التسميات

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

جغرافية الانتخابات ...

جغرافية الانتخابات
     تطورت الجغرافيا السياسية من دراسة الدولة كونها وحدة سياسية إلى دراسات عديدة متعمقة ترتبط بالتحولات الاقتصادية و السياسية و العالمية التي طرأت على الساحة السياسية في الفترة الأخيرة .
    و من ثم فالجزء التالي يعرض ماهية جغرافية الانتخابات و نشأتها و تطورها و أهميتها و مجالاتها و مناهج دراستها و علاقتها بالعلوم الأخرى .

1- ماهية جغرافية الانتخابات:
   من أحد نتائج الاتجاهات المعاصرة في الجغرافيا السياسية هو ظهور فروع جديدة لها و كان من أهم هذه الفروع " جغرافية الانتخابات " Electoral Geography و التي وجدت على يد أندريه سيجفريد " Endre Sigfreid " من المدرسة الفرنسية لذا يعتبر أبا لجغرافية الانتخابات .
   و تدرس جغرافية الانتخابات النشاط الانتخابي داخل الدولة عن طريق تحليل الدوائر الانتخابية ، التعرف على التباين المكاني في التصويت و التأثيرات الجغرافية التي نتج عنها هذا التباين ، دراسة الحملات الانتخابية للمرشحين و البعد الجغرافي لها ، و دراسة السلوك التصويتي للأفراد و الجماعات و ذلك بالتعرف على العوامل الاقتصادية والاجتماعية و التاريخية و الثقافية و غيرها من الأمور التي تشكل الرأي العام للناخبين.
   و قد عرف " جاسم كرم " جغرافية الانتخابات بأنه ذلك الفرع المعاصر للجغرافيا السياسية و الذي عن طريقه نستطيع تفسير التباين فى الأنماط الانتخابية السائدة في مكان معين و دراسة و تحليل تغيرات السلوك التصويتي للناخب من مكان لأخر أو من دائرة انتخابية لأخرى و معرفة أسباب هذا التغيير .
   كما عرفها محمد محمود الديب بأنها العلم الذي يدرس الأبعاد المكانية في مناورات الساسة على المستويات المحلية و القومية و الإقليمية للوصول للحكم .
  و هناك من يرى أنه لا علاقة لجغرافية الانتخابات بالجغرافيا السياسية و أنها أقرب إلى علمي الاجتماع و السياسة أكثر من علم الجغرافيا ، في حين يرى فريق آخر أنها تدخل في صلب هيكل الجغرافيا السياسية الحديثة لتكون فرعا تطبيقيا مستقلا بذاته . هذا بالإضافة إلى الجدل عما يكون أن تضيفه جغرافية الانتخابات للجغرافيا السياسية و حول النهاية التي ترمى إليها الدراسات من غايات .
   و يمكن القول أن جغرافية الانتخابات هي الفرع الجغرافي الذي يتناول العوامل الجغرافية المؤثرة على العملية الانتخابية عن طريق دراسة خصائص العملية الانتخابية و مشكلاتها من كافة جوانبها و دراسة القوى السياسية المؤثرة في الانتخابات و مدى تأثيرها على الناخبين و البحث فى أسباب ذلك .

2- نشأة جغرافية الانتخابات و تطورها :
    ظهرت جغرافية الانتخابات كموضوع في إطار الجغرافيا السياسية في العقد الثاني من القرن العشرين و تزامن ذلك مع ظهور الجغرافيا السياسية كونها علما مستقلا ذا منهج محدد و منظم فى أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين حيث نشر عالم الجغرافيا البشرية الألماني فريدريك راتزل " F . Ratzel " كتابه الشهير تحت عنوان الجغرافيا السياسية علم 1897 م .
   أول دراسة في مجال جغرافية الانتخابات كانت عام 1913 عندما أجرى سيجفريد بحث عن الانتخابات في إقليم " أردش Ardeche " بغرب فرنسا و علاقتها بالظروف الجغرافية و الاقتصادية و الاجتماعية .
    و في عام 1916 قدم Krehbiel دراسة عن دلالة المؤثرات الجغرافية فى تحليل النتائج البرلمانية البريطانية بين 1885 – 1910 و اهتمت الدراسة بدراسة العلاقات المتبادلة بين نتائج الانتخابات و الإحصاءات المهنية.
   في عام 1918 قام Carl Sauer بدراسة تقسيم الدوائر الانتخابية للكونجرس بهدف إظهار الجريماندرية Gerrymander · . و حدد العوامل الطبيعية المؤثرة على التقسيم بضمه عوامل و هي : الموقع - طبوغرافية سطح الأرض – أنواع التربة - الصرف – مصادر المعادن ؛ و كلها عوامل تميز الدوائر الانتخابية .
   و في عام 1932 تم نشر سلسلة من الخرائط تبين انتخابات رئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة الأمريكية و الطريقة التي صوت بها أعضاء المقاطعة و أظهرت هذه الخرائط الفروق الإقليمية التي لا يستطيع المعلقون السياسيون إدراكها و ذلك من خلال أطلس الجغرافيا التاريخية للولايات المتحدة .
    و في عام 1949 درس سيجفريد التطور التاريخي للانتخابات في الفترة 1871 – 1940 في منطقة تقع على الضفة الغربية لنهر الرون ، و رسم مجموعة من الخرائط توضح نتائج الانتخابات و قارن بينها و بين المظاهر الجغرافية و الاقتصادية و الاجتماعية في المنطقة.
  و توالت الدراسات بعد الحرب العالمية الثانية و كانت أغلبها على أيدي جغرافيين فرنسيين و أمريكيين ففي عام 1959 قدم بريسكوت Prescott دراسة في وظيفة و طريقة جغرافية الانتخابات و فيها اقترح أن تكون الدراسات الانتخابية نقطة البداية للبحث العلمي في الجغرافيا السياسية عن طريق إيجاد معيار للتقسيم الإقليمي للدولة بالإضافة إلى ضرورة أن يكون النظام الانتخابي خاليا من الانحياز إلى طرف دون الآخر ، و إن وجد هذا الانحياز فلن تكون هناك فائدة تجرى من الإحصائيات الانتخابية .
   و في السبعينات من القرن العشرين ظهرت العديد من الدراسات كما في ألمانيا و الهند و اليابان و انجلترا و دول ما بعد الشيوعية و هولندا و فى أواخر السبعينات اهتم الجغرافيين بدراسة الحملات الانتخابية للمرشحين .
  زاد الاهتمام بدراسة جغرافية الانتخابات في دول العالم المتقدم لأنها تأخذ بنظام الديمقراطية الليبرالية .
   و عقب انتهاء الحرب الباردة اكتسب موضوع الانتخابات بعدا جديدا حيث أصبحت الديمقراطية هدفا عالميا تطمح إليه كافة الشعوب ؛ خاصة البلدان التي كانت تحت وطأة أنظمة الحكم الشمولية التي كانت سائدة في الدول التي أخذت بالنهج السوفيتي في الحكم .
   و تتميز جغرافية الانتخابات في الوقت الحاضر بطابع العالمية تبعا لإشاعة الديمقراطية ، إلا أنها تعانى من صعوبات كثيرة في وجه محاولات  وضع أسس و قواعد هامة تنطبق على كل دول العالم نظرا لكون عملية الانتخابات عبارة عن قضية داخلية ترتبط بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية لكل دولة ، كما أن هذه الظروف عرضة للتغير المستمر ؛ و بالتالي تتعدد و تتغير أنظمة العمليات الانتخابية ؛ مما يعرقل التحليل الجغرافي للانتخابات على مستوى العالم ، و لا يؤدى فى النهاية إلى خلاصة عامة يمكن الاستناد عليها كحجة علمية .

3- مجالات دراسة جغرافية الانتخابات:
يمكن تحديد ميادين دراسة جغرافية الانتخابات في الآتي :
- التحليلات الجغرافية للدوائر الانتخابية.
- التباين المكاني للتصويت و أسبابه و تغيره.
- النظام الانتخابي و مغزاه الجغرافي.
- البرامج الانتخابية للأحزاب و القوى السياسية المشتركة فى المنافسة ليستدل منها على الاعتبارات الاقتصادية و الاجتماعية التي أثرت على الأفراد عند اتخاذ قرارات التصويت.
- الخصائص الديموغرافية و السياسية للناخبين و المرشحين.
- طريقة توزيع المقاعد الممثلة للدوائر الانتخابية.
- الدعاية و مدى تأثيرها بالبيئة المحلية ؛ و آثرها في خلق توجهات معينة لدى الناخبين.
- تخطيط الحملات الانتخابية للمرشحين.
- البيئة الجغرافية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية للدوائر الانتخابية و تأثيرها على السلوك الانتخابي
- السلوك التصويتي للفرد و الجماعة بهدف الوقوف على العوامل الجغرافية المكانية التي تؤثر على السلوك التصويتي.
  هناك موضوعات آخري جذبت اهتمام الجغرافيين المهتمين بالانتخابات في السنوات الأخيرة كدراسة الأحزاب السياسية و أقاليم الدعم الجغرافي لها ، و أشكال التصويت في المجالس التشريعية ، و دور الأيدلوجيات في توجيه السلوك الانتخابي للسكان .

4- مناهج الدراسة في جغرافية الانتخابات:
   المنهج هو التنظيم الجيد أو الترتيب الصائب للعمليات العقلية التي يقوم بها الباحث عند دراسة مشكلة ما بهدف الكشف عن حقيقتها و البرهنة عليها . كما يمكن تعريفه بأنه أساليب معروفة لنا تستخدم في عمليات تحصيل المعرفة الخاصة بظاهرة معينة
تغيرت مناهج البحث في جغرافية الانتخابات لإبراز و تأكيد علاقتها الحميمة بالجغرافيا معتمدين على التفسير و التحليل و رسم الخرائط لنتائج الانتخابات و التي توضح التباين في أنماط التصويت و يمكن حصر هذه الطرق في منهجين هما المنهج المساحي و المنهج المكاني.

أ- المنهج المساحي " Areal approach " :
   و هو المنهج الذي اعتمد عليه سيجفريد في دراسته للانتخابات في منطقة أردش بفرنسا علم 1913 ، و تتلخص طريقة هذا المنهج في تحليل نمط السلوك البشرى و إظهار التباين المكاني للناخبين و علاقتهم بالمتغيرات الجغرافية كالعوامل الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و البيئية ، كما يركز على دراسة الاختلافات المكانية فى نتائج التصويت من خلال استخدام العلاقات المساحية مع الآخذ في الاعتبار تحديد المتغيرات الجغرافية التي تساهم في صياغة المواقف السياسية و السلوك الانتخابي للسكان كما يهدف هذا المنهج إلى تحليل الأنماط المكانية كنتائج الانتخابات فى ضوء علاقتها الايكولوجية ، و على الباحث في هذا المنهج أن يكشف عن خصائص الناخبين و تحليل شخصياتهم التي أثرت فى عملية التصويت ، و من ثم يتضح الصالح العام لهذا الحزب أو ذلك ، و يدخل في هذه الخصائص التباين المكاني في الظروف البيئية و الاقتصادية و الاجتماعية .

ب- المنهج المكاني " Spatial approach " :
   اتجهت دراسة جغرافية الانتخابات بعد عام 1960 إلى نفس الاتجاه الحديث الذي اتجهت إليه الدراسات الجغرافية بصفة عامة فقد انتقل محور التركيز من التركيز المساحي " Areal" إلى التحليل المكاني " Spatial " و من التركيز على الخصائص الموقعية إلى الاهتمام بالموقع النسبي و التفاعل المكاني .
   لذا المنهج المكاني - السلوكي يهتم بقياس التغيرات المكانية و تحليلها مثل المسافة و الرابطة و الصلة و أثر الجوار في السلوك الانتخابي للفرد . و بناء عليه فإن ذلك المنهج يرى أن السلوك الانتخابي للفرد لا يرجع إلى التغيرات المكانية في الوحدة المساحية فقط ؛ و إنما لوجوده في وسط جغرافي متميز يؤدى إلى الاستجابة الانتخابية للفرد .
   كلا من المنهجين المساحي و المكاني – السلوكي يهتمان بأثر التباين المكاني على السلوك التصويتي للناخب في ضوء جغرافية المكان الذي يعيش في ظله أو دراسة إجماليات نتائج التصويت في كل منطقة في ضوء ظروفها الجغرافية .
   بالإضافة للمنهجين السابقين لا يمكن الاستغناء عن المناهج الأساسية  في الجغرافيا السياسية ، و التي تمكن الباحث من تفسير العديد من العناصر  في العملية الانتخابية ، و منها المنهج الأصولي " Principle approach " و الذي يبحث في مفاهيم و أسس جغرافية الانتخابات و طرق البحث فيها و أهدافها ، و المنهج التاريخي " Chronological approach " و الذي يوضح التطور التاريخي لظاهرة الانتخابات ، و ما يتعلق بها من تقسيم الدوائر الانتخابية و النظام الانتخابي المتبع حيث أن ظاهرة الانتخابات ظاهرة مستمرة و تتغير من فترة لأخرى . و المنهج الوظيفي " Functional approach " و يمكن من خلاله تحليل التقسيمات الانتخابية و القوانين التي ترتبط بالعملية الانتخابية و أيضا تحديد الاتجاهات السياسية و تحليلها في الدولة و رصد مدى التباين الإقليمي فيها .
  و بالرغم من تعدد المناهج فهذا لا يعنى تضارب ، بل أن لكل منها ضرورته و أهميته ؛ فقد لا يصلح أحدهم دون الآخر لحاجة البحث إليه .

5- علاقة جغرافية الانتخابات بالعلوم الأخرى:
   ترتبط جغرافية الانتخابات بالعديد من العلوم الأخرى شأنها فى ذلك شأن علم الجغرافيا الذي يتصف بالشمولية نتيجة الارتباط بالعديد من العلوم الأخرى الناتج عن عملية الامتصاص الفكري لتلك العلوم .
  و نجد جغرافية الانتخابات ترتبط ارتباطا وثيقا بالعلوم السياسية و علم الاجتماع السياسي و علم القانون و علم النفس البيئي و الذي يهتم بدراسة العلاقة بين السلوك البشرى البيئة التي يعيش فيها و يتفاعل معها .
    مصطلح أمريكي معناه التلاعب في الانتخابات خاصة في رسم حدود الدوائر الانتخابية لمحاباة أحد المرشحين ؛ و هو نسبة لحاكم ولاية ماساشوسين Elbridge Garry الذي ابتدع نظام التقسيم التفصيلي للدوائر الذي بمقتضاه أعيد رسم دوائر مقاطعة Essex بصورة تسمح للحزب الحاكم بتحقيق ما يصبو إليه من أغلبية و تفتيت أصوات المجموعات المعارضة و ذلك في الانتخابات التي كان مزمع إجراءها في عام 1812.

المصدر: الجغرافيون العرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا