ممثل ممفيس وطيبة ([3]).  
نجد أن النشأة كانت مرتبطة بجملة من العوامل أبرزها، أنها كانت في منطقة السهول الفيضية وما تحويه من مقومات أساسية للنمو، ففائض الإنتاج وتقسيم العمل كلها كانت كفيلة في نشوء حضارات وانهيار أخرى بفعل التنافس والحروب المستمرة إلا أن الصفة الغالبة لها هي السيطرة، إلى جانب ذلك فأن الإنجازات الحضارية المتنوعة كانت تمثل إسهامات( لا يمكن اغفالها) في طريق تنمية حضارات العالم الأخرى.
أن أهم ما يميز هذه الحضارات هو تسلط الحكام على شعوبهم لدرجة حولتهم قريباً من مرتبة العبيد مثال ذلك( موقع الفرعون) في مصر بالنسبة لحياة مواطنيه في مدن الألف الثالث قبل الميلاد والتي بنيت تلبية لرغبات وأوامر الفرعون نفسه.*
فيما يلاحظ أن العناصر البنائية قد ركزت جل اهتماماتها على الأبنية العامة والتي غالباً ما يكون العنصر البارز فيها معمارياً هو الفناء وهذا يؤكد حقيقة النزعة نحو التفكير بمبدأ الاحتواء للسلطة.
كما نجد في نفس السياق ان المقومات التخطيطية في شكل تنظيم استعمالات الأرض لهذه المدن قد اعتمد مبدأ الهرمية في الوظيفة الدينية والدنيوية، فأبعاد الشوارع وعرضها هو الذي يحدد ارتفاع الأبنية وبالنسبة لتفاصيل الوحدات السكنية فكانت تتكون من طابقين في الغالب أما في مجال البنى التحتية فقد كانت تؤشر حالة من التطور المبني على الحاجات المتباينة للسكان وقد مثلت شكل من أشكال نظم وادارة الخدمات المتقدم انعسكت فيما بعد على مدن الألف الثاني قبل الميلاد حتى ظهر ت معالم معمارية جديدة تحاكي قصة تطور الحضارة كما أثبتت الاكتشافات الأثرية في مدن تل العمارنة وطيبة وممفيس في وادي النيل.

كيف تدار المستقرات البشرية القديمة( الإدارة الحضرية)؟
فيما تقدم، يبدو الأحكام المتعلقة بشكل ووظيفية البناء كانت تأخذ الحيز الأكبر من عملية تنظيم، وتوقيع الفعاليات في المستقرات الحضرية القديمة ويمثل هذا أول واجب من واجبات الإدارة الحضرية فالأحكام المقدسة والخاصة بتوقيع المعبد( مركز سيطرة القوى الروحية) ثم القصور بعد ذلك قد أستند إلى فكرة معمارية وتخطيطية تنفذ بوسائل صارمة تفضي بمجملها إلى إنشاء صروح تقاوم تقادم العوامل الزمانية وهذا يعلل بقاءها بمرور الزمن مقارنة مع مساكن ومرافق عموم السكان والتي لم تستطع المقاومة بسبب نوع وشكل وضعف وبساطة البناء. *
في حالة وادي الرافدين، نرى أن الإدارة الحضرية قد اهتمت في فترات متعاقبة في موضوع توفير الأمن ويتوضح هذا من خلال شكل وطراز البناء التي أظهرت شكل ووظيفة المكان لإحكام الدفاعات ضد الهجمات حيث عد المعبد في المدن القائمة بمثابة الحصن للإله إلا إن التطور في شكل ونوع التنظيم الاجتماعي والاقتصادي وتطور الحاجات المتباينة للسكان وفترات الهدوء والتنعم بالأمن، دفع إلى تطورات دقيقة في فهم وتفسير أدوار لاحقة للنظم الإدارية والقانونية في شبكة المستقرات القديمة، ويبدو هذا بشكل واضح في زمن (حمو رابي 1972 ق.م) ([4]) والذي وضع مجموعة من الشرائع والنظم التي يعجز الفكر الإنساني في المراحل المتقدمة عن الآيتان بها حيث نصت بعض فقرات مسلته المشهورة على جملة الإجراءات والتي منها:-
1- ففي الإجراءات التنظيمية نجد أن سياقات وإجراءات البناء كانت خاضعة إلى قوانين ألزام وتنفيذ وهذا يعطي شكل آخر من أشكال الإدارة الناجحة المعتمدة على وسائل قادرة على التنفيذ وبالتالي تعبر عن وجود أدوات للردع والتقييم الدقيق للمشكلة القائمة فالأحكام الرادعة بحق العاملين في قطاع البناء والتشييد من( بنائين ومعماريين) ممن تثبت أدانتهم بعدم الإخلاص في الأعمال الموكلة إليهم تنوعت وتوسعت العقوبات التي شملتهم وفقاً لذلك *
2- كما يظهر في المستقرات القديمة أن الإدارات المتعاقبة كانت تركز في اهتماماتها على ضرورة تبني أساليب عمل تساهم في تنظيم وتعزيز دور الرقابة البلدية وفق التراتب الوظيفي المعتمد على شكل ووظيفة التقسيم المعتمد في توزيع استعمالات الأرض الحضرية فمبدأ تنظيم الرقابة وتوزيع الثقل كان يتبع شكل ونظم تقسيمات الطرق والأحياء السكنية فالتراتب في وظيفة الرقيب قد جعلت من مركز الثقل الرقابي يركز على شوارع المواكب الرسمية منها إلى الثانوية وأخيرا يمتد إلى الطرق الفرعية داخل أحياء العامة ولكن باهتمام اقل..
مما تقدم يظهر أن الكيفية التي كانت تدار بها المستقرة الحضرية كانت تركز على وظيفيتين أساسيتين الأولى تتعلق بوجود التشريع اللازم للعمل البلدي والثاني أنها كانت أداة تنفيذية تمارس صلاحيات وسلطات واسعة في التخطيط والتنفيذ سواء أكان ذلك مبنياً على أسس وأساليب قسربة أو ترغيبية إلا أنها في نهايتها تعني وجود قانون ملزم للتنفيذ.
1-3 للفترة ما بعد ظهور الديانات (مع التركيز على فترة ظهور الإسلام):-
قبل الخوض في تفاصيل هذه الفترة، يمكن القول بأن الفترة التي تلت فجر الحضارات والأثر الواضح على المنطقة العربية ومحيطها كان له تأثيراً مباشراً فيما جاء بشكل غير مباشر لباقي أنحاء العالم وعموماً يمكن وصف عدداً من المزايا التي نلخصها بالآتي:-
1- أن أهم ما يميز (فترة عصر ما قبل التاريخ وبعده) هو عاملي الدفاع والسياسة والنظم المتبعة واثر ذلك على شكل ونظم الإدارات وبكافة مستوياتها ومنها الإدارة الحضرية.
2- التطور في الزمان والمكان كان له بالغ  الأثر في انتشار الحضارة بفعل هاجس السيطرة الروحية والممارسات الدينية.
3- الاهتمام بالوظيفة الدينية ممثلة بالمعبد وأمكنة العبادة وبمختلف تسمياتها كان لها إثر واضح المعالم في التوجهات الفكرية اللاحقة.
4- إن النظم والتشريعات وسنها لم يكن ليظهر ما لم تكون هناك حاجة وهذا يعني أن التوسع العمراني وازدياد التحضر في المستقرات الحضرية قد زاد من المشاكل العمرانية والبيئية يعني هذا بدايات التفكير بالحلول المنطقية الخاضعة للفكر البشري.
5- اعتماد الرقابة والتنظيم الهندسي المتجانس والمتراتب في مختلف النماذج المعمارية واستعمالات الأرض الحضرية تمثل أسلوباً في التنوع ما بين المركزية في التخطيط والتنفيذ المستندة إلى أسس السيطرة المحكومة وقوة الحاكم وسلطته التنفيذية.
6-  المبادئ الهندسية المعتمدة وتفاصيلها الدقيقة ساهمت في إظهار شكل من أشكال الإدارة الحضرية للبيئة العمرانية والأسس الهندسية المعتمدة، من كل هذه التفاصيل وغيرها نجد ان( السمات والمعايير التي كانت سائدة ) أصبح لها دوراً مؤثراً في تنامي وتطور شكل الإدارة الحضرية في فترة ظهور الإسلام والتي توصف بأنها بدايات تنظيم المدنية الإسلامية وأدارتها أو حكوماتها وعدها واحداً من أهم الأوجه المشرقة في تاريخ التمدن الإسلامي، وإذا كان ماكس فيبر قد أنكر وجود إدارة للمدنية الإسلامية بمعنى قيام محكمة خاصة وحكومة ذاتية وإدارة مستقلة عن طريق الانتخاب من بين السكان فإنه لم يلبث أن ذكر أن مجتمع مكة قبل الإسلام كان يقوم على أساس اختيار الأشراف لزعيم بينهم وأن الأحياء ومحال السكن في المدن كانت تدار بواسطة مجالس من كبار السن وان الحاكم لم يكن يستطيع ان يتدخل في أمور القضاء ([5]) .
ومعنى هذا أن الإسلام قد وجد أمامه في مكة تراثاً غنياً يرى  البعض فيه نظاماً يعتمد على الشورى لدرجة تقترب به من النظم الجمهورية حيث لم يكن لأي عشيرة أو قبيلة سلطان على أخرى وكان هناك ثمة مجلسا للشيوخ أو الملأ يناقش ويجتمع عندما يجد ضرورة تقضي إلى ذلك كالخطر والحرب وغيرها وكان دار الندوة يمثل ذلك البرلمان الذي تقع تحت قبته ما يمكن للقبائل أن تتفق عليه بمجموعها ، أصبح حينئذ الرأي ملزما للجميع أما إذا لم يحدث الإجماع فان القرارات لا تكون ملزمة وعلى الرغم من إن المجلس لم يكن يعتمد في إدارة أعماله على نص أو دستور مكتوب فقد كانت مبادئ العرف والعادة يمثلان قانونه
أن خلاصة ما ورد تؤكد أن الفكر الإنساني لفترة ما قبل الإسلام كانت تعتمد :
1-مبدأ التشاور في إدارة التنظيم السياسي والاجتماعي ويمثل هذا جانبا تنظيميا
2-اعتماد العرف والعادة كقانون يلزم الجميع في التنفيذ وهذا بحد ذاته يمثل جانبا تنفيذيا
وفي مراجعة لأدبيات الإدارة المحلية وحكومات المدن وفي كثير من الأمثلة عن نظم الحكم السائدة في المجتمعات الغربية نجد إن التطور الاجتماعي والسياسي فيها لم يكن بتلك الفلسفة الحضارية خاصة عندما نذكر عصر الإقطاع وعندما كانت الحرية حكرا على سكان المدن وحين صدرت لبعض المدن الأوربية  دساتير تحدد حقوق سكانها وواجباتهم اعتبر ذلك بمثابة تكريس لمبدأ الحكم المحلي الذي يقوم به سكان المدن لأنفسهم ولعل الدستور الذي منحه( لويس السادس) لمدينة لور Lorres ([6]) في القرن الثاني عشر الميلادي حيث أشار في بعض فقراته أن يكون سكان المدينة أحراراً إذا عاشوا فيها مدة تزيد على عام كامل وأعفى سكانها من الخدمة العسكرية أو السخرة في العمل وأصبح حقهم إلا يحاكموا إلا في مدينتهم طبقاً لقانونهم الخاص، من خلال التمعن بما ورد في أعلاه نرى أن نظم الحكم في المدن الإسلامية قد سبقت هذا الوصف في الإدارة والتنظيم الحضري لحواضرها ومدنها، إلا إن المؤسف في الأمر هو قلة الإشارة إلى هذا الموضوع في الكتب والدراسات الإسلامية باستثناء ما ورد في الدراسات الخاصة بالحضارة الإسلامية.
ولغرض فهم أوسع لا بد من الاطلاع على أول دستور سن لمدينة إسلامية والذي توضحت فيه الشروط الملائمة لإدارة المدينة الإسلامية وتنظيم مرافق الحياة فيها من خلال مفهوم الحسبة.

1-2-1- الإسلام والإدارة التنفيذية للمستقرات الحضرية:

مقدمة في موضوع الحسبة:
من بين الجوانب المتعددة الواسعة والتي شملتها الحضارة الإسلامية هنالك جانب يتصل اتصالاً وثيقاً بحياة الناس وأمورهم ومعاشهم في المدن الإسلامية، وهو الحسبة والذي يعبر عن ابرز المظاهر الحضارية في المجتمعات العربية والإسلامية ومن يدقق في أصول هذا المفهوم وموضوعاته يجد فيه الكثير من الحقائق التي تعبر عن مظاهر متنوعة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية وغير ذلك ممن يتناول حياة الأفراد والمجتمعات في العصور الإسلامية السابقة والمعاصرة وبشكل شامل ودقيق ([7])
فالحسبة كمصطلح:
هي لغة مأخوذة من الاحتساب فيقال في المحكم، احتسب فلان على فلان أي أنكر عليه قبيح عمله ومدارها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد فرضها الله تعالى في كتابه الحكيم( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) ([8])  فأمر بها وحض على القيام بها أو بأساليب مختلفة فكان التعدد والتنوع دليل في ارتفاع المكانة واعتبارها اقرب ما تكون إلى مصاف الفروض التي قام الإسلام عليها.
وفي الحديث الشريف( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فأن لم يستطع فبلسانه فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وقد تخرج إلى معانٍ أخرى منها، الكفاية الاستعداد، حسن التدبير، العد الحساب الإنكار على الشيء، الاعتداء بالشيء، فيقال احتسب بالشيء أي اعتد به وجعله بالحساب أما معنى الحسبة في المصطلح فهي تمثل مصطلحاً في القانون الإداري كما يصفها المستشرق( زامباور) وتطلق على معانٍ تطورت بمرور الزمن تطوراً لا ينفصل عن المعنى اللغوي الرئيسي وهو ابتغاء وجه الله على العمل وطلب الثواب، ولكن هنالك جملة من المؤلفين قد أعادوا استعمالها بمعنى وظيفي( تنفيذي) تقوم على صيانة حقوق المجتمع المدني وتراعي الآداب العامة فيه وتسهر على استمرارها بعين ثاقبة أمره بالمعروف إذا اختفى واستتر وناهية عن المنكر إذا فشا وانتشر.
إذ هي وفق ما تقدم تعني حفظ وصيانة ورعاية وحماية وناهية عن غير المنطق و يتبع هذا المعنى يشمل كثيراً من الجوانب الحياتية حتى أصبح المعنى يطلق في العرف( خلال القرن السادس للهجرة) عن أمور كثيرة من بينها- تقويم الموازين وإصلاح الطرق وغير ذلك، وقد ذكر لها أربعة وأربعين أمراً كما ذكرها ألسنامي.
من يمارس الحسبة؟
تشير المصادر التاريخية إلى أن خلفاء الصدر الأول من العصور العربية الإسلامية كانوا يباشرونها بأنفسهم لعموم صلاحها فهي من( العمومية والأتساع بحيث تؤدي بكثير من الوظائف التي تقوم بها إدارات كثيرة متخصصة في الوقت الحاضر) وخاصة عند التطبيق، حيث نجد أن كثير من الوظائف المتنوعة كانت تناط بالحسبة أو المحتسب، فمنها ما يتعلق بضبط الأوزان وأسعار السلع والتفتيش في الأسواق والرقابة عن السلع وإعدام ما فسد منها وخاصة المأكولات والمشروبات وإصلاح الشوارع والطرق وإزالة الأبنية المتداعية ومنع الحمالين وأصحاب السفن من الإكثار من الحمل والرفق بوسائل النقل المتاحة( الحيوانات)([9]).    
شروط الحسبة:
لما كانت الحسبة كمصطلح ومفهوم تطبيقي يشير إلى الإدارة التنفيذية وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر اقتضت الحاجة إن يكون لصاحبها أو القائم على تنفيذها ولاية لأن كلا من الأمر والنهي لا يصدر إلا عن ولاية استوجب لها سمعاً وطاعة وهي وظيفة تستمد قوتها بمؤازرة الخليفة ورعايته وبدعم( السلطة ) لها لتكون ذا أهمية في نفوس الناس، وكان لا يتولاها إلا رجل من وجهاء المسلمين، لأنها خدمة دينية عليا وفي هذا يشير الماوردي( أن من شروط الحسبة أن يكون منفذها حراً عادلاً ذا رأي وصرامة وخشونة في الدين وعليم بالمنكرات الظاهرة ([10]))  وعلى هذا الأساس فأن من الشروط والمواصفات الموضوعية للمحتسب يجب:
1- أن يكون بالغاً قادراً ذا رأي وصرامة في الدين، عارفاً بأحكام الشريعة الإسلامية ليعّلم ما يؤمر به وينهي عنه وأن يكون عفيفاً عن أموال الناس عن قبول الهدايا والعطايا من المتعيشين وأرباب الحرف فأن في ذلك رشوة وفساد.
2- أن يكون من أصحاب الشيم والرفق ولين القول وطلاقة وسهولة الأخلاق عند أمره للناس ونهيه فأن في ذلك أبلغ إلى استمالة القلوب أي القوة والأمانة بآن واحد.
وفي هذا الركن فأن الأمام الغزالي( المتوفى سنة 505 للهجرة)  قد ذكر جميع الأبواب الخاصة بآداب المحتسب ومصادرها فقال أن جميع آداب المحتسب تشترك في ثلاث صفات هي:
- العلم
- الورع
حسن الخلق
كما ينبغي أن يكون المحتسب ملازماً للأسواق متابعاً لما يجري في كل وقت يدور على السوقين والباعة والمتسوقين * ويكشف الدكاكين والطرقات ويتفقد الموازين والأرطال ويتفقد معاشهم وأطعمتهم وما يغشونه غفلة منهم، فالحسبة كما نقل عن الوزير العباسي( علي بن عيسى) أنها لا تتحمل الحجبة فطف في الأسواق تحل لك الأرزاق والله أن لزمت دارك نهاراً لا خر عليك ناراً والسلام، ولتعدد وتنوع ما يملي على المحتسب من واجبات فقد وجب أن يكون له أعوان وعمال وموظفين فكان يعهد بها إلى رجال صالحين أقوياء أمناء ليكفوا المحتسب مؤونه القيام بكل الأعمال وهم يسمون بولاة الحسبة والمحتسبون.
 مما تقدم، فأن الحسبة توصف بأنها، وظيفة اجتماعية لا يستغنى عنها مجتمع يرجو لنفسه الكمال والصلاح فالمحتسب استطاع( ومن خلال ما أملته عليه واجباته الدينية والدنيوية) أن يسيطر في اليوم الواحد بمساعدة عيونه وغلمانه ما تقوم به عدة إدارات وزارية في العصر الحالي.
ناهيك عن تشكيلات غير رسمية أخرى كثيرة تمارس دوراً مكملاً( كمجالس الشعب أو المجالس البلدية والقروية أو مجالس الألوية أو المحافظات) أو  تحت تسميات قطاعية أخرى كمجلس حماية تحسين البيئة أو المجلس الإداري ولكن يبقى التساؤل المطروح.. هل أن المتحقق يتفق وهياكل هذه التشكيلات وتنوع وتخصص وظائفها مع ما كانت عليه وظيفة المحتسب وتواضع إمكانياته مقارنة بما مخصص حالياً من إمكانات- تمويلية- وتشريعية وتنفيذية ليقوم بعمله بكل أمانة وتفاني وإخلاص أنه مجرد سؤال.     

1-2-2: الإسلام والتشريع الحضري:
دستور المدينة المنورة( نظرة ومفهوم):
حيث يمكن عده أول تشريع سنة لمدينة إسلامية أن لم يكن أول دستور جامع( بالمعنى الحقيقي الاصطلاحي لكلمة دستور) قد سن لمدينة أو حاضرة في العالم، فهو حضور منطقي كنتيجة للكثير من المناقشات التي أسفرت عنه كما أنه يمثل في الأعم الأغلب تشريعاً مرناً يقبل إضافة نصوص جديدة إليه إذا دعت الحاجة لذلك وهو بهذا يمثل نقطة حضارية متطورة وفي ذات الوقت يمثل عقداً اجتماعياً وسياسياً بين مجموعة من الأطراف، فقد اشترك في سنه والقبول بشروطه النبي الأعظم(ص) وأصحابه من المهاجرين والأنصار إلى جانب من أشترك فيه من يهود المدينة الذي بقوا فيها وقبلوا بما جاء في هذا الدستور أو الصحيفة كما نقلها ألينا محمد بن اسحق( 150هـ- 677م) كوثيقة مكتوبة ([11]).
أن هذا الدستور لم يكن منحه أو قرضاً من جانب قوي على أخر ضعيف هي وثيقة لسلامة وضمان الجميع ونسخهِ وزعت بين الأطراف المعنية واشتركت بصياغة فقراته فئات المهاجرين من قريش والأنصار من يثرب ومن لحق بهم وجاهد معهم وكذلك اليهود الذين بقوا في المدينة بعد القضاء على الفئات المعادية فمنهم بني النضير وبنو قريضة وبني قينقاع وقد ذكرت الصحيفة كافة الأطراف التي تقبل بهذا الدستور الذي كان نظام لتسيير أمور الحياة في حاضرة المسلمين والتي تركزت على ما يلي:
1-  أن الأفراد جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات وأن العرف أساس العلاقة بينهم بما يقبله العقل والدين ويرضاه الناس وفق مبدأ- العدل أساس الملك-
2- أن كل وحدة اجتماعية داخل الجماعة لها نظامها الداخلي على أن لا يتعارض ذلك مع العدل والمساواة- بمعنى- أن الحرية الفردية مطلوبة كما أن العدل مطلوب للجميع-
3- أن الأمن مسؤولية الجماعة كلها مجتمعة وأن من يخل بذلك الأمن يحاسب ولو كان واحداً من الجماعة أي أن- الأمن ومسؤولية هي مسؤولية الجميع-
4- حق الجوار مكفول وتلتزم الجماعة بحماية المستجير بها وهذا بحد ذاته يعبر عن تنظيم اجتماعي حضري ينظم أوجه الحياة داخل المحلة السكنية- الحي السكني- القطاع السكني- كما تنص عليه القوانين والتعليمات المعاصرة بذلك.
5- إعلان الحرب أو السلام مسؤولية المجتمع كله ولا تنفرد بها مجموعة واحدة أو طرف دون غيره ولا بد من اتفاق الأمة على ذلك وهذا ما نراه حالياً من إجراءات الأمن القومي وإعلان النفير العام في المجتمعات المعاصرة .
6-  المسؤولية فردية ولا يعاقب أحد بجريرة غيره وهذا يمثل حقاً من حقوق الأفراد من خلال أن ثبوت التهمة يجب أن يسبقها تحديد المقصر قبل الحكم وبعده من تبعات وهي تمثل نهجاً في الإدارة المجتمعية.
7- لا يجوز حماية مرتكبي الحوادث أو إيواءهم ونصرهم وهذا يعني هدفاً من أهداف التضامن الاجتماعي ومنعاً للجريمة والإرهاب وتنشئته أو التستر عليه.
8- أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين وهذا يشير إلى ضمان حق الأنفاق كواجب لحماية المجتمع برمته.
9- إذا هو هوجمت يثرب( المدينة المنورة) تشترك كل الأطراف في الدفاع عنها.
-أنه لا يجوز أن تكون يثرب( المدينة المنورة) أرض حرب لمن رضى بهذه الصحيفة وأن المدينة أصبحت بذلك دار أمان للسكان، في هذا البند تعبر الوثيقة عن معنى حقيقي لمعنى المدينة والمدنية التي نادي بها الإسلام فهي مكان للعبادة كما هي مكان للوظائف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية  وموقع أمن لا يجوز تعريضه للهدم والخراب.
- حرية العبادة مكفولة من اليهود الذين هم طرف وأن لهم دينهم وللمسلمين دينهم وكذلك الحال بالنسبة لمواليهم، فالعيش بأمان في ظل عصر يكفل لك الأمن والطمأنينة يمثل وجهاً مشرقاً في الحضارة الإسلامية.
- من قتل مسلماً عمداً فجزاه القتل أو الدية إذا رضي أهله بذلك.
- إذا حدث خلاف في الأمر يرد إلى رسول الله(ص) ليقضي فيه بأمر الله.
        إن التمعن ملياً بما ورد من فقرات (إن كانت في جوهر البحث أو خارجه) نجد أنها تنم عن حسن تدبير وفكر ثاقب وحزم بالأمور وحرية كاملة للفرد دون انتقاض مع ضمان حقوق المجتمع وأن المسؤولية تضامنية للمجتمع وهذا بحد ذاته يمثل هدفاً أساسياً في شروط الإدارة الناجحة سواء أكانت على المستوى الإستراتيجي أو التنفيذي ومن كل الجوانب(  الأساسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية) وغيرها الكثير.

المبحث الثاني
مقومات الإدارة الحضرية المعاصرة
مقدمة:
إذا كان نمو المدن وتطورها يسير ببطيء خلال العصور السابقة، فلم تظهر حاجة ملحة إلى تطوير خاص لمفهوم التخطيط نجد النقيض من ذلك بعد الثورة الصناعية، فالتطور السريع في شتى أوجه الحياة العصرية قد انعكس ذلك على تطور المدن وتغيرها السريع وما رافقه من زيادة كبيرة في أعداد السكان بفعل الكثير من التحسينات في النظم الصحية والثقافية وكنتيجة للتطورات العلمية والتقنية المتلاحقة، كل هذه الأمور جعلت من علم التخطيط ومفهومه وسيلة لحل المشكلات المتوقعة والتي تمثل الوجه الآخر من التطور.
والمدينة العربية وكأي مدينة أخرى تواجه في الوقت الحاضر مشاكل تخطيطية عديدة تتعلق بكافة نواحي النشاط فيها وترتبط هذه المشاكل عموماً بالتقدم الحضاري السريع  الذي يمر به العالم العربي اليوم ([12]).
وفق هذا نجد أن الإدارة الحضرية المعاصرة قد خضعت لعدة مقومات سنحاول استعراضها فيما يخدم توجهات البحث *         
2-1: المقومات التخطيطية:-
يعتبر التخطيط من الوظائف الرئيسية التي تضطلع بها الحكومات وفي مقدمة وسائلها اللازمة لتطوير المجتمع وإذا كان الدور الذي يمارسه التخطيط في عامه الدول هو المهم فأنه أهم للدول النامية للحاق بركب النهضة ولمواجهة المشكلات المعاصرة.
ومع هذا فأن التخطيط ليس أسلوباً جديداً في الحكم والإدارة ولا هو سلطة رابعة تضاف إلى السلطات الثلاث التقليدية( تشريع، تنفيذ، قضاء) وإنما هو بمثابة مدخل للتطوير ومواجهة المشاكل القائمة والمتوقعة ([13]).
وبما أن المدينة جزء لا يتجزأ من الدولة فلا يمكن فصل تخطيط المستقرات الحضرية عن التخطيط الشامل للدولة ككل كما أن حركة النمو الحضري في البلاد العربية هي جزء من الاتجاه العالمي للتحضر.
ولا بد للمدينة العربية أن ترتبط بالمدن العالمية وتوثق العلاقات معها في مختلف المجالات وتتبادل الخبرات والخبراء والمعلومات المتعلقة بالنمو الحضري ومشكلاته.

وفق هذا التصور والدينامكية لحركة الاستقرار الحضري يجعل من إجراءات التخطيط محفوفة بالمخاطر ما لم تكن هنالك عوامل منظورة وغير منظورة تحاول تقييم نمط الاستقرار الحضري ومثال ذلك ما يمكن أن تقوم به السلطات المحلية في المدينة العربية المعاصرة والتي يندرج تحت مهامها العديد من الإجراءات التنظيمية التي تحاول معها تحويل الفكر التخطيطي إلى عمليات مستمرة على ارض الواقع الفعلي وبشكل أوسع في إدارة المستقرات الحضرية وبكافة أبعادها( الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية).
وبهذه الصورة ينتقل التخطيط من مفهومه المحدد إلى تعبير ذو تأثير تنفيذي وهو المرحلة الأهم في مراحله.
إشكاليات التخطيط في المستقرات الحضرية العربية المعاصرة:
تعد مشكلة غياب التخطيط العلمي للمستقرات البشرية في الوطن العربي من أهم المشكلات الخاصة بالأبعاد التخطيطية للإدارة الحضرية، فقد نمت أغلب المستقرات الكبرى في ظل غياب مدروس للمؤشرات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الطبيعية المتوقعة للمدن المدى المنظور وهذا بدوره قد أثر سلباً على نموذج الإدارة الحضرية ووسائلها ومدى نجاحها مع مشاكل متزايدة وفي تخطيط يدخل في حساباته عاملي الكلفة(وبمختلف توجهاتها الاجتماعية والاقتصادية) والعائد المتوقع.
فلم تعد الوظائف التقليدية مناسبة للتعامل مع المجتمعات الحضرية الكبرى بتفاعلاتها وحركتها المستمرة، خاصة وأن حاجتها في تزايد إلى خدمات متميزة وعنصر بشري متخصص يقوم على أدائها هذا في جانب التخطيط أما الجانب التنفيذي فأن أكثر الإشكاليات التي تعاني منها الإدارة الحضرية المعاصرة هو التأثير الذي يمارس على توجهات السياسة التخطيطية وباتجاهات لا تخدم مصالح مجتمع المدينة ككل ([14]) ، فيأخذ نمو المدينة نهجاً غير علمي تحكمه المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة ويتم هدر الرصيد المحدود من جملة الامتيازات الحضرية من( ارض، خدمات، موارد متاحة) وفق هذا، ينبغي للعاملين في الإدارات المحلية أن يضعوا بنظر الاعتبار أن للتحضر الزائد أضراراً ومشاكل عدة تزداد خطورة عندما يفقد التخطيط جوهره وهذا بحد ذاته يعبر عن تكاليف مضافة إلى المجتمع.

2-2: التشريع والإدارة الحضرية المعاصرة:
من الأمور التي ينبغي أن يلاحظها المشرع هي المشاكل التي تظهر من خلال التطبيق وهذا يعني أن المسائل القانونية تعبر عن ركن أساسي من أركان الإدارة الحديثة للمستقرات الحضرية وجزاءاً مهماً من أدوات التنفيذ، فالقواعد القانونية ليست قواعد جامدة تصلح لكل مكان أو زمان بل هي على العكس من ذلك أدوات متطورة ومتنوعة تبعاً لتنوع العلاقة الاقتصادية والاجتماعية بأوسع معاني هذين المصطلحين ([15]) أن الهدف من القوانين أو اللوائح والأنظمة والتوجيهات الإدارية- هو صيانة الحق العام والمحافظة على خير ورخاء المجتمع وتجنيبه أي أضرار مادية ومعنوية وأمناء  المجتمعات عمرانياً بصورة تحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية التي تضعها الدولة وتاريخياً نجد أن الكثير من هذه التنظيمات بدأت باللوائح المتعلقة بالصحة العامة أو الأمن أو وضع المعايير للتجارة والبناء*( ثم تطورت هذه التنظيمات لتشتمل على المباني ومواقعها وأشكالها ثم تطورت لتشمل استخدام الأراضي وتحديد المناطق السكنية والصناعية والزراعية والتجارية ([16]).         
وقد حرصت التشريعات والتنظيمات المسؤولة عن التعامل مع الأرض في المستقرات الحضرية المعاصرة بحيث يكون القانون انعكاس لواقع المجتمع وأداة للتنظيم والتطوير ووسيلة لتثقيف المجتمع قبل أن يكون أداة ردع وفي هذا تصف منظمة المدن العربية بأن القوانين التي لها علاقة بالمستقرات الحضرية يجب أن تكون في إطار الفلسفة العليا للدولة( أي أنها تعبير عن أيديولوجية قيادة معينة وفي زمن معين وفي إطار سياسي معين) ([17]).
إلا أن تخلف التشريعات والتنظيمات المسؤولة عن الإدارة الحضرية في المدينة العربية المعاصرة مثل أحد المشكلات الهامة بين عجز هذه النظم والتشريعات عن الوفاء باحتياجات المدن من حيث التنظيم والتنسيق وحتى الرقابة والمتابعة كنتيجة للنمو المتسارع والعشوائي( سكانياً ومكانياً) وهذا ما أثر سلباً على أداء السلطات المحلية عن الوفاء باحتياجات السكان مما أدى إلى شيوع الاستياء والشكوى واللجوء إلى الحكومات المركزية لحل المشكلات المتراكمة بسبب القدرة الفنية والمالية المتميزة للحكومة المركزية بمواجهة الإدارات المحلية مما يؤدي بالنتيجة إلى ضياع استقلالية الإدارة المحلية ([18]).
أن دراسة الأثر الاقتصادي في التكوين الاجتماعي ضرورة ينبغي أن يتبناها رجل القانون في تحديد العوامل الاقتصادية الداخلة في تشكيل الأبعاد القانونية في التشريعات الحضرية وتهدف هذه السيطرة إلى تنظيم العلاقة بين المؤسسات وأفراد المجتمع والبيئة التي يعيشون في إطارها.
 2-3:- برامج التمويل والإدارة الحضرية المعاصرة:
ينبغي النظر إلى برامج التمويل الحضري كجزء مهم من الاقتصاديات الحضرية الحديثة ويرتبط نجاحها بوجود الرصيد المالي لدى الجهاز المحلي.
    فيما تتضح أهمية برامج التمويل الحضري من خلال علاقتها بمجموعة الوظائف الهامة للمجتمع المحلي والذي يتم تنفيذها والتي تهدف وبشكل رئيسي إلى تحقيق:
1-       رفع نسبة الرفاهية الاجتماعية- الاقتصادية لسكان المدينة ومن خلال تهيئة الأراضي الحضرية لمشاريع الخدمات الاجتماعية والاقتصادية.
2-       توفير التسهيلات المكانية لمجموعة الخدمات التي ترتبط بالاقتصاد الجزئي وأيضاً تحقيق الأهداف التي ترتبط بالاقتصاد الكلي.
أي أن برامج التمويل الحضري هذه تهدف إلى تنفيذ متطلبات الأراضي الحضرية والذي يتطلب توفير أموال كبيرة الحجم مقارنة بالمشاريع الحضرية الأخرى مما يعني ذلك ضرورة البحث عن أنسب الوسائل والأساليب التي يمكن الاعتماد عليها في اختيار مصادر التمويل الملائمة لمثل هذه البرامج.
وتبرز أهمية برامج التمويل الحضري من خلال البرامج التي تتحملها الإدارات المحلية لتغطية أو إضافة قدرات تنافسية أكثر خطورة وتعد الموارد المالية العنصر الفعال من أي منظمة أو أي تنظيم( قائم أو ينشأ) للتعامل مع متطلبات التوسعات الحضرية من مرافق وخد\مات وأسس توزيعها المكاني الذي يضمن حسن الأداء.
وإذا ما كانت الصعوبات المالية تقف عائقاً في كثير من الأحيان أمام بلوغ برامج الإدارة الحضرية لأهدافها يظهر هذا دائماً عندما تزداد المدينة حجماً وتصبح ميزانيتها غير متكافئة مع نواحي الصرف المتزايدة الأمر الذي يدعو إلى زيادة الضريبة الموجودة فعلاً أو بفرض ضرائب جديدة ([19]).    
    
2-4: الممارسة التنفيذية في الإدارة الحضرية المعاصرة:
تعبر آليات الإجراءات التنفيذية في برامج الإدارة الحضرية مجال الاختبار الفعلي للمراحل الثلاث سابقة الذكر، فهي تمثل ضمان الالتزام بتوقيتات البرامج التنفيذية ومتابعتها وهي بذلك بحاجة إلى تفعيل آليات عملها وتوضيح أهدافها لتتمكن من الاستفادة من جهود العاملين فضلاً عن إسهام المواطنين في العديد من الجوانب ذات العلاقة بتقييم هذه البرامج وإعادة النظر في آليات عملها وفق عدة آليات هي:
1-    آليات التفويض والصلاحيات الممنوحة للأجهزة التنفيذية المحلية في التعامل مع المشاكل العملية.
2-   آليات التنسيق وتتم هذه من خلال آليات فرعية منها منظمات المجتمع المدني ممثلة بالمجالس المحلية التي تضم رؤساء الأجهزة الخدمية ويعتبر عملها بمثابة حلقة وصل بين الإدارة التنفيذية والمجتمع المحلي ثم الإدارة المركزية والتي تعمل بمساعدة آليات إدارية أخرى مساعدة.
3-   آليات تنمية الموارد المتاحة: ويتم تفعيل هذه الآليات من خلال زيادة إنتاجية الموارد المتاحة فضلاً عن إضافة موارد جديدة من خلال برامج مؤثرة تعمل على زيادة الدخل والإنتاج المحلي.
4-        آليات إعادة التقييم: وتعتبر من أهم الآليات التنفيذية وهي بذات الوقت تجربة تنفيذ للخطط والضوابط وتقييم للنتائج قبل الشروع بالتطبيق.
  
المبحث الثالث
 أوجه الترابط بين الفكر القديم والمعاصر للإدارة الحضرية:
     وفق ما تقدم نجد أن مهام الإدارة الحضرية وفي مختلف المراحل التي مرت بها تنحصر بالدرجة الأساس بما يأتي:-

1-  تحسين هيكل الإدارة والتمويل: حيث يعتبر أهم واجبات الإدارة في البحث عن مصادر التمويل وحسن استيفاءها واستغلالها بهدف تأمين إدامة الفعاليات في المستقرة الحضرية وديمومتها.
2-  تهيئة السكن الملائم والخدمات وهي تعتبر أنبل أهدافها حيث إنها تحقق المأوى الملائم للمواطن وهي ليست بالمهمة السهلة ويتطلب منها مواجهة المعوقات والصعوبات التي تواجه تحقيقها ومنها العجز السكني، عدم قدرة المجتمع على التمويل.
3-     أما أهم أدوات تنظيم الإدارة الحضرية فتتركز في أربع مهام هي:
‌أ-   الإدارة التشريعية: واختلفت من الأسس الأولية( الوقائية والعقابية) إلى العرف والعادات( في العصر الإسلامي) إلى الأنظمة والقوانين ذات العلاقة بعملية تنظيم المستقرات الحضرية في الوقت الحاضر وتتركز مهام التشريع في تحديد المهام ووضع الضوابط إلى التنسيق والتنظيم بين الجهات المسؤولة عن الإدارة الحضرية وعلاقتها بالمستويات الأخرى.
‌ب-  الإدارة التخطيطية: وهي أداة تكميلية للأداة التشريعية تطورات من التفكير العفوي في ( الفكر القديم) إلى منهجية لامركزية اعتمدت مبدأ الشورى والتكامل الاجتماعي( العصر الإسلامي) وصولاً إلى منهجية معتمدة على المؤشرات الاجتماعية- الاقتصادية- العمرانية وبالتنسيق مع الخطط القومية والإقليمية وإدماجها في التخطيط المحلي.
‌ج-    الأداة التمويلية: وهي تعنى بمصادر التمويل للمشاريع الإنتاجية والخدمية وقد يكون التطور في التمويل ناشر بالأساس بفعل إعادة تقسيم العمل ( أي الاعتماد على التمويل الذاتي) في الفكر القديم إلى أسس تمويلية متنوعة تبدأ بالموارد المحلية العامة وتنتهي إلى الموارد الخاصة التي يضطلع بها القطاع الخاص في الفكر المعاصر.
‌د-                      الأداة التنفيذية: وتتمثل في الموارد البشرية والمادية وبمختلف المهارات التي تحتاجها عملية البناء الحضري. 
الاستنتاجات والتوصيات:
أ-الاستنتاجات

1-   أظهر البحث أن تطور مفهوم الإدارة الحضرية وعبر مراحلها المتعددة قد استند إلى الفكر البشري والى جملة المشاكل التي ظهرت بعد التحول في مراكز الإنتاج والعمل من المستقرات الريفية إلى الحضرية.
2-   إن نمط الإدارة الحضرية في العصور القديمة كانت بين نمطين متناقضين فقد جمعت بين الحماية وباعث العدوان ولقد كان لهذا التناقض ما يبرره بسبب الخليط البشري وبشكل عام فأن النمط الذي يمكن وصفه على هذه المرحلة بأنه النمط المركزي الذي يبدأ بالقمة لينتهي بالقاعدة.
3-   أظهرت المؤشرات للعصور القديمة أن الاهتمام قد تركز على شكل الهرمية في الوظيفة وشكل تنظيم استعمالات الأرض الدينية والدنيوية في المدينة القديمة وهذه تؤشر حالات من التطور المبني على الحاجات المتباينة للسكان.
4-   أظهرت الدراسة بأن الأحكام المتعلقة بشكل وظيفة البناء في المستقرات الحضرية القديمة كانت تخضع إلى سيطرة القوى الروحية المتمثلة بتوقيع المعابد وقصور الحكام وهذه بحد ذاتها تمثل مسحة دينية المصدر دنيوية الفكر.
5-   أظهرت الدراسة بأن الكيفية التي تدار بها المستقرات الحضرية القديمة كان يركز على وظيفتين أساسيتين تتعلق الأولى، بوجود التشريع الملائم للعمل البلدي وثانيهما إنها كانت أداة تنفيذية تمارس صلاحيات وسلطات واسعة.
6-   أظهرت الدراسة بأن الأصول التشريعية للإدارة الحضرية في العصور القديمة قد اعتمدت تطبيق الإجراءات العقابية والوقائية كجزء من الإدارة التنفيذية   
7-     إن ما ورد من أخبار وشعر يمثل مصدر المعلومات لفترة ما قبل الإسلام( الجاهلية) في تتبع تطور مفهوم الإدارة الحضرية.
8-   إن العرف والعادات والتقاليد كانا يمثلان مصدر التشريع الرئيسي في تطبيق الإدارة الحضرية في مستقرات عصر ما قبل الإسلام.
9-   النمط السائد في الإدارة الحضرية في عصر ما قبل الإسلام كان نمطاً متغير يحاول متابعة التطور والتمرد على الجمود وبأسلوب لامركزي.
10-        في الإدارة الحضرية عصر الإسلام كان يمثل التفكير الإنساني لإدارة شؤون المستقرة التي يعيش فيها وهي تمثل نمطاً ملائم لبنية المجتمع الإسلامي وبأسلوب توفيقي ما بين البيروقراطية والمشاركة .
11-   اعتماد القرآن الكريم والسنة النبوية كان يمثل قمة هرم التفكير في إعادة صياغة وبلورة الفكر الإنساني في جميع أحوال المسلمين ومنها إدارة المستقرات الحضرية.
12-   في الإدارة التنفيذية تمثل الحسبة مظهراً متقدماً في الفكر التخطيطي والذي يعبر عن مظاهر متنوعة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية كانت ترتبط بحياة الإنسان استطاع من يقوم بها أن يسيطر بمساعدة عيونه على ما تقوم به عدة إدارات وزارية في الوقت الحاضر.
13-   في الجانب التشريعي يمثل دستور المدينة المنورة أول دستور جامع  لمدينة في العالم الإسلامي وهو تشريع مرن جمع بين إدارة الجيرة والعرف الاجتماعي ليصل إلى حفظ حقوق المسلمين وغير المسلمين في أدق حالات حقوق الإنسان.
14-   الإدارة الحضرية في عهد الخلفاء الراشدين تطورت نحو الإقليم الأوسع وهذا يمثل بحد ذاته تطور في إدارة تخطيط المستقرات البشرية.
15-   الإدارة الحضرية المعاصرة تركز أبرز اتجاهاتها في تفعيل دور الإدارات المحلية من مهام تراوحت بين تخويل الصلاحيات وتنفيذ المشاريع وإعادة تصميم التشريع الحضري وتوصيف الوظائف وتعزيز مشاركة المجتمع.
16- تنوع مهام الإدارة الحضرية المعاصرة من إدارة المدن الجديدة إلى خدمات البنى
17- التحتية مروراً بإدارة المناطق المفتوحة والنقل والمواصلات وغيرها.

التوصيات


1-    ضرورة وضع منهجية واضحة وموحدة لبرامج الإدارة الحضرية تشمل بموجبها الأهداف والآليات وتعديل القوانين والتشريعات بما يتطابق مع متطلبات العقيدة الإسلامية والموازنة مع الشروط المحلية والابتعاد قدر الإمكان عن القوانين الغربية.

2-    يرى البحث أن نمط الإدارة الحضرية الملائم للبيئة العراقية( الاجتماعية) هو النمط اللامركزي في الإدارة والتمويل وإشراك المستثمرين والقطاع الخاص في إدارة التنمية وإبراز أهمية القرار المحلي في اتخاذ القرارات.
3-    إعادة النظر باللوائح والنظم وبشكل يساير معه تطلعات السكان مع تبسيط إجراءات التنفيذ.
4-    تدعيم النظم التنفيذية بالفكر الثر للحضارة الإسلامية والاستفادة أقصى ما يمكن من مفهوم الحسبة وإدارتها.
5-    الالتزام بالثوابت العقائدية حيث أن هذه الدراسة تحاول الوصول ولو بقدر ملائم في موضوع الإدارة الحضرية المعاصرة بالتواصل مع الفكر القديم وبمتغيرات منها، الثابت العقائدي( في المنهج الإسلامي) وما عليه من منطقيات بديهية، ثم المنطقة الذي يجب أن تكون عليه الإدارة المعاصرة، وأخيراً التغيرات الزمانية وهو الذي يجب يساير التطور المعاصر.
  
المصادر
-القرآن الكريم
1.     احمد مختار ألعبادي، الحياة الاقتصادية في المدينة الإسلامية، مجلة عالم الفكر، المجلد الحادي عشر، العدد الأول، الكويت، 1980.
2.     جمال حمدان، جغرافية المدن، القاهرة،(د.ت).
3.     جرجي زيدان، تأريخ التمدن الإسلامي، الجزء الأول، بدون تأريخ، بيروت.
4.     محمد عاطف غيث ، محمد علي محمد، دراسات في التنمية والتخطيط الاجتماعي، دار المعرفة، الإسكندرية، 1989.
5.     منظمة المدن العربية، النمو العمراني الحضري في المدن والبلدان العربية، المؤتمر الثامن للمنظمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1986.
6.     منظمة المدن والعواصم العربية، أساليب الإدارة والتنظيم في خدمة المدن العربية المعاصرة، وقائع المؤتمر السابع للمنظمة، الجزائر، 1983.
7.     عامر سليمان،القانون في العراق القديم،الموصل،1977.
8.     عبد السلام هارون،تهذيب سيرة ابن هشام،مؤسسة الرسالة، بيروت،1981.
9.     عبد الرحمن بن نصر الشيرازي، نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق ومراجعة السيد الباز العرني، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1944.
10.       فوزي رشيد، الشرائع العراقية القديمة، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1973.

(11) Dickinson, R.F., “ the growth of historic city in Mayer H., and Kohan, C.E. Ds readings in urban geography Chicago Univ. press 1965.

(12) Weber, max, “the city" translated by Don Martindale and Gentrud Nev with, the free press, New York



([1]) سليمان، د. عامر، القانون في العراق القديم، الموصل، 1977، ص173-219.
([2]) حمدان، د. جمال، جغرافية المدن، القاهرة، غير مؤرخ، ص70-71.
([3]) حمدان، جمال، المصدر السابق، ص71.
* في هذا السلوك يظهر مدى التأثير الذي كانت تمارسه النظم السياسية السائدة على القرار التخطيطي وبكافة مستوياته وصولاً إلى التفاصيل العمرانية في طرز البناء وغيرها.
* الشواهد التاريخية على ذلك واضحة حيث أن بقاء الأبنية ذات الخدمات المركزية كالمعابد وأماكن الحكم خير دليل وشاهد على ذلك.
([4]) سليمان، عامر، المصدر السابق، ص219.
·      من تفاصيل هذه الإجراءات يعاقب البناءين الذين لا يخلصون في العمل لما يقومون به من إنشاء وتشييد المباني له أثراً مستقبلاً عل عامة الناس ومن جملة من نظمت عليه هذه القوانين هو انه إذا ما انهار حائط ما على ساكني الدار وتسبب في حدوث القتل يكون العقاب قتل ابن المعمار مطبقاً في ذلك مبدأ( العين بالعين والسن بالسن) وتعتبر هذه أول فقرة قانونية وتنظيمية تم العثور عليها في تنظيم المستقرات البشرية في العالم وتعتبر بحد ذاتها حد ادنى من التسوية المعمارية في المدينة العراقية.. لمزيد من التفصيل انظر في هذا:
   فوزي رشيد، الشرائع العراقية القديمة، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1973، ص79.
(1) Weber, max, “the city" translated by Don Martindale and Gentrud Nev with, the free press, New York 1966, pp.80. 97.
(1) D: ckinson, R.F., “ the growth of historic city in Mayer H., and Kohan, C.E. Ds readings in urban geography Chicago Univ. press 1965.  P p- 69-72.
([7]) ألعبادي، احمد مختار، الحياة الاقتصادية في المدينة الإسلامية، مجلة عالم الفكر، المجلد الحادي عشر، العدد الأول، الكويت، 1980، ص149-150.
([8]) القرآن الكريم، سورة آل عمران، آية 104.
([9]) زيدان، جرجي، تأريخ التمدن الإسلامي، الجزء الأول، بدون تأريخ، بيروت، ص251-252.
([10]) فيها أنظر كذلك:
    الشيرزي، عبد الرحمن بن نصر في كتابة نهاية الرتبة في طلب الحسبة، تحقيق ومراجعة السيد الباز العرني، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1944، ص118.
* في هذا يتوضح معنى الإدارة الميدانية والإدارة المكتبية في المجال البلدي والحضري.
([11]) هارون، عبد السلام، تهذيب سيرة أبن هشام، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1981، ص123-126.
([12]) منظمة المدن العربية، النمو العمراني الحضري في المدن والبلدان العربية، المؤتمر الثامن للمنظمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، 1986، ص33
* البحث يرى من وجهة نظره إن جوهر الإدارة الحضرية المعاصرة يرتكز على أربع مفاهيم أساسية هي التخطيط والتشريع والتمويل والتنفيذ .
([13]) نفس المصدر السابق، ص22.
([14]) غيث، محمد عاطف، محمد علي محمد، دراسات في التنمية والتخطيط الاجتماعي، دار المعرفة، الإسكندرية، 1989، ص295.
([15]) منظمة المدن والعواصم العربية، بالتحديد حول أساليب الإدارة والتنظيم في خدمة المدن العربية المعاصرة، وقائع المؤتمر السابع للمنظمة، الجزائر، 1983، ص33.
* أنظر إلى المبحث الأول، ما جاء بموضوع الحسبة والمحتسب.
([16]) منظمة العواصم والمدن العربية، المصدر السابق، ص17.
([17]) نفس المصدر السابق، ص17.
([18]) نفس المصدر السابق، ص27.
([19]) محمد عاطف غيث، محمد علي، مصدر سابق، ص295.

هناك تعليق واحد:

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا