التسميات

الجمعة، 25 أبريل 2014

جغرافية الانتخابات .. استقراء التباين المكاني للسلوك الانتخابي ...

جغرافية الانتخابات .. استقراء التباين المكاني للسلوك الانتخابي
جريدة المؤتمر - د. رياض الجميلي :

   شهدت الجغرافية السياسية تطورات جوهرية كبيرة في مناهجها وأساليب البحث الجغرافي فيها أثرت بشكل كبير على اتجاه أهدافها وطرق معالجتها للموضوعات ذات الاتجاهات المعاصرة، وقد اتجهت بخطى متسارعة نحو دراسات أكثر عمقا وتحليلا محاولة في ذلك استشراف اتجاهات المستقبل للظواهر المدروسة، والذي من شأنه ان يساهم في وضع الأسس العلمية لتطبيقاتها الجغرافية وتحديد سيناريوهاتها وفق تقنيات وآليات متطورة. ومن هنا أفرزت الجغرافية السياسية المعاصرة اتجاهات بحثية جديدة وفروعا متخصصة كجغرافية الانتخابات وجغرافية الصراع الدولي وجغرافية السلام والأمن العالمي وغيرها.


     ولدت جغرافية الانتخابات في العقد الثاني من القرن العشرين في أحضان المدرسة الجغرافية الفرنسية على يد الباحث (سيجفريد) الذي رسم لأول مرة نتائج الانتخابات الفرنسية على خرائط جغرافية وقارن بينها وبين خرائط التوزيعات. لذا تعد جغرافية الانتخابات من هبات المدرسة الجغرافية الفرنسية التي تطورت لتشمل اهتمام عدد من المختصين في حقل الجغرافية السياسية.

   وتعنى جغرافية الانتخابات بدراسة العوامل والمؤثرات الجغرافية في سلوك الناخبين وملاحظة وصف وتحليل تصويتهم وتمثيلها على خرائط مكانية لإظهار التباين الجغرافي والإقليمي لتلك النتائج والتي تحدد نتائجها مراكز القوى.

    وتعرف جغرافية الانتخابات بأنها إحدى التطبيقات المهمة في الجغرافية السياسية المعاصرة، بل يعدها البعض بأنها المهمة المعاصرة التي تقع على عاتق الجغرافي في دراسة واستقراء التباين المكاني للسلوك الانتخابي لمواطني الدولة فضلا عن تشخيص العوامل المؤثرة في توزيع نتائج الانتخابات وتحديد المستقبل السياسي للدولة وفقا لهذه المعطيات، ولما كانت الانتخابات تمثل سلوكا ونمطا تنظيميا للنشاط البشري السياسي المتأثر بدرجة كبيرة بالأبعاد الجغرافية مثل (المناخ، التضاريس، طرق النقل، والمستوى الثقافي للناخب وغيرها...الأمر الذي جعل من الجغرافية الانتخابية في نظر المختصين هي أداة مهمة من أدوات التشخيص السليم للأنماط المكانية السائدة في مكان معين وتحليل تغيرات السلوك التصويتي للناخب من مكان إلى أخر، ومن دائرة انتخابية إلى أخرى ومعرفة أسباب هذا التغير. وتنشأ رؤية أخرى هنا ترى بأن جغرافية الانتخابات تقع ضمن مفهوم السلوك السياسي للدولة داخل حدودها السياسية، اذ عن طريقها يفسر نتائج ذلك السلوك في ضوء توفر متغيرات مكانية (جغرافية) لها الأثر الكبير في رسم مستقبل الدولة وقوتها. الأنظمة الانتخابية وواقعها الجغرافي تعد الانتخابات وسيلة عملية يتم عن طريقها اختيار الأشخاص الذين سيؤول إليهم ورسم مستقبل الدولة وصناعة القرارات المهمة، ويقوم بترشيحهم عامة الشعب ممن أكمل السن القانونية للاقتراع، لذا تعد الانتخابات دعامة مهمة من دعائم النظام الديمقراطي المعاصر في فلسفة الحكم ووسيلة للاتصال بين الحاكم والشعب وبين مصدر القرار السياسي والمنفذين له، وتجرى عملية الانتخابات ضمن سلسلة من النظم الانتخابية التي تختلف من دولة إلى أخرى ومن نظام إلى أخر، اذ تعتمد الدولة في رسم أنظمتها الانتخابية بناء على طبيعة نظامها السياسي والاجتماعي والجغرافي والاقتصادي على حد سواء.

    وتبرز مهمة الجغرافي في دراسة النظم الانتخابية في الدولة من جانبين الأول دراسة نوع النظام الانتخابي المعتمد في الدولة، أما الجانب الثاني فهو معرفة ودراسة الطريقة التي يطبق من خلالها هذا النظام الانتخابي أو ذاك مضافا إليها دراسة دوافع الدولة (الحكومات) في اختيار وتفضيل نظام انتخابي على غيره كمنع تمثيل بعض الأقليات والقوميات في الدولة، أو اتساع حجم الدوائر الانتخابية في بعض أقاليم الدولة وتحجيمها في مناطق أخرى وغيرها. ويعرف النظام الانتخابي بأنه عبارة عن الطريقة التي يتم بها اختيار الناخبين لنوابهم أو الآلية التي بموجبها تمثل رغبة الهيئة الناخبة عن اقتناعها باختيار ممثليهم في البرلمان.

وبموجب الاختلاف البيئي في بنية الدولة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية تتنوع النظم الانتخابية إلى عدة أنواع منها :

1. نظام الانتخابات المباشر وغير المباشر يقوم الناخبون في نظام الانتخابات المباشر باختيار نوابهم مباشرة بدون وساطة أخرى، أما الانتخاب غير المباشر فان الناخبين فيه يختارون مندوبين عنهم أي الناخب من الدرجة الثانية يقومون بالاقتراع، وبصفة عامة فأن الفقه الدستوري يرى في هذا النوع من الانتخابات وسيلة غير ديمقراطية كونه يضع عائقا أمام النائب وأمام نائبه.

2. نظام الانتخاب الفردي ونظام القائمة وفي ظل الانتخاب الفردي تقسم الدولة إلى دوائر انتخابية صغيرة المساحة والسكان،ويقوم الناخب بموجب هذا النظام بالتصويت لمرشح واحد، ويجري في هذا النظام تمثيل هذه الدوائر بنائب واحد فقط، ويعد هذا النظام من أفضل أنواع الأنظمة لان الناخب فيه يتمكن من تحديد كفاءة نائبه، إلا أن من عيوب هذا النظام أنه يحتاج إلى استعدادات مالية وإدارية وتنظيمية كبيرة تكلف الدولة الكثير من قدراتها، أما في نظام الانتخاب بالقائمة فتكون المنافسة على أساس القوائم الانتخابية، وعلى كل حزب منافس تقديم قائمة بأسماء مرشحيه ضمن الدوائر الانتخابية، و هذه الطريقة في نظر الكثير من المختصين لا تتسم بالحرية الانتخابية الكافية لأنها لا تعطي الصورة الواضحة للمرشحين كما تجعل الطريق أمامهم للوصول إلى سدة الحكم أمرا ميسورا.

3. نظام الانتخاب بالأغلبية والتمثيل النسبي نظام الأغلبية يعني ان المرشح الذي يحصل على أصوات تفوق عدد أصوات كل من المرشحين المنافسين الآخرين في الدوائر الانتخابية يعد فائزا، وغالبا ما ينطبق هذا النوع من الأنظمة في الدول التي تجعل دوائرها الانتخابي صغيرة المساحة كما هو الحال في بريطانيا مثلا، وكذلك يمكن تطبيقه في نظام القائمة المغلقة حيث تفوز القائمة التي تحصل على أكثرية الأصوات، ويأخذ هذا النظام الانتخابي إحدى الصورتين : الأولى هي نظام الأغلبية المطلقة، وهو ان يحصل المرشح على أغلبية أصوات الناخبين.
   أما الحالة الثانية فهي الأغلبية النسبية، والتي يتنافس فيها المرشحون على نصف الأصوات +1 % من أصوات المقترعين.

4. نظام تمثيل المصالح والحرف يهدف هذا النمط الى تمثيل الاتجاهات الاجتماعية للأمة، بمعنى آخر يتم تقسيم الناخبين بحسب نوع المهنة والحرفة أو العمل الذي يمارسه الناخب، وهكذا فان البرلمان الناتج عن ممارسة هذا النظام الانتخابي يضم جميع الفئات الاجتماعية، ومن مميزات هذا النظام تقليل سيطرة حزب سياسي أو مجموعة من الأحزاب على مفاصل الحياة السياسية في الدولة، وعادة ما يرتبط تنفيذ هذا النظام في الدول ذات النهج الاشتراكي كالصين والكوريتين.

5. النظام المختلط :

   يأخذ هذا النظام بمبدأ المزج بين نظام التمثيل بالأغلبية والنظام النسبي، ويجري فيه تقسيم الدولة الى دوائر انتخابية متعددة بعضها قائم على التمثيل النسبي والبعض الآخر على التمثيل بالأغلبية غير ان هذا النظام لا يحقق العدالة بين الدوائر المختلفة كونه يحدد معيارين مختلفين ضمن الإطار الجغرافي الواحد للدولة.

     علاقة الجغرافية بالانتخابات للبيئة الجغرافية وضوابطها الأثر المباشر على مسرح الحياة السياسية للدولة، وبما ان السلوك الانتخابي هو احد إفرازات العملية السياسية لذا يمكن إبراز فحوى هذه العلاقة بعاملين جغرافيين أساسيين هما: العامل البشري يعد السكان أساس الدولة وكيانها البشري وهم الذين تقع عليهم عملية الاقتراع برمتها، وهم المستفيدون من عملية الانتخابات التي تساهم في تكوين الأنظمة السياسية وإدارة البلد وموارده، فالعامل الديموغرافي يشكل المبدأ الأهم في سير العملية الانتخابية في الدولة وعلى أساسه يتوقف حجمها ونتائجها وشكل الدولة ونظامها السياسي، ينتج ذلك من عدة أمور: ا.الحجم السكاني: يعد الحجم السكاني (تعدادهم) العمود الفقري الذي تستند عليه العملية الانتخابية وبرامجها، ولا يحسب عادة الحجم هو المعيار الصحيح في الانتخاب لان العبرة ليست بحجم المجتمع، وإنما بمدى تفاعله الحضاري الصحيح ووعيه المناسب بالانتخاب ومدى اختياره للحياة السياسية الملائمة وبمدى تناسبه مع حجم الإنتاج القومي للدولة.

ب. التركيب السكاني: يقصد به دراسة الخصائص الديموغرافية الكمية للسكان والتي يتم الحصول عليها من خلال التعدادات السكانية الرسمية للدولة، ويستفاد من دراسة هذا التركيب التعرف على التراكيب السكانية، بمعنى أخر تركيب السكان على أساس النوع والجنس ومعرفة مقدار التمثيل السكاني للفئات السكانية المشاركة في الانتخابات وتحقيق مبدأ العدالة السياسية في إشراك الإناث في تحديد مستقبل الدولة السياسي من جهة، وضمان لحقوقها الاجتماعية من جهة أخرى، كما يستفاد من دراسة التركيب السكاني طبيعة التعرف على الهوية القومية و(الاثنية) للدولة لتوخي جميع الخيارات السياسية بغية تحقيق التوازن السياسي في تحديد نوع النظام الانتخابي المناسب للدولة وأبعادها الديموغرافية. 

ج. التركيب الاجتماعي والثقافي :

    تتأثر الانتخابات بوصفها نشاطا بشريا بمؤثرات اجتماعية وثقافية مختلفة مرتبطة أساسا بالسكان داخل مجتمع الدولة، إذ يساهم التعليم وارتفاع المستوى الثقافي للسكان بتفهم اكبر لمجريات أهداف عملية الانتخابات وتحقيق المشاركة الفاعلة في إنجاحها، مما ينعكس بظلاله الايجابية أو السلبية على طبيعة النتائج السياسية المترتبة على ذلك، وكذا الحال في العامل الاقتصادي للسكان(6)، فضلا عن طرق النقل والمواصلات التي توفر الاتصال اللازم بين الناخب والدائرة الانتخابية، فضلا عن العوامل الدينية والتقاليد الاجتماعية والقبلية التي تؤثر الى حدا ما في نتائج عملية التصويت.
العامل الطبيعي يتحقق اثر العوامل الطبيعية المؤثرة في سير العملية الانتخابية وبخاصة سلوك الناخبين وتحليل وربط هذا السلوك بالبيئة الجغرافية للدولة من خلال العوامل التالية ا.مظاهر السطح (الطبوغرافيا):

   تتأثر حركة السكان وسلوكهم المكاني بنوعية وطبيعة المكان ومنها درجة تضرس السطح وطبوغرافية الأرض ومقدار تفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية. وهنا تلعب التضاريس الدور الكبير في تحديد سهولة حركة الناخبين الى دوائرهم الانتخابية فكلما ازداد تضرس الأرض تطلب زيادة في عدد الدوائر الانتخابية وزيادة المشرفين عليها، فالتنظيم المكاني الدوائر الانتخابية يتوقف على طبوغرافية المكان.

ب. المناخ وعناصره:

   يؤكد حتميوا البيئة الأوائل بان المناخ هو العنصر المتحكم بسلوك الإنسان وتعدد أنشطته، وهناك علاقة وثيقة في التطابق بين الأقاليم الحضارية والمناخية في العالم.وعملية الانتخابات - كأي نشاط بشري - تتأثر بالمناخ وعناصره، فسوء الأحوال الجوية من انخفاض درجات الحرارة وتساقط الثلوج والعواصف والأعاصير وهطول الأمطار والتغير المفاجئ في الطقس له علاقة مباشر بحركة السكان وأدائهم الانتخابي، فالمناخ هو الذي يحدد الأجواء المناسبة لإجراء العملية الانتخابية في عموم البلاد ويحدد مقدار نجاحها إداريا ونفسيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا