التسميات

السبت، 22 مارس 2014

بعض الدلائل الجيومورفولوجية على التغيرات المناخية في اليمن خلال البلايستوسين المتأخــر والهولوسين ...


بعض الدلائل الجيومورفولوجية على التغيرات المناخية

في اليمن خلال البلايستوسين المتأخــر والهولوسين


by :  

Dr.Kadri Abdulbakiد. قادري عبدالباقي - كلية الآدب - قسم الجغرافيا  - جامعة عدن :

المقـــدمة


 تتنوع الدلائل التي تشير إلى التغيرات المناخية القديمة إلى دلائل جيومورفوجية، ترسيبية ، بيئية ، فلورية وأثرية فضلاً عن التدوين التاريخي والغازات المحبوسة في طبقات الجليد والرواسب القارية المحفوظه في قيعان البحار والمحيطات .ومن بين الدلائل السابقة استحوذت مسائل الدلالات المناخية للأشكال الجيومورفولوجية علي إهتمام متزايد قاد إلى ظهور نظم جديدة للجغرافيا الطبيعة مثل: الجيومورفولوجيا المناخية وجيومورفولوجية البلايستوسين . وقد كشفت البحوث والدراسات في تلك النظم أن العلاقة بين المناخ والجيومورفولوجيا تقود إلى تحديد مجالات مورفومناخية متعددة لكل منها عملياتها المورفوديناميكية المتأقلمة مع ظرفها المناخي ، وخاصة الامطار ودرجة التغطية النباتية ، وبالتالي فإن لكل منها مظاهرها الجيومورفولوجية الخاصة المتوازنة مع مناخها التي تتكون فيه .

ومع تطور أساليب وتقنيات البحث الجيومورفومناخي في علاقته بالتغيرات المناخية ، تنامى إتجاه آخر يبحث في جيومورفولوجيا الاقاليم الجافة ودلالاتها المناخية والمقارنة الزمانية للأوضاع المناخية المختلفة على سطح الأرض ومناقشة فرضية العصر المطير(Pluvial age)  في المناطق الجافة المتوافق مع العصر الجليدي في أروبا. وقد حظيت الصحراء الكبرى والصحــراء العــربية بإهتمـام كبير في هذا المجال ، أنظر ( Huzayyin 1984 -1985)
(Hotzl/ Zotl 1978, Flohn 1963 – 1965, ) ، ومع ذلك فقد كان حظ جنوب غرب الجزيرة العربية (اليمن) من تلك الدراسات قليلاً . وتعتبر إسهامـات كـل من : Wissmann (1957)
, Caton – Thompson / Gardner (1939) , Leidlmair (1962) , Bunker (1953) , Mc Clure  (1978 ).  رائدة  في هذا المجال رغم أنها اقتصرت على مناطق جغرافية يمنية دون أخرى وعلى مظاهر جيومورفولوجية معينة .
وعلى الرغم من أن البلايستوسين المتأخر يضم آخر مرحلة دفيئة للأرض بين العصر الجليدي الأخير (Wurm) الذي بداء منذ حوالي 70 ألف سنة من الآن والعصـر الجليدي الـذي قبله (Riss) الذي انتهى منذ حوالي 130/90 الف سنة من الآن ، (Heyer /1972)  إلا إن هذا البحث في مستواه الحالي ركز على بعض الدلائل الجيومورفولوجية للتغيرات المناخية خلال الأربعين الألف سنة الأخيرة أي خلال المرحلة الدفيئة بين الجليدية للفورم والمرحلة الأخيرة للجليــد فورم 2 والهولوسين ، وهي المدة التي شهدت اليمن خلالها  كغيرها من مناطق الوطن العربي والعالم تغيرات مناخية دراماتيكية تعاقبت فيها البرودة والدفء والرطوبة والجفاف.
ويهدف هذا البحث إلى مناقشة وتحليل بعض الدلائل والمؤشرات الجيومورفولوجيه الأكثر إنتشاراً في اليمن ومضامينها المناخية القديمة التي تشكلت فيها وخاصة خلال الأربعين ألف سنة الماضية من البلايستوسين المتأخر والهولوسين .كما يهدف هذا البحث إلى تأريخ  الدورات الهامة للتغير المناخي في اليمن وتفسيرها إنطلاقاً من أسبابها العالمية والأقليمية. وتكمن أهمية هذا البحث في أنه يغطي مساحة جديدة من سطح الأرض لا زالت مجهولة نسبياً في هذا المضمار وتقدم مساهمة علمية أولية في النقاش الدائر حول التغيرات المناخية ودلائلها وخاصة الجيومورفولوجية .

طرق ومواد  البحث
تتحدد مشكلة البحث الرئيسة في تحديد المظاهر الجيومورفولوجية الخارجة عن اطار التوازن المورفومناخي الذي توجد فيه ومعرفة متى نشأت وخاصة مظاهر الارساب المائي السطحي الجاري والارساب الريحي ومظاهر الكارست والرواسب البحيرية نظراً لوضوح دلالاتها ومؤشراتها لكل من المناخ الرطب والمناخ الجاف ، فضلاً عن انتشارها الواسع في اليمن .
ونظراً للحدود المكانية الواسعة لمنطقةالدراسة فإن المسح الجيومورفولوجي الميداني اللازم كان تنفيذه صعباً ، وذلك بسبب غياب الإمكانيات والتقنيات التي لم يستطع الباحث منفرداً توفيرها، ومع ذلك إستطاع الباحث خلال مراحل طويلة اثناء الدراسة والعمل البحثي والتدريسي أن يدون العديد من المذكرات حول مشاهداته الجيومورفولوجية لمعظم الاقاليم الطبيعية في اليمن والتي تمكن من توظيفها لاغراض هذا البحث وهي كافية نسبياً.
وفضلاً عن إستفادته من الخرائط وصور الأقمار الصناعية ومن الدراسات والبحوث الجغرافية والاثرية التي تناولت الموضوع بصورة أو أخرى، استطاع الباحث أن يسقط على منطقة الدراسة التعميمات النظرية حول جيومورفولوجية الاقاليم الجافة والصحراوية في العالم والتغيرات المناخية التي شهدتها وخاصة خلال البلايستوسين المتأخر والهولوسين .
وقد اعتمد الباحث في القسم الاكبر من هذا البحث على المنهج الاستقرائي الذي تترتب فيه الحقائق عن الظاهرة الجيومورفولوجية قيد الدارسة في تنظيم منطقي يقود في النهاية إلى الاستنتاجات التي تحقق الهدف ، وقد استخدم  لذلك مبدأ بسيطاً  ينطلق من أن  لكل مجال مورفو مناخي ملامحه السطحية المميزة ،ومن ثم فإن الإنقطاع  في التوازن المناخي للمجال الجيومورفومناخي يقود إلى تخريب الملامح السطحية القديمة وإحلالها بملامح جديدة خاصة به بحيث تبقى بعض الملامح القديمة اثراً على السطح أو مدفونة بين الآفاق الترسيبية. وبما أن الكشف عن التداخلات في الأشكال الجيومورفولوجية المميزة لكل من المناخ الجاف والمناخ الرطب يعتبر حجر الزاوية في دراسات إنقطاع التوازن للمجال الجيومورفومناخي فأنها تعتبر أيضاً محوراً للبحث عن الدلائل الجيومورفولوجية للتغيرات المناخية .  
ونظراً للصعوبات التقنية والكلفة المالية لتأريخ التغيرات المناخية من خلال تحديد العمر المطلق للأشكال الجيومورفولوجية فقد وظف الباحث لذلك الخرائط الجيولوجية لليمن وما توصلت له بعض الدراسات الأثرية والجغرافية من تحديد للعمر النسبي أو المطلق لبعض الرواسب والمياه الجوفية.
وبما أن الدورة الهوائية الموسمية التي تعمل حالياً على تشخيص مناخ اليمن تعتبر جزءً لا يتجزأ من الدورة الهوائية الكبرى للأرض تؤثر وتتأثر بها فقد إعتمد الباحث على المعرفه الحالية حول العوامل المؤثرة في مناخ اليمن وحول تذبذب سطح البحر وفرضية زحزحة النطاقات المناخية أثناء العصور الجليدية وما بين الجليدية ، في تفسير التغيرات المناخية القديمة في اليمن .

 

 خلفية جغرافية طبيعية

 تتميز اليمن بخصائص جيوتضاريسية وطاقة إنحدارية كبيرة اكتسبتها بتأثير من العامل الجيوتكتوني الذي تدخل كثيراً في تقسيم اليمن إلى أربع وحدات جيوتضاريسية كبرى هي : (أنظر الخريطة  المرفقة )
1- المرتفعات الجبلية الغربية                   2- هضبة حضرموت
3- السهول الساحلية                           4- الأراضي السهلية الداخلية .
وتظهر المرتفعات الجبلية الغربية لليمن ارتباطاً كبيراً بالظروف الجيوتكتونية المصاحبة لانفلاق خليج عدن والبحر الاحمر ، حيث عملت حركة الصفيحة العربية المنفصلة عن الصفيحة الافريقية على رفع الدرع العربي الجنوبي لما قبل  الكمبري والتكوينات الرسوبية



الجوراسية التي تغطيه في بعض المواقع . وفضلاً عن نشأة المرتفعات الجبلية الغربية في اليمن عملت تلك الحركات الجيوتكتونية على خروج المصهورات البازلتية التي غطت معظم هذه المرتفعات .ونظراً للطاقة الانحدارية الكبيرة التي إكتسبتها تلك المرتفعات وخاصة المنحدرات الجنوبية والغربية ، فقد نشطت هناك  العمليات المورفوديناميكية للجريان السطحي التي لازالت في عنفوانها وعملت على تقطيع تلك المنحدرات إلى العديد من الوديان الخطية العميقة وتطوير نظم التصريف السطحي إلى كل من خليج عدن والبحر الاحمر . أما فيما يتعلق بالمنحدرات الشمالية الشرقية والشرقية  فإنها أقل انحداراً وتأخذ شكلاً هضبياً ينحدر ببطء إلى الأراضي السهلية الداخلية ، وقد تعرضت هذه المنحدرات لمراحل طويلة من التعرية المائية السطحية الجارية وخاصة خلال الزمن الثاني ، عملت على تشكيل الوديان الخانقية الطــويلــة التي تتميــز بهــا فضــلاً عــن سطــوح التســويـة القديمة.(أغا/1983م   (Villwock /1991 , Geukens/1966وعلــى ارتفــاع يتــراوح بين 2100 – 2700 متر فوق سطح البحر توجد في المرتفعات الجبلية الغربية سلسلة من الاحواض المركزية تحيط بها قمم الجبال تتميز بالتضاريس التلالية والسهلية مع وجود مظاهر للتخديد السطحي لعدد من الاودية العريضة والضحلة . وتمتد تلك الاحواض المركزية  في تواز مع إتجاهات حركة الرفع الجيوتكتونية وهي :  صعدة ، عمران ، صنعاء ، ذمار ، معبر ، يريم ، رداع ، القاعدة ، الضالع ـ قعطبة  ، موديه ـ لودر .
ومع أن هضبة حضرموت في شرق اليمن قد تكونت خلال حركة التوائية صاحبت انفلاق خليج عدن خلال الميوسين إلا أنها من الناحية الجيومورفولوجية تظهر ارتباطاً أكثر بالظروف اللثولوجية ، نظراً لمكوناتها من صخور الحجر الجيري. وقد تعرضت هضبة حضرموت للتعرية المائية السطحية الجارية والجوفية التي عملت على نحت وإذابة التكونيات الجيرية وصخور الحجر الرملي التي في اسفلها ونتج عنها تكوين الخوانق الضيقة والعميقة  التي تصل حتى عمق 400 متر  دون مستوى  سطح الهضبة التي يتراوح إرتفاعها بين 2500 ـ 1000م فوق مستوى سطح البحر .وقد تطور عن تلك العمليات المورفوديناميكة القديمة في هضبة حضرموت نظام تصريف وادي حضرموت المسيله الذي مزق الهضبة تمزيقاً شديداً وميزها بحوافها الحادة التي تطل على بطون الاودية وعلى الاراضي السهلية الداخلية في رملة السبعتين في الغرب  .
ونظراً للتصدع الشديد الذي تعرضت له منحدرات هضبة حضرموت الجنوبية نحو خليج عدن فإنها  تتميز بالتضرس والطاقة الإنحدارية الكبيرة نحو خليج عدن في الجنوب ما أدى إلى زيادة فاعلية الجريان السطحى وتكوين عدد من نظم الوديان الساحلية القصيرة . أما فيما يتعلق بالهضبة الشمالية لحضرموت فإنها أقل ارتفاعاً من الهضبة الجنوبية ، وتنحدر تدريجياً نحو الشمال لتغوص تحت رمال صحراء الربع الخالي الجنوبية الغربية .
وبين جروف هضبة حضرموت في الشرق والمرتفعات الجبلية في الغرب توجد رملة السبعتين الصحراوية الداخلية التي تتميز بالانبساط مع إنحدار طفيف إلى الشرق ، وهي تعتبر بنية جيوتكتوينة انهدامية نشأت من هبوط أخدودي صاحب إنفلاق البحر الاحمر،يصل عرضها إلى 350 كلم وترتفع إلى حوالي 1000 متر فوق مستـوى سطح البحر ،,Villwock/1991)عبد الباقي 2002م) وهي تتصل عبر سلسلة من التلال الجبلية من جهة الشمال بإطراف الربع الخالي الجنوبية الغربية ، المكون الآخر للأراضي الداخلية .
وتتميز السهول الساحلية بأنها سهول انهدامية أيضاً هبطت  بسبب العمليات الجيوتكتونية المصاحبة لتكوين خليج عدن والبحر الاحمر ، وهي منبسطة إلى تلالية يتدرج فيها الارتفاع عن سطح البحر بصورة بطيئه إلى ارتفاع 400 – 500 متر عند اقدام المرتفعات الجبلية الغربية وهضبة حضرموت الجنوبية . ويصل طول السهل الساحلي الغربي (سهل تهامة) إلى حوالي 5000 كلم ويتراوح عرضه بين 30- 60 كلم ،  اما السهل الساحلي الجنوبي فهو اكثر طولاً حيث يصل إلى 1500 كلم وهو أقل اتصالاً من السهل الساحلي الغربي ، حيث تحد من استمراريته العديد من الرؤوس الجبلية. وبإستثناء الجزء الشرقي من السهل الساحلي الجنوبي الذي يخضع لنشاط النحت بواسطة الأودية القصيرة ، فإن معظم السهول الساحلية تعتبر تراكمية   .
وبوجه عام تهيمن في اليمن في الوقت الراهن العمليات المورفوديناميكية لنوعيـن مميـزين مـن المناخ همـا:
1- المناخ شبه الجاف في هضبة حضرموت الجنوبية والمرتفعات الجبلية الغربية التي فيها تتحسن الظروف المناخية خاصة في مرتفعات إب ، إلى المناخ شبة الرطب  الذي يعد امتداداً لمناخ نطاق الساحل الإفــريقي .(Remmele /1989)
2- المناخ الصحراوي الجاف إلى القاحل ويسود في الأراضي الداخلية  والسهول والساحلية .
وتتأثر العمليات المورفوديناميكية الحالية كثيراً بالتجوية الكيميائية والتجويه الميكانيكية المؤقتة المرتبطة بالوضع المناخي شبه الموسمي وخاصة في السفوح الغربية والجنوبية للمرتفعات الغربية وهضبة حضرموت الجنوبية فضلاً عن مناطق التصريف السيلي شبه  الموسمي .وتأتي عمليات النحت والترسيب بواسطة  السيول شبة الموسمية في مقدمة العمليات التي تعكس الظروف المناخية الحالية ، وهي تختلف مكانيا بإختلاف درجة التدهور في الغطاء النباتي واختلاف الخصائص المطرية والطاقة الإنحدارية .  وتظهر هذه الإختلافات المكانية   في شدة العمليات الفيضية ، حيث تسود عمليات النحت الخطية في المرتفعات الغربية وتسود عمليات التعرية المساحية في المناطق المسطحة وخاصة في هضبة حضرموت ، كما أن عمليات الترسيب في الوديان والاراضي السهلية تشهد ايضاً عمليات التعرية الافقية بفعل السيول الكبرى. وبوجه عام فإن تلك العمليات تعمل في الوقت الحاضر بصورة بطيئه على تعرية السفوح ونقل الرواسب وبناء سهول أقدام الجبال.
ونتيجة لهيمنة المناخ الجاف والقاحل  في معظم جهات اليمن فإن العمليات الريحية تنشط كثيراً  وخاصة في الجهات التي يقل فيها المطر عن 100ملم في السنة .هذه العمليات الريحية تسود اليوم في المناطق الصحراوية الداخلية والسهول الساحلية ، حيث تزداد عمليات اعادة  تموضع الرمل والغبار وبناء الكثبان الرملية ، ومع ذلك فإن هذه المناطق تشهد ايضاً بعض العمليات  الخاصة بالمياه السطحية الجارية المؤقته وهي تنحصر في بطون الأودية  حادة الجوانب والتي بعد خروجها من هوامش الجبال تتسع وتتداخل مع الرواسب الريحية .

 

المضامين المناخية القـديمة لبعض  أشكال سطح الأرض اليمنية

- تبدلات وتحويرات نظم أو شبكة  التصريف المائي السطحي
  توضح الخريطة المرفقة بهذا البحث أن معظم مساحة اليمن تشكل حوظاً طبغرافياً عظيماً مساحته حوالي ( 136 ألف كلم2) يمكن أن يتواصل فيه الجريان المائي السطحي في ظروف المناخ المطير بحيث يكون حوضه الأعلى في المنحدرات الشمالية الشرقية للمرتفعات الجبلية الغربية ويصب في البحـرعبـر حـوضه الأدنـى في وادي حضرموت  -المسيلـه. (Abdulbaki/2000 ) حالياً ينفصل هذا الحوض الطبغرافي العظيم في نظامه التصريفي بواسطة رملة السبعتين الجافة إلى القاحلة فضلاً عن الظروف المناخية الحالية الجافة إلى شبه الجافة في منحدرات الحوض الأعلى التي تعجز عن التغذية المطرية الكافية لأوديتها كوادي الجوف وبيحان وغيرها، وعن شق رملة السبعتين ومواصلة تصريفها السطحي إلى وادي حضرموت ـ المسيلة. وقد توصلت البعثة الفرنسية العاملة في مجال الآثار  في رملة السبعيتين عام 2000م بواسطة تحليل كاربون 14 إلى الكشف عن أودية مقبورة هناك كانت تصل بين وادي الجوف ووادي حضرموت ، وأشارت إلى أن التواصل الهدرولوجي بينهما كان  قائماً قبل 7000 سنة من الآن. (Yemen Times /2000) من جانب آخر تؤكد الدراسات والمشاهدات التجانس الكبيـر بين الـرواسب المطلـة على الأودية غرب وشرق رملـة السبعتين.  Rathjens and  Wissmann /1932) Geol .Cons. co. /1995) وفي مناطق يمنية أخرى رصدت الدراسات الجيولوجية والصور الجوية في كل من سهل تهامة والسهل الساحلي الجنوبي الغربي وفي سهل مودية ـ لودر ودياناً مدفونة تحت الرواسب الفيضية بالقرب من الوديان الحالية  تمثل بقايا نظم تصــريفيـة قديمــة منقطعــة  بسبب تغير الظروف المناخية، ( Geo.Cons.Co./1995, Moselley /1971)غير أن تلك التغيرات لم تؤرخ بعد .
وفضلاً عن التبدلات السابقة في نظم التصريف المائي السطحي يمكن ملاحظة بعض التحويرات في شبكة التصريف السطحي ناتجة عن النحت التراجعي والأسر النهري.   وتتركز معظم ظواهر الاسر النهري في نظم التصريف السطحي في المرتفعات الجبلية الغربية التي تتميز بالطاقة الانحدارية الكبيرة. ومما يذكر في هذا المحال أن الجزء الجنوبي من سهل صنعاء أصبح مدرجاً نتيجة للأسر النهري لروافد وعلان، كما أن روافد وادي سهام ومور العليا استطاعت أن تصل في نحتها التراجعي إلى المنخفضات الوسطى في كل من حوض صنعاء وحوض ذمار ، وأن روافد الحوض الأعلى لوادي بناء نشطت في نحتها التراجعي واستطاعت أن تأسر بعض روافد الحوض الأعلى لوادي زبيد ، هذا  فضلاً عن ظواهر الأسر النهري في شمال شرق هضبة حضرموت .هذه الظواهر وغيرها لم تؤرخ بصورة دقيقة في اليمن ، ومع ذلك فإن ظواهر الاسر النهري تتسارع مع النشاط المتواصل للنحت الخطي في ظل ظروف مناخية مطيرة حدثت خلال مراحل مختلفة من البلايستوسين (الارياني /2000م أغا /(Geukens /1966 , Linke /1968 , Bunker /1953 , 1983  

- تراجع السفوح وركاماتها
يعتبر تراجع السفوح مؤشراً جيداً لظروف مناخية أكثر مطراً كما أنها تؤشر أيضاً لزيادة نشاط النحت المساحي الصفائحي الذي ينتج عنه تكوين التلال أو الجبال المعزولة التي تشاهد الآن في هوامش جبال المرتفعات الغربية وهضبة حضرموت من جهة الغرب. من جانب آخر تعتبر ركامات السفوح وتنوعها إلى مفككة ومتماسكة مؤشراً جيداً للتغيرات المناخية طويلة المدى. وتشير الركامات المفككة إلى الظروف الجافة وشبة الجافة والتصحر في حين تشير الركامات المتماسكة إلى نشاط لاحق لظروف التجوية الكيمائية والبيولوجية. (Cooke / 1993) وتشاهد في اليمن مختلف أنواع الركامات المفككة والمتصلبة ، وهي في أقدام جروف هضبة حضرموت  تتميز بالتداخل والتطبق .(Wissmann /1957) وقد عثر في الركامات المتماسكة هنا على بقايا أثرية تشير إلى استخدامها من قبل الإنسان اليمني القديم لأغراض العبادة ودفن الموتى ، وقد حدد بأنهـا تعــود إلــى البلايستوسين المتأخر. (Caton – Thompson and  Gardner /1939) كما تشير الدراسات الأثرية في ركامات السفوح المماثلة في أقدام جبال المرتفعات الغربية حول حوض ذمار إلى أنها تحولت إلى مدرجات زراعية منذ وسط الهولوسين، (Eden /1999) وفي هذا مؤشر لتبدل الظروف المناخية إستدعى الحاجة إلى إصطياد مياه الأمطار وحجزها في المدرجات .
- الرواسب الفيضيه (Pluvial   ) وشبة الفيضيه ( Proluvial )
تعد الرواسب الفيضية  وشبه الفيضية المفتاح الاكثر أهمية في معرفة التاريخ المناخي لليمن نظراً لوضوح نسيج كل منها. وتتميز الرواسب الفيضية بدرجة عالية من التنعيم لمكوناتها من الطمى والصلصال والطين ، وهي بذلك تشير إلى نشاط متواصل للتعرية المائية السطحية في ظل مناخ رطب إلى شبه رطب يسوده كساء نباتي وفير عمل على تماسك المنحدرات . أما الرواسب شبه الفيضية فإنها تتميز بنسيج خشن يشير إلى فجائية التصريف السطحي فضلاً عن حمولته الكبيرة المتنوعة المنقولة من السفوح الخالية من النبات الطبيعي وهي جميعها تعد من مميزات المنــاخ الجــاف إلــى شبــة الجــاف(Cooke /1993 ,  Villwock /199 ,Thomas /1989) .
وتنتشر الرواسب الفيضية الناعمة([1]) في اليمن في بطون الأودية وخاصة في الاحواض الدنيا حيث تشكل السهول الفيضية والدالات وترباتها الفيضية ، (انظر الصـورة 1) كما توجد ايضاً مدفونة تحت الرواسب الريحية ، وقد عثر عليها في مدرجات روافد وادي حضرموت وفي أسفل رملة السبعتين وفي آفاق التربات المغسولة ( Luvic  Argid ) في المرتفعات الجبلية الغربية.
  
 (صورة رقم  1) الرواسب الفيضية الناعمة  في وادي دوعن ـ حضرموت
(نقلاً عن Sedov/1997)

وفيما يتعلق بالرواسب شبه الفيضية فإنها تتميز بتكويناتها المختلطة من الرمل والحصى والحصباء والطمي والطين الفقير في نعومته ، وهي  أكثر أنواع الرواسب التي القتها المياه السطحية الجارية  شيوعاً في اليمن وتسمى احياناً بالزلط (Gravel) وهي تنتشر في المرتفعات الجبلية الغربية في الأحواض المركزية ومنحدراتها وفي بطون الروافد العليا للأودية اليمنية ومدرجاتها ، حيث تشاهد متطبقة مع الرواسب النـاعمـة وخـاصة في  حضرموت وميفعة. ((Geo . Cons .Co . /1995   هذا النوع من الرواسب شبه  الفيضية يشير إلى ظروف وسطية بين المناخ الجاف و الرطب  إلى المناخ شبه الجاف أو الموسمي .
وبالنظر إلى عمر أنواع الرواسب المائية السطحية الجارية التي توجد على السطح واستناداً  إلى الخريطة الجيولوجية لليمن ، فإن تلك الرواسب تعود إلى مراحل مختلفة للبلايستوسين ، حيث تتداخل بوضوح في رملة السبعتين بين المرتفعات الجبلية الغربية وهضبة حضرموت، وقد عثر هناك على جيلين من الدالات الفيضية : يعود الأول إلى البلايستوسين المتأخر  في حين يعود الثاني إلى الهولوسين ،يفصل بينهما رواسب شبه فيضية  .(Geol . Cons . Co . /1995)
ويتبين من التداخل الرأسي والأفقي للرواسب الفيضية وشبةالفيضية في اليمن أنها تكونت في ظل ظروف مورفوديناميكية متغيره بين النحت والترسيب بنوعية الناعم والخشن .وتظهر ملامح النحت الرأسي والتعميق في الرواسب القديمة وتكوين المدرجات في معظم الأودية اليمنية . وفي الروافد الجنوبية لوادي حضرموت يمكن مشاهدة 2-3 مدرجات ترتفع عن بطن الوادي  إلى 20 متراً . وبوجه عام يتكون المدرج الأسفل من الرواسب الخشنة (الزلط) يعلوه مدرج الرواسب الناعمة التي تتميز في بعض المواقع بوجود آفاق ديسمترية من الغرين الصلصالي، وفوق مدرج الرواسب الناعمة يوجد احياناً مدرج ثالث آخر من الزلط. (Leidlmair /1962 , Caton – Thompson and Gardner /1939) ويشاهد  مثل هذا التطبق بين الرواسب الخشنه والرواسب الناعمة في أودية المنحدرات الشمالية الشرقية والشرقية للمرتفعات اليمنية الغربية وجنوب جبل النبي شعيب  ووديان سهل تهامة ووادي عقان رافد وادي تبن .(ابو غنيم/1999 ، (Rathjens and Wissmann  /1932 Bunker /1953 , Linke /1968   وقد عثر في الآفاق العليا للرواسب الخشنة شبة الفيضية وخاصة في المدرجات العليا لروافد وادي حضرموت على آثار بشرية من نوع التشظي تعود إلى العصر الحجري القديم ؛ الباليوثويك تنتمي  إلى الثقافه الليفاليونية ، ([2]) (Coton – Thompson and Gardner /1939)   كما أن نفس النوع من الرواسب في السهل الساحلي لحضرموت  قدر أنها تعود إلى المرحلة المطيره خلال الفورم ، (1962/ Leidlmair ) في حين عثر على سطح أحد المدرجات الخشنة في صنعاء على آثار اشوليه.(Rathjens  and Wissmann /1932) وفضلاَ عن المؤشر العام  بأن عمر المدرجات العليا تعود إلى مراحل متعددة في وسط  البلايسيتوسين المتأخر فإن عمر المدرجات المنخفضة تعود إلى مراحل حديثة.
ومن جانب آخـر تمكنت  الدراسة الأثرية في حوض ذمار من  تحديد عمر آفاق التربات المغسوله (Luvic Argid) بـواسطـة كـاربون 14بحـوالـي 5500 سنة من الآن  (Wilkenson and Edens/1999) وهي  تشير إلى مرحلة  تتميز بدرجة عالية من الإنتظام في سقوط الأمطار وإلى عمليات غسيل للمفتتات الناعمة  وتكوين هذا النوع من التربة المعروفة هنا بإسم تربة جهران ، التي تغطي بطبقة من الرواسب شبه الفيضية التي تشير إلى نشاط لاحق لتعرية السفوح والمنحدرات في ظل مناخ يتميز بالأمطار الموسمية .
 وفضلاَ عن شواهد التغييرات المورفوديناميكية السابقة توجد في بطون الأودية أيضاَ عدة مؤشرات على التبدلات المورفوديناميكية التي حدثت خلال العصور التاريخية لما قبل الإسلام تدل عل التحولات المناخية القصيرة ، وقد نتج عنها تعميق وزحزحه مجاري تلك الأودية بسبب النحت الرأسي في بطن الوادي . وقد عثر في بطن وادي دوعن أحد روافد وادي حضرموت الجنوبية على بقايا سد ونظام ري قديم واسع الانتشار يعود لما قبل الإسلام يقع اليوم مرتفعاً عن مستوى بطن الوادي ، كما عثر على ارتفاع 2 متر فوق مستوى المجرى الحالي لوادي عدم ، رافد جنوبي أخر لوادي حضرموت ، على بقايا قناتين للري تعودا أيضاً إلى فترة ما قبل الإسلام.(Leidlmair /1962 , Brunner /1997 Caton- Thompson and Gardner /1939) وقد أدى هذا التحول المورفوديناميكي إلى تعطيل نظم الري القديمة هنا وإلى هجرة الأراضي الزراعية والمدن القديمـة التي أزدهرت حضـاراتها مثـل ريبون فـي وادي دوعن وذلك في المدة بيـن النصف الاول للألفيـة الثانية ق . م إلى النصف الأول للألفيـة الأولى ق . م . (Sedov/1997) مثل هذه الهجرة لنظم الري القديمة والأراضي الزراعية تشاهد دلائلها أيضاً حول رملة السبعتين في وادي مرخة وبيحان ومأرب.(أنظر الصورة 2)وتشير تحليلات العمر المطلق لعينات من الفحم النباتي (Charcoal) في وادي مرخة أن تلك الأراضي الزراعية قد هجرت مع نهاية الألفية الثانية وبـدايـة الألفيـة الأولى قبل الميــلاد. (Brunner /1997)


(صورة رقم 2) : بقايا جذوع النخيل في أراضي زراعية مهجورة في هجر أم بركة في وادي مرخه
(نقلاً عن Brunner /1997 )


- الرواسب الجيرية ومظاهر الكارست 
تقدم الرواسب الجيرية ومظاهر الكارست في الأقاليم الجافة دليلاً غير مشكوك فيه على سيادة قديمة وطويلة لعمليات الإذابة والترسيب لتكوينات الحجر الجيري في ظل ظروف مطرية غزيرة ، كما أنها مؤشر هام لارتفاع منسوب المياه الجوفية ووفرة في غاز ثاني إكسيد الكربون العامل المؤثر في تحويل المياه إلى حمض مذيب للصخور الجيرية. وفي حين تشير مظاهر النحت بالإذابة وتكوين مظاهر الكارست كالحفر والكهوف إلى ظروف مناخية باردة فإن مظاهر الإرساب للمواد الجيرية المذابة في المياه الجوفية،  تشير إلى ظروف  دفيئة ينتج عنها إنفصال تلك المواد الجيرية المذابة عند خروجهـا إلى السطـح
(حج حسين / 1988 ـ 1989(Thomas /1989/.
 وتوجد الرواسب الجيرية ومظاهر الكارست في اليمن في عدة مناطق متفرقة ، حيث تسود في هضبة حضرموت الجيرية (أم الرضومه) وفي جزيرة سقطرة وتكوينات كحلان الجيرية في غرب اليمن . كما توجد الرواسب الجيرية أيضاً في الأفق السفلى لمعظم أنواع التربات في المرتفعات الجبلية الغربية . (أغا / 1983 ، عباس / 1996).
وفي حضرموت توجد رواسب التوفا (Tufa)  في مدرجات روافد حضرموت. وقد عثر الأثريون في هذه الرواسب على آثار بشرية تعود إلى الثقافه الليفاليونية (Caton – Thompson and Gardner /1939) كما عثروا فيها على ثمار نبات(Celtis Intergrifolia) ذات الأصول السودانية والتي ينحصر وجودها اليوم في الجهات الجبلية الرطبـة من اليمن .(Wissmann/1957) وتشير الدراسات  في الجزيرة العربية إلى أن رواسب التوفا وتكوينات الترافرتين أو (Sinter  ) التي تتشابه في احتوائها على نفس الحفريات النباتية ، تنقسم من حيث العمر إلى مجموعتين: قديمة تكونت خلال المدة ما بين 30 – 25 ألف سنة من الآن، وأحدث منها تكونت خلال المـدة ما بين 5-9 ألف سنة من الآن. Hotzl and Zotl /1978))   
وتوجد في جروف هضبة حضرموت المطلة على وادي حضرموت وفروعه  سلسة من  أقواس الحفر العميقة بعرض يصل إلى 30 متر ، وذلك في الخط الأفقي المسمى بأفق الينابيع الفاصل بين التكوينات الجيرية في الأعلى وتكوينات الحجر الرملي أسفلها. في هذا الأفق توجد أيضاً رواسب  التوفا والترافرتين لكن قليل منها يعتبر حديناً ، حيث أن معظمها قد توقف تشكيلها وتعرضت للتجوية الشديدة كما هو الحال في الأعمدة الجيريه في كهوف وادي عمد .
 وفضلا عن مظاهر الكارست السابقة توجد في حضرموت أيضاً مغارة جيرية يطلق عليها بير برهوت، وذلك في منتصف التكوينات الجيرية المطلة عل وادي المسيلة ، وهي مغارة تسمح بدخول الأنسان ، وهي تارة أفقية وتارة أخرى رأسية بطول يصـل إلى حوالي 600 متر وأرضيتها مغطاة بمفتتات ناعمة من المواد الجيرية فاتحة اللون بسمــك يتراوح بين 5-10سم. (Wissmann/1957) مثل هذا المغارات أو الكهوف توجد أيضا في مختلف المناطق الجيرية اليمنية لكن مداخيلها ، بإستثناء القليل منها ، ليست معروفة بعد.
من جانب أخر لوحظ أن الرواسب الجيرية (Calcret) أو (Calache) في التربة اليمنية  توجد بشكل متعادل في كل الآفاق ، وذلك في معظم أنواع التربات ، حيث تتركز في الأفق الأسفل  على عمق 25-50سم وخاصة في تربات الأحواض المركزية للمرتفعات الجبلية الغربية، وقد لوحظ أن سمك تلك الرواسب وعمقها يزداد من المناطق الجافة إلى شبه الجافة وشبه الرطبة .
 (Dent and  Murtland /1990, Villwock /1991 ،أغا /1983 ، عباس / 1996) وتؤشر الرواسب الجيرية في التربةإلى مدى تطور قطاع التربة ودرجة الغسيل ومستوى التجوية الكيميائة ، كما أن وجودها في المناطق غير الجيرية يعد مؤشراً هاماً للظروف المطيرة الغزيرة التي عملت علىتفعيل عمليات التجوية الكيميائية والغسيل  .
وفي غيل باوزير شرق المكلا في ساحل حضرموت توجد على السطح قشرة كلسية حمراء ساهم في بنائها كل من الجبس والأنهدرايت ، يتراوح سمكها بين 10-20 متر تغطي مساحة قدرها 50 كلم مربعاً. (Geol. Cons.Co. /1995) وتشاهد مثل هذه القشرة الكلسية أيضا في مناطق يمنية متفرقة مثل غرب وادي ميفعة في منطق الحمراء بين موديه والمحفد وفي الحامورة غرب تعز. وتشير الدراسات إلى أن نشأة تلك القشرة الكلسية ترتبط بعمليات ترسيبية للمياه الجوفية القريبة من السطح ،  التي تؤشر بدورها إلى ظروف مناخية رطبة عملت على تغذية المياه الجوفية في ظل نظام هدرولوجي إيجابي نشط . وبواسطة أساليب تحديد العمر المطلق للمياه الجوفية الأحفورية تبين أن مثل ذلك النظام الهدرولوجي النشط ساد عدة مرات خلال الأربعين الف سنة الماضية في السعودية واليمن ، حيث حدد عمر المياه الاحفورية في تكوينات أم الرضومة في المملكة العربية السعودية  ما بين 34500 و 22500 سنة من الآن ، (Hotzl and Zotl/1978) في حين حدد عمرها في الأحواض العليا للمرتفعات الجبلية الغربية في اليمن بحـوالي 20 ألف سنة من الآن ، وهي في دلتا وادي سهام تعود إلى 4400 سنة من الآن. (Jungfer /1987)
ومع توقف وتعطل تطور مظاهر الكارست في اليمن والجزيرة العربية في ظل ظروف المناخ الجاف الحالي إلا أننا لاحظنا بأن الحفر الكارستية لا زالت تتكون ، وقد لاحظ ذلك أيضا أبو الحجاج في السعودية. (عبد الباقي / 2002م Abul Haggag /1982 -1983) وفي منطقة غيل باوزير تبين للباحث أن عدد هذه الحفر الكارستيـة والتي تسمى هنـا بالمعاييـن في ارتفـاع ( أنظر الصورة  3)


(الصورة 3 ): أحدى الحفر الكارستية أو المعايين في غيل باوزير ويظهر فيها مستوى المياه الجوفية .
(من تصـوير الباحث)

إن تفسير نشأة هذه الحـفر الكارستية الجديدة يعزز مسألة التغيرات المناخية ، ذلك أنه في ظل ارتفاع منسوب المياه الجوفية إلى السطح نشطت عمليات الإذابة السفلية للقشرة الكلسية هناك لكن ضغط المياه الجوفية عمل عل دعم وتماسك تلك التكوينات . ومع انخفاض مستوى المياه الجوفية في ظروف المناخ الجاف الحالي وسلبية التوازن المائي الجوفي ،  توقف دور المياه الجوفية في تماسك التكوينات الجيرية الأمر الذي أدى إلى انهيار سقوف التكوينات الجيرية في أماكن متفرقة من منطقة غيل باوزير وتكوين الحفر الكارستية أو المعايين .(انظر أيضاً   (Plummer/1993).

- الرواسب البحيرية) Lacustrine Sediments (
في الوقت الحاضر لا توجد بحيرات دائمة في اليمن  باستثناء الأراضي الرطبة المالحة (Wettlands) التي تنتشر بالقرب من البحر في العديد من السواحل اليمنية ، والأراضي  الرطبه العذبه المحدودة والمتفرقة في روافد الأودية  وخاصة في المرتفعات الجبلية الغربية.  (Scott /1995) وتشير الرواسب البحيرية التي عثر عليها في أماكن متفرقة في روافد وادي حضرموت والأراضي الصحراوية الداخلية والأحواض المركزية في المرتفعات الجبلية الغربية إلى أن البحيرات كانت تنتشر في الأراضي اليمنية في ضل مناخ أكثر مطراً من المناخ الحالي .
وتتداخل الرواسب البحيرية في اليمن مع الرواسب الفيضية الناعمة حيث تتميز  بدرجة عالية من التنعيم  لمكوناتها من رواسب الصلصال الملحي الناتجة عن مراحل طويلة من التجويه الكيميائية للمواد الفيضية المحمولة بواسطة المياه السطحية الجارية التي إستقرت في البحيرات. (Geol .Cons. Co. /1995) ولقد عثر علمــاء الآثار في الرواسب البحيرية الفيضية في مدرجات الأودية في كل من حوض صنعاء وحوض ذمار على أنــواع مختلفـة مـن الأصداف الأفرو إثيوبية (gastropic) التي تشير حياتها إلى بيئات طينية ومياه بحيرية راكده ، (Wilkenson and Edens /1999) ، كمـا عثـر عليهــا أيضــا في مـدرجات وادي دوعـن(Caton – Thompson and Gardner /1939وقد تحدد عمر الأنواع المشابهة لها التي تنتشـر في الجـزيـرة العربية حتى مـدار السـرطان بحـوالـي 8400 سنـة قبـل الآن (Hotzl and Zotl /1978).
ونظراً لانحدار سطح الأرض في روافد وادي حضرموت وأودية حوض صنعاء وحوض ذمار فإن من المرجح أن تكون قد سبقت مرحلة تكون الحياة البحيرية هناك ، مرحلة من المناخ شبة الجاف امتلأت فيها المجاري العليا للروافد بالرواسب شبه الفيضية التي عملت على إعاقة الجريان السطحي في ظل المناخ المطير اللاحق وتشكيل سلاسل متقطعة من  المستنقعات  والبحيرات والبلايات المرتفعة .
وفي الأراضي الصحراوية الداخلية في شرق رملة السبعتين يقود وجود الحفريات ورواسب الصلصال الملحي، التي تغطي حاليا المساحات بين  الكثبان الرملية الخطية إلى الإفتراض بأن بحيرة عذبة ضحلة كانت تسود في تلك الجهات تنتهي إليها الأودية المنحدرة من المرتفعات الجبلية الغربية. (Geol .Cons . C /1995) واستناداً إلى الصور الجوية والآثار التي عثر عليها في رملة السبعتين أكدت البعثة الفرنسية للآثار الافتراض السابق وذهبت إلى أن البحيرة كانت عظيمة وتربط بين وادي الجوف في الغرب ووادي حضرموت في الشرق   وذلك في حوالي 7 ألف سنة من الآن .(Yem .Times /2000) وفي الأطراف الجنوبية الغربية للربع الخالي عثر أيضاَ في المساحات الفاصلة بين  الكثبان الرملية الخطية على حفريات مماثلة مدفونة تحت السطح تعود إلى البلايستوسين المتأخر بين 36- 17 ألف سنة من الآن ، وأخــرى تعـود إلـى الهـولوسين بين 9-5 ألف سنــة من الآن.(McClure /1978) (انظر الصورة 4 ).
وتشير الدراسات حول بحيرة Abhe في جبوتي المجاورة لليمن  إلى أن سطح الماء فيها كان مرتفعاً ، وتدل عليه الرواسب الشاطئية وحفريات أصداف المياه العذبة وذلك في حوالي 17 ألف سنة من الآن  ثم هبط مستواها وارتفع مجدداً في حوالي12 ألف سنة من الآن ،وعاد للهبوط منذ منتصف الهولوسين وأستمر في ذلك حتى وصل إلى الـوضـع الحــالي. (1982-1983 El Sharkawy/)





(صورة رقم 4) : الرواسب البحيرية في المساحات الفاصلة بين الكتبان الرملية الخطية في الأطـراف الجنوبية الغربية للربع الخالي ( نقلاً عن McClure /1978 )

- الكثبان  الرملية الخطية (العروق )
تسود الكثبان الرملية الخطية أو السيفية التي تسمى محليا بالعروق في معظم الأراضي الصحراوية الداخلية وخاصة في أطراف الربع الخالي الجنوبية الغربية وبدرجة أقل في رملة السبعتين. وتتخذ العروق شكل الحافات العملاقة بإرتفاع يصل إلى 200 متر وعرض يتراوح بين 0.9- 2.2 كلم باتجاهات عامة تتراوح بين  220 درجة إلى 252 درجة. وتتميز العروق عادة بأنها متوازية يفصل بين الواحدة والأخرى حوالي 1-2 كلم من الأراضي السهلية،  التي تسمى محليا بالشقاق وتتكون من الرواسب شبه الفيضية في الغرب في حين أنها في الشرق تتكون من الصلصال الملحي. وتتميز معظم عروق الأراضي الصحراوية الداخلية بدرجة عالية من النضج و الثبات والتماسك بسبب نمو المجتمعات النباتية ونشاط عمليات التنعيم وتغلغل المواد الكلسية اللاحمه وهي مؤشرات لتحسن الظروف المطريه أعقبت مرحلة المناخ الجاف القاحل . وفي الوقت الراهن يلاحظ نمو جيل جديد من الكثبان الخطية الصغيرة الأقل تطــوراً والأكثر حركة وهي تنحرف في اتجاهاتها عن العروق العملاقة بحوالي 10 درجات بحيث تغطي أحيانا جزءاً من مساحات الشقاق المجاورة.(Geol .Cons .C. /1995   Bunker /1953)  
وتتطور العروق أو الكثبان الرملية الخطية العملاقة في المناخ الجاف إلى القاحل في ظرف نظام ثنائي للدورة الهوائية تنعكس فيه اتجاهات الرياح من فصل لأخر. ولقد بينت الدراسات أن مصادر الرمال التي تكون تلك الكثبان هي في الأساس رواسب المياه السطحية الجارية المختلفه التي تعرضت ـ في ضل التحولات نحو المناخ الجاف والقاحل ـ إلى التفكك الميكانيكي وإلى نشاط متزايد لعمليات التذرية والإرساب الريحية. ومن ناحية أخرى ونظراً لأن تأثير نظام الدورة الموسمية في الوقت الحاضر يتوقف في الأراضي الداخلية عند خط عرض 16° شمالاً، ([3]) (Bunker/1953) فإن انتشار الكثبان الخطية العملاقة إلى الشمال من هذا الخط يعتبر مؤشراً لمدى اتساع تأثير نظام الدورة الموسمية في اليمن قديماً.
 إن التطور الكامل للكثبان الخطية في اليمن بخصائصها المذكورة أعلاه يشير إلى أن الأراضي الصحراوية الداخلية قد مرت بأربعة ظروف مناخية متعاقبة  هي :
-مناخ قديم شبه جاف إلى شبه رطب نشطت فيه عمليات تراكم الرواسب الفيضية وشبه الفيضية التي تعتبر المصادر الرملية للعروق . 
-مناخ جاف إلى قاحل نشطت فيه عمليات التذرية والإرساب الريحية في ظل ثبات نظام ثنائي للدورة الهوائية  تطورت فيه الكثبان الخطية  .
-عودة المناخ شبه الجاف إلى شبه الرطب ونشطت فيه عمليات التثبيت العضوي والكيميائي فضلاً عن تراكم الرواسب شبه الفيضية والرواسب البحيرية في الشقاق .
-مناخ جاف إلى قاحل أخير ينمو فيه حالياً الجيل الجديد من الكثبان الخطية .

- رواسب الغبار الريحية
تتشابه رواسب الغبار الريحية في اليمن من حيث البنية والخصائص الشكلية إلى حد كبير مع تربة اللويس ذات المصدر الصحراوي غير أن معظم مكوناتها لم تصل إلى درجة نعومة اللــويس الأصـلي ولهــذا فهــي تسمـى في اليمـن بالــرواسب الشبيهة باللويس. (Rathjens and Wissmann/1932) وتشاهد رواسب الغبار الناعم أو الرواسب الشبيهة باللويس في اليمن في المدرج الأول المطل على معظم بطون الأودية اليمنية بارتفاع يصل إلى أكثر من 15 متر كما هو الحال قرب مصب وادي عدم إلى وادي حضرموت  (أنظر الصورة 5) وينخفض إلى نحـو ثـلاثة متـر في جوانب الأوديــة في الأحواض المركزية وفي السهــول الســاحليـة.(1968,Geol.cons.c./1995/Linke).
وتتميز رواسب  الغبار الناعم في مدرجات روافد أودية حضرموت باللون الأصفر إلى الأسمر والبنية الهشة إلى المنعدمة والمحتوى الكربوني الطيني فضلاً عن أنها رواسب قائمة متماسكة وممزقة إلى جروف رأسية سميكة . وقد أظهرت تحليلات النسيج لهذه الرواسب في وادي عمد بالقرب من  حريضة أن الجزء الأكبر من هـذه الرواسب (73%) ذات نسيج يتراوح بين 0.2 ملم – 0.06.ملـم وأن (17% ) فقط له نسيج أقل من  0.6ملم يتشابه  مع نسيج اللويس الأصلي وهو ما بين 0.1 – 0.5 ملم. (Leidlmair /1962 , Middleton/1989) 



(صورة رقم 5) : جرف من رواسب الغبار الناعم الشبيه بالويس قرب مصب وادي عمد إلى وادي حضـرموت (من تصوير الباحث)

وفضلاً عن مدرجات الأودية تغطي رواسب الغبار الناعم أيضاَ سطح الأرض وذلك في منخفضات وسهول الأحواض المركزية للمرتفعات الجبلية الغربية وسفوحها التي تحولت إلى مـدرجات زراعيــة. كمـا تـوجـد في قطاعات معظم  التربات هنا.   (عباس/1996م أغا/1983،1999/ Willkenson and Edens).
أن غياب رواسب اللويس الأصلي في اليمن وخاصة في المناطق الهامشية للأرضي الصحرواية يعد أمراً شائعاً وذلك بسبب انتقال العواصف الغبارية لمسافات بعيدة إلى البحار المجاورة أو إسهامها من خلال عمليات إلتصاق المعادن الصلصالية في تلوين القشرة الخارجيــة للصخــور باللون الداكن ، فيما يطلـق عليـه اســم ورنيش الصحـراء. (Desert Varnish) (Middleton/1989) وفضلاً عن اكتشاف رواسب الغبار في قاع بحر العرب وخليج عدن البحر الأحمر تشاهد أيضاَ بعض صخور الأراضي الداخلية وهضبة حضرموت والمرتفعات الجبلية الغربية وهي مطلية بهذا اللون الداكن . (kameswara/1997,   Tawfiq /1994 Felber /1978))
أن الانتشار الواسع لرواسب الغبار الناعم في اليمن تشير إلى فعالية كبيرة لنشاط الرياح في تذرية ونقل المواد الناعمة ، التي تفككت عن الرواسب الفيضية وشبه الفيضية في ظل ظروف المناخ الجاف والقاحل والتصحر . ومن جانب أخر يشترط لسقوط الغبار المحمول مع الرياح إلى سطح الأرض قريباً من مناطق تذريته أن تتهيأ الظروف لوفرة في الغطاء النباتي يعمل على اصطياد هذه الرواسب مباشرة من الرياح أو غزارة في الأمطار تعمل على غسل الجو منها. (Middleton/1989, Cooke/1993 ).
ومع مرحلة الجفاف التي سادت في الجزيرة العربية وذلك ما بين 25 – 12 ألف سنة قبل الآن ، (Hotzl and Zotl /1978) والتي تطورت فيها الكثبان الرملية الخطية العملاقة السالف ذكرها يمكن الافتراض بأنه نظراً لزيادة حجم الرمل في الرواسب الفيضية وشبه الفيضية في تلك الجهات فإنه لم يحمل بعيداً  بواسطة الرياح . أما رواسب الغبار الناعم فقد استطاعت الرياح أن تعبر بها معظم الأراضي اليمنية ، حيث ترسب بعضها في قيعان البحار المجاورة وأسر بعضها بواسطة الأمطار الغزيرة وخاصة  في المناطق المرتفعة حيث يكون الأثر التضاريسي كبيراً في سقوط الأمطار. ويتعزز هذا الاعتقاد بالمرحلة الجافة في الجزيرة العربية بما تــم العثــور عليــه من حفــريات (Foraminifera) التي تعيش في بيئة المياه الباردة ـ في رواسب الغبار الناعم في قاع الخــليــج العــربي وبحــر العـرب تعـود إلى حــوالي 18 ألف سنة قبل الآن (Ritter/1980 , Kemeswara /1997 , Tawfiq /1994).
ونظراً لأن رواسب الزلطGravel)  ) في المدرجات العليا لفروع وادي حضرموت الجنوبية تشير إلى مرحلة مطيرة شبه موسمية أرخت وفقاً للآثار التي عثر عليها هناك إلى العصر الليفاليوني الذي يمتد في الباليوثيك ما قبل 30 ألف سنة من الآن ، فإن رواسب الغبار الناعم في المدرج الذي أسفلها تؤرخ لمرحلة لاحقة تتميز بمناخ جاف وقاحل في الأراضي  الداخلية المصدرة للعواصف الغبارية ومناخ رطب في المرتفعات الغربية وهضبة حضرموت بحيث استطاعت الأمطار أن تغسل الغبار الناعم وتعمل على إعادة تموضعه بواسطة المياه السطحية الجارية في بطون الأودية ، ولهذا السبب تسمى  هذه الرواسب الناعمة  الشبيه باللويس في المدرجات ، بالرواسب الريحية ـ الفيضية أيضاً ،وذلك لاشتراك العمليات المورفوديناميكية للرياح والميــاه السطحية الجـارية في تكـوينها. (Leidlmair /1962 Geol .Cons.Co /1995)
وفضلاً عن هذه المرحلة القديمة لنشأة رواسب الغبار الريحية - الفيضية الشبيهة باللويس في اليمن ، فأنها أيضاً ذات نشأة حديثة تعود إلى الهولوسين حيث تشير مرة أخرى إلى مرحلة من المناخ الرطب  في المرتفعات كان فيها المطر أكثر سقوطاً     والسيول أكثر تدفقاً و انتظاماً وليس متقطعاً كما هو الحال اليوم. وقد تزامن هذا المناخ الرطب مع جفاف المناطق المصدرة لتلك الرواسب . ونظراً لأن الرواسب الشبيهة باللويس أو الرواسب الريحيـة – الفيضيـة تغطـي متسـوطنـات العصـر البـرونزي في المرتفعات  الغربية (2000 ق : م) فإنها تعـود إلـى مـراحل تـاريخيـة لمـا بعـد البـرونـزي في اليمن.(Willkenson and Edens /1999) ويعتقد أن رواسب الغبار الناعم الحديثة هي ذات نشــأة بشــرية تكـونت خـلال مـراحـل طـويلـة من عمليـات الري وأساليب الغمر في الأرض الزراعية القديمة.(Brunner /1997 , Geol . Cons . C. 1995)   وهذا لا يتنافى مع المؤشرات المناخية ولا مع العمليات الريحية- الفيضية التي كونتها ، حيث أن العامل البشري قد ساعد خلال المراحل التاريخية على إتساع نطاق توزيع تلك الرواسب الريحية - الفيضية بعيداً عن مجاري وبطون الأودية .
- تذبذب سطح البحر
على الرغم من أن التذبذب الأيوستاتي للبحر  يتأثر أساساً بالتغيرات المناخية العالمية،   في علاقة مباشرة بالعصور الجليدية الباردة وما بين الجليدية الدفينئة ، إلا أن الباحث عمد إلى إضافة الأشكال البحرية الساحلية إلى الدلائل الجيومورفولوجية للتغيرات المناخية في اليمن وذلك بهدف تعزيز المقارنة للظروف المناخية محلياً وأقليمياً وعالمياً . وتبين الدراسات أنه في كل مرة يرتفع فيها سطح البحر أو ينخفض يخلف أرصفة شاطئية وجروفاً مرجانية  أو رملية وغيرها من الأشكال البحرية التي تميزه في مستوى  الارتفاع أو الانخفاض وفي العمر .
 وتشاهد في السهل الساحلي  الجنوبي وخاصة بين المكلا والشحر ثلاثة مستويات من الأرصفة الشاطئية المرتفعة يقع المستوى الأعلى في إرتفاع بين60-200 متراً فوق مستوى سطح البحر ، ويعود وفقاً للخريطة الجيولوجية لليمن  إلى البلايستوسين المبكر والأوسط ، ويمتد المستوى الأوسط في إرتفاع يتراوح بين 10- 40 متراً  فوق مستوى سطح البحر ، ويعود إلى البلايستوسين المتأخر إلى الهولوسين ، في حين أن المستوى الأدنى يقع في إرتفاع يقل عن 10 متر فوق مستــوى سطـح البحـر  ويعــود إلى الهـولوسين (أنظر ايضاً  Geol . Cons.Co. /1995)  .
وفيما يتعلق بالسهل الساحلي الغربي (سهل تهامة ) فأن معظم الأشكال البحرية تقع قريبة من الساحل وهي تعود أيضاً إلى الهولوسين، فضلاً عن وجود عدة سفوح تشبه المدرجات ذات نشأة بحرية يمكن مشاهدتها من الطريق بين باجل وصنعاء وتقع على إرتفاع 150متراً فوق مستوى سطح البحر. (أغا / 1983  ،  Geol .Cons. Co . /1995 , Linke /1968)
  ونظراً لأن إنخفاض أو ارتفاع معدلات حرارة الغلاف الجوي للأرض يؤثر على تذبذب مستوى كافة بحار العالم ، فقد بينت الدراسات أن تراجع سطح البحر الذي بداء منذ البلايستوسين المبكر لم يكن متواصلاً بل تم في عدة مراحل متأثراً بالتغيرات المناخية حتى وصل إلى أدنى مستوياته إلى حوالي 100 إلى 150مترا ً تحت المستوى الحالي لسطح البحر   وذلك خلال العصر الجليدي الأخير (Wurm) في البلايستوسين المتأخر. وتشير الدراسات إلى أن الخليـج العـربي خـلال قمـة الجليـد الأخيـرة في حوالي 18 ألف سنة قبل الآن كان جافاً وأن خط الساحل الشمالي له كان يمتد في خليج عمان. كما بينت أن مستوى سطح البحر كان قد ارتفع إلى حوالي 32 متراً فوق مستواه الحالي وذلك خلال المرحلة الدفيئة ما بين الجليدية للفورم (Wurm) ما بين 40- 26 الف سنة من الآن ، وتنتشـر دلائله في أكثر من منطقة في العالم .( عقبة / 1998م ، Felber /1978 , Geol .Cons .C . /1995) وفي اليمن توجد بقايا هذه الأرصفـه الشـاطئية في ساحل حضرموت جنوب الطريق بين بـروم ورأس شـرمه.(Leidlmair /1962 , Wissmann /1957  Caton – Thompson and Gardner /1939,)
ومع نهاية العصر الجليدي الأخير وخلال الهولوسين حدثت مرحلة أخيرة من التذبذبات الأيوستاسية تزامنت مع المرحلة الدفئية الأخيره التي شهدتها الأرض. وتظهر آثار هذه التذبذبات في الجروف المرجانية والسطوح الصخرية المرتفعة التي توجد قريبة من شاطئ البحر في أجزاء متفرقة من السواحل اليمنية على إرتفاع 2  -3 متر عن سطح البحر ، كما تظهر دلائلها أيضاً في السبخات التي توجد الآن في نطاق المد الأعلى وفي الرواسب الريحية المتصلبة. (أنظر الصورة 6) 



(صورة رقم 6): تكوينات ريحية متصلبة من الأيولينيت في شاطئ عمران حوالي 50 كم غـرب عدن (من تصوير الباحث)
وفضلاً عن تلك الأشكال البحرية المرتفعة توجد أيضاً مظاهر ممثالة مغمورة تحت البحر كالشطوط الرملية والأرصفة الشاطئيه التي تبين أنها تعرضت لعمليات  تخديد ونحت نتيجة لهبوط مستوى القاعدة ، كما هو الحال  في الارصفة الشاطئية المغمورة في خليج القمر وساحل شقره وساحل حضرموت. (British Adm . /1980, Scott /1995 , Brannen /1995l) الجدير بالذكر هنا أن بطون معظم الأودية التي تنتهي إلى السواحل السابقة منحوتة في رواسبها الفيضية القريبة من البحر إلى عمق يتراوح بين1 – 3 متر.
ومن جانب آخر تبين أن القبة الملحية في الصليف شمال الحديدة  قد غمرت تدريجياً بواسطة البحر مرتين بدليل وجود مستويين من الشواطئ المرتفعة فيها يعـود الأعلى إلى ما بين 3750 – 4000 سنة من الآن (Davison /1995) وعلى الرغم من التفاوت البسيط في تذبذب مستوى سطح البحر منذ منتصف الهولوسين إلا إن الدراسات تجمع على أنه بداء يتــراجع منـذ حوالي 3750 سنـة من الآن ووصــل إلى مستــواه الحـالي منذ الف سنة من الآن .(عقبة / 1998مFelber /1978 , ).

أسباب التغيرات المناخية


نظراً للإرتباط الوثيق بين نظم الدورة الهوائية التي تكون المناخ الحالي لليمن والمتأثره بتوزيع الضغط الجوي صيفاً وشتاءً على الجزيرة العربية فإن تفسير التغيرات المناخية التي حدثت في اليمن خلال البلايستوسين المتأخر والهولوسين التي استدل عليها جيومورفولوجياً في الصفحات السابقة يجب أن ينطلق أولاً من تفسير التغيرات المناخية على مستوى الأرض خلال نفس المدة . ومنذ القرن التاسع عشر أصبحت نظرية العصور الجليدية مقبوله لدى العلماء لتفسير تلك التغيرات . وتؤكد الدراسات أنه خلال البلايستوسين زحف الجليد ثم إنحسر عدة مرات إلى وسط أوروبا وآسيا وإمريكا آخرها كان في العصر الجليدي (Wurm) الممتد بين 70 إلى 12 سنة من الآن . وقد أستدل على أن الجليـد  زحف حتـى حدود بـرليـن فـي أوربـا ونيـويـورك في امـريكا الشمالية ، كمـا تأكـد أنه خلال الـ 42.500 الف سنة المــاضيــة شهدت الأرض ثمـان مـراحـل ثانـوية من البــرودة والـدفء.(حج حسين/1988 –1989م Heyer /1972 )
وعلى الرغم من الاتفاق حول العلاقة بين العصور الجليدية والتغيرات المناخية على سطح الأرض إلا أنه لا يوجد إتفاق حول الأسباب التي أدت إلى تعاقب بروده الأرض ودفئها. وفي الوقت الحاضر تلقى النظرية الفلكية قبولاً واسعاً ، حيث فسرت التعاقب الدوري للعصور الجليدية بمدى إستلام الأرض للأشعة الشمسية. وقد إستطاع ميلانكوفتش العالم اليوغسلافي أن يحسب ثلاثة متغيرات تتعلق بمدار الأرض حول الشمس وميل محورها عن هذا المدار وهي متغيرات تحدد  تباين كمية الاشعة الشمسية التي تصل إلى الأرض  ، هذه المتغيرات هي :
- التغير في شكل مدار الأرض حول الشمس من الوضع الأكثر دائرياً إلى الوضع الأكثر بيضاوياً ويحدث ذلك كل 100 الف سنة  .
- التدبذب في الزاوية التي يرسمها محور الأرض على مستوى الفلك بين 021.8 و 024.4 وتحدث كل 41 الف سنة .
-الدورة الكاملة لمحور الأرض كل 26  ألف سنة .
وقد وجدت حسابات ميلانكوفتش في الوقت الحاضر براهينها من دراسات رواسب قاع المحيط التـي دلت على حـدوث دورات بين الدفء والبـرودة في الأرض تتطـابق مـع تغير كميـة الأشعـة الشمسيـة الواصلـة وذلك  كل 21 –41 – 100 ألف سنة .
 ( كوتلياكوف ، /1996م  (Plummer /1993, Heyer /1972).
وفضلاً عن الفرضية الفلكية السابقة هناك عدة فرضيات أخرى تحاول ان تفسر حدوث التغيرات المناخية التي تحدث في الأرض ،  وتعتبر فرضية تركز  غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أحدث تلك الفرضيات ، حيث تنطلق من أن زيادة تركيز نسبة CO2 في الجو تقود إلى ما يعرف بظاهرة الإنحباس الحراري وبالتالي إلى زيادة في تسخين الأرض. وتتطابق  وفقاً لهذه الفرضية مراحل البرودة والعصر الجليدي مع انخفاض تركيز غازCo2  في الجو ومراحل الدفء بين الجليدية مع تركز هذا الغاز في الجو . ويرى انصار هذه الفرضية أن نسبة Co2 في الجو ترتفع  بسبب أنخفاض درجة التغطية النباتية والتصحر وحديثاً لأسباب صناعية . ولازالت هذه الفرضية تحضى في الوقت الحاضر بجدل واسع من قبل علماء المناخ وذلك لأهميتها في تفسير التغيرات المناخية قصيرة المدى.(كوتلياكوف/1996).
وبغض النظر عن أسباب التغيرات المناخية التي حدثت في الأرض وخاصة خلال البلايستوسين المتأخر والهولوسين فإن الدراسات تجمع على أنه خلال الزحف الجليدي الأخير للفورم(Wurm) تميز الغلاف الجوي بالجفاف والبرودة ، حيث انخفض معدل حرارة الأرض  وازداد الإنحدار الحراري بين الشمال والجنوب ، من القطب إلى خط الاستواء الامر الذي أدى إلى زحزحة النطاقات المناخية والتيارات النفاثة المصاحبة لها إلى الجنوب. وقد تركز نطاق الأعاصير الحالي لأوروبا خلال تلك المرحلة الجليدية في حوض البحر المتوسط وشمال افريقيا ووصل تأثيره إلى خط عرض 015 – 010 شمالاً واحياناً إلى خط الاستواء،  كما تزحزحت الدورة الهوائية دون المدارية بإتجاه خط الاستواء ، وتركز خط الاستواء الميترولوجي (ITCZ) إلى الجنوب من خط الاستواء ، الامر الذي حال دون اختراق الرياح الموسمية الجنوبية الغربية   النصف الشمالي للأرض. (Flohn /1963 -Thomas  /1989).
وفضلاً عن تأثيرات العصر الجليدي على خصائص الغلاف الجوي وحركته فقد عملت البرودة وزيادة حجم الغطاءات الجليدية على الإنخفاض العالمي لمستوى سطح البحر  وزيادة درجة القارية وعلى انخفاض مستوى خط الثلج الدائم الذي هبط في أوربا بمقدار 1200 متر دون متسواه في الوقت الراهن . (حج حسين ، 1988 - 1989).
إن تلك التغيرات في خصائص الغلاف الجوي وحركته ومناخه وإنعكاساتها المورفوديناميكية خلال المراحل المتعاقبة بين الدفء والبروده خلال البلايستوسين المتاخر والهولوسين لم تحدث بصورة متساوية على سطح الأرض. وفي اليمن عملت الخصائص الطبوغرافية والارتفاع عن سطح البحر ومدى مواجهة  المنحدرات الجبلية للرياح المحملة بالرطوبة على بروز تباينات مكانية في التغيرات المناخية القديمة يمكن رصدها بوضوح في الوضع المناخي الحالي لليمن المتباين على المرتفعات الجبلية الغربية وهضبة حضرموت من جهة و على الأراضي الداخلية  والسهول الساحلية من جهة أخرى. 


المناقشـه
رغم إن الإشكال الجيومورفولوجية في اليمن تعتبر نتاجاً لعمليات موفوديناميكية قديمة تعود إلى الثلاثي المتأخر والرباعي المبكر في تفاعل مباشر مع الظروف التكتونية والليثولوجية المختلفة ، إلإن أن عدة تغيرات متعاقبة في العمليات المورفوديناميكية قد حدثت خلال البلايسيتوين المتأخر والهولوسين نتيجة لتغيرات مناخية مختلفة مكانياً بين الأراضي الداخلية والجهات المرتفعه .وفضلاً عن مضــامين المنـاخ الجـاف أو الـرطب بنـوعيه (Pluvial, Proluvial) للأشكال الجومورفولوجية في اليمن التي دلت على حدوث تلك التغيرات المناخية سواءً الطويلة أو القصيرة المدى ، توصل البحث أيضاً إلى أن عدة أشكال جيومورفولوجية في اليمن لا زالت مغروزة في مواقع جغرافية خارجة عن نطاق التوازن مع العمليات المورفوديناميكية الحالية، كالرواسب البحيرية ونظم التصريف المقبورة والعروق الثابتة في المناطق الصحراوية الداخلية في كل من رملة السبعتين وأطراف الربع الخالي الجنوبية الغربية  ، والمراوح الفيضية والرواسب الريحية وركامات السفوح في المناطق الجبلية المرتفعة ، فضلاً عن التباين في نسيج رواسب المياة السطحية الجارية في بطون ومدرجات الأودية .
ولقد دلت الأشكال الجيومورفولوجية التي نوقشت في هذا البحث على أن مناخ اليمن خلال المرحلة بين الجليدية للعصر الجليدي (Wurm) الممتده بين  40 –25 ألف سنة من الآن تميز  بالتغير بين الجفاف والرطوبة وذلك تبعاً للتغير في هيمنة الضغط الجوي المرتفع دون المداري ومدى توغل تأثير الرياح الموسمية الجنوبية الغربية وذلك بسبب دفء الأرض نسبياً والإنحسار الجزئي للجليد في نصف الكرة الشمالية . وقد تكونت خلال الفترات الرطبة رواسب التوفا والبحيرات ورواسبها الصلصالية الناعمة في الاراضي الداخلية ، كما تميز الجريان السطحي بالحمولة الكبيرة للرواسب شبه الفيضية التي كونت المدرجات المرتفعة في بطون الأودية وخاصة في حضرموت، والتي غطت أيضاً مساحات واسعة في الأراضي  الداخلية وشكلت فيما بعد مصدراً لكلاً من الرمل والغبار .
وأثناء الزحف الجليدي الأخير  للفورم (Wurm) والتـي يرجـح بإن قمته حدثت قبل 18 ألف سنة من الآن ، سيطر مناخ جاف ـ قاحل على صحـراء ثار والسودان ووسط الجزيرة العربية ، (Thomas /1989 , Hotzl Zotl /1978) وذلك بسبب الهيمنه المتواصلة للضغط الجوي المرتفع دون المداري المتزحزح جنوباً . وفي اليمن عملت الظروف الطبوغرافية والارتفاع عن سطح البحر للمرتفعات الجبلية الغربية وهضبة حضرموت الجنوبية على اصطياد الاعاصير الاوروبيـة المتوغلة جنـوباً الامـر الذي ميـزها بمنـاخ رطب ، (Pluvial) (McClure /1978)(VillwocK /1991).أما الأراضي اليمنية الداخلية في رملة السبعتين وأطراف الربع الخالي الجنوبية الغربية فقد كانت واقعة عموماً تحت تأثير الضغط الجوي المرتفع دون المداري ومناخه الجاف إلى القاحل ، وقد عمل الجفاف هنا على تفكك الرواسب الفيضية ـ وشبه الفيضية التي ترسبت من قبل ، واستطاعت الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي اشتد تأثيرها في حوالي 16 الف سنة قبل الآن (Hassan /2000) أن تبني الكثبان الخطية أو السيفية أو العروق العملاقة . كما نشطت الرياح خلال تلك المرحلة في تذرية وحمل المواد الغبارية الناعمة في صورة عواصف غبارية ، تم ترسيبها في قيعان البحار المجاورة وأسر بعضها بواسطة الامطار في المناطق المرتفعة وتم اعادة تموقعها على شكل رواسب ريحية ـ فيضية ناعمة ، تتشابه مع رواسب اللويس في بطون الأودية ومدرجاتها. وبتأثير من العامل الأيوستـاتي إنخفض مستـوى سطح البحر خلال العصـر الجليدي (Wurm) إلى حوالي 100 –150 متراً تحت مستواه الحالي الأمر الذي زاد من درجة قارية المناطق الداخلية : في اليمن .
ومع نهاية العصر الجليدي وبداية الهولوسين حوالي 12 –10 الف سنة من الآن ونتجة لدفء الأرض وذوبان الجليد ارتفع مستوى سطح البحرإلى حوالي 2- 3 متر فوق مستواه الحالي وقد سيطر مناخ رطب إلى شبه رطب في عموم اليمن مع ميل إلى غزارة في الهطول المطري ، وذلك بسبب زيادة التبخر وكثافة الغيوم فضلاً عن شدة تأثير دور الرياح الموسمية الجنوبية الغربية الأمـر الذي ميز هذه المرحلة الرطبة في اليمن الممتدة منذ بداية الهولوسين وحتى منتصفه تقريباً بميكانيزم الأمطار الموسمية الصيفية الغزيرة ، التي أمتد تأثيرها   إلى المناطق الجافة اليوم في الجزيرة العربية وصحراء ثار التي ارتفعت فيها كميات الامطار  خــلال تلك المـرحلــة الـرطبـة بمعدل (200- 300 ملم )عـن الوضـع الحـالـي .( Ritter / 1980 , Bunker /1953). وقد نضجت اثناء تلك المرحلة الرطبة خاصة في المرتفعات الجبلية الغربية بعض انواع التربات المغسولة (تربة جهران)،كما تكونت البحيرات والمستنقعات فضلاً عن تكوين مدرجات الرواسب الخشنه في بعض الروافد وخاصة في حضرموت
ومنذ منتصف الهولوسين وحتى اليوم تراجع البحر إلى مستواه الراهن وبدأ المناخ الحالي لليمن في التشكل حيث هيمن ولا يزال المناخ الجاف والقاحل في الاراضي الداخلية في حين انخفض مستوى غزارة الهطول المطري في المناطق المرتفعة إلى وضعه الحالي المتميز بمناخ شبه جاف إلى شبه رطب . ويمكن تفسير الظروف المناخية الحالية بأنها خاصعة لتأثير الدورة الهوائية الموسمية التي تسود صيفاً في معظم شرق افريقيا والبحر الاحمر وجنوب الجزيرة العربية. ويلاحظ أنه كلما اتجهنا شمالاً في المرتفعات الجبلية الغربية بإتجاه جبال عسير والحجاز كلما بدأ التحول التدريجي في نظام المطر الصيفي شبه الموسمي إلى نظام المطر الربيعي والشتوي المتأثر بتغلغل بعض العواصف الشتوية جنوباً ،ويعتبر خط عرض 018 –019 الحـد الفــاصــل بينهمـا في الـوقت الحـاضــر. (Remmele /1989). ومنذ منتصف الهولوسين ونتيجة لجفاف المناطق الداخلية نشطت العمليات الريحية مجدداً في تذرية المفتتات الرملية وتكوين الجيل الجديد من العروق ، كما حملت المفتتات الغبارية  إلى المناطق  المرتفعة لاصطيادها هناك بواسطة الامطار وتكوين  الرواسب الريحية - الفيضية الشبيهة باللويس الحديثة وذلك في معظم بطون الأودية والأراضي الزراعية وقد ساعد في انتشارها نشاط الإنسان اليمني القديم في الري.
ومع  الاستقرار في الظروف المناخية في اليمن منذ منتصف الهولوسين وحتى الوقت الحاضر ، إلا إن الدراسات الأثرية والتاريخية قدمت عدة شواهد على تبدلات مناخية قصيرة المدى ناتجه عن انحرافات أو ضعف في نظام الموسميات الجنوبية الغربية  بسبب التغير في توزيع الضغوط على الجزيرة العربية. (Huzayyin /1985) وتشير الدراسات التاريخية إلى أن غابات البخور واللبان والمر كان عبقها في بداية القرن الأول الميلادي يصل الى البحر  ، وقد كانت تلك الغابات تمتد حتى خط عرض 52.30 درجة شرقا ً(Janzen and Sholz /1979) في حين أن وجودها الآن ينحصر في ظفار.(Villwock/1991) وفضلاً عن النشاط التجاري الكبير لليمنين القدماء في البخور والمر واللبان ، الذي أدى إلى تصحر المناطق الجبيلة المرتفعة وخاصة في هضبة حضروموت فقد عملت زيادة السكان ومسائل توفير الغذاء والسكن لهم ولغيرهم من التجار آنذاك على  تطوير نظم الري والاستفادة القصوى من الأراضي والمياة السطحية الجارية في الاوديه ؛ وقد أدى ذلك إلى تقطيع الأشجار وزيادة استخدامها لأغراض البناء وتوفير الطاقة، الامر الذي نتج  عنه المزيد من التدهور البيئي والتصحر وزيادة في تأثير الاشعاع المنعكس في تسخين الجو وإلى مزيد من التحول نحو الجفاف. وقد نتج عن هذا التحول المناخي توسع نطاق الجفاف الجغرافي في اليمن إلى وضعه الحالي وزيادة في نشاط العمليات المورفوديناميكية الفجائية للمياة السطحية الجارية وحمولتها الكبيرة من الرواسب الخشنة الأمر الذي أدى إلى إنهيار نظم الري القديمة ومن ثم إلى هجرة وتصحر الاراضي الزراعية القديمة في حضرموت وحول رملة السبعتين ، كما أدى إلى هجرة العواصم التاريخية القديمة التي تزحزحت رأسياً إلى المرتفعات الجبلية الغربية.
ويسود الآن جـدل بين بعض المؤرخين حول مدى تأثير المناخ على الأحداث السياسية التاريخية القديمة في اليمن بل يذهب فريق منهم إلى إنكار حدوث تلك التحولات المناخية.(يوسف /1985م) ونرى أن هذا التحول نحو مزيد من الجفاف الذي استدل عليه في البحث جيومورفولوجياً وأثرياً وتم تدوينه إيضاً في القرن السابع قبل الميلاد ،كان عاملاً مهماً في المعارك والحروب القديمة وتوسع الممالك اليمنية ، بحيث كان الهدف الرئيس لتلك الحروب والتوسع كان في المقام الأول هو السيطرة على تجارة البخور والمر واللبان بعد أن تقهقر نمو أشجارها إنخفضت درجة التغطية النباتية لها في اليمن .لهذا السبب توسعت سيطرة المملكة اليمنية القديمة شرقاً إلى ظفار وغرباً إلى الحبشة حيث الظروف المناخية أستمرت مناسبة لهذا النوع من النباتات الطبيعية .


  المــراجع

أولاً المراجع العربية


-أبو غنيم ، محمد عبد الكريم (1999):
حوض وادي تبن( اليمن ) . – دراسة مورفومترية ، كلية الآداب ،جامعة عدن 
-أغا ، شاهر جمال (1983):
جغرافية اليمن الطبيعية (للشطر الشمالي ).- مكتب الأنوار ،دمشق.
-الإرياني ، عبد السلام أحمد (2000):
حوض وادي بنا ( اليمن ) .- دراسة جيومورفولوجية، رسالة ماجستير – كلية التربية ابن رشد جامعة بغداد .
- حج حسين ، محمد فائد : (1988 - 1989):
علم أشكال الأرض المناخي .- (أساسيات الجيومورفولوجيا المناخية) ، مطبعة الاتحاد ، دمشق .
-عباس ، شهاب محسن  (1996):
جغرافية التربة في اليمن . – مركز عبادي للنشر ، صنعاء .
-عبد الباقي ، قادري (2002):
ملامح جيومورفولوجية من حضرموت ( اليمن ) . – في : مجلة الجمعية الجغرافية اليمنية ، العدد الأول ،  ص  182- 208 .
-عقبة ، معروف إبراهيم  (1998):
الأثر البيئي الناتج عن عمليات تحويل المسطحات المائية إلى مسطحات يابسة في مدينة عدن و ضواحيها . منشورات الجمعية الجيولوجية اليمنية فرع عدن .
-كوتليا كوف ، ف .م  (1996) :
التغير المناخي ومستقبل بيئة البشر .ـ في : المجلة الدولية للعلوم الاجتماعية العدد  150 ، ص 127 ـ 151.
- يوسف ، محمد عبد الله  (1985) :
أوراق في تاريخ اليمن وآثاره ، منشورات وزارة الأعلام ، الجمهورية العربية اليمنية (صنعاء) دار التنوير ، بيروت .



ثانياً المـراجع الأجنبية
- Abdulbaki  K. (2000):
Das wasserangebot in Sudlichen Jemen.- Wurzburger Geograpihcsche Manuskripte, heft 52, Wurzburg.
- Abul Haggag  Y. (1982-1983):
On Recent Karstic Phenomena in the Arabian Peninsula.-in: Bull. Of  Egypt Goegr. Society , p.19-26                                             
-Brannan J. Gerades K.D. and Newth I.R.(1995):
Tectono – Stratigraphic Development of the Qamar Basin , Eastern Yemen.-In: Bosence D. (edit.) Rift Sedimentation and Tectonics in the Red sea – Gulf of Aden Region, ( Abstract vol.) uni. Of Sanaa and Royal Holloway  uni of London  (org).
-British Admirality (ed.) (1980):
Red sea and Gulf of Aden Pilot.- London .
-Brunner u. und Haefner H.( 1990):
 Altsudaraische Bewasserungsoasen.-  in:Die Erde , 121 ,s . 135- 153.-
-Brunner U. (1997):
Geography and Human Settlements in ancient Southern Arabia.-in : Arab . arch . epig . 1997 , 8 , 190-202.
-Bunker D.G. (1953) :
The Southwest Borderland of the Rub Al Khali .- in : The geogr. J. vol. 69 ,  420 – 430 .
-Caton – Thompson  G. and Gardner . E.W (1939):
Climate , irrigation and early man in Hadhramant . – in : geogr. J. 93  , P. 18 – 38.
-Cooke R. , Warren A., Goudie A. , (1993 ):
Desert Geomorphology .- UCL press, England .
-Davison I . and others , (1995)
Deformation around Excumed Miocene salt deapirs , AL Salif and Jabal Al Milh, Tihama plain , NW Yemen.- In : Bosence D. (edit.) Rift sedimentation and Tectonics in the Red sea – Gulf of Aden Region ( Abstract vol.) uni. of Sana’a and Royal Holloway uni. of London(org.) .
-Dent D. and Murtland R , (1990):
Land Evaluation for Afforestation in a semi- Arid Environment : the montane plains of the central Highlands of North Yemen .-In: catena , vol 17 cremlingen ,  P. 509-523 .
-Edens , C. (1999):
The Bronze Age of the Highland Yemen , Chronological and Spatial Variability of Pottery and Settlment. – In : paleorient , vol. 25/2. P. 105-128

-El- Sharkawy F. M. ( 1982/1983):
Late Quaternary Climatic Fluctuations in the Tropical and Saharan Regions of Africa .-In : Bull.of Egypt Geographical society,P./31-45.


-Felber H. , and others  (1978):
 Sea level Fluctuation during the Quaternary Period .- In: Al-Sayari S.S. and Zotl J.G.: Quaternary period in Saudi Arabia ,   springer – Verlag , Wien / NewYork,  50 – 57.
-Flohn Von H . (1963 – 1965):
Warum ist die Sahara Trocken ?. – in : Zeitschrift fur meteorology, 17, S. 316 – 320.
-Geological Consulting company ( Russia) and Ministry of Oil and Mineral Resources (Yemen ) ( 1995):
 Groundwater Resources available for development , Sana’a – Moscow.
-GOCON (LTD) (1994):
Republic of Yemen , Mineral Resources Map 1 : 1000000
Russian Research Institute of Geology  for Foreign Countries .
-Geukens   F.  (1966):
Yemen . – gelog. Survey prof . paper ,560 B .
-Hassan  F.A. (2000) :
Holocene Environmental change and the origins and Spread of Food production in the Middle East. – in : Adumatu no. 1 Jan. pp7-28.
-Heyer E . (1972) :
Witterung und Klima .- B5B. B.G Teubner Verl. Leipzig .
-Hotzl H. and Zotl J.G.  ( 1978):
Climate changes during the Quaternry period.- in: AL-Sayaris.S.S.and Zotl J.G: Quaternary period in Saudi Arabia , Spriner – verlag , wien /NewYork, 301 – 311.
-Huzayyin S.A . (1984/ 1985):
Changes in climate , vegetation , and human adjustment in Saharo – Arabian Belt .-in : Bull. of Egypt geographical society , P.1 – 37.
-Janzen J. and sholz F.  (1979):
Die weihrauchwirtschaft Dhofars.- In : Innsbrucker Geogr. Studien, 5, S. 501 – 541.
-Jungfer, E .  (1987):
Grundwassererganzung and Grundwassernutzung in den wusten des Jemen.-  in: Geogr. Runds. Jg. 39 , heft 7/8/ S.408-427.
-Kameswara K. , Jayalaskshmy K.V. and Singh A. D.  (1997):
 Late Quaternary Paleoceanographic features as deduced from calcium carbonat and faunal changes of planktonic foraminifers in core samples from Northeastern Arabian sea .-in : J. mar. biol. Ass. India ,  39 (1 and 2) , 97-88.
-King C. A.M.  (1967):
Techniques in Geomorphology .-Edward Arnold (publ.) London .
-Leidlmair  A.(1962) :
Klimamorphologische Probleme im Hadramaut.- in : tubinger Geogr. Studien , sonderbd. 1 , S.41-48.


-Linke M . (1968):
Die Jementische Arabische Republik , Geographische Aspekte der Entwicklung eines jungen Nationlstaates . – in: Wissenschaftliche Zeitschrift 
der MLU Halle ,  S. 925 – 955.
-McClure H.A. (1978):
Ar Rub AL Khali .- in: AL-Sayari S. S.and Zotl J.G: Quaternary period in Saudi Arabia , Spriner – verlag , wien /NewYork P.252-263.
-Middleton N.J. (1989):
Desert dust.- in : Thomas D.S.G.(edt.) , Arid Zone geomorphology .-Belhaven press, London, p.262 – 283 .
-Plummer C.C. and McGeary D . (1993):
Physical Geology . -WCB , England .
-Rathjens c. and Wissmann von H. (1932):
Vorislamische Altertumer.- in sudarabien Reise , Bd . 2 .
-Remmele  G . (1989):
Die Niederschlagsverhaltnisse in Sudwesten der Arabischen Halbinsel.-
In :E. 43.  S . 27 – 36.
-Ritter.W (1980):
Did Arabian Oases run dry ?.- In: Stuttgardener geogr. Stud.  Bd.95, .S. 73 – 92.
-Sedov A.W. (1997):
Die archaologischen Denkmaler von Raybun im unteren Wadi Dauan, . Hadramaut . – in :Mare Erythraeum, 1,s.31-106.
-Scott  D.A. (edit.) (1995):
A Directory of Wettlands in the Middle East.- IUCN and IWRB Slimridge,  P . 29 –560.
-Tawfiq N. I . (1994):
Impact of climate changes on the Red sea and Gulf of Aden.- UNEP Regional Seas Reports and Studies No. 156.
-Thomas D.S.G. (1989):
Reconstructing ancient arid environments . -In : Thomas D.S.G. (edt.) .-Arid Zone geomorphology , Belhaven Press, London, 311 – 334.
-Villwock  G .  (1991):
Beitrage zur physischen geographie und Landschaftsgliederung des Sudlicnen Jemen ( eh. VDR Jemen) . – Jemen  studien B. 10 ,wiesbaden.
-Wilkinson T.J. and Edens C.  (1999):
Survey and Excavation in the Central Highlands of Yemen .- In : Arab .arch. epig . 10,1 – 33 .
-Wissmann von H.  (1957):
Karstercheinung in Hadramaut .-In : P.G.M. erg. heft , S, 259-268. 
-Yemen Times (mgzn) (14/3/2000) :
Interview with French Researcher :Marie Loise.




([1] ) تسمى الرواسب الفيضية الناعة في المدرجات أيضاً بالرواسب الفيضية - الريحية أو الشبيهة باللويس نظراً لمكوناتها من الغبار الناعم كما سنرى لاحقاً.
([2] ) هي أخر مرحلة من الثقافه الاشيولية التي تمتد في العصر الحجري القديم ما قبل ثلاثين الف سنة قبل الآن   .
([3] )يمتد هذا الخط في الأراضي الداخلية تقريباً بين وادي  الجوف ووادي حضرموت .




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا