التسميات

الجمعة، 12 سبتمبر 2014

الأبعاد المكانية في شعر المتنبي ...

الأبعاد المكانية في شعر المتنبي 

أ.د. عبدالرحمن بن سعود بن ناصر

    لقد ورد في شعر ابي الطيب المتنبي اسماء مجموعة من الأقاليم والأماكن والبقاع والبحار والأنهار والمياه والجبال، وكلها تدخل ضمن جغرافية الأرض، وسوف نذكر هنا هذه الاسماء مع أخذنا بعين الاعتبار شرح العكبري لبيت الشعر إضافة الى ما ورد عن هذه الاسماء في معجم البلدان لياقوت الحموي.
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يذكر بها خروجه من مصر:


ضَرَبْتُ بها التِّيهَ ضَرْبَ القِما
امَّا لهذا وامَّا لذا


    يقول العكبري في شرح هذا البيت: التيه: الأرض البعيدة التي يتاه بها لبعدها، وهو هنا تيه بني إسرائيل، وهو الذي بين القلزم البحر الأحمر( وأيله ) العقبة ، ويسمى أيضا بطن نخل، وعليه اخذ المتنبي( لما هرب من مصر الى العراق)، والمعنى : سلكت بهذه الناقة )ذكرها في الأبيات السابقة لهذا البيت( هذه المسالك المخوفة، إما للنجاة، وإما للمخاوف، وإما أن أفوز وأنجو ، وإما أن أهلك فأستريح.
ويقول الحموي: التيه: هو الموضع الذي ضل فيه موسى بن عمران عليه السلام وقومه، وهي أرض بين أيله ومصر وبحر القلزم وجبال السراة من ارض الشام. ويقال إنها أربعون فرسخا في مثلها، وقيل اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ. والغالب على أرض التيه الرمال، وفيها مواضع صلبة، وبها نخيل وعيون مفترشة، يتصل حد من حدودها بالجفار، وحد بجبل طور سينا، وحد بأرض بيت المقدس وما اتصل به من فلسطين، وحد ينتهي الى مفازة في ظهر ريف مصر إلى حد القلزم.
ويقول الحموي : الفرسخ: قال الحكماء: استدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل أربعة آلاف ذراع، فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، والذراع أربع وعشرون إصبعا، والإصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها الى بعض وقيل: الفرسخ اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة تكون بذرع المساحة الذراع الهاشمية، وهي ذراع وربع بالمرسل تسعة آلاف ذراع وستمائة ذراع.
وقال قوم: الفرسخ سبعة آلاف خطوة، ولم أر لهم خلافا في ان الفرسخ ثلاثة أميال والميل: قال بطليموس في المجسطي: الميل ثلاثة آلاف ذراع بذراع الملك، والذراع ثلاثة أشبار، والشبر ستة وثلاثون إصبعا، والإصبع خمس شعيرات مضمومات بطون بعضها الى بعض، قال: والميل جزء من ثلاثة أجزاء الفرسخ، وقيل: الميل ألفا خطوة وثلاثمائة وثلاثون خطوة، أما أهل اللغة فالميل عندهم مدى البصر ومنتهاه ( الميل في الوقت الحاضر يساوي : 6093 ،1 كلم(.
وقال المتنبي في نفس القصيدة:


فَمَرَّتْ بِنخلٍ وفي رَكْبها
عَين العَالمين وعَنهُ غنى


    يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: مرت هذه الإبل بنخل، وهو ماء معروف وفي ركبها يعني ركبانها يريد نفسه وأصحابه عن هذا الماء وعن كل من في الدنيا غنى، لأنهم اكتفوا بما عندهم من الجلد والحزامة عن الماء وغيره.
ويقول الحموي: نخل: منزل من منازل بني ثعلبة: من المدينة على مرحلتين. وقيل : موضع بنجد من أرض غطفان مذكور في غزاة ذات الرقاع، وهو موضع في طريق الشام من ناحية مصر. ذكره المتنبي (أورد الحموي البيت السابق(.
وقال الشاعر في نفس القصيدة:


وأمست تُخيرنا بالنِّقا
ب وادي المياه ووادي القُرى


   يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: إنا لما وصلنا هذا الموضع رأينا عنده طريقين: طريقا إلى وادي القرى، وطريقا الى وادي المياه. قدرنا السير إلى أحدهما، فجعل هذا التقدير كالتخيير من الإبل، كان الإبل خيرتهم: ان شئتم سلكتم هذا وان شئتم هذا، وهذا على المجاز والاتساع، وقيل في التخيير: تأويلان: أحدهما أن الهوادي من الخيل والإبل إذا وصلت مفرق طريقين تلتفت إليهما لتؤذن بالحث على سلوك أحداهما، وهذا كأنه تخيير والثاني إنه على سبيل المجاز.
ويقول الحموي: النقاب: موضع من أعمال المدينة يتشعب منه طريقان إلى وادي القرى، ووادي المياه ذكره أبو الطيب: ووادي المياه: بسماوة كلب بين الشام والعراق، ووادي القرى: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى.
وقال أبو الطيب المتنبي في نفس القصيدة: 


وقلنا لها أين أرض العراق
فقالت ونحن بِتُرْبان : ها


   يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: قال ابن جني: قلنا للإبل ونحن بهذه الأرض المسماة «بتُربان» وهي من أرض العراق، فقالت: ها هي هذه. وهذا كله مجاز كالذي قبله.
ويقول الحموي: العراق: البلد المعروف. والعراقان: الكوفة والبصرة، سميت بذلك من عراق القربة، وهو الخرز المثني الذي في أسفلها، إي إنها أسفل أرض العرب.
وقال أبو القسام الزجاجي: قال ابن الأعرابي: سمي عراقاً لأنه سفل عن نجد ودنا من البحر. وتربان: قرية من ملل على ليلة من المدينة.
وقال المتنبي في نفس القصيدة:


وهبَّت بحسمى هبوب الدَّبو
ر مُستقبلاتٍ مهبَّ الصبا


    يقول العكبري في شرح هذا البيت: حسمى: موضع فيه ماء من ماء الطوفان، وكان المتنبي يصفه بالطيب ويقول : هو أطيب بلاد الله وشبه العيس(الإبل) بالريح استعارة، لأنها أقبلت من المغرب الى المشرق، كما يقابل الدبور الصبا، لأن الدبور تهب من الغرب، والصبا تقابلها من مطلع الشمس.
ويقول الحموي: حِسْمَى: هو أرض ببادية الشام، بينها وبين وادي القرى ليلتان، وأهل تبوك يرون جبل حِسْمَى في غربيهم، وفي شرقيهم شروري، وبين وادي القرى والمدينة ست ليال.
وقال الشاعر في قصيدة يهجو بها وردان وكان أفسد عبيده:


مررنا منه في حِسْمَى بعَبدٍ
يُمجّ اللؤم مَنخِره وَفوهُ

   يقول العكبري عن هذا البيت: حسمى (بالكسر): اسم أرض بالبادية، غليظة لا خير فيها، ينزلها جذام، ويقال : آخر ماء صب من ماء الطوفان بحسمى، فبقيت منه هذه البقية الى اليوم، وفيها جبال شواهق ملس الجوانب، لا يكاد القتام يفارقها، ويمج، المج من فوق، والبج: من أسفل . والمعنى: يقول: مررنا منه بهذا الموضع، بعبد يقذف اللؤم من منخره وفيه.
وقال أبو الطيب أيضا في القصيدة التي يذكر بها خروجه من مصر:


روامي الكِفافِ وكبد الوهاد
وجارِ البُويرة وادي الغضى

   يقول العكبري عن هذا البيت: المعنى: يريد إن هذه الإبل قواصد هذه المواضع. ويقول: وادي الغضى جار للبويرة بقربها، فهذه النوق روام بأنفسها هذه المواضع.
ويقول الحموي: البويرة موضع قرب وادي القرى بينه وبين بسيطة. مر بها المتنبي.
ووادي الغضى: الغضا: ارض في ديار بني كلاب، كانت بها وقعة لهم.
وقال المتنبي في نفس القصيدة:


وجابت بُسيطةَ جَوْبَ الرِّدا
ء بين النَّعامِ وبين المها

   يقول العكبري عن هذا البيت: الجوب: القطع. والمعنى: يريد إن هذه الإبل قطعت هذا المكان ، كما يقطع الرداء، ويريد ان بسيطة بعيدة عن الإنس لاجتماع الوحش بها، وهي مكان معروف، لا يدخلها ألف ولام، وربما سلكها الحجاج، وبسيطة أيضا( موضع بين الكوفة ومكة من ارض نجد).
وقال الشاعر في قصيدة قالها عند منصرفه من مصر ومشيرا بها أيضا إلى بسيطة:


بُسيطَة مهلاً سُقيتِ القِطارا
تركتِ عيون عبيدي حيارى

    يقول العكبري عن هذا البيت: بسيطة: موضع بقرب الكوفة. والقطار والقطر: المطر.
والمعنى: يخاطب هذه البقعة لما وصلها، ويقول: حيرت عيون غلماني، وذلك ان احد غلمانه رأى ثورا يلوح فقال: هذه منارة الجامع، ونظر آخر إلى نعامة، فقال : هذه نخلة، فضحك وقال. بسيطة.. البيت
ويقول الحموي : بسيطة: ارض في البادية بين الشام والعراق حدها من جهة الشام ماء يقال له أمر، ومن جهة القبلة موضع يقال له قعية العلم، وهي أرض مستوية فيها حصى منقوش أحسن ما يكون، وليس بها ماء، ولا مرعى، أبعد أرض الله من السكان، سلكها أبو الطيب المتنبي لما هرب من مصر إلى العراق.
وقال الشاعر في نفس القصيدة التي يذكر بها خروجه من مصر:


الى عقدة الجوف حتى شَفَتْ
بماء الجُراويّ بعض الصَّدى

   يقول العكبري عن هذا البيت: عقدة الجوف: مكان معروف وماء الجراوي: منهل.
والمعنى: يقول : قطعت بسيطة الى هذه المواضع حتى شفت عطشا به.
ويقول الحموي: عقدة الجوف، موضع في سماوة كلب بين الشام والعراق.
وقال أبو الطيب في نفس القصيدة:

ولاح لها صَوَرٌ والصباحَ
ولاح الشّغور لها والضحى

    يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعنى: يقول : إن «صور» هو ما لاح لها )للإبل( مع الصباح وظهرها «شغور» مع الضحى، وهو موضع بالعراق، تقول العرب: إذا وردت «شغورا» فقد اعرقت... والشغور : مشتق من قولهم: بلاد شاغرة، إذا لم يكن لها من يحميها.

الجزيرة صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخرالمواضيع






جيومورفولوجية سهل السندي - رقية أحمد محمد أمين العاني

إتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...

آية من كتاب الله

الطقس في مدينتي طبرق ومكة المكرمة

الطقس, 12 أيلول
طقس مدينة طبرق
+26

مرتفع: +31° منخفض: +22°

رطوبة: 65%

رياح: ESE - 14 KPH

طقس مدينة مكة
+37

مرتفع: +44° منخفض: +29°

رطوبة: 43%

رياح: WNW - 3 KPH

تنويه : حقوق الطبع والنشر


تنويه : حقوق الطبع والنشر :

هذا الموقع لا يخزن أية ملفات على الخادم ولا يقوم بالمسح الضوئ لهذه الكتب.نحن فقط مؤشر لموفري وصلة المحتوي التي توفرها المواقع والمنتديات الأخرى . يرجى الاتصال لموفري المحتوى على حذف محتويات حقوق الطبع والبريد الإلكترونيإذا كان أي منا، سنقوم بإزالة الروابط ذات الصلة أو محتوياته على الفور.

الاتصال على البريد الإلكتروني : هنا أو من هنا