مدينة اليوم وتغييب الهوية الحضرية
- صحيفة المثقف - عمار الشاهين
أن الهويةَ الثقافيةَ والحضاريةَ لأمة من الأمم ، هي القدر الثابت والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامه، التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات،
والتي تمنحها الشخصية الوطنية ولا ترتبط الهوية بالضرورة بالماضي أكثر من ارتباطها بالمستقبل وطموح الأمة وآمالها.
ولكل مدينة خلفية تاريخية وجغرافية واقتصادية وتخطيطية تكسبها طابع وهوية حضارية تبرزها التفاصيل المعمارية المميزة لها والتي تشعر بوجودها بمجرد السير في الطرقات وملاحظة نمط البناء واشغال المساحات ولا تعني التشابه بقدر كونها مرجعية التفاصيل ووحدة النمط العمراني وطراز البناء المستخدم والكيفية التي يمتزج بها التاريخي بالحديث مما يمنح المدن العمق الاجتماعي / الانساني الذي يؤثر على خصائص التركيبة المجتمعية للساكنين .
مما تقدم ومن خلال المحاور التي سنطرحها سنحاول وضع اليد على بضعة امور ومشكلات تعاني منها مدينة اليوم في ضل المد العمراني الحضاري الغير مهيئ له والذي يزيد من تاثيره التغييب المتعمد والغير متعمد للارث العمراني والموروث الشعبي المتوارث , وذلك بدراسة:
اولا: النمو الحضاري والعمراني للمدن .
ثانيا: تحديات الابقاء على هوية المدينة .
اولا: النمو الحضاري والعمراني للمدن :
ان امتلاك المدينة لمحفزات النمو يلعب دورا كبيرا في تطورها حضاريا وعمرانيا لكونها تصبح بؤرة جذب للسكان والنشاطات فكون بغداد مركز تجاري وثقافي وعاصمة ساهم في امتدادها واتساعها واكسابها الهوية العمرانية والحضارية ومثله ايضا وجود الموانئ في البصرة والرموز الدينية في المدن المقدسة كالنجف وكربلاء وتعتبر الجامعات والمراكز العلمية والبحثية من محفزات النمو التي تساهم في تطور المدن .
وبالنسبة للعراق كمثال فان امتيازه ببعض الصفات الجغرافية (الطبيعية) كوجود النهرين دجلة والفرات وسط السهل الرسوبي الواسع والتربة الخصبة من جانب، والعوامل التاريخية ومجمل الإحداث البشرية التي تعاقبت على أراضيه من جانب أخر جعلت منه موطنا للحضارة ، الأمر الذي مكنه أن يصبح الموطن الأول لظهور طلائع المستقرات البشرية الأولى وقيام الحياة الحضرية في العالم كما تشير الدلائل الآثارية والنصوص التاريخية التي تعود إلى العصر الحجري القديم.
فحدثت تغييرات كثيرة للمدن على مدى العصور المختلفة ، وتغيرت انماط البناء والعمارة ودخلت مواد بناء جديدة وخاصة عندما زحفت حضارة الكونكريت لتمتد في جميع اطراف المدن لتغطي على الكثير من المعالم الاثرية .
ثانيا : تحديات الابقاء على هوية المدينة :
تطرا على المدينة اشكال من التغير الحضري يؤثر في شكل البناء المعماري من حيث استحداث فضاءات حضرية جديدة والغاء بعض الفعاليات نتيجة التغير بنمط الاستعمال والذي يتاثر بالتقدم التقني وامكانية التحكم الكبير في البيئة واستخدام مواد بناء جديدة قد تتلائم مع البيئة والاتجاه الى استغلال الارض الى ابعد الحدود بالارتفاع في البناء بما ينتج عنه كثافة بنائية عالية وخط سماء جديد يهيمن على الدلالات المحلية الموجودة في المدينة , وتعود اسباب التغير الى مجموعة من الاسباب ترتبط ببعضها داخل المدينة لتخلق التغير العمراني الحضري ومنها :
1. تحديات تفرضها العلاقة بين الثقافة والاقتصاد للمدينة :
يخلق التفاعل بين البعد الثقافي والبعد الاقتصادي للبلدان اربعة انماط يضهر تاثيرها عمرانيا داخل المدن وهي حسب البلدان :
1. البلدان التي لها اقتصاد قوي وثقافة ذات تاثير قوي فانها تفرض نمطها في البيئة الحضرية وهذا ما يحصل في حالة امريكا والدول الاوربية والتي تحاول فرض انماطها التخطيطية على بقية بلدان العالم .
2. البلدان التي تمتلك بعدا ثقافيا موغل في القدم والاصالة كالبلدان العربية الا ان الجانب الاقتصادي فيها غير متكامل ولايستطيع التنافس مع التكتلات الاقتصادية العالمية مثل المجموعة الاوربية او المجموعة الاسيوية نجدها تنساق مع القوى الاقتصادية الكبرى والتي تؤثر على مدنها الذي يحتم عليها استعمالات ارض محددة تتماشى مع المتطلبات الاقتصادية العالمية .
3. البلدان التي تمتلك قوة اقتصادية ولكنها لاتمتلك بعدا ثقافيا فانها ستحاول استيراد ثقافات البلدان الاخرى لكونها سوف لن تتعارض مع ما موجود من ثقافة محلية لعدم عمق ثقافتها وهشاشتها .
4. البلدان التي لاتمتلك البعدين ( الاقتصادي و الثقافي ) فهي في الغالب مجتمعات بدائية تعيش في عصر اخر وهي بعيدة عن هذه المشكلة
1. العشوائية في التوسع العمراني وسوء استخدام الأرض سوف بسبب غياب او عدم تطبيق التشريعات التي تعمل على الحد من هذه العشوائية وسوء الاستخدام وغياب السلطة التنفيذية والقانون لتطبيق ذلك على أرض الواقع.
2. تغير ادراك المتلقي لهوية البنية الحضرية في المدينة بسبب تغير المفاهيم الفكرية والثقافية وارتباطها بالحضارة العصرية والتشبع بحمى الحداثة كالتغيرات التي تطرء على مواد الانهاء وتغليف البنايات بالالمونيوم والزجاج وغيره من المواد البناء ذات المضهر الواحد .
3. تأثر البيئة العمرانية بتغير التعامل مع المفاهيم الاجتماعية والنفسية للخصوصية والمتأثر بالمتغيرات الثقافية.
4. استهلاك الأرض بشكل كبير ومحاولة استغلال كل متر منها في البناء دون أن يوازي ذلك أي اهتمام بالموارد والهواء والمساحات الخضراء .
واخيرا فان الحفاظ على الهوية الحضارية العمرانية للمدينة ياتي من خلال التخطيط الحضري الحقيقي القادر على استخدام صفات ومميزات المدينة من خلال الوسيلة العلمية المنظمة بتباع سلسلة من العمليات المترابطة والمتعاقبة لبلوغ غايات وأهداف معينة ضمن إستراتيجية مقررة وخلال فترات زمنية محددة, والذي عند نجاحه سوف يساهم في تحسين بيئة الحياة الحضرية ويخلق مناخا مناسب للسكن والخدمات الذي ينعكس بدوره بصورة ايجابية على حياة الساكنين أولا والسكان الوافدين للمدينة ثانيا، لان السكان في أي مكان هم هدف التخطيط الأساسي للمكان.
كما على المجتمع أن يبني مبانيه بكل دقة و تأني واهتمام حتى تعمر لفترة طويلة وتكون بمثابة السجل المعماري الحي للأجيال القادمة الذي ينعكس على الاهتمام في التحكم في النسب الجميلة، واختيار المواد المعمرة والإنشاء المتين،والتفاصيل الجيدة، والزخــرفة الملائمة المتمشية مع هوية البيئة الموجودة بها و العمل على إيجاد عمارة دائمة والاهتمام بالمحافظة على المباني القديمة كجزء من التاريخ الذي يجب المحافظة عليه بصون خصائص المبنى وليس بترميمه وتغليفه بالالمنيوم وذلك لكون الترميم قد يؤدي الى تغيير في الملامح الأصلية للمبنى والتي تضهر الجانب التاريخي للعمل المعماري, بهذا تتحقق له صفة التاريخية و يكون العمل مساهمة في إثراء الارث الحضاري .
......................
المراجع :
• مجلة المخطط والتنمية / العولمة وهوية بناء الصورة الذهنية للفضاءات الحضرية .
• استراتيجيات وسياسات التخطيط المستدام والمتكامل لاستخدامات الأراضي والمواصلات في مدينة نابلس/ اعداد مجد عمر حافظ ادريخ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق